الرسائل التسع

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

الرسائل التسع

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٩

المسألة العشرون

المعتبر في النيّة استحضار صورة الألفاظ المذكورة في الكتب في الذهن أم استحضار العلم بمعانيها والقصد إلى ذلك؟ مثلا يعتبر استحضار أمور أربعة : تعيين تلك الصلاة ، والوجوب ، والأداء ، والقربة ، سواء تقدّمت تلك المعاني أو تأخّرت في الاستحضار في الذهن أم المعتبر استحضار صورة تلك الألفاظ مرتّبة؟ ولو ذكر الألفاظ المذكورة في الكتب باللسان مع استحضار معانيها في الذهن قاصدا إلى ذلك أيصحّ أم لا؟

الجواب

المعتبر استحضار المعاني الأربعة لا الألفاظ ، وهو أن تقصد الصلاة المعيّنة وتستحضر كونها واجبة وكذا الباقي. ولا عبرة باللفظ. ولا بدّ أن يكون ذلك الاستحضار حاصلا بالفعل عند النطق بتكبيرة الإحرام. ولو ذكر الألفاظ بلسانه وكانت معانيها حاضرة في ذهنه جاز ، بشرط أن تكون تلك المعاني مستمرّة الحضور في الذهن عند التلفظ بتكبيرة الإحرام لم يذهل عنها (٥٠).

المسألة الحادية والعشرون

قولهم : إذا بعدت المسافة بين بلدين في رؤية الهلال فلكلّ بلد حكم نفسه. فنقول : إذا رئي الهلال في البلد الشرقي الشاسع (٥١) من بلدك القريب منه عرضا بحيث يكون غروب الشمس في بلدك بعد ساعة من غروبها في ذلك البلد الشرقي فبالضرورة أنّ القمر يبعد عن الشمس تلك الساعة ثلاثين دقيقة أو أقلّ أو أكثر ، فإذا رئي الهلال في البلد الشرقي فبالضرورة يجب أن يرى في بلدتك إذا لم يكن ثمّ مانع. فكيف أطلقوا القول بأنّ لكلّ بلد حكم نفسه؟

__________________

(٥٠) في بعض النسخ : ثمّ يذهل عنها.

(٥١) شسع المنزل : بعد.

٣٢١

الجواب

لا نقول إنّ لكلّ بلد حكم نفسه مطلقا ، وكيف؟ والمرويّ عن الأئمة عليهم‌السلام أنّه يجب الصوم إذا شهد عدلان يدخلان ويخرجان من مصر (٥٢).

لكن قد يقال : إذا كانت البلدان التي رئي فيها متقاربة بحيث لو كانت السماء مصحية والموانع مرتفعة لرئي في ذلك البلد أيضا لاتّفاق عروضها وتقاربها مثل بغداد وواسط والكوفة وتكريت والموصل. هكذا ذكر شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في المبسوط (٥٣).

وهذا يدلّك على أنّ مع العلم بأنّه متى أهلّ في بلد يعلم أنّه مع ارتفاع المانع يجب أن يرى في الآخر كانت الرؤية فيه رؤية لذلك الآخر.

أمّا إذا تباعدت البلدان تباعدا يزول معه هذا العلم فإنّه لا يجب أن يحكم لها بحكم واحد في الأهلّة ، لأنّ تساوي عروضها لا يعلم إلّا من أصحاب الإرصاد وأرباب النجوم ، وهو طريق غير معلوم ، ولا يحصل به الوثوق فلهذا لا يعمل به.

المسألة الثانية والعشرون

الكافر إذا باشر الخمر بجسمه ثمّ صار خلّا أيكون طاهرا أم لا؟ وإذا مزجت الخمر بالخلّ ما حكمه؟ وما ذكره ابن إدريس (٥٤) أعليه معوّل أم لا؟

الجواب

الأقرب أنّه لا تطهر بالاتّفاق والحال هذه ، لأنّ نجاسة الكافر أغلظ في الحكم من نجاسة الخمر ، لأنّ العصير إذا نجس بأن صار خمرا ثمّ انقلب خلا

__________________

(٥٢) راجع الوسائل الباب ١١ من أبواب أحكام شهر رمضان والتهذيب ٤ ـ ١٥٤ باب علامة أوّل شهر رمضان وآخره ودليل دخوله.

(٥٣) المبسوط ١ ـ ٢٦٨.

