شرح زيارة آل ياسين

الشيخ علي الكوراني العاملي

شرح زيارة آل ياسين

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٦

١
٢

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين ، لاسيما إمامنا المهدي المنتظر أرواحنا فداه.

وبعد ، فإن ما يقرب من ربع المسلمين في العالم يعتقدون بوجود الإمام المهدي الموعود عليه‌السلام ، وأنه غائب يعمل بأمر ربه ، مع الخضر عليه‌السلام وجنود الله في الغيب ، حتى يظهره الله تعالى ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً.

ويزوره كثير من المؤمنين كل يوم بزيارات بليغة ، تعلموها من علمائهم وأئمتهم عليهم‌السلام ، وهي تتضمن السلام عليه ، وذكرأوصافه ومقامه عند الله تعالى ، والطلب منه أن يشمل الزائر برضاه ، ودعائه وشفاعته.

ومن الزيارات المشهورة له المعروفة بزيارة آل ياسين ، لأنها تبدأ بالسلام على آل ياسين ، وهم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٣

وقد طلب مني بعض المؤمنين أن أشرحها ، فكتبت هذا الكتيِّب ، وركزت على المعاني أكثر من الألفاظ ، لأن ذلك أنفع لعامة الناس.

وينبغي الإشارة الى بلاغة أهل البيت عليهم‌السلام التي يضرب بها المثل ، لأنهم مع جدهم المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله أفصح من نطق بالضاد ، ومَلَكَ ناصية اللغة العربية ، وصاغت أنامله العقود من مفرداتها.

إن زيارات الأئمة عليهم‌السلام بابٌ لم يعرفه الأدباء ، وهو بابٌ غنيٌّ ، جديرٌ بالتأمل والبحث ، وأخص منه الزيارة المعروفة بالزيارة الجامعة ، التي أملاها الإمام علي الهادي عليه‌السلام ، والتي تشبه نصوصها زيارة آل ياسين.

نفعنا الله بحب النبي وآله ، وزيارتهم ، وشفاعتهم ، إنه سميع مجيب.

كتبه بقم المشرفة

علي الكَوْرَاني العاملي

في العشرين من شعبان المعظم ـ ١٤٣٤

٤

الفصل الأول :

حول سند الزيارة ونصها

نص الزيارة برواية الطبرسي رحمه‌الله في الإحتجاج

١. سلامٌ على آل ياسين.

٢. السلامُ عليك يا داعيَ الله وربانيَّ آياته.

٣. السلام عليك يا بابَ الله ودَيَّانَ دينه.

٤. السلام عليك يا خليفةَ الله وناصرَ حقه.

٥. السلام عليك يا حجةَ الله ودليل إرادته.

٦. السلام عليك يا تاليَ كتاب الله وترجمانه.

٧. السلام عليك يا بقيةَ الله في أرضه.

٨. السلام عليك يا ميثاقَ الله الذي أخذه ووكَّده.

٩. السلام عليك يا وعدَ الله الذي ضمنه.

١٠. السلام عليك أيها العلمُ المنصوب ، والعِلْمُ المصبوب ، والغوْث والرحمة الواسعة ، وعداً غير مكذوب.

١١. السلام عليك حين تقعد ، السلام عليك حين تقوم.

٥

١٢. السلام عليك حين تقرأ وتُبين.

١٣. السلام عليك حين تُصلي وتقنت.

١٤. السلام عليك حين تركع وتسجد.

١٥. السلام عليك حين تُكبر وتُهلل.

١٦. السلام عليك حين تحمد وتستغفر.

١٧. السلام عليك حين تُمسي وتصبح.

١٨. السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى.

١٩. السلام عليك أيها الإمام المأمون.

٢٠. السلام عليك أيها المُقَدَّمُ المأمول.

٢١. السلام عليك بجوامع السلام.

٢٢. أشهدك يا مولاي أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ٢٣. وأن محمداً عبده ورسوله ، لا حبيب إلا هو وأهله.

