الرسائل التسع

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

الرسائل التسع

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٩

أعمّ من موضوعه وهذا جائز في تفسير الاسم كما يقال : « العشرق (١٠) نبت » وإن كان التفسير مشتركا وكذا لو قيل : « السكنجبين شراب يقمع الصفراء » لعدّ قائله معرّفا وإن كان التعريف مشتركا ، لأنّه قصد بيان اللفظ بما هو أظهر منه.

ولو قيل : فرق بين أن يقول : السكنجبين اسم لشراب يقمع الصفراء وأن يقول : اسم للشراب القامع ، والشيخ رحمه‌الله قال : الطهارة اسم لما يستباح ، فجعله واقعا على كلّ ما تحصل به استباحة الصلاة. قلنا : هذا يمكن لو لم نجعلها نكرة موصوفة ، أمّا لو جعلناها نكرة جرت مجرى أن يقال : الطهارة اسم لشي‌ء تستباح به الصلاة ، وقد يقتصر في التعريف اللفظي على مثل هذا وإن لم يكن حاصرا.

قال الراوندي (١١) رحمه‌الله : والاحتراز التامّ أن يقول : الطهارة الشرعية هي استعمال الماء والصعيد على وجه تستباح به الصلاة وأكثر العبادات (١٢).

وما أراه رحمه‌الله ألمّ بالاحتراز فضلا أنّه أتمّه فإنّ كلّ ما يرد على ألفاظ النهاية يرد على هذا ثمّ ينتقض بتجديد الوضوء على الوضوء فإنّه طهارة ولا حظّ له في الاستباحة. وقوله : وأكثر العبادات زيادة لا معنى لها.

والتحقيق أنّ اللفظ الواقع على المعاني المختلفة بالاشتراك اللفظي لا يمكن إيضاحه بالتعريف الواحد كلفظ العين مثلا فإنّه لمّا وقع على الباصرة والماء والمال لم يمكن تعريفه إلّا بذكر موضوعاته ، لكن إذا اتّفق اشتراك تلك

__________________

(١٠) على وزن الزبرج ، قاله في شرح القاموس.

(١١) وهو قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي المتوفى ٥٧٣ ، له مؤلفات كثيرة ، منها :

شرح مشكلات النهاية وغريب النهاية ومشكلات النهاية والمغني في شرح النهاية عشر مجلدات ونهية النهاية ، كلها حول نهاية الشيخ الطوسي ولم تصل إلينا.

(١٢) هذا التعريف مطابق لما قاله ابن البرّاج في المهذب إلّا في الجملة الأخيرة فراجع المهذب ١ ـ ١٩.

٢٠١

الموضوعات في لازم خاصّ بها أمكن تعريفه بذلك اللازم ، كما يقال : الذات اسم لما يعلم بعينه بانفراده ، فالموضوعات مختلفة بالحقائق ووقوعه عليها بالشركة اللفظية ، لكنّها تشترك في ذلك اللازم فأمكن أن يعرّف الاسم به ، لكن إن جعل الاسم واقعا عليها عليها بحسب ذلك اللازم خرج الاسم من كونه مشتركا ودخل في كونه متواطئا لأنّه يعود كالموضوع لما له ذلك اللازم المشترك.

أمّا الطهارة فإنّها تقع على الوضوء تارة مع إرادة الاستباحة وتارة لا بحسب ذلك الاعتبار كتجديد الوضوء من غير حدث ، وتارة تقع على الغسل المراد به الاستباحة ، وقد يقع عليه لا بحسب ذلك كالغسل المندوب مع طهارة البدن من حكم الحدث ، وتارة على التيمّم لاستباحة الصلاة ، وتارة لا لها.

وهذه حقائق مختلفة لا يجمعها شي‌ء مشترك فكان تعريف اللفظ الذي يصحّ وقوعه على كلّ واحد واحد منها بالتعريف الواحد الحاصر متعذّرا.

وقد عرّفنا نحن الطهارة مرّة بأنّها استعمال أحد الطهورين لإزالة منع الحديث أو لتأكيد الإزالة.

ولو قيل : الطهور لا يعرّف إلّا بعد معرفة الطهارة فهو دور. قلنا : قد يمكن معرفة كون الماء طهورا بقوله تعالى ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (١٣) ، وكون التراب طهورا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا (١٤).

ومعنى قولنا : أو لتأكيد الإزالة احتراز من تجديد الوضوء على الوضوء ،

__________________

(١٣) سورة الفرقان : ٤٨.

(١٤) هذا الحديث مرويّ بألفاظ مختلفة. واللفظ الذي نقله المصنف هنا وفي المعتبر ص ٧ و ١٥٨ من الطبع الحجري ، موجود في مسند أبي عوانة ج ١ ص ٣٠٣. قاله العلّامة المتتبّع الأحمدي في كتابه القيّم : السجود على الأرض ص ٣٠ فراجع.

أقول : قد سقطت كلمة « ترابها » من المعتبر الطبع الحديث ١ ـ ٣٦.

٢٠٢

فإنّه طهارة وإن لم يزل منعا ، لكنه يؤكد الإزالة ولا ندّعي أنّ ذلك تعريف ضابط.

قال رحمه‌الله : وهو ينقسم قسمين وضوء وتيمّم (١٥).

قيل : في هذا التقسيم إخلال بالغسل وهو حقّ ، لكنّ الشيخ رحمه‌الله استدرك ذلك في موضع آخر فقال : الطهارة تنقسم إلى مائيّة وترابيّة فالمائيّة إلى ما يختصّ الأعضاء الأربعة فتسمّى وضوءا وإلى ما يعمّ البدن فتسمّى غسلا (١٦).

