بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٨٦
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

أنا ، ونعم الربُّ أنت وبئس المربوب أنا ، ونعم المولى أنت وبئس المملوك أنا قد أذنبت فعفوت عن ذنوبي ، واجترمت فصفحت عن جرمي ، وأخطأت فلم تؤاخذني وتعمّدت فتجاوزت عنّي وعثرت فأقلتني ، وأسأت فتأنّيتني ، فأنا الظالم الخاطىء المسيىء المعترف بذنبي المقرُّ بخطيئتي يا غفّار الذنوب .

أستغفرك اليوم لذنبي ، وأستقيلك عثرتي لما كنت فيه من الزَّهو والاستطالة فرضيت بما إليه صيّرتني ، وإن كان الضرُّ قد مسّني والفقرُ قد أذلّني والبلاء قد جائني ، وإنَّ ذلك من سخط منك عليَّ فأعوذ برضاك من سخطك يا سيّدي وإن كنت أردت أن تبلوني فقد عرفت ضعفي ، وقلّة حيلتي ، إذ قلت « إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا » وقلت « فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ » وقلت « إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ » وقلت « وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ » [ وقلت ] « وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ » وقلت « وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا » .

صدقت وبررت يا سيّدي ، فهذه صفاتي الّتي أعرفها من نفسي ، فقد مضى تقديرك فيَّ يا مولاي ، ووعدتني من نفسك وعداً حسناً أن أدعوك فتستجيب لي وأنا أدعوك كما أمرتني فاستجب لي كما وعدتني ، وواردد عليَّ نعمتك ، وانقلني ممّا أنا فيه إلى ما هو أفضل منه حتّى أبلغ فيما أنا فيه رضاك ، وأنال به ما عندك ، ممّا أعددته لأوليائك ، إنّك سميع عليم .

٤٤ ـ ومن ذلك : دعاء عظيم الشأن وجدته مرويّاً عن مولانا الصّادق صلوات الله عليه بسم الله الرحمن الرَّحيم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تطّلعوا هذا الدعاء والتسبيح إلّا من اجتمعت فيه خمسة خصال : الهدى ، والتقي ، والورع ، والصيانة ، والزهد ولا تعلّموها سفهاءكم إنّه من قال في عمره هذا الدعاء مرَّة واحدة ، كان له ثواب

٤٤١
 &

من خلق الله من الملائكة ، وبني آدم والجنّ والانس ، وسكّان البحار والجنّة والنار ، والعرش والكرسيّ وما فيهنَّ ، والأرض وما فيها وما عليها ، وكان في أمان الله عزَّ وجلَّ إلى أن يلقاه الله ، فان زاد على مرَّة فقد انقطع علم أهل السّماوات والأرض من الجنّ والانس على وصف ثواب ذلك ، فان قالها كلَّ جمعة مرَّة كتب عند الله من الاٰمنين الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فان قال ذلك في كلِّ يوم مرَّة مشى على الأرض مغفوراً له ، وهو هذا :

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم لا إله إلّا الله ، ثمَّ لا إله إلّا الله بما هلّل الله به نفسه ، ولا إله إلّا الله بما هلّله به خلقه ، ولا إله إلّا الله والله أكبر بما كبّره به خلقه ، وسبحان الله بما سبّحه به خلقه ، والحمد لله بما حمده به عرشه ومن تحته ولا إله إلّا الله بما هلّله به عرشه ومن تحته والله أكبر بما كبّره به عرشه ومن تحته وسبحان الله بما سبّحه به عرشه ومن تحته .

والحمد لله بما حمده سماواته وأرضه ومن فيهنّ ، والله أكبر بما كبّره به سماواته وأرضه ومن فيهنّ ، وسبحان الله بما سبّحه به ملائكته [ والله أكبر بما كبّره به ملائكته ] .

والحمد لله بما حمده به عرشه ، والله أكبر بما كبّره به كرسيّه وأحاط به علمه ، والحمد لله بما حمده به بحاره وما فيهنَّ ولا إله إلّا الله بما هلّله به بحاره وما فيها ، والله أكبر بما كبّره به بحاره وما فيها .

والحمد لله بما حمده به الاٰخرة والدنيا وما فيها ، ولا إله إلّا الله بما هلّله به الاخرة والدنيا وما فيها ، والله أكبر بما كبّره به الاٰخرة والدنيا وما فيها ، وسبحان الله بما سبّحه به أهل الاٰخرة والدنيا وما فيها .

والحمد لله مبلغ رضاه وزنة عرشه ومنتهى رضاه وما لا يعدله ، والحمد لله قبل كلِّ شيء ، ومع كلِّ شيء ، وعدد كلِّ شيء ، وسبحان الله قبل كلِّ شيءِ ، ومع كلِّ شيء ، و عدد كلِّ شيء ، والحمد لله عدد آياته وأسمائه وملاء جنّته وناره ، لا إله إلّا الله عدد آياته وأسمائه وملاء جنّته وناره [ والله أكبر عدد آياته وأسمائه وملاء جنّته وناره ] .

٤٤٢
 &

والحمد لله جملة لا تحصى بعدد ولا بقوَّة ولا بحساب ، وسبحان الله والله أكبر جملة لا تحصى بعدد ولا بقوَّة ولا بحساب ، والحمد لله عدد النجوم والمياه والأشجار والشعر ، ولا إله إلّا الله عدد النجوم والمياه والشعر ، والحمد لله عدد الحصى والنوى والتراب والجنّ والانس ، والله أكبر عدد الحصى والنوى والتراب والجنّ والإنس ، سبحان الله عدد الحصى والنوى والتراب والجنّ والانس .

والحمد لله حمداً لا يكون بعده في علمه حمد ، ولا إله إلّا الله تهليلاً لا يكون بعده في علمه ، تهليل ، والله أكبر تكبيراً لا يكون بعده في علمه تكبير ، وسبحان الله تسبيحاً لا يكون بعده في علمه تسبيح .

والحمد لله أبدا لأبد ، وبعد الأبد ، وقبل الأبد ، والله اكبر أبد الأبد ، وبعد الأبد ، وقبل الأبد ، سبحان الله أبد الأبد وبعد الأبد ، وقبل الأبد ، والحمد لله عد هذا وأضعافه وأمثاله وذلك لله قيل ، [ والله أكبر عدد هذا وأضعافه وأمثاله وذلك لله قليل ] ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله عدد هذا كلّه ، وأستغفر الله الّذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم عدد هذا كلّه ، وأتوب إلى الله من كلِّ خطيئة ارتكبتها ومن كلِّ ذنب عملته ، ولكلِّ فاحِشة سبقت منّي عدد هذا كلّه ومنتها علمه ورضاه .