(٥٤) السرائر ص ٣٧٣ قال فيه : صار بالإجماع الخلّ نجسا ولا دلالة على طهارته بعد ذلك ..

٣٢٢

طهر ، ولا كذا لو نجس العصير بملاقاة الكافر ثمّ صار خلّا ، فإنّه ، لا يطهر. فعرف أنّ الانقلاب يطهّر النجاسة الخمريّة ولا يطهّر النجاسة الحاصلة بمباشرة الكافر. وقد ثبت بالدليل أنّ الانقلاب إلى الخلّية مطهّر من النجاسة الخمريّة إجماعا فيكون ما عدا النجاسة الخمريّة باقية. والخمر إذا مزج (٥٥) بالخلّ لم يطهر وهو قول علم الهدى ذكره في الانتصار (٥٦) لأنّ عند ملاقاة الخمر الخلّ ينجس الخلّ قبل انقلاب ما لاقاه من الخمر فتستقرّ فيه النجاسة ، لأنّه لم تعرض له حالة مطهّرة.

وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في النهاية والتهذيب : إذا وقع شي‌ء من الخمر في الخلّ لم يحلّ ذلك الخلّ حتى يعزل من تلك الخمرة شي‌ء وإذا صارت خلّا طهر حينئذ ذلك الخلّ (٥٧).

وهو ضعيف للعلّة التي ذكرناها ، ولأنّه إذا حكم بنجاسة الخلّ بالملاقاة ولم يطهّره باستحالة ما وقع فيه إلى الخلّية ، لم يكن لتطهيره بانقلاب الخمر الخارجة عنه وجه.

وفي رواية عبد العزيز بن المهتدي عن الرضا عليه‌السلام قال : كتبت إليه : جعلت فداك العصير يصير خمرا فيصبّ عليه الخلّ أو شي‌ء منه يغيره حتّى يتميّز خلّا قال : لا بأس به (٥٨).

فتناولها الشيخ رحمه‌الله وأمثالها بالتأويل الذي ذكره (٥٩).

__________________

(٥٥) كذا.

(٥٦) الانتصار ص ٢٠٠.

(٥٧) النهاية ٥٩٣ والتهذيب ٩ ـ ١١٨.

(٥٨) التهذيب ٩ ـ ١١٨ والاستبصار ٤ ـ ٩٣.

(٥٩) في التهذيب ٩ ـ ١١٨.

٣٢٣

والرواية ضعيفة السند (٦٠) ، وهي مكاتبة ، ولا تعطي الوثوق. ثمّ إنّا نطالبه بصحّة التأويل فإنّه لم يذكر على ذلك شاهدا بل ذكره مجرّدا عن مستند ، فإذا العمل بما ذكره عليم الهدى رحمه‌الله أولى.

وحسبنا الله ونعم الوكيل.

__________________

(٦٠) وإليك تمام السند : محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى بن عبيد عن عبد العزيز بن المهتدي. وعبد العزيز وثّقه النجاشي والشيخ. ولعلّ المحقق رحمه‌الله عدّ محمد بن عيسى بن عبيد ضعيفا كما ضعّفه الشيخ في الرجال ولكن ضعفه غير معلوم بل هو ثقة. راجع معجم رجال الحديث ١٧ ـ ١١٣ و ١٠ ـ ٣٥.

٣٢٤

٨

رسالة تياسر القبلة

تأليف المحقق الحلّي ره

٣٢٥
٣٢٦

بسم الله الرحمن الرحيم

جرى في أثناء فوائد المولى الأعظم أفضل علماء الإسلام وأكمل فضلاء الأنام نصير الدنيا والدين محمّد بن محمّد بن الحسن الطوسي (١) ـ أيّد الله بهمّته العالية قواعد الدين ووطّد أركانه ومهّد بمباحثه السامية عقائد الايمان وشيد بنيانه ـ إشكال (٢) على التياسر ، وحكايته :

إنّ الأمر بالتياسر لأهل العراق لا يتحقّق معناه ، لأنّ التياسر أمر إضافي لا يتحقق إلّا بإضافته إلى صاحب يسار متوجّه إلى جهة ، وحينئذ إمّا أن تكون الجهة المحصّلة وإمّا أن لا تكون ، ويلزم من الأوّل التياسر عمّا وجب التوجّه إليه ، وهو خلاف مدلول الآية (٣) ومن الثاني عدم إمكان التياسر ، إذ تحقّقه موقوف على تحقّق الجهة التي يتياسر عنها.

