الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: عبد الحسين محمد علي البقال
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٧
وما (١)؟ ومن؟ (٢) ومتى (٣)؟ وأين؟ (٤)؟ في المجازاة (٥)
__________________
ولاجل هذا!! إذا قال : أي شيء عندك؟ يحسن أن يجاب بما يعقل وما لا يعقل.
إلا أنها لا تفيد الاستغراق ، كما تفيد من وما ، إلا أن يدل دليل على ذلك ، فيحكم له بحكم الاستغراق.
«العدة : ١ / ١٠٤»
١ ـ فيما لا يعقل ، إذا وقعت الموقع الذي ذكرناه ، من المجازاة والاستفهام.
ومتى كانت معرفة ، لم تكن مستغرقة كما قلناه في سواء.
ومن الناس من قال : إن «ما» يعم ما يعقل وما لا يعقل ، وهي أعم من من ، وذلك محكي عن قوم من النحويين.
«العدة : ١ / ١٠٤»
٢ ـ في جميع العقلاء ، إذا كانت نكرة ، في المجازاة والاستفهام. ومتى وقعت معرفة ، لم تكن للعموم ، وكانت بمعنى الذي ، وهي خاصة بلا خلاف.
«العدة : ١ / ١٠٣»
٣ ـ في الاوقات : لانها تجري في تناول جميع الاوقات ، مجرى من في تناولها لجميع العقلاء. وذلك!! نحو أن يقول القائل : متى جئتني جئتك؟ فإن ذلك ، لا يختص وقتا دون وقت ، بل يتناول جميع الاوقات.
«العدة : ١ / ١٠٤»
٤ ـ في المكان ، نحو قول القائل : أين زيد؟ يحسن أن يجيبه بذكر كل مكان ، فعلم أنه متناول له.
«العدة : ١ / ١٠٤»
٥ ـ المجازاة بضم الميم : مصدر يراد باصطلاحه أدوات الشرط الجازمه لفعلين ـ الشرط وجزاؤه ـ وهو كثيرا ما استعمل في لسان القدماء.
والاستفهام .. والنكرة في سياق النفي (١) ، والجمع المعرف باللام الجنسية (٢) والمضاف (٣).
لان قولنا : جاءني كل رجل ، يناقض قولنا ما جاءني كل رجل.
__________________
١ ـ نحو قول القائل : ما رأيت أحدا ، وما جاءني من أحد ، فإن ذلك يفيد الاستغراق.
ومثله : وقوعها في سياق النهي ، نحو لا تشتم أحدا.
«جمعا بين العدة : ١ / ١٠٤ ومبادئ اصول الفقه : ص ٦٠»
٢ ـ ومنها : اسماء الاجناس ، إذا دخلها الالف واللام ، ولم يرد بهما التعريف.
نحو قوله : «والعصر إن الانسان لفي خسر» ، ونحو قولهم : «أهلك الناس الدينار والدرهم» ، لان ذلك يفيد الجنس كله.
ومتى كان للتعريف ، كان مختصا بما عرف به ، نحو قول القائل : رأيت الانسان ، يشير به إلى إنسان معهود متقدم.
فأما ما كان خاليا من الالف واللام ، فإنه يفيد واحدا لا بعينه ، نحو قول القائل : رأيت رجلا وإنسانا ، وما يجري مجراه.
وهذا يسميه أهل اللغة : النكرة لانه لا يخصص واحدا من غيره.
«العدة : ١ / ١٠٤»
٣ ـ الجمع المضاف كقولك : عبيدي ، وعبيد زيد ، للاستغراق.
والحجة عليه : جواز الاستثناء ، نحو قول القائل : عبيد زيد صلحاء إلا خالدا.
«معارج الاصول : ص ٣٥ بتصرف»
والثاني : ما (١) يفيد العموم ، فوجب كون الاول مفيدا للعموم. لان السلب الجزئي إنما يناقضه الايجاب الكلي.
وكذا في ال «جميع».
