مبادئ الوصول الى علم الاصول

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

مبادئ الوصول الى علم الاصول

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبد الحسين محمد علي البقال
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٧

وما (١)؟ ومن؟ (٢) ومتى (٣)؟ وأين؟ (٤)؟ في المجازاة (٥)

__________________

ولاجل هذا!! إذا قال : أي شيء عندك؟ يحسن أن يجاب بما يعقل وما لا يعقل.

إلا أنها لا تفيد الاستغراق ، كما تفيد من وما ، إلا أن يدل دليل على ذلك ، فيحكم له بحكم الاستغراق.

«العدة : ١ / ١٠٤»

١ ـ فيما لا يعقل ، إذا وقعت الموقع الذي ذكرناه ، من المجازاة والاستفهام.

ومتى كانت معرفة ، لم تكن مستغرقة كما قلناه في سواء.

ومن الناس من قال : إن «ما» يعم ما يعقل وما لا يعقل ، وهي أعم من من ، وذلك محكي عن قوم من النحويين.

«العدة : ١ / ١٠٤»

٢ ـ في جميع العقلاء ، إذا كانت نكرة ، في المجازاة والاستفهام. ومتى وقعت معرفة ، لم تكن للعموم ، وكانت بمعنى الذي ، وهي خاصة بلا خلاف.

«العدة : ١ / ١٠٣»

٣ ـ في الاوقات : لانها تجري في تناول جميع الاوقات ، مجرى من في تناولها لجميع العقلاء. وذلك!! نحو أن يقول القائل : متى جئتني جئتك؟ فإن ذلك ، لا يختص وقتا دون وقت ، بل يتناول جميع الاوقات.

«العدة : ١ / ١٠٤»

٤ ـ في المكان ، نحو قول القائل : أين زيد؟ يحسن أن يجيبه بذكر كل مكان ، فعلم أنه متناول له.

«العدة : ١ / ١٠٤»

٥ ـ المجازاة بضم الميم : مصدر يراد باصطلاحه أدوات الشرط الجازمه لفعلين ـ الشرط وجزاؤه ـ وهو كثيرا ما استعمل في لسان القدماء.

١٢١

والاستفهام .. والنكرة في سياق النفي (١) ، والجمع المعرف باللام الجنسية (٢) والمضاف (٣).

لان قولنا : جاءني كل رجل ، يناقض قولنا ما جاءني كل رجل.

__________________

١ ـ نحو قول القائل : ما رأيت أحدا ، وما جاءني من أحد ، فإن ذلك يفيد الاستغراق.

ومثله : وقوعها في سياق النهي ، نحو لا تشتم أحدا.

«جمعا بين العدة : ١ / ١٠٤ ومبادئ اصول الفقه : ص ٦٠»

٢ ـ ومنها : اسماء الاجناس ، إذا دخلها الالف واللام ، ولم يرد بهما التعريف.

نحو قوله : «والعصر إن الانسان لفي خسر» ، ونحو قولهم : «أهلك الناس الدينار والدرهم» ، لان ذلك يفيد الجنس كله.

ومتى كان للتعريف ، كان مختصا بما عرف به ، نحو قول القائل : رأيت الانسان ، يشير به إلى إنسان معهود متقدم.

فأما ما كان خاليا من الالف واللام ، فإنه يفيد واحدا لا بعينه ، نحو قول القائل : رأيت رجلا وإنسانا ، وما يجري مجراه.

وهذا يسميه أهل اللغة : النكرة لانه لا يخصص واحدا من غيره.

«العدة : ١ / ١٠٤»

٣ ـ الجمع المضاف كقولك : عبيدي ، وعبيد زيد ، للاستغراق.

والحجة عليه : جواز الاستثناء ، نحو قول القائل : عبيد زيد صلحاء إلا خالدا.

«معارج الاصول : ص ٣٥ بتصرف»

١٢٢

والثاني : ما (١) يفيد العموم ، فوجب كون الاول مفيدا للعموم. لان السلب الجزئي إنما يناقضه الايجاب الكلي.