يا الله المعين الخالق العليم العزيز الجبّار المتكبّر ، سبحان الله عمّا يشركون يا الله الجميل الجليل ، يا الله الربُّ الكريم ، يا الله المبدىء المعيد ، يا الله الواسع العليم يا الله الحنّان المنّان ، يا الله العليم القديم ، يا الله العظيم الكريم ، يا الله اللطيف الخبير يا الله العظيم الجليل ، يا الله القويُّ الأمين ، يا الله الغنيّ الحميد ، يا الله القريب المجيب ، يا الله العزيز الحكيم ، يا الله الحليم الكريم ، يا الله الرؤف الرحيم ، يا الله الغفور الشكور ، يا الله الراصي باليسير ، يا الله السّاتر بالقبيح ، يا الله المعطي الجزيل ، يا الله الغافر الذنب العظيم ، يا الله الفعّال لما يريد ، يا الله الجبّار المتجبّر يا الله الكبير المتكبّر يا الله العظيم المتعظّم يا الله العلى المتعالى يا الله الرفيع المنيع يا الله القائم الدائم ، يا الله القادر المقتدر ، يا الله القاهر ، يا الله المعافي ، يا الله الواحد الماجد ، يا الله القابض الباسط ، يا الله الخالق الرازق ، يا الله الباعث الوارث

٤٤٣
 &

يا الله المنعم المفضل ، يا الله المحسن المجمل ، يا الله الطالب المدرك .

يا الله المنتهى الرغبة من الرّاغبين ، يا الله جار المستجيرين ، يا الله يا أقرب المحسنين ، يا الله يا أرحم الراحمين ، يا الله [ غياث ] ظ المستغيثين ، يا الله معطى السائلين ، يا الله المنفّس عن المهمومين ، يا الله المفرِّج عن المكروبين ، يا الله المفرّج الكرب العظيم ، يا الله النور منك النور ، يا الله الخير من عندك الخير ، يا الله يا رحمن ، أسئلك بأسمائك البالغة المبلغة ، يا الله يا رحمن أسئلك بأسمائك العزيزة الحكيمة ، يا الله يا رحمن ، أسئلك بأسمائك الرّضيّة الرفيعة الشريفة ، يا الله يا رحمن ، أسئلك بأسمائك المخزونة المكنونة التامة الجزيلة ، يا الله يا رحمن أسألك بما هو رضى لك يا الله يا رحمن .

أسئلك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد قبل كلِّ شيء ، وعدد كلِّ شيء صلاة لا يقوى على إحصائها إلّا أنت ، وبعدد ما أحصاه كتابك ، وأحاط به علمك وأن تفعل بي ما أنت أهله لا ما أنا أهله ، وأسألك حوائجي للدُّنيا والاٰخرة إنشاء الله وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم .

١٣٠

* ( باب ) *

* « ( في ذكر بعض الادعية المستجابات ) » *

* « ( والدعاء بعد ما استجاب الدعاء ) » *

* « ( وما يناسب ذلك ) » *

أقول : أخبار هذا الباب وأدعيته كثيرة ، وبعضها مذكور في الأبواب السابقة ولنذكر هنا طرفاً منها أيضاً .

١ ـ ق : دعاء مستجاب يروى أنّه لمولانا أبي إبراهيم موسى بن جعفر الصادق صلوات الله عليه ، ما دعا به مغموم إلّا فرَّج الله عنه ، ولا مكروب إلّا نفّس الله عنه كربه ، ووقي عذاب القبر ، ووسّع في رزقه ، وحشر يوم القيمة في زمرة الصدِّيقين

٤٤٤
 &

والشهداء ، وكان له من الثواب عند الله عزَّ وجلَّ عدد من يدعو الله سبحانه ، ولا يسئله شيئاً إلّا أعطاه ، وغفر له كلّ ذنب ، ولو كانت ذنوبه مثل رمل عالج به .

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم سبحانك اللّهمَّ وبحمدك اُثنى عليك وما عسى أن يبلغ من ثنائي عليك ومجدك ، مع قلّة عملي وقصر ثنائي ، وأنت الخالق وأنا المخلوق ، وأنت الرازق وأنا المرزوق ، وأنت الربُّ وأنا المربوب وأنا الضعيف إليك وأنت القويّ ، وأنا السائل وأنت الغنيُّ ، لا يزول ملكك ، ولا يبيد عزُّك ولا تموت وأنا خلق أموتُ ، وأزول وأفنى ، وأنت الصّمد الذي لا يطعم ، والفرد الواحد بغير شبيه ، والدائم بلا مدَّةٍ ، والباقي ، إلى غير غاية ، والمتوحّد بالقدرة والغالب على الاُمور بلا زوال ولا فناء ، تعطى من تشاء كما تشاء .

المعبود بالعبوديّة والمحمود بالنعم ، المرهوب بالنقم ، حيٌّ لا يموت صمد لا يطعم وقيّوم لا ينام ، وجبّار لا يظلم ، ومحتجب لا يرى ، سميع لا يشكُّ ، بصبر لا يرتاب غنيٌّ لا يحتاج ، عالم لا يجهل ، خبير لا يذهل ، ابتدأت المجد بالعزّ ، وتعطّفت الفخر بالكبرياء ، وتجلّلت البهاء بالمهابة ، والجمال والنُّور ، واستشعرت العظمة بالسُّلطان الشامخ ، والعزّ الباذخ ، والملك الظاهر ، والشّرف القاهر ، والكرم الفاخر ، والنُّور الساطع ، والاٰلاء المتظاهرة ، والأسماء الحسنى ، والنعم السّابغة والمنن المتقدّمة ، والرحمة الواسعة .

كنت إذا لم يكن شيء ، فكان عرشك على الماء إذ لا أرض مدحيّة ، ولا سماء مبنيّة ، ولا شمس يضيء ، ولا قمر يجري ، ولا نجم يسري ، ولا كوكب دريّ ، ولا سحابة منشاة ، ولا دنياً معلومة ، ولا آخرة مفهومة ، وتبقى وحدك وحدك كما كنت وحدك ، علمت ما كان قبل أن يكون ، وحفظت ما كان بعد أن يكون ، لا منتهى لنعمتك ، نفذ علمك فيما تريد وما تشاء من تبديل الأرض ، والسّماوات وما ذرأت فيهنَّ ، وخلقت وبرأت من شيء ، وأنت تقول له كن فيكون ، لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك .

أنت الله الله الله العليُّ العظيم ، الحيُّ القيُّوم ، الله الله الله الحليم الكريم ،

٤٤٥
 &

الله الله الله الفرد الصّمد ، الله الله الله بديع السّماوات والأرض عزُّك عزيز ، وجارك منيع ، وأمرك غالب ، وأنت ملك قاهر عزيز فاخر ، لا إله إلّا أنت خلوت في الملكوت واستترت بالجبروت ، وحارت أبصار ملائكتك المقرَّبين ، وذهلت عقولهم في فكر عظمتك .

