مبادئ الوصول الى علم الاصول

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

مبادئ الوصول الى علم الاصول

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبد الحسين محمد علي البقال
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٧

البحث الرابع

في : تأخير البيان

قد وقع الاجماع : على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق.

وأما تأخيره عن وقت الخطاب : فقد منع أبو الحسين من تأخير البيان ، فيما له ظاهر وقد استعمل في خلافه (١) ، وزعم أن البيان الاجمالي كاف فيه ، وجوز تأخير البيان ، فيما ليس له ظاهر ، إلى وقت الحاجة.

والاشاعرة : جوزوا التأخير مطلقا (٢).

احتج أبو الحسين : بأن القصد من الخطاب الافهام ، وإلا كان عبثا.

فإن كان المراد إفهام ظاهره مع عدم إرادته ، كان إغراء بالجهل.

وإن كان غير ظاهره مع عدم بيانه ، لزم تكليف ما لا يطاق.

أحتجت الاشاعرة : بأن الله تعالى كلف بني إسرائيل

__________________

١ ـ كالعام في الخصوص ، والنكرة إذا أريد بها معين ، والاسماء الشرعية.

«المعارج : ص ٥٧»

٢ ـ أي : فيما له ظاهر أم لا.

«هامش المصورة : ص ٢٩»

١٦١

ذبح بقرة معينة.

لقوله تعالى : «قالوا : ادع لنا ربك يبين لنا ما هي؟» [٢ / ٦٩] (١) ، ثم إنه تعالى ما بينها حتى سألوا.

ولقوله تعالى : «فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ، ثم إن علينا بيانه» [٧٥ / ١٩]. وثم للتراخي (٢).

والجواب : أنهما دلتا على تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو غير جائز إجماعا ، فلابد من التأويل (٣).

__________________

١ ـ هكذا في المطبوعة ، وفي المصورة : ص ٣٠ «لقوله : انها بقرة ، ادع لنا ربك يبين لنا ما هي؟».

٢ ـ هاتان حجتان للاشاعرة على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب

«غاية البادي : ص ٩٥»

٣ ـ الجواب : ان الآيتين كما دلتا بظاهرهما على تأخير البيان عن وقت الخطاب ، كذلك دلتا على تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولما كان هذا باطلا بالاجماع ، فكذلك ذاك.

أما الاولى : فلان وقت خطابهم بذبح بقرة ، كانوا محتاجين إلى الذبح ولذلك سألوا سؤالا بعد سؤال.

وأما الثانية : فلان الضمير ان عاد إلى بعض القرآن ، فلا دلالة فيها على محل النزاع ، وان عاد إلى الجميع ، دل على جواز التأخير عن وقت الحاجة أيضا ، ودل أيضا على احتياج جميع القرآن إلى البيان ، وذلك لم يقل به أحد.

إذا ثبت ذلك : فلابد من تأويل الآيتين.

أما الاولى فنقول : ان المأمور به في الحالة الاولى بقرة غير معينة ،

١٦٢

البحث الخامس

«في : جواز سماع المكلف العام من غير سماع ما يخصصه»

يجوز أن يسمع المكلف العام من غير أن يسمع ما يخصصه خلافا لابي علي ، ولابي الهذيل (١).

لانه : يجوز في المخصوص بدليل العقل ، وإن لم يعلم السامع في العقل ما يدل عليه عندهما.

فكذا هنا ، وقد سمعوا «... اقتلوا المشركين» [٩ / ٦] ،

__________________

ولذلك أتى بلفظة بقرة منونة ، وما كانوا محتاجين إلى البيان ، بل أي بقرة ذبحوها وقع الامتثال للامر. ثم لما سألوا ، نسخ الله تعالى تلك ، وأوجب بقرة معينة بالصفات المذكورة. وهكذا مروي عن ابن عباس ، فإنه قال : لو ذبحوا أي بقرة أرادوا لاجزأت ، لكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم.

وأما الثانية فنقول : لا نسلم أن لفظة ثم للتراخي في الجمل ، بل في المفردات سلمناه ، لكن لا نسلم أن المراد تأخير مطلق البيان ، سواء كان تفصيليا أو إجماليا ، ولم لا يكون المراد من البيان ، البيان التفصيلي ، وذلك لا ننكره نحن.

