موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١٠

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١٠

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-500-7
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٨٠

وهي في قسمين :

القسم الأوّل : في كتبه إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

القسم الثاني : في كتابه إلى الإمام الحسن عليه‌السلام ، وكتابه إلى محمد بن الحنفية.

والقسم الأوّل فيه ثلاثة أبحاث :

البحث الأوّل : في معلوم الموضوع.

والبحث الثاني : في مجهول الموضوع.

والبحث الثالث : في كتب غير صحيحة النسبة.

٢٨١
٢٨٢

القسم الأوّل

البحث الأوّل

في معلوم الموضوع

فمنه كتابه إلى الإمام عليه‌السلام وذلك أيام ولايته على البصرة كما مرّ (١) ، فقد كتب إليه يسأله عن ميراث ستة إخوة وجدّ ، فهو إنّما يستفتيه في مسألة ميراث الجدّ مع الإخوة ، لأنّ هذه المسألة كانت قد وقع فيها الخلاف في فتاوى الصحابة ، فأبو بكر جعل الجدّ أباً كما رواه البخاري في صحيحه في باب ميراث الجدّ ، ولم يتبعه عمر من بعده على ذلك حيث أراد أن يأخذ المال كلّه إذ مات له ابن في حياته.

قال الشعبي : ( أوّل جدّ ورث في الإسلام عمر فأخذ ماله ، فأتاه عليّ وزيد فقالا : ليس لك ذلك ، إنّما كنت كأحد الأخوين ) (٢).

____________

١ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٤ / ٦٨.

٢ ـ سنن الدارمي ٢ / ٣٥٤.

٢٨٣

وقد أخرج البيهقي في سننه الكبرى ، عن عبيدة ( ابن عبيدة ) ، قال : ( إنّي لأحفظ عن عمر في الجدّ مائة قضية ، كلّها ينقض بعضها بعضاً ) (١)!

وفي ( مستدرك الحاكم ) عن مروان بن الحكم : ( أنّ عمر بن الخطاب لمّا طعن استشارهم في الجدّ ، فقال : إنّي كنت رأيت في الجدّ رأياً فإن رأيتم أن تتبعوه فاتبعوه ، فقال له عثمان : إن نتبع رأيك فإنّه رشد وإن نتبع رأي الشيخ فلنعم ذو الرأي كان ) (٢).

ولمّا كان الخلفاء الثلاثة لم يتفقوا على رأي واحد ، فكان الصحابة كذلك حتى لقد روى العامّة عن الإمام عليّ عليه‌السلام ثلاث روايات في المسألة :

إحداها : أنّه يدفع إلى الجدّ السدس أو المقاسمة ، فإن كانت المقاسمة خيراً له من السدس فالمقاسمة ، وإلاّ فالسدس (٣).

والثانية : للجدّ المقاسمة أو السبع (٤).

والثالثة : المقاسمة أو الثمن (٥).

قال الشيخ الطوسي : ( وروي عنه أنّه قال في سبعة إخوة وجدّ ( هو كأحدهم ) ، وهذه الرواية تدلّ على مذهبنا لأنّها مثل ما رويناه عنه عليه‌السلام ) (٦).

____________

١ ـ السنن الكبرى ٦ / ٢٤٥.

٢ ـ المستدرك ٤٤ / ٣٤٠.

٣ ـ الخلاف ٤ / ٩٠ ، للشيخ الطوسي ط مؤسسة النشر الإسلامية.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٦ ـ الخلاف ٤ / ٩٠ ، للشيخ الطوسي ط مؤسسة النشر الإسلامية.

٢٨٤

أقول : لعلّه يريد بهذا ما قاله الشيخ الصدوق رحمة الله في كتابه من لا يحضره الفقيه ، فقد قال : ( وقال الفضل بن شاذان : إعلم أنّ الجدّ بمنزلة الأخ أبداً يرث حيث يرث ، ويسقط حيث يسقط ، وغلط الفضل في ذلك ، لأنّ الجدّ يرث مع ولد الولد ولا يرث معه الأخ ، ويرث الجدّ من قبل الأب مع الأب ، والجدّ من قبل الأم مع الأم ، ولا يرث الأخ مع الأب والأخ ، وابن الأخ يرث مع الجدّ ولا يرث مع الأخ ، فكيف يكون الجدّ بمنزلة الأخ أبداً؟ وكيف يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط؟ بل الجدّ مع الإخوة بمنزلة واحد منهم ، فأمّا أن يكون أبداً بمنزلتهم يرث حيث يرث الأخ ويسقط حيث يسقط فلا.