٢٤. وأشهد أن أمير المؤمنين حجته ، والحسن حجته ، والحسين حجته ، وعلي بن الحسين حجته ، ومحمد بن علي حجته ، وجعفر بن محمد حجته ، وموسى بن جعفر حجته ، وعلي بن موسى حجته ،

٦

ومحمد بن علي حجته ، وعلي بن محمد حجته ، والحسن بن علي حجته ، وأشهد أنك حجة الله.

٢٥. أنتم الأول والآخر ، وأن رجعتكم حق لا شك فيها ، يوم : لايَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا.

٢٦. وأن الموت حق ، وأن ناكراً ونكيراً حق.

٢٧. وأشهد أن النشر والبعث حق ، وأن الصراط والمرصاد حق ، والميزان والحساب حق ، والجنة والنار حق ، والوعد والوعيدبهما حق.

٢٨. يا مولاي شقيَ من خالفكم ، وسَعِدَ من أطاعكم.

٢٩. فاشهد على ما أشهدتك عليه ، وأنا وليٌّ لك ، برئٌ من عدوك ، فالحق ما رضيتموه ، والباطل ما سخطتموه ، والمعروف ما أمرتم به ، والمنكر ما نهيتم عنه. فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له ، وبرسوله وبأمير المؤمنين ، وبأئمة المؤمنين. بكم يا مولاي ، أولكم وآخركم.

ونصرتي معدة لكم ، ومودتي خالصة لكم. « الاحتجاج : ٢ / ٣١٦ »

٧

سند الزيارة ونصها برواية ابن المشهدي رحمه‌الله

في كتاب المزار لمحمد بن جعفر المشهدي / ٥٦٦ :

زيارة مولانا الخلف الصالح صاحب الزمان عليه وعلى آبائه السلام :

حدثنا الشيخ الأجل الفقيه العالم أبو محمد ، عربي بن مسافرالعبادي رضي الله عنه ، قراءةً عليه بداره بالحلة السيفية ، في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة.

وحدثني الشيخ العفيف أبو البقاء ، هبة الله بن نماء بن علي بن حمدون رحمه‌الله ، قراءة عليه أيضاً بالحلة السيفية ، قالا جميعاً :

حدثنا الشيخ الأمين أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن علي بن طحال المقدادي رحمه‌الله ، بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، في الطرز الكبير الذي عند رأس الإمام عليه‌السلام ، في العشر الأواخر من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وخمس مائة ، قال :

حدثنا الشيخ الأجل السيد المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسي رضي الله عنه بالمشهد المذكور ، في العشر الأواخر من ذي العقدة سنة تسع وخمس مائة ، قال :

٨

حدثنا السيد السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن أشناس البزاز ، قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن يحيى القمي ، قال : حدثنا محمد بن علي بن زنجويه القمي ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : قال أبو علي الحسن بن أشناس ، وأخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، أن أبا جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أخبره وأجاز له جميع ما رواه ، أنه خرج إليه من الناحية ، حرسها الله ، بعد المسائل والصلاة والتوجه ، أوله :

بسم الله الرحمن الرحيم ، لا لأمر الله تعقلون ولا من أوليائه تقبلون ، حكمةٌ بالغةٌ ، وَمَا تُغْنِى الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ. والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. فإذا أردتم التوجه بنا إلى الله تعالى وإلينا ، فقولوا كما قال الله تعالى : سلام على آل يس. ذلك هو الفضل المبين ، والله ذو الفضل العظيم ، لمن يهديه صراطه المستقيم.

التوجه : قد آتاكم الله يا آل يس خلافته ، وعِلْمَ مجاري أمره ، فيما قضاه ودبره وأراده في ملكوته ، وكشف لكم الغطاء ، وأنتم خزنته وشهداؤه

٩

وعلماؤه وأمناؤه ، وساسة العباد ، وأركان البلاد ، وقضاة الأحكام ، وأبواب الإيمان.

ومن تقديره منائح العطاء بكم ، إنفاذه محتوماً مقروناً ، فما شئ منه إلا وأنتم له السبب واليه السبيل ، خياره لوليكم نعمة ، وانتقامه من عدوكم سخطة ، فلا نجاة ولا مفزع إلا أنتم ، ولا مذهب عنكم ، يا أعين الله الناظرة ، وحملة معرفته ، ومساكن توحيده في أرضه وسمائه.

