موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١٠

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١٠

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-500-7
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٨٠

الدين الطبري ( ت ٦٩٤ هـ ) ٨٦ ط مكتبة القدسي بمصر ١٣٥٦ هـ.

(١٥) كتاب ( الرياض النضرة في مناقب العشرة ) للحافظ المحب الطبري الآنف الذكر في الفصل السادس في خصائصه عليه‌السلام.

(١٦) كتاب ( فرائد السمطين ) للحافظ الحموئي الجويني ( ت ٧٣٠ هـ ) ١ / ٣٢٧ ـ ٣٢٩ ، بتحقيق المرحوم الشيخ المحمودي.

(١٧) كتاب ( تلخيص المستدرك على الصحيحين ) للحافظ الذهبي ( ت ٧٣٠ هـ ) المطبوع بهامش المستدرك ، وقد أقر الذهبي تصحيح الحاكم للحديث راجع هامش المستدرك ١٣٢ ـ ١٣٤.

(١٨) كتاب ( البداية والنهاية ) لابن كثير الشامي ( ت ٧٧٤ ) ٧ / ٣٧٧ط السعادة بمصر.

(١٩) كتاب ( مجمع الزوائد ) للحافظ الهيثمي ( ت ٨٠٧ ) ٩ / ١١٩ ـ ١٢٠ط القدسي بمصر ١٣٥٣ هـ.

(٢٠) كتاب ( مجمع البحرين في زوائد المعجمين ) للحافظ الهيثمي الآنف الذكر ٣ / ٣٨٦ برقم ٣٧١٦ ط دار الكتب العلمية بيروت ، وثمة نقص بعض فقرات الحديث لم يتنبه له المحقق للكتاب ، وقد نبهت على ذلك في ( الخصائص العشرة ) ، كما ستأتي في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.

(٢١) كتاب ( جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ) للحافظ أبي البركات الباعوني الشافعي ( ت ٨٧١ ) ١ / ٢١٠ ، بتحقيق المرحوم الشيخ المحمودي.

٢٠١

( توثيق رجال سند الحديث من النسائي إلى ابن عباس ) :

١ ـ النسائي ، هو الحافظ أحمد بن شعيب ، الإمام في الحديث بلا مدافعة ، كان إماماً حافظاً ثبتاً ، أثنى عليه الأعلام في تفرده بالمعرفة والإتقان وعلو الإسناد ، وسماه الذهبي الحافظ : الإمام شيخ الإسلام.

وكتابه ( الخصائص ) اعتمده أئمة الحديث ، فقال عنه ابن حجر في ( فتح الباري ) في فضائل الإمام : ( وأوعب ـ أي استوفى ـ جميع مناقبه من الأحاديث الجياد النسائي في كتاب الخصائص ) (١).

وقال أيضاً في ( الإصابة ) في ترجمة الإمام : ( وتتبع النسائي ما خصّص به عليّ من دون الصحابة فجمع من ذلك شيئاً كثيراً بأسانيد أكثرها جياد ) (٢).

وقال عنه المباركفوري في ( مقدمة تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي ) : ( وللنسائي رسالة طويلة الذيل في مناقبه كرّم الله وجهه ، وعليها نال الشهادة في دمشق من أيدي نواصب الشام لفرط تعصّبهم وعداوتهم معه ) (٣).

٢ ـ محمد بن المثنى ، أبو موسى البصري المتوفى ( ٢٥٢ هـ ) ، وهو من رجال الصحاح الست كما علّم عليه ابن حجر في أوّل ترجمته في ( تهذيب التهذيب ) (٤).

____________

١ ـ فتح الباري ٧ / ٦١.

٢ ـ الإصابة ٤ / ٤٦٤.

٣ ـ مقدمة فتح الباري ١ / ٦٥.

٤ ـ تهذيب التهذيب ٩ / ٤٢٥.

٢٠٢

٣ ـ يحيى بن حمّاد بن أبي زياد الشيباني ، مولاهم البصري المتوفى ( ٢١٥ هـ ) ، ختن أبي عوانة الوضّاح من رجال الصحاح الست كما في ترجمته ( تهذيب التهذيب ) (١).

٤ ـ وضاح : هو الوضاح بن عبد الله اليشكري المكنى بأبي عوانة الواسطي المتوفي سنة ١٧٥ ـ ١٧٦ ، وهو من رجال الصحاح الستة كما في ترجمته (٢).