وذكر الفضل بن شاذان من الدليل على ذلك : ما رواه فراس ، عن الشعبي ، عن ابن عباس ، أنّه قال : كتب إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في ستة إخوة وجدّ : ( أن إجعله كأحدهم وامح كتابي ) فجعله عليّ عليه‌السلام سابعهم ، وقوله عليه‌السلام : ( وامح كتابي ) كره أن يشنّع عليه بالخلاف على من تقدمه ، وليس هذا بحجة للفضل بن شاذان ، لأنّ هذا الخبر إنّما يثبت أنّ الجدّ مع الإخوة بمنزلة واحدة منهم ، وليس يثبت كونه أبداً بمنزلة الأخ ، ولا ثبت أنّه يرث حيث يرث الأخ ، ويسقط حيث يسقط الأخ به ) (١).

أقول : وما ذكره الصدوق عن فراس عن الشعبي ، رواه البيهقي بسنده في سننه الكبرى ، ولفظه قال : ( كتب ابن عباس إلى عليّ رضي‌الله‌عنه يسأله عن ستة

____________

١ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٠٨.

٢٨٥

إخوة وجدّ ، فكتب إليه : ( إجعله كأحدهم ، وأمح كتابي ) (١).

وتبقى مسألة ميراث الجدّ من معضلات المسائل حتى روي عن الإمام عليه‌السلام أنّه قال : ( من أراد أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الجدّ ) (٢).

وسيأتي مزيد إيضاح في الحلقة الثالثة في فقهه.

ومن الكتب المعلوم موضوعها ما كتب به إلى الإمام عليه‌السلام معزّياً بمقتل محمد بن أبي بكر جواباً عن كتابه.

قال الطبري في تاريخه : ( قال أبو مخنف في كتابيه مقتل محمّد بن أبي بكر والأشتر ، وقد ذكر كتاب الإمام إلى ابن عباس بصورة أوسع ممّا مرّ وهي : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله ابن عباس ، سلام عليك ، فإنّي أحمد الله إليك الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فإنّ مصر قد افتتحت ، ومحمّد بن أبي بكر قد استشهد ، فعند الله نحتسبه وندّخره ، وقد كنت قمت في الناس في بدئه ، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ، ودعوتهم سراً وجهراً ، وعَوداً وبدءاً ، فمنهم من أتى كارهاً ، ومنهم من اعتل كاذباً ، ومنهم القاعد حالاً ( خاذلاً ) ، أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجاً ومخرجاً ، وأن يريحني منهم عاجلاً ، والله لولا طمعي عند لقاء عدوي في الشهادة ، لأحببت ألاّ أبقى مع هؤلاء يوماً واحداً ، عزم الله لنا ولك على الرشد ، وعلى تقواه وهداه ، إنّه على كلّ شيء قدير والسلام ) (٣).

____________

١ ـ السنن الكبرى ٦ / ٢٤٩.

٢ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٠٨ تح المرحوم السيد الوالدR.

٣ ـ أنظر تاريخ الطبري ٥ / ١٠٩ ط محققه.

٢٨٦

وهذا الكتاب كما تضمن إعلام ابن عباس بفتح مصر وقتل محمّد بن أبي بكر ، كذلك تضمّن إعلامه بحال الناس معه في عدم إستجابتهم حين يدعوهم لما يحييهم ، فهو يبثّ ابن عمه شكواه منهم ، ومن تمنّيه مفارقتهم يُعلم مبلغ حزنه عليه‌السلام ، ولا ريب أنّ ابن عباس أحزنه جميع ذلك ، فبادر بالجواب معزّياً ومواسياً ، ومخفّفاً بعض ما يجده الإمام من الناس بمداراتهم فكتب إليه :

( بسم الله الرحمن الرحيم ، لعبد الله عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس ، سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، أمّا بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه إفتتاح مصر ، وهلاك محمّد بن أبي بكر ، فالله المستعان على كلّ حال ، ورحم الله محمّد بن أبي بكر ، وآجرك يا أمير المؤمنين ، وقد سألت الله أن يجعل لك من رعيّتك التي ابتليت بها فرجاً ومخرجاً ، وأن يُعزّك بالملائكة عاجلاً بالنصرة ، فإنّ الله صانع لك ذلك ، ومعزّك ومجيب دعوتك ، وكابت عدوك ، أخبرك يا أمير المؤمنين أنّ الناس ربّما تثاقلوا ثمّ ينشطون ، فارفق بهم يا أمير المؤمنين ، وداجنهم ومنّهم ، واستعن بالله عليهم ، كفاك الله المهمّ والسلام ) (١).

