النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

كتاب الطهارة

باب ماهية الطهارة وكيفية ترتيبها

الطّهارة في الشّريعة اسم لما يستباح به الدّخول في الصّلاة. وهي تنقسم قسمين : وضوء وتيمّم. ومدارهما على أربعة أشياء : أحدهما وجوب الطّهارة ، وثانيها ما به تكون الطّهارة ، وثالثها كيفيّة الطّهارة ، ورابعها ما ينقض الطّهارة.

فأمّا العلم بوجوبها فحاصل لكلّ أحد خالط أهل الشّرع ولا يرتاب أحد منهم فيه.

والعلم بما فيه تكون الطّهارة فينقسم قسمين : أحدهما العلم بالمياه وأحكامها وما يجوز الطّهارة به منها وما لا يجوز ، والثّاني العلم بما يجوز التّيمّم به وما لا يجوز.

وامّا العلم بكيفيّة الطّهارة فينقسم قسمين : أحدهما العلم بالطّهارة الصّغرى وكيفيّتها ، والثاني العلم بالطّهارة الكبرى من الأغسال وأحكامها.

وامّا القسم الرّابع وهو ما ينقض الطّهارة فهو أيضا على ضربين : أحدهما ينقض الطّهارة الصّغرى ولا يوجب الكبرى ،

١

والثاني ينقضها ويوجب الطّهارة الكبرى.

والذي يتبع الطّهارة ممّا يحتاج الى العلم به ، للدّخول في الصّلاة وإن لم يقع عليه اسم الطّهارة ، العلم بإزالة النّجاسات من البدن والثياب ، لانّه لا يجوز الدّخول في الصّلوة مع نجاسة على البدن أو الثّوب كما لا يجوز الدّخول في الصّلاة مع عدم الطّهارة ونحن نرتّب ذلك على حسب ما تقتضيه الحاجة إليه ، إن شاء الله.

امّا العلم بوجوب الطّهارة فقد بيّنا حصوله لا محالة ، فلأجل ذلك لم نشرع فيه.

وامّا ما به تقع الطّهارة من المياه وغيرها فيجب ان يكون العلم به مقدّما على العلم بكيفيّة إيقاعها ، فلأجل ذلك بدأنا به في أوّل الكتاب ، ثمَّ نذكر بعد ذلك ما وعدنا من الأقسام الأخر ، إن شاء الله.

باب المياه وأحكامها

وما يجوز الطهارة به منها وما لا يجوز ، وبيان ما يقع فيها ممّا يغيّر حكم الطّهارة منها وما يرفع ذلك الحكم عنها.

الماء كلّه طاهر ما لم يقع فيه نجاسة تفسده. وهو على ضربين : طاهر مطهّر وطاهر ليس بمطهّر.

٢

فأمّا الماء الطّاهر الّذي ليس بمطهّر ، فالمياه المضافة ، مثل ماء الباقلاء وماء الآس وماء الورد. وهذه المياه لا يجوز استعمالها في شي‌ء من الطّهارات ولا في إزالة النّجاسات من البدن والثّياب. ولا بأس في الشّرب وغيره ما لم يقع فيها شي‌ء من النّجاسة فإن وقع فيها شي‌ء من النّجاسة فلا يجوز استعمالها إلّا عند الضرورة والخوف من تلف النفس.

وامّا الطاهر المطهّر فهو كل ما يستحقّ إطلاق اسم الماء من غير إضافة. وهو على ضربين : جار وراكد.

فالمياه الجارية كلّها طاهرة مطهّرة لا ينجّسها شي‌ء ممّا يقع فيها من النّجاسات إلّا ما يغيّر لونها أو طعمها أو رائحتها. فإنّه متى تغيّر شي‌ء من أوصافها المذكورة بما يقع فيها من النّجاسات فلا يجوز استعمالها في الطهارة.

والمياه الرّاكدة على ثلاثة أقسام : مياه الغدران والقلبان والمصانع ، ومياه الأواني المحصورة ، ومياه الآبار.