٥ ـ أبو بلج ، اسمه يحيى بن سليم بن بلج ، ويقال ابن أبي سليم ، من رجال الأربعة من الصحاح ـ أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ـ كما في ترجمته في ( تهذيب التهذيب ) (٣) ، وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي والدارقطني ، وغيرهم. وفي التهذيب : أنّ البخاري قال : ( فيه نظر ) ، قال شاكر : وما أدري أين قال هذا ، فانّه ترجمه في ( الكبير ٤ / ٢ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولم يترجمه في الصغير ، ولا ذكره هو ولا النسائي في الضعفاء ، وقد روى عنه شعبة وهو لا يروي إلاّ عن ثقة.

٦ ـ عمرو بن ميمون الأودي الكوفي ، من كبار التابعين من الكوفيين ، روي أنّه أدرك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان مسلماً في حياته وعلى عهده عليه‌السلام ، وقالوا حج سبعين حجة ، مات سنة ٧٤ هـ ، وثقه ابن معين والنسائي وابن حجر وابن حبان وغيرهم ، أخرج له الثلالثة من أصحاب الصحاح.

____________

١ ـ نفس المصدر ١١ / ١٨.

٢ ـ تهذيب التهذيب ١٢ / ٤٧

٣ ـ نفس المصدر ١٢ / ٤٧.

٢٠٣

٧ ـ عبد الله بن عباس حبر الأمّة وترجمان القرآن ، فمن الغباء تعريف الشمس بالضياء.

ماذا عن موقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه مع قريش الشام في صُفّة زمزم؟

إنّ موقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه مع نواصب قريش الشام فيه من عمق الدلالة وقوّة الحجة ما يحمل الباحث الواعي على تدبّره بعناية بالغة ، فهو كما يدّل على موقع ابن عباس يومئذ في حماية مبادئ الإسلام ، يدلّ أيضاً على موقفه الرافض المعارض من السلطان الجائر ، الذي استحوذ على الحكم مراغماً للمسلمين ، ومستهتراً في إعلانه بسبّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وممّا يستلفت النظر في حيثياته ما نجده زماناً ومكاناً ومحاورة ورموزاً ومصادراً وما إلى ذلك ، حتى فيما لحقه بعدُ من تعتيم ، كلّ ذلك فيه من الدلالة على شدّة الضغط والمعاناة التي عاشها ابن عباس رضي‌الله‌عنه كبقية أهل البيت عليهم‌السلام من النظام الحاكم بأتباعه وأشياعه ، من خلال تلك السياسة الرعناء الحاقدة ، الداعية إلى عودة الجاهلية الجهلاء إلى أقدس ديار الدين ، ومهبط الوحي المبين ، ومثابة المسلمين.

لهذا سنقف عند هذا الموقف وقفة تحقيق في قراءة النص ودلالاته ، وأسبابه لمعرفة سلبياته وإيجابياته ، ومدى تأثير نتائج تلك المحاورة على الوجدان الإسلامي الواعي غير الضال ولا المضل على إختلاف المذاهب والمشارب ، وفي مختلف أدوار تاريخه ، من خلال معرفة أصحاب المصادر ورواتهم.

٢٠٤

ومن هذا العرض الشامل سندرك أيضاً عمق الدلالة وقوّة الحجة في موقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه مع قريش الشام النواصب كما قلت آنفاً ، وابن عباس هو ذو النفس الكبيرة ، والمقام الإجتماعي المرموق ، وما أوتي من علم وفهم وسعة إدراك ووعي لخطر السياسة الحاكمة ، لم يكن بوسعه أن يأتي بغير ما أتى ، ولا يسعه السكوت على ما تقترفه زبانية معاوية من أساليب الإغراء والترهيب والتحدي لطمس معالم الحق والحقيقة.

ومن منطلق شعوره بالمسؤولية الشرعية ، فلابد له من الوقوف بشجاعة الإيمان وليقال عنها إنّها حميةٌ النسب لابن عمه ، فلا غضاضة ، فهو ابن عم محمّد ، كما هو ابن عمه وهو إمامه ومعلّمه ، وكان له تلميذاً باراً ، وواليا أميناً ، ومستشاراً ناصحاً ، فمن الوفاء أن يقف كذلك بل هو الواجب عليه ، وإلاّ يفعل فهو العقوق ، وهذا على حدّ الكفر بقيم الإسلام التي كاد التيار الأموي الزاحف إلى المسجد الحرام أن يعلنها كلمة الكفر التي قالها من قبل أبو سفيان في مجلس عثمان .. ( فو الذي يحلف به أبو سفيان لا جنّة ولا نار ).

والآن وقبل عرض الموقف بتفاصيله ، لنبحث عن سرّ مجيئ الزمرة الباغية إلى المسجد الحرام والجلوس في صُفّة زمزم وإعلانهم السبّ حتى سمعه ابن عباس رضي‌الله‌عنه؟ وهذا مرتبط بإستذكار بعض ما مرّ من أسباب بُغض قريش للإمام عليه‌السلام.