وكذا في ال‍ «جميع».

وأما ألفاظ المجازاة والاستفهام : فلانها لو لم تفد العموم!! ..

لكانت : إما مفيدة للخصوص ، وهو باطل ، لحسن الجواب بذكر كل العقلاء.

وإما للعموم والخصوص معا : وهو باطل ، وإلا لما حسن الجواب إلا بعد الاستفهام عن جميع الاحتمالات الممكنة.

أو لا لواحد منهما : وهو باطل بالاجماع.

وأيضا : فإنه يصح استثناء أي عدد كان منها.

والاستثناء : إخراج ما لولاه لدخل ، وهو دليل عام في جميع ما ادعينا عمومه.

وأما النكرة المنفية : فإنها نقيض المثبتة ، وهي غير عامة في الاثبات ، فتعم في النفي.

وأما الجمع المعرف : فإنه يؤكد بما يفيد العموم ، والتأكيد تقوية ما يفيده المؤكد (٢).

__________________

١ ـ هنا!! ما : نافية بمعنى لا.

٢ ـ الجمع المعرف باللام : مشتقا كان أو غير مشتق.

إن كان معهودا ، انصرف إليه ، وإلا!! فهو للاستغراق ، خلافا لابي هاشم.

لنا : أنه يؤكد بما يقتضي العموم في ذلك ، نحو : قام القوم كلهم

١٢٣

وأما المضاف فللاستثناء (١).

البحث الثاني

في : ما ألحق بالعموم وليس منه

وهو ستة :

الاول :

الواحد المعرف بلام الجنس لا يفيد العموم ، لعموم إفادته في مثل : لبست الثوب وشربت الماء ، ولامتناع تأكيده (٢) ووصفه بما يفيده (٣).

__________________

ورأيت المشركين كلهم.

فلو لم يكن الاول للاستغراق ، لما كان الثاني تأكيدا.

«معارج الاصول : ص ٣٤ بتصرف»

١ ـ راجع التعليقة ٣ في صفحة ١٢٢.

٢ ـ بمؤكدات الاستغراق : نحو كل وجميع.

لانك لا تقول : رأيت الانسان كلهم ، ولا جاءني الكريم اجمعون.

«المعارج : ص ٣٥»

٣ ـ أي : بما يفيد العموم ، فإنك لا تقول : جاءني الرجل القضاة ، ولا العالم الفقهاء.

«المعارج : ص ٣٦ بتصرف»

١٢٤

الثاني :

الجمع المنكر لا يفيد العموم ، لانه يوصف بالاقل (١) ، نحو جاءني رجال ثلاثة وأربعة وخمسة ، والمفهوم قابل للتقسيم إلى هذه المراتب (٢) ، ومورد التقسيم مغاير لاقسامه وغير مستلزم لها (٣).

إذا عرفت هذا!! فنقول : أقل الجمع ثلاثة ، وقيل (٤) : إثنان.

__________________

١ ـ لانه يفسر بالقلة والكثرة : فيجب أن لا يحمل على أحدهما إلا لدلالة.

لكن أقل الجمع من ضروريات محتملاته ، فيجب أن يقتصر عليه ، إلا لدلالة زائدة.

«المعارج : ص ٣٦»

٢ ـ أي مفهوم الجمع المنكر : قابل للتقسيم ، إلى مراتب الاعداد ، أقلها وأكثرها.

«هوامش المسلماوي : ص ٢٩ بتصرف»

٣ ـ يعني : أن مورد التقسيم مشترك بين أقسامه ، ومغاير لكل واحد منها ، وغير مستلزم لها ، كاللفظ الدال على ذلك المورد ، ولا إشعار له بشيء منها البتة.

«المصدر السابق نفسه»

٤ ـ والقائل : القاضي أبو بكر ، وإمام الحرمين ، وأبو يوسف. واحتجوا بقوله تعالى : «وكنا لحكمهم شاهدين» ، أراد داود وسليمان ، ولقول النبي عليه‌السلام : الاثنان فما فوقهما جماعة.