فامّا مياه الغدران والقلبان فإن كان مقدارها مقدار الكرّ وحدّ الكرّ ثلاثة أشبار ونصف طولا في ثلاثة أشبار ونصف عرضا في ثلاثة أشبار ونصف عمقا ، أو يكون مقداره ألفا ومأتي رطل بالعراقيّ فإنّه لا ينجّسها شي‌ء ممّا يقع فيها من النّجاسات إلّا ما غيّر لونها أو طعمها أو رائحتها. فإن تغيّر أحد أوصافها بما يقع فيها من النجاسة ، فلا يجوز استعمالها على حال. وإن

٣

كان تغيّرها من قبل نفسها أو بما يلاقيها من الأجسام الطّاهرة ، فإنّه لا بأس باستعمالها ما لم يسلبها إطلاق اسم الماء ، وإن غيّر لونها أو طعمها أو رائحتها. وإن كان مقدارها أقلّ من الكرّ فإنّه ينجّسها كلّ ما يقع فيها من النجاسات. ولا يجوز استعمالها على حال. ويكره استعمال هذه المياه مع وجود المياه الجارية والمياه المتيقّن طهارتها.

ولا تنجّس مياه الغدران بولوغ السّباع والبهائم والحشرات وسائر الحيوان فيها إلّا الكلب خاصّة والخنزير ، فإنّه ينجّسها إن كان دون الكرّ. وان كانت زائدة على الكرّ فليس به بأس.

وأمّا مياه الأواني المحصورة فإن وقع فيها شي‌ء من النّجاسة أفسدها ولم يجز استعمالها. وان كان ما يقع فيها طاهرا ، فلا بأس باستعمالها ما لم يسلبها إطلاق اسم الماء وإن غيّر لونها أو طعمها أو رائحتها. فلا بأس باستعمال المياه وان كانت قد استعملت مرّة أخرى في الطّهارة ، إلّا أن يكون استعمالها في الغسل من الجنابة أو الحيض ، أو ما يجري مجراهما ، أو في إزالة النجاسة. ولا بأس للرجل ان يستعمل فضل وضوء المرأة وكذلك المرأة لا بأس لها ان تستعمل فضل وضوء الرجل.

ولا بأس بأسئار المسلمين واستعمال ما شربوا منه في الطّهارة سواء كان رجلا أو امرأة. ويكره استعمال سؤر الحائض إن كانت متّهمة. وإذا كانت مأمونة فلا بأس به. ولا يجوز استعمال أسئار

٤

من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفّار. وكذلك أسئار الناصب لعداوة آل محمّد عليهم‌السلام. ولا بأس بسؤر كلّ ما يؤكل لحمه من سائر الحيوان. ولا بأس باستعمال سؤر البغال والحمير والدواب والهرّ وغير ذلك إلّا الكلب خاصّة والخنزير. وكذلك لا بأس بأسئار الطّيور كلّها إلّا ما أكل الجيف أو كان في منقاره أثر دم.

وماء الحمّام سبيله كسبيل الماء الجاري إذا كانت له مادّة من المجرى. فإن لم يكن له مادّة فهو على طهارته ما لم تعلم فيه نجاسة. فإن علمت فيه نجاسة أو أدخل يده فيه يهوديّ أو نصراني أو مشرك أو ناصب ومن ضارعهم من أصناف الكفّار ، فلا يجوز استعماله على حال. وغسالة الحمّام لا يجوز استعماله على حال.

ومتى ولغ الكلب في الإناء نجس الماء ووجب إهراقه ، وغسل الإناء ثلاث مرّات : إحداهنّ وهي الأولى بالتّراب. وكذلك كلّ إناء وقع فيها نجاسة وجب إهراق ما فيها من الماء وغسلها ثلاث مرات ، غير أنّه لا يعتبر غسلها بالتّراب ، إلّا في ولوغ الكلب خاصّة. وقد روي أنه يكفي إهراق ما فيها وغسل الإناء مرّة واحدة. والأحوط ما قدّمناه. ومتى مات في الآنية حيوان له نفس سائلة ، نجس الماء ووجب إهراقه وغسل الإناء حسب ما قدّمناه. والفأرة إذا ماتت في الإناء وجب إهراق ما فيها وغسل

٥

الإناء سبع مرّات ، وكذلك حكم الخمر. وكلّ ما يقع في الماء فمات فيه ممّا ليس له نفس سائلة ، فلا بأس باستعمال ذلك الماء الّا الوزغ والعقرب خاصّة ، فإنّه يجب إهراق ما وقع فيه وغسل الإناء حسب ما قدّمناه. وإذا وقعت الفارة والحيّة في الآنية أو شربتا منها ثمَّ خرجا حيّا ، لم يكن به بأس.