وأما ألفاظ المجازاة والاستفهام : فلانها لو لم تفد العموم!! ..
لكانت : إما مفيدة للخصوص ، وهو باطل ، لحسن الجواب بذكر كل العقلاء.
وإما للعموم والخصوص معا : وهو باطل ، وإلا لما حسن الجواب إلا بعد الاستفهام عن جميع الاحتمالات الممكنة.
أو لا لواحد منهما : وهو باطل بالاجماع.
وأيضا : فإنه يصح استثناء أي عدد كان منها.
والاستثناء : إخراج ما لولاه لدخل ، وهو دليل عام في جميع ما ادعينا عمومه.
وأما النكرة المنفية : فإنها نقيض المثبتة ، وهي غير عامة في الاثبات ، فتعم في النفي.
وأما الجمع المعرف : فإنه يؤكد بما يفيد العموم ، والتأكيد تقوية ما يفيده المؤكد (٢).
__________________
١ ـ هنا!! ما : نافية بمعنى لا.
٢ ـ الجمع المعرف باللام : مشتقا كان أو غير مشتق.
إن كان معهودا ، انصرف إليه ، وإلا!! فهو للاستغراق ، خلافا لابي هاشم.
لنا : أنه يؤكد بما يقتضي العموم في ذلك ، نحو : قام القوم كلهم
وأما المضاف فللاستثناء (١).
البحث الثاني
في : ما ألحق بالعموم وليس منه
وهو ستة :
الاول :
الواحد المعرف بلام الجنس لا يفيد العموم ، لعموم إفادته في مثل : لبست الثوب وشربت الماء ، ولامتناع تأكيده (٢) ووصفه بما يفيده (٣).
__________________
ورأيت المشركين كلهم.
فلو لم يكن الاول للاستغراق ، لما كان الثاني تأكيدا.
«معارج الاصول : ص ٣٤ بتصرف»
١ ـ راجع التعليقة ٣ في صفحة ١٢٢.
٢ ـ بمؤكدات الاستغراق : نحو كل وجميع.
لانك لا تقول : رأيت الانسان كلهم ، ولا جاءني الكريم اجمعون.
«المعارج : ص ٣٥»
٣ ـ أي : بما يفيد العموم ، فإنك لا تقول : جاءني الرجل القضاة ، ولا العالم الفقهاء.
«المعارج : ص ٣٦ بتصرف»
الثاني :
الجمع المنكر لا يفيد العموم ، لانه يوصف بالاقل (١) ، نحو جاءني رجال ثلاثة وأربعة وخمسة ، والمفهوم قابل للتقسيم إلى هذه المراتب (٢) ، ومورد التقسيم مغاير لاقسامه وغير مستلزم لها (٣).
إذا عرفت هذا!! فنقول : أقل الجمع ثلاثة ، وقيل (٤) : إثنان.
__________________
١ ـ لانه يفسر بالقلة والكثرة : فيجب أن لا يحمل على أحدهما إلا لدلالة.
لكن أقل الجمع من ضروريات محتملاته ، فيجب أن يقتصر عليه ، إلا لدلالة زائدة.
«المعارج : ص ٣٦»
٢ ـ أي مفهوم الجمع المنكر : قابل للتقسيم ، إلى مراتب الاعداد ، أقلها وأكثرها.
«هوامش المسلماوي : ص ٢٩ بتصرف»
٣ ـ يعني : أن مورد التقسيم مشترك بين أقسامه ، ومغاير لكل واحد منها ، وغير مستلزم لها ، كاللفظ الدال على ذلك المورد ، ولا إشعار له بشيء منها البتة.
«المصدر السابق نفسه»
٤ ـ والقائل : القاضي أبو بكر ، وإمام الحرمين ، وأبو يوسف. واحتجوا بقوله تعالى : «وكنا لحكمهم شاهدين» ، أراد داود وسليمان ، ولقول النبي عليهالسلام : الاثنان فما فوقهما جماعة.
