مبادئ الوصول الى علم الاصول

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

مبادئ الوصول الى علم الاصول

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبد الحسين محمد علي البقال
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٧

لدل التخصيص بالاسم ، على نفيه عما عداه ، والتالي باطل إتفاقا فكذا المقدم.

بيان الشرطية : أن المقتضي للنفي هناك (١) إنما هو ثبوت غرض في التخصيص (٢) ، وانتفاء الاغراض سوى النفي ، وهذا ثابت في الاسم (٣).

ولان التقييد (٤) : قد وجد من دون التخصيص ، كما في

__________________

١ ـ أي في صورة الصفة

«هوامش المسلماوي : ص ١٦»

٢ ـ بالذكر ، ولا غرض سوى نفي الحكم عن غيره.

«هوامش المسلماوي : ص ١٦»

٣ ـ بيان الملازمة : إن وجه الدلالة عند الخصم ، هو أن التخصيص يستدعي أن يكون لغرض ، وليس ما يصلح أن يكون غرضا إلا نفي الحكم عما عدا الموصوف ، وهذا المعنى بعينه حاصل في تقييد الحكم بالاسم ، فوجب أيضا أن يدل على نفي الحكم عمن ليس له ذلك الاسم.

«غاية البادي : ص ٨٣»

٤ ـ إن هذا التقييد تارة ورد مع عدم الحكم عن غير الموصوف وهو ظاهر ، وتارة ورد مع ثبوت الحكم لغير الموصوف.

كقوله تعالى : «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق» ، فإن الله تعالى خصص الحكم الذي هو تحريم قتل الاولاد لصفة خشية الاملاق ، مع أن الحكم ثابت وإن لم تكن تلك الصفة.

وكقوله تعالى في قتل الصيد : «ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم» فان الجزاء خصصه تعالى بتعميد القتل مع ثبوته عند عدمه.

«غاية البادي : ص ٨٣»

١٠١

قوله تعالى : «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق» [١٧ / ٣٢] ، «ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم» [٥ / ٩٦]

البحث السابع

في : الواجب المخير (١)

الامر بالاشياء على سبيل التخيير (٢) ، يقتضي وصف كل واحد منها بالوجوب.

وعلى معنى : أن المكلف لا يحل له الاخلال بالجميع ولا يجب عليه الاتيان بالجميع.

وأيها فعل كان واجبا بالاصالة ، والتعيين موكول إلى اختياره.

وإن فعل الجميع ، استحق الثواب على فعل امور ، كل واحد منها واجب مخير.

__________________

١ ـ الواجب التخييري : ما كان له عدل وبديل في عرضه ، ولم يتعلق به الطلب بخصوصه ، بل كان المطلوب هو أو غيره ، يتخير بينهما المكلف.

وهو : كالصوم الواجب في كفارة إفطار شهر رمضان عمدا ، فانه واجب ، ولكن يجوز تركه وتبديله ، بعتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا

«أصول المظفر : ١ / ٩١»

٢ ـ وهو المحكي عن أبي علي وأبي هاشم ، وإليه ذهب أصحابنا.

«عمدة الاصول : ١ / ٨٤»

١٠٢

وأما ما يقال (١) : من أن الواجب منها واحد ، غير معين عندنا ، وهو معين عند الله ، فهو باطل.

لان التعيين : يقتضي إيجاب ذلك المعين ، وعدم جواز تركه. وقد وقع الاتفاق على التخيير ، ومعناه جواز ترك كل واحد بشرط الاتيان بالآخر. وذلك تناقض.

البحث الثامن

في : الواجب الموسع

اعلم : أنه لا يجوز أن يكون وقت العبادة يقصر عن فعلها إلا أن يكون المقصود منه القضاء ، ويجوز أن يساويه اجماعا (٢).

والحق!! أنه يجوز أن يكون الوقت يفضل منه ، وهو الواجب الموسع (٣) ، وهو ثابت لقوله تعالى : «أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل» [١٧ / ٧٩].

__________________

١ ـ هذا المذهب ينقله كل واحد من الفريقين الاشاعرة والمعتزلة عن الآخر ويبطلونه والله أعلم بقائله

«غاية البادي ص ٨٦ بتصرف»

٢ ـ كالصوم ، كما في هامش المصورة : ص ١٣.

٣ ـ لان فيه توسعة على المكلف ، في أول الوقت وفي أثنائه وآخره ، كالصلاة اليومية وصلاة الآيات.