ويبدو أنّ حزن الإمام عليه‌السلام على مقتل محمّد قد ألقى بظلاله الحزينة على ابن عباس من خلال كتابه إليه وجوابه هو الآخر عليه ، وشقّ على ابن عباس ذلك التشرذم الذي عرا المجتمع بالكوفة ، فرأى أنّ جوابه على كتاب الإمام عليه‌السلام وحده لن يخفف من غلواء حزنه ، فصمّم على التوجّه إلى الكوفة بنفسه ليسلّي الإمام عليه‌السلام عن تلك الفوادح التي تضافرت عليه فانتابته غرضاً ، وأورثته حزناً كاد معه أن يكون حَرَضاً.

____________

١ ـ أنظر تاريخ الطبري ٥ / ١٠٩ ط دار المعارف.

٢٨٧

فقد ذكر الطبري : بسنده عن أبي نعامة ، قال : ( لمّا قتل محمّد بن أبي بكر بمصر ، خرج ابن عباس من البصرة إلى عليّ بالكوفة واستخلف زياداً ) (١).

وقال إبراهيم بن محمّد الثقفي : ( في حديثه عن فتنة ابن الحضرمي بالبصرة ـ كما سيأتي ـ وإنّ الأمير بالبصرة يومئذ زياد بن عبيد قد استخلفه عبد الله بن عباس وقدم على عليّ عليه‌السلام إلى الكوفة يعزّيه عن محمّد بن أبي بكر ... ) (٢).

____________

١ ـ نفس المصدر ٥ / ١١٠ ط دار المعارف.

٢ ـ الغارات / ٣٨٧ تح ـ الأرموي.

٢٨٨

البحث الثاني

في مجهول الموضوع

فمنه ما أخرج الخطيب البغدادي في كتاب ( الفقيه والمتفقه ) ، قال : ( أخبرني علي بن أبي علي البصري ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن همام الشيباني ، حدثني حمد بن محمد الخوارزمي ، نا بقية ، نا أبو حاتم الرازي ، نا أحمد بن أبي الحواري ، قال : حدثني أبو حفص الماعوني ، عن عبد الله بن لهيعة ، قال : كتب ابن عباس إلى عليّ يستحثّه (؟) فكتب إليه مجيباً : ( إنّه ينبغي لك أن يكون أوّل عملك كما أنت فيه البصر بهداية الطريق ، ولا تستوحش بقلة أهلها ، فإنّ إبراهيم كان أمّة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين ، لم يستوحش مع الله في طريق الهداية إذ قلّ أهلها ، ولم يأنس بغير الله ) (١).

ولم يذكر الراوي لنا من موضوع الكتاب سوى أنّه يستحثه ، أمّا على ماذا كان يستحثه؟ وهذا ما أشرت إليه بعلامة الإستفهام بين قوسين ، والذي يبدو لي من جواب الإمام عليه‌السلام أنّه ينصحه بالتريث في الأمر والأناة ، وفي ضربه المثل

____________

١ ـ الفقيه والمتفقه ٢ / ١٩١ نشر دار إحياء السنة النبوية سنة ( ١٣٩٥ هـ ).

٢٨٩

بإبراهيم عليه‌السلام ، أنّ الأمر الذي أراده ابن عباس في كتابه ، ممّا يتعلق بشؤون الخلافة ، أمّا في أي زمان كان ذلك؟ فظاهره كان في زمان ولايته على البصرة حيث احتاج أن يكتب كتاباً ، وأمّا قبل ذلك فقد كان مع الإمام عليه‌السلام في المدينة فليس بحاجة أن يكتب كتاباً ، وأخال أن ذلك كان بعد خيانة الحكمين وتشتت كلمة المسلمين ، وخروج الخوارج بالنهروان وقتلهم.

٢٩٠

البحث الثالث

في كتب غير صحيحة النسبة

تلكم هي الكتب التي وردت في تهمة خيانة مال البصرة ، وهي عدّة كتب دارت بينه وبين الإمام عليه‌السلام ، وسنأتي على ذكرها في الحلقة الرابعة ( ابن عباس في الميزان ) ، فلا حاجة إلى ذكرها قبل ذلك.