لا إله إلّا أنت ترى من بُعد ارتفاعك وعلوّ مكانك ما تحت الثرى ، ومنتهى الأرضين السفلى ، من علم الاٰخرة والاُولى ، والظلمات والهوى ، وترى بثَّ الذَّرِّ في الثرى ، وترى قوام النمل على الصّفا ، وتسمع خفقان الطّير في الهواء ، وتعلم تقلّب التيّار في الماء ، تعطي السّائل ، وتنصر المظلوم ، وتجيب المضطرَّ ، وتؤمن الخائف ، وتهدي السبيل ، وتجبر الكسير ، وتغنى الفقير ، قضاؤك فصل وحكمك عدل وأمرك حزم ووعدك صدق ، ومشيّتك عزيزة ، وقولك حقّ ، وكلامك نور وطاعتك نجاة .

ليس لك في الخلق شريك ، ولو كان لك شريك لتشابه علينا ، ولذهب كلُّ إله بما خلق ، ولعلا علوّاً كبيراً ، جلَّ قدرك عن مجاورة الشركاء ، وتعاليت عن مخالطة الخلطاء ، وتقدَّست من ملامسة النساء فلا ولد لك ولا والد ، كذلك وصفت نفسك في كتابك المكنون المطهّر المنزل البرهان المضيىء الّذي أنزلت على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيِّ الهدى نبيِّ الرَّحمة القرشيّ الزّكي التقيّ النقيّ الأبطحيّ المضري الهاشمي صلّى ‌الله ‌عليه ‌و على آله وسلم ورحم وكرَّم .

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم قل هو الله أحد ، الله الصّمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد فلا إله إلّا أنت ، ذلَّ كلُّ عزيز لعزَّتك وصغرت كلُّ عظمة لعظمتك ، لا يفزعك ليلٌ دامس ، ولا قلب هاجس ، ولا جبل باذخ ، ولا علوّ شامخ ، ولا سماء ذات أبراج ، ولا بحار ذات أمواج ، ولا حجب ذات أرتاج ، ولا أرض ذات فجاج ، ولا ليل داج ، ولا ظلم ذات إدعاج ، ولا سهل ولا جبل ولا برٌّ ولا بحر ولا شجر ، ولا مدر ، ولا يستتر منك شيء ، ولا يحول دونك ستر ، ولا يفوتك شيء .

٤٤٦
 &

السّرُّ عندك علانية ، والغيب عندك شهادة ، تعلم وهم القلوب ورجم الغيوب ورجع الألسن ، وخائنة الأعين ، وما تخفى الصدور ، وأنت رجاؤنا عند كلِّ شدَّة ، وغياثنا عند كلِّ محل ، وسيّدنا في كلِّ كريهة ، وناصرنا عند كلِّ ظلم وقوَّتنا عند كلِّ ضعيف ، وبلاغنا في كلِّ عجز ، كم من كريهة وشدَّة ضعفت فيها القوَّة وقلّت فيها الحيلة أسلمنا فيها الرفيق ، وخذلنا فيها الشفيق أنزلتها بك يا ربِّ ولم نرج غيرك ، ففرَّجتها وخفّفت ثقلها ، وكشفت غمرتها ، وكفيتنا إيّاها عمّن سواك .

فلك الحمد ، أفلح سائلك ، وأنجح طالبك ، وعزَّ جارك ، وربح متاجرك وجلَّ ثناؤك ، وتقدَّست أسماؤك ، وعلا ملكك ، وغلب أمرك ، ولا إله غيرك .

أسئلك يا ربَّ بأسمائك المتعاليات المكرَّمة المطهّرة المقدَّسة العزيزة ، وباسمك العظيم الّذي بعثت به موسى عليه‌السلام حين قلت إنّي أنا الله في الدهر الباقي وبعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق ، وباسمك الّذي هو مكتوب حول كرسيّك وبكلماتك التامّات ، يا أعزَّ مذكور ، وأقدمه في العزِّ ، وأدومه في الملك والجبروت يا رحيماً بكلِّ مسترحم ، ويا رؤفاً بكلِّ مسكين ، ويا أقرب من دعي ، وأسرعه إجابة ، ويا مفرِّجاً عن كلِّ ملهوف ويا خير من طلب منه الخير وأسرعه عطاء ونجاحاً وأحسنه عطفاً وتفضّلاً .

يا من خافت الملائكة من نوره المتوقّد حول كرسيّه وعرشه صافّون مسبّحون طائفون خاضعون مذعنون ، يا من يشتكى إليه منه ، ويرغب منه إليه مخافة عذابه في سهر الليالي ، يا فعّال الخير ولا يزال الخير فعاله ، يا صالح خلقه يوم يبعث خلقه وعباده بالسّاهرة ، فاذا هم قيام ينظرون ، يا من إذا همَّ بشيء أمضاه يا من قوله فعاله ، يا من يفعل ما يشاء كيف يشاء ، ولا يفعل ما يشاء غيره .

يا من خصَّ نفسه بالخلد والبقاء ، وكتب على جميع خلقه الموت والفناء يا من يصوِّر في الأرحام ما يشاء كيف يشاء ، يا من أحاط بكلِّ شيء علماً ، وأحصى كلَّ شيء عدداً ، لا شريك لك في الملك ، ولا وليَّ لك من الذُّلّ ، تعزّزت بالجبروت

٤٤٧
 &

وتقدَّست بالملكوت ، وأنت حيٌّ لا يموت ، وأنت عزيز ذو انتقام ، قيّوم لا تنام ، قاهر لا تغلب ولا ترام ، ذو الباس الّذي لا يستضام .

أنت مالك الملك ، ومجري الفلك ، تعطي من سعة ، وتمنع بقدرة ، وتؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممَّن تشاء وتعزُّ من تشاء وتذلُّ من تشاء بيدك الخير إنّك على كلِّ شيء قدير تولج الليل في النّهار وتولج النّهار في اللّيل وتخرج الحيَّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيِّ وترزق من تشاء بغير حساب .

أسئلك أن تصلّي على مولانا وسيّدنا ورسولك محمّد حبيبك الخالص ، وصفيّك المستخصّ الّذي استخصصته بالحياة والتفويض ، وائتمنته على وحيك ، ومكنون سرِّك ، وخفيّ علمك ، وفضّلته على من خلقت ، وقرَّبته إليك ، واخترته من بريّتك ، النّذير البشير السّراج المنير الّذي أيَّدته بسلطانك ، واستخلصته لنفسك وعلى أخيه ووصيّه وصهره ووارثه ، والخليفة لك من بعده في أرضك وخلقك أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب ، وعلى ابنته الكريمة الطّاهرة الفاضلة الزهراء الغرّاء فاطمة وعلى ولديهما الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة الفاضلين الراجحين الزكيّين التقيّين الشهيدين الخيّرين ، وعلى عليِّ بن الحسين زين العابدين وسيّدهم ذي الثفنات وعلى محمّد بن عليّ الباقر ، وجعفر بن محمّد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم ، وعليِّ بن موسى الرِّضا ، ومحمّد بن عليِّ الجواد ، وعليِّ ابن محمّد ، والحسن بن عليِّ العسكريّين ، والمنتظر لأمرك ، القائم في أرضك بما يرضيك ، والحجّة على خلقك ، والخليفة لك على عبادك ، المهدي ابن المهديّين الرَّشيد بن المرشدين إلى صراط مستقيم ، صلاة تامّة عامّة دائمة نامية باقية شاملة متواصلة وإن تغفر لنا وترحمنا وتفرِّج عنّا كربنا وهمّنا وغمّنا .