«غاية البادي : ص ٩٦ ـ ٩٧»

١ ـ محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبيدي مولى عبد القيس ، من أئمة المعتزلة ، ولد في البصرة سنة ١٣٥ ، واشتهر بعلم الكلام ، وكان حسن الجدل قوي الحجة ، سريع الخاطر. كف بصره في آخر عمره

١٦٣

ولم يسمعوا «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» (١) ، إلا بعد حين (٢).

__________________

وتوفي بسامرا ، له كتب كثيرة ، منها كتاب سماه «ميلاس» على اسم يهودي اسلم على يده ، توفي عام ٢٣٥ ه‍.

«الاعلام : ٧ / ٣٥٥ باختصار»

١ ـ المنتقى لابن تيمية : ٢ / ٨٣٦.

٢ ـ استدل المصنف على الجواز بوجهين :

الاول : إن الخصم يسلم جواز ذلك ، إذا كان المخصص هو العقل ، مع أنه يجوز ألا يخطر ببال المكلف المخصص ذلك الوقت ، فيجوز في المخصص بالنقل قياسا عليه ، والجامع تمكن المكلف من معرفة المراد في الصورتين.

والثاني : بالوقوع ، فإن الله تعالى قال «اقتلوا المشركين» ، ولم يسمع المخصص الا في زمان عمر وهو قوله «ص» ، «سنوا بهم سنة الكتاب».

«غاية البادي : ص ٩٧ ـ ٩٨»

١٦٤

الفصل السادس

في : الافعال

وفيه : مباحث

١٦٥

الاول

«في : عصمة الانبياء»

مذهبنا :

أن الانبياء معصومون : عن الكفر والبدعة خلافا للفضيلية (١) ، وعن الكبائر خلافا للحشوية (٢) ، عن الصغائر عمدا خلافا لجماعة من المعتزلة ، وخطأ في التأويل خلافا للجبائيين ، وسهوا خلافا للباقين.

وبالجملة : فالعصمة واجبة في كل زمان ، وقد بينا ذلك

__________________

١ ـ من الخوارج ، فانهم اعتقدوا أن كل ذنب فهو كفر ، وجوزوا صدور الذنب عن الانبياء.

«غاية البادي : ص ٩٩»

٢ ـ الحشوية : الحشو في اللغة ما يملا به الوسادة ، وفي الاصطلاح : عبارة عن الزائد الذي لا طائل تحته ، وسميت الحشوية حشوية ، لانهم يحشون الاحاديث التي لا أصل لها ، في الاحاديث المروية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي يدخلونها فيها وليست منها ، وجميع الحشوية يقولون : بالجبر والتشبيه ، وأن الله تعالى موصوف عندهم بالنفس واليد والسمع والبصر ، وقالوا : كل ثقة من العلماء ، يأتي بخبر مسند عن النبي «ص» ، فهو رحمة.

راجع : التعريفات للجرجاني «الحشو» ، الحور العين : ص ٣٤ ، الملل والنحل : ص ١١.

١٦٦

في علم الكلام ، فلا حاجة إليه هنا (١).

البحث الثاني

في : وجوب التأسي بالنبي عليه‌السلام (٢)

والحق!! ذلك ، خلافا لقوم (٣).

__________________

١ ـ وللمرتضى علم الهدى كتاب مختص بهذا الشأن ، سماه تنزيه الانبياء ، وهو في الشهرة كالشمس ، وهو مطبوع.

«غاية البادي : ص ١٠٠ بتصرف»

٢ ـ معناه : أنه إذا فعل فعلا!! هل يجب علينا مثل فعله أم لا؟ وليس الخلاف في الامور الجبلية كالقيام والقعود ، ولا فيما علم اختصاصه «ص» به ، كوجوب صلاة الضحى ، ووجوب الوتر ، ووجوب التهجد ، والمشاورة ، والتخيير في نسائه ، وصوم الوصال ، والزيادة على أربع حراير. ولا فيما كان بيانا ، كقوله «ص» : «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، و «خذوا عني مناسككم» فإنهما وقعا بيانا لقوله تعالى : «أقيموا الصلاة» و «لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا».