فانه لا يجوز تركه في جميع الوقت ، ويكتفي بفعله مرة واحدة ، في ضمن الوقت المحدد له.

«اصول المظفر : ١ / ٩٥»

١٠٣

وتخصيص آخر الوقت بالوجوب أو أوله ـ كما ذهب اليهما من لا تحقيق له (١) ـ ترجيح من غير مرجح.

واعلم : أن هذا الواجب في الحقيقة ، يرجع إلى الواجب المخير ، فكأن الشارع قال له : افعل إما في أول الوقت أو وسطه أو آخره.

وإذا لم يبق من الوقت إلا قدر فعله ، تعين عليه لا محالة ، وحرم تركه.

واعلم : أن السيد المرتضى (٢) ـ ره ـ : أوجب العزم (٣)

__________________

١ ـ بل : والكل وقت للاول ، لا أوله وبعده قضاء ، كبعض الشافعية.

ولا آخره ، وقبله نفل ، كبعض الحنفية.

ولا هو مراعى ، كالكرخي.

«زبدة الاصول ص : ٤٦ ـ ٤٧ بتصرف»

٢ ـ علي بن الحسين الموسوي : الملقب ذا المجدين علم الهدى ، ينتهي نسبه من جهة أبيه بالامام موسى بن جعفر «ع» ، ومن جهة امه بالامام زين العابدين. كان اوحد اهل زمانه فضلا وعلما وكلاما وحديثا وشعرا وخطابة وجاها وكرما. ولد في رجب سنة ٣٥٥ ه‍. له مصنفات كثيرة منها الذريعة في الاصول. وكانت وفاته قدس الله روحه : لخمس بقين من شهر ربيع الاول ، سنة ٤٣٦ ه‍.

«روضات الجنات ٣٧٤ ـ ٣٧٥ بتصرف واختصار»

٣ ـ بمعنى أنه : «يجب عليه الفعل في أول الوقت ، فمتى لم يفعل وجب عليه العزم على فعله في آخره.

والقول بالعزم : من رأي «الشيخ والمرتضى رضي الله عنهما ، ووافقهما

١٠٤

لينفصل من المندوب (١).

وعلى الوجه الذي لخصناه ـ من أنه راجع إلى الواجب المخير ـ ، إنفصل عن المندوب ، ولا حاجة إلى العزم.

البحث التاسع

في : الواجب على الكفاية

إذا تعلق غرض الشارع : بتحصيل الفعل من الجماعة ، لا على سبيل الجمع ، كان واجبا على كل واحد ، ويسقط عنه بفعل غيره (٢).

__________________

ابن زهرة وابن البراج» ، وهو «مذهب القاضي الباقلاني من العامة» ، خلافا «للمحقق والعلامة واتباعهما».

«جمعا بين عدة الاصول : ١ / ٨٨ ، وزبدة الاصول ـ هامشا ومتنا ـ : ص ٤٧ ـ ٤٨»

١ ـ احتج المرتضى : بأنه لو لا العزم ، لم يبق فرق بينه وبين المندوب لاشتراكهما في الترك.

والجواب : كما ذكره المصنف نفسه. «هوامش المسلماوي : ص ٩ بتصرف»

٢ ـ يقول المظفر : «إن الواجب العيني : ما يتعلق بكل مكلف ولا يسقط بفعل الغير».

ويقابله الواجب الكفائي ، وهو : المطلوب فيه وجوب الفعل من أي مكلف كان ، فهو يجب على جميع المكلفين ، ولكن يكتفى بفعل بعضهم ، فيسقط عن الآخرين ، ولا يستحق العقاب بتركه.

نعم ، إذا تركوه جميعا ، من دون أن يقوم به واحد ، فالجميع

١٠٥

فإن ظن جماعة فعل غيرهم له ، سقط عنهم ، وإلا فلا.

ولو ظن كل طائفة قيام غيرهم به ، يسقط عن الجميع.

البحث العاشر

في : وجوب ما يتوقف عليه الواجب المطلق

الواجب : قسمان (١) ، مطلق : كالصلاة ، ومقيد : كالزكاة.

فالثاني : لا يستلزم وجوب ما يتوقف عليه من القيد.

والاول : يستلزم وجوب ما لا يتم إلا به ، إذا كان مقدورا

__________________

منهم يستحقون العقاب.

كما يستحق الثواب ، كل من اشترك في فعله.