واعتذر بعض الأصحاب (١٧) له بأنّ الوضوء قد يراد به الغسل كما في قوله عليه‌السلام : الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم (١٨). والمراد غسل اليدين ، وبأنّ بعض العامّة لا يستبيحون الصلاة بغسل الجنابة بانفراده ، فراعى إجماعهم وخصّ الطهارة بالوضوء لما فسّرها بما تستباح به الصلاة.

وفي العذر ضعف ، أمّا الأوّل فلاختصاص لفظ الوضوء في الشرع بغسل الأعضاء المخصوصة وعند إطلاق اللفظ لا يجوز صرفه إلى غيره ، وأمّا الثاني فلأنّ الإماميّة وأكثر الجمهور يستبيحون الصلاة بالغسل المنفرد فكان مراعاة قولهم أولى أو مساويا.

وبعض المتأخّرين (١٩) ناقض شيخنا أبا جعفر رحمه‌الله على قوله في المبسوط : فما يخصّ الأعضاء الأربعة فيسمّى وضوءا بأن قال : هنا تجاوز وإلّا فالاعضاء ستّة ثلاثة مغسولة وثلاثة ممسوحة.

__________________

(١٥) النهاية ص ١ وفيه : وهي تنقسم.

(١٦) قاله في المبسوط ١ ـ ٤.

(١٧) قال المصنّف في نكت النهاية ص ١ : والراوندي اعتذر له بأنّ الوضوء في اللغة التحسين وإذا كان كذلك فيكون واقعا على الغسل والوضوء الشرعي.

(١٨) رواه في الكافي ٦ ـ ٢٩٠ ، وفيه : وآخره ينفي الهمّ. ورواه في البحار ٦٦ ـ ٣٦٤ عن شهاب الأخبار ص ٤١ وفيه كما في المتن ، وأيضا رواه النوري في المستدرك ١٦ ـ ٢٦٨ عن الطبرسي في مكارم الأخلاق ص ١٣٩ كما في المتن.

(١٩) وهو ابن إدريس في السرائر ١ ـ ٥٧.

٢٠٣

والمناقشة لفظية ولعلّ الشيخ رحمه‌الله نظر إلى ألفاظ الكتاب العزيز فإنّه تضمّن أمرا بمغسول وعطف الأيدي عليه وأمرا بممسوح وعطف الأرجل عليه ، واليدان متشابهتان ، وكذا الرجلان فقاما مقام الواحد. ويقال : إنّ عليا عليه‌السلام وعبد الله قالا : غسلتان ومسحتان (٢٠). فحصرا ذلك في أربع وهو يقتض تعداد الأعضاء بحسبها.

قال رحمه‌الله : ومدارهما على أربعة أشياء : أحدها وجوب الطهارة ، وثانيها ما به تكون الطهارة ، وثالثها كيفيّة الطهارة ، ورابعها ما ينقض الطهارة (٢١).

يقال : المدار موضع الشي‌ء الذي يدير غيره ، ولمّا كانت هذه الأقسام مقتسمة (٢٢) مسائل الطهارة وكانت المسائل راجعة إلى الطهارة جرت هذه الأقسام مجرى المدار بالطهارة وهو استعارة وتجوّز.

ولمّا أوضح الشيخ رحمه‌الله اسم الطهارة وأقسامها أراد بعد ذلك حصر فصولها فقدّم الوجوب ليكون الشروع بحسبه وثنّى بما به يكون لأنّه كالآلة للصناعة ، ثمّ بالكيفية لأنّها هيئة لا تنفرد عن الحقيقة ، وأخّر الناقض لأنّه رافع لثمرة الطهارة المتأخّر عنها.

وربما خطر لبعضهم زيادة في الأقسام وهي من تجب عليه ولما ذا تجب ومتى تجب؟

ويمكن أن يقال : إنّ الطهارة تجب تبعا فعند بيان الوجوب يتبيّن الذي تجب عليه وما تجب له والوقت.

وربما قيل : لم قال ومدارهما ثمّ قال : وجوب الطهارة وما به يكون ، فأتى

__________________

(٢٠) قال الراوندي في فقه القرآن ١ ـ ١٨ : قال ابن عبّاس وأنس : الوضوء غسلتان ومسحتان.

أقول : وقول علي عليه‌السلام بهذا واضح لمن راجع روايات أهل البيت عليهم‌السلام.

(٢١) النهاية ص ١.

(٢٢) في بعض النسخ : مقسّمة.

٢٠٤

أوّلا بلفظ التثنية وأخيرا بلفظ الطهارة وهو واحد.

وجوابه لمّا كانت الطهارة عبارة عن القسمين جاز أن يعبّر تارة عنهما وتارة عن الطهارة.

قال رحمه‌الله : أمّا العلم بوجوبها فحاصل لكلّ أحد خالط أهل الشرع ولا يرتاب أحد منهم فيه (٢٣).

قال الراوندي : هذا بمنزلة أن لو قال : يدلّ على وجوب الطهارة الإجماع (٢٤).

وليس الأمر كما قاله بل كأنّه يقول : إنّه غني بظهوره بين أهل الشرع عن الشروع في بيانه ، ويؤيّد ذلك قوله : أمّا العلم بوجوب الطهارة فقد بينّا حصوله لا محالة فلذلك لم نشرع فيه.

