مبادئ الوصول الى علم الاصول

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

مبادئ الوصول الى علم الاصول

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبد الحسين محمد علي البقال
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٧

وصلة (١).

والباء : قيل للتبعيض (٢) ، فيما يتعدى بنفسه (٣).

__________________

معناه : اجتنبوا الرجس هو الاوثان.

«جمعا بين المغني : ١ / ٣١٩ ، والعدة : ١ / ١٤ بتصرف واختصار»

١ ـ أي : الزيادة ، كقولك : ما جاءني من أحد.

وشرط زيادتها : تنكير مجرورها ، وكونه فاعلا أو مفعولا به أو مبتدأ ، وتقدم نفي أو نهي أو استفهام بهل.

نحو : «وما تسقط من ورقة إلا يعلمها» ، «ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت» ، «فارجع البصر هل ترى من فطور؟».

«جمعا بين غاية البادي : ص ٤٧ ـ ٤٨ ، والمغني : ١ / ٣٢٣»

٢ ـ أثبت ذلك : الاصمعي والفارسي والقتبي وابن مالك ، قيل : والكوفيين ...

«المغني : ١ / ١٠٥»

٣ ـ أي : مع الفعل الذي يتعدى بنفسه ، كما في قوله تعالى «وامسحوا برؤوسكم» ، أي بعض رؤوسكم ، كما في المغني : ١ / ١٠٥.

والذي يؤكد كون الفعل «مسح» مما يتعدى بنفسه ، هو ما نص عليه الراغب الاصفهاني ـ بالمثال ـ في مفرداته : ص ٤٦٧.

كما والذي يؤيد كون الباء تبعيضية ، الرواية المنقولة عن زرارة عن الصادق «ع» : «لما قال له : من أين علمت أن المسح ببعض الرأس؟ قال «ع» : لمكان الباء» ، وهي مذكورة بالتفصيل في الوسائل : ١ / ٢٩١.

٨١

وإنما : للحصر بالنقل (١).

__________________

١ ـ نقل عن أهل اللغة أن إنما موضوعة للحصر ، أي لاثبات المذكور ونفي ما عداه ، وهذا مما يؤكده قول الفرزدق :

أنا الذائد الحامي الذمار وإنما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

وذلك!! أولا : إذ لو لم تكن للحصر ، لوجب إجراء الكلام على ظاهره ، وهو غلط ، إذ لا يقال : يدافع أنا ، بل يقال : أدافع. وأما إذا كان للحصر ، فيستقيم الكلام ، لان التقدير حينئذ ، ما يدافع إلا أنا ، وبطلان اللازم ظاهر لكونه من فحول الفصحاء.

ثانيا : إن مقصود الشاعر من هذا البيت الافتخار والافتخار لا يحصل إلا على تقدير ، أن تحصل المدافعة منه ومن مثله لا من غيرهما ، وهو معنى الحصر

«غاية البادي : ص ٤٨ ـ ٤٩ بتصرف واختصار»

٨٢

الفصل الثاني

في : الاحكام

وفيه : مباحث

٨٣

الاول

في : الفعل

الفعل : إما أن يكون على صفة ، لاجلها يستحق فاعله الذم ، وهو القبيح .. أو!! لا : وهو الحسن.

والقبيح : حرام ، ويقال : محضور (١).

والحسن : إما أن يذم تاركه شرعا ، وهو الواجب ، ويسمى أيضا الفرض .. أو لا يذم.

فإن كان فعله راجحا في الشرع : فهو المستحب ، والمندوب والنفل ، والتطوع ، والسنة.

وإن كان مرجوحا : فهو مكروه.

وإن تساويا : فمباح ، وحلال ، وطلق.

فالاحكام : هذه الخمسة لا غير (٢).

__________________

١ ـ هكذا في المصورة : ص ٧ ، والظاهر أنه اشتباه ، والصحيح : محظور ، بالظاء اخت الطاء.

٢ ـ أقول : هذه هي الاحكام الشرعية ، وهي خمسة ، بدليل الحصر العقلي ، الذي ذكره المصنف.

«غاية البادي : ص ٤٩»

٨٤

الثاني

في : الحكم

الحكم : قد يكون صحيحا ، وهو في العبادات : ما وافق الشريعة وفي المعاملات : ما يترتب عليه أثره.

وقد يكون فاسدا : وهو ما يقابلها.