بل فيما عدا ذلك : وهو إما أن يكون صفته معلومة من الوجوب والندب والاباحة ، أو لا تكون معلومة. «غاية البادي : ص ١٠١»

٣ ـ خلافا لابي علي ، تلميذ أبي هاشم بن خلاد من المعتزلة ، فإنه قال بالوجوب في العبادات ، دون غيرها من المناكحات والمعاملات.

«غاية البادي : ص ١٠١»

١٦٧

لنا : قوله تعالى : «... فاتبعوه ...» [٦ / ١٥٤] ، و «لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة» [٣٣ / ٢٢] ، وقوله : «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله» [٣ / ٣٢]

إذا عرفت هذا!! فمعنى التأسي به : أنه عليه‌السلام ، إذا فعل فعلا على وجه الوجوب ، يجب علينا أن نفعله على وجه الوجوب ، وإن تنفل به ، كنا متعبدين بالتنفل ، وإن فعله على وجه الاباحة ، كنا متعبدين بإعتقاد إباحته ، وجاز لنا فعله.

هذا!! إذا علم وجه الفعل.

أما إذا لم يعلم!! فقال ابن سريج (١) : إنه للوجوب في حقنا ، وقال الشافعي للندب ، وقال مالك (٢) : للاباحة ، واكثر المعتزلة : على الوقف ، وهو الاقرب.

لان عصمته تنفي القبح عنه ، والوجوب والندب زائدان

__________________

١ ـ احمد بن عمر بن سريج البغدادي ، أبو العباس ، فقيه الشافعية في عصره ، مولده ووفاته في بغداد «٢٤٩ ه‍ ـ ٣٠٦ ه‍» ، له نحو ٤٠٠ مصنف ، وكان يلقب بالباز الاشهب ، ولي القضاء بشيراز ، وكان حاضر الجواب ، له مناظرات ومساجلات مع محمد بن داود الظاهري ، وله نظم حسن.

«الاعلام : ١ / ١٧٨ ـ ١٧٩ باختصار»

٢ ـ ابن أنس بن مالك الاصبحي الحميري ، أبو عبد الله ، امام دار الهجرة ، إليه تنسب المالكية ، مولده ووفاته في المدينة ٩٣ ـ ١٧٩ ه‍ من كتبه «الموطأ ـ ط» ... «الاعلام : ٦ / ١٢٨ بتصرف واختصار»

١٦٨

فالمشترك هو الجواز (١).

البحث الثالث

في : الترجيح بين القول والفعل (٢)

إذا ورد خطاب متناول للامة خاصة ، ثم فعل عليه‌السلام فعلا ينافيه ، وجب المصير إلى الفعل.

وإن كان متناولا لنا وله ، وتراخى فعله ، صار منسوخا عنه وعنا ، للتأسي.

وإن تناوله دوننا ، كان منسوخا عنه.

وإن كان الفعل متقدما (٣) ، وجب التأسي.

فإن كان القول متناولا له خاصة ، كان مخصصا له عن ذلك العموم.

__________________

١ ـ وأما الوقف : فبالحقيقة عائد إلى القول بالاباحة ، لان التوقف في الوجوب والندب ، لا يستلزم التوقف في الجواز بعد ثبوت العصمة.

«غاية البادي : ص ١٠٣»

٢ ـ إذا تعارض قوله وفعله «ص»

«غاية البادي : ص ١٠٣»

٣ ـ أي : وإن كان فعل النبي متقدما على الخطاب.

«هامش المصورة : ص ٣٢ بتصرف»

١٦٩

وإن تناول امته خاصة ، كان حكم الفعل مختصا به.

وإن كان عاما لنا وله ، دل على سقوط حكم الفعل عنه وعنا.

وإن لم يعلم تقدم أحدهما ، قدم القول ، لانه أقوى دلالة من الفعل.

البحث الرابع

«في : تعبده بشرع من قبله»

الحق!! أنه عليه‌السلام ، لم يكن متعبدا بشرع من قبله ، قبل النبوة ولا بعدها.