«هوامش المسلماوي : ص ٢٩ بتصرف»

١٢٥

لنا : أن أهل اللغة فرقوا بين الصيغتين وبين ضميريهما (١) ولعدم قبوله (٢) الوصف بالاثنين (٣).

الثالث :

قوله تعالى : «لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة» [٥٩ / ٢١] ، لا يقتضي نفي الاستواء في جميع الامور (٤) ، لان نفي الاستواء : أعم من نفيه من كل وجه ، ومن نفيه من وجه دون وجه ، ولا دلالة للعام على الخاص (٥).

__________________

١ ـ إن أهل اللغة : فرقوا بين التثنية والجمع ، وخصوا كل واحد منها بأمر لا يشركه فيه الآخر. فقالوا : التثنية تكون بالالف والنون والياء والنون ، والجمع يكون : بالواو والنون والياء والنون ، ويدل على ذلك أيضا : أنهم يقولون للاثنين افعلا ـ إذا أمروهما ـ ، والجماعة افعلوا.

«العدة : ١ / ١١٦ ـ ١١٧ بتصرف»

٢ ـ مرجع الضمير : الجمع ، كما في هامش المصورة : ص ٢١.

٣ ـ فإن السامع : إذا سمع المتكلم يقول : رأيت رجالا ، لا يفهم من ذلك ولا يسبق إلى قلبه إلا ثلاثة ، ولا يسبق إلى قلبه اثنان أصلا.

«العدة : ١ / ١١٧»

٤ ـ خلافا لبعض الشافعية ، لان المساواة تفيد الاستواء في جميع الصفات ، فنفي المساواة نفي لذلك المجموع ، ونفي المجموع من حيث هو كذلك ، يحصل بنفي بعضه ، فلا يلزم نفي المساواة من كل وجه.

«المعارج : ص ٣٧ ـ ٣٨»

٥ ـ بإحدى الدلالات الثلاث.

«غاية البادي : ص ١٣٦»

١٢٦

الرابع :

خطاب الرسول عليه‌السلام (١) : في مثل قوله تعالى : «يا أيها النبي ...» (٢) ، لا يتناول الامة (٣) ، وقيل (٤) : يتناولهم

وهؤلاء!! إن زعموا أنه مستفاد من هذا اللفظ فهو خطأ فاحش ، وإن زعموا استفادته من دليل آخر فهو خروج عن هذه المسألة (٥).

__________________

١ ـ أي : في الخطاب الوارد من الله ، المتوجه إلى النيي ـ ع ـ.

«هوامش المسلماوي : ص ٢٩»

٢ ـ هذه الجملة وردت مطلعا لآيات عدة : منها الانفال ٨ / ٦٥ ، والتوبة ٩ / ٧٤.

٣ ـ إلا بدليل منفصل ، وهو مذهب الشافعية ، وهو الحق.

«هوامش المسلماوي : ص ٢٩»

٤ ـ والقائل : أبو حنيفة ، واحمد بن حنبل ، وأصحابهما.

«المصدر السابق نفسه»

٥ ـ قال المصنف : إن أرادوا : دخول الامة في الخطاب مستفاد من اللفظ ، فهو خطأ.

لان دلالة اللفظ على المعنى : إما أن يكون ذلك اللفظ موضوعا لذلك المعنى ، أو بأن يكون داخلا فيه ، أو يكون خارجا عنه لازما له.

وهذه الدلالات منفية.

أما الاولى : فظاهر ، لان الفرض أن اللفظ يختص به.

١٢٧

الخامس :

الصيغة المتناولة للذكور والاناث عامة فيهما ، إن لم يظهر فيه علامة ، كمن وأي.

للاجماع على عتق جميع الذكور والاناث من مماليكه ، عند قوله : من دخل داري فهو حر.

وأما إن ظهر فيه علامة ـ كقوله : قام ، قاما ، قاموا ، قامت ، قامتا ، قمن ـ فالمؤنث لا يتناول المذكر إجماعا.