ويطلق عليه الباطل (١).

__________________

١ ـ أقول : أما في العبادات ، فأريد بالصحيح ما وافق الشرع ، وبالفاسد خلافه ، هذا عند المتكلمين.

وأما الفقهاء : فإنهم يريدون بالصحيح ما أسقط القضاء وبالفاسد ما لم يسقطه.

وفائدة الخلاف : تظهر في صورة صلاة ضان الطهارة ، فإنها صحيحة عند المتكلمين ، وفاسدة عند الفقهاء ، لانها لم تسقط القضاء.

وفي المعاملات : أريد بالصحيح ما يترتب عليه أثره ، وبالفاسد خلافه.

ولا فرق بين الفاسد والباطل ، خلافا للحنفية ، فإنهم جعلوا الفاسد واسطة بين الصحيح والباطل ، وقالوا : إنه الذي يكون منعقدا بأصله لكن لا يكون مشروعا بسبب وصفه ، كعقد الربا مثلا ، فإنه مشروع من حيث أنه بيع ، وممنوع من حيث أنه مشتمل على الزيادة.

«غاية البادي. ص ٥١ ـ ٥٢»

٨٥

الثالث

في : العبادات

الاجزاء في العبادات : ما أسقط الامر.

والاداء : ما فعل في وقته (١).

والاعادة : ما فعل ثانيا ، لوقوع خلل في الاول.

والقضاء : هو فعل الفائت في غير وقته المحدود.

الرابع

في : الحسن والقبح

الحكم بالحسن والقبح : قد يكون ضروريا ، كحسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضار. ونظريا : كحسن الصدق الضار ، وقبح الكذب النافع ، وسمعيا ، : كحسن صوم رمضان ، وقبح صوم العيد.

لانا نعلم بالضرورة : حسن الصدق وقبح الكذب ، مع تساويهما في المنافع.

وللفرق بين الصادق والكاذب في مدعي النبوه.

وللوثوق بوعده تعالى ووعيده.

__________________

١ ـ سواء كان مضيقا أو موسعا.

«غاية البادي : ص ٥٢»

٨٦

ومن جعل ذلك شرعيا ، أبطل هذه الاحكام ، ولزم بطلان الشريعة.

الخامس

في : شكر المنعم

شكر المنعم واجب عقلا (١) ، والضرورة قاضية به.

السادس

في : الاشياء

الاشياء قبل ورود الشرع على الاباحة ، لانها نافعة خالية عن أمارة المفسدة ، ولا ضرر على المالك في تناولها (٢) فكانت مباحة.

__________________

١ ـ لامن العقاب ، أو زوال النعمة بتركه وهو الفائدة ، أو استحقاق المدح ، أو الزيادة ، أو هو لنفسه.

«زبدة الاصول : ص ٤٢ ـ ٤٣»

٢ ـ فلان المالك هو الله تعالى ، وهو لا يتضرر بشئ.

«غاية البادي : ص ٥٨»

٨٧
٨٨

الفصل الثالث

في : الاوامر والنواهي

وفيه : مباحث

٨٩

الاول

في : الامر

الامر : هو اللفظ الدال على طلب الفعل ، على جهة الاستعلاء (١).

وهو : حقيقة في القول ، مجاز في الفعل ، وإلا لزم الاشتراك.

والطلب : هو إرادة المأمور به.

والامر : إسم للصيغة الدالة على الترجيح ، لا لنفس الترجيح لانهم قالوا : الامر من الضرب إضرب.

ودلالة الصيغة على الطلب ، لا يتوقف على الارادة ، لانها

__________________

١ ـ قوله : «اللفظ» ، بمنزلة الجنس البعيد للامر ، لكونه شاملا لجميع الالفاظ حتى المهملات.

وقوله : «الدال على طلب الفعل» ، كالفصل ، لانه يخرج عن التعريف جميع المهملات ، وجميع ما دل على غير الطلب من الاخبارات والانشاءات والكلمات.

وقوله : «على جهة الاستعلاء» ، كفصل ثان. لانه يخرج اللفظ الدال على الطلب ، على سبيل التضرع ، كقولنا : «اللهم إغفر لنا» أو لا على سبيل التضرع ، كقول القائل لنظيره : إعطني الشيء الفلاني ، فان الاول دعاء والثاني إلتماس. «غاية البادي : ص ٥٩ بتصرف»

٩٠

موضوعة له ، كغيرها من الالفاظ ، خلافا للجبائيين (١).