ولنا على وجوب الطهارة الإجماع والقرآن والسنّة. أمّا الإجماع فاتّفاق فتاوى فقهاء الأمصار على وجوبها في الجملة وإن اختلفوا تفصيلا ، وأمّا القرآن فقوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٢٥) ، وقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) ـ الآية ـ (٢٦). وأما السنّة فقوله عليه‌السلام : الطهارة شطر الإيمان (٢٧). وقول الباقر عليه‌السلام : لا صلاة إلّا بطهور (٢٨).

قال رحمه‌الله : والعلم بما به تكون الطهارة ينقسم قسمين : أحدهما العلم

__________________

(٢٣) النهاية ص ١.

(٢٤) ليست شروح الراوندي للنهاية عندنا كما مرّ.

(٢٥) سورة المائدة : ٦.

(٢٦) سورة المائدة : ٦.

(٢٧) في الجامع الصغير للسيوطي : الطهور شطر الايمان وفي الكافي ٣ ـ ٧٢ : الوضوء شطر الايمان.

(٢٨) رواه في الفقيه ١ ـ ٥٨ طبع مكتبة الصدوق وفي الوسائل ١ ـ ٢٥٦ و ٢٦١ نقلا عن التهذيب والاستبصار.

٢٠٥

بالمياه وأحكامها وما تجوز الطهارة به منها وما لا تجوز. والثاني العلم بما يجوز التيمّم به وما لا يجوز. وأمّا العلم بكيفيّة الطهارة فينقسم قسمين : أحدهما العلم بالطهارة الصغرى وكيفيّتها. والثاني العلم بالطهارة الكبرى من الأغسال وأحكامها (٢٩).

هنا سؤالات :

الأوّل لم ذكر في المدار وجوب الطهارة وما به تكون وكيفيّتها ، وفي التفصيل عدل إلى العلم بالوجوب والعلم بما به يكون والعلم بالكيفيّة وأحد الأمرين غير الآخر.

الجواب : إنّه أراد أوّلا تعداد لوازم الطهارة ، وثانيا تعليم تلك اللوازم.

السؤال الثاني : لم عوّل في بيان الوجوب على الاستدلال واقتصر في الباقي على تعداد الأقسام.

جوابه : أنّ الوجوب لا يتحقّق العلم به إلّا مع الاستدلال ولا كذلك البواقي لأنّ العلم قد يطلق على فهم ماهيّة كلّ قسم منها فلذلك اقتصر عليه.

الثالث : ذكر العلم في الأقسام الثلاثة ولم يذكره في النواقض.

وجوابه : أنّ المراد من العلم في تلك الأقسام بيان ماهيّة كلّ قسم منها ، وذلك موجود في شرح النواقص.

الرابع : لم بدأ بذكر كيفيّة الصغرى وعقّب الكبرى.

وجوابه : أنّ الصغرى أهمّ لعموم البلوى بها وتكرار أسبابها زيادة عن تكرار أسباب الغسل.

الخامس : لم قال في بيان الكيفيّة : العلم بالطهارة الصغرى وكيفيتها ثمّ

__________________

(٢٩) النهاية ص ١.

٢٠٦

قال : العلم بالطهارة الكبرى وأحكامها ولم يذكر كيفيّتها.

وجوابه : أنّه لمّا كانت الكيفيّة عارضة للمتكيّف لم يمكن العلم بها مجرّدة ، وقوله : العلم بالطهارة الكبرى يكفي عن ذكر كيفيّتها لما ذكرناه من توقّف الكيفيّة على الماهيّة المتكيّفة بها ، وذكر الأحكام زيادة يستتبع الفصل وتدخل تحته الكيفيّة أيضا.

وقوله (٣٠) : من الأغسال يقتضي الإخلال بكيفيّة التيمّم بدلا من الغسل. ويمكن أن يقال : إنّها تدخل في أحكام الكبرى.

قال رحمه‌الله : وأمّا القسم الرابع وهو ما ينقض الطهارة فهو أيضا على ضربين : أحدهما ينقض الطهارة الصغرى ولا يوجب الكبرى ، والثاني ينقضها ويوجب الطهارة الكبرى (٣١).

كلّ الأحداث تشترك في نقض الطهارة بمعنى أنّ تجدّدها يمنع من الصلاة ، فإنّ المغتسل من الجنابة إذا أحدث ولو حدثا يوجب الوضوء نقض طهارته الكبرى بمعنى أنّه يمنع الأخذ في الصلاة وغيرها ممّا تشترط فيه الطهارة حتّى يتوضأ ، وإذا تبيّن هذا ظهر أنّ قوله رحمه‌الله : أحدهما ينقض الطهارة زيادة لا معنى لها ولو اقتصر على قوله : ينقض الطهارة كان أعمّ بيانا.

وفي هذا المقام سؤالان :

الأوّل : لم قال : ولا يوجب الكبرى وألّا قال : ينقض الطهارة ويوجب الصغرى لأنّه لا يدلّ عدم وجوب الكبرى على وجوب الصغرى.

وجوابه : لو قال ذلك لاحتمل أن يوجب الكبرى لأنّه لا يلزم من إيجاب

__________________

(٣٠) أي قول الشيخ في النهاية.

(٣١) النهاية ص ١.

٢٠٧

الصغرى عدم إيجاب الكبرى ، فكان قوله : ينقض الصغرى دليلا على وجوب إحدى الطهارتين ، لأنّه لا يصحّ الدخول في الصلاة مع عدمهما ، ولمّا قال : لا يوجب الكبرى ، دلّ بالمطابقة على عدم وجوب الكبرى وبالملازمة على وجوب الصغرى.

والسؤال الثاني : أن يقال : لم جعل النواقض قسمين وألّا يجعلها ثلاثا أو أربعا فإنّ منها ما يوجب الطهارتين ومنها يوجب الصغرى تارة وكليهما اخرى.