ثمّ يلزم مع تحقّق هذا الاشكال تنزيل التياسر على التأويل أو التوقّف فيه حتّى يوضحه الدليل.

__________________

(١) صاحب التجريد ونقد المحصل وشرح الإشارات المتوفى سنة ٦٧٢.

(٢) في بعض النسخ : إشكالا.

(٣) سورة البقرة : ١٤٤ و ١٥٠ ( فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ).

٣٢٧

وهذا الإشكال ممّا لم تقع عليه الخواطر ولا تنبّه له الأوائل ولا الأواخر ولا كشف عن مكنونه الغطاء ، لكنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

وفرض من يقف على فوائد هذا المولى الأعظم من علماء الأنام أن يبسطوا له يد الانقياد والاستسلام وأن يكون قصاراهم التقاط ما يصدر عنه من جواهر الكلام ، فإنّها شفاء الأنفس وجلاء الأفهام ، غير أنه ظاهر الله جلاله ولا أعدم أولياءه فضله وإفضاله سوّغ لي الدخول في هذا الباب وأذن لي أن أورد ما يخطر في (٤) الجواب ما يكون صوابا أو مقاربا للصواب ، فأقول ممتثلا لأمره مشتملا ملابس صفحة وعفوه : إنّه ينبغي أن تتقدّم ذلك مقدمة تشتمل على بحثين :

الأول لفقهائنا قولان : أحدهما أنّ الكعبة قبلة لمن كان في الحرم ومن خرج عنه ، والتوجه إليها متعيّن على التقديرات (٥) فعلى هذا لا يتياسر (٦) أصلا.

والثاني أنّها قبلة لمن كان في المسجد ، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم ، والحرم قبلة لمن خرج عنه. وتوجّه المصلّي على قول هذا القائل من الآفاق ليس إلى الكعبة حتّى أنّ استقبال الكعبة في الصف المستقيم المتطاول متعذر عنده لأنّ عنده جهة كلّ واحد من المصلّين غير جهة الآخر ، إذ لو خرج من وجه كلّ واحد منهم خطّ مواز للخطّ الخارج من وجه الآخر لخرج بعض تلك الخطوط عن ملاقاة الكعبة فحينئذ يسقط اعتبار الكعبة بانفرادها في الاستقبال ويعود الاستقبال مختصّا باستقبال ما اتّفق من الحرم.

لا يقال : هذا باطل بقوله تعالى ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٧)

__________________

(٤) في بعض النسخ : ما يحضر في الجواب.

(٥) في بعض النسخ : على التقديرين.

(٦) في بعض النسخ : لا تياسر.

(٧) سورة البقرة : ١٤٤ و ١٥٠.

٣٢٨

وبأنّه لو كان كذا لجاز لمن وقف على طرف الحرم في جهة الحلّ أن يعدل عن الكعبة إلى استقبال بعض الحرم.

لأنّا نجيب عن الأوّل بأنّ المسجد قد يطلق على الحرم كما روي في تأويل قوله تعالى ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٨) وقد ورد أنّه كان في بيت أمّ هاني بنت أبي طالب وهو خارج عن المسجد (٩).

ولأنّا نتكلّم على التياسر المبنيّ على قول من يقول بذلك.

ونجيب عن الثاني بأنّ استقبال جهة الكعبة متعيّن لمن تيقّنها ، وإنّما يقتصر على الحرم من تعذّر عليه التيقن بجهتها ، ثمّ لو ضويقنا جاز أن نلتزم ذلك تمسكا بظاهر الرواية (١٠).

البحث الثاني : من شاهد الكعبة استقبل ما شاء منها ولا تياسر عليه وكذا من تيقّن جهتها على التعيين ، أمّا من فقد القسمين فعليه البناء على العلامات المنصوبة للقبلة ، لكن محاذاة كلّ علامة من العلامات بالعضو المختص بها من المصلّي ليس يوجب محاذاة القبلة بوجهه تحقيقا ، إذ قد يتوهّم المحاذاة ويكون منحرفا عن السمت انحرافا خفيفا ، خصوصا عند مقابلة الشي‌ء الصغير.

إذا تقرّر ذلك رجعنا إلى جواب الإشكال ، أمّا كون التياسر أمرا إضافيّا لا يتحقّق إلّا بالمضاف إليه فلا ريب فيه ، وأمّا كون الجهة أمّا محصّلة أو غير محصّلة

__________________

(٨) سورة الإسراء : ١.

