الصّحابة في حجمهم الحقيقي

الهاشمي بن علي

الصّحابة في حجمهم الحقيقي

المؤلف:

الهاشمي بن علي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-193-1
الصفحات: ٨٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة



الصحابي اصطلاحاً :

يقول ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة : « الصحابي من لقي النبيّ مؤمناً به ومات علىٰ الإسلام ، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ، ومن روىٰ عنه أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغز ، ومن رآه رؤية ولم يجالسه ، ومن لم يره لعارض كالعُمي ، ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أُخرىٰ ... » (١).

وقال الإمام البخاري في تعريف الصحابي ما يلي : « ومن صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه » (٢).

وعلىٰ هذين التعريفين يكون كلّ شعب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحابة من الطفل الصغير إلىٰ الشيخ الكبير إلىٰ المرأة.

وياليت الأمر وقف عند هذا الحدّ ، بل إنّ علماء السنّة أجمعوا علىٰ أن كل الصحابة عدول ثقات !!

__________________

١) كتاب الاصابة ١ : ٤.

٢) صحيح البخاري ٥ : ٢.

٢١
٢٢



عدالة الصحابة :

يقول ابن الأثير في مقدمة كتابه أُسد الغابة في معرفة الصحابة ما يأتي : « والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاّ الجرح والتعديل ، فإنهم كلّهم عدول لا يتطرق الجرح إليهم ، لأنّ الله عزّوجلّ ورسوله زكّياهم وعدّلاهم ، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره » (١).

أما ابن حجر العسقلاني فيقول عن عدالة الصحابة : « اتفق أهل السنّة أنّ الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة ، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً في ذلك فقال : عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم ، فمن ذلك قوله تعالىٰ : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) (٢) وقوله : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) (٣) ، وقوله : ( لَّقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) (٤) ، وقوله : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) (٥) ، وقوله : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٦) ، وقوله : ( لِلْفُقَرَاءِ

__________________

١) مقدمة ابن الاثير في كتابه أُسد الغابة ١ : ١٠.

٢) سورة آل عمران : ١١٠.

٣) سورة البقرة : ١٤٣.

٤) سورة الفتح : ١٨.

٥) سورة التوبة : ١٠٠.

٦) سورة الانفال : ٦٤.

٢٣

الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) إلىٰ قوله : ( إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (١) ، في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها ... ، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله لهم إلىٰ تعديل أحد من الخلق ... ، إلىٰ أن يقول إلىٰ أن روى بسنده إلىٰ أبي زرعة الرازي قال : إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق ، وإنما أدّىٰ إلينا ذلك كلّه الصحابة وهؤلاء ( وهم ) يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنّة ، والجرح بهم أولىٰ وهم زنادقة انتهىٰ ... » (٢).

فعلىٰ رأي علماء أهل السنّة كل شعب رسول الله الذي آمن به صحابة ، وهم أيضاً عدول كلّهم لا يتطرق الشك إليهم أبداً حتّىٰ إلىٰ واحد منهم.

وقالوا : من يطعن في صحابي واحد فهو زنديق ، وقالوا : إنّ الله طهرهم وزكّاهم جميعاً.

وحتّىٰ يتبيّن لك الامر تعال إلىٰ كلام الله المجيد وانظر رأي القرآن في الصحابة أو فقل رأيه في كثير منهم.

__________________

١) سورة الحشر : ٨.

٢) الاصابة في تمييز الصحابة ١ : ٦ ـ ٧.

٢٤



الصحابة في القرآن :

يقول تعالىٰ في سورة الفتح : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (١).

فمن ينظر إلىٰ أول الآية يرىٰ أن الممدوحين مع رسول الله هم عموم الصحابة ، لكن انظر إلىٰ قوله تعالىٰ : ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم ... ).

فلم يَعِدْ الله جميع الصحابة بالمغفرة والأجر ، بل فقط مَنْ آمن وعمل صالحاً ، ولو كان الوعد للجميع لقال : ( وعدهم الله ... ) فتأمل.