«هوامش المسلماوي : ص ٢٩ بتصرف»
لنا : أن أهل اللغة فرقوا بين الصيغتين وبين ضميريهما (١) ولعدم قبوله (٢) الوصف بالاثنين (٣).
الثالث :
قوله تعالى : «لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة» [٥٩ / ٢١] ، لا يقتضي نفي الاستواء في جميع الامور (٤) ، لان نفي الاستواء : أعم من نفيه من كل وجه ، ومن نفيه من وجه دون وجه ، ولا دلالة للعام على الخاص (٥).
__________________
١ ـ إن أهل اللغة : فرقوا بين التثنية والجمع ، وخصوا كل واحد منها بأمر لا يشركه فيه الآخر. فقالوا : التثنية تكون بالالف والنون والياء والنون ، والجمع يكون : بالواو والنون والياء والنون ، ويدل على ذلك أيضا : أنهم يقولون للاثنين افعلا ـ إذا أمروهما ـ ، والجماعة افعلوا.
«العدة : ١ / ١١٦ ـ ١١٧ بتصرف»
٢ ـ مرجع الضمير : الجمع ، كما في هامش المصورة : ص ٢١.
٣ ـ فإن السامع : إذا سمع المتكلم يقول : رأيت رجالا ، لا يفهم من ذلك ولا يسبق إلى قلبه إلا ثلاثة ، ولا يسبق إلى قلبه اثنان أصلا.
«العدة : ١ / ١١٧»
٤ ـ خلافا لبعض الشافعية ، لان المساواة تفيد الاستواء في جميع الصفات ، فنفي المساواة نفي لذلك المجموع ، ونفي المجموع من حيث هو كذلك ، يحصل بنفي بعضه ، فلا يلزم نفي المساواة من كل وجه.
«المعارج : ص ٣٧ ـ ٣٨»
٥ ـ بإحدى الدلالات الثلاث.
«غاية البادي : ص ١٣٦»
الرابع :
خطاب الرسول عليهالسلام (١) : في مثل قوله تعالى : «يا أيها النبي ...» (٢) ، لا يتناول الامة (٣) ، وقيل (٤) : يتناولهم
وهؤلاء!! إن زعموا أنه مستفاد من هذا اللفظ فهو خطأ فاحش ، وإن زعموا استفادته من دليل آخر فهو خروج عن هذه المسألة (٥).
__________________
١ ـ أي : في الخطاب الوارد من الله ، المتوجه إلى النيي ـ ع ـ.
«هوامش المسلماوي : ص ٢٩»
٢ ـ هذه الجملة وردت مطلعا لآيات عدة : منها الانفال ٨ / ٦٥ ، والتوبة ٩ / ٧٤.
٣ ـ إلا بدليل منفصل ، وهو مذهب الشافعية ، وهو الحق.
«هوامش المسلماوي : ص ٢٩»
٤ ـ والقائل : أبو حنيفة ، واحمد بن حنبل ، وأصحابهما.
«المصدر السابق نفسه»
٥ ـ قال المصنف : إن أرادوا : دخول الامة في الخطاب مستفاد من اللفظ ، فهو خطأ.
لان دلالة اللفظ على المعنى : إما أن يكون ذلك اللفظ موضوعا لذلك المعنى ، أو بأن يكون داخلا فيه ، أو يكون خارجا عنه لازما له.
وهذه الدلالات منفية.
أما الاولى : فظاهر ، لان الفرض أن اللفظ يختص به.
الخامس :
الصيغة المتناولة للذكور والاناث عامة فيهما ، إن لم يظهر فيه علامة ، كمن وأي.
للاجماع على عتق جميع الذكور والاناث من مماليكه ، عند قوله : من دخل داري فهو حر.
وأما إن ظهر فيه علامة ـ كقوله : قام ، قاما ، قاموا ، قامت ، قامتا ، قمن ـ فالمؤنث لا يتناول المذكر إجماعا.
وفي العكس خلاف (١) ، الاقرب أنه كذلك (٢) ،
__________________
وكذا الثاني والثالث : لان خطاب الامة ليس بداخل في مسمى اللفظ ولا بلازم له.