اللّهمَّ إنّي أسألك ولا أسأل غيرك ، وأرغب إليك ولا أرغب إلى سواك ، أسئلك بجميع مسائلك ، وأحبّها إليك ، وأدعوك وأتضرّع إليك ، وأتوسَّل إليك بأحبِّ أسمائك إليك ، وأحظاها عندك وكلّها حظيٌّ عندك ، أن تصلّي على محمّد وآله وأن ترزقني الشّكر عند النعماء ، والصبر عند البلاء ، والنّصر على الأعداء

٤٤٨
 &

وأن تعطيني خير السفر والحضر ، والقضاء والقدر ، وخير ما سبق في اُمِّ الكتاب وخير اللّيل والنّهار .

اللهمَّ ارزقني حسن ذكر الذاكرين ، يا ربّ العالمين ، وارزقني خشوع الخاشعين ، وعمل الصّالحين ، وصبر الصّابرين ، وأجر المحسنين وسعادة المتّقين ، وقبول الفائزين ، وحسن عبادة العابدين ، وتوبة التائبين ، وإجابة المخلصين ، ويقين الصّدِّيقين ، وألبسني محبّتك ، وألهمني الخشية لك ، واتّباع أمرك وطاعتك ، ونجّني من سخطك ، واجعل لي إلى كلِّ خير سبيلاً ، ولا تجعل للشيطان عليَّ سبيلاً ، ولا للسلطان ، واكفني شرَّهما وسرَّ ذلك كلّه وعلانيته .

اللهمَّ ارزقني الاستعداد عند الموت ، واكتساب الخير قبل الفوت ، حتّى تجعل ذلك عدَّة لي في آخرتي ، واُنساً لي في وحشتي ، يا وليَّ نعمتي ، اغفر لي خطيئتي ، وتجاوز عن زلّتي ، وأقلني عثرتي ، وفرِّج عنّي كربتي ، وأبرد باجابتك حرَّ غلّتي ، (١) واقض لي حاجتي ، وسدَّ بغناك فافتي ، وأعنّي في الدُّنيا والاٰخرة ، وأحسن معونتي ، وارحم في الدُّنيا غربتي ، وعند الموت ضرعتي وفي القبور وحشتي ، وبين أطباق الثّرى وحدتي ، ولقّني عند المساءلة حجّتي واستر عورتي ، ولا تؤاخذني على زلّتي ، وطيّب لي مضجعي ، وهنّئني معيشتي

يا صاحبي الشفيق ، ويا سيّدي الرفيق ، ويا مونسي في كلِّ طريق ويا مخرجي من حلق المضيق ، ويا غياث المستغيثين ، ويا مفرِّج كرب المكروبين ويا حبيب التائبين ، ويا قرَّة عين العابدين ، يا ناصر أوليائه المتّقين ، يا مونس أحبّائه المستوحشين (٢) ويا ملك يوم الدّين ، يا ربَّ العالمين ، ويا إله الأوَّلين والاٰخرين ، بك اعتصمت ، وبك وثقت ، وعليك توكّلت وإليك أنبت ، وبك انتصرت وبك احتجزت ، وإليك هربت فصلِّ على محمّد وآله ، وأعطني الخير فيمن أعطيت واهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت ، واكفني فيمن كفيت ، وقني شرَّ ما قضيت فانّك تقضي ولا يقضى عليك .

______________________

(١) قلبي خ .

(٢) أحبابه خ .

٤٤٩
 &

لا مانع لما أعطيت ، ولا مضلّ لمن هديت ، ولا مذلَّ لمن واليت ، ولا ناصر لمن عاديت ، ولا ملجاء ولا ملتجاء منك إلّا إليك فوَّضت اُموري إليك ، ارزقني القسمة من كلِّ برّ ، والسّلامة من كلِّ وزر ، يا سامع كلِّ صوت ، يا محيي كلِّ نفس بعد الموت يا من لا يخاف الفوت صلّ على محمّد وآله واجلب لي الرزق جلباً فانّي لا أستطيع له طلباً ولا تضرب بالطّلب وجهي ولا تحرمني رزقي ، ولا تحبس عنّي إجابتي ، ولا توقف مسئلتي ، ولا تطل حيرتي ، وشفّع ولايتي ووسيلتي ، بمحمّد نبيّك وصفيّك وخاصَّتك وخالصتك ورسولك النذير المنذر الطيّب الطاهر ، وأخيه أمير المؤمنين ، وقائد المؤمنين إلى جنّات النعيم ، وبفاطمة الكريمة الزّهراء [ الغرّاء ] الطاهرة والأئمّة من ذريّتهم الطاهرين الأخيار صلّى الله عليهم أجمعين .

وارزقني رزقاً واسعاً ، وأنت خير الرازقين ، فقد قدَّمت وسيلتي بهم إليك وتوجّهت بك إليك ، يا برُّ رؤف يا رحيم ، يا الله يا الله ، يا ذا المعارج يا ذا المعارج فانّك ترزق من تشاء بغير حساب ، اللهمَّ صلِّ على محمّد وآله ، وارحمنا وأعتقنا من النّار ، واختم لنا بخير إنّك على كلِّ شيء قدير آمين آمين ربَّ العالمين .

٢ ـ مهج : وجدت في مجموع أدعية المستجابات عن النبيِّ والأئمّة عليهم‌السلام قالبه أقلّ من الثمن نحو السّدس أوَّله دعاء مستحاب « اللّهمَّ اقذف في قلبي رجاءك » وفي آخره ما هذا لفظه : دعاء الامام الحجة عليه‌السلام : إلهي بحقّ من ناجاك وبحقّ من دعاك في البرّ والبحر ، تفضّل على فقراء المؤمنين والمؤمنات بالغنى والثروة وعلى مرضى المؤمنين والمؤمنات بالشّفاء والصحّة ، وعلى أحياء المؤمنين و المؤمنات باللطف والكرم ، وعلى أموات المؤمنين ، والمؤمنات بالمغفرة والرحمة وعلى غرباء المؤمنين والمؤمنات بالرَّدِّ إلى أوطانهم سالمين غانمين بحقّ محمّد وآله أجمعين (١) .