والأفضل ترك استعماله على حال. والوزغ إذا وقع في الماء ثمَّ خرج منه ، لم يجز استعماله على حال. وإذا كان مع الإنسان إناءان أو ما زاد عليهما ، ووقع في أحدهما نجاسة ولم يعلمه بعينه ، وجب عليه إهراق جميعه والتّيمّم للصّلاة ، إذا لم يقدر على غيره من المياه الطّاهرة.

وأمّا مياه الآبار فإنّها تنجس بكلّ ما يقع فيها من النّجاسات ولا يجوز استعمالها قبل تطهيرها. فإن وقع في البئر خمر أو فقّاع أو شراب مسكر أو منيّ أو دم حيض أو بعير فمات فيه ، وجب نزح الماء كلّه. فإن تعذّر ذلك عليه ، يتراوح على نزحه أربعة رجال من الغداة إلى العشيّ يتناوبون عليه. وإن مات فيه إنسان ، وجب أن ينزح منه سبعون دلوا. وإن مات فيه حمار أو بقرة أو دابّة ، وجب أن ينزح منه كرّ من ماء إذا كان الماء أكثر من كرّ. فإن كان أقلّ منه ، وجب نزح جميعه. فإن مات فيها كلب أو شاة أو ثعلب أو سنور أو غزال أو خنزير ، وما أشبهها ، نزح منها أربعون دلوا. وقد روي أنّه إذا وقع فيها

٦

كلب وخرج منها حيّا. نزح منه سبع دلاء ، فإن مات فيها حمامة ، أو دجاجة وما أشبهها ، نزح منها سبع دلاء. فإن ماتت فيها فارة ، نزح منها ثلاث دلاء إذا لم تتفسّخ. فإن تفسّخت ، نزح منها سبع دلاء. فإن مات فيها عصفور وما أشبهه ، نزح منها دلو واحد. وإذا بال فيها رجل ، نزح منها أربعون دلوا. فإن بال فيها صبيّ ، نزح منها سبع دلاء. فإن كان رضيعا لم يأكل الطّعام ، نزح منها دلو واحد ، فإن وقعت فيها عذرة وكانت رطبة ، نزح منها خمسون دلوا. وإن كانت يابسة ، نزح منها عشر دلاء. فإن وقع فيها حيّة أو وزغة أو عقرب فماتت فيها ، نزح منها ثلاث دلاء. وإن ارتمس فيها جنب ، نزح منها سبع دلاء. فإن وقع فيها دم وكان كثيرا ، نزح منها خمسون دلوا. وإن كان قليلا ، نزح منها عشر دلاء. وكلّ ما أكل لحمه من الحيوان والبهائم والطّيور ، فإنّه لا بأس بروثه وذرقه ، إذا وقع في الماء ، إلّا ذرق الدّجاج خاصّة ، فإنّه إذا وقع في البئر ، وجب نزح خمس دلاء منها. ومتى وقع شي‌ء من النّجاسة في البئر ، أو مات فيها شي‌ء من الحيوان ، فغيّر لونه أو طعمه أو رائحته ، وجب نزح جميع ما فيها من الماء. فإن تعذّر ذلك ، نزح منها إلى أن يرجع إلى حال الطّهارة.

وهذه المياه الّتي ذكرناها ، متى لحقها حكم النّجاسة ، فلا يجوز استعمالها في الوضوء والغسل معا ، ولا غسل الثّوب ولا

٧

في إزالة النّجاسة ، ولا في الشّرب. فمن استعملها في الوضوء أو الغسل أو غسل الثّوب ثمَّ صلّى بذلك الوضوء وفي تلك الثياب ، وجب عليه إعادة الوضوء والغسل وغسل الثّوب بماء طاهر وإعادة الصّلاة ، سواء كان عالما في حال استعماله لها أو لم يكن ، إذا كان قد سبقه العلم بحصول النّجاسة فيها. فإن لم يتيقن حصول النّجاسة فيها قبل استعمالها ، لم يجب عليه إعادة الصّلاة ، ووجب عليه ترك استعمالها في المستقبل ، اللهمّ إلّا أن يكون الوقت باقيا ، فإنّه يجب عليه غسل الثّوب وإعادة الوضوء وإعادة الصّلاة. فإن كان قد مضى الوقت لم يجب عليه إعادة الصّلاة.

فإن استعمل شي‌ء من هذه المياه النّجسة في عجين يعجن به ويخبز ، لم يكن به بأس بأكل ذلك الخبز ، لأنّ النّار قد طهّرته.