فإن أرادوا : أن ذلك مستفاد من دليل آخر ، كقوله تعالى : «وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» ، وأمثال ذلك.
فهو خروج عن المسألة ، لان الحكم حينئذ وجب بذلك الدليل المنفصل ، لا بالخطاب الموجبة إلى النبي «ص».
«غاية البادي : ص ١٣٧»
١ ـ أي : وإن لم يظهر فيه علامة خلاف ، فلا يدخل نحو النساء في نحو الرجال ، ولا العكس إتفاقا ، ويدخل الجميع في نحو الناس إتفاقا. واختلف في نحو المسلمين من جمع المذكر السالم ، ونحو فعلوا ، مما يغلب فيه المذكر. فالاكثر لا يدخل النساء ظاهرا. وقالت الحنابلة : شذوذا يدخل.
«منتهى الوصول : ص ٨٤ بتصرف»
٢ ـ فلا يتناول المؤنث.
لان الجمع تضعيف الواحد ، والواحد لا يتناول المؤنث ، فكذا الجمع.
السادس :
حكاية الحال لا تعم.
لان قولنا : فلان فعل ، يكفي في صدقه صدور الفعل عن الفاعل ، مرة.
البحث الثالث
في : التخصيص
وهو : إخراج بعض ما تناوله الخطاب عنه (١).
وهو : إما بمتصل ، أو منفصل.
فالاول : الاستثناء (٢) ، والشرط (٣) ، والصفة (٤) ،
__________________
١ ـ كما قال أبو الحسين ، نقلا عن منتهى الوصول : ص ٨٧.
٢ ـ مثل : جاء القوم إلا زيدا.
٣ ـ وهو ضربان : مؤكد ، كقوله : قم إن استطعت ، ومبين : كقوله اكرمه إن فعل.
«المعارج : ص ٤٠»
٤ ـ كقولك : اكرم الرجال الطوال.
«المعارج : ص ٤٠»
والغاية (١).
والثاني : عقلي (٢) وسمعي (٣).
والفرق بينه وبين النسخ : أنه لا يصح إلا في اللفظ ، والنسخ يصح فيما علم بالدليل إرادته .. ولان نسخ الشريعة بمثلها جائز ، بخلاف التخصيص .. ولان النسخ يجب فيه التراخي دون التخصيص.
والحق!! إن التخصيص جنس للنسخ ، والاستثناء ، وغيرهما.
ويصح إطلاق العام وإرادة الخاص ، في الخبر والامر ، كقوله تعالى : «الله خالق كل شيء» [١٣ / ١٧] ، وقوله : «فاقتلوا (٤) المشركين» [٩ / ٦].
__________________
١ ـ كقوله تعالى : «ولا تقربوهن حتى يطهرن».
«المعارج : ص ٤٠»
٢ ـ لانا نخرج الصبي والمجنون ، من قوله تعالى : «يا أيها الناس اعبدوا ربكم». هذا في حال كونهما كذلك ، وإن كانا عند البلوغ والعقل مخاطبين بالعبادة بتلك العبارة.
«المعارج : ص ٤٤»
٣ ـ سيأتي بيانه في البحث السابع من هذا الفصل.
٤ ـ هكذا في القرآن الكريم ، وفي المصورة : ص ٢٢ ، «اقتلوا» عارية عن الفاء ، الظاهر سببه النسخ أو الاختصار.
البحث الرابع
في : التمسك بالعام المخصوص
الحق!! أنه مجاز إن خص بمنفصل (١) ، عقليا كان أو نقليا (٢).
وحقيقة : إن كان متصلا.
ويجوز التمسك به : إن لم يكن التخصيص مجملا (٣) ،
__________________
١ ـ ذهب كثير من أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة ، إلى أن العموم مع الدليل الذي خص به ، حقيقة فيما عدا ما خص منه ، سواء كان ذلك الدليل ، لفظا ـ متصلا أو منفصلا ـ أو غير اللفظ.