٣ ـ دعوات الراوندي : وكان زين العابدين عليّ عليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء عند استجابة دعائه : اللّهمَّ قد أكدى الطلب ، وأعيت الحيل ، إلّا عندك ، وضاقت

______________________

(١) مهج الدعوات ص ٣٦٨ .

٤٥٠
 &

المذاهب ، وامتنعت المطالب ، وعسرت الرغائب ، وانقطعت الطرق إلّا إليك وتصرَّمت الاٰمال ، وانقطع الرجاء إلّا منك ، وخابت الثقة ، وأخلف الظنُّ إلّا بك ، اللّهمَّ إنّي أجد سبل المطالب إليك منهجة ، ومناهل الرجاء إليك مفتّحة وأعلم أنّك لمن دعاك لموضع إجابة ، وللصارخ إليك لمرصد إغاثة ، وأنَّ القاصد لك لقريب المسافة منك ، ومناجاة العبد إيّاك غير محجوبة عن استماعك ، وأنَّ في اللّهف إلى جودك والرضا بعدتك والاستراحة إلى ضمانك عوضاً عن منع الباخلين ومندوحة عمّا قبل المستأثرين ، ودركاً من خير الوارثين ، فاغفر بلا إله إلّا أنت ما مضى من ذنوبي ، واعصمني فيما بقي من عمري وافتح لي أبواب رحمتك وجودك الّتي لا تغلقها عن أحبّائك وأصفيائك يا أرحم الراحمين .

وروي عنهم عليهم‌السلام أنّه يستحبُّ أن يصلّى صلاة الشكر عند استجابة الدعاء .

وقال النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أنعم الله عليك نعمة فصلِّ ركعتين يقرء في الاُولى فاتحة الكتاب ، وقل هو الله أحد ، وفي الثانية فاتحة الكتاب وقل يا أيّها الكافرون ، و تقول في الركعة الاُولى في ركوعك وسجودك « الحمد لله شكراً شكراً وحمداً حمداً » سبع مرّات ، وتقول في الركعة الثانية في ركوعك وسجودك « الحمد لله الذي استجاب دعائي ، وأعطاني مسئلتي وقضى حاجتي » .

١٣١

* ( باب ) *

* « نوادر الادعية » *

١ ـ مكا : نسخة رقعة تكتب بقلم لا شيء فيه بين سطور الكتاب أو الرقعة المشتملة على الحاجة ، حتّى لا يخلو سطر منها من حرف من هذه الحروف « محمّد وعليّ و الخضر عليهم‌السلام أبو تراب بسم الله الرَّحمن الرَّحيم الملك الحقّ المبين إنَّ الله وعد الصابرين مخرجاً ممّا يكرهون ، ورزقاً من حيث لا يحتسبون ، والله هو السميع العليم ، جعلنا الله وإيّاكم من الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون اللّهمَّ

٤٥١
 &

إنّي أسئلك بحق محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ ـ إلى أن تقول ـ والخلف الحجّة القائم المنتظر صلوات الله عليه وسلّم تسليماً أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تيسّر أمري ، وتسهّله وتغلبه لي وترزقني خيره وتصرف عنّي شرّه برحمتك يا أرحم الراحمين » (١) .

خاتمة

اعلم أنَّ أدعية الصحيفة الكاملة السّجاديّة أيضاً من أجلِّ الأدعية ، وهي مشتملة على أدعية كثيرة معروفة في أكثر المطالب ، وقد رأيت منها عدَّة نسخ وروايات مختلفات ، وطرق متباينات ، بعضها مشهورة ، وبعضها غير مشهورة ، ولكنّا أعرضنا عن إيرادها في هذا الكتاب ، إلّا ما شذَّ منها تعويلا على شهرة بعض نسخها ، واعتماداً على تعرُّضنا لسائرها في شرحنا على الصحيفة الكاملة الموسوم بالكلمات الطريفة في شرح الصحيفة .

ثم أقول : قد وجدت نسخة من صحيفة إدريس النبيّ عليه‌السلام ممّا أنزله الله تعالى عليه ، وقد نقله ابن مَتُّوَيْه من اللغة السّريانيّة إلى اللغة العربيّة ، ولمّا لم يكن خالية من لطافة وطرافة أحببت إيرادها في هذا المقام .

______________________

(١) مكارم الاخلاق ص ٣٩٣ .

٤٥٢
 &

بِسْمِ اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ

الحمد لله على نعمته ، وصلاته على محمّد وعترته ، قال أحمد بن حسين بن محمّد المعروف بابن متّويه : وجدت هذه الصحف بالسّورية ممّا اُنزلت على إدريس النبيّ اُخنوخ صلّى الله على محمّد وعليه وكانت ممزَّقة ومندرسة ، فتحرَّيت الأجر في نقلها إلى العربيّة بعد أن استقصيت في وضع كلِّ لفظة من العربية موضع معناها من السّوريّة ، وتجنّبت الزيادة والنقصان ، ولم اُغيّر معنى لتحسين لفظ أو تقدير سجع ، بل توخّبت إيراده كهيئته من غير نقص ولا زيادة ، وعلى الله التوكل وبه الاستعانة ، وله الحول والقوَّة ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

الصحيفة الاولى وهي صحيفة الحمد

الحمد لله الّذي ابتدأ خلقه بنعمته ، وأسبغ عليهم ظلال رحمته ، ثمَّ فرض عليهم شكر ما أدَّى إليهم ، ووفّقهم بمنّه لأداء ما فرض عليهم ، ونهج لهم من سبيل هدايته ما يستوجبون به واسع مغفرته ، فبتوفيقه قام القائمون بطاعته ، وبعصمته امتنع المؤمنون من معصيته ، وبنعمته أدَّى الشاكرون حقَّ نعمته ، وبرحمته وصل المسلمون إلى رحمته .

فسبحان من لا يستجار منه إلّا به ، ولا يهرب منه إلّا إليه ، وتبارك الّذي خلق الحيوان من ماء مهين ، وجعلهم في قرار مكين ، ثمَّ صيّرهم متبائنين في الخلق والأخلاق ، وقدَّر لهم ما لا مغيّر له من الاٰجال والأرزاق ، له سبّحت السّماوات العلى ، والأرضون السفلى ، وما بينهما وما تحت الثرى ، بألسن فُصح وعجم (١) وآثار ناطقة وبكم ، تلوح للعارفين مواقع تسبيحها ، ولا يخفى على المؤمنين سواطع تقديسها ، فله في كلِّ نظرة نعم لا تحدُّ ، وفي كلِّ طرفة آلاء لا تعدُّ

______________________

(١) الفصح ـ بضمتين ـ جمع فصيح ، والعجم ـ بضم وسكون ـ جمع الاعجم : من لا يفصح ولا يبين كلامه وان كان من العرب . والبكم أيضاً جمع الابكم : الاخرس ينغلق لسانه عند التكلم .

