مبادئ الوصول الى علم الاصول

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

مبادئ الوصول الى علم الاصول

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبد الحسين محمد علي البقال
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٧

لاستنادهم إلى الحس (١).

وشرط قوم العدد واختلفوا!!.

فقال قوم : اثنا عشر (٢). وقال أبو الهذيل : عشرون (٣). وقيل : أربعون (٤) .. وقيل : سبعون (٥) .. وقيل : ثلثمائة وبضعة عشر (٦).

__________________

١ ـ بأن يكون المخبر عنه محسوسا بالبصر ، أو غيره من الحواس الخمس.

فلو كان مستنده العقل ، كحدوث العالم وصدق الانبياء ، لم يحصل لنا العلم.

«شرح البداية : ص ١٤»

٢ ـ عدد النقباء ، كما في «شرح البداية» : ص ١٣ ، لقوله تعالى : في سورة المائدة ، الآية ١٢ ، «وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا».

٣ ـ لقوله تعالى : في سورة الانفال ، الآية ٦٦ ، «إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين».

٤ ـ لقوله تعالى : في سورة الانفال ، الآية ٦٦ ، «يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين» ، وكان عددهم عند نزول الآية ، قد بلغ أربعين رجلا بإسلام عمر ، كما في «علوم الحديث ومصطلحه» : ص ١٤٧.

٥ ـ لاختيار موسى لهم ، ليحصل العلم بخبرهم إذا رجعوا ، كما في «شرح البداية» : ص ١٣ ، لقوله تعالى : في سورة الاعراف ، الآية ١٥٦ ، «واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا».

٦ ـ عدد أهل بدر ، كما في «شرح البداية» : ص ١٣.

٢٠١

والكل ضعيف ، بل المرجع فيه إلى حصول اليقين وعدمه ، فإن حصل فهو متواتر ، وإلا فلا.

البحث الرابع

«في : الاقسام الدالة على صدق الخبر»

خبر الله تعالى صدق ، وهو ظاهر على قولنا.

لانه غني عن الكذب ، حكيم في أفعاله ، عالم بكل معلوم ، فاستحال وقوع الكذب منه.

ولان الرسول عليه‌السلام أخبر بصدقه ، ولا دور هنا (١).

وخبر النبي عليه‌السلام صدق ، لدلالة المعجزة عليه.

وخبر الامام صدق ، لانه معصوم.

__________________

١ ـ هذا جواب عما يمكن أن يقال : إن ثبوت صدق خبر الله بإخبار النبي «ص» ، مدعاة للزوم الدور ، لان صدق خبر النبي «ص» ، متوقف هو الآخر على إخبار الله ، والمفروض أن صدق خبره متوقف على إخباره «ص».

نعم ، هذا جواب!! ولتوضيحه نقول : سلمنا توقف صدق خبر الله على إخبار النبي «ص» ، ولكن لا يتوقف صدق خبر النبي «ص» على إخباره سبحانه ، بل هو متوقف على المعجزة.

٢٠٢

وخبر كل الامة صدق ، لما بينا أن الاجماع حجة.

البحث الخامس

«في : خبر الواحد»

خبر الواحد : هو ما يفيد الظن ، وإن تعدد المخبر.

وهو حجة في الشرع (١) ، خلافا للسيد المرتضى ولجماعة (٢)

__________________

١ ـ بالادلة الاربعة : الكتاب والسنة والعقل والاجماع.

أما الكتاب!! فقد ذكره بقوله : «فلولا نفر ...» وهكذا ما بعده.

وقد أورد على دلالة هاتين الآيتين إيرادات ، تجدها مفصلة في «فرائد الاصول : ص ٦٦» ، للشيخ الانصاري.

وأما العقل!! فقد ذكره بقوله : «فإنه يتضمن دفع ضرر ...»

وأما الاجماع!! فقد ذكره بقوله : «ولان جماعة من الصحابة ...»