ولا بأس باستعمال هذه المياه في الشّرب عند الضّرورة إليها ، ولا يجوز ذلك مع الاختيار.

ومتى لم يجد الإنسان لطهوره سوى هذه المياه النّجسة ، فليتيمّم ويصلّ ولا يتوضّأ بذلك الماء.

ومتى حصل الإنسان عند غدير أو قليب ولم يكن معه ما يعرف به الماء لوضوءه ، فليدخل يده فيه ويأخذ منه ما يحتاج إليه ، وليس عليه شي‌ء. فإذا أراد الغسل للجنابة ، وخاف إن نزل إليها فساد الماء ، فليرشّ عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه ،

٨

ثمَّ ليأخذ كفّا كفّا من الماء فليغتسل به.

ويستحبّ أن يكون بين البئر الّتي يستقى منها وبين البالوعة سبعة أذرع ، إذا كانت البئر تحت البالوعة وكانت الأرض سهلة ، وخمسة أذرع إذا كانت فوقها. وإن كانت الأرض صلبة ، فليكن بينها وبين البئر خمسة أذرع من جميع جوانبها.

ويكره استعمال الماء الذي أسخنته الشّمس في الأواني في الوضوء والغسل من الجنابة. ولا بأس بالوضوء أو الغسل من العيون الحميّة ، ولا بأس أيضا لشرب منها ، ويكره التّداوي بها.

باب آداب الحدث وكيفية الطهارة

إذا أردنا أن نبيّن كيفيّة الطّهارة ، فالواجب أن نبيّن آداب ما يتقدمها من الأحداث ، ثمَّ نتبعها بذكر كيفيّتها وترتيبها وأحكامها.

فإذا أراد الإنسان الحدث ، فليستتر عن النّاس بحيث لا يراه أحد. وإذا أراد الدّخول إلى المكان الّذي يتخلّى فيه ، فليدخل رجله اليسرى قبل اليمنى ، فليقل : « بسم الله وبالله ، أعوذ بالله من الرّجس النّجس الخبيث المخبّث الشيطان الرجيم » وليغطّ رأسه. فإذا أراد القعود لحاجته ، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، إلّا أن يكون الموضع مبيّنا على وجه لا يتمكن

٩

فيه من الانحراف عن القبلة. ولا يستقبل الشّمس ولا القمر ولا يستقبل الرّيح بالبول. ولا يتغوّط على شطوط الأنهار ، ولا في المياه الجارية ولا الرّاكدة. ولا يبولنّ فيهما. فإن بال في المياه الجارية أو تغوّط فيها ، لم يفسد ذلك الماء. ولا يتغوّط أيضا في أفنية الدّور ، ولا تحت الأشجار المثمرة ، ولا مواضع اللّعن ، ولا في‌ء النزّال ، ولا المواضع الّتي يتأذّى المسلمون بحصول النّجاسة فيها. ولا يطمح ببوله في الهواء. ولا يبولنّ في جحرة الحيوان ، ولا في الأرض الصّلبة. وليطلب موضعا مرتفعا من الأرض يجلس عليه.

فإذا فرغ من حاجته وأراد الاستنجاء فليستنج فرضا واجبا. ويجزيه أن يستنجي بثلاثة أحجار إذا نقي الموضع بها. فإن لم ينق بها ، زاد عليها. فإن نقي بواحدة ، استعمل الثّلاثة سنّة. ولا يستعمل الأحجار التي استعملت في الاستنجاء مرّة أخرى ، ولا يستنج بالعظم ولا بالروث. ويجوز استعمال الخزف بدلا من الأحجار.

وإن استعمل الماء بدلا من الأحجار كان أفضل. فإن جمع بينهما ، كان أفضل من الاقتصار على واحد منهما.

فإذا استنجى بالماء ، فليغسل موضع النّجو إلى أن ينقي ما هناك. وليس لما يستعمل من الماء حدّ محدود.

فإذا فرغ من غسل موضع النّجو وأراد غسل الإحليل ، فليمسح بإصبعه من عند مخرج النّجو إلى أصل القضيب ثلاث مرّات ،

١٠

ثمَّ يمرّ إصبعيه على القضيب وينتره ثلاث مرّات. وليغسل إحليله بالماء. ولا يجوز الاقتصار على غيره مع وجود الماء. وأقلّ ما يجزي من الماء لغسله مثلا ما عليه من البول. وإن زاد على ذلك كان أفضل.