وأمثلة الواجب الكفائي كثيرة في الشريعة : منها تجهيز الميت والصلاة عليه ، ومنها إنقاذ الغريق ونحوه من التهلكة ، ومنها ازالة النجاسة عن المسجد ، ومنها الحرف والمهن والصناعات التي بها نظام معايش الناس. ومنها طلب الاجتهاد ، ومنها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

«أصول المظفر : ١ / ٩٣»

١ ـ أحدهما : ما يكون وجوبه مشروطا بأمر زائد على الامور المعتبرة في التكليف ، كالزكاة المتوقف وجوبها على حصول المال ، والحج المتوقف وجوبه على الاستطاعة.

وثانيهما : ما لا يكون كذلك ، وهو الواجب المطلق ، كالصلاة الواجبة في حال الطهارة والحدث ، إلا أن وقوعها مشروط بالطهارة.

«هوامش المسلماوي : ص ٢٠»

١٠٦

لان الامر ورد مطلقا ، فلو لم تجب المقدمة ، لكان الفعل واجبا ، حال عدمها (١) ، وهو تكليف ما لا يطاق.

البحث الحادى عشر

في : أن الامر بالشيء يستلزم النهي عن ضده

قد بينا : أن الامر يستلزم الوجوب ، ولا بد في الوجوب من المنع من الترك.

فالامر : يستلزم النهي عن الترك ، وليس هو نفسه ، كما ذهب إليه من لا تحصيل له (٢).

__________________

١ ـ مرجع الضمير : المقدمة.

٢ ـ وهو القاضي أبو بكر في أحد قوليه.

قال القاضي إبو بكر في قوله الآخر : إن الامر بالشيء عين النهي عن ضده ، لان طلب السكون ، عين طلب ترك الحركة.

فهو طلب واحد ، بالنسبة إلى السكون أمر ، وبالنسبة إلى ترك الحركة نهي.

وأجيب عنه : بالمنع من الاتحاد. لان الحركة والسكون شيئان وجوديان وعدم أحدهما ليس هو وجود الآخر.

«هوامش المسلماوي : ص ٢٠»

١٠٧

البحث الثاني عشر

في : أنه إذا نسخ الوجوب بقي الجواز

والدليل عليه : أن الوجوب ماهية مركبة ، من الاذن في الفعل ، والمنع من الترك.

ورفع المركب ، لا يستلزم رفع جزئيه معا ، بل أحدهما لا بعينه.

وإنما قلنا : ببقاء الجواز ، لوجود اللفظ الدال عليه ، وهو الامر.

البحث الثالث عشر

في : امتناع التكليف بالمحال

تكليف ما لا يطاق : قبيح بالضرورة (٢) ، والله تعالى لا يفعل لحكمته ، فاستحال منه وقوع التكليف بالمحال.

__________________

١ ـ لان العقل يحكم : بأن القبيح إنما يفعل لاحد الشيئين ، إما للجهل إو لاجل الاحتياج إليه ، والله تعالى منزه عنها. لكونه عالما بالذات غنيا بالاطلاق.

«غاية البادي : ص ٩٨»

١٠٨

ونزاع الاشعرية (١) في ذلك : باطل ، وقد بيناه في كتبنا الكلامية.

ومن هذا الباب : تكليف المكره ، إن بلغ الاكراه إلى حد الالجاء (٢) وإلا كان جائزا.

البحث الرابع عشر

في : أن التكليف بالفروع لا يتوقف على الايمان

ذهبت الحنفية (٣) إلى أن الكفار غير مخاطبين بفروع

__________________

١ ـ الاشاعرة والاشعرية : نسبة تمثل رواد مذهب كلامي ، في أصول الدين مؤسسه : أبو الحسن علي بن اسماعيل الاشعري ، في أواخر القرن الرابع الهجري. ومن جملة مبادئه : أن الباري عالم بعلم ، قادر بقدرة ، حي بحياة ، مريد بإرادة ، متكلم بكلام ، سميع بسمع ، بصير ببصر. ومن أبرز أقطابه : القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ، وأبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني ، وأبو إسحاق ابراهيم بن محمد الاسفراييني ، وأبو الحسن مقاتل بن سليمان الخراساني.

الملل والنحل : ١ / ١٢٧ ـ ١٤٥ ، والابانة عن اصول الدين : ١ / ١ ـ ١٧ ومقالات الاسلاميين : ١ / ١ ـ ٦٨٨.

٢ ـ وهو الذي لا يبقى معه قدرة واختيار للشخص.