أمّا لماذا كانت قريش النواصب تبغض الإمام عليه‌السلام وتعلن سبّه على المنابر؟ فهو ناشئ عن الحقد الموروث عندهم على بني هاشم جميعاً ، لأنّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها ، وقد مرّت كلمات بعضهم في هذا.

٢٠٥

ويبقى حديث العباس بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه حين جاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاكياً قريش ، خير شاهد ، فقد رواه أحمد في مسنده ، وابن ماجة في سننه ، والحاكم في ( المستدرك ) ، وعنهما السيوطي في ( الخصائص الكبرى ) ، واللفظ للأوّل :

( عن العباس بن عبد المطلب ، قال : قلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوهم ببشر حسن ، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها.

قال : فغضب رسول الله غضباً شديداً ، وقال : ( والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبّكم لله ولرسوله ) (١).

فهذا عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقريش تبغض أهل البيت عليهم‌السلام ، ومنهم علي عليه‌السلام لأنّه من بني هاشم نسباً وحسباً ، وزاد الطين بلّة والقلوب علّة ، وجعله مستهدفاً أكثر من غيره تبغضه البطون القرشية الحاقدة التي قد منيت بالهزيمة في حروبها مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان عليّ عليه‌السلام بطلها المغوار وبسيفه ذي الفقار ، أورد أوّلهم النار ، وألزم آخرهم العار ، كما قال الإمام زين العابدين عليه‌السلام حيث سأله طاووس اليماني : ما بال قريش لا تحبّ علياً عليه‌السلام ...! (٢).

وقد مرّت بنا في الحلقة الأولى بعض مواقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه مع بعض رموز قريش النواصب ، فكان له الفضل والدالة عليهم ، كما في شفاعته لفتيان من قريش عند الإمام عليه‌السلام وذلك بعد حرب الجمل ، وفي ذلك الحين تشفّع أيضاً لمروان ، فعفا الإمام عليه‌السلام عنهم جميعاً ووبّخهم على خروجهم

____________

١ ـ أخرجه احمد في المسند ٣ / ٢٠٦ تحقيق شاكر وقال : اسناده صحيح.

٢ ـ أنظر تاريخ دمشق لابن عساكر ( ترجمة الإمام أمير المؤمينن عليه‌السلام ) ٢ / ٢٩٩ ، بتحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي.

٢٠٦

لحربه ، ويبقى النُبل يفيض من الإمام عليه‌السلام وابن عمه على من أساء إليهما فاستكان واعترف ، حتى بعد أن ولي الحكم معاوية وابنه يزيد ، وفي أيام الحرّة حين دعا ابن الزبير لنفسه ، فأفل نجم الأمويين ، فطُردوا من الحرمين الشريفين ، ونالهم من الأذى ما أذلّهم فلجأوا إلى أهل البيت عليهم‌السلام يستودعونهم عيالاتهم ، ويهربون بأنفسهم ، كما فعل ذلك مروان حين أودع عياله عند الإمام عليّ بن الحسين عليه‌السلام في وقعة الحرّة بالمدينة ، وفي مكة المكرمة فقد استعطف من بقي منهم ابن عباس رضي‌الله‌عنه فرقّ لهم ، وتعطفته المنافية عليهم حتى بكى لمّا سمع من بعضهم بيت شعر يندب فيه حظهم التعيس ، وقد مرّ هذا في الجزء الخامس من الحلقة الأولى ، ولكن بني أمية لم تتبدّل سجيتهم الخبيثة.

كما أنّ بني هاشم كانوا كما قال شاعرهم (١) :

من طينة بيضاء قدسيةٍ

صلصلها الله وصفاها

وقال في بني أميّة :

والطينة السوداء من خبثها

هيهات تبيّض سجاياها

وما عقدهم مجلس السبّ في صُفّة زمزم وذلك في أواخر أيام ابن عباس رضي‌الله‌عنه بعد ما كفّ بصره ، إلاّ استمرارً لسنّة معاوية في تدني القحّة إلى أسفل سافلين ، فهم بتحديهم الصارخ لمشاعر المسلمين بسبّ أمير

____________

١ ـ السيد حيدر بن سليمان الحلي المتوفى ١٣٠٤ والقصيدة في ديوانه.