(٩) قال أمين الإسلام الشيخ الطبرسي في ذيل الآية الاولى من سورة الإسراء : قال أكثر المفسرين : اسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من دار أمّ هاني .. وأنّ المراد بالمسجد الحرام هنا مكّة ومكّة والحرم كلها مسجد ، وقال الحسن وقتادة : كان الاسراء من نفس المسجد الحرام.

(١٠) يعني مثل هذه الرواية : قال الصادق عليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا. راجع الوسائل الباب الثالث من أبواب القبلة.

٣٢٩

فالوجه أنّها محصّلة ، وبيان ذلك أنّ الشرع نصب علامات أوجب محاذاة كلّ واحدة منها بشي‌ء من أعضاء المصلّي ، بحيث تكون الجهة المقابلة لوجهه حال محاذاة تلك العلامة هي جهة الاستقبال ، فالتياسر حينئذ يكون عن تلك الجهة المقابلة لوجه المصلّي.

وأمّا أنّه إذا كانت محصّلة كانت هي جهة الكعبة والانحراف عنها يزيل التوجّه إليها فالجواب عنه أنّا قد بيّنا أنّ الفرض هو استقبال الحرم لا نفس الكعبة فإنّ العلائم قد يحصل الخلل في مسامتها فالتياسر حينئذ استظهار في مقابلة الحرم الذي يجب التوجّه إليه وفي كلا من حالتي الاستقبال والتياسر يكون متوجّها إلى القبلة المأمور بها ، أمّا في حال الاستقبال فلأنّها جهة الإجزاء من حيث هو محاذ لجهة من جهات الحرم تغليبا مستندا إلى الشرع ، وأمّا في حال التياسر فلتحقّقه ( فيلحقه خ ل ) محاذاة جهة الحرم ، ولهذا تحقّق الاستحباب في طرفه لحصول الاستظهار به.

إن قيل هنا إيرادات ثلاثة :

الأوّل النصوص خالية عن هذا التعيين فمن أين صرتم إليه؟.

الثاني ما الحكمة في التياسر عن الجهة التي نصب العلائم عليها؟ فإن قلتم لأجل تفاوت مقدار الحرم عن يمين الكعبة ويسارها قلنا : إن أريد بالتياسر توسّط ( وسط خ ل ) الحرم فحينئذ يخرج المصلّي عن جهة الكعبة يقينا ، وإن أريد تياسر لا يخرج به عن سمت الكعبة ، فحينئذ يكون ذلك قبلة حقيقة ثمّ لا يكون بينه وبين التيامن اليسير فرق.

الثالث : الجهة المشار إليها إن كان استقبالها واجبا لم يجز العدول عنها والتياسر عدول فلا يكون مأمورا به.

قلنا : اما الجواب عن الأوّل فإنّه وان كانت النصوص خالية عن تعيين الجهة نطقا فإنّها غير خالية من التنبيه عليها إذ لمّا يثبت وجوب استقبال الجهة

٣٣٠

التي دلّت عليها العلائم وثبت الأمر بالتياسر تعيّن أنّه عن السمت المدلول عليه.

وعن الثاني بالتفصّي عن إبانة الحكمة في التياسر فإنّه غير لازم في كلّ موضع ، بل غير ممكن في كل تكليف ، ومن شأن الفقيه تلقّي الحكم مهما صحّ المستند.

أو نقول : إمّا أن يكون الأمر بالتياسر ثابتا وإمّا أن لا يكون ، فان كان لزم الامتثال تلقّيا عن صاحب الشرع ، وإن لم يؤت العلّة الموجبة للتشريع ، وان لم يكن ثابتا فلا حكم ولا حكمة.

ويمكن أن نتكلّف إبانة الحكمة بأن نقول : لمّا كانت الحكمة متعلّقة باستقبال الحرم ، وكان المستقبل من أهل الآفاق قد يخرج مع الاستناد إلى العلامات عن سمته بأن يكون منحرفا إلى اليمين ، وقدر الحرم يسير عن يمين الكعبة ، فلو اقتصر على ما يظنّ أنّه جهة الاستقبال أمكن أن يكون مائلا إلى جهة اليمين ، فيخرج عن الحرم وهو يظنّ استقباله ، إذ محاذاة العلائم على الوجه المحرّر قد يخفى على المهندس الماهر ، فيكون التياسر يسيرا عن سمت العلائم مفضيا إلى تيقّن المحاذاة ويشهد لهذا التأويل ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقد سئل عن سبب التحريف عن القبلة ذات اليسار فقال : إنّ الحرم عن يسار الكعبة ثمانية أميال وعن يمينها أربعة أميال فإذا انحرف ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة (١١) وهذا الحديث يؤذن بأنّ المقابلة قد يحصل معها احتمال الانحراف.