وذهب أبو عبد الله البصري : إلى أنه إن كان ذلك الدليل لفظا متصلا ، من إستثناء وغيره ، كان حقيقة. فأما إذا لم يكن متصلا ، فإنه يصير مجازا.
وذهب أبو علي وأبو هاشم ومن تبعهما واكثر المتكلمين وباقي الفقهاء ، إلى أنه يصير مجازا بأي دليل خاص ، وهو الصحيح.
«العدة : ١ / ١٢٠»
٢ ـ العقلي : كالذي مر في هامش ٢ من الصحفة السابقة.
والنقلي : كتخصيص آية المواريث ، بقوله «ع» : «القاتل لا يرث»
«المعارج : ص ٤٤ ـ ٤٥ بتصرف»
٣ ـ المخصص : إما أن يكون مجملا وإما أن يكون مبينا.
وإلا فلا (١).
لان كونه حجة في بعض موارده ، لا يتوقف على كونه حجة في الاخرى ، وإلا دار أو لزم الترجيح من غير مرجح
فإذا خرج عن كونه حجة في بعض الموارد ، لم يزل عنه كونه حجة في الاخرين.
ولان أكثر العمومات مخصوصة ، مع إحتجاج العلماء كافة بها.
البحث الخامس
في : الاستثناء
وهو : إخراج بعض الجملة منها ، بلفظ «إلا» أو ما يقوم مقامها (٢) ، ويجب اتصالها بالمستثنى منه عادة (٣).
__________________
فالاول : كقول القائل : أحسن إلى الناس ، ويقول عقب ذلك : لا تحسن إلى بعضهم ، أو يقول هذا العام مخصوص.
والثاني : كقوله أحسن إلى الناس ، ويقول : لا تحسن إلا لمن يحسن إليك.
«أصول الخضري : ص ٢٠١»
١ ـ وهو من رأي المحقق أيضا ، كما في المعارج ص ٤٧ ، إلا أنه قيده بالاطلاق.
٢ ـ كما جاء في منتهى الوصول : ص ٨٩.
٣ ـ ولا يجوز إنفصاله عنه ، والذي يدل على صحة ما قلناه : أن
وهو قسمان : حقيقة ، وهو الاستثناء من الجنس .. ومجاز : وهو الاستثناء من غيره (١).
وشرطه : عدم الاستغراق ، ويجوز أن يكون المستثنى اكثر من الباقي (٢).
__________________
أهل اللغة ، لا يعدون ما انفصل عن الكلام استثناء.
«عدة الاصول : ١ / ١٢٣»
١ ـ من قبيل قولهم : ما في الدار أحد إلا وتد. وقول الشاعر : وبلدة ليس بها انيس إلا اليعافير وإلا العيس. ووتد ليس من أحد ، ولا اليعافير من جملة الانيس.
والذي يدل على ما قلناه : أنا قد بينا أن من حق الاستثناء أن يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته ، ونحن نعلم أن القائل لو قال ما في الدار أحد ولم يستثن ، لم يفهم من ذلك إلا نفي العقلاء ، ولا يفهم منه نفي الاوتاد.
فإذا قال الا وتد ، فينبغي أن لا يكون استثناء حقيقة ، ويكون مجازا ، لانه لم يدخل في الكلام الاول.
فكذلك لو قال : بلدة ليس لها أنيس وسكت ، لم يفهم من ذلك إلا أنه ليس بها إنسان ، ولم يفهم من ذلك أنه ليس بها بهائم.
فكذلك إذا قال إلا اليعافير وإلا العيس ، يجب أن يكون مجازا.
«العدة : ١ / ١٢٤ ـ ١٢٥ بتصرف»
٢ ـ الاستثناء المستغرق باطل بإتفاق. والاكثرون : على جواز المساوي والاكثر ، وقالت الحنابلة والقاضي في أحد قوليه : بمنعهما.
وإذا ورد عقيب الاثبات ، أفاد النفي إجماعا.