البحث الثاني

في : أن صيغة إفعل للوجوب

ذهب الاكثر : إلى أن صيغة إفعل للوجوب (٢).

لقوله تعالى : «ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ...». [٧ / ١٣] (٣) ، ولولا أنه للوجوب لما ذمه.

____________

١ ـ وهما البصريان : أبو علي محمد ، وابنه أبو هاشم عبد السلام.

وقد ذهبا : إلى أن دلالة الصيغة على الطلب ، تتوقف على الارادة «جمعا بين هوامش المسلماوي : ص ١١ والملل والنحل : ١ / ١٠٣ بتصرف»

٢ ـ وهو مذهب : أكثر الفقهاء والمتكلمين وأبو الحسين والشافعية.

ويتحقق الامر!! بكل تعبير يعطي معناه.

أمثال : فعل الامر نحو اقرأ صل .. والفعل المضارع المقترن بلام الامر نحو لتقرأ لتصم .. واسم فعل الامر ، نحو صه عليك مكانك .. والفعل المضارع المقصود به الانشاء ، نحو يقرأ يعيد صلاته ، إطلب منك أن تكتب .. والجملة الاسمية المقصود بها الانشاء ، نحو الصلاة مطلوبة منك زكاة الفطرة عليك .. والمصدر النائب عن فعل الامر ، نحو إعادة للفعل صياما. «جمعا بين غاية البادي : ص ٦٦ ، ومبادئ أصول الفقه : ص ٤١ ـ ٤٢ بتصرف»

٣ ـ هكذا في القرآن العزيز.

وفي المصورة ص ١٠ ، «ما منعك أن تسجد» باحلال «أن» محل «ألا».

٩١

وكذا قوله تعالى : «وإذا قيل لهم إركعوا لا يركعون» [٧٧ / ٤٩] (١).

ولقوله عليه‌السلام : «لولا أن أشق على امتي لامرتهم بالسواك» (٢) ، مع ثبوت الندبية.

ولان تارك المأمور به عاص (٣) والعاصي يستحق العقاب لقوله تعالى : «ومن يعص الله ورسوله ...». [٧٢ / ٢٤].

وقال آخرون : إنه للقدر المشترك ، بين الوجوب والندب (٤)

__________________

وهو اشتباه ، الظاهر أن سببه إما النسخ وإما ملاحظة المعنى المطلوب حيث المعنى هو «ما منعك أن تسجد» ، كما في مجمع البيان : ٣ / ٤٠١.

١ ـ فإنه سبحانه ذمهم على مخالفتهم الامر ، ولو لا أنه للوجوب لم يتوجه الذم.

«معالم الدين : ص ٤٣».

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٨٠ ، ومصادر أخر مذكورة في مفتاح كنوز السنة : ص ٢٤٧.

٣ ـ لقوله تعالى : «لا يعصون الله ما أمرهم».

«هامش المصورة : ص ١٠»

٤ ـ احتج القائلون : بأن صيغة إفعل ، في القدر المشترك ، وهو رجحان الفعل على الترك ، بأن الصيغة لما استعملت في الوجوب والندب لورودها في الندب تارة وفي الوجوب أخرى ، نحو «أقيموا الصلاة» و «كاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا».

فلو كانت حقيقة في كل منهما لزم الاشتراك ، أو أحدهما فقط لزم المجاز وهما على خلاف الاصل ، فلا يكون حقيقة في كل منهما ولا في أحدهما فيكون حقيقة في القدر المشترك ، وهو المطلوب فبطل القول الاول الذاهب

٩٢

لانه قد استعمل فيهما (١) ، والمجاز والاشتراك على خلاف الاصل ، وهو جيد.

إذا عرفت هذا!! فالامر الوارد بعد الحظر ، كالامر المبتدأ عند المحققين (٢).

__________________

إلى الوجوب «هوامش المسلماوي : ص ١٣».

١ ـ فاما أن يكون حقيقة فيهما ، أو في أحدهما ، أو لا في هذا ولا في ذاك.

والاول : يستلزم الاشتراك ، والثاني : المجاز ، وهما منفيان بالاصل.

فبقي الثالث : وهو أن يكون حقيقة للقدر المشترك بينهما ، وهو مطلق الترجيح.