وأما السنة!! فهو لم يذكرها ، لكن الاصوليين قد ذكروا روايات واستدلوا بها على حجية خبر الواحد ، لقول الحجة «ع» لاسحاق بن يعقوب : «وأما الحوادث الواقعة ، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا ، فانهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله عليهم».

وللتوسع!! يراجع «فرائد الاصول : ص ٦٦ ـ ٩٠».

٢ ـ هم : القاضي ، وابن زهرة ، والطبرسي ، وابن ادريس ، وغيرهم. وقال ابن سريج والقفال والبصري : دل العقل أيضا.

وأنكره قوم : لعدم الدليل ، أو للدليل على عدمه ، شرعا وعقلا.

٢٠٣

لنا!! قوله تعالى : «فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون» [٩ / ١٢٣] ، أوجب الحذر بإخبار عدد لا يفيد قولهم العلم.

وأورد أبو الحسين اعتراضا لازما ، وهو دلالته على قول الفتوى لا الخبر (١).

وأيضا قوله تعالى : «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ....» [٤٩ / ٧] ، أوجب التثبت عند إخبار الفاسق ، فإذا أخبر العدل لم يخل : إما أن يجب القبول وهو المطلوب ، أو الرد فيكون أسوأ حالا من الفاسق وهو باطل ، أو يتوقف فينتفي فائدة الوصف بالكلية.

وأيضا : فإن خبر الواحد مقبول في الفتوى والشهادات ، مع إنتفاء العلم (٢).

__________________

وأحاله آخرون ، واتفقوا على الوجوب في الفتوى والشهادة والامور الدنيوية.

«جمعا بين فرائد الاصول : ص ٦٧ ، ومنهاج الوصول : ص ٤٦ بتصرف واختصار»

١ ـ اعتراضه : ان الانذار عقب التفقه ، إنما ينصرف إلى الفتوى لا إلى الخبر ، ونحن لا نمنع من الفتوى.

«هامش المصورة : ص ٤٠»

وللتوسع!! يرجع إلى الاشكال الثالث على دلالة هذه الآية في «فرائد الاصول : ٨٠ ـ ٨١».

٢ ـ مستند هذا الدليل الاجماع ، وقد يسمى بسيرة المسلمين.

٢٠٤

وأيضا : فإنه يتضمن دفع ضرر مظنون ، فيكون واجبا (١).

ولان جماعة من الصحابة عملوا بأخبار الآحاد ، ولم ينكر عليهم أحد ، فكان إجماعا (٢).

__________________

وللتوسع!! يرجع إلى الوجه الثالث من الاجماع في «فرائد الاصول : ص ٩٩ ـ ١٠٠».

١ ـ هذا دليل عقلي يتركب من :

صغرى وهي : إن هذا يتضمن ضررا مظنونا.

وكبرى وهي : أن كل مظنون الضرر يجب دفعه ...

نعم ، فهذا الدليل ـ كما يرى ـ عام ، يدل على حجية مطلق الظن سواء كان من الخبر أم لا ...

وللتوسع!! يرجع إلى «فرائد الاصول : ١٠٦ ـ ١١٠».

٢ ـ اجمعت الصحابة على العمل بخبر الواحد ، وإجماع الصحابة حجة.

أما أنهم أجمعوا ، فلانهم رجعوا إلى أزواج النبي «ص» في الغسل من التقاء الختانين.

ورجع أبو بكر في توريث الجدة سدس الميراث إلى خبر المغيرة.

ورجع عمر إلى رواية عبد الرحمان في سيرة المجوس ، بقوله سيروا بهم سنة أهل الكتاب ، ومنع من توريث المرأة من دية زوجها ، ورجع عن ذلك بخبر الضحاك بن قيس.