وأنت يا حجة الله وبقيته ، كمال نعمته ، ووارث أنبيائه وخلفائه ، ما بلغناه من دهرنا ، وصاحب الرجعة لوعد ربنا ، التي فيها دولة الحق وفرجنا ، ونصر الله لنا وعزنا.

السلام عليك أيها العلم المنصوب ، والعلم المصبوب ، والغوث والرحمة الواسعة ، وعداً غير مكذوب.

السلام عليك يا صاحب المرأى والمسمع ، الذي بعين الله مواثيقه ، وبيد الله عهوده ، وبقدرة الله سلطانه.

أنت الحكيم الذي لا تعجله العصبية ، والكريم الذي لا تبخله الحفيظة ، والعالم الذي لا تجهله الحمية ، مجاهدتك في الله ذات مشية الله

١٠

ومقارعتك في الله ذات انتقام الله ، وصبرك في الله ذو أناة الله ، وشكرك لله ذو مزيد الله ورحمته.

السلام عليك يا محفوظاً بالله ، الله نَوَّرَ أمامه ووراءه ويمينه وشماله وفوقه وتحته. السلام عليك يا مخزوناً في قدرة الله ، الله نَور سمعه وبصره. السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه ، ويا ميثاق الله الذي أخذه ووكده.

السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته. السلام عليك يا باب الله وديان دينه. السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه. السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته. السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه. السلام عليك في آناء ليلك ونهارك. السلام عليك يا بقية الله في أرضه.

السلام عليك حين تقوم ، السلام عليك حين تقعد ، السلام عليك حين تقرأ وتبين ، السلام عليك حين تصلي وتقنت ، السلام عليك حين تركع وتسجد ، السلام عليك حين تعوذ وتسبح ، السلام عليك حين تهلل وتكبر ، السلام عليك حين تحمد وتستغفر ، السلام عليك حين تمجد وتمدح ، السلام عليك حين تمسي وتصبح ، السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ، السلام عليك في الآخرة والأولى.

١١

السلام عليكم يا حجج الله ورعاتنا ، وقادتنا وأئمتنا ، وسادتنا وموالينا ، السلام عليكم ، أنتم نورنا ، وأنتم جاهنا أوقاتَ صلواتنا ، وعصمتنا لدعائنا وصلاتنا ، وصيامنا واستغفارنا ، وسائر أعمالنا.

السلام عليك أيها الإمام المأمول ، السلام عليك بجوامع السلام. أشهدك يا مولاي ، إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، لا حبيب إلا هو وأهله ، وأن أمير المؤمنين حجته ، وأن الحسن حجته ، وأن الحسين حجته ، وأن علي بن الحسين حجته ، وأن محمد بن علي حجته ، وأن جعفر بن محمد حجته ، وأن موسى بن جعفر حجته ، وأن علي بن موسى حجته ، وأن محمد بن علي حجته ، وأن علي بن محمد حجته ، وأن الحسن بن علي حجته ، وأنت حجته ، وان الأنبياء دعاة وهداة رشدكم.

أنتم الأول والآخر وخاتمته ، وإن رجعتكم حق لا شك فيها يوم ، لايَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ، وأن الموت حق ، وأن منكراً ونكيراً حق ، وأن النشر حق ، والبعث حق ، وأن الصراط حق ، والمرصاد حق ، وأن الميزان حق ، والحساب

١٢

حق ، وأن الجنة والنار حق ، والجزاء بهما للوعد والوعيد حق ، وأنكم للشفاعة حق ، لا تُردون ولا تُسبقون بمشية الله ، وبأمره تعملون.

ولله الرحمة والكلمة العليا ، وبيده الحسنى ، وحجة الله النعمى ، خلق الجن والإنس لعبادته ، أراد من عباده عبادته ، فشقيٌّ وسعيد ، قد شقي من خالفكم ، وسعد من أطاعكم.