٤٥٣
 &

ضلّت الأفهام في جبروته ، وتحيّرت الأوهام في ملكوته ، فلا وصول إليه إلّا به ولا ملجأ منه إلّا إليه ، ذلكم الله ربُّ العالمين .

الصحيفة الثانية صحيفة الخلق

فازيا أخنوخ من عرفني ، وهلك من أنكرني ، عجباً لمن ضلَّ عنّي وليس يخلو في شيء من الأوقات منّي ، كيف يخلوا وأنا أقرب إليه من كلِّ قريب ، وأدنى إليه من حبل الوريد ، ألست أيّها الانسان العظيم عند نفسه في بنيانه ، القويّ لدى همّته في أركانه ، مخلوقاً من النطفة المذرة ، ومخرجاً من الأماكن القذرة ، تنحطُّ من أصلاب الاٰباء كالنُّخاعة إلى أرحام النساء ، ثمَّ يأتيك أمري فتصير علقة ، لو رأتك العيون لاستقذرتك ، ولو تأمّلتك النفوس لعافتك ، ثمَّ تصير بقدرتي مضغة لا حسنةً في المنظر ، ولا نافعة في المخبر ، ثمَّ أبعث إليك أمرا من أمري ، فتخلق عضواً عضواً وتقدَّر مفصلاً مفصلاً ، من عظام مغشيّة ، وعروق ملتوية ، وأعصاب متناسبة ، و رباطات ماسكة ، ثمَّ يكسوك لحماً ويلبسك جلداً تجامع من أشياء متبائنة ، وتخلق من أصناف مختلفة .

فتصير بقدرتي خلقاً سويّاً لا روح فيك تحرّكك ، ولا قوَّة لك تقلّك ، أعضاؤك صو بلا مرية (١) وجثث بلا مرزبّة (٢) فأنفخ فيك الرُوح ، وأهب لك الحياة ، فتصير باذني إنساناً ، لا تملك نفعاً ولا ضرّاً ، ولا تفعل خيراً ولا شرَّاً ، مكانك من اُمّك تحت السُّرَّة ، كأنّك مصرور في صرَّة إلى أن يلحقك ما سبق منِّي من القضاء ، فتصير من هناك إلى وسع الفضاء ، فتلقى ما قدَّرك من السّعادة أو الشقاء ، إلى أجل من البقاء

______________________

(١) كذا في نسخة الكمباني ، وفى نسخة اخرى مخطوطة : « صور » ـ وضبطه بضم الصاد وفتح الواو ـ جمع الصورة . ولا تناسب قوله بعد « وجثث بلا مرزبة » كانه يريد أن أعضاءك رخو ، أو صبو ، أو صوب يميل الى حيث تشاء وسيأتي في البيان ، فتحرر .

(٢) الجثث جمع جثة ، وهو كل ماله شخص وشخص الانسان قائماً أو قاعداً والمجثة حديدة يقلع بها الفسيل ، والمرزبة : العصية من الحديد ، فالمراد أن الاعضاء لها قوام معتدل كعصا الحديد من دون أن يركب فيها حديد .

٤٥٤
 &

متعقّب لا شكَّ بالفنآء ، أأنت خلقت نفسك ، وسوَّيت جسمك ، ونفخت روحك .

إن كنت فعلت ذلك . وأنت النطفة المهينة ، والعلقة المستضعفة ، والجنين المصرور في صرَّة ، فأنت الاٰن في كمال أعضائك وطراءة مائك وتمام مفاصلك ، و ريعان شبابك ، أقوى وأقدر ، فاخلق لنفسك عضواً آخر ، استجلب قوَّة إلى قوَّتك ، وإن كنت أنت دفعت عن نفسك في تلك الأحوال طارقات الأوجاع والأعلال ، فادفع عن نفسك الاٰن أسقامك ، ونزِّه عن بدنك آلامك ، وإن كنت أنت نفخت الروح في بدنك وجلبت الحياة الّتي تمسكك ، فادفع الموت إذا حلَّ بك ، وابق يوماً واحداً عند حضور أجلك .

فان لم تقدر أيّها الانسان على شيء من ذلك ، وعجزت عنه كلّه ، فاعلم أنّك حقّاً مخلوق ، وأنّي أنا الخالق ، وأنّك أنت العاجز ، وأنّي أنا القويُّ القادر ، فاعرفني حينئذ واعبدني حقَّ عبادتي ، واشكر لي نعمتي أزدك منها ، واستعذ بي من سخطتي اُعذك منها ، فانّي أنا الله الّذي لا أعبا بما أخلق ، ولا أتعب ولا أنصب فيما أرزق ، ولا ألغب ، إنّما أمري إذا أردت شيئاً أن أقول له كن فيكون .

الصحيفة الثالثة صحيفة الرزق

يا أيّها الانسان انظر وتدبّر ، واعقل وتفكّر ، هل لك رازق سواي يرزقك ؟ أو منعم غيري ينعم عليك ؟ ألم اُخرجك من ضيق مكانك في الرحم إلى أنواع من النّعم ؟ أخرجتك من الضيق إلى السعة ، ومن التعب إلى الدَّعة ، ومن الظلمة إلى النور ، ثمَّ عرفت ضعفك عمّا يقيمك ، وعجزك عمّا يفوتك ، فأدررت لك من صدر اُمّك عينين منهما طعامك وشرابك ، وفيهما غذاؤك ونماؤك ، ثمَّ عطفت بقلبها عليك ، وصرفت بودِّها إليك ، كي لا تتبرَّم بك مع إيذائك لها ، و لا تطرحك مع إضجارك إيّاها ، ولا تقزِّزك مع كثرة عاهاتك ، ولا تستقذرك مع توالي آفاتك وقاذوراتك ، تجوع لتشبعك ، وتظمأ لترويك ، وتسهر لترقدك ، وتنصب

٤٥٥
 &

لتريحك ، وتتعب لترفدك ، وتتقذّر لتنظفك ، لولا ما ألقيتُ عليها من المحبّة لك لألقتك في أوَّل أذى يلحقها منك ، فضلاً عن أن تؤثرك في كلِّ حال ، ولا تخلّيك لها من بال ، ولو وكلتك إلى وكدك ، وجعلت قوَّتك وقوامك من جهدك ، لمُتَّ سريعاً ، وفتَّ ضايعاً .