وإلا!! لاشتهر ، ولافتخر به أهل تلك الملة ، ولوجب مراجعة من تقدم ، لو كان متعبدا بعد النبوة ، ولعلم معاذا (١)

__________________

١ ـ معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الانصاري الخزرجي ، أبو عبد الرحمان ، صحابي جليل. هو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي «ص» ، أسلم وهو فتى ، وآخى النبي «ص» بينه وبين جعفر بن أبي طالب ، وشهد العقبة مع الانصار السبعين ، وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله «ص» ، وبعثه رسول الله بعد غزوة تبوك ، قاضيا ومرشدا لاهل اليمن ، ولد عام ٢٠ ق. ه‍ وتوفي عام ١٨ ه‍.

«الاعلام : ٨ / ١٦٦ بتصرف واختصار»

١٧٠

عند سؤاله (١).

__________________

١ ـ حين بعثه إلى اليمن قاضيا ، فقال عليه‌السلام : بم تحكم؟

فقال : بكتاب الله. فقال : فإن لم تجد؟ قال : بسنة رسول الله.

قال : فإن لم تجد؟ قال : اجتهد رأيي ، فأقره عليه‌السلام.

فلو كان متعبدا بشرع من قبله ، لامره بالرجوع إليه.

«هامش المصورة : ص ٣٢ بتصرف»

١٧١
١٧٢

الفصل السابع

في : النسخ

وفيه : مباحث

١٧٣

الاول

في : تعريفه

النسخ في اللغة : النقل والتحويل (١) ، وقيل : الابطال.

وفي عرف الفقهاء : رفع الحكم الثابت ، بالخطاب المتقدم (٢) بخطاب متراخ عنه ، على وجه لولاه لكان ثابتا.

واختلفوا!! فقال القاضي أبو بكر (٣) : النسخ رفع ،

__________________

١ ـ كما في تاج العروس : ٢ / ٢٨٣.

«بتصرف»

٢ ـ قوله : الثابت بالخطاب ، يخرج رفع الحكم الثابت بالعقل ، كبراءة الذمة.

وإنما قال : بخطاب متراخ عنه ، لانه لو لم يكن متراخيا ، لم يكن نسخا بل بيانا.

وقال : على وجه لولاه لكان ثابتا ، لانه لو لم يكن كذلك ، لم يكن رفعا ، بل بيانا لانتهاء الحكم السابق.

«غاية البادي : ص ١٠٨»

٣ ـ محمد بن عبد الله بن محمد المعافري ، الاشبيلي المالكي ، أبو بكر ابن العربي ، قاض ، من حفاظ الحديث ، ولد في اشبيلية عام ٤٦٨ ه‍ ، ورحل إلى المشرق ، وبرع في الادب ، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين ، وصنف كتبا في الحديث والفقه والاصول والتفسير والادب والتأريخ ، وولي قضاء اشبيلية ، ومات بقرب فارس عام ٥٤٣ ه‍ ودفن بها ، من كتبه «المحصول» في اصول الفقه.

«الاعلام : ٧ / ١٠٦ بتصرف واختصار»

١٧٤

ومعناه أن خطابه تعالى تعلق بالفعل ، بحيث لولا طريان النسخ ، لبقي.

وقال أبو إسحاق (١) : إنه بيان انتهاء مدة الحكم ، بمعنى أن الخطاب الاول ، انتهى بذاته في ذلك الوقت ، وحصل بعده حكم آخر.

البحث الثاني

في : جوازه

اكثر المسلمين : على ذلك.

وخالف فيه : أبو مسلم الاصفهاني ، (٢) وجماعة من

__________________

١ ـ ابراهيم بن أحمد المروزي ، أبو إسحاق : فقيه انتهت إليه رياسة الشافعية بالعراق بعد ابن سريج. مولده بمرو الشاهجان «قصبة خراسان» وأقام ببغداد اكثر أيامه. وتوفي بمصر عام ٣٤٠ ه‍. له تصانيف منها «شرح مختصر المزني».

«الاعلام : ١ / ٢٢ ـ ٢٣ بتصرف»

٢ ـ محمد بن بحر الاصفهاني ، أبو مسلم : وال ، من أهل أصفهان معتزلي ، من كبار الكتاب ، كان عالما بالتفسير وبغيره من صنوف العلم ، وله شعر ، ولي أصفهان وبلاد فارس للمقتدر العباسي ، واستمر إلى أن دخل ابن بويه أصفهان ، سنة ٣٢١ ه‍ ، فعزل. من كتبه «جامع التأويل» في التفسير ، أربعة عشر مجلدا ، و «مجموع رسائله» ، ولد عام ٢٥٤ ه‍ ، وتوفي عام ٣٢٢ ه‍.