وأمّا الجواب عن الثالث فقد مرّ في أثناء البحث.

وهذا كلّه مبني على أنّ استقبال أهل العراق إلى الحرم لا إلى الكعبة ، وليس ذلك بمعتمد ، بل الوجه الاستقبال إلى جهة الكعبة إذا علمت أو غلب

__________________

(١١) الفقيه ١ ـ ١٧٨ والوسائل ٣ ـ ٢٢١ ـ التهذيب ٢ ـ ٤٤ وعلل الشرائع ٢ ـ ٧ طبع قم.

٣٣١

الظنّ مع عدم الطريق إلى العلم ، سواء كان في المسجد أو خارجه ، فيسقط حينئذ اعتبار التياسر. والتعويل في استقبال الحرم إنّما هو على اخبار آحاد ضعيفة ، وبتقدير أن يجمع جامع بين هذا المذهب وبين التياسر يكون ورود الإشكال عليه أتمّ. وبالله العصمة والتوفيق إنّه وليّ الإجابة (١٢).

__________________

(١٢) راجع المسألة السادسة من المسائل الكمالية في هذه المجموعة.

٣٣٢

٩

المقصود من الجمل والعقود

تأليف المحقق الحلّي ره

وهو مختصر الجمل والعقود للشيخ الطوسي ره

٣٣٣
٣٣٤

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّا بعد حمد الله الذي وفّقنا للقيام بأوامره ، وألحقنا بالباحثين عن غوامض الدين وسرائره ، وأرشدنا لوجيز القول ومختصره ، ومهّد لنا طريق عيونه وغرره ، والصلاة على سيّدنا محمّد محقّ الحقّ ومظهره ، وما حق الباطل ومطفئ شرره ، وعلى آله التابعين لأثره ، القامعين أعداءه بسلطان ظفره.

فهذا مختصر قصدنا به التسهيل على ذوي التحصيل ، مقتصرين من الأصل (١) على المقصود من كلّ فصل ، مستعينين بالله ، فإنّه معط كلّ سؤل ، ومانح كلّ فضل.

كتاب الطهارة

يجب بخروج كلّ واحد من الحدثين غسل مخرجه بالماء ، وتجزي الجمار للنجو. ما لم يتعدّ ، والماء أفضل ، والجمع أكمل.

وسنّ تغطية رأسه داخلا ، وتقديم يسراه ، والدعاء عنده ، وعند الاستعمال ، والفراغ ، وتقديم يمناه خارجا ، والدعاء بعده.

__________________

(١) أي الجمل والعقود للشيخ الطوسي ره.

٣٣٥

ويحرم استقبال القبلة واستدبارها اختيارا.

ويكره استقبال الريح ، والقمرين بالبول ، والطموح به ، والبول في الماء ، والجحرة ، والحدث في الأفنية ، والأفئية المنتابة (٢) ، والطرق ، والمشارع ، ومساقط الثمرة ، والكلام حاله ، والاستياك ، والأكل ، والشرب.

وفرض الوضوء غسل ما دارت عليه الإبهام والوسطى من أعلى الوجه إلى الذقن ، ومن المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ومسح مقدّم الرأس ، وظاهر القدمين إلى الكعبين غير مستأنف ماء ، ناويا مستديما حكمها ، مرتّبا ، مواليا بما لم يجفّ المقدّم.

ومستحبه وضع الإناء يمينا ، والاغتراف بها ، والتسمية ، وغسل اليدين مرّة من البول والنوم ، واثنتين من الغائط ، والمضمضة والاستنشاق ثلاثا ، والدعاء معهما ، وتثنية الوجه واليدين ، مبتدئا بالظاهر مثنيّا بالباطن ، وتعكس المرأة ، ومسح الرأس عرضا ثلاث أصابع ، والقدمين بالكفّين والدعاء عند كلّ غسل ومسح.

ويكره التمندل.

وموجبات الوضوء البول والغائط والريح والنوم الغالب على الحاسّتين وما أزال العقل.