وفي العكس خلاف (١) ، الاقرب أنه كذلك (٢) ،

__________________

وكذا الثاني والثالث : لان خطاب الامة ليس بداخل في مسمى اللفظ ولا بلازم له.

فإن أرادوا : أن ذلك مستفاد من دليل آخر ، كقوله تعالى : «وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» ، وأمثال ذلك.

فهو خروج عن المسألة ، لان الحكم حينئذ وجب بذلك الدليل المنفصل ، لا بالخطاب الموجبة إلى النبي «ص».

«غاية البادي : ص ١٣٧»

١ ـ أي : وإن لم يظهر فيه علامة خلاف ، فلا يدخل نحو النساء في نحو الرجال ، ولا العكس إتفاقا ، ويدخل الجميع في نحو الناس إتفاقا. واختلف في نحو المسلمين من جمع المذكر السالم ، ونحو فعلوا ، مما يغلب فيه المذكر. فالاكثر لا يدخل النساء ظاهرا. وقالت الحنابلة : شذوذا يدخل.

«منتهى الوصول : ص ٨٤ بتصرف»

٢ ـ فلا يتناول المؤنث.

١٢٨

لان الجمع تضعيف الواحد ، والواحد لا يتناول المؤنث ، فكذا الجمع.

السادس :

حكاية الحال لا تعم.

لان قولنا : فلان فعل ، يكفي في صدقه صدور الفعل عن الفاعل ، مرة.

البحث الثالث

في : التخصيص

وهو : إخراج بعض ما تناوله الخطاب عنه (١).

وهو : إما بمتصل ، أو منفصل.

فالاول : الاستثناء (٢) ، والشرط (٣) ، والصفة (٤) ،

__________________

١ ـ كما قال أبو الحسين ، نقلا عن منتهى الوصول : ص ٨٧.

٢ ـ مثل : جاء القوم إلا زيدا.

٣ ـ وهو ضربان : مؤكد ، كقوله : قم إن استطعت ، ومبين : كقوله اكرمه إن فعل.

«المعارج : ص ٤٠»

٤ ـ كقولك : اكرم الرجال الطوال.

«المعارج : ص ٤٠»

١٢٩

والغاية (١).

والثاني : عقلي (٢) وسمعي (٣).

والفرق بينه وبين النسخ : أنه لا يصح إلا في اللفظ ، والنسخ يصح فيما علم بالدليل إرادته .. ولان نسخ الشريعة بمثلها جائز ، بخلاف التخصيص .. ولان النسخ يجب فيه التراخي دون التخصيص.

والحق!! إن التخصيص جنس للنسخ ، والاستثناء ، وغيرهما.

ويصح إطلاق العام وإرادة الخاص ، في الخبر والامر ، كقوله تعالى : «الله خالق كل شيء» [١٣ / ١٧] ، وقوله : «فاقتلوا (٤) المشركين» [٩ / ٦].

__________________

١ ـ كقوله تعالى : «ولا تقربوهن حتى يطهرن».

«المعارج : ص ٤٠»

٢ ـ لانا نخرج الصبي والمجنون ، من قوله تعالى : «يا أيها الناس اعبدوا ربكم». هذا في حال كونهما كذلك ، وإن كانا عند البلوغ والعقل مخاطبين بالعبادة بتلك العبارة.

«المعارج : ص ٤٤»

٣ ـ سيأتي بيانه في البحث السابع من هذا الفصل.

٤ ـ هكذا في القرآن الكريم ، وفي المصورة : ص ٢٢ ، «اقتلوا» عارية عن الفاء ، الظاهر سببه النسخ أو الاختصار.

١٣٠

البحث الرابع

في : التمسك بالعام المخصوص

الحق!! أنه مجاز إن خص بمنفصل (١) ، عقليا كان أو نقليا (٢).

وحقيقة : إن كان متصلا.

ويجوز التمسك به : إن لم يكن التخصيص مجملا (٣) ،

__________________

١ ـ ذهب كثير من أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة ، إلى أن العموم مع الدليل الذي خص به ، حقيقة فيما عدا ما خص منه ، سواء كان ذلك الدليل ، لفظا ـ متصلا أو منفصلا ـ أو غير اللفظ.