«الاعلام : ٦ / ٢٧٣ بتصرف»

١٧٥

اليهود (١).

لنا : أن الاحكام منوطة بالمصالح ، ولا امتناع في كون الوجوب مثلا مصلحة في وقت ، ومفسدة في آخر.

فلو كلف به دائما ، لزم التكليف بالمفسدة ، فيجب رفعه في وقت كونه مفسدة ، وهو المطلوب.

ولقوله تعالى : «ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها ...» [٢ / ١٠٧].

ولان النسخ وقع في شرع اليهود ، كتحريم كثير من الحيوان على لسان موسى «ع» (٢) ، مع إباحته الجميع عدا الدم

__________________

١ ـ اليهود : من هاد الرجل ، أي رجع ، وتاب ، وإنما لزمهم هذا الاسم لقول موسى «ع» : «إنا هدنا إليك» ، أي رجعنا وتضرعنا ، ويسمون ببني إسرائيل.

واليهود : تدعي أن الشريعة لا تكون إلا واحدة ، ابتدأت بموسى وتمت ، فلم يكن قبله شريعة إلا حدود تحولية وأحكام مصلحية ، ولم يجيزوا النسخ أصلا.

قالوا : فلا يكون بعده شريعة اخرى ، لان النسخ في الاوامر بداء ولايجوز البداء على الله.

«جمعا بين : الملل والنحل ٢ / ٩ ـ ٢٢ وقاموس الالفاظ

والاعلام القرآنية ص ٤٢٩ ـ ٤٣٠ بتصرف واختصار»

٢ ـ نبي اليهود : وهو اشهر من اشتهر في الكتب المقدسة ، من صلاح العهد القديم ، أنقذ من المياه وتربي في قصر فرعون بطلب من

١٧٦

على لسان نوح (١) ، وغير ذلك من الاحكام (٢).

__________________

زوجته ، ثم لجأ إلى برية سينا ، وأرسله الرب منقذا شعبه العبرانيين من مظالم فرعون ، فخلصهم وجاز معهم برية سينا مدة أربعين سنة ، أعطاهم في خلالها لوحي الوصايا التي تلقاها من الرب في جبل حوريب ، وسن لهم الشرايع ، لقب ب‍ «كليم الله».

«المنجد في الادب والعلوم : ص ٥٢٠ بتصرف»

وللتوسع!! يراجع «قاموس الالفاظ والاعلام القرآنية : ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧».

١ ـ نبي مرسل : وهو أبو سام وحام ويافث ، نجا مع القلة المؤمنين به ، من الطوفان ، على ما جاء في الكتاب المقدس والقرآن الكريم.

«المنجد في الادب والعلوم : ص ٥٤٢ بتصرف»

وللتوسع!! يراجع «قاموس الالفاظ والاعلام القرآنية : ص ٣٩٢»

٢ ـ إن النسخ لو لم يجز لم يقع في شرعهم لكنه وقع ، فإنه جاء في التوراة ، إن الله تعالى قال لنوح عند خروجه من الفلك ، إني جعلت كل دابة مأكلا لك ولذريتك ، وأطلقت لكم كنبات العشب ، ماخلا الدم فلا تأكلوه.

ثم حرم الله على موسى وعلى بني اسرائيل كثيرا من الحيوان ، وجاء فيه أن الله تعالى ، أمر آدم أن يزوج بناته من بنيه ، ثم حرم ذلك في شريعة من بعده.

وأيضا : أن العمل كان مباحا في يوم السبت ، ثم حرم على موسى وقومه.

وكان الختان في شرع ابراهيم جائزا بعد الكبر ، وقد صار واجبا

١٧٧

واحتجاج اليهود بقول موسى : «تمسكوا بالسبت أبدا» (١) ضعيف.

لان التأبيد يطلق على الزمان الطويل.