وموجبات الغسل الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ومسّ الإنسان بعد برده بالموت وقبل تطهيره.

والجنابة بالإمناء والجماع في الفرج. وعنده يحرم قراءة العزائم ، ومسّ كتابة القرآن واسم الله والأنبياء والأئمّة والمساجد دخولا ووضعا لا اجتيازا.

ويكره الأكل والشرب إلّا بعد المضمضة والاستنشاق ، والنوم إلّا مع الوضوء ، والخضاب.

__________________

(٢) انتابهم : أتاهم مرّة بعد اخرى ووصلت نوبته إليهم وانتاب زيد عمرا قصد إليه.

٣٣٦

وعليه استيعاب بدنه غسلا ناويا مستديما حكمها.

وسنّ غسل يديه مقدّما ثلاثا ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والاغتسال بصاع فصاعدا.

والحيض دم أسود حارّ تحرم معه الصلاة والصوم والطواف ودخول المساجد إلّا اجتيازا والاعتكاف وقراءة العزائم ومسّ كتابة القرآن والوطء قبلا والطلاق ، ويكفّر واطؤها ويعزّر ، ولا يصحّ منها رفع الحدث.

ويكره قراءة عدا العزائم ومسّ المصحف وحمله.

وأقلّه ثلاثة وأكثره عشرة ، وعند انتهائه يجب الغسل وقضاء الصوم لا الصلاة.

وغسلها كالجنب وتزيد وضوءا.

وإن استمرّ فالمبتدئة تميّز ، وإن أبهم تحيّضت بنسائها ، وإن اختلفت فبأقرانها (٣) ، وإن اختلفوا فبالروايات (٤). وذات العادة تعمل بها. والمضطربة بالتمييز ، فإن اشتبه فبالروايات.

ودم الاستحاضة أصفر بارد فإن لم يغمس القطنة توضّأت لكلّ صلاة بعد تغيير الحشو ، وإن غمس اغتسلت مع ذلك للصبح مع تغيير الخرقة ، وإن سال اغتسلت لكلّ صلاتي وقت ، ومعه تصير كالطاهر.

والنفاس دم يتعقّب الولادة ، ولا حدّ لا قلّة ، وهو كالحيض في الكثرة (٥) والمحرّمات والمكروهات والغسل.

__________________

(٣) قال الشيخ الطوسي في الجمل والعقود ص ١٦٣ : فلترجع إلى من هي مثلها في السنّ. أقول : وهو المعني بالأقران.

(٤) أي تترك الصلاة في كلّ شهر سبعة أيام مخيّرة في ذلك كما ورد في الروايات.

(٥) كذا في النسختين ، ولعلّ الصحيح : في أكثره.

٣٣٧

ويغسل الميّت بماء السدر ، ثمّ بماء الكافور ، ثمّ بالقراح كغسل الجنب مستور العورة.

وسنّ تغسيله موجّها تحت سقف والغاسل على يمينه ذاكرا مستغفرا ويغمز بطنه في الأوّلتين (٦).

ويكفّن في قميص ومئزر وإزار ، ويمسح مساجده بالكافور وإن قلّ.

وسنّ حبرة وخرقة لفخذيه. ويعمّم محنّطا ، وللمرأة لفّافة أخرى ، وخرقة لثدييها.

وأفضل الكافور ثلاثة عشرة درهما وثلث ، أو أربع ، وأقلّه درهم.

وتجعل معه جريدتان.

ويجب ستره دفنا موجّها على يمينه.

وسنّ اتّباع الجنازة أو مع جنبها ، وحفر القبر ترقوة أو قامة ، وملحّدا قعدة الجالس ، ووضع الرجل عند رجل القبر ، ويسبق برأسه والمرأة أمامه وتنزل عرضا ، وحلّ عقدتي الأكفان ، ووضع خدّه على التراب ، ومعه تربة ، وتلقينه ، وشرح اللبن (٧) وطمّ القبر ، مرفوعا قدر أربع أصابع ، وتربيعه مسوّى ، ورش الماء من رأسه ويدار عليه ، ووضع اليد ، والترحّم ، وتلقين الوليّ بعد انصراف الناس عنه.

وسنّ الغسل يوم الجمعة والعيدين والمبعث والغدير والمباهلة وليلة النصف من شعبان ومن رجب ومن شهر رمضان وأوّل ليلة منه وليالي الإفراد وليلة الفطر ولدخول الحرم ومكّة والكعبة والمدينة ومسجدها ولزيارة النبيّ والأئمة والمولود والتوبة والإحرام والحاجة والاستخارة ، ولقضاء الكسوف مع تعمّد الترك واحتراق

__________________

(٦) اي الغسلتين الأولتين كما في الجمل والعقود.