وليس على الإنسان استنجاء من شي‌ء من الأحداث إلّا من البول والغائط حسب ما قدّمناه. وإذا بال ، فليس عليه الّا غسل مخرج البول ، وليس عليه استنجاء.

ولا يجوز الاستنجاء باليمين إلّا عند الضّرورة. ولا يستنجي باليسار وفيها خاتم عليه اسم من أسماء الله تعالى وأسماء أنبيائه أو أحد من الأئمّة عليهم‌السلام. وإن كان في يده شي‌ء من ذلك أو خاتم فصه من حجر زمزم ، فليحوّله.

ولا يقرأ القرآن وهو على حال الغائط سوى آية الكرسيّ. ويجوز له أن يذكر الله تعالى فيما بينه وبين نفسه. فإن سمع الأذان ، فليقل مع نفسه كما يسمعه استحبابا. ولا يستعمل السّواك ، ولا يتكلّم وهو على حال الغائط ، إلّا أن يدعوه إلى الكلام ضرورة.

ويستحب له أن يغسل يده قبل إدخالها الإناء من حدث الغائط مرّتين ، ومن النّوم والبول مرّة ، ومن الجنابة ثلاث مرّات. فإن لم يفعل ذلك لم يكن عليه شي‌ء. وجاز استعمال ذلك الماء ، اللهمّ إلّا أن تكون على يده نجاسة ، فيفسد بذلك الماء ، إلّا أن

١١

يزيد على الكرّ ، ولا يحمل شيئا من النّجاسة.

فإذا فرغ من الاستنجاء ، قام من موضعه ومسح يده على بطنه وقال : « الحمد لله الّذي أماطا ـ عنّي الأذى وهنّأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى ».

فإذا أراد الخروج من الموضع الّذي تخلّى فيه ، فليخرج رجله اليمنى قبل اليسرى ، وليقل : « الحمد لله الذي عرّفني لذّته ، وأبقى في جسدي قوّته ، وأخرج عنّي أذاه. يا لها نعمة يا لها نعمة يا لها نعمة! لا يقدر القادرون قدرها ».

فإذا أراد أن يتوضّأ وضوء الصّلاة ، فليجعل الإناء على يمينه ، وليقل إذا نظر إليها : « الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا » ، ثمَّ يقول : « بسم الله وبالله » ويأخذ كفّا من الماء فيتمضمض به ثلاثا ويقول : « اللهمّ لقّني حجّتي يوم ألقاك ، وأطلق لساني بذكرك » ويأخذ كفّا آخر ويستنشق به ثلاثا ويقول : « اللهمّ لا تحرمني طيّبات الجنان واجعلني ممّن يشم ريحها وروحها وريحانها ».

ثمَّ يأخذ كفّا آخر فيضعه على جبهته فيغسل به وجهه. وحدّه من قصاص شعر الرّأس إلى محادر شعر الذّقن طولا ، ما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا. فما خرج من ذلك. فليس من الوجه ، ولا يجب غسله ولا مسحه. ثمَّ يأخذ كفّا آخر فيغسل به وجهه ثانيا على ما وصفناه.

١٢

ثمَّ يأخذ كفّا آخر فيضعه على مرفقه الأيمن فيغسل به يده مرّة إلى أطراف الأصابع ويغسل معه المرفق ، ثمَّ يغسله دفعة أخرى بكفّ آخر من الماء يضعه على باطن ذراعه فيغسلها من المرفق إلى أطراف الأصابع.

ثمَّ يغسل يده اليسرى مرّتين كما يغسل يده اليمنى.

ثمَّ ليمسح بباقي نداوة يده من قصاص شعر الرّأس مقدار ثلاث أصابع مضمومة.

ثمَّ ليمسح ظاهر قدميه بما بقي فيهما من النّداوة إلى الكعبين. وهما النّابتان في وسط القدم. ولا يستأنف لمسح الرّأس والرّجلين ماء جديدا.

والمرأة تفعل في وضوئها مثل ما ذكرناه ، إلّا أنّها تبتدي في غسل يديها بباطن ذراعيها. والرّجل يبتدي بظاهرهما. ويجوز لها أن لا تضع قناعها في صلاة الظّهر والعصر والعشاء الآخرة ، بل تدخل أصابعها تحت القناع. ولا بدّ لها من وضع القناع في صلاة الغداة والمغرب.