وممّا يلحق بما كتبه في أيام ولايته على البصرة من قبل الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كتابه إلى معقل بن قيس قائد الحملة التأديبية للخوارج الذين خرجوا مع الخريت بن ناجية يعيثون في الأرض فساداً حتى بلغوا الأهواز ونزلوا جانباً منه ، وتلاحق مع الخريت مَن كان على رأيه من أهل الكوفة نحو من مائتين ، فأتى زياد بن خصفة إلى البصرة ، وكان ابن عباس يومئذ بها ، فأخبره وكتب إلى الإمام عليه‌السلام بتفصيل ما جرى له ، فندب الإمام عليه‌السلام ألفين من أهل الكوفة مع معقل بن قيس ، وكتب إلى ابن عباس : ( أمّا بعد فابعث رجلاً من قبلك صليباً شجاعاً معروفاً بالصلاح في ألفي رجل فليتبع معقلاً ، فإذا مرّ ببلاد البصرة فهو أمير أصحابه حتى يلقى معقلاً ، فإذا لقي معقلاً فمعقل أمير

٢٩١

الفريقين ، وليسمع من معقل وليُطعه ، ولا يخالفه ، ومر زياد بن خصفة فليُقبل ، فنعم المرء زياد ، ونعم القبيل قبيله والسلام ).

فندب ابن عباس الناس مع خالد بن معدان الطائي ـ وكان من ذوي البأس والنجدة والحزم والرأي ـ وأوصاه بطاعة معقل إذا لقيه ، وأنّه الأمير عليه ، وخرج خالد ومعه ألفان من مقاتلة البصرة ، وأرسل ابن عباس بفيج (١) يشتد ليلحق معقل ومعه كتاب فيه :

( أمّا بعد فإن أدركك رسولي بالمكان الذي كنت فيه مقيماً ، أو أدركك وقد شخصت منه فلا تبرح المكان الذي ينتهي فيه إليك رسولي واثبت فيه حتى يقدم عليك بعثنا الذي وجّهناه إليك. فإنّي قد بعثت إليك خالد بن معدان الطائي ، وهو من أهل الإصلاح والدين والبأس والنجدة فاسمع منه واعرف ذلك والسلام ).

فأدرك الفيج معقلاً وقد سار من الأهواز فلمّا قرأ الكتاب أقام حتى أتاه خالد ومن معه من مقاتلة البصرة ، فسار يتتبع آثار الخرّيت فبلغه أنّه وأصحابه يرتفعون نحو جبال رامهرمز (٢) يريدون قلعة حصينة بها ، فخرج معقل في إثرهم ... (٣).

____________

١ ـ الفيج : هو رسول السلطان يسعى على قدمه ( المصباح المنير ).

٢ ـ رامهرمز : مدينة مشهورة بنواحي خوزستان ( مراصد الاطلاع ).

٣ ـ راجع بقية الخبر في الموسوعة / الحلقة الأولى ٤ / ٢٦٧.

٢٩٢

القسم الثاني

ما كتب به إلى الإمام الحسن عليه‌السلام

بعد شهادة أبيه عليهما‌السلام

وكان كتابه من البصرة يستحثه على مناجزة معاوية القتال.

وأقدم من وقفت على رواته من المؤرخين هو شيخهم أبو مخنف المتوفى سنة ( ١٥٧ هـ ) ، وعوانة بن الحكم ( ت ١٥٨ هـ ) (١) ، كما أشار إلى ذلك البلاذري ( ت ٢٧٩ هـ ) ، فقال : ( ثمّ مكث ـ الحسن عليه‌السلام ـ أياماً ذات عدد يقال : خمسين ليلة ، ويقال : أكثر منها ـ وهو لا يذكر حرباً ولا مسيراً إلى الشام. وكتب إليه عبد الله بن عباس كتاباً يعلمه فيه أنّ عليّاً لم يجب إلى الحكومة إلاّ وهو يرى في أنّه إذا حكم بالكتاب يردّ الأمر إليه ، فلمّا مال القوم إلى الهوى فحكموا به ونبذوا حكم الكتاب ، رجع إلى أمره الأوّل ، فشمّر للحرب ودعا إليها أهل طاعته ، فكان رأيه الذي فارق الدنيا عليه جهاد هؤلاء القوم ، ويشير عليه أن ينهد إليهم وينصب لهم ولا يعجز ولا يهن ) (٢).