وعن علي : كنت إذا سمعت من رسول الله حديثا ، نفعني الله بما شاء أن ينفعني ، فإذا حدثني به غيره استحلفته ، فإذا حلف صدقته ، وعمل علي بخبر المقداد في المذي. «المعارج : ص ٨٤ ـ ٨٥ بتصرف»

٢٠٥

البحث السادس

«في : شرايطه»

يشترط كون الراوي : بالغا ، عاقلا ، مسلما ، عدلا ، ضابطا.

فلا تقبل رواية الصبي : لانه إن لم يكن مميزا ، لم يحصل الظن بقوله ، وإن كان مميزا علم نفي الحرج عنه مع الكذب فلا يمتنع منه (١).

وتقبل روايته : لو كان صبيا وقت التحمل ، بالغا وقت الاداء (٢).

والكافر : لا تقبل روايته ، سواء كان مذهبه جواز الكذب أو لا ، لانه فاسق والفاسق مردود الرواية ، ولا تقبل رواية الفاسق للآية (٣).

ولا تقبل رواية المجهول حاله ، خلافا لابي حنيفة ، لان عدم الفسق شرط في الرواية ، وهو مجهول ، والجهل بالشرط

__________________

١ ـ أي : أن الصبي المميز ، يعلم أنه لا يعاقب إذا كذب في الاخبار ، فلا يكون متحرزا.

٢ ـ المراد من وقت التحمل : زمان سماعه الخبر.

ومن وقت الاداء : زمان نقله الخبر إلى الغير.

٣ ـ وهي قوله تعالى : «ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...».

٢٠٦

يستلزم الجهل بالمشروط (١).

البحث السابع

«في : ما ظن أنه شرط وليس كذلك»

الصحيح : أن الواحد إذا كان عدلا قبلت روايته.

سواء عضده ظاهر ، أو عمل بعض الصحابة ، أو إجتهاد ، أو رواية عدل آخر ، خلافا للجبائي.

لان الصحابة رجعوا إلى أخبار العدل ، وإن كان واحدا ولان الادلة تتناوله.

ولا يشترط كون الراوي فقيها ، خلافا لابي حنيفة (٢) ، فيما خالف القياس ، لما تقدم من الادلة العامة.

ولقوله عليه‌السلام : نضر الله إمرءا سمع مقالتي

__________________

١ ـ الاكثرون على أن مجهول الحال لا يقبل ، ولابد من معرفة عدالته أو تزكيته.

وقال أبو حنيفة تكفي سلامته من الفسق ظاهرا.

لنا : أن الفسق مانع بإتفاق ، فوجب تحقق عدمه ، كالصبي والكفر ، وأيضا فلا دليل عليه ، فلا يثبت.

«منتهى الوصول : ص ٥٦»

٢ ـ شرط أبو حنيفة «رضي الله عنه» ، فقه الراوي ان خالف القياس.

ورد : بأن العدالة تغلب ظن الصدق ، فيكفي.

«منهاج الوصول : ص ٤٨»

٢٠٧

فوعاها ، فأداها كما سمعها ، فرب حامل فقه ليس بفقيه» (١)

ولا يشترط عدم مخالفة الراوي له (٢) ، لاحتمال صيرورة الراوي إلى ما توهمه دليلا ، وليس كذلك.

والاقرب : عدم اشتراط نقل اللفظ ، مع الاتيان بالمعنى كملا ، لان الصحابة لم ينقلوا الالفاظ كما هي ، لانهم لم يكتبوها ، ولا كرروا عليها مع تطاول الازمنة (٣).

__________________

١ ـ كشف الخفاء : ٢ / ٣١٩.

٢ ـ مرجع الضمير : الخبر ، كما في هامش المصورة : ص ٤١.

٣ ـ يجوز نقل الحديث بالمعنى ، بشرط أن يكون الناقل عارفا بمواقع الالفاظ ، وعدم قصور الترجمة عن الاصل ، وافادة المعنى ومساواتهما في الجلد والخفاء.

وعن ابن سيرين والرازي الحنفي وجماعة ، وجوب نقل صورته.