وأنت يا مولاي فاشهد بما أشهدتك عليه ، تخزنه وتحفظه لي عندك ، أموت عليه وأنشر عليه وأقف به ، ولياً لك ، بريئاً من عدوك ، ماقتاً لمن أبغضكم ، وادّاً لمن أحبكم. فالحق ما رضيتموه ، والباطل ما سخطتموه ، والمعروف ما أمرتم به ، والمنكر ما نهيتم عنه ، والقضاء المثبت ما استأثرت به مشيتكم ، والمحو ما استأثرت به سنتكم.

فلا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ومحمد عبده ورسوله ، وعلي أمير المؤمنين حجته ، والحسن حجته ، والحسين حجته ، وعلي حجته ، ومحمد حجته ، وجعفر حجته ، وموسى حجته ، وعلي حجته ، ومحمد حجته ، وعلي حجته ، والحسن حجته ، وأنت حجته وأنتم حججه وبراهينه.

١٣

أنا يا مولاي مستبشر بالبيعة التي أخذ الله عليَّ شرطها قتالاً في سبيله ، اشترى به أنفس المؤمنين ، فنفسي مؤمنة بالله وبكم يا مولاي ، أولكم وآخركم ، ونصرتي لكم معدة ، ومودتي خالصة لكم ، وبراءتي من أعدائكم ، أهل الحردة والجدال ثابتة لثاركم.

أنا ولي وحيد ، والله إله الحق يجعلني كذلك ، آمين آمين. من لي إلا أنت فيما دِنت واعتصمت بك فيه ، تحرسني فيما تقربت به إليك ، يا وقاية الله وستره وبركته ، أغثني أدركني ، صلني بك ولا تقطعني.

اللهم إليك بهم توسلي وتقربي. اللهم صل على محمد وآله وصلني بهم ولا تقطعني ، اللهم بحجتك اعصمني ، وسلامك على آل يس.

مولاي ، أنت الجاه عند الله ربك وربي ».

١٤

ملاحظات

النص الكامل للرواية :

هذا هو النص الكامل للزيارة برواية ابن المشهدي رحمه‌الله ، وقد نص على حَذْف مسائل الحميري رحمه‌الله وأجوبة الإمام عليه‌السلام عليها من النص ، وليته أوردها كاملة ، لأنها جزءٌ من الرسالة توضح المقصود بالتوبيخ في الفقرة الأولى وهي قوله : لا لأمر الله تعقلون ولا من أوليائه تقبلون .. الخ.

فلا بد أن تكون جواباً لأناس طرحوا بعض المقولات.

ومع ثقتنا بصحة السند وأمانة الرواة ، من محمد بن المشهدي الراوي الأول الى ابن جعفرالحميري الراوي الأخير ، رضوان الله عليهم ، فإنا نرى وجود خلل في نسخته ، من أحد النساخ أو أكثر من واحد. ونتوقف في الدعاء المروي بعدها.

هل الزيارة من كلام الإمام عليه‌السلام أو سفيره؟

يمكن افتراض أن نص الزيارة من كلام الإمام المهدي عليه‌السلام ، ولايرد عليه الإشكال : كيف يُعَلِّمُ الإمام المسلمين زيارة نفسه ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٥

والأئمة عليهم‌السلام علموا المسلمين كيف يخاطبونهم ويزورونهم ، ولا غرابة في ذلك ، لأنهم معصومون ، لا ينطقون عن الهوى.

لكن المرجح عندنا أن يكون جواب المسائل فقط من الإمام عليه‌السلام والزيارة من نص السفير الحسين بن روح رضي الله عنه ، لأن الحميري كان يكاتب الإمام عن طريقه ، وكان يملي له بعض الأجوبة.

قال الحر العاملي في الوسائل « ٢٠ / ٣١ » : « واعلم أنه قد روى الشيخ في كتاب الغيبة جميع مسائل إسحاق بن يعقوب وجواباتها من صاحب الزمان عليه‌السلام عن جماعة .. وروى جميع مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه‌السلام ، عن جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود قال : وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي ، وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح ، وذكر المسائل كما رواها الطبرسي ».