وذهب أبو عبد الله البصري : إلى أنه إن كان ذلك الدليل لفظا متصلا ، من إستثناء وغيره ، كان حقيقة. فأما إذا لم يكن متصلا ، فإنه يصير مجازا.

وذهب أبو علي وأبو هاشم ومن تبعهما واكثر المتكلمين وباقي الفقهاء ، إلى أنه يصير مجازا بأي دليل خاص ، وهو الصحيح.

«العدة : ١ / ١٢٠»

٢ ـ العقلي : كالذي مر في هامش ٢ من الصحفة السابقة.

والنقلي : كتخصيص آية المواريث ، بقوله «ع» : «القاتل لا يرث»

«المعارج : ص ٤٤ ـ ٤٥ بتصرف»

٣ ـ المخصص : إما أن يكون مجملا وإما أن يكون مبينا.

١٣١

وإلا فلا (١).

لان كونه حجة في بعض موارده ، لا يتوقف على كونه حجة في الاخرى ، وإلا دار أو لزم الترجيح من غير مرجح

فإذا خرج عن كونه حجة في بعض الموارد ، لم يزل عنه كونه حجة في الاخرين.

ولان أكثر العمومات مخصوصة ، مع إحتجاج العلماء كافة بها.

البحث الخامس

في : الاستثناء

وهو : إخراج بعض الجملة منها ، بلفظ «إلا» أو ما يقوم مقامها (٢) ، ويجب اتصالها بالمستثنى منه عادة (٣).

__________________

فالاول : كقول القائل : أحسن إلى الناس ، ويقول عقب ذلك : لا تحسن إلى بعضهم ، أو يقول هذا العام مخصوص.

والثاني : كقوله أحسن إلى الناس ، ويقول : لا تحسن إلا لمن يحسن إليك.

«أصول الخضري : ص ٢٠١»

١ ـ وهو من رأي المحقق أيضا ، كما في المعارج ص ٤٧ ، إلا أنه قيده بالاطلاق.

٢ ـ كما جاء في منتهى الوصول : ص ٨٩.

٣ ـ ولا يجوز إنفصاله عنه ، والذي يدل على صحة ما قلناه : أن

١٣٢

وهو قسمان : حقيقة ، وهو الاستثناء من الجنس .. ومجاز : وهو الاستثناء من غيره (١).

وشرطه : عدم الاستغراق ، ويجوز أن يكون المستثنى اكثر من الباقي (٢).

__________________

أهل اللغة ، لا يعدون ما انفصل عن الكلام استثناء.

«عدة الاصول : ١ / ١٢٣»

١ ـ من قبيل قولهم : ما في الدار أحد إلا وتد. وقول الشاعر : وبلدة ليس بها انيس إلا اليعافير وإلا العيس. ووتد ليس من أحد ، ولا اليعافير من جملة الانيس.

والذي يدل على ما قلناه : أنا قد بينا أن من حق الاستثناء أن يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته ، ونحن نعلم أن القائل لو قال ما في الدار أحد ولم يستثن ، لم يفهم من ذلك إلا نفي العقلاء ، ولا يفهم منه نفي الاوتاد.

فإذا قال الا وتد ، فينبغي أن لا يكون استثناء حقيقة ، ويكون مجازا ، لانه لم يدخل في الكلام الاول.

فكذلك لو قال : بلدة ليس لها أنيس وسكت ، لم يفهم من ذلك إلا أنه ليس بها إنسان ، ولم يفهم من ذلك أنه ليس بها بهائم.

فكذلك إذا قال إلا اليعافير وإلا العيس ، يجب أن يكون مجازا.

«العدة : ١ / ١٢٤ ـ ١٢٥ بتصرف»

٢ ـ الاستثناء المستغرق باطل بإتفاق. والاكثرون : على جواز المساوي والاكثر ، وقالت الحنابلة والقاضي في أحد قوليه : بمنعهما.

١٣٣

وإذا ورد عقيب الاثبات ، أفاد النفي إجماعا.