وإذا ورد عقيب النفي ، أفاد الاثبات ، خلافا لابي حنيفة (١).
لنا : لو لم يكن كذلك!! لم يكن قولنا : لا إله إلا الله ، موجبا لثبوت الالهية (٢) له تعالى ، وبالاجماع دل على تمام الاسلام به (٣).
وإذا تعدد الاستثناء (٤) : فإن كان بحرف عطف ، كان
__________________
وقال ابن درستويه والقاضي أيضا : بمنعه في الاكثر خاصة.
وقيل : إن كان العدد صريحا ، اعتبر الاكثر ، وإلا لم يعتبر.
وقيل : يمتنع في العقد الصحيح ، كمائة إلا عشرة. بخلاف خمسة.
«منتهى الوصول : ص ٩١»
١ ـ الاستثناء من الاثبات نفي بالاجماع ، كقوله تعالى : «فلبثت فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما». فيكون لبث خمسين عاما منتفيا.
وكذلك الاستثناء من النفي إثبات ، كقوله تعالى : «إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ، الا من اتبعك من الغاوين» ، فيكون سلطانه على الغاوين مثبتا ، خلافا لابي حنيفة.
«غاية البادي : ص ١٥٤ ـ ١٥٥»
٢ ـ هكذا في المصورة : ص ٢٣ ، ولا كن الصحيح اليوم إملائيا ، أن تكتب بهاذا الشكل : «ألالهية».
٣ ـ أي : دل إجماع المسلمين على تمام إسلام من قال «لا إله الا الله» ، بعد تمام هذي اللفظة.
«هوامش المسلماوي : ص ٣٢»
٤ ـ أي : إذا تعدد المستثنى مع اتحاد الجملة.
«غاية البادي : ص ٥٦ بتصرف»
الجميع راجعا إلى المستثنى منه (١).
وإن كان بغيره : فكذلك (٢) ، إن كان الثاني أكثر من الاول (٣) أو مساويا له (٤). وإلا!! عاد إلى الاول (٥) ، لقربه (٦).
__________________
١ ـ نحو قولك : لفلان علي عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة.
«هوامش المسلماوي : ص ٣٢»
٢ ـ أي : يعود إلى المستثنى منه ، لتعذر عوده إلى المستثنى.
«هوامش المسلماوي : ص ٣٢»
٣ ـ أي : إن كان المستثنى الثاني أكثر من المستثنى الاول ، نحو قولك : له علي عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة.
«هوامش المسلماوي : ص ٣٢ بتصرف»
٤ ـ نحو قولك : له علي عشرة الا ثلاثة الا ثلاثة
«هوامش المسلماوي : ص ٣٢»
٥ ـ أي : المستثنى الاول ، كما في هامش المصورة : ص ٢٤.
٦ ـ أي : وان لم تكن الاستثناءات متعاطفة ، أو يكون الآخر أقل من الاستثناء الاول ، فالعود إلى الاول ، لانه استثناء أقرب من الاستثناء الآخر ، وللقرب رجحان ، علم ذلك من استقراء كلام العرب.
اللهم الا إذا كان له قرينة ، دالة على رجوعه إلى المستثنى منه.
«هوامش المسلماوي : ص ٣٢»
وللتوسع!! وتطبيق الحكم الفرعي على هذا المبحث ، يراجع شرائع الاسلام ، كتاب الاقرار ، ٣ / ١٤٩ ـ ١٥٢ ، «بتحقيقنا».
وإذا ورد عقيب الجمل (١) : اختص بالاخيرة (٢).
وقال الشافعي (٣) : يعود إلى الجميع.
وقال السيد المرتضى : بالاشتراك (٤).
لنا : أنه على خلاف الاصل ، فترك العمل به في الاخير لدفع محذور الهذرية ، وللقرب ، فيبقى الباقي على الاصل (٥).
__________________
١ ـ مثال قوله تعالى : «والذين يرمون المحصنات ، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ، فاجلدوهم ثمانين جلدة ، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ، واولئك هم الفاسقون ، الا الذين تابوا ...».