وحجتنا على الجواز وجوه منها : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لابي عبد الله «ع» : أسمع الحديث منك ، فأزيد وانقص ، قال : ان كنت تريد معاينة فلا بأس.

ومنها : ما روي عن ابن مسعود وغيره ، قال رسول الله «ص» : كذا ونحوه.

ومنها : ان الله سبحانه قص القصة الواحدة بألفاظ مختلفة ، ومن المعلوم أن تلك القصة وقعت اما بغير العربية أو بعبارة واحدة منها ، وذلك دليل على جواز نسبة المعنى إلى القائل وان تغاير اللفظ.

«جمعا بين منتهى الوصول : ص ٦٠ ـ ٧١ ، ومعالم الدين : ٢١٣ ـ ٢١٤»

٢٠٨

البحث الثامن

«في : الاخبار المردودة»

خبر الواحد إذا اقتضى علما ، ولم يوجد في الادلة القاطعة ما يدل عليه ، وجب رده ، لانه اقتضى التكليف بالعلم ولا يفيده فيلزم تكليف ما لا يطاق.

وإن اقتضى العمل ، وجب قبوله وإن عمت به البلوى ، خلافا للحنفية ، لعموم الادلة ، ولان الصحابة رجعوا في أحكام الرعاف والقي والقهقهة في الصلاة ، إلى الآحاد مع عموم البلوى فيها (١).

والمرسل لا يقبل (٢) ، خلافا لابي حنيفة ومالك وجمهور

__________________

١ ـ للتوسع!! يراجع «اصول الفقه» للخضري ، ص : ٢٥٩ ، ومنتهى الوصول» ، لابن الحاجب ، ص : ٦٢.

٢ ـ المرسل : وهو ما لم يشتمل سنده على جميع اسماء رواته. ويقسم إلى مايلي :

أ ـ مرسل الثقة : وهو ما ينسبه إلى المعصوم راو ، يطمئن علماء الرجال ، إلى أنه لا يروي إلا عن ثقة. وهو حجة في رأي كثير من علماء اصول الفقه.

ب ـ مرسل غير الثقة : وهو ما ينسبه إلى المعصوم راو ، مجهول الحال في كيفية روايته. وهو ليس بحجة في رأي علماء اصول الفقه ،

٢٠٩

المعتزلة (١) ، لان عدالة الاصل مجهولة ، والشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط.

وإذا جزم راوي الاصل : بكذب رواية الفرع عنه ، لم تقبل رواية الفرع.

وإن توقف : قبل قول الفرع ، لعدم المنافي (٢).

البحث التاسع

«في : الجرح والتعديل»

العدد (٣) : شرط في الجرح والتعديل ، في الشهادة دون

__________________

إلا إذا عمل بمضمونه الفقهاء ، فيعد حجة في رأي بعض علماء اصول الفقه.

«مبادئ اصول الفقه : ص ٢٩ ، ٣١ باختصار»

١ ـ لنا : أن عدالة الاصل لم تعلم فلم تقبل.

قيل : الرواية تعديل ، قلنا : قد يروى عن غير العدل.

قيل : إسناده إلى الرسول يقتضي الصدق ، قلنا : بل السماع.

قيل : الصحابة أرسلوا وقبلت ، قلنا : الظن السماع.

«منهاج الوصول : ٤٨ ـ ٤٩»

٢ ـ إذا انكر الاصل رواية الفرع : فإن كان تكذيبا ، فالاتفاق على أنه لا يعمل به ، لان أحدهما كاذب فيه غير معين ، ولا يقدح في عدالتهما.

وإن لم تكن تكذيبا ، فالاكثر على العمل به ، خلافا للكرخي وبعض الحنفية ، ولاحمد روايتان.

«منتهى الوصول : ص ٦١»

٣ ـ أي : شهادة عدلين.

٢١٠

الرواية ، لان الفرع لا يزيد على الاصل.