وقال الشيخ الطوسي في الغيبة / ٣٧٣ : « أخبرنا جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود القمي قال : وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي ، وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه ، على ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل أنفذت من قم ، يسأل عنها : هل هي جوابات الفقيه

١٦

عليه‌السلام أو جوابات محمد بن علي الشلمغاني ، لأنه حكي عنه أنه قال : هذه المسائل أنا أجبت عنها ، فكتب إليهم على ظهر كتابهم :

بسم الله الرحمن الرحيم : قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمنته فجميعه جوابنا عن المسائل ، ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري لعنه الله ، في حرف منه ».

فنلاحظ أن الحسين بن روح رضوان الله عليه قال إنها « جوابنا » وهو أعم من أن يكون بخط الإمام عليه‌السلام ونصه ، أو بمضمونه عن الإمام عليه‌السلام ونص معتمده الحسين بن روح. وليس عجيباً على مثل ابن روح في جلالة قدره وعلمه ومنزلته الخصيصة ، أن يأمره الإمام عليه‌السلام بالإجابة في نوع من المسائل ، ويخوله بأن يُعَلِّمَ الشيعة زيارة الأئمة عليهم‌السلام.

وهذا الإحتمال لا يقلل من قيمة زيارة آل ياسين ، خاصة وأن بلاغتها من نوع كلام الأئمة عليهم‌السلام ، فإن تكن من إملاء السفير الحسين بن روح رضي الله عنه ، فهو أتقى من أن يقول شيئاً في الدين ومقامات الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام ، لم يسمعه من إمامه المهدي عليه‌السلام بلفظه أو بمعناه.

ويدل على ذلك هذه القصة البليغة عنه رحمه‌الله التي رواها الصدوق رحمه‌الله في علل الشرائع « ١ / ٢٤١ » قال : « حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني

١٧

رضي الله عنه قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه ، مع جماعة فيهم على بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال له : أريد أسألك عن شئ ، فقال له : سل عما بدا لك ، فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن علي عليه‌السلام أهو ولي الله؟ قال : نعم. قال : أخبرني عن قاتله لعنه الله ، أهو عدو الله؟ قال : نعم.

قال الرجل : فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه؟!

فقال له أبو القاسم قدس الله روحه : إفهم عني ما أقول لك ، إعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بشهادة العيان ، ولا يشافههم بالكلام ، ولكنه عز وجل بعث إليهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم ، بشراً مثلهم ، فلو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم ، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، قالوا لهم : أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشئ نعجز أن نأتي بمثله ، فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه. فجعل الله تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار ، فغرق جميع من طغى وتمرد ، ومنهم من ألقيَ في النار فكانت عليه برداً وسلاماً ، ومنهم من أخرج

١٨

له من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبناً ، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون ، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً فتلقف ما يأفكون. ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله تعالى ، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم ، مثل البعير والذئب وغير ذلك.

فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير الله تعالى ولطفه بعباده وحكمته ، أن جعل أنبياءه علهيم السلام مع هذه المعجزات ، في حالٍ غالبين وفي أخرى مغلوبين ، وفي حالٍ قاهرين وفي حالٍ مقهورين.

ولو جعلهم عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم ، لاتخذهم الناس آلهة من دون الله تعالى ، ولما عُرِفَ فضل صبرهم على البلاء والمحن والإختبار.

ولكنه عز وجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ، ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم علهيم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه

١٩

ويطيعوا رسله ، وتكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم ، وادعى لهم الربوبية ، أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل عليهم‌السلام : لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ.

قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه : فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه من الغد ، وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟

فابتدأني فقال لي : يا محمد بن إبراهيم ، لأن يُلْقَى بي من شاهق ، أو أَخِرَّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق ، أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ، ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه ».

أقول : هذا يدل على مقام عظيم للحسين بن روح (قدس سره) وأنه عرف ما في نفس الشخص ، وأن ما يقوله سفراء الإمام رضي الله عنهم ، لا يقولونه إلا بعلم ويقين ، وليس باجتهاد وظن ، كما يفعل كثير من المؤلفين في عصرنا!

٢٠