وجوابه أن ذلك جائز ، لكن الذي ذكره أخصر ، فإنّ إيجاب الكبرى لا يمنع إيجاب الصغرى وأمّا الرابع فدخل مع ما يوجب الوضوء تارة ومع ما يوجب الغسل اخرى فلا يخرج القسمان الأخيران عن الأوّلين.

قال رحمه‌الله : والذي يتبع الطهارة ممّا يحتاج إلى العلم به للدخول في الصلاة وإن لم يقع عليه اسم الطهارة العلم بإزالة النجاسات من البدن والثياب ، لأنّه لا يجوز الدخول في الصلاة مع نجاسة على البدن أو الثوب كما لا يجوز الدخول فيها مع عدم الطهارة ، ونحن نرتّب ذلك على حسب ما تقتضيه الحاجة إليه إن شاء الله (٣٢).

هنا إيرادات :

الأوّل : ظاهر كلامه يؤذن أنّ العلم بإزالة النجاسات شرط ، وهو في موضع المنع ، لأنّ خلوّ البدن والثوب من النجاسة يكفي في جواز الدخول في الصلاة وإن لم تعلم كيفيّة الإزالة. يؤيده قوله : لأنّه لا يجوز الدخول في الصلاة مع نجاسة على الثوب والبدن ولم يعتبر عدم العلم.

الثاني قوله : ولا يجوز الدخول في الصلاة مع نجاسة على البدن أو الثوب

__________________

(٣٢) النهاية ص ٢.

٢٠٨

وهو غير مستمرّ ، إمّا للضرورة ، كدم القرح الذي لا يرقأ (٣٣) والنجاسة التي لا يقدر معها على الماء لإزالتها وإمّا لا مع ذلك كالدم القليل من دم الفصاد وشبهه.

الثالث قوله : حسب ما تقتضيه الحاجة إليه فيه إعمال الفعل في المفعول الواحد من وجهين :

وجواب الأوّل : لا نسلّم أنّ الشرط هو العلم بالإزالة بل لمّا كان لا يجوز الدخول في الصلاة مع نجاسة على الثوب والبدن وكان التفصّي من ذلك يستلزم العلم بإزالة النجاسات صار لازما لشرط الصلاة لا أنّه شرط.

وأمّا الإيراد الثاني فلازم.

وأمّا الثالث فالجواب : أنّ الضمير في تقضيه يحتمل أن يكون عائدا إلى الاقتضاء لا إلى ما يرجع إليه الضمير المتّصل بحرف الصلة.

قال رحمه‌الله : أمّا العلم بوجوب الطهارة فقد بينّا حصوله لا محالة فلذلك لم نشرع فيه ، وأمّا ما به تقع الطهارة من المياه وغيرها فيجب أن يكون العلم به مقدّما على العلم بكيفيّة إيقاعها ، فلأجل ذلك بدأنا به أوّل الكتاب ثمّ نذكر ما وعدنا به من الأقسام الأخر إن شاء الله تعالى (٣٤).

لمّا حصر رحمه‌الله فصول الطهارة وقسّمها مرتّبا على ما وعد في ترجمة الكتاب أراد أن يبدأ بالأولى : فالأولى : فقدّم الوجوب وبيّن أنّه غنيّ عن الدلالة ، ثمّ رأى الكيفيّة عارضة للماهيّة وإيقاع الماهيّة متأخّر عن الآلة فقدّم ذكر ما به يكون وأخّر الناقض.

قال الراوندي : الوجوب أوّل والناقض متأخّر ويبقى الآخران وأنت مخيّر في تقديم أيّهما شئت وما ذكره الشيخ أولى.

__________________

(٣٣) رقأ الدمع أو الدم : جفّ وانقطع.

(٣٤) النهاية ص ٢.

٢٠٩

والمفيد رحمه‌الله قدّم ذكر الأحداث في المقنعة على فصول الطهارة (٣٥) ولعلّ ذلك لتسميته لها موجبات ، وتأخير الشيخ إيّاها لتسميتها نواقض ، ولا ثمرة للخلاف فتستقصى كميّته.

وقوله رحمه‌الله : يجب أن يكون العلم به مقدّما يريد الوجوب المعتبر بين أهل التصنيف في التزام تقديم الاولى.

__________________

(٣٥) راجع المقنعة ص ٣.

٢١٠

المسألة الثانية : في إزالة النجاسة بالمائعات.

والجواب : الحقّ أنّه لا يجوز إزالة النجاسة بغير الماء المطلق وإن كان مزيلا للعين قالعا للأثر ، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر رحمه‌الله في كتبه كلّها. وذكر في الخلاف (١) أنّ ذلك مذهب أكثر أصحابنا ، وخالف علم الهدى في ذلك (٢) وكذا الشيخ المفيد رحمهما‌الله (٣).

لنا وجوه : الأوّل : قوله عليه‌السلام لأسماء : حتّيه ثمّ اقرصيه ثمّ اغسليه بالماء (٤). وما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن البول يصيب الجسد قال : تصبّ عليه الماء مرّتين (٥). وما رواه الحلبي عنه عليه‌السلام في بول الصبيّ قال : يصبّ عليه الماء (٦).

ولو جاز إزالته بغير الماء كان تعيينه للإزالة تضييقا وهو غير جائز ، لما فيه من الحرج والضرر ، ثمّ التعيين ينافي التخيير.

لا يقال : الحديث مختصّ بنجاسة معيّنة ، والخبث (٧) مطلق. لأنّا نقول : لا

__________________

(١) الخلاف ١ ـ ٥٩.