لان ذلك القدر معلوم ، وأما قيد جواز الترك وعدم جوازه ، فلا إشعار للصيغة بهما البتة.

«غاية البادي : ص ٦٩ ـ ٧٠»

٢ ـ والدليل عليه : أن المقتضي للوجوب ، السالم عن المعارض باق وكلما كان كذلك يكون الوجوب باقيا.

أما أن المقتضي باق فظاهر ، لان المقتضي هو الامر ، وهو باق.

وأما أنه سالم عن المعارض ، فلان المعارض ليس إلا كونه عقيب الحظر ، وذلك لا يمنع من الوجوب.

لانه كما جاز الانتقال من الحظر إلى الاباحة ، كذلك جاز الانتقال من الحظر إلى الوجوب ضرورة.

وذلك!! من قبيل القول للحائض والنفساء ، بعد أن تطهر ، صلي وصومي. وقول الرجل لابنه ، بعد أن أوجب عليه الحبس ، اخرج إلى المكتب.

٩٣

البحث الثالث

في : أن الامر لا يقتضي التكرار

الحق!! أن الامر المطلق ، لا يقتضي الوحدة ولا التكرار (١) خلافا لقوم فيهما (٢).

لان الصيغة وردت فيهما ، والمجاز والاشتراك على خلاف

__________________

فان هذه الاوامر واردة عقيب الحظر ، مع أنها مفيدة للوجوب.

«غاية البادي ص ٧٠ ـ ٧١ بتصرف واختصار»

١ ـ لان المتبادر من الامر ، طلب إيجاد حقيقة الفعل ، والمرة والتكرار خارجان عن حقيقته ، كالزمان والمكان ونحوهما.

فكما أن قول القائل : «اضرب» ، غير متناول لمكان ولا زمان ولا آلة يقع بها الضرب ، كذلك غير متناول في كثرة ولا قلة.

«معالم الدين : ص ٤٩»

٢ ـ إختلف الاصوليون في الامر العري عن القراين ، المفيدة للتكرار والوحدة.

فذهب أبو إسحاق وجماعة من الفقهاء والمتكلمين ، إلى أنه للتكرار مدة العمر مع الامكان.

وقال آخرون : أنه للمرة الواحدة ، ويحتمل التكرار ، ومنهم من نفى احتمال التكرار ، وهو إختيار أبي الحسين البصري وإمام الحرمين. ومنهم من توقف ، إما لكونه مشتركا أو لعدم الحكم.

«غاية البادي : ص ٧١ ـ ٧٢»

٩٤

الاصل ، فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك (١) ، وهو مطلق طلب الماهية (٢).

ولقبوله التقييد بكل واحد منهما (٣).

__________________

١ ـ احتج المصنف على ما اختاره بوجوه : أحدها : أن الامر استعمل في كل واحد من القسمين ، الواحدة والتكرار شرعا وعرفا ، ومتى كان كذلك ، كان حقيقة في القدر المشترك بينهما ...

أما الشرع : فلان الحج والعمرة للوحدة ، والامر بالصلاة والزكاة للتكرار.

وأما عرفا : فلان السيد إذا أمر عبده بدخول السوق أو شري اللحم ، فكرر ذلك مرارا عدة ، لامه العقلاء وذمه على ذلك.

ولو أمر السيد عبده بحفظ الدابة مثلا ، فحفظها لحظة ثم ترك حفظها ، ذمه العقلاء ، لانه في الاول يفهم الوحدة ، وفي الثاني يفهم التكرار.

«هوامش المسلماوي : ص ١٣»

٢ ـ الماهية : حقيقة الشيء ، التي تقع جوابا ، عن السؤال عنه ، بما هو؟ أو ما هي؟ قيل : منسوب إلى ما ، والاصل المائية ، قلبت الهمزة هاء ، لئلا يشتبه بالمصدر ، المأخوذ من لفظ ماء ، والاظهر أنه نسبه إلى ما هو؟ جعلت الكلمتان ككلمة واحدة منحوتة ، إذ تقع جوابا عن هذا السؤال.

«جمعا بين : مجلة النجف ، العدد ٧ ، السنة ٢ ، ص ١٢ ، محاظرات في الفلسفة للشيخ المظفر ، والتعريفات للجرجاني : ص ١٧١»

٣ ـ إن الامر : يصح تقييده بالواحد تارة ، لانه يصح أن يقول السيد لعبده ، إفعل الفعل الفلاني مرة.