ولابد من ذكر سبب الجرح دون التعديل (١).

ومع التعارض يقدم الجارح (٢) ، إلا إذا نفى المعدل ما أثبته الجارح قطعا ، فيتعارضان.

وإذا حكم بشهادته ، أو عمل بروايته ، أو قال : هو عدل لاني عرفت منه كذا ، أو أطلق مع عرفانه ، فهو تزكية.

ولو روى عنه ، لم يكن تزكية ، إلا أن تكون عادته عدم

__________________

١ ـ قال قوم : لابد من بيان سبب الجرح ، وقيل : يقبل بدون بيان ، واشتراط البيان هو المختار.

لانا رأينا كثيرا من العلماء ، قدحوا في رواة بأشياء ظنوها قوادح وليست قوادح.

كما جرح شعبة راويا بأنه كان يركض بغلته ، وجرح بعضهم سماك ابن حرب بأنه كان يبول قائما ، وجرح بعضهم راويا بأنه كان يستكثر من مسائل الفقه.

أما التعديل : فقال بعضهم أيضا : باشتراط البيان فيه كالجرح ، وقال الاكثرون : لا يشترط.

لان مفهوم العدالة معلوم اتفاقا ، فسكوته عنها كبيان ، بخلاف الجرح ، فإن أسبابه كثيرة كما قلنا ، بعضها يوجه ، وبعضها لا.

«اصول الفقه : ص ٢٤٥»

٢ ـ إذا جرح بعض وعدل آخرون ، قدم العمل بالجرح ، لانه شهادة بزيادة ، لم يطلع عليها المعدل ، ولان العدالة قد يشهد بها على الظاهر ، وليس كذلك الجرح.

«المعارج : ص ٩٢»

٢١١

الرواية عن غير العدل (١).

وليس ترك الحكم بالشهادة جرحا.

__________________

١ ـ كما في «منهاج الوصول : ص ٤٧».

٢١٢

الفصل العاشر

في : القياس

وفيه : مباحث

٢١٣

الاول

«في : تعريفه»

القياس : عبارة عن حمل الشيء على غيره ، في إثبات مثل حكمه له ، لاشتراكهما في علة الحكم.

وأركانه أربعة : الاصل ، وهو المقيس عليه .. والفرع : هو المقيس .. والعلة : هي المعنى المشترك .. والحكم : وهو المطلوب اثباته في الفرع.

البحث الثاني

«في : أنه ليس بحجة»

اختلف الناس في ذلك ، والذي نذهب إليه أنه ليس بحجة ، لوجوه :

أحدها : قوله تعالى : «لا تقدموا بين يدي الله ورسوله» [٤٩ / ٢] .. «وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون» [٧ / ٣٤] .. «إن الظن لا يغني من الحق شيئا» [٥٣ / ٢٩] .. «وأن الحكم بينهم بما أنزل الله» [٥ / ٥٠]

الثاني : قوله عليه‌السلام : «وتعمل هذه الامة برهة بالكتاب ، وبرهة بالسنة ، وبرهة بالقياس. فإذا فعلوا ذلك فقد

٢١٤

ضلوا وأضلوا» (١) .. وقوله عليه‌السلام : «ستفترق امتي على بضع وسبعين فرقة ، أعظمهم فتنة قوم يقيسون الامور برأيهم فيحرمون الحلال ويحللون الحرام» (٢).

الثالث : اجماع الصحابة عليه.

روي عن علي عليه‌السلام أنه قال : «من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم ، فليقل في الجد برأيه» (٣) ، وقال : «لو كان الدين بالرأي ، لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره» (٤).

وقال أبو بكر : «أي سماء يظلني ، وأي أرض تقلني ، إذا قلت في كتاب الله برأيي» (٥).

__________________

١ ـ انظر ملخص ابطال القياس : ص ٥٦.

٢ ـ انظر ملخص ابطال القياس : ص ٦٩ ، وكنز الفوائد للكرجكي : ص ٣٩٧. وجامع أحاديث الشيعة : ١ / ٦٨.