(٢) الناصريات ، كتاب الطهارة المسألة الرابعة.

(٣) المقنعة ص ٩. قال فيه : ولا يجوز الطهارة بالمياه المضافة .. حتّى يكون الماء خالصا مما يغلب عليه وإن كان طاهرا في نفسه وغير منجّس لما لاقاه. وهذا خلاف ما نسب إليه في المتن. فراجع.

(٤) رواه في الخلاف ١ ـ ٥٩ ، وراجع ذيله.

(٥) رواه في الوسائل ٢ ـ ١٠٠١ نقلا عن التهذيب ١ ـ ٢٤٩.

(٦) رواه في الوسائل ٢ ـ ١٠٠٣ نقلا عن الكافي ١ ـ ٥٦ والتهذيب ١ ـ ٢٤٩ والاستبصار ١ ـ ١٧٣.

(٧) في بعض النسخ : والبحث مطلق.

٢١١

قائل منّا بالفرق.

الوجه الثاني : ملاقاة المائع للنجاسة توجب نجاسته ، والنجس لا تزال به النجاسة.

لا يقال : هذا يرد على الماء القليل. لأنّا نجيب من وجهين : أحدهما ما اختاره المرتضى في الناصريّات (٨) : أنّ الماء ينجس لورود النجاسة عليه ، ولا ينجس بوروده عليها. والثاني مقتضى الدليل التسوية ، لكنّ التطهير في الماء حصل لضرورة الحاجة إلى الإزالة ، والضرورة تندفع به ، فتسوية غيره به تكثير لمخالفة الدليل وهو غير جائز.

الوجه الثالث : منع الشرع من استصحاب الثوب النجس في الصلاة قبل غسله بالمائع ثابت فيثبت بعد غسله بغير الماء عملا بالاستصحاب. وإن قيل : لا نسلّم العمل بالاستصحاب ، لأنّ فائدته قياس إحدى الحالتين على الأخرى ، والعمل بالتسوية من غير دلالة. ولو سلّمناه لكان معارضا بما أنّ الأصل جواز الإزالة له بكلّ مزيل للعين قالع للأثر فيجب العمل به تمسكا بالأصل.

وتعارض ما ذكرتموه بالآية والخبر. أمّا الآية فقوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (٩) والطهارة في اللغة التنزّه عن الأدناس فيكون ذلك مرادا ، لأنّ الأصل عدم النقل. وأمّا الخبر فما رواه الجمهور عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لخولة بنت بشار : « حتّيه ثمّ اقرصيه ثمّ اغسليه » (١٠) ولم يذكر الماء. وكذا ما رواه

__________________

(٨) الناصريات ، كتاب الطهارة ، المسألة الثالثة.

(٩) سورة المدّثر : ٤.

(١٠) لم أجد هذا الحديث من خولة فيما راجعت من كتب العامّة. نعم رواه في كنز العمال ٩ ـ ٥٢٥ وابن ماجة في سننه ١ ـ ٢٠٦ بهذه العبارة : عن أسماء بنت أبي بكر قالت : سئل النبيّ عن دم الحيض.

وقال في الإصابة في تمييز الصحابة ٤ ـ ٢٩٤ : خولة بنت يسار ( لا بشار كما في المتن ) قالت :

٢١٢

ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن المنيّ يصيب الثوب قال : إن عرفت مكانه فاغسله ، وإن خفي فاغسله كلّه (١١). وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا أصاب الثوب منّي فليغسل الذي أصابه (١٢).

لا يقال : أحاديثنا مقيّدة بذكر الماء ، والعمل بالمقيّد أولى لأنّا نقول : بل التمسّك بما ذكرناه أولى لأنّه لو عمل بالمقيّد لزم الإضمار ، والإضمار على خلاف الأصل ، ولأنّا لو عملنا بالمطلق أمكن الجمع بأن ينزّل خبر الماء على الاستحباب ، فيبقى المطلق على إطلاقه ، ولأنّ الخبر تضمّن الحت والقرص (١٣) ، وكلاهما مستحبّان ، فيكون الماء كذلك ، لأنّه أشبه بسياقة اللفظ.

ويؤيد جواز إزالة النجاسة بغير الماء ما رواه حكم بن حكيم الصيرفي عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت : لا أصيب الماء وقد أصاب يدي البول فأمسحه بالحائط أو التراب ثمّ تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي قال : لا بأس (١٤). وعن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عن علي عليه الصلاة والسّلام قال : لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق (١٥).

والجواب قوله : لا نسلّم وجوب العمل بالاستصحاب ، قلنا : لأنّه لو لا ذلك

__________________

أتيت النبيّ ( ص ) فقلت : إني امرأة أحيض وليس عندي غير ثوب واحد .. قال : إذا تطهرت فاغسلي ثوبك ثمّ صلّي عليه قلت : اني ارى أثر الدم فيه فقال : اغسليه ولا يضرك أثره.

(١١) رواه في الوسائل ٢ ـ ١٠٢٢ نقلا عن الكافي ٣ ـ ٥٣ والتهذيب ١ ـ ٢٥١.

(١٢) رواه في الوسائل ٢ ـ ١٠٢٢ نقلا عن الكافي ٣ ـ ٥٣ والتهذيب ١ ـ ٢٥٢.

(١٣) قال ابن الأثير في النهاية : القرص الدلك بأطراف الأصابع والأظفار ، مع صبّ الماء عليه حتّى يذهب أثره.

(١٤) رواه في الوسائل ٢ ـ ١٠٠٥ الكافي ١ ـ ٥٤ والفقيه ١ ـ ٦٩ والتهذيب ١ ـ ٢٥٠.