والمضمضة والاستنشاق سنّتان ، وليسا بفرضين ، لا في الوضوء ولا في الغسل من الجنابة ، ولا يكونان أقلّ من ثلاث مرّات. وما قدّمناه من التّسمية على حال الطّهارة والدّعاء عند غسل الأعضاء ، فمندوب إليه ، لا يخلّ تركه بالطّهارة. إلّا أن يكون تاركه مهملا سنّة ومضيّعا فضيلة. وغسل الوجه مرّة واحدة فريضة ، ومرّتين

١٣

سنّة وفضيلة. فمن زاد على المرّتين ، فقد أبدع ، وكذلك غسل اليدين. ولا يستقبل الشّعر في غسل اليدين بل يبدأ من المرفق ، ولا يجعله غاية ينتهي إليها في غسلهما.

والمسح بالرّأس لا يجوز أقلّ من ثلاث أصابع مضمومة مع الاختيار. فإن خاف البرد من كشف الرأس. أجزأه مقدار إصبع واحدة. ولا يستقبل أيضا شعر الرّأس في المسح ، ولا يمسح بالرّأس أكثر من مرّة واحدة. ولا يجوز المسح على الأذنين. فمن مسحهما ، كان مبدعا. ولا يجوز المسح على العمامة ولا القلنسوة ولا غيرهما ممّا يغطّي الرّأس. فمن مسح على شي‌ء من ذلك فلا طهارة له.

والمسح على الرّجلين ، بالكفّين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين. فإن بدأ من الكعبين الى رؤوس الأصابع ، فقد أجزأه. فإن اقتصر في المسح عليهما بإصبع واحدة ، لم يكن به بأس ، إلّا أن الأفضل ما ذكرناه.

ولا يجوز المسح على الخفّين ولا الجوربين. ولا بأس بالمسح على النّعل العربيّ ، وإن لم يدخل يده تحت الشّراك. ولا يجوز المسح على غير العربيّ من النّعال ولا الخفّين. فمن فعل ذلك فلا طهارة له ، إلّا في حال الضّرورة. لأنّ من خاف على نفسه في بعض الأحوال ، من نزع الخفّين من عدوّ أو سبع أو برد شديد ، فإنّه لا بأس بالمسح عليهما. ولا يجوز ذلك مع الاختيار.

١٤

وأقلّ ما يجزي من الماء في الطهارة : كفّ للوجه وكفّان لليدين. والإسباغ يكون بمقدار مدّ من الماء. فإن لم يكن مع الإنسان إلّا كفّ واحد من الماء ، قسّمه ثلاثة أقسام ، واستعمله مثل الدّهن.

والنيّة في الطّهارة واجبة. ومتى نوى الإنسان بالطّهارة القربة ، جاز أن يدخل بها في صلوات النّوافل والفرائض. ولا يحتاج الى استيناف الطّهارة للفرض.

والتّرتيب واجب في الطّهارة. فمن قدّم شيئا من أعضاء الطّهارة على شي‌ء ، وجب عليه الرّجوع الى المؤخّر وغسله أو مسحه وتأخير ما قدّمه عليه. مثاله أن يغسل يده قبل وجهه ، أو يمسح برأسه قبل غسل يديه ، أو يمسح برجليه قبل مسح رأسه. فإنّه يجب أن يغسل وجهه ثمَّ اليدين ، يقدّم غسل اليمين منهما على اليسار ، ثمَّ يمسح برأسه ثمَّ يمسح برجليه. فإن خالف ما ذكرناه فلا طهارة له.

والموالات أيضا واجبة في الطّهارة ، ولا يجوز تبعيضها ، إلّا لعذر ، فإنّ بعضها لعذر أو لانقطاع الماء عنه ، جاز ، إلّا أنّه يعتبر ذلك بجفاف ما وضّأه من الأعضاء ، فإن كان قد جفّ ، وجب عليه استيناف الوضوء. فإن لم يكن قد جفّ ، بنى عليه ولم يجب عليه استيناف الطّهارة.

ولا يجوز غسل الرّجلين في الطّهارة لأجلها. فإن أراد الإنسان

١٥

غسلها للتّنظيف ، قدّم غسلهما على الطّهارة ، ثمَّ يتوضّأ وضوء الصّلاة. فإن نسي غسلهما حتّى ابتدئ بالطّهارة ، أخّر غسلهما الى بعد الفراغ منها. ولا يجعل غسلهما بين أعضاء الطّهارة.