ويقول تعالىٰ في نفس هذه السورة : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (٢).

وأنت ترىٰ في هذه الآية أنّ الله تعالىٰ يحذّر الناكثين بأنهم إنّما ينكثون علىٰ

__________________

١) سورة الفتح : ٢٩.

٢) سورة الفتح : ١٠.

٢٥

أنفسهم وليسوا بضارّي الله تعالىٰ شيئاً.

ولدىٰ قراءة سورة الحجرات تصادف هذه الآية : ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (٢).

فانظر لوصف الله تعالىٰ هذه الفئة من المسلمين حيث وصفهم بأبشع وصف وهو أنهم لا يعقلون ، وقد وصفهم الله في صدر السورة بأنهم يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي مع أنهم مؤمنين به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويقول في سورة الحجرات أيضاً : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (٣).

ومن المعلوم والمشهور أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة ، وهو أخو عثمان بن عفان لامه ، عندما بعثه إلىٰ بني المصطلق فرجع وكذب علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، فالله يصف الوليد بالفاسق ، وأئمة السنّة يقولون إنّه عدل ؟!

ويقول تعالىٰ في سورة التوبة : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) (٢).

في هذه الآية يذكر الله ويشنّع علىٰ المسلمين فرارهم يوم حنين حيث

__________________

١) سورة الحجرات : ٤ ـ ٥.

٢) سورة الحجرات : ٦.

٣) أنظر تفسير الفخر الرازي ( التفسير الكبير ) في سورة الحجرات : ٦ ، تفسير الطبري ٢٦ : ٧٨ ، تفسير الدرّ المنثور ٧ : ٥٥٥.

٤) سورة التوبة : ٢٥.

٢٦

تركوا النبي مع ثلة قليلة عدد أصابع اليد وفرّوا ، وقد اغترَّ المسلمون في حنين بكثرتهم حتّىٰ قال أبو بكر : « لن نُغلَب اليوم من قلّة » (١).

وقال الله أيضاً مخاطباً الصحابة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٢).

فالله هنا يقرّع الصحابة بسبب تثاقلهم عن الغزو وكما لا يخفىٰ فإن الله تعالىٰ توعّد الصحابة في هذه الآية بالعذاب الأليم وباستبدالهم بقوم آخرين ـ الفرس علىٰ رأي ـ إذا لم ينفروا في سبيله ، فأين مدح الله للصحابة هنا ؟!

وفي نفس سورة التّوبة هذه تقرأ قوله تعالىٰ : ( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) (٣).

المشهور أن هذه الآية نزلت في أحد الصحابة علىٰ عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ثعلبة بن حاطب الأنصاري ، الذي شكا لرسول الله الفقر وطلب أن يدعو له

__________________

١) أنظر تفسير الفخر الرازي ( التفسير الكبير ) في سورة التوبة : ٢٥.

٢) سورة التوبة : ٣٨ ـ ٣٩. يقول الفخر الرازي في تفسير سورة التوبة : وهذا يدل أنّ كل المؤمنين كانوا متثاقلين في ذلك التكليف ، وذلك التثاقل معصية. ويقول الرازي بعد ذلك ، إنّ خطاب الكل وارادة البعض مجاز مشهور في القرآن.

٣) سورة التوبة : ٧٥ ـ ٧٧.

٢٧

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالغنىٰ والثروة ، ولمّا أعطاه الله سؤله رفض دفع الزكاة وقال : إنّها الجزية أو أخت الجزية ، فأنزل الله فيه هذه الآية.

إنّ ثعلبة صحابي أنصاري عاش مسلماً مؤمناً بالله ورسوله لكنه يوصف بالنفاق كما قال تعالىٰ ; فأين عدالة الصحابة جميعاً ؟! وأين ما يدّعيه علماء أهل السنة وأئمتهم ؟! ثم يأتي من يقول : إذا انتقصت أحداً من الصحابة فأنت زنديق !! فها هو الله ينتقص بعضهم بل كثير منهم ، افتونا بعلم إن كنتم صادقين.