وإذا ورد عقيب النفي ، أفاد الاثبات ، خلافا لابي حنيفة (١).

لنا : لو لم يكن كذلك!! لم يكن قولنا : لا إله إلا الله ، موجبا لثبوت الالهية (٢) له تعالى ، وبالاجماع دل على تمام الاسلام به (٣).

وإذا تعدد الاستثناء (٤) : فإن كان بحرف عطف ، كان

__________________

وقال ابن درستويه والقاضي أيضا : بمنعه في الاكثر خاصة.

وقيل : إن كان العدد صريحا ، اعتبر الاكثر ، وإلا لم يعتبر.

وقيل : يمتنع في العقد الصحيح ، كمائة إلا عشرة. بخلاف خمسة.

«منتهى الوصول : ص ٩١»

١ ـ الاستثناء من الاثبات نفي بالاجماع ، كقوله تعالى : «فلبثت فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما». فيكون لبث خمسين عاما منتفيا.

وكذلك الاستثناء من النفي إثبات ، كقوله تعالى : «إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ، الا من اتبعك من الغاوين» ، فيكون سلطانه على الغاوين مثبتا ، خلافا لابي حنيفة.

«غاية البادي : ص ١٥٤ ـ ١٥٥»

٢ ـ هكذا في المصورة : ص ٢٣ ، ولا كن الصحيح اليوم إملائيا ، أن تكتب بهاذا الشكل : «ألالهية».

٣ ـ أي : دل إجماع المسلمين على تمام إسلام من قال «لا إله الا الله» ، بعد تمام هذي اللفظة.

«هوامش المسلماوي : ص ٣٢»

٤ ـ أي : إذا تعدد المستثنى مع اتحاد الجملة.

«غاية البادي : ص ٥٦ بتصرف»

١٣٤

الجميع راجعا إلى المستثنى منه (١).

وإن كان بغيره : فكذلك (٢) ، إن كان الثاني أكثر من الاول (٣) أو مساويا له (٤). وإلا!! عاد إلى الاول (٥) ، لقربه (٦).

__________________

١ ـ نحو قولك : لفلان علي عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة.

«هوامش المسلماوي : ص ٣٢»

٢ ـ أي : يعود إلى المستثنى منه ، لتعذر عوده إلى المستثنى.

«هوامش المسلماوي : ص ٣٢»

٣ ـ أي : إن كان المستثنى الثاني أكثر من المستثنى الاول ، نحو قولك : له علي عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة.

«هوامش المسلماوي : ص ٣٢ بتصرف»

٤ ـ نحو قولك : له علي عشرة الا ثلاثة الا ثلاثة

«هوامش المسلماوي : ص ٣٢»

٥ ـ أي : المستثنى الاول ، كما في هامش المصورة : ص ٢٤.

٦ ـ أي : وان لم تكن الاستثناءات متعاطفة ، أو يكون الآخر أقل من الاستثناء الاول ، فالعود إلى الاول ، لانه استثناء أقرب من الاستثناء الآخر ، وللقرب رجحان ، علم ذلك من استقراء كلام العرب.

اللهم الا إذا كان له قرينة ، دالة على رجوعه إلى المستثنى منه.

«هوامش المسلماوي : ص ٣٢»

وللتوسع!! وتطبيق الحكم الفرعي على هذا المبحث ، يراجع شرائع الاسلام ، كتاب الاقرار ، ٣ / ١٤٩ ـ ١٥٢ ، «بتحقيقنا».

١٣٥

وإذا ورد عقيب الجمل (١) : اختص بالاخيرة (٢).

وقال الشافعي (٣) : يعود إلى الجميع.

وقال السيد المرتضى : بالاشتراك (٤).

لنا : أنه على خلاف الاصل ، فترك العمل به في الاخير لدفع محذور الهذرية ، وللقرب ، فيبقى الباقي على الاصل (٥).

__________________

١ ـ مثال قوله تعالى : «والذين يرمون المحصنات ، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ، فاجلدوهم ثمانين جلدة ، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ، واولئك هم الفاسقون ، الا الذين تابوا ...».