كقوله في التوراة : «يستخدم العبد ست سنين ، ثم يعرض عليه العتق ، فإن أبى ثقبت أذنه ، واستخدم أبدا» ، وفي موضع آخر : «يستخدم العبد خمسين سنة ، ثم يعتق في تلك السنة».

وأيضا تواتر اليهود انقطع ، لان «بختنصر» (٢) أفناهم إلا من شذ.

إذا عرفت هذا!! فالنسخ قد وقع في القرآن كما في :

__________________

يوم ولادة الطفل في شرع موسى.

وكان الجمع بين اختين مباحا في شريعة يعقوب ، وقد حرم ذلك في شريعة من بعده.

«غاية البادي : ص ١١٠ ـ ١١١»

١ ـ فاحفظوا السبت فانه مقدس لكم ، ومن خرقه يقتل قتلا ، كل من يعمل فيه عملا ، تنقطع تلك النفس من شعبها ، فليحافظ بنو اسرائيل على السبت مواظبين عليه مدى أجيالهم عهدا أبديا «سفر الخروج : فصل ٣١ ، ص ١٤٤ ، طبع بيروت سنة ١٩٣٧ م».

٢ ـ ملك البابليين (٦٠٤ ق م ـ ٦١ ق م) ، أغار بحملاته على مصر ، وفتح اورشليم وأحرقها ، وأجلى أهل يهوذا إلى بابل بعد تقتيل الكثير منهم ، وسجن من بقي منهم في سجون خاصة ، لا زالت آثارها باقية في بابل حتى اليوم. «المنجد في الآداب والعلوم : ص ٦٦ بتصرف»

١٧٨

القبلة (١) ، والاعتداد للوفاة (٢) ، وثبات الواحد للعشرة (٣) ، ووجوب تقديم الصدقة على المناجاة (٤).

وقوله تعالى : «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه» [٤١ / ٤٢] ، يريد به لم يتقدمه من كتب الله تعالى ما يبطله ،

__________________

١ ـ كما في قوله تعالى : «فأينما تولوا فثم وجه الله».

منسوخة بقوله : «وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره».

«الناسخ والمنسوخ : ص ٢٩»

٢ ـ كما في قوله تعالى : «والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول».

منسوخ بقوله : «والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا».

«الناسخ والمنسوخ : ص ٣٦ ـ ٣٧ بتصرف»

٣ ـ كما في قوله تعالى : «إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون».

نسخ ذلك بقوله : «الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مأة صابرة تغلبوا مأتين».

«الناسخ والمنسوخ : ص ٥٢ بتصرف»

٤ ـ كما في قوله تعالى : «إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر».

نسخت بقوله : «أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فاقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون». «الناسخ والمنسوخ : ص ٧٧ بتصرف»

١٧٩

ولا يأتيه من بعده ما يبطله ، لا ما توهمه أبو مسلم ، من نفي النسخ.

البحث الثالث

في : نسخ الشيء قبل مضي وقت فعله

ذهب المعتزلة : إلى بطلانه.

لاستحاله : كون الشيء حسنا وقبيحا في وقت واحد ، والامر بالقبيح والنهي عن الحسن.

فذلك الفعل في ذلك الوقت : إن كان حسنا استحال النهي عنه ، وإن كان قبيحا استحال الامر به.

والاشعرية ذهبوا : إلى جوازه.

لانه تعالى أمر ابراهيم (١) بذبح ولده ، لقوله تعالى :

__________________

١ ـ ولد إبراهيم عليه‌السلام بارض بابل منذ آلاف السنين ، وهو من سلالة سام بن نوح ، وكان أهل بابل يعبدون الكواكب والاصنام ويؤلهون ملكهم النمروذ بن كنعان ، وكان آزر أبوه ينحت الاوثان لقومه ويتولى خدمتها».

ونشأ ابراهيم سليم العقيدة ، وقد آتاه الله رشده ، فمقت الاوثان وحارب عبادتها ، ودعا إلى نبذها وعبادة الواحد الاحد ، وبين لقومه أنها لا تضر ولا تنفع ، ولكنهم أبوا ...

ويعرف ابراهيم عليه‌السلام بخليل الله وبأبي الانبياء ، لانه ظهر من

١٨٠