«هوامش المسلماوي : ص ٢١»

٣ ـ الحنفية : نسبة تمثل رواد مدرسة فقهية ، في فروع الدين ، تعتمد الراي في استنباط أحكامها مؤسسها أبو حنيفة في مطلع النصف الثاني

١٠٩

العبادات (١).

وهو خطأ : لقيام المقتضي (٢) ، وهو الامر مع إنتفاء المانع ، إذ المانع عندهم هو الكفر لا غير ، وهو لا يصلح للمانعية.

لان الكافر : يتمكن من الايمان (٣) ، حتى يتمكن من الاتيان بالفروع.

ولانه تعالى يعاقبهم على ذلك لقوله تعالى : «ما سلككم في سقر ، قالوا لم نك من المصلين» [٧٤ / ٤٢].

احتجوا (٤) : بأنه حال الكفر لا يصح منه ، وبعده يسقط

__________________

من القرن الثاني الهجري. ومن جملة أعلامها : أبو يوسف ، والشيباني كما وشاع مذهبهم خاصة : في الشرق الادنى ، وفي آسيا الوسطي ، والهند روضات الجنات : ص ٧٣٢ ، المنجد : ص ١٦٨ وغيرهما من المصادر

١ ـ كالصلاة والزكاة سواء كان مأمورا به ، أو منهيا عنه.

وانما قيده بفروع العبادات ، لان الكفار مخاطبون باصول العبادات كالايمان بلا خلاف.

وإنما قلنا : سواء كان مأمورا به أو منهيا عنه ، لان بعضهم ذهب إلى أنهم مكلفون بالنواهي دون الاوامر ، بخلاف الحنفية ، فإنهم يقولون أنهم غير مكلفين مطلقا.

«هوامش المسلماوي : ص ٢١»

٢ ـ لوجوب هذه العبادات.

«هوامش المسلماوي : ص ٢٢»

٣ ـ أي من إزالة المانع باختيار الايمان ، كالمحدث : فإنه يتمكن من الصلاة بإزالة المانع ، وهو الحدث.

«هوامش المسلماوي : ص ٢٢»

٤ ـ أي الحنفية : على أن الكفار غير مخاطبين ...

«هوامش المسلماوي : ص ٢٢»

١١٠

عنه (١).

والجواب : أن المراد بالوجوب هنا (٢) ، مؤاخذتهم على تركها في الآخرة ، مع استمرار كفرهم (٣).

البحث الخامس عشر

في : أن الامر يقتضي الاجزاء

الحق!! ذلك.

والمراد بالاجزاء : خروجه عن عهدة التكليف ، بفعل المأمور به على وجهه.

لانه لولا ذلك : لكان الامر إما أن يتناول عين ما فعل فيلزم تحصيل الحاصل ، أو غيره ، فلا يكون المأتي به تمام ما أمر به ، والتقدير خلافه.

وذهب أبو هاشم : إلى أنه لا يقتضيه (٤) ، لان الحج الفاسد

__________________

١ ـ أي عن الكافر : جميع التكاليف السابقة ، بالاجماع.

«هوامش المسلماوي : ص ٢٢»

٢ ـ أي في قولنا : أن الفروع واجبة على الكفار.

«هوامش المسلماوي : ص ٢٢»

٣ ـ وعدم صحة الامتثال حال كفرهم ، لا ينافي الوجوب بالمعنى المذكور.

«هوامش المسلماوي : ص ٢٢ بتصرف»

٤ ـ مرجع الضمير : الاجزاء.

١١١

مأمور به ، ولا يجزئ.

والجواب عنه : أنه مجز بالنسبة إلى الامر الوارد به (١). وغير مجز بالنسبة إلى الامر الاول.

البحث السادس عشر

في : أن الاخلال هل يقتضي وجوب القضاء

الحق!! إن الامر إن كان مقيدا بوقت ولم يفعل فيه ، لا يقتضي وجوب القضاء ، وإنما يجب القضاء بأمر جديد (٢).

__________________

١ ـ مرجع الضمير : ثانيا ، كما في هامش المصورة : ص ١٦.

٢ ـ والذي يدل على ذلك : هو أن الامر ، إذا كان معلقا بوقت دل على أن ايقاعه في ذلك الوقت مصلحة.

فمتى لم يفعل في ذلك الوقت ، فمن أين يعلم أنه مصلحة في وقت آخر؟ ويحتاج في العلم بذلك إلى دليل آخر؟

وعلى هذا قلنا : أن القضاء فرض ثان يحتاج إلى دليل آخر ، غير الدليل الذي دل على وجوب المقتضي.