٢ ـ كما قالت الحنفية.

«منتهى الوصول : ص ٩٢»

٣ ـ محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي ، أبو عبد الله أحد الائمة الاربعة عند أهل السنة ، وإليه نسبة الشافعية كافة.

ولد في غزة «بفلسطين» ، سنة ١٥٠ ه‍ ، وتوفي في القاهرة سنة ٢٠٤ ه‍. له تصانيف كثيرة : أشهرها كتاب «الام ـ ط» في الفقه و «الرسالة ـ ط» في أصول الفقه.

«أعلام الزركلي : ٦ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ بتصرف واختصار»

٤ ـ أي : لا يتعين وضعه للجملة الاخيرة أو للكل ، بل هو لهما على سبيل الاشتراك ، لانه ورد استعماله على الوجهين ، والاستعمال يدل على الحقيقة.

والجواب : أن الاصل عدم الاشتراك ، وقد مر أن المجاز أولى منه.

«جمعا بين غاية البادي : ص ٥٧ وهوامش المسلماوي : ص ٣٣»

٥ ـ اختار المصنف مذهب أبي حنيفة ، واستدل عليه بأدلة ثلاثة :

١٣٦

ولان الاستثناء عقيب مثله ، يعود إليه دون المستثنى منه (١)

ولان الظاهر عدم الانتقال من الجملة قبل استيفائها (٢).

البحث السادس

في : الشرط والصفة والغاية

الشرط : ما يتوقف عليه تأثير المؤثر (٣).

وله صيغتان : إن ، ويختص بالمحتمل (٤) .. وإذا ، ويدخل

__________________

وتقرير الاول : أن الاستثناء على خلاف الاصل ، لان الاصل إجراء العام على عمومه ، خالفنا هذا الاصل في الجملة الاخيرة ، لئلا يكون الاستثناء هذرا ، ويبقى الباقي على أصله ، وخصصنا بالاخيرة ، لما ثبت في علم العربية اعتبار القرب ...

«غاية البادي : ص ٥٧ ـ ٥٨»

١ ـ أي : أن الاستثناء عقيب الاستثناء يرجع إلى المستثنى دون المستثنى منه ، إذا كان أقل منه ، كما تقدم.

فيجب أن يكون هاهنا أيضا كذلك ، قياسا عليه ودفعا للاشتراك.

«غاية البادي : ص ٥٨ بتصرف»

٢ ـ يعنى أن الانتقال من الجملة إلى الاخرى من دون الاستثناء ، يدل على تمام الجملة الاولى ، كما أن السكوت بعد الجملة يدل على تمامها.

«هوامش المسلماوي : ص ٣٣»

٣ ـ كما في منتهى الوصول : ص ٩٣.

٤ ـ كقول القائل : اكرمه إن أكرمك.

«منتهى الوصول : ص ٩٤ بتصرف»

١٣٧

عليه وعلى المتحقق (١).

وإذا تعقب الجمل (٢) : رجع إلى الجميع (٣).

وقيل : يختص بالاخيرة (٤).

والاولى : تقديمه لفظا ، وإن جاز تأخيره (٥).

__________________

١ ـ نحو : «فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف» ، فإن نفي الجناح عام ، لانه نكرة في سياق النفي ، ولكن هذا النفي مشروط بشرط ، هو تسليم ما آتوهن بالمعروف.

«أصول الفقه للخضري : ص ١٩٥»

٢ ـ لا يمتنع أن يجعل الشرط الواحد شرطا في اشياء كثيرة ، كما لا يمتنع أن يكون الشيء الواحد مشروطا بشروط كثيرة.

وذلك مثل قول القائل : من دخل داري وأكل طعامي وشرب شرابي فله درهم ، فإنه يستحق الدرهم إذا دخل الدار وأكل وشرب ، فأما بواحد منها فلا يستحق ذلك.

وكذلك يصح أن يقول : إن دخلت الدار فلك خلعة ودراهم وطعام فإنه متى دخل استحق لجميع ذلك.