وإن كان في إصبع الإنسان خاتم أو في يده سير وما أشبهه ، فليحرّكه ليصل الماء الى ما تحته. فإن كان ضيّقا ، حوّله الى مكان آخر ، وكذلك يفعل في غسل الجنابة.

ولا بأس ان يقع شي‌ء من الماء الذي يتوضّأ به على الأرض ويرجع على ثوبه أو يقع على بدنه. وكذلك إن وقع على ثوبه من الماء الذي يستنجي به ، لم يكن به بأس. وكذلك ، إن وقع على الأرض ثمَّ رجع اليه. اللهمّ إلّا ان يقع على نجاسة ثمَّ يرجع عليه ، فإنّه يجب عليه غسل ذلك الموضع الذي أصابه ذلك الماء.

ولا بأس أن يمسح الإنسان أعضاء الطّهارة بالمنديل بعد الفراغ منها. فإن تركها حتّى يجفّ الماء ، كان أفضل.

ولا بأس أن يصلّي الإنسان بوضوء واحد صلوات اللّيل والنّهار ، ما لم يحدث أو يفعل ما يجب منه إعادة الوضوء. فإن جدّد الوضوء عند كلّ صلاة ، كان أفضل.

وإن كان على أعضاء طهارة الإنسان جبائر أو جرح وما أشبهها ، وكان عليه خرقة مشدودة ، فإن أمكنه نزعها ، وجب عليه أن ينزعها. فإن لم يمكنه ، مسح على الخرقة. وإن كان جراحا ، غسل ما حولها ، وليس عليه شي‌ء.

١٦

ويكره أن يستعين الإنسان في وضوئه بغيره يصبّ عليه الماء. وينبغي أن يتولّاه هو بنفسه ، فإنه أفضل ، ومن وضأه غيره وهو متمكّن من توليه بنفسه ، لم يجز ذلك عنه. فإن كان عاجزا عنه لمرض أو ما يقوم مقامه بحيث لا يتمكّن منه ، لم يكن به بأس.

باب من ترك الطهارة متعمدا أو ناسيا أو شك فيها أو في شي‌ء منها ثمَّ صلى

من ترك الطّهارة متعمّدا أو ناسيا ثمَّ صلّى ، وجبت عليه الطّهارة وإعادة الصّلاة. ومن شكّ في الوضوء والحدث وتساوت ظنونه ، وجبت عليه الطّهارة. فإن صلى. والحال هذه ، وجبت عليه إعادة الوضوء والصّلاة. ومن تيقّن الحدث ، ثمَّ شكّ في الوضوء ، وجب عليه الوضوء ، ومن شك في الحدث ، وهو على يقين من الوضوء ، لا يجب عليه إعادة الوضوء.

فإن شكّ في الوضوء ، وهو جالس على حال الوضوء لم يفرغ منه ، وجب عليه استيناف الوضوء. فإن شكّ في الوضوء بعد انصرافه من حال الوضوء ، لم يلتفت الى الشّك ، وبنى على الوضوء ، لأنّه ليس من العادة أن ينصرف الإنسان من حال الوضوء ، إلّا بعد الفراغ من استيفائه على الكمال.

فإن ترك الاستنجاء متعمّدا بالماء أو الأحجار معا وصلّى ، وجب عليه الاستنجاء وإعادة الصّلاة. وكذلك الحكم إن تركه

١٧

ناسيا ثمَّ تيقّن ، وجب عليه ان يستنجي ويعيد الصّلاة. فإن كان قد استنجى وترك غسل إحليله من البول ، وجب عليه غسل الإحليل ، دون الاستنجاء ودون شي‌ء من أعضاء الطّهارة. فإن كان قد صلّى ، وجب عليه إعادة الصّلاة.

ومن ترك عضوا من أعضاء الطّهارة متعمّدا أو ناسيا وصلّى ثمَّ ذكر ، وجب عليه إعادة الوضوء والصّلاة. ومن شكّ في غسل الوجه وقد غسل اليدين ، وجب عليه غسل الوجه ثمَّ غسل اليدين فإن شكّ في غسل اليدين وقد مسح برأسه ، رجع ، فغسل يديه ، ثمَّ مسح برأسه فإن شكّ في مسح رأسه وقد مسح رجليه ، رجع ، فمسح رأسه ، ثمَّ رجليه بما بقي في يديه من النّداوة. فإن لم يبق فيهما نداوة أخذ من أطراف لحيته أو من حاجبه أو من أشفار عينيه ، ومسح برأسه ورجليه. فإن لم يبق في شي‌ء من ذلك نداوة ، وجب عليه إعادة الوضوء. فإن انصرف من حال الوضوء وقد شكّ في شي‌ء من ذلك ، لم يلتفت اليه ، ومضى على يقينه.

باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه

الّذي ينقض الطّهارة : النّوم الغالب على السّمع والبصر ، والمرض المانع من الذّكر ، والبول ، والغائط ، والرّيح ، والجنابة والحيض ، والاستحاضة ، والنّفاس ، ومسّ الأموات من النّاس بعد بردهم بالموت وقبل تطهيرهم بالغسل.

١٨

وليس ينقض الطّهارة شي‌ء سوى ما ذكرناه من مذي أو ودي أو قيح أو رعاف أو نخامة أو فتح جراح ، أو مسّ ذكر أو دود خارج من إحدى السّبيلين ، إلا أن يكون متلطّخا بالعذرة أو قي‌ء ، قلّ ذلك أم كثر ، ولا حلق شعر ولا مسّ شي‌ء من الزّهو مات ولا مسّ شي‌ء من النّجاسات ولا تقليم أظفار ولا قبلة ولا مسّ امرأة ولا استدخال أشياف ولا حقنة ولا خروجهما إلّا أن يكون ممزوجا بالعذرة.

ومن جملة ما ينقض الوضوء ما يوجب الغسل وهو خمسة أشياء : الجنابة والحيض والاستحاضة والنّفاس ومسّ الأموات. ونحن نبدأ بأحكامها ونرتّب الأوّل فالأوّل :

باب الجنابة وأحكامها وكيفية الطهارة منها

الجنابة تكون بشيئين : أحدهما إنزال الماء الدّافق في النّوم واليقظة وعلى كل حال. والآخر التقاء الختانين ، سواء كان معه إنزال أو لم يكن.

وهذان الحكمان يشترك فيهما الرّجال والنّساء. فإن جامع امرأته فيما دون الفرج ، وأنزل ، وجب عليه الغسل ، ولا يجب عليها ذلك. فإن لم ينزل ، فليس عليه أيضا الغسل. فإن احتلم الرّجل أو المرأة فأنزلا ، وجب عليهما الغسل. فإن لم ينزلا لم يجب عليهما الغسل.

١٩

ومتى انتبه الرّجل فرأى على فراشه منيّا ولم يذكر الاحتلام ، وجب عليه الغسل. فإن قام من موضعه ، ثمَّ رأى بعد ذلك عليه منيّا ، فإن كان ذلك الثّوب أو الفراش ممّا يستعمله غيره ، لم يجب عليه الغسل ، وإن كان ممّا لا يستعمله غيره ، وجب عليه الغسل.

ومتى خرج من الإنسان ماء لا يكون دافقا ، لم يجب عليه الغسل ما لم يعلم إنّه مني. وإن وجد من نفسه شهوة ، إلّا أن يكون مريضا. فإنّه يجب عليه حينئذ الغسل ، متى وجد في نفسه شهوة ، ولم يلتفت الى كونه دافقا وغير دافق. ومتى خرج منه ماء دافق ، وجب عليه الغسل ، وإن لم يكن عن شهوة.

ومتى حصل الإنسان جنبا بأحد هذه الأشياء ، فلا يدخل شيئا من المساجد إلّا عابر سبيل ، إلّا المسجد الحرام ومسجد المدينة ، فإنّه لا يدخلهما على حال. ولا يضع فيه شيئا. وإن كان له فيه شي‌ء : جاز له أخذه ، ولم يكن به بأس. وإن كان في المسجد الحرام أو مسجد النبيّ ، فاحتلم ، فليتيمم من موضعه ، ثمَّ يخرج منه للاغتسال.

ولا يمسّ المصحف ولا شيئا فيه اسم من أسماء الله تعالى مكتوبا. ويقرأ من القرآن من أيّ موضع شاء ما بينه وبين سبع آيات ، إلّا أربع سور : « سجدة لقمان » و « حم السجدة » و « النّجم » و « اقرأ باسم ربّك » وإن أراد أن يقرأ القرآن في

٢٠