(١٥) رواه في جامع أحاديث الشيعة ١ ـ ١٩ والتهذيب ١ ـ ٤٢٥ ، وأيضا في التهذيب ١ ـ ٤٢٣ عن غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه قال : لا يغسل بالبزاق شي‌ء غير الدم.

٢١٣

لزم طرح العمل بالدليل الثابت ، وليس ذلك قياسا.

قوله : هو عمل بغير دلالة ، قلنا : قد بيّنا الدلالة.

قوله : ما ذكرتموه معارض بما أنّ الأصل جواز إزالة النجاسة بكلّ مائع ، قلنا : لم نعلم النجاسة بالأصل حتى يعلم زوالها به ، غايته أن نعلم أنّ العرب كانت تستخبث شيئا فطهارته التنزّه منه وليس ذلك ممّا نحن فيه.

والجواب عن الآية أنّا لا نسلّم دلالتها على موضع النزاع ، لأنّها دالّة على وجوب التطهير ، والبحث ليس فيه ، بل في كيفية الإزالة. لا يقال : الطهارة إزالة النجاسة كيف كان ، لأنّا نقول : هذا هو أوّل المسألة.

قوله : الغسل بغير الماء يزيل عين الدنس فيكون طهارة. قلنا : أوّلا نمنع ذلك ، فإنّ النجاسة إذا مازجت المائع شاعت فيه فالباقي في الثوب منه تعلّق به حصّة من النجاسة ، ولأنّ النجاسة ربما سرت في الثوب فسدّت مسامه فمنع الماء من الولوج حيث هي وتبقى مرتبكة (١٦) في محلّها.

وثانيا نسلّم زوال عين النجاسة ، لكن لا نسلّم زوال النجاسة بخلعها (١٧) ، فإنّ المائع بملاقاة النجاسة يصير عين نجاسة فالبلّة المتخلّفة منه في الثوب بعض المنفصل النجس فيكون نجسا. أو نقول : النجاسة الرطبة أثّر في تعدّي حكمها إلى المحلّ ، كما أنّ النجاسة عند ملاقاة المائع تتعدّى نجاستها إليه ، فعند وقوع النجاسة الرطبة ينفعل الثوب بحكمها كما ينفعل المائع عند ملاقاة النجاسة اليابسة فتعود أجزاء الثوب الملاقية لها نجسة شرعا وتلك العين المنفعلة لا تزول الّا بالغسل.

وأمّا الخبر فنقول : الاقتصار على الأمر بالغسل يكفي في دلالته على الماء لأنّ الماء هو المعروف للإزالة ، فيسبق الذهن إلى إرادته ، كما تقتصر في أمر

__________________

(١٦) ربك الشي‌ء : خلطه ، وارتبك في الأمر : وقع فيه ولم يكد يتخلّص منه.

(١٧) كذا. ولعلّ الصحيح : بقلعها.

٢١٤

العطشان بقولك : اشرب ، ولم تحتج إلى تقييده بالماء.

وقوله : ينزّل خبر الماء على الاستحباب ، قلنا : ظاهر الأمر الوجوب ، فلو نزّلناه على الاستحباب كان تركا للظاهر.

قوله : ليسلم المطلق من إرادة التقييد ومن الإضمار ، قلنا : مراعاة جانب الحقيقة أولى من مراعاة عدم الإضمار.

قوله : خبر الماء يتضمّن الحتّ والقرص وكلاهما مستحبّان ، قلنا : نطالب بوجه الملازمة ، فإن تمسّك بالسياقة لزمه أن يقوله : الغسل مستحبّ أو يقول : كما أنّ القرص مستحبّ تبعا لاستحباب القرص فليكن الماء واجبا تبعا لوجوب الغسل.

وأمّا رواية حكم بن حكيم فإنّها مطرحة بين الأصحاب (١٨) ، ولو صحّت نزلت على حال عدم الماء فإنّ المصلي يجتزي بإزالة عين النجاسة بالأرض أو التراب ما دام العذر باقيا.

وأمّا رواية غياث فإنّها في غاية الشذوذ (١٩) ، فلا يعترض بمثلها على الأصل. على أنّا لا نسلّم دلالتها على طهارة المحلّ بالبصاق حسب ، فإنّه لا يبعد أن يسأل عن جواز حكّ الدم والتوصّل إلى إزالة عينه بالبصاق منضمّا إلى تطهيره بالماء ، ويجري ذلك مجرى قولهم : يغسل الإناء من ولوغ الكلب بالتراب أوّل مرّة وإن لم يكن بمجرّد التراب. على أنّ الروايتين تتضمّنان رفع البأس ولا تتضمّنان طهارة المحلّ ولا جواز الدخول به في الصلاة فسقطت دلالتهما على الطهارة.

وأمّا قول القائل : كيف أضاف السيّد والمفيد ذلك إلى مذهبنا ولا نصّ فيه.

__________________

(١٨) ولكن وثّقه العلّامة الحلّي في الخلاصة تبعا للنجاشي في رجاله. راجع تنقيح المقال ١ ـ ٣٥٧.

(١٩) أي من حيث المضمون ، وإلّا فغياث بن إبراهيم موثّق كما في رجال النجاشي فراجع.

٢١٥

فالجواب : أمّا علم الهدى فإنّه ذكر في الخلاف أنّه إنّما أضاف ذلك إلى مذهبنا ، لأنّ من الأصل العمل بدليل الأصل ما لم يثبت الناقل (٢٠).