(٧) شرح الحجارة : نضّدها وضمّ بعضها إلى بعض.

٣٣٨

القرص.

والتيمّم واجب مع الطلب وضيق الوقت وعدم الماء وما يتوصّل به ، أو الخوف من استعماله. ولا يصحّ بغير الأرض. يضرب واحدة بباطن يديه ويمسح بهما جبهته إلى طرف أنفه ، وببطن يسراه ظاهر يمناه وبالعكس ، وللغسل ضربتان. ويستباح به ما يستباح بالمائية ، وينقضه زيادة عن نواقضها التمكّن منها.

والماء النجس لا يستعمل إلّا لحفظ الرمق.

والمضاف يستعمل إلّا في إزالة الحدث والخبث.

والمطلق مطهّر لا ينجس جارية وكثيرة إلّا بالتغيّر.

والكرّ ثلاث أشبار ونصف طولا في عرض في عمق ، أو ألف ومائتا رطل بالعراقي. والقليل ينجس بوقوع النجاسة ، وكذا ماء البئر ، ويطهر بنزح مائها للمسكر والفقّاع والمنيّ والدماء الثلاثة وموت البعير وغلبة النجاسة أحد أوصافها ، ولما عداه تقديرات.

والنجاسات هي الميتة ممّا له نفس سائلة ودمه وبول ما لا يؤكل وغائطه وذرق الدجاج والمنيّ وكلّ مسكر والفقّاع.

ودم ما لا نفس له سائلة طاهر وإن كثر ، ودم الجرح والقرح عفو حتّى ترقأ ، والدماء الثلاث يزال قليلها وكثيرها وما عداه عفو ما لم يبلغ درهما.

ويغسل الإناء من النجاسات ثلاثا وفي الأولى بالتراب من الولوغ ، ومن الخمر سبعا ، ومثله روي في الفأرة (٨).

__________________

(٨) قال الشيخ في الجمل والعقود : ص ١٧١ : ويغسل الإناء من الخمر سبع مرّات ، وروي مثل ذلك في الفأرة إذا ماتت في الماء.

٣٣٩

كتاب الصلاة

واليومية خمس الظهر أربع ، في السفر ركعتان ، وكذا العصر والعشاء ، والمغرب ثلاث ، والصبح اثنتان ، ونافلة الظهر ثمان قبلها ، وكذا العصر ، وتسقطان سفرا ، وللمغرب أربع بعدها ، وبعد العشاء ركعتان حضرا ، وصلاة الليل إحدى عشرة ركعة ، وللفجر اثنتان.

ولا صلاة قبل الوقت ، وفيه تكون أداء وبعده قضاء. ولكلّ صلاة وقتان ، والأخير للمعذور ، فوقت الظهر من الزوال حتّى يصير في الشخص مثله ، وللعصر حتّى يصير مثليه ، ووقت المغرب من زوال الحمرة شرقا إلى زوالها غربا ، وللعشاء إلى ثلث الليل ، وفي رواية (٩) إلى انتصافه ، ووقت الغداة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وصلاة الليل بعد انتصافه ، وركعتا الفجر بعد صلاة الليل إلى طلوع الحمرة.

وتصلّى الفائتة ما لم يتضيّق الحاضرة ، وكذا صلاة الجنازة والكسوف والإحرام والطواف ، وتقضى النوافل ما لم تدخل الفريضة.

ويكره النافلة ابتداء عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها إلّا يوم الجمعة وبعد الغداة والعصر.

والكعبة قبلة أهل المسجد ، وهو قبلة أهل الحرم ، وهو قبلة الآفاق. والعراقي يجعل الجدي (١٠) خلف منكبه الأيمن والشفق محاذيه والفجر محاذي

__________________

(٩) قال في الجمل والعقود ص ١٧٤ : وأوّل وقت العشاء الآخرة عند الفراغ من فريضة المغرب ، وروي بعد غيبوبة الشفق ، وآخره ثلث الليل ، وروي نصف الليل.

(١٠) بفتح الأوّل وسكون الثاني نجم إلى جنب القطب تعرف به القبلة. قيل : وقد يصغر إذا

٣٤٠