٢٠٧

المؤمنين عليه‌السلام وإقتحامهم عرين الأسد عند قبّة الشراب في زمزم ، وإسماعه ما لا يرضى من القول ، أثاروا ثائرته ، فعاد إليهم منقضّاً عليهم بصولة العُقاب على بغاث الطير ، فتركهم واجمين خاضعين ، خزايا أذلة صاغرين ، كما ورد في الشعر في نهاية المحاورة ، كما سيأتي.

( سؤال بعد سؤال؟ )

ونتيجة إهتمام الباحث بهذا الخبر ، فقد يطفوا على الذهن لدى القارئ سؤال يستتبع مثله حول المكان والزمان وبعض حيثيات الحدث ، وهي على النحو التالي :

١ ـ ما هو الصحيح في اسم المكان؟ هل هو الصُفّة بالصاد المهملة ، أو الضَفّة بالضاد المعجمة؟

٢ ـ أين يكون موقعها من بئر زمزم؟

٣ ـ لماذا اختار النفر ـ من قريش الشام النواصب ـ الإجتماع هناك يسبّون الإمام عليه‌السلام؟

٤ ـ متى كان زمان الحَدَث؟

٥ ـ لماذا كانت ثورة ابن عباس رضي‌الله‌عنه عارمة على أولئك النفر ، وهو كان يسمع السبّ قبلاً على المنابر من الولاة غيرهم؟

٦ ـ ماذا كانت النتائج المثمرة لذلك الموقف؟

هذه نقاط الأسئلة التي قد تعرض للقارئ ، وربما يجهل الجواب عليها ، وإن كان الجواب لا يحتاج إلى مزيد عناء في التفكير ، بل يحتاج إلى شيء

٢٠٨

من التنوير لغير الواعي البصير ، فإلى إيضاح ذلك :

ج س١ : أمّا عن الصحيح في اسم المكان ـ الصُفّة ـ بالصاد المهملة ـ أو الضفة ـ بالضاد المعجمة ـ فحسبنا ما ذكره البخاري وعنه ابن حجر في ( فتح الباري ) في باب صلاة الكسوف جماعة : ( وصلى ابن عباس لهم في صُفة زمزم ... سمعت طاووساً يقول : كسفت الشمس فصلى بنا ابن عباس في صفّة زمزم ... عن صفوان بن عبد الله بن صفوان ، قال : رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم في كسوف الشمس ... ( قوله في صفة زمزم ) كذا للأكثر بضم الصاد المهملة وتشدد الفاء وهي معروفة.

وقال الأزهري : الصُفة موضوع بهو مظلّل ، وفي نسخة الصغاني : بضاد معجمة مفتوحة ومكسورة ، وهي جانب النهر ولا معنى لها هنا إلا بطريق التجوّز ... ) (١).

أقول : لقد تبيّن أنّ الصحيح الاسم بضم الصاد المهملة.

ج س٢ : أمّا عن موقعها ، فإنّها كانت مجلس ابن عباس رضي‌الله‌عنه الذي يجلس فيه ، ويفتي الناس ، وإذا دعت الحاجة صلى هناك ، كما مرّ في صلاة الكسوف ، وربما غيرها أيضاً ، ومتى عرفنا موقع المجلس من بئر زمزم ، عرفنا مكان الصُفّة ، لقد كان مجلس ابن عباس عند زمزم حيث قبّة الشراب عند صُفّة زمزم ، وقد جاء تحديد الموضع بدقة في كلام أبي الوليد الأزرقي من

____________

١ ـ فتح الباري ٣ / ١٩٣ ـ ١٩٤ ط مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ١٣٧٨ هـ.

٢٠٩

القرن الثالث ـ في كتابه ( أخبار مكة ) ـ وهو أقدم كتاب ذكرته المعاجم في تاريخ مكة تصل نسخته إلينا ـ قال :

( وقال غير واحد من أهل العلم من أهل مكة : كان موضع مجلس ابن عباس رضي‌الله‌عنه في زاوية زمزم التي تلي الصفا والوادي ، وهو على يسار من دخل زمزم ، وكان أوّل من عمل على مجلسه القبّة سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، وعلى مكة يومئذ خالد بن عبد الله القسري عاملاً لسليمان بن عبد الملك ... ) (١).

وقال أيضاً : ( وفي ركنها ـ زمزم ـ الذي يلي الصفا على يسارك كنيسة على موضع مجلس ابن عباس رضي‌الله‌عنه عمّرها عمر بن فرج ، فسقّف زمزم كلها بالساج المذهَّب ... ) (٢).

وتكرّرت الإشارة ثالثاً إلى مجلس ابن عباس رضي‌الله‌عنه (٣).

وما دمنا عرفنا موضع مجلس ابن عباس رضي‌الله‌عنه حسب تحديد الأزرقي ، فقد عرفنا مكان الصُفّة التي كانت قريش الشام جلست عندها تسبّ الإمام عليه‌السلام ، إذ هي التي كان ابن عباس يجلس عندها ويفتي الناس فيها.

ولعلّ أقدم نص نجد فيه التعبير صراحة في ذلك هو كتاب ( المعمرون والوصايا ) لأبي حاتم السجستاني ( ت ٢٥٠ هـ ) ـ فهو من معاصري الأزرقي

____________

١ ـ أخبار مكة ٢ / ٦٠ ط بتحقيق رشدي الصالح سنة ١٣٨٥ هـ.

٢ ـ نفس المصدر ٢ / ٦٢.

٣ ـ نفس المصدر ٢ / ١٠١.

٢١٠

الآنف الذكر ـ ، فقد جاء فيه : ( ... عن الشعبي ، قال : كنّا عند ابن عباس وهو في صُفّة زمزم يفتي الناس ، إذ قال أعرابي : أفتيت الناس فأفتنا ، فقال : هات؟ قال : أرأيت قول الشاعر المتلمّس :

لذي الحلم قبل اليوم ماتقرع العصا

وما علّم الإنسان إلا ليعلما

قال ابن عباس : ذاك عمرو بن حممة الدوسي ، قضى على العرب ثلثمائة سنة ، فكبر ، فألزموه السابع من ولده فكان معه ، فكان الشيخ إذا غفل كانت الأمارة بينه وبينه أن تقرع العصا حتى يعاوده عقله ، فذلك قول المتلمس اليشكري من بكر بن وائل : لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... ) (١).

ج س٣ : وممّا تقدم عرفنا لماذا كان أولئك النواصب من قريش الشام اتخذوا الصُفّة مجلساً لهم يسبّون الإمام عليه‌السلام فيه ، فإنّهم أتوا من الشام معلنين حرباً لا هوادة فيها على بني هاشم ، حرباً كلامية ظالمة ، وإعلامية غاشمة ، في أعزّ مكان لدى بني هاشم ، وأقدس بقعة عندهم ، يسمعونهم فيها سبّ سيدهم و ( سيد العرب كما في حديث عائشة ) (٢) ، و ( سيد المسلمين كما في حديث أنس ) (٣) ، و ( سيد الدنيا وسيد في الآخرة كما في حديث ابن

____________

١ ـ أخبار مكة ٢ / ١٠١ ، المعمرون والوصايا / ١٥٣ لابي حاتم السجستاني ط مصر.

٢ ـ في مجمع الزوائد ٩ / ١٣١ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنس : ( أنطلق فادع لي سيد العرب ـ يعني علياً فقالت عائشة : ألست سيد العرب؟ قال : أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ) ، وفي مستدرك الحاكم ٣ / ١٢٤ رواه عن عائشة وقال : هذا حديث صحيح.

٣ ـ رواه أبو نعيم في الحلية ١ / ٦٣.

٢١١

عباس ) (١).

وفي إختيارهم المكان ، اجتياح لكرامة بني هاشم جهاراً نهاراً على ملأ من المسلمين ، ففي المسجد الحرام وفي قبال الكعبة وفي صُفّة زمزم ، فهذا لم يكن صدفة عفوياً ، بل هو تخطيط أصابع خبيثة لإيغال التحدي ومراغمة بني هاشم ، وتلك سيئة من بعض سيئات معاوية التي كانت يغيض بها بني هاشم ، فهو يشتم الكرام ، والشتم سلاح اللئام ، وفي التاريخ شواهد على ذلك كثيرة ، إنّها غطرسته التي كان إذ يرفع عقيرته أمام بني هاشم وبحضور الإمام الحسن عليه‌السلام فيقول مفتخراً كذباً وزوراً :

( أنا ابن بطحاء مكة ، أنا ابن أغزرها جوداً ، وأكرمها جدوداً ، أنا ابن من ساد قريش فضلاً ناشئاً وكهلاً ).

فقال الحسن عليه‌السلام : ( أعليَّ تفتخر يا معاوية؟ أنا ابن عرق الثرى ، أنا ابن مأوى التقى ، أنا ابن من جاء بالهدى ، أنا ابن من ساد الدنيا بالفضل السابق ، والجود الرائق ، والحسب الفائق ، أنا ابن من طاعته طاعة الله ، ومعصيته معصية الله ، فهل لك أب كأبي تباهيني به؟ أو قديم كقديمي تساميني به؟ ).

قل : نعم أو لا؟

قال : بل أقول : لا وهي لك تصديق.

____________

١ ـ رواه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٢٧ ، وصححه ، والخطيب في تاريخ بغداد ٤ / ٤١ بعدة أسانيد ، وابن عساكر في تاريخه ( ترجمة الإمام عليه‌السلام ) ٢ / ٢٣١ وأحمد في فضائل أهل البيت من كتاب فضائل الصحابة / ١٤٧.

٢١٢

فقال الحسن عليه‌السلام :

الحق أبلج ما يحيل سبيله

والحق يعرفه ذووا الألباب (١)

ولمّا كانت سقاية زمزم عرين مجد بني هاشم الذي يفاخرون به بطون قريش ، فقد أراد معاوية أن يستلبها منهم ، بأن يجعلها في دار الندوة ، فأرسل إليه ابن عباس رضي‌الله‌عنه : ( أن ليس ذلك لك ) ، فقال : صدق فسقي حينئذ بالمحصّب ثم رجع فسقي بمنى (٢).

وقد روى ابن الجوزي الحنبلي في ( المنتظم ) ، وابن أبي الحديد في ( شرح النهج ) نقلا عن الزبير ـ بن بكار / ظ ـ قال :

( وحدثني محمد بن حسن ، عن محمد بن طلحة ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، قال : قال عبد الله بن عباس : والله لقد علمت قريش إنّ أوّل من أخذ الإيلاف وأجاز لها العيرات لهاشم.

____________

١ ـ لقد ذكر في نقض معنى ما تقدم عن معاوية أن بعض الأمويين قال للرشيد :

يا أمين الله إني قائل

قول ذي فهم وعلم وأدب

عبد شمس كان يتلو هاشما

وهما بعد لأم ولأب

فاحفظ الأرحام فينا إنما

عبد شمس عم عبد المطلب

لكم الفضل علينا ولنا

بكم الفضل على كلّ العرب

القول الفصل / ٩٣ ـ ٩٤ ، لعلوي طاهر الحداد.

٢ ـ أخبار مكة للأزرقي ٢ / ٦٠.

٢١٣

والله ما شدت قريش رحالاً ولا حبلاً بسفر ، ولا أناخت بعيراً لحضر إلاّ بهاشم.

والله إنّ أوّل من سقى بمكة ماءً عذباً وجعل باب الكعبة ذهباً لعبد المطلب ) (١).

فسقاية زمزم وراثة جدهم عبد المطلب شيبة الحمد وسيد البطحاء ، وقد أقرّ الإسلام لهم هذه الوراثة ، فكانت تعدّ من جملة مفاخرهم ، ولهم في هذا من كتاب الله شاهد شافع حيث يقول تعالى : ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر )(٢) (٣).

فهي معلم قائم ظاهر ، يشهد لبني هاشم بالفضل على قريش وغيرهم ، فإذا ما هاجهم الشرّ فيها فأنّى لهم الصبر على ضيم يراد بهم ، وهم الأعزون فخراً في الحرم ، فلا صبر على ذلّة.

وبهذا عرفنا لماذا كان السبّ في صُفة زمزم ، لأنّه بمثابة إعلان حرب على بني هاشم من خلال سبّ عميدهم وعمادهم ، ومدره (٤) حجتهم الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في أعزّ مكان لديهم وفي أقدس بقعة عندهم ، في المسجد الحرام وفي قبالة الكعبة ، حيث قبة زمزم.

ويبدو أنّ أصابع خبيثة قد خططت لذلك الموقف المهين المشين ، لغرض

____________

١ ـ المنتظم ٢ / ٢١٤ ، شرح النهج ٣ / ٤٥٨ط مصر الأولى ، لابن أبي الحديد.

٢ ـ راجع موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ١ / ١١٢ تجد الحديث عن شواهد أن شؤون السقاية مفصلاً.

٣ ـ التوبة / ١٩.

٤ ـ المِدره : زعيم القوم والمتكلم عنهم ( الصحاح : دره ).

٢١٤

التحدي والإثارة! وإلاّ لماذا يجلسون عند صُفة زمزم ، وهم يعلمون أنّ هناك مجلس ابن عباس؟! ثم لماذا يسبّون علانية ، فيرفعوا أصواتهم ليسمعوا ابن عباس سب ابن عمّه وإمامه؟! ما ذلك إلاّ لغرض إغاظته وإثارته.

وهذا ما حصل ، حيث تثور ثائرته ، فيعود إليهم ، مستجمعاً قواه الإيمانية ، مستفهماً إياهم عن طبيعة السبّ ، مفتتحاً محاوراته الكلامية باستفهام بعد استفهام ، منتهياً إلى خاتمة الخصام ، بأنّ كلّ من سبّ عليّاً عليه‌السلام فقد سبّ الله ورسوله ، ومن سبّهم فإلى جهنم وبئس المصير.

ج س٤ : وأمّا تعيين الزمان متى كان هذا الحدث؟

فإنّ من يقرأ الخبر تطالعه في بداياته فقرات ذات دلالة تاريخية لمن تفطّن لها نحو : ( بعد ما كفّ بصره ) ، أو ( بعد ما حجب بصره ) ، و ( وكان سعيد يقودة ) ، و ( فقال لقائده ... ) ، كما يقرأ في آخره : ( كيف رأيتهم ... ) ، فهذه الفقرات تدلّ على زمان وقوع المحاورات مع قريش الشام عند صُفة زمزم ، كان بعدما كفّ بصره.

وإذا رجعنا إلى قراءة تاريخ حياته ، نجد في ( الحلقة الأولى في عنوان ( وأبيضّت عيناه من الحزن ) (١) بحث تاريخ فقدانه بصره مع بيان أسبابه ، وما رجح عندي من كثرة بكائه على الإمام عليه‌السلام وعلى الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وما لم يرجح من إدخاله الماء في عينيه عند الوضوء.

ومهما كان السبب ، فهو في آخر حكم معاوية كان ضعيف البصر أو

____________

١ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٤ / ٣٠٢.

٢١٥

كفيفه تقريباً.

كما جاء في ( المحاورة الثامنة عشر ) ، ما يدلّ على جانب من ذلك ، حيث قال معاوية لابن عباس : ( أنتم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم ) ، فقال ابن عباس : ( وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم ).

وجاء في ( المحاورة العشرين ) أيضاً ما يمكن أنّ يستدل به على هذا ، وهي آخر محاورة له مع معاوية بالشام فلم يلتقيا بعد ، فقد جاء فيها فصلة تستدعي إعادة قراءتها في المقام ، لأنّها تسلط الضوء على بدايات القطيعة بين الطرفين ، فقد جاء فيها : ( ... فلمّا صلى جاء ابن عباس حتى دخل عليه ، فقال له معاوية ما حاجتك يابن عباس؟

قال : دين علي.

قال : قد أداه الله عنك.

قال : وما استعين به على الزمان.

قال : وذلك لك ، أبقيت لك حاجة؟

قال : لا.

قال : أدخل بيت المال فاحمل ما بدا لك.

قال : إنّا بنو عبد المطلب لا نأخذ من مال المسلمين إلاّ ما احتجنا إليه.

قال : عزمت عليك ألاّ ما فعلت.

قال : فدخل ابن عباس بيت المال ، فتلفت يميناً وشمالاً ، فرأى برنساً من خزّ أدكن ، فتدرّعه ثم خرج به.

٢١٦

قال : قد أخذت حاجتك؟

قال : نعم.

قال : الحق ببلادك.

قال : يا أمير المؤمنين إنّك حيث نعيت إليّ الحسن بن عليّ آليت على نفسي أن لا أسكن المدينة بعده أبداً ، ولا أجد مكاناً أجلّ من جوار أمير المؤمنين.

قال : هيهات ليس إلى ذلك سبيل.

قال : فبقيت لي حاجة هي أهم الحوائج إليّ ، وهي لك دوني.

قال : فأي حاجة لك هي لنا دونك؟ إنّا نخاف أن نسارع إليها.

قال : عليّ بن أبي طالب ، قد كفاك الله مؤنته ، ومضى لسبيله ، وقد عرفتَ منزلته وقرابته ، فكفّ عن شتمه على المنابر.

قال : هيهات ليس إلى ذلك سبيل ، يا بن عباس هذا موضع ديّن ، إنه غشَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسم ( وشتم ) أبا بكر ، وذّم عمر ، وقتل عثمان ، فليس إلى الكف عن ذلك سبيل.

فقال له ابن عباس : الله حسبك فيما قلت ، ثم خرج فلم يلتقيا ـ يعني بالشام ـ ).

ففي هذه الفصلة من ( المحاورة العشرين ) براوية حُميد الشهيد الزيدي ، قرأنا ( فتلفت يميناً وشمالاً فرأى ... ) وهذا يدلّ على بقاء بصره إلى ذلك الحين ، كما قرأنا طلب الكف عن الشتم ، وجواب معاوية ، وجواب ابن

٢١٧

عباس ( الله حسبك فيما قلت ).

وفي رواية رواها الأربلي في ( كشف الغمة ) : ( فقال : ما حاجتك ، فما سأله حاجة إلاّ قضاها ، وقال : أقسمت عليك لما دخلت بيت المال فأخذت حاجتك ـ وإنّما أراد أن يعرف أهل الشام ميل ابن عباس إلى الدنيا فعرف ما يريده ـ.

فقال : إنّ ذلك ليس لي ولا لك ، فإن أذنت أن أعطي كلّ ذي حق حقه فعلت.

قال : أقسمت عليك الاّ دخلت فأخذت حاجتك.

فدخل فأخذ برنس خزّ أحمر يقال أنّه كان لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثم خرج ، فقال : يا أمير المؤمنين بقيت لي حاجة.

فقال : ما هي؟

قال : عليّ بن أبي طالب ، قد عرفت فضله وسابقته وقرابته ، وقد كفاكه الموت ، أحبّ أن لا يشتم على منابركم.

قال : هيهات يا بن عباس ، هذا أمر دين ، أليس ، أليس؟ وفعل وفعل؟ فعدّد ما بينه وبين عليّ كرّم الله وجهه.

فقال ابن عباس : أولى لك يا معاوية ، والموعد القيامة ( لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )(١) ) (٢).

وفي لفظ الوزير الآبي في ( نثر الدر ) : ( قال لمعاوية : أيشتم عليّ على

____________

١ ـ الأنعام / ٦٧.

٢ ـ كشف الغمة ٢ / ٥١.

٢١٨

منبر الإسلام وهو بناه بسيفه؟ ) (١).

ولم يكن ابن عباس في هذا مدفوعاً بدافع قرابته حين قال : ( وهو بناه بسيفه ) ، فإنّ القاصر والداني يعرف ذلك.

ومن قبل قد قالها عمر بن الخطاب فيما رواه أبو بكر الأنباري في أماليه : ( إنّ عليّاً عليه‌السلام جلس إلى عمر في المسجد وعنده ناس ، فلمّا قام عرّض واحد بذكره ، ونسبه إلى التيه والعُجب.

فقال عمر : حق لمثله أن يتيه ، والله لولا سيفه لما قام عمود الإسلام ، وهو بعدُ أقضى الأمة وذو سابقتها وذو شرفها.

فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه؟

قال : كرهناه على حداثة سنّه وحبّه بني عبد المطلب ) (٢).

فمن هذه المحاورة عرفنا أنّ ابن عباس حتى ذلك الوقت لم يكن فاقد البصر بالمرّة ، وقد روى أحمد بن حنيل في ( فضائل الصحابة ) (٣) خبراً عن علي بن عبد الله بن عباس ، وفيه ذكر وجوده مع أبيه عند معاوية وذلك بعدما أصيب ابن عباس في بصره ... فالإصابة هنا ليست العمى وكف البصر بالمرة.

وعرفنا أيضاً أنّه لم يلتق بمعاوية بعد في الشام وإنّما التقيا بعد في الحرمين حين كان معاوية يوطد بيعة يزيد من بعده ، كما عرفنا في نهاية

____________

١ ـ نثر الدر ١ / ٢٨٨ ط دار الكتب العلمية بيروت.

٢ ـ أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد ١٢ / ٨٢.

٣ ـ فضائل الصحاية ٢ / ٩٨٤ برقم ١٩٩٥.

٢١٩

الملتقى بلوغ التشنج أقصاه.

فبعد أن خاطب ابن عباس مستدرجاً معاوية ( يا أمير المؤمنين ) وطلب منه رفع الشتم ، ولمّا أبى ، خاطبه ( يا معاوية ... ) وتوعده بعقاب يوم القيامة ، دلالة على بدايات التشنج.

وفي ( المحاورة الثالثة والعشرون ) وهي آخر المحاورات التي كانت بين ابن عباس وبين معاوية ، وقد كانت في الروحاء من الفرع على نحو أربعين ميلاً من المدينة حين رجع معاوية بعد إعلانه بيعة يزيد بالترهيب والترغيب ، ومنع بني هاشم عطاءهم ، فخرج في أثره ابن عباس حتى لحقه في الفرع ، فجلس ببابه.

فجعل معاوية يقول : من بالباب؟

فيقال : عبد الله بن عباس.

فلم يأذن لأحد ، فلمّا استيقظ قال : مَن بالباب؟

فقيل : عبد الله بن عباس. فدعا بدابته ، فأدخلت عليه ثم خرج راكباً ، فوثب إليه عبد الله بن عباس فأخذ بلجام البغلة ، ثم قال : أين تذهب؟

قال : إلى الشام.

قال : فأين جوائزنا كما أجزت غيرنا؟

فأومأ إليه معاوية ، فقال : والله ما لكم عندي جائزة ولا عطاء حتى يبايع صاحبكم.

قال ابن عباس : فقد أبى ابن الزبير فأخرجت جائزة بني أسد ، وأبى عبد

٢٢٠