هذه عادتي في الاحسان إليك ، والرحمة لك ، إلى أن تبلغ أشدَّك ، و بعد ذلك إلى منتهى أجلك ، اُهيّيء لك في كلِّ وقت من عمرك ما فيه صلاح أمرك من زيادة في خلقك ، وتيسير لرزقك ، اُقدِّر مدَّة حياتك قدر كفايتك ما لا تتجاوزه وإن أكثرت من التعب ، ولا يفوتك وإن قصرت في الطلب ، فان ظننت أنّك الجالب لرزقك ، فما لك تروم أن تزيد فيه ولا تقدر ؟ أم ما لك تتعب في طلب الشيء فلست تناله ؟ ويأتيك غيره عفواً ممّا لا تتفكّر فيه ، ولا تتعنّى له ، أم ما لك ترى من هو أشدُّ منك عقلاً وأكثر طلباً محروما مجذوذاً ، ومن هو أضعف منك عقلاً وأقلُّ طلباً محروزا مجدوداً ، أتراك أنت الّذي هيّأت لمشربك ومطعمك سقاءين (١) في صدر اُمّك ، أم تراك سلّطت على نفسك وقت السّلامة الداء ، أو جلبت لها وقت السقم الشفاء ، ألا تنظر إلى الطير الّتي تغدو خماصاً ، وتروح بطاناً (٢) ؟ ألها زرع تزرعه أو مال تجمعه ، أو كسب تسعى فيه ، أو احتيال تتوسَّم (٣) بتعاطيه .

اعلم أيّها الغافل أنَّ ذلك كلّه بتقديري ، لا اُنادُّ ولا اُضادُّ في تدبيري ، ولا ينقص ولا يزاد من تقديري ، ذلك أنّي أنا الله الرّحيم الحكيم .

الصحيفة الرابعة صحيفة المعرفة

من عرف الخلق عرف الخالق ، ومن عرف الرزق عرف الرازق ، ومن عرف نفسه عرف ربّه ، ومن خلص إيمانه أمن دينه ، كيف تخفى معرفة الله ؟ والدّلائل واضحة ، والبراهين على وحدانيّته لائحة ، عجباً لمن غني عن الله ؟ وفي موضع

______________________

(١) السقاء : جلد السخلة ، اذا اجذع يكون للماء واللبن .

(٢) الخماص جمع الخميص يعنى خميص البطن من الجوع ، والبطان جمع البطين يعنى من كثرة الاكل ، وسيأتي . (٣) توسم : تطلب وتغرس .

٤٥٦
 &

كلِّ قدم ، ومطرف عين ، وملمس يدٍ ، دلالةٌ ساطعة ، وحجّة صادعة على أنّه تبارك واحد لا يشارك ، وجبّار لا يقاوم ، وعالم لا يجهل ، وعزيز لا يذلّ ، وقادر لطيف ، وصانع حكيم في صنعته ، كان أبداً وحده ، ويبقى من بعد وحده ، هو الباقي على الحقيقة ، وبقاؤه غير مجاز ، وهو الغنيّ وغنى غيره صائر إلى فقرٍ وإعواز .

وهو الّذي جرت الأفلاك الدائرة ، والنجوم السّائرة بأمره ، واستقلّت السّماوات واستقرَّت الأرضون بعظمته ، وخضعت الأصوات والأعناق لملكوته وسجدت الأظلال والأشباح لجبروته ، باذنه أنارت الشمس والقمر ، ونزل الغيث والمطر ، وأنبتت الأرض الميتة نباتاً حيّاً ، وأخرجت العيدان اليابسة ورقاً رطباً ، ونبعت الصخور الصلاد (١) ماء نميراً ، وأورقت الأشجار الخضرة ناراً ضوءاً منيراً .

طوبى لمن آمن به ، وصدَّق برسله وكتبه ، ووقف عند طاعته ، وانتهى عن معصيته ، وبؤسى لمن جحد آلاءه ، وكفّر نعماءه ، وحادَّ أولياءه ، وعاضد أعداءه إنَّ اُولئك الأقلّون الأذلّون (٢) عليهم في الدنيا سيماء ، ولهم في الاٰخرة مهاد النار ، دولتهم إملاء واستدراج ، وعاقبة غنائهم احتياج ، وموئل وسرورهم غمٌّ وانزعاج ، ومصيرهم في الاٰخرة إلى جهنّم خالدين ، بلا إخراج ، فأمّا المؤمنون الصدِّيقون ، فلهم العزَّة بالله ، والاعتزاء إليه ، والقوَّة بنصره ، والتوكّل عليه ولهم العاقبة في الدنيا ، والفلج على أعدائهم باظفار .

فوعزَّتي لاَصيّرنَّ الأرض ولا يعبد عليها سواي ، ولا يدان لإله غيري ولأجعلنَّ من نصرني منصوراً ، ومن كفرني ذليلاً مقهوراً ، وليلحقنَّ الجاحدين لي أعظم الندامة في هذه الدنيا ، وفي يوم القيامة ، ولاُخرجنَّ من ذرِّيّة آدم من ينسخ الأديان ويكسر الأوثان ، فاُنير برهانه ، وأؤيّد سلطانه ، واُوطّيه الأعقاب واُملّكه الرّقاب ، فيدين الناس له ، طوعاً وكرهاً ، وتصديقاً وقسراً ، هذه

______________________

(١) يعنى الصلب الاملس .

(٢) الارذلون خ ل .

٤٥٧
 &

عادتي فيمن عرفني وعبدني ، ولهم في الاٰخرة دار الخلود في نعيم لا يبيد ، وسرور لا يشوبه غمٌّ ، وحبور لا يختلط به همٌّ ، وحياة لا تتعقّبها وفاة ، ونعمة لا يعتورها نقمة ، فسبحاني سبحاني وطوبى لمن سبّحني ، وقدُّوس أنا وطوبى لمن قدَّسني ، جلّت عظمتي فلا تحدُّ ، وكثرت نعمتي فلا تعدُّ ، وأنا القويُّ العزيز .

الصحيفة الخامسة صحيفة العظمة

يا اُخنوخ أعجبت لمن رأيت من الملائكة ، واستبدعت الصّور ، واستهلّت الخلق ، واستكثرت العدد ، وما رأيت منهم كالقطرة الواحدة من ماء البحار ، والورقة الواحدة من ورق الأشجار ، أتتعجّب ممّا رأيت من عظمة الله ، فلما غاب عنك أكبر ، وتستبدع صنعة الله فلما لم تبصره عنك أهول وأكبر ؟ ما يحيط خطُّ كلِّ بنان ، ولا يحوى نطق كلّ لسان ، مذ ابتدأ الله خلقه إلى انتهاء العالم أقلَّ جزء من بدايع فطرته ، وأدنى شيء من عجائب صنعته ، إنَّ لله ملائكة لو نشر الواحد جناحه لملأ الاٰفاق ، وسدّ الاٰماق (١) وإنَّ له لملكاً نصفه من ثلج جمد ، ونصفه من لهب متّقد ، لا حاجز بينهما ، فلا النار تذيب الجمد ، لا الثلج تطفىء اللهب المتّقد ، لهذا الملك ثلاثون ألف رأس في كلِّ رأس ثلاثون ألف وجه في كلِّ وجه ثلاثون ألف فم في كلِّ فم ثلاثون ألف لسان ، يخرج من كلِّ لسان ثلاثون ألف لغة ، تقدِّس الله بتقديساته ، وتسبّحه بتسبيحاته ، وتعظّمه بعظماته ، وتذكر لطائف فطراته ، وكم في ملكه تعالى جدَّه من أمثاله ، ومن أعظم منه .