٢ ـ كما قالت الحنفية.
«منتهى الوصول : ص ٩٢»
٣ ـ محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي ، أبو عبد الله أحد الائمة الاربعة عند أهل السنة ، وإليه نسبة الشافعية كافة.
ولد في غزة «بفلسطين» ، سنة ١٥٠ ه ، وتوفي في القاهرة سنة ٢٠٤ ه. له تصانيف كثيرة : أشهرها كتاب «الام ـ ط» في الفقه و «الرسالة ـ ط» في أصول الفقه.
«أعلام الزركلي : ٦ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ بتصرف واختصار»
٤ ـ أي : لا يتعين وضعه للجملة الاخيرة أو للكل ، بل هو لهما على سبيل الاشتراك ، لانه ورد استعماله على الوجهين ، والاستعمال يدل على الحقيقة.
والجواب : أن الاصل عدم الاشتراك ، وقد مر أن المجاز أولى منه.
«جمعا بين غاية البادي : ص ٥٧ وهوامش المسلماوي : ص ٣٣»
٥ ـ اختار المصنف مذهب أبي حنيفة ، واستدل عليه بأدلة ثلاثة :
ولان الاستثناء عقيب مثله ، يعود إليه دون المستثنى منه (١)
ولان الظاهر عدم الانتقال من الجملة قبل استيفائها (٢).
البحث السادس
في : الشرط والصفة والغاية
الشرط : ما يتوقف عليه تأثير المؤثر (٣).
وله صيغتان : إن ، ويختص بالمحتمل (٤) .. وإذا ، ويدخل
__________________
وتقرير الاول : أن الاستثناء على خلاف الاصل ، لان الاصل إجراء العام على عمومه ، خالفنا هذا الاصل في الجملة الاخيرة ، لئلا يكون الاستثناء هذرا ، ويبقى الباقي على أصله ، وخصصنا بالاخيرة ، لما ثبت في علم العربية اعتبار القرب ...
«غاية البادي : ص ٥٧ ـ ٥٨»
١ ـ أي : أن الاستثناء عقيب الاستثناء يرجع إلى المستثنى دون المستثنى منه ، إذا كان أقل منه ، كما تقدم.
فيجب أن يكون هاهنا أيضا كذلك ، قياسا عليه ودفعا للاشتراك.
«غاية البادي : ص ٥٨ بتصرف»
٢ ـ يعنى أن الانتقال من الجملة إلى الاخرى من دون الاستثناء ، يدل على تمام الجملة الاولى ، كما أن السكوت بعد الجملة يدل على تمامها.
«هوامش المسلماوي : ص ٣٣»
٣ ـ كما في منتهى الوصول : ص ٩٣.
٤ ـ كقول القائل : اكرمه إن أكرمك.
«منتهى الوصول : ص ٩٤ بتصرف»
عليه وعلى المتحقق (١).
وإذا تعقب الجمل (٢) : رجع إلى الجميع (٣).
وقيل : يختص بالاخيرة (٤).
والاولى : تقديمه لفظا ، وإن جاز تأخيره (٥).
__________________
١ ـ نحو : «فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف» ، فإن نفي الجناح عام ، لانه نكرة في سياق النفي ، ولكن هذا النفي مشروط بشرط ، هو تسليم ما آتوهن بالمعروف.
«أصول الفقه للخضري : ص ١٩٥»
٢ ـ لا يمتنع أن يجعل الشرط الواحد شرطا في اشياء كثيرة ، كما لا يمتنع أن يكون الشيء الواحد مشروطا بشروط كثيرة.
وذلك مثل قول القائل : من دخل داري وأكل طعامي وشرب شرابي فله درهم ، فإنه يستحق الدرهم إذا دخل الدار وأكل وشرب ، فأما بواحد منها فلا يستحق ذلك.
وكذلك يصح أن يقول : إن دخلت الدار فلك خلعة ودراهم وطعام فإنه متى دخل استحق لجميع ذلك.