____________

١ ـ نكت الهميان للصفدي / ٢٢٢.

٢ ـ أنساب الأشراف ( ترجمة الإمام الحسن u ) رقم ٤٣.

٢٩٣

هذه إشارة البلاذري.

ولكنه في ترجمة ابن عباس ذكره مختصراً بسنده عن عوانة ، قال : ( كتب ابن عباس إلى الحسن بن عليّ : إنّ المسلمين قد ولّوك أمورهم بعد عليّ ، فشمّر لحربك ، وجاهد عدوك ، ودار أصحابك ، واشتر من الظنين دينه ولا تسلم دينك ، ووال أهل البيوتات والشرف تستصلح عشائرهم ، واعلم أنّك تحارب من حادّ الله ورسوله ، فلا تخرجن من حقّ أنت أولى به ، وإن حال الموت دون ما تحبّ ) (١).

وبنحو هذا رواه ابن قتيبة ( ت ٢٧٦ ) (٢) ، وبأخصر من ذلك رواه ابن عبد ربه (٣) ، ولم أعرف مغزى إختصارهم جميعاً وإعراضهم عن ذكر جميعه!

وأوفى من رواه هو المدائني ( ت ٢٢٥ هـ ) ، وعنه ابن أبي الحديد ( ت ٦٥٥ هـ ) في ( شرح النهج ) ، وروايته تكاد تكون مطابقة لما رواه ابن أعثم ( ت ٣١٤ هـ ).

وها نحن نذكر الكتاب نقلاً عنه بإضافة ما في رواية المدائني نقلاً عن ( شرح النهج ) لابن أبي الحديد (٤) ، جاعلين ذلك بين قوسين للتمييز :

( ذكر كتاب عبد الله بن عباس من البصرة إلى الحسن بن عليّ رضي‌الله‌عنها.

قال : فلمّا مضى عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه إلى سبيل الله اجتمع الناس إلى

____________

١ ـ أنساب الأشراف ( ترجمة ابن عباس ) رقم ١٠٧.

٢ ـ عيون الأخبار ١ / ١٤ ط دار الكتب.

٣ ـ العقد الفريد ١ / ٣٠ و ٤ / ٣٦١ تحـ أحمد أمين ورفيقيه.

٤ ـ شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ٨ ط مصر الأولى و ١٦ / ٢٣ ط محققة.

٢٩٤

ابنه الحسن ، فبايعوه ورضوا به وبأخيه الحسين من بعده.

قال : فنادى الحسن في الناس فجمعهم في مسجد الكوفة ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

( أيّها الناس إنّ الدنيا دار بلاء وفتنة ، وكلّ ما فيها فائل إلى زوال واضمحلال ، وقد نبأنا الله عنها لكي نعتبه وتقدم إلينا فيها بالوعيد لكي نزدجر ، فلا يكون له علينا حجة بعد الإعذار والإنذار ، فازهدوا فيما يفنى ، وارغبوا فيما يبقى ، وخافوا الله في السر والعلانية ، ألا وقد علمتم أنّ أمير المؤمنين عليّاً رحمة الله حيّاً وميتاً عاش بقدر ومات بأجل ، وإنّي أبايعكم على أن تحاربوا من حاربت وتسالموا من سالمت ).

فقال الناس : سمعنا وأطعنا ، فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنين.

قال : فأقام الحسن بالكوفة بعد أبيه شهرين كاملين لا يُنفّذ إلى معاوية أحداً ، ولا ذكر المسير إلى الشام.

قال : وإذا بكتاب عبد الله بن عباس قد ورد عليه من البصرة فإذا فيه :

( لعبد الله الحسن أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس ، أمّا بعد يا بن رسول الله فإنّ المسلمين ولّوك أمرهم بعد أبيك رضي‌الله‌عنه ( عليّ عليه‌السلام ) وقد أنكروا أمر قعودك عن معاوية ، وطلبك لحقك ، فشمّر للحرب ، وجاهد عدوّك ، ودار ( وقارب ) أصحابك ، ( واشتر من الظنين دينه بما لا يثلم لك ديناً ) وولّ ( ووال ) أهل البيوتات والشرف ما تريد من الأعمال ، فإنّك تشتري بذلك قلوبهم ( وتستصلح به عشائرهم ، حتى يكون الناس جماعة ، فإنّ بعض ما يكره الناس ـ ما لم يتعدّ الحقّ وكانت عواقبه تؤدي إلى ظهور العدل وعز