يجتهدون في التسبيح فيقصرون ، ويدأبون في التقديس فيحسرون ، وهذا ما خلا شيء من آياتي وجلالي ، إنَّ في البعوضة الّتي تستحقرها ، والذَّرَّة الّتي تستصغرها من العظمة لمن تدبّرها ما في أعظم العالمين ، ومن اللّطائف لمن تفكّر فيها ما في الخلائق أجمعين ، ما يخلو صغير ولا كبير من برهان عليَّ وآية فيَّ ، عظمت عن أن اُوصف وكبرت عن أن اُكيّف ، حارت الألباب في عظمتي ، وكلّت الألسن عن تقدير صفتي ، ذلك أنّي أنا الله الّذي ليس كمثلي شيء وأنا العليُّ العظيم .

______________________

(١) المؤق من الارض : النواحي الغامضة من أطرافها والجمع آماق.

٤٥٨
 &

الصحيفة السادسة صحيفة القربة

سألت يا اُخنوخ عمّا يقرِّبك من الله ، ذلك أن تؤمن بربّك من كلِّ قلبك وتبوء بذنبك ، وبعد ذلك تلزم رحمة الخلق ، وحسن الخلق ، وإيثار الصدق وأداء الحقّ ، والجود مع الرضا بما يأتيك من الرزق ، وإكثار التسبيح بالعشايا والأسحار ، وأطراف اللّيل والنّهار ، ومجانبة الأوزار ، والتوبة من جميع الاٰصار وإقامة الصلوات وإيتاء الزكوات ، والرفق بالأيامى والأيتام ، والاحسان إلى جميع الخلائق والأنام ، وأن تجأر إلى الله بتذلّل ، وخشوع وتضرُّع وتقول باللّسان الناطق عن الايمان الصادق :

اللّهمَّ أنت الربُّ القويُّ الكريم الجليل العظيم ، علوت ودنوت ، ونأيت وقربت ، لم يخل منك مكان ، ولم يقاومك سلطان ، جللت عن التحديد ، وكبرت عن المثل والنديد ، بك النجاة منك ، وإليك المهرب عنك ، إيّاك نسأل إلهنا أن تكنفنا برحمتك ، وتشملنا برأفتك ، وتجعل أموالنا في ذوي السّماحة ، والفضل وسلطاننا في ذوي الرشاد والعدل ، ولا تحوجنا إلّا إليك ، فقد اتّكلنا اللّهمَّ عليك إليك نبرء من الحول والاحتيال ، ونوجّه عنان الرغبة والسؤال ، فأجبنا اللّهمَّ إلى ما ندعو ، وحقّق في فضلك وكرمك ما نأمل ونرجو ، وآمنّا من موبقات أعمالنا ومحبطات أفعالنا برحمتك يا إله العالمين .

يا اُخنوخ ما أعظم ما يدَّخر فاعل ذلك من الثواب ، وما أثقل هذه الكلمات في الميزان يوم الحساب ، فأنبيء الناس بمأمول رحمتي الواسعة ، ومخشيّ سخطتي الصّاعقة (١) وذكّرهم آلائي ، واحضضهم على دعائي ، فحقٌّ عليَّ إجابة الداعين ونصر المؤمنين ، وأنا ذو الطول العظيم .

الصحيفة السابعة صحيفة الجبابرة

يا اُخنوخ كم من جبروت جبّار قصمتها ، وكم من قويّ ظنَّ ألّا مغالب له فتجبّر وعتا ، وتمرَّد وطغا ، أريته قدرتي ، وأذقته وبال سطوتي ، وأوردته حياض

______________________

(١) الصاعقة خ ل ، وكلاهما بمعنى .

٤٥٩
 &

المنيّة ، فشرب كأسها ، وذاق بأسها ، وحططته من عالي حصونه ، ووثيق قلاعه وأخرجته من عامرٍ دوره ومونق رباعه إلى القبور الملحودة ، والحفرة المخدودة فاضطجع فيها وحيداً ، وسال منه فيها صديداً ، وأطعم حريشات (١) ودوداً ، وصار من ماله وجموعه بعيداً ، وفي ملاقاة المحاسبة فريداً ، لم ينفعه ما عدد ، ولم يخلده ما خلّد ، ولم يتبعه إلّا تبعات الحساب ، ولم يصحبه من أحوال دنياه إلّا موجبات الثواب أو العذاب ، ثمَّ أورثت ما حاز من الباطل ، وجمع وصدَّ عن الحقّ من لم يشكره على ما صنع ، ولا دعا له ولا نفع ، شقي ذاك بجمعه ، وفاز هذا الوارث بنفعه قد رأى الغابر عاقبة من مضى فلا يرتدع ، وأبصر الباقي مصير من انقضى فلا ينزجر ولا ينقمع ، أمالهم أعين فتبصر ، أو قلوب فتتفكّر ، أو عقول فتدبّر ؟ كذَّبوا بي فصدقتهم سخطتي ، وناموا عن حقّي فنبّهتهم عقوبتي ، أدَّ إليهم رسالتي ، وعرِّفهم نصيحتي ، وأكّد عليهم حجّتي ، وانهج لهم حدَّ محجّتي ، ثمَّ كلهم إلى محاسبتي فوعزَّتي لا يتعدَّاني ظالم ، ولا يخفق عندي مظلوم ، وسأقتصُّ للكلِّ من الكلِّ وأنا الحكيم العدل .

الصحيفة الثامنة صحيفة الحول

ذلَّ من ادَّعى الحول والقوَّة من دوني ، وزعم أنّه يقدر على ما يريد ، لو كان دعواه حقّاً وقوله صدقاً ، لتساوت الأقدام ، وتعادل في جميع الاُمور الأنام فانَّ الكلَّ يطلب من الخير الغاية ، ويروم من السعادة النهاية ، فلو كانت تصاريف الاُمور ، ومواقع المقدور ، على ما يرومون ، وموكّلاً من قواهم واستطاعاتهم إلى ما يقدورن ، والجماعة تطلب نهاية الخير ، وتتجنّب أدنى مواقع الضير ، لما رؤي فقير ، ولا مسكين ضرير ، ولما احتاج أحد إلى أحدٍ ، ولا افتقرت يد إلى يد ، وأنت الاٰن ترى السيّد والمسود ، والمجذوذ والمجدود ، والغنيّ الخجل والفقير المدقع .

______________________

(١) الحريش : دويبة قدر الاصبع بأرجل كثيرة وهي المسماة : دخالة الاذن ، المعروفة عند العوام بام أربع وأربعين .

٤٦٠