قال : وليس في الشرع ما يمنع من استعمال المائعات في الإزالة ولا ما يوجبها ، ونحن نعلم أنّه لا فرق بين الماء والخلّ في الإزالة ، بل ربما كان غير الماء أبلغ فحكمنا حينئذ بدليل العقل.

وأمّا المفيد فإنّه ادّعى في مسائل الخلاف أنّ ذلك مرويّ عن الأئمة عليهم‌السلام ، وأمّا نحن فقد فرّقنا بين الماء وغيره فلم يرد علينا ما ذكره علم الهدى ، وأمّا المفيد فنمنع دعواه ونطالبه بنقل ما ادّعاه.

__________________

(٢٠) قال الشيخ الأنصاري في الفرائد ص ٢٠٣ : وعنه ( اي عن المحقق ) في المسائل المصرية أيضا في توجيه نسبة السيّد إلى مذهبنا جواز إزالة النجاسة بالمضاف مع عدم ورود نصّ فيه : إنّ من أصلنا العمل بالأصل حتّى يثبت الناقل.

٢١٦

المسألة الثالثة

الماء القليل هل ينجس بالملاقاة وكيف ادّعى ابن أبي عقيل أنّه باق على طهارته؟

الجواب :

نعم ينجس بالملاقاة وإن لم يتغيّر أحد أوصافه. لنا قوله عليه‌السلام : خمّروا أوانيكم (١). وقول الصادق عليه‌السلام : إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء (٢) ولا تتحقق فائدة الشرط إلّا مع إمكان نجاسة ما دون الكرّ. وما رواه الفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن سؤر الكلب فقال : رجس نجس لا تتوضّأ. بفضله واصبب ذلك الماء (٣). وما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام عن الدجاجة والحمامة تطأ العذرة ثمّ تدخل الماء أيتوضّأ منه للصلاة؟ قال : لا إلّا أن يكون الماء قدر كرّ (٤). وما رواه علي بن جعفر أيضا عن أخيه موسى عليه‌السلام عن النصراني يدخل يده في إناء المسلم أيتوضّأ منه للصلاة؟ فقال : لا إلّا أن يضطرّ إليه (٥). وما رواه أيضا عنه في الرجل يمتخط فصار صغارا فأصاب أناة إن كان شيئا بيّنا فلا تتوضّأ منه (٦). وما رواه عمّار عن

__________________

(١) في النهاية لابن الأثير ٢ ـ ٧٧ : في الحديث : خمّروا الإناء : التغطية.

(٢) رواه في الوسائل ١ ـ ١١٧ نقلا عن الكتب الأربعة ، وفيه : إذا كان الماء. الكافي ٣ ـ ٢ ـ الفقيه ١ ـ ٩ ـ التهذيب ١ ـ ٤٠ ـ الاستبصار ١ ـ ٦.

(٣) رواه في الوسائل ٢ ـ ١٠١٥ نقلا عن التهذيب ١ ـ ٢٢٥.

(٤) الوسائل ١ ـ ١١٥ التهذيب ١ ـ ٤١٩ والاستبصار ١ ـ ٢١ وقرب الاسناد ٨٤.

(٥) الوسائل ٢ ـ ١٠٢٠ التهذيب ١ ـ ٢٢٣ ورواه في البحار ١٠ ـ ٢٧٨ نقلا عن مسائل علي بن جعفر ١٧٠.

(٦) الوسائل ١ ـ ١١٢ ـ الكافي ٣ ـ ٧٤ ـ التهذيب ١ ـ ٤١٢ ـ الإستبصار ١ ـ ٢٣ مسائل علي بن جعفر ١١٩.

٢١٧

أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كلّ شي‌ء من الطيور تتوضّأ بما شرب منه إلّا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضّأ منه ولا تشرب (٧) ، وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن الجنب يجعل الركوة أو التور ويدخل إصبعه فيه قال : إن كانت قذرة فأهرقه (٨). وعن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه‌السلام عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة قال : يكفئ الإناء (٩). وعن حفص بن غياث عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قال : لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة (١٠). وعن سماعة وعمّار عنه عليه‌السلام في إناءين فيهما ماء ووقع في أحدهما قذر ولا يدرى أيّهما هو ولا يقدر على ماء غيرهما قال : يهريقهما جميعا (١١).

وتمسّك ابن أبي عقيل بقوله عليه‌السلام : الماء طاهر لا ينجّسه إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه (١٢). وبما روي عن الصادق عليه‌السلام وقد استقى غلامه من بئر فخرج في الدلو فأرة فقال : أرقه وفي الثاني فأرة فقال : أرقه ولم يخرج في الثالث فقال : صبّه في الإناء (١٣). وعن الباقر عليه‌السلام في القربة أو الجرّة من الماء يسقط فيهما فأرة أو جرد فيموت : إن غلب ريحه على الماء فأرقه وإن لم يغلب

__________________

(٧) رواه في الوسائل ١ ـ ١٦٦ نقلا عن الكافي ٣ ـ ١٠.

(٨) الوسائل ١ ـ ١١٥ ـ التهذيب ١ ـ ٣٨ ـ الإستبصار ١ ـ ٢٠ السرائر ٣ ـ ٥٥٥.

(٩) رواه في الوسائل ١ ـ ١١٤ نقلا عن التهذيب ١ ـ ٣٩.

(١٠) الاستبصار ١ ـ ٢٦ ـ جامع أحاديث الشيعة ١ ـ ٣٦ الطبع الأوّل ـ الكافي ٣ ـ ٥ ـ التهذيب ١ ـ ٢٣١.