٢٩٥

الدين ـ خير من كثير ممّا يحبّه الناس ، إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور وذلّ المؤمنين ، وعز الفاجرين ) واقتد بما جاء عن أئمّة العدل من تأليف القلوب والإصلاح بين الناس ( فقد جاء عنهم أنّه لا يصلح الكذب إلاّ في حرب أو إصلاح بين الناس ) ، واعلم بأنّ الحرب خدعة ، ولك في ذلك سعة ( إذا ) ما كنت محارباً ( ما لم تبطل حقاً ) ما لم ينتقص مسلماً حقاً هو له.

( واعلم ) وقد علمت أنّ أباك عليّاً إنّما رغب الناس عنه ( وصاروا ) إلى معاوية ، لأنّه واسى بينهم في الفيء ، وسوّى بينهم في العطاء ، فثقل ذلك عليهم.

واعلم أنّك تحاربُ من قد حارب الله ورسوله ( في إبتداء الإسلام ) حتى أظهره الله أمره ، فلمّا أسلموا ووحدّوا الربّ ، ومحق الله الشرك ، وأعزّ الدين ، وأظهروا الإيمان ، وقرءوا القرآن وهم بآياته مستهزئون ، وقاموا إلى الصلاة وهم كسالى ، وأدّوا الفرائض وهم لها كارهون ، فلمّا رأوا أنّه لا يعزّ في هذا الدين إلاّ الأتقياء الأبرار ، والعلماء الأخيار ، توسّموا أنفسهم بسيماء الصالحين ، ليظن بهم المسلمون خيراً ، وهم عن آيات الله معرضون ( فما زالوا بذلك حتى شركوهم في أماناتهم وقالوا : حسابهم على الله ، فإن كانوا صادقين فإخواننا في الدين ، وإن كانوا كاذبين كانوا بما اقترفوا هم الأخسرين ) وقد مُنيت أبا محمّد بأولئك القوم وأبنائهم وأشباههم ، والله ما زادهم طول العمر إلاّ غيّاً ، ولا زادهم في ذلك لأهل الدين إلاّ غشاً ( مقتاً ) فجاهدهم رحمك الله ، ولا ترضى منهم بالدنية ( ولا تقبل خسفاً ) فإنّ أباك عليّاً رضي‌الله‌عنه لم يجب إلى الحكومة في حقه حتى غُلب على أمره فأجاب ، وهو يعلم ( وأنّهم يعلمون ) أنّه أولى بالأمر أن حكم القوم بالعدل ، فلمّا حكموا

٢٩٦

بالهوى رجع إلى ما كان عليه ، وعزم على حرب القوم ، حتى أتى عليه ( وافاه ) أجله ، فمضى إلى ربّه رحمة الله ، فانظر رحمك الله أبا محمّد ولا تخرجن من حقّ أنت أولى به من غيرك ( حتى يحول الموت ) إن أتاك دون ذلك. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ).

قال ابن أعثم : فلمّا ورد كتاب عبد الله بن عباس وقرأه سرّه ذلك ، وعلم أنّه قد بايعه (؟) وأنّه قد أمره بما يجب عليه في حقّ الله. دعا بكاتبه وأمره أن يكتب إلى معاوية ـ وذكر الكتاب بطوله ) (١).

وقال الخطي : ( لمّا وصل كتاب عبد الله بن عباس إلى الإمام الحسن عليه‌السلام وقرأه قال : لقد نصح ابن عباس فيما يراه ، ولكن هيهات أن أخالف سنّة سنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين بعدهما طلباً لإلتماس دنيا ، فإنّ في الحقّ سعة عن الباطل ) (٢).

وأنا على تحفظ من رواية الخطي التي لم يسندها إلى مصدر لنرى مدى صحته!

وإلحاقاً منّا بما مرّ ، نذكر كتابه إلى ابن الحنفية ، بعد أن أشتدت عليهما مضايقات ابن الزبير بمكة ، فخرج ابن الحنفية متوجهاً إلى الشام حيث دعاه عبد الملك إلى النزول عنده ، وأخرج ابن الزبير عبد الله بن عباس إلى الطائف ، وقد مرّ حديث جميع ذلك في الجزء الخامس من

____________

١ ـ الفتوح ٤ / ١٤٨ ـ ١٥٠ ط دار الندوة الجديدة أفست حيدر آباد ط الأولى.