وليس لاحد أن يقول : أن الامر يدل على وجوب المأمور به ، وأنه مصلحة ، وليس للاوقات تأثير في ذلك ، فينبغي أن يكون ايقاعه مصلحة أي وقت شاء.

وذلك : أنه لا يمتنع أن يكون للاوقات تأثير في كون الفعل مصلحة فيه ، حتى إذا فعل في غيره كان مفسدة.

والذي يكشف عن ذلك : أن صلاة الجمعة لا خلاف أنها مصلحة ،

١١٢

لان الامر الاول : لا يتناول ما عدا وقته ، فلا يدل عليه

ولان أوامر الشرع : تارة يستعقب القضاء ، وتارة لا يستعقبه (١).

فدل على أن مجرد الامر الاول ، غير كاف في القضاء.

البحث السابع عشر

الامر بالامر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء

لان قوله عليه‌السلام : «مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع» (٢) لا يقتضي الوجوب.

والامر بالماهية الكلية ، ليس أمرا بشيء من جزئياتها ، لان الكلي مغاير للجزئي ، وغير مستلزم له.

__________________

وواجبة في وقت معين ، ومن لم يفعلها فإنها تسقط عنه ، لا يجوز له فعلها في وقت آخر.

«عدة الاصول : ١ / ٨١»

١ ـ كصلاة الجنازة ، كما في هامش المصورة : ص ١٧.

٢ ـ سنن ابن داود : ك ٢ ب ٢٦ ص ١١٥ ، ومصادر أخر مذكورة في الوسائل : ١ / ١٧١.

١١٣

البحث الثامن عشر

في : أن المعدوم غير مأمور

الاشاعرة : خالفت سائر العقلاء في ذلك.

والدليل عليه : أن الامر من غير مأمور عبث.

وهو قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح.

والنبي عليه‌السلام : غير آمر لنا حقيقة ، بل هو مخبر عن الله تعالى ، بأنه يأمر كل واحد بما جاء به ، حال وجوده.

وكذلك الغافل غير مأمور : لان تكليف من لا يعلم الخطاب ـ حال التكليف ـ ، تكليف بما لا يطاق.

ولقوله عليه‌السلام : «رفع القلم عن ثلاث ...» (١) ، الحديث.

البحث التاسع عشر

في : ما يجب على المأمور

يجب على المأمور قصد الطاعة : لقوله تعالى : «وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين» [٩٨ / ٦].

__________________

١ ـ الجامع الصغير : ٢ / ٢٤ ، وكشف الخفاء : ١ / ٤٣٤.

١١٤

ولقوله عليه‌السلام : «إنما الاعمال بالنيات ...» (١).

وهذا حكم واجب في كل عبادة ، سوى شيئين : النظر المعرف للوجوب ، وإرادة الطاعة (٢).

البحث العشرون

في : وقت تعلق الامر

المأمور : يصير مأمورا قبل الفعل ، لان القدرة شرط الامر وهي إنما تتحقق قبل الفعل ، لان الفعل حال وجوده واجب ، فلا قدرة عليه ، فلا يتعلق به أمر.

وعند الاشاعرة : أنه مأمور حال الفعل ، لانه (٣) حال القدرة. وقد بينا فساده في علم الكلام.

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ك ١ ب ١ ص ٤ ، ومصادر أخر مذكورة في مفتاح كنوز السنة : ص ٥١٢.

٢ ـ فإن إيقاعه على وجه الطاعة غير ممكن ، لان فاعله لا يعرف وجوبه عليه ، ولا كونه مأمورا به ، إلا بعد اتيانه به.

وهذا يأتي على رأي الاشاعرة ، القائلين بوجوبه شرعا.

أما نحن والمعتزلة فلا ، لان وجوب النظر عندنا عقلي ، غير مستفاد من الامر.

«هوامش المسلماوي : ص ٢٥»

٣ ـ مرجع الضمير : حال الفعل ، كما في هامش المصورة : ص ١٨.

١١٥

البحث الحادى والعشرون

في : النهي

الخلاف في أن النهي يقتضي التحريم ، كالخلاف في أن الامر يقتضي الوجوب.

والحق!! أنه يقتضيه (١).

لقوله تعالى : «وما نهاكم عنه فانتهوا» ، [٥٩ / ٨] ووجوب الانتهاء يستدعي تحريم المنهي عنه ، وفي اقتضائه التكرار كما قلنا في الامر.