فتارة يكون الشرط واحدا والمشروط اشياء ، وتارة يكون الشرط أشياء والمشروط واحدا ، وكل ذلك جائز.

«العدة : ١ / ١٢٨»

٣ ـ كما نقل عن الشافعي وأبي حنيفة.

«منتهى الوصول : ص ٩٤»

٤ ـ وقال بعض الادباء : انه يعود إلى ما يليه ، حتى انه لو قدم يعود أيضا إلى ما يليه.

«غاية البادي : ص ٦١»

٥ ـ وذهب النحويون : إلى أنه متى تأخر ، فالمراد به المتقدم ،

١٣٨

وأما الصفة (١) : فإن كانت عقيب جملة واحدة ، عادت إليها (٢). وإن كانت عقيب أكثر : فإن تعلقت إحديهما (٣) بالاخرى عادت إليهما معا ، وإلا فالاقرب عودها إلى الاخيرة

وأما الغاية : فهي نهاية الشيء.

وصيغتها : «حتى» (٤) و «إلى» (٥).

__________________

لان له صدر الكلام.

«العدة : ١ / ١٢٨»

١ ـ المقصود بالصفة هنا : ما يعم النعت وغيره ، فيشمل الحال والتمييز ونحوهما ، مما يصلح أن يكون قيدا لموضوع التكليف.

كما أنه يختص بما إذا كان متعمدا على موصوف ، فلا يشمل ما إذا كان الوصف نفسه موضوعا للحكم ، نحو «والسارق والسارقة فأقطعوا أيديهما» فإن مثل هذا يدخل في باب مفهوم اللقب.

والسر في ذلك : أن الدلالة على انتفاء الوصف ، لابد فيها من فرض موضوع ثابت للحكم ، يقيد بالوصف مرة ، ويتجرد عنه اخرى حتى يمكن فرض نفي الحكم عنه.

«أصول الفقه للمظفر : ١ / ١٢٠»

٢ ـ نحو : «فما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات» ، فالصفة : جعلت حكم المنطوق ، وهو اثبات الحل للفتيات المؤمنات.

«أصول الفقه للخضري : ص ١٩٦»

٣ ـ هكذا في المصورة : ص ٢٤ ، وهو المألوف قديما في كتابة مثل هاذه الكلمات ، ولكن الصحيح اليوم ، كتابتها بهذا الشكل «إحداهما»

٤ ـ نحو : «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه».

«أصول المظفر : ١ / ١٢٤»

٥ ـ نحو : «واتموا الصيام إلى الليل».

«أصول المظفر : ١ / ١٢٤»

١٣٩

والحكم فيما بعدها : مخالف لحكم ما قبلها ، إن كانت منفصلة بمنفصل محسوس ، وإلا فلا (١).

البحث السابع

في التخصيص بالادلة المنفصلة

أما التخصيص بالعقل :

فكقوله تعالى : «... خالق كل شيء» [١٣ / ١٧]. وقوله : «وأوتيت من كل شيء» [٢٧ / ٢٤].

__________________

١ ـ قال المصنف : إن الغاية إن كانت منفصلة عن ذي الغاية بمنفصل محسوس ، كقوله تعالى «ثم اتموا الصيام إلى الليل» ، وجب أن لا يدخل.

وإن لم تكن منفصلة كقوله تعالى : «فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق» ، وجب أن يدخل. لانه لما لم يكن المرفق منفصلا عن اليد بمفصل حسي ، لم يكن تعيين بعض المفاصل أولى من بعض ، فوجب دخوله لرفع التحكم.

«غاية البادي : ص ٦٢ ـ ٦٣»

هذا!! وقلنا أن المراد به أفعال نفسه ، لما دل الدليل على أن الواحد منا فاعل ومحدث.

فضلا عن أن العقل قاض ضرورة ، باستحالة كون القديم الواجب بذاته ، مخلوقا ومقدورا.

«جمعا بين العدة : ١ / ١٣٣ ، ومنتهى الوصول : ص ٩٤ بتصرف»

١٤٠