٢ ـ المقتل للخطي / ٩٩ ط بمبىء.

٢٩٧

الحلقة الأولى (١) :

وشاع خبر إخراج ابن الزبير له عن مكة ، فعظم ذلك على المسلمين ، وورد إليه كتاب تسلية من محمّد بن الحنفية ـ الذي كان برضوى فيما أخال ، وربّما كان بعدُ في طريقه إياباً أو ذهاباً إلى الشام ـ جاء فيه :

( أمّا بعد فقد بلغني أنّ ابن الكاهلية ـ ابن الجاهلية ـ سيّرك إلى الطائف ، فرفع الله عزوجل اسمه بذلك لك ذكراً ، وأعظم لك أجراً ، وحطّ به عنك وزراً ، يا بن عم إنّما يبتلى الصالحون ، وإنّما تهدى الكرامة للأبرار ، ولو لم تؤجر إلاّ فيما نحبّ وتحبّ إذاً قلّ الأجر ، فاصبر فإنّ الله تعالى قد وعد الصابرين ، قال الله عزوجل : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ )(٢) ، وهذا ما لست أشك أنّه خير لك عند بارئك ، وعظم الله لك الصبر على البلوى والشكر في النعماء ، ولا أشمت بنا ولا بك عدواً إنّه على كلّ شيء قدير والسلام ).

فكتب إليه ابن عباس مجيباً عن ذلك :

( أمّا بعد فقد أتاني كتابك تعزّيني فيه على تسييري ، وتسأل ربّك جلّ اسمه أن يرفع لي به ذكراً ، وهو تعالى قادر على تضعيف الأجر ، والعائدة بالفضل ، والزيادة من الإحسان ، ما أحبّ أنّ الذي ركب منّي ابن الزبير كان ركبه منّي أعدى خلق الله لي ، إحتساباً ، وذلك في حسناتي

____________

١ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٥ / ٣٢٩ فما بعدها.

٢ ـ البقرة / ٢١٦.

٢٩٨

ولما أرجو أن أنال به رضوان ربّي ، يا أخي الدنيا قد ولّت وإن الآخرة قد أظلّت ، فاعمل صالحاً تجز صالحاً ، جعلنا الله وإياك ممّن يخافه بالغيب ، ويعمل لرضوانه في السرّ والعلانية ، إنّه على كلّ شيء قدير ) (١).

____________

١ ـ لقد روى الكتاب والجواب الشيخ المفيد في أماليه / ١٨٦ ط الحيدرية سنة ١٣٦٧ وعنه رواه الشيخ الطوسي في أماليه أيضاً ١ / ١١٩ ـ ١٢٠ وبين الكتابين تفاوت لفظي يسير ليس بشيء إلاّ أن الحسن ابن شعبة الحراني ـ من القرن الرابع الهجري ـ روى في كتابه تحف العقول / ٥٨ ط حجرية سنة ١٢٩٩ ص٢٥٠ طبعة كتابفروشي إسلامية هذا الكتاب بزيادة في آخره : ولا أشمت بنا ولا بك عدواً حاسداً أبداً والسلام. ونسبه إلى الحسين عليه‌السلام ، فقد رواه فيما روي عن الحسين فقال : وكتب إلى عبد الله بن العباس حين سيّره عبد الله بن الزبير إلى اليمن وذكر الكتاب. ولما كان التبعيد من ابن الزبير أيام حكومته وهي بعد شهادة الحسين عليه‌السلام فلا يعقل أن يكون الكتاب منه عليه‌السلام ، واحتمال انّه من عليّ بن الحسين بعيد ، لأنّ ابن عباس خاطب المكتوب إليه بـ ( يا أخي ) ممّا يكشف أنّه من أقرانه سنّاً ، وعليّ بن الحسين ليس كذلك في سنّه. فاحتمال وهم المؤلف أو من روى عنهم وارد ، ويؤكد أن مرسل الكتاب هو محمّد بن الحنفية رواية اليعقوبي له في تاريخه ٣ / ٩ ط الغري فقد ذكره مرسلاً من دون ذكر الجواب. والزمخشري في ربيع الأبرار باب الصبر والاستقامة ( مخطوطة السماوي والرضوية ) وفي المطبوعة ٢ / ٥٣٣ ، ورواه التنوخي في الفرج بعد الشدة ١ / ٣٥.

٢٩٩
٣٠٠