فتارة يكون الشرط واحدا والمشروط اشياء ، وتارة يكون الشرط أشياء والمشروط واحدا ، وكل ذلك جائز.
«العدة : ١ / ١٢٨»
٣ ـ كما نقل عن الشافعي وأبي حنيفة.
«منتهى الوصول : ص ٩٤»
٤ ـ وقال بعض الادباء : انه يعود إلى ما يليه ، حتى انه لو قدم يعود أيضا إلى ما يليه.
«غاية البادي : ص ٦١»
٥ ـ وذهب النحويون : إلى أنه متى تأخر ، فالمراد به المتقدم ،
وأما الصفة (١) : فإن كانت عقيب جملة واحدة ، عادت إليها (٢). وإن كانت عقيب أكثر : فإن تعلقت إحديهما (٣) بالاخرى عادت إليهما معا ، وإلا فالاقرب عودها إلى الاخيرة
وأما الغاية : فهي نهاية الشيء.
وصيغتها : «حتى» (٤) و «إلى» (٥).
__________________
لان له صدر الكلام.
«العدة : ١ / ١٢٨»
١ ـ المقصود بالصفة هنا : ما يعم النعت وغيره ، فيشمل الحال والتمييز ونحوهما ، مما يصلح أن يكون قيدا لموضوع التكليف.
كما أنه يختص بما إذا كان متعمدا على موصوف ، فلا يشمل ما إذا كان الوصف نفسه موضوعا للحكم ، نحو «والسارق والسارقة فأقطعوا أيديهما» فإن مثل هذا يدخل في باب مفهوم اللقب.
والسر في ذلك : أن الدلالة على انتفاء الوصف ، لابد فيها من فرض موضوع ثابت للحكم ، يقيد بالوصف مرة ، ويتجرد عنه اخرى حتى يمكن فرض نفي الحكم عنه.
«أصول الفقه للمظفر : ١ / ١٢٠»
٢ ـ نحو : «فما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات» ، فالصفة : جعلت حكم المنطوق ، وهو اثبات الحل للفتيات المؤمنات.
«أصول الفقه للخضري : ص ١٩٦»
٣ ـ هكذا في المصورة : ص ٢٤ ، وهو المألوف قديما في كتابة مثل هاذه الكلمات ، ولكن الصحيح اليوم ، كتابتها بهذا الشكل «إحداهما»
٤ ـ نحو : «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه».
«أصول المظفر : ١ / ١٢٤»
٥ ـ نحو : «واتموا الصيام إلى الليل».
«أصول المظفر : ١ / ١٢٤»
والحكم فيما بعدها : مخالف لحكم ما قبلها ، إن كانت منفصلة بمنفصل محسوس ، وإلا فلا (١).
البحث السابع
في التخصيص بالادلة المنفصلة
أما التخصيص بالعقل :
فكقوله تعالى : «... خالق كل شيء» [١٣ / ١٧]. وقوله : «وأوتيت من كل شيء» [٢٧ / ٢٤].
__________________
١ ـ قال المصنف : إن الغاية إن كانت منفصلة عن ذي الغاية بمنفصل محسوس ، كقوله تعالى «ثم اتموا الصيام إلى الليل» ، وجب أن لا يدخل.
وإن لم تكن منفصلة كقوله تعالى : «فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق» ، وجب أن يدخل. لانه لما لم يكن المرفق منفصلا عن اليد بمفصل حسي ، لم يكن تعيين بعض المفاصل أولى من بعض ، فوجب دخوله لرفع التحكم.
«غاية البادي : ص ٦٢ ـ ٦٣»
هذا!! وقلنا أن المراد به أفعال نفسه ، لما دل الدليل على أن الواحد منا فاعل ومحدث.
فضلا عن أن العقل قاض ضرورة ، باستحالة كون القديم الواجب بذاته ، مخلوقا ومقدورا.
«جمعا بين العدة : ١ / ١٣٣ ، ومنتهى الوصول : ص ٩٤ بتصرف»