موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١٠

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١٠

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-500-7
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٨٠

الدجّال. لخروج الدجّال أشهى إليهم من الماء البارد.

فقال الرجل : يا أبا عباس لا تجد عليَّ ، فإنّي سائل مبتلى بهم.

قال : قل.

قال : كيف صار في هذه الأمّة مجوس ، وهذه الأمّة مرحومة؟

قال : أخبرك لعل الله ينفعك؟

قال : إفعل.

قال : إنّ المجوس زعمت أنّ الله لم يخلق شيئاً من الهوام والقذر ، ولم يخلق شيئاً يضر ، وإنّما يخلق المنافع وكلّ شيء حسن ، وإنّما القذر هو الشر ، والشر كلّه خلق إبليس وفعله.

وقالت القدرية : إنّ الله لم يخلق الشر ، ولم نبتلى به ، وإبليس رأس الشر كلّه ، وهو مقر بأنّ الله خالقه.

قالت القدرية : إنّ الله أراد من العباد أمراً لم يكن ، وأخرجوه عن ملكه وقدرته ، وأراد إبليس من العباد أمراً وكان إبليس عند القدرية أقوى وأعز ، فهؤلاء القدرية. وكذبوا أعداء الله ، إنّ الله يبتلي ويعذّب على ما أبتلى وهو غير ظالم ، لا يُسأل عمّا يفعل ، ويمنّ ويثيب على منّه إيّاهم وهو فعّال لما يريد ، ولكنهم أعداء الله ظنّوا ذاتاً فحققوا ظنّهم عند أنفسهم ، وقالوا : نحن العاملون والمثابون والمعذَبون بأعمالنا ، ليس لأحد علينا منّة ، وذهب عليهم منّ الله وأصابهم الخذلان ...

فقال الرجل : الحمد الذي منّ بك عليَّ يا أبا عباس ، وفّقك الله ، نصرك

١٠١

الله ، أعزك الله ، أما والله لقد كنت من أشدّهم قولاً أدين الله به ، وقد استبان لي قول الضياء ، فأنا أشهد الله وأشهدكم إنّي تائب إلى الله ، وراجع ممّا كنت أقوله ، وقد أيقنت أنّ الخير من الله ، وأنّ المعاصي من الله يبتلي بها من يشاء من عباده ، ولا مقدّر إلاّ الله ، ولا هادي ولا مضلّ غيره.

قال عكرمة : فما زال الرجل عندنا باكياً حتى خرج غازياً في البحر فاستشهد رحمه‌الله ) (١).

____________

١ ـ أصول الاعتقاد ٣ / ٣٦٤ رقم ١٠٤٠.

١٠٢

كلامه في التوحيد

روى البلاذري في ترجمة ابن عباس من أنسابه بسنده :

( أنّ رجلاً قال لعبد الله بن عباس : بماذا عرفت ربك؟

فقال عبد الله : ويلك من طلب الدين بالقياس ، لم يزل الدهر إلاّ في التباس ، مائلاً عن المنهاج ، ظاعناً في الإعوجاج ، أعرفه بما عرّف به نفسه من غير رويّة ، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، حيّ في ديمومته ، لا يجور في أقضيته ، يعلم ما هم عاملون وما هم إليه صائرون ، فتبارك ( الله ) الذي يسبق كلّ شيء علمه ، ونفذت في كلّ شيء مشيئته ).

أقول : وهذا الخبر ورد في التراث الشيعي الاثني عشري والزيدي كما ورد في التراث السني ، وبين رواياته تفاوت ينبغي لنا ذكره في المقام.

١ ـ في التراث الشيعي الاثني عشري.

روى الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في كتابه ( التوحيد ) باب التوحيد : ( ثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري بالبصرة ، قال : أخبرنا محمد بن زكريا الجوهري العلائي ـ الغلابي ظ ـ البصري ، قال : حدثنا العباس بن بكار الضبي ، قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن عكرمة ، قال :

١٠٣

بينما ابن عباس يحدّث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق ، فقال : يا بن عباس تفتي في النملة والقملة صف لنا إلهك الذي تعبده.

فأطرق ابن عباس إعظاماً لله عزوجل. وكان الحسين بن علي عليهما‌السلام جالساً في ناحية ، فقال : إليّ يابن الأزرق.

فقال : لست إياك أسأل.

فقال ابن عباس يابن الأزرق إنّه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم.

فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين عليه‌السلام ، فقال له الحسين : يا نافع إنّ من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الإرتماس ، مائلاً عن المنهاج ، ظاعناً في الإعوجاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلاً غير الجميل. يابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه ، وأعرّفه بما عرّف به نفسه ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، فهو قريب غير ملتصق ، وبعيد غير متقص ، يوحّد ولا يبعّض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلا هو الكبير المتعال ) (١).

٢ ـ في التراث الشيعي الزيدي.

روى الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة ( ت ٦١٤ هـ ) في كتابه ( الكبير الشافي ) في رده على الفقيه العامي الذي كتب ( الخارقة ) ، وكان الفقيه استدل بهذا الخبر ، فأجابه المنصور ، فقال :

( وذكر ـ الفقيه ـ حكاية عن نجدة الحروري وابن الأزرق أنّهما أتيا ابن عباس ، فقال له نجدة : يابن عباس ما معرفتك بربّك؟

____________

١ ـ التوحيد / ٦٢ ، باب التوحيد ط حجرية ١٣٣١ هـ.

١٠٤

فقال : يا نجدة إنّ من نصب نفسه للقياس لم يزل الدهر في التباس ... وذكر بعد مسيرهما إلى عليّ بن الحسين فذكر فضله وعلمه.

فالجواب وهو ـ يعني ابن عباس ـ أهل لما قيل فيه من العلم ، وإن كان معترفاً بفضل أهل البيت عليهم‌السلام ، عليه الوالدِ منهم والولد ، وذلك ثابت فيما رُوينا من مكالمة الحرورية التي بترها لما بيّن لهم التوحيد ، فقالوا له : يا سيد بني هاشم؛ فقال ابن عباس : ذلك عليّ بن الحسين عليه‌السلام.

والبقية مشهورة غير متكررة ، ولو أغفلها الفقيه لحدّة بغضه.

ثم ساق الخبر كما مرّ ، وفي آخره : فقال نجدة لابن عباس : يا سيد بني هاشم.

فقال ابن عباس رحمة الله عليه : ذلك عليّ بن الحسين ، بقية النبيّين وسلالة الماضين ، له الولاية مع القرابة ، في الطهارة يوم الكساء.

فقال نافع بن الأزرق : هل لك يا نجدة أن نأتيه فإنّه حديث السنّ ، فلعلّنا أن نستظهر عليه بحجة. فمضيا نحوه ، فوجداه في الحِجر مع نفر من أصحابه.

فقال نجدة : يا عليّ بن الحسين ، ما أوّل العبادة وسبيل المعرفة؟

فقال له عليّ بن الحسين عليه وعلى آبائه السلام : ( يا نجدة أتيت ( متعنتّاً معتدياً ) على أولياء الله وأهل طاعته ...

ثم ساق الخبر بطوله ، إلى أن قال : فانطلق نجدة إلى ابن عباس فأخبره بالذي كان ، فبهج ابن عباس بذلك ، وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالاته (١).

____________

١ ـ هكذا في المخطوط ( رسالاته ) وهي قراءة نافع التي يتلوها أهل المغرب الإسلامي ، وهي الشهيرة بين الطائفة الزيدية الكرام في اليمن.

والقراءة المتداولة في بلاد المشرق عن حفص عن عاصم وهي ( رسالته ) ، عن هامش ص١٥٢ من المصدر.

١٠٥

فقال نجدة : أولستم أهل بيت يتقدم كبارُكم صغارَكم؟

فقال : أجل ، ولكن ربانيّونا كبارُنا ، وإن كانوا صغاراً ، وعليّ بن الحسين من الربانيّين صلى الله عليه وعلى آبائه الطيبين وسلّم تسليماً ) (١).

٣ ـ في التراث السني :

لقد مرّ في أوّل البحث ذكر ذلك نقلاً عن البلاذري ، غير أنّ ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) في ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام رواه بسنده عن مشايخه عن عكرمة (٢) ، ولفظه يتفق مع ما تقدم نقله عن الشيخ الصدوق في كتابه ( التوحيد ) مع زيادة فيه.

وإلى القارئ رواية ابن عساكر ... عن عكرمة عن ابن عباس :

( ( إنّه ) بينما ( كان ) يحدّث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق ، فقال له : يا ابن عباس تفتي الناس في النملة والقملة؟ صف لي آلهك الذي تعبد؟

( و ) فأطرق ابن عباس إعظاماً لقوله ، وكان الحسين بن عليّ جالساً ناحية فقال : ( إليّ يا بن الأزرق ).

قال : ( ابن الأزرق ) : لست إياك أسأل.

قال ابن عباس : ( يا بن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم ).

فأقبل نافع نحو الحسين ، فقال له الحسين : ( يا نافع إنّ من وضع دينه على القياس ، لم يزل الدهر في الإلتباس ، مائلاً ناكباً عن المنهاج ، ظاعناً

____________

١ ـ الشافي ٣ / ٦٠ ، مجلة علوم الحديث / السنة السادسة / العدد الثاني عشر / ١٣٥.

٢ ـ تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين / ١٥٧ تحقيق المحمودي.

١٠٦

بالإعوجاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلاً غير الجميل.

يابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه ، وأعُرّفه بما عرّف به نفسه ، لا يدرك بالحواسّ ، ولا يقاس بالناس ، قريب غير ملتصق ، وبعيد غير متقص ، يوحّد ولا يبعّض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلا هو العلي الكبير المتعال ).

فبكى ابن الأزرق ، وقال : يا حسين ما أحسن كلامك؟

قال له الحسين : ( بلغني أنّك تشهد على أبّي وعلى أخي بالكفر وعليَّ )؟

قال ابن الأزرق : أما والله يا حسين لئن كان ذلك لقد كنتم منار الإسلام ونجوم الأحكام.

فقال له الحسين : ( إنّي سائلك عن مسألة )؟

قال : إسأل.

فسأله عن هذه الآية : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ )(١) ، ( يابن الأزرق من حفظ في الغلامين )؟

قال ابن الأزرق : أبوهما.

قال الحسين : ( فأبوهما خير أم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال ابن الأزرق : قد أنبأنا الله تعالى إنّكم قوم خصمون ) (٢).

فهذا عين ما ورد عن ابن عباس في كلامه في التوحيد كما مرّ آنفاً.

____________

١ ـ الكهف / ٨٢.

٢ ـ إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف / ٥٨ : ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ).

١٠٧

وله في العقائد أخبار كثيرة مع المنحرفين ، تعسر الإحاطة بها جميعاً ، وجلّ ما كان يُروى عنه في هذا نجده عين ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. ولا بدع فهو في علمهم من علم الإمام عليه‌السلام كما مرّ ذلك عنه مراراً.

ونختم الكلام في هذا الجانب بالإشارة إلى ما كان يعانيه من مولاه عكرمة البربري الذي صار مع الخوارج ، فكان يكذب على مولاه ، حتى أشتهر بذلك في حياته وبعد وفاته ، وقد مرّت الإشارة إلى حاله في ذكر تلاميذه ، وتأتي في الحلقة الرابعة بعض أكاذيبه على مولاه ، مما سبّب خبطاً وخلطاً في المروي عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه عند الباحثين.

ولا يفوتني التنبيه على أنّ في الرواة عن ابن عباس أربعة كلّهم اسمه عكرمة ، فاثنان منهم من مواليه ، فكان كثير من المروي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس يحسبه الكثير أنّه عن عكرمة البربري ـ الكذّاب ـ لأنّه كان أبعد الأربعة صيتاً ، وقد بينت هذا في بحث تلاميذه عند ذكرهم ، فراجع.

والآن إلى قراءة بعض مرويات عكرمة ـ المجهول ـ عن ابن عباس ممّا ليس فيه التهمة ممّا يتعلق بالعقيدة :

١ ـ روى الطبري في تفسيره بسنده ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال :

( الإسلام ثلاثون سهماً ، وما أبتلي بهذا الدين أحد فأقامه إلاّ إبراهيم ، قال الله : ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى )(١) ، فكتب الله له براءة من النار ) (٢).

____________

١ ـ النجم / ٣٧.

٢ ـ جامع البيان ١ / ٥٤٤.

١٠٨

وفي رواية أخرى عنه ، قال : ( ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كلّه غير إبراهيم ، ابتلي بالإسلام فأتمه ، فكتب الله البراءة ، فقال : ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى )(١) ، فذكر عشراً في براءة ، فقال : ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )(٢) ، وعشراً في الأحزاب : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )(٣) ، وعشراً في سأل سائل : ( الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ _ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ _ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ _ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ _ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ _ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ _ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ _ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ _ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ _ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ _ وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ _ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ _ أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ )(٤) ) (٥).

____________

١ ـ النجم / ٣٧.

٢ ـ التوبة / ١١٢.

٣ ـ الأحزاب / ٣٥.

٤ ـ المعارج / ٢٣ ـ ٣٥.

٥ ـ جامع البيان ١ / ٥٤٤.

١٠٩

٢ ـ روى البخاري بسنده ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه ، قال :

( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن ، ولا يقتل وهو مؤمن ).

قال عكرمة : قلت لابن عباس : كيف ينزع منه الإيمان؟

قال : هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها ، فإن تاب عاد إليه هكذا ، وشبك بين أصابعه ) (١).

٣ ـ روى الصدوق في ( علل الشرائع ) في نوادر علل الصلاة ، عن عكرمة ، قال :

( قلت لابن عباس : أخبرني لأي شيء حذف من الأذان ( حيّ على خير العمل )؟

قال : أراد عمر بذلك أن لا يتكل الناس على الصلاة ، ويدعوا الجهاد ، فلذلك حذفها من الأذان ) (٢).

أقول : لقد ذكرت في مسألة ( حيّ على خير العمل مسائل شرعية بين السنة والبدعية ) ، ما يتعلق بهذا الجواب ، وأنّه لا يتعدى التفسير الرسمي ـ إن صح التعبير ـ للمنع والرفع ، وهذا هو الجانب الواقعي المعاش ، الظاهر الذي كان يصوّر وجهة نظر الخليفة ومن تبعه من المسلمين يومئذ ، ويبقى التصديق بوجاهته وعدمه تبعاً للأشخاص وعقائدهم ..

والتزام أهل البيت عليهم‌السلام ـ وتمسك مَن يتبعهم بإصرار على الإتيان به في

____________

١ ـ صحيح البخاري ٨ / ١٦٤ ط بولاق ، كتاب المحاربين الكفر والردّة ( باب إثم الزناة ).

٢ ـ علل الشرائع / نوارد علل الصلاة ط الحيدرية.

١١٠

الأذان والإقامة ـ يعني أنّ الرأي الأوّل ليس بمقنع عندهم ولديهم تفسير آخر. فما هو ذلك التفسير؟

إنّه ( الولاية ) بمعنى موالاة عليّ وأهل بيته عليهم‌السلام ...

فراجع تجد تفصيل ما يتعلق بالمقام (١).

٤ ـ روى الطبري ، وابن أبي حاتم وغيرهما ، في تفسير قوله تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا )(٢) ، عن عكرمة ، قال :

( قلت لابن عباس : إنّ فلاناً يقول إنّها على عمد ـ يعني السماء ـ.

فقال ابن عباس : أقرأها ( نقرؤها ) : ( بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا )، أي لا ترونها ) (٣).

٥ ـ روى القرطبي نقلاً عن ( التمهيد ) لابن عبد البر وكتاب ( الردّ عن عكرمة ) لابن الأنباري ، عن عكرمة ، قال :

( قلت : لابن عباس : أرأيت ما جاء عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمية بن أبي الصلت ( آمن شعره وكفر قلبه )؟

قال : هو حق فما أنكرتم من ذلك؟

قلت : أنكرنا قوله :

والشمس تطلع كلّ آخر ليلة

حمراء يصبح لونها يتورّد

ليست بطالعة لهم في رسلها

إلاّ معذّبة وإّلا تُجلد

____________

١ ـ حي على خير العمل مسائل شرعية بين السنة والبدعة / ١٢٤ ـ ١٢٧ ط قم.

٢ ـ الرعد / ٢.

٣ ـ تفسير الطبري ١٣ / ٩٣.

١١١

ما بال الشمس تُجلد؟

فقال : إنّما اضطّره الرويّ إلى الجلد ، لكنها تخاف العقاب ) (١).

٦ ـ روى الثعلبي في ( الكشف والبيان ) في تفسير قوله تعالى : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ )(٢) ، عن عكرمة ، قال :

( كانوا مساكين والسفينة تساوي ألف دينار؟

قال : ـ ابن عباس ـ إنّ المسافر مسكين ولو كان معه ألف دينار ) (٣).

____________

١ ـ تفسير القرطبي ١٥ / ٦٣ ..

٢ ـ الكهف / ٧٩.

٣ ـ الكشف والبيان / تفسير سورة الكهف الآية / ٧٩.

١١٢

مواقفه مع النواصب

من هم النواصب؟

لقد قرأنا فيما مضى نماذج كثيرة من مواقفه المشرّفة في إحتجاجاته على الحاكمين وغيرهم ، وجميعهم ممن كان يناوئ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وجميعهم يمكن عدّهم من النواصب ، فماذا بعد هذا من جديد؟

الجواب : إنّ الرواسب الموروثة الموبوءة ، قد عشعشت في نفوس المنافقين ، فنقّت اليوم ضفادعهم في مستنقعاتهم ، وتعالت أصواتهم في وسائلهم من جديد ، فجعلت أمجاد بني أمية أنّهم أبطال القومية العربية ، ومن الطبيعي أن يكون عندهم معاوية في قمة الهرم ، لأنّه المسخ الإنساني الذي أعلن الكفر على منابر المسلمين أيام إستحواذه على السلطة بأساليبه المخزية ، وهذا معناه ( أطلع الشيطان من مغرزه ) (١) ، وعادت الجاهلية تنغض برؤوسها وتمجد رموزها ، فصارت تلعب بالتراث تحريفاً وتصحيفاً ، وحذفاً وتغييراً ، لتسدل نسيج العنكبوت على تلك الجرائم البشعة التي إرتكبها معاوية.

لذلك رأيت العودة إلى قراءة بعض ما جرى لابن عباس رضي‌الله‌عنه من مواقف مشرّفة مع النواصب ممّا لم يسبق ذكره ، لغرض بيان وتحديد معنى النواصب من خلال تلك القراءة.

____________

١ ـ من كلام فاطمة الزهراء سلام الله عليها في الخطبة ( الفدكية ).

١١٣

فمن هم؟ وما هم؟

ويمكننا الإجابة على السؤالين معاً بالقدر المشترك بينهما ، وهو معنى ( النُصب ) : والرجوع إلى ما قاله اللغويون يغني عن الإطالة في البحث ، كما أنّ قراءة ما قاله من لا يتهم في قوله على قومه يبعدنا عن التهمة والتعصب.

فقد قال الفيروز آبادي الشافعي في كتابه ( القاموس ) : ( ( نَصَب ) : والنواصب والناصبية ، وأهل النُصب المتدّينون ببغضة علي رضي‌الله‌عنه ، لأنّهم نصبوا له أي عادوه ) (١).

وهذا ما أقره عليه الزبيدي في شرحه له في ( تاج العروس ) ولم يزد عليه إلاّ ببعض ألقاب أطرى بها الإمام عليه‌السلام.

وأخيراً بإشارة منه بائسة إلى مصدر أخبار الخوارج ، فماذا قال؟ : ( ( النواصب ، والناصبة ، وأهل النصب ) ، وهم ( المتديّنون ببغضة ) سيدنا أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين أبي الحسن ( عليّ ) بن أبي طالب ( رضي الله تعالى عنه ) وكرّم وجهه ( لأنّهم نصبوا له أي عادوه ) ، وأظهروا الخلاف وهم طائفة الخوارج ، وأخبارهم مستوفاة في كتاب المعالم للبلاذري ) (٢).

وهذا التفسير مهما أغمضنا النظر عن جعل التدين فيه هو مبعث النُصب ، فلا يمكن غضّ النظر عن قصر التفسير على الخوارج ففيه دفاعهما المضمر عن معاوية وأذنابه ، فهم وإن لم يكونوا أصحاب دين ،

____________

١ ـ القاموس المحيط / ١٣٣ ، الفيروز آبادي ، المجلد الأول ، دار الفكر.

٢ ـ تاج العروس ١ / ٤٨٧ مادة نصب.

١١٤

إلاّ أنّهم سبقوا الخوارج في النُصب ، فالخوارج لم يتميزوا بذلك إلاّ بعد وقعة صفين سنة ( ٣٧ هـ ) فما بعدها ، بينما نجد بعض الأحاديث تسبق ذلك التاريخ وترتفع في تعميم معنى النُصب إلى عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان هو ظاهرة المنافقين التي نددّ بهم القرآن ، والنبيّ العظيم ، فقال تعالى في سورة التوبة : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ )(١) ، وقال تعالى في سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ _ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ _ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ _ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ _ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ )(٢).

قال السيوطي في ( الدر المنثور ) في تفسير الآيات : ( وأخرج ابن مردويه ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري ، في قوله تعالى : ( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ )(٣) ، قال : ببغضهم عليّ بن أبي طالب ) (٤).

____________

١ ـ التوبة / ١٠١.

٢ ـ محمّد / ٢٥ ـ ٢٩.

٣ ـ محمّد / ٣٠.

٤ ـ الدر المنثور ٦ / ٦٦.

١١٥

وقال تعالى في سورة الأحزاب : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً )(١).

ذكر الزمخشري في ( الكشاف ) في تفسير الآية : ( وقيل : نزلت في ناس من المنافقين يؤذون عليّاً ويسمعونه ) (٢).

أمّا الواحدي في ( أسباب النزول ) فقد قال صريحاً : ( قال مقاتل : نزلت في عليّ بن أبي طالب ، وذلك أنّ أُناساً من المنافقين كانوا يؤذونه ويسمعونه ) (٣).

وقال تعالى في سورة المطففين : ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ _ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ )(٤).

ذكر الرازي في تفسيره في ( أسباب النزول ) وجهين :

( الأوّل : إنّ المراد من قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا )أكابر المشركين كأبي جهل ، والوليد بن المغيرة ، والعاصي بن وائل السهمي ، كانوا يضحكون من عمار وصهيب وبلال وغيرهم من فقراء المسلمين ويستهزئون بهم.

الثاني : جاء علي عليه‌السلام في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم ، فقالوا : رأينا اليوم الأصلع ، فضحكوا منه ، فنزلت هذه الآية ، قبل أن يصل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) (٥).

____________

١ ـ الأحزاب / ٥٨.

٢ ـ الكشاف ٢ / ٥٤٩ نشر مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة ١٣٦٧ هـ.

٣ ـ أسباب النزول / ٢٧٣.

٤ ـ المطففين / ٢٩ ـ ٣٠.

٥ ـ تفسير الرازي ٣١ / ١٠١.

١١٦

إلى غير ذلك من آيات الذكر الحكيم نددّت بأعداء علي عليه‌السلام.

والسؤال الآن من شيخي اللغة الآنفي الذكر : هل أنّ هؤلاء الذين ندّد بهم القرآن الكريم والنبيّ العظيم كانوا من الخوارج المتديّنين ببغضة علي عليه‌السلام؟

لماذا الّلف والدوران؟ فإن النّصب هو العداء ، فكلّ من عادى عليّاً عليه‌السلام فهو ناصبّي ، من أي فئة كانوا ، سواء كانوا أفراداً أو جماعات ، وأحاديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطتنا ميزاناً صادقاً وصالحاً لكلّ زمان وفي كلّ مكان. وذلك أنّ عليّاً عليه‌السلام هو ميزان الحق ، إذ هو مع الحق ، ( يدور الحق معه حيث دار ) (١).

____________

١ ـ راجع صحيح الترمذي ٢ / ٢٩٨ ، ومستدرك الحاكم ٣ / ١٢٤ ( رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار ) قال الحاكم : هذا صحيح على شرط مسلم.

١١٧

ابن عباس على ذلك من الشاهدين

أخرج ابن المغازلي المالكي ت ( ٤٨٣ هـ ) بإسناده عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : ( كنتُ عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل عليّ بن أبي طالب غضبان.

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما أغضبك )؟

قال : آذوني فيك بنو عمك.

فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغضباً ، فقال : ( يا أيّها الناس ، من آذى عليّاً فقد آذاني ، إنّ عليّاً أولكم إيماناً ، وأوفاكم بعهد الله ، يا أيّها الناس من آذى عليّاً بُعث يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً ).

قال جابر بن عبد الله الأنصاري : يا رسول الله وإن شهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّك محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

فقال : ( يا جابر كلمة يحتجزون بها أن لا تسفك دماؤهم ، وأن لا تستباح أموالهم ، وأن لا يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ) (١).

أخرج ابن عساكر الشافعي ت ( ٥٧١ هـ ) في ( تاريخ مدينة دمشق / ترجمة الإمام عليه‌السلام ) بإسناده عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه :

( أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظر إلى عليّ بن أبي طالب فقال : ( أنت سيد في الدنيا ،

____________

١ ـ المناقب / ٥٢ رقم٧٦.

١١٨

سيد في الآخرة ، من أحبّك فقد أحبّني ، وحبيبك حبيب الله ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وبغيضك بغيض الله ، والويل لمن أبغضك بعدي ) (١).

أخرج ابن المغازلي في مناقبه ، بإسناده عن عبد الرزاق بن همام ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عكرمة ، عن عبد الله بن عباس ، قال : ( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّ الله عزوجل منع بني إسرائيل قطر السماء بسوء رأيهم في أنبيائهم وإختلافهم في دينهم ، وإنّه آخذ هذه الأمة بالسنين وما نعهم قطر السماء ببغضهم عليّ بن أبي طالب ).

قال معمر : حدثني الزهري ـ وقد حدثني في مرضة مرضها ، ولم أسمعه يحدث عن عكرمة قبلها ـ أحسبه ولا بعدها ـ فلمّا بلّ من مرضه ندم ، فقال لي : يا يماني أكتم هذا الحديث وأطوه دوني ، فإنّ هؤلاء ـ يعني بني أمية ـ لا يعذرون أحداً في تقريض عليّ وذكره.

قلت : فما بالك أرعبت من القوم يا أبا بكر؟ وقد سمعت الذي سمعت؟

قال : حسبك يا هذا إنّهم شركونا في لهاهم فانحططنا لهم في أهوائهم ) (٢).

أقول : وقد أخرج ابن عساكر لفظ الحديث المرفوع في الرواية في ( تاريخ مدينة دمشق / ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام ) (٣).

____________

١ ـ تاريخ مدينة دمشق ٢ / ٢٣١. وهذا أخرجه ابن المغازلي في مناقبه برقم ( ١٤٥ و ٤٣١ ) ، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ وقال : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

٢ ـ مناقب ابن المغازلي / ١٤١ رقم ١٥٦.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ٢ / ٢١٤.

١١٩

فهذه ثلاثة أحاديث يرويها ابن عباس رضي‌الله‌عنه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عقوبة ناصبي العداء لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وثمة عن ابن عباس ما يدلّ على أنّ قريشاً قد ناصبت العداوة على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك فيما رواه الموفق الخوارزمي الحنفي في كتابه ( مقتل الحسين عليه‌السلام ) في الفصل الخامس ، بإسناده عن ابن عباس ، قال : ( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبد الرحمن ابن عوف : ( يا عبد الرحمن أنتم أصحابي ، وعليّ بن أبي طالب منّي وأنا من عليّ ، فمن قاسه بغيره فقد جفاني ، ومن جفاني فقد آذاني ، ومن آذاني فعليه لعنة ربي ) (١).

وعلى ضوء هذه الأحاديث كان ابن عباس يعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغضهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، كما في ( تاريخ بغداد ) (٢) ، و ( تاريخ مدينة دمشق ) لابن عساكر (٣).

ولم يكن وحده في هذه المعرفة ، بل كان حذيفة ، وابن مسعود ، وأبو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وآخرون غيرهم ، كلّهم مثل ابن عباس في معرفة المنافقين من خلال معرفتهم ببغضهم الإمام عليه‌السلام ، وهم جميعاً كانوا تلقوا تلك المعرفة من أقوال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : ( إنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق ) (٤) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من

____________

١ ـ مقتل الحسين / ٦٠ تحقيق الشيخ السماوي بمطبعة الزهراء عليها‌السلام.

٢ ـ تاريخ بغداد ٣ / ١٥٣ ، تاريخ دمشق ( ترجمة الإمام ) ٢ / ٢١٨.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ( ترجمة الإمام ) ٢ / ٢١٨.

٤ ـ آخرجه مسلم في صحيحه في مناقب الإمام عليه‌السلام والنسائي في السنن الكبرى والخصائص وأبو يعلي في مسنده وأحمد بن حنبل في مسنده وفي فضائل الصحابة بمعناه ، وغيرهم كثير ..

١٢٠