٣ ـ انظر أعلام الموقعين : ١ / ٣٨٠ ، وتأويل مختلف الحديث : ص ٢٠ ، والسنن الكبرى للبيهقي : ٦ / ٢٤٥ ، والغدير : ٦ / ١٠٧.

٤ ـ انظر ملخص ابطال القياس : ص ٦٠ ـ ٦١ ومستدرك الوسائل : ٣ / ١٧٧ ـ ١٧٨ ، وجامع أحاديث الشيعة : ١ / ٦٩.

٥ ـ قال أبو بكر الصديق : «أي أرض تقلني ، وأي سماء تظلني ، ان قلت في آية برأيي ، أو بما لا أعلم».

«ملخص ابطال القياس : ص ٥٨»

٢١٥

وقال عمر : «إياكم وأصحاب الرأي ، فإنهم أعداء السنن ، أعيتهم الاحاديث أن يحفظوها ، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا» (١).

ولم يزل أهل البيت عليهم‌السلام ، ينكرون العمل بالقياس ، ويذمون العامل به (٢) ، وإجماع العترة حجة.

الرابع : إن العمل بالقياس ، يستلزم الاختلاف ، لاستناده إلى الامارات المختلفة ، والاختلاف منهي عنه (٣).

الخامس : مبنى شرعنا ، على تساوي المختلفات في الاحكام ، واختلاف المتماثلات فيها ، وذلك يمنع من القياس قطعا (٤).

__________________

١ ـ ملخص ابطال القياس : ص ٥٨.

٢ ـ كما في حلية الاولياء : ٣ / ١٩٧.

٣ ـ قالت الشيعة والتعليمية : ان الاختلاف ليس من دين الله ، ودين الله واحد ليس بمختلف ، وفي رد الخلق إلى الظنون ما يوجب الاختلاف ضرورة ، والرأي منبع الخلاف ، والظنيات لا دليل فيها ، بل ترجع إلى ميل النفوس ، والميل مختلف ، والدليل على ذم الاختلاف قوله تعالى :

«ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» ، وقال : «أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه»

«اصول الفقه للخضري : ص ٣٨٣»

٤ ـ طريقة النظام ومن تابعه في ابطال القياس : أن الشرعيات

٢١٦

البحث الثالث

«في : إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق»

إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق ، قد يكون جليا كتحريم الضرب المستفاد من تحريم التأفيف (١) ، وذلك ليس من باب القياس.

__________________

وقعت على وجوده لا يمكن معها دخول القياس.

فالذي يعولون عليه أن يقولوا : وجدنا الشرع واردا بإختلاف المتفقين واتفاق المختلفين.

كإيجاب القضاء على الحائض في الصوم ، واسقاطه عنها في الصلاة وهي أوكد من الصوم.

وايجابه على المسافر القضاء فيما قصر في الصوم ، واسقاطه عنه فيما قصر من الصلاة.

وكإيجاب الغسل بخروج الولد والمني ، وهما أنظف من البول والغايط اللذين يوجبان الطهارة.

وإباحة النظر إلى الامة الحسناء وإلى محاسنها ، وحظر ذلك من الحرة وإن كانت شوهاء.

قالوا : كيف يسوغ القياس فيما هذه حاله؟ ومن حقه أن يدخل فيما يتفق فيه أحكام المتفقات وتختلف أحكام المختلفات؟!

«العدة ٢ / ٨٨»

١ ـ الواردة في الآية ٢٤ ، من سورة الاسراء ، من قوله تعالى : «فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما»

٢١٧

لان شرط هذا ، كون المعنى المسكوت عنه ، أولى بالحكم من المنصوص عليه ، بخلاف القياس ، بل هو من باب المفهوم.