وهل يجوز أن يكون الشيء الواحد : مأمورا به منهيا عنه؟ كالصلاة في الدار المغصوبة.

الوجه : عدم الجواز ، لان كونه مأمورا به يستلزم نفي الحرج ، وكونه منهيا عنه يستلزم ثبوت الحرج.

والجمع بينهما محال : فإن شغل الحيز ، جزء من ماهية الصلاة ، وهو منهي عنه.

والامر بالصلاة أمر بأجزائها.

فيلزم الامر بذلك : الشغل والنهي عنه ، وهو محال.

__________________

١ ـ مرجع الضمير : التحريم.

١١٦

البحث الثاني والعشرون

في : أن النهي هل يتقضي الفساد

الحق!! أنه يقتضي الفساد ، في العبادات لا في المعاملات

أما الأول : فلانه لم يأت بالمأمور به ، فيبقى في عهدة التكليف

وأما الثاني : فلامكان النهي عن البيع (١) ، مع وقوع الملك به ، كما في وقت النداء (٢).

ولا ينتقض بالعبادات : لان الفساد هناك معناه عدم الاجزاء (٣) ،

__________________

١ ـ والدليل على أن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات : إن الدلالة اما لفظية وإما معنوية ، وكلتاهما منتفيتان ، أما الاولى : فلان النهي لا يدل من حيث اللفظ ، إلا على المنع من الفعل ، منعا مانعا من النقيض ، وهذا المفهوم غير مفهوم الفساد ، وأما الثانية : فلان المراد من الدلالة أن يكون لمسمى اللفظ لازم ، يلزم من فهمه فهم ذلك اللازم وليس مفهوم الفساد لازما لمسمى النهي.

«غاية البادي : ص ١٢٠ ـ ١٢١»

٢ ـ أي وقت نداء الجمعة : فإن البيع هذا الوقت منهي عنه ، لقوله تعالى : «إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع»

«هوامش المسلماوي : ص ٢٦»

٣ ـ أي عدم موافقتها لامر الشارع.

«المصدر السابق نفسه»

١١٧

وهنا!! معناه عدم ترتب حكمه (١) عليه (٢) ، ومع اختلاف التفسير لا يتم النقض.

واعلم : أن النهي كما لا يدل على الفساد في التصرفات ، كذا لا يدل على الصحة (٣).

__________________

١ ـ مرجع الضمير : الفساد ، كما في هامش المصورة ص ١٩.

٢ ـ ومن أحكام الفساد : انه لا يجوز التصرف في المبيع بالبيع الفاسد

«هامش المصورة : ص ١٩»

٣ ـ اعلم : أن النهي كما لا يدل على الفساد في المعاملات ، كذلك لا يدل على الصحة ، بعين المذكورة ، وإن استفيد الصحة ، استفيد من دليل خارجي.

«غاية البادي : ص ١٢١»

١١٨

الفصل الرابع

في : العموم والخصوص

وفيه : مباحث

١١٩

الاول

في : العام والخاص

العام : هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له (١) ، بحسب وضع واحد (٢).

والمطلق : هو اللفظ الدال على الحقيقة ، من حيث هي هي من غير أن يكون فيه دلالة ، على شيء من القيود (٣).

وصيغ العموم : كل (٤) .. وأي (٥)؟ ..

__________________

١ ـ كما قال أبو الحسين ، نقلا عن منتهى الوصول : ص ٧٤.

٢ ـ احترز عن المشتركة : فإنه بحسب الوضع الواحد ، لا يكون مستغرقا لمفهوماته ، فلا يكون عاما

«هوامش المسلماوي : ص ٢٧»

٣ ـ من الوحدة والتكرار.

«المصدر السابق نفسه»

٤ ـ لفظ كل : إذا دخلت في الكلام ، فإنها تفيد الاستغراق ، سواء دخلت للتأكيد أم لغير ذلك.

أما ما يدخل للتأكيد ، نحو قول القائل : رأيت الرجال كلهم ، فإن ذلك يفيد الاستغراق.

وما يدخل لغير التأكيد ، نحو قول القائل : كل رجل جاءني اكرمته ، وكل عبد لي فهو حر.

وعلى هذا قوله تعالى : «كل ما القي فيها فوج سألهم خزنتها ...»

«العدة : ١ / ١٠٥ بتصرف»

٥ ـ فإنها تستغرق ما يعقل وما لا يعقل ، وهي أعم من اللفظتين معا.

١٢٠