(١١) الوسائل ١ ـ ١١٣ و ١١٦ ـ التهذيب ١ ـ ٢٤٨ والاستبصار ١ ـ ٢١ و ٢٠ والكافي ٣ ـ ١١.

(١٢) رواه في الخلاف ١ ـ ١٩٥ وفي سنن ابن ماجة ١ ـ ١٧٤ مثله مع اختلاف يسير.

(١٣) الوسائل ١ ـ ١٢٨ ـ التهذيب ١ ـ ٢٣٩ ـ الاستبصار ١ ـ ٤٠ ـ المعتبر للمصنّف ص ١١.

٢١٨

فاشرب منه وتوضأ (١٤). وذكر أنّ بعض الشيعة كان في طريقه ماء فيه العذرة والجيف وكان يأمر غلامه أن يحمل معه كوزا يغسل رجليه قال فأبصرني أبو جعفر عليه‌السلام فقال : هذا لا يصيب شيئا إلا طهّره فلا تعد منه غسلا (١٥).

والجواب عن الأوّل منع الرواية فإنّها مروية من طريق الجمهور ، وأكثرهم طعن في سندها ، وهو ادّعى تواترها عن الأئمة عليهم‌السلام ، ونحن فما رأينا لها سندا في كتب الأصحاب آحادا فكيف تواترا ، والذي رويناه عنهم : الماء كلّه طاهر حتى يعلم أنّه قذر (١٦) فلو استدلّ بهذه الرواية أجبناه بأنّا قد علمنا قذارته بما تلوناه من الروايات. ثمّ لو صحّ ما ذكره من الرواية لكانت عامّة وأخبارنا خاصّة والخاص يقدّم على العامّ. ولو قال : إنّما يقدّم مع العلم بالتاريخ ، قلنا : هذا يصحّ في أخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمّا اخبار الأئمة عليهم‌السلام فلا ، لأنّه لا يتطرق إليها النسخ ، على أنّ الصحيح وجوب تقديم الخاصّ على العامّ عرف التاريخ أو جهل (١٧).

والجواب عن خبر البئر ، المطالبة بصحّة سنده ، فإنّا لا نعرف طريقه إلّا

__________________

(١٤) رواه في المختلف ص ٣ عن ابن أبي عقيل. ورواه في الوسائل ١ ـ ١٠٤ نقلا عن التهذيب والاستبصار وفي سنده علي بن حديد. ولكن بين ما نقله ابن أبي عقيل وما في الوسائل اختلاف فراجع.

(١٥) رواه في جامع أحاديث الشيعة ١ ـ ٣ عن المختلف عن ابن أبي عقيل قال : ذكر بعض علماء الشيعة أنّه كان بالمدينة رجل يدخل على أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام وكان في طريقة ماء .. وراجع رسالة الشيخ عبد الرحيم البروجردي التي جمع فيها فتاوى ابن أبي عقيل ص ٣.

(١٦) الوسائل ١ ـ ١٠٠ ـ الكافي ٣ ـ ١ ـ التهذيب ١ ـ ٢١٥.

(١٧) راجع بحث العام والخاص من معارج الأصول للمحقّق ، وغيره من كتب أصول الفقه.

٢١٩

عن علي بن حديد عن بعض أصحابنا ، وعلي بن حديد ضعيف جدّا (١٨) ، والرواية مرسلة (١٩) ، ويحتمل أن يكون البئر مصنعا لا ينبعا. ثمّ الحديث لم يتضمّن استعماله ، وأمره بصبّه في الإناء لا يدلّ على جواز استعماله ، فلا يطرح الصحيح (٢٠) للمحتمل ، ولو قال : فقد روينا « فتوضّأ واشرب » (٢١) قلنا : هذا لم يشتهر نقله ، بل القدر المشهور ما ذكرناه ، فيكون ما ذكره لو كان منقولا شاذّا.

والجواب عن خبر القربة كذلك ، فإنّ في طريقة ابن حديد ، وقد بيّنا ضعفه ، مع أنّه يتضمّن « إذا تفسّخ فلا تشرب من مائها » (٢٢) وهو خلاف ما يحاوله الخصم ، ثمّ لو صحّت أخباره لكان ما ذكرناه أرجح لأنّها أشهر (٢٣) وأصحّ سندا.

وأمّا ما ذكره عن بعض الشيعة ، فإنّا لا نعرف ذلك القائل ، ولعلّه ممّن لا يعمل بروايته ، ولو سلّمناه لكان ذلك إشارة إلى ماء معيّن يحتمل أن يكون كثيرا لا تؤثّر فيه النجاسة ، ولهذا أشار إليه عليه‌السلام بقوله : هذا لا يصيب شيئا إلّا طهّره ، وذلك يدلّ على أنّه لم يحكم على الماء مطلقا بل على ذلك بعينه فلا يتعدّى إلى غيره.

__________________

(١٨) وقد ضعّفه الشيخ الطوسي في الاستبصار والتهذيب. قاله العلّامة الحلي في خلاصة الرجال.

راجع تنقيح المقال ٢ ـ ٢٧٥.

(١٩) إذ قال : علي بن حديد عن بعض أصحابنا ولم يذكر اسمه.

(٢٠) في بعض النسخ : الصريح.

(٢١) قال الشيخ الحرّ في الوسائل ١ ـ ١٢٨ بعد نقل خبر علي بن حديد : ورواه المحقق في المعتبر وزاد في آخره : فصبّه فتوضّأ منه وشرب. راجع المعتبر ص ١١ من الطبع الحجري.

(٢٢) راجع الوسائل ١ ـ ١٠٤.

(٢٣) في بعض النسخ : لأنّها أكثر وأشهر.

٢٢٠