البحث الرابع

«في : الحكم المنصوص على علته»

الاقرب عندي : أن الحكم المنصوص على علته ، متعد إلى كل ما علم ثبوت تلك العلة فيه ، بالنص لا بالقياس.

لان قوله : حرمت الخمر لكونه مسكرا ، ينزل منزلة قوله : حرمت كل مسكر.

لان مجرد الاسكار : إن كان هو العلة ، لزم وجود المعلول معه أينما تحقق ، وإلا!! لم يكن علة.

وإن كانت العلة ، إنما هي الاسكار المقيد بالخمرية ، لم يكن ما فرضنا علة بل جزء العلة ، [و] هذا خلف.

والنص على العلة : قد يكون صريحا ، كقوله : لعلة كذا أو لاجل كذا (١) ، أو لسبب كذا .. وقد يكون ظاهرا ،

__________________

١ ـ كقوله عليه‌السلام : «إنما جعل الاستئذان لاجل البصر» ، وقوله : «إنما نهيتكم عن لحوم الاضاحي لاجل الدافة».

«منهاج الوصول : ص ٥٧»

٢١٨

كقوله : لكذا (١) ، أو بكذا ، أو يأتي بحرف أن ، كقوله «إنها من الطوافين عليكم» (٢) ، أو بالباء كقوله تعالى : «فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم» [٤ / ١٦١].

البحث الخامس

«في : العلة المستنبطة»

اعلم!! أنا لما جوزنا تعدية الحكم بالعلة المنصوصة ، وجب علينا البحث عن العلة المستنبطة ، وبيان امتناع تعدية الحكم بها كما يقوله أصحاب القياس.

واعلم!! أن الطرق التي يثبت القائسون للتعليل بها ستة ونحن نبين في كل واحد منها ، أنه لا يصلح الاستدلال به ، على علية الوصف.

الاول : المناسبة

وعرفوا المناسبة : بأنه الملايم لافعال العقلاء في العادات.

وهو غير دال على العلية :

__________________

١ ـ والظاهر اللام ، كقوله تعالى : «لدلوك الشمس» ، فإن أئمة اللغة قالوا : اللام للتعليل.

«منهاج الوصول : ص ٥٧»

٢ ـ سنن أبي داود : ك ١ ب ٣٨ ص ١٨.

«مفتاح كنوز السنة : ص ٥١٥»

٢١٩

إما أولا : فلما بينا ، أن شرعنا مبني على الجمع بين المختلفات ، والتفرقة بين المتماثلات ، فلا ضابط في الحكم سوى النص.

وأما ثانيا : فلان الوصف المناسب ، قد يقترن مع الحكم وضده (١).

وأما ثالثا : فلان الحكم لا يجوز استناده إلى الحكمة لكونها مضطربة غير مضبوطة ، ومثل ذلك لا يجوز من الحكيم رد الاحكام إليه ولا إلى الوصف ، لانه إن لم يشتمل على الحكمة لم يصلح للتعليل ، وإن اشتمل كانت الحكمة علة العلة وقد بينا بطلانه (٢).

الثاني : المؤثر

وعرفوه : بأنه الوصف المؤثر في جنس الحكم في الاصول

__________________

١ ـ كالسفر الذي هو وصف مناسب لعلية حكم التقصير ، وربما يقترن بعدم التقصير.

«غاية البادي : ٢١٤»

٢ ـ الحكم إن أسند إلى الحكمة ، كالمشقة في السفر ، فهي مضطربة ، لان المشقة قد توجد في السفر وقد لا توجد ، وربما توجد في الحظر اكثر مما توجد في السفر مع عدم الترخص.

وإن اسند إلى الوصف : فإن لم يشتمل ذلك الوصف على الحكمة لم يصلح للعلية ، وإن اشتمل فتكون الحكمة علة علية الوصف ، كالمشقة التي هي علة لعلية السفر ، وقد ثبت عدم صلاحية الحكمة للعلية لاضطرابها.

«غاية البادي : ٢١٤»

٢٢٠