٩٥

ولأنه لو دل على التكرار : فإما دائما فهو باطل بالاجماع ، أو بحسب وقت معين (١) ، وهو باطل لانتفاء دلالة اللفظ عليه أو غير معين وهو تكليف ما لا يطاق.

البحث الرابع

في : أن الامر لا يقتضي الفور ولا التراخي

الحق!! أن الامر المطلق ، لا يقتضي الفور ولا التراخي (٢)

__________________

وبالتكرار اخرى ، لانه يصح أن يقول له افعله دائما.

وليس في أحد هذين النوعين تكرار ولا نقص. فلو كان موضوعا لاحدهما ، لزم إما النقص أو التكرار.

«هامش المسلماوي : ص ١٣»

١ ـ لان التكرار يقتضي استيعاب الاوقات ، فانه لا أولوية لبعضها بالفعل دون باقيها ، لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ، فتخصيصه بوقت دون وقت ، يكون ترجيحا من غير مرجح ، وانه محال.

«هوامش المسلماوي : ص ١٣»

٢ ـ والدليل عليه : أن صيغة إفعل ، إنما تدل على النسبة الطلبية كما أن المادة لم توضع إلا لنفس الحدث ، غير الملحوظة معه شيء من خصوصياته الوجودية.

وعليه!! فلا دلالة لها ـ لا بهيئتها ولا بمادتها ـ على الفور أو التراخي بل لابد من دال آخر على شيء منهما ، فإن تجردت عن الدال الآخر ، فان ذلك يقتضي جواز الاتيان بالمأمور به ، على الفور أو التراخي.

«أصول الفقه للمظفر : ١ / ٧٨»

٩٦

خلافا لقوم فيهما (١).

لان الامر ورد بالمعنيين ، فيكون حقيقة في القدر المشترك (٢) دفعا للمجاز والاشتراك.

ولانه قابل للتقييد بهما. إحتجوا بقوله تعالى : «وما منعك ألا (٣) تسجد إذ أمرتك» (٤).

ولان التأخير : إن كان دائما ، انتفى الوجوب.

وإن كان إلى وقت معين وجب وجود ما يدل عليه في اللفظ.

__________________

١ ـ فقد ذهب كثير منهم : إلى أن الامر المطلق يقتضي الفور والتعجيل ، فلو أخر المكلف عصى ، وهو المحكي عن الشيخ وأبي الحسن الكرخي.

وذهب آخرون : إلى أنه على التراخي ، وهو المحكي عن أبي علي وأبي هاشم.

وذهب قوم منهم السيد المرتضى : إلى أنه مشترك بين الفور والتراخي فيتوقف في تعيين المراد منه ، على دلالة تدل على ذلك.

«جمعا بين العدة : ١ / ٨٥ ـ ٨٦ ، ومعالم الدين : ص ٥٢ ـ ٥٣»

٢ ـ بنفس التقرير الذي سبق ذكره ، في بحث المرة والتكرار تعليقة «١» من صفحة «٩٥».

٣ ـ هكذا في القرآن الكريم ، وفي المصورة : ص ١١ ، «أن لا تسجد» بفك الادغام ، وهو إشتباه ، الظاهر سببه النسخ.

٤ ـ ولو لم يكن الامر للفور ، لم يتوجه عليه الذم ، ولكان له أن يقول : إنك لم تأمرني بالبدار ، وسوف أسجد «معالم الدين ص ٥٣».

٩٧

وإن كان إلى غير معين ، لزم تكليف ما لا يطاق.

والجواب عن الاول : أنه حكاية حال ، فلعل أمره كان مقرونا بما يدل على الفور ، ولان ابليس ترك السجود لا بعزم الفعل ، فاستحق الذم ، لا من حيث التأخير.

وعن الثاني : أنه منقوض (١) ، بقوله : أوجبت عليك الفعل ، في أي وقت شئت.

ثم التحقيق : أن التأخير ، يجوز إلى وقت معين ، وهو حصول ظن الموت بعد وقت الفعل بلا فصل.

البحث الخامس

في : أن الامر المشروط عدم عند عدم الشرط (٢)

لان قضية الشرط ذلك ، ولعدم الاستلزام وجودا.

__________________

١ ـ مما لو صرح بجواز التأخير ، إذ لا نزاع في إمكانه ، مع أن الدليل على عدم شرع التأخير جار فيه بعينه ، وهذا نقض إجمالي.

«معالم الدين : ص ٥٣ جمعا بين المتن والهامش»

٢ ـ أي : «أن يكون متوقفا وجوبه على ذلك الشيء. وهو ـ أي الشيء ـ مأخوذ في وجوب الواجب على نحو الشرطية ، لوجوب الحج بالقياس إلى الاستطاعة.

وهذا!! هو المسمى (بالواجب المشروط) ، لاشتراط وجوبه بحصول ذلك الشيء الخارج.

٩٨

فلو لا التلازم عدما ، لكان كل شيء شرطا لغيره (١) ، ولانه مفهوم منه.

ولهذا سأل يعلى بن أمية (٢) ، عن سبب القصر مع الامن (٣)

ولا يلزم تكرر الامر المعلق عليه ، ولا على الصفة

__________________

ولذا!! لا يجب الحج عند حصول الاستطاعة.

«أصول الفقه للمظفر : ١ / ٨٧»

١ ـ يعني : أنه لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط قطعا ، فان لم يلزم من عدم الشرط عدم المشروط ، كان كل شيء شرطا لكل شيء ، والتالي باطل فالمقدم مثله ، والشرطية ظاهرة.

«هوامش المسلماوي : ص ١٥»

٢ ـ ابن همام التميمي الحنظلي : أول من أرخ الكتب ، وهو صحابي كان حليفا لقريش ، وأسلم بعد الفتح ، وشهد الطائف وحنينا وتبوك مع النبي «ص» ، واستعمله أبو بكر على «حلوان» في الردة ، ثم استعمله عمر على «نجران» ، واستعمله عثمان على اليمن. ولما قتل عثمان ، انضم يعلى إلى الزبير وعايشة. ثم صار من أصحاب علي ، وقتل في «صفين».

«الاعلام : ٩ / ٢٦٩ باختصار»

٣ ـ روي أن يعلى ابن امية ، سأل عمر بن الخطاب ، قال : ما بالنا نقصر من الصلاة وقد أمنا؟ فقال عمر : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله ، فقال : تلك صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته. ولولا كون المشروط ـ وهو هنا قصر الصلاة ـ عدم عند عدم الشرط ـ وهو هنا الامن ـ لما أقره النبي «ع» على ذلك.

«جمعا بين هوامش المسلماوي : ص ١٥ ، وغاية البادي : ص ٧٩»

٩٩

بتكريرهما (١).

لعدم التكرر في قول السيد لعبده : إن دخلت السوق فاشتر اللحم (٢) ، ولان مطلق التعليق اعم منه مع قيد التكرار ولا دلالة للعام على الخاص.

البحث السادس

في : أن الامر المقيد بالصفة لا يعدم بعدمها (٣)

لانه : لو دل تقييد الحكم بالوصف على نفيه عما عداه ،

__________________

١ ـ يريد أن الامر إذا كان معلقا على الشرط ، كقوله «إذا زالت الشمس فصلوا» ، «وإن كان زانيا فارجمه» ، أو على صفة كقوله تعالى : «السارق والسارقه فاقطعوا أيديهما» لا يتكرر الشرط والصفة.

هذا!! وقد اختلف الناس في الامر المعلق على شرط أو صفة هل يتكرر بتكررهما أم لا؟ فمنع منه السيد المرتضى وجماعة من الفقهاء

وقال آخرون : انه يتكرر بتكرر الشرط والصفة ، والحق الاول.

«جمعا بين هوامش المسلماوي : ص ١٥ ، وغاية البادي : ص ٨٠ ـ ٨١»

٢ ـ للزوم الذم

«هوامش المسلماوي : ص ١٥»

٣ ـ اختلف الاصوليون في أن تقييد الحكم بالصفة ، كقوله «ص» : «في سائمة الغنم زكاة» ، هل يدل على عدم الحكم عند عدم الصفة أم لا؟

فقال الشافعي واحمد والاشعري وامام الحرمين : يدل.

وقال أبو حنيفة والقاضي أبو بكر والمعتزلة والغزالي : لا يدل ، وهو اختيار المصنف.

«غاية البادي : ص ٨٢»

١٠٠