ويقول تعالىٰ في سورة الأحزاب : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ) (١).

قد يقول كثير من علماء أهل السنة : إنّ هذه الآية خاصة بالمنافقين ولا دخل لها بالصحابة ( وسنُبيّن أن المنافقين هم صحابة كذلك فيما بعد ) ولكن من ينظر مليّاً إلىٰ الآية فسيجدها تقصد فئتين ، المنافقين ثم فئة أُخرىٰ غير المنافقين وهم الذين في قلوبهم مرض.

يقول الله تعالىٰ عزّوجلّ في سورة الأحزاب أيضاً : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ

__________________

١) سورة الاحزاب : ١٢.

٢٨

أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيمًا ) (١).

وقد قال الامام الفخر الرازي في تفسيره : « القائل هو طلحة بن عبيدالله الذي قال : لئن عشتُ بعد محمّد لأنكحنّ عائشة » (٢).

ويقول تعالىٰ في آية أُخرىٰ من سورة الأحزاب : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا ) (٣).

نعم هذا هو منطق القرآن لا قرابة بين الله وبين أحد من خلقه ولا مجاملة من الله ولا من رسوله لأحد ، لا لصحابي ولا لزوجة النبيّ ، إنّ أكرم الخلق عند الله أتقاهم بما في ذلك الأنبياء والمرسلين ، بل إنّ صحبة الرسول مسؤولية خطيرة وكذلك الزوجيّة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن لم يراعها حقّ رعايتها كان عذابه مضاعفاً لما رأىٰ من الحق ومن هدي الرسول الكريم ، فهل بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هاد وهل بعده من عظيم ؟! ولولا رسول الله لأخذ عذاب الله كثيراً من الصحابة كما أخذ السامريّ ومن كان قبل الصحابة من أتباع وأصحاب الأنبياء ، ألا ترىٰ إلىٰ قوله تعالىٰ : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا

__________________

١) سورة الأحزاب : ٥٣.

٢) تفسير الفخر الرازي لهذه الآية ٢٥ : ١٨٠ ، تفسير الدرّ المنثور ٦ : ٦٤٣ ، وأنظر تفسير الألوسي حيث يورد رواية عن ابن عباس لكنّه كعادة القوم لم يذكر طلحة بالإسم فيها وإنّما بلفظ « رجل » ، ثمّ أورد إسمه في رواية ثانية حاول تضعيفها بدون أيّ دليل ! أنظر روح المعاني للالوسي البغدادي ١١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

٣) سورة الأحزاب : ٣٠.

٢٩

كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (١).

ويقول الله تعالىٰ في سورة الأحزاب : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٢).

إنّ الله لا يتأذّىٰ ولكن أذىٰ الله من أذىٰ الرسول ، وعليه فكلّ من آذىٰ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحابيّاً أو غيره فقد آذىٰ الله ، وهذا نظير قوله تعالىٰ : ( مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ) (٣) ، وما أكثر من آذىٰ الرسول من الصحابة والصحابيّات ، ومن أراد اليقين فليبحث فسيرىٰ عجباً.

ويقول الله تعالىٰ في سورة آل عمران : ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (٤).

ويقول الفخر الرازي في تفسيره : « أنها نزلت في حيّين من الأنصار همّا بترك القتال في أُحد والعودة إلىٰ المدينة أُسوة برأس النفاق عبدالله بن أُبي بن أبي سلول » (٥).

ويقول تعالىٰ في سورة آل عمران حول معركة أُحد : ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ

__________________

١) سورة الأنفال : ٣٣.

٢) سورة الأحزاب : ٥٧.

٣) سورة النساء : ٨٠.

٤) سورة آل عمران : ١٢١ ـ ١٢٢.

٥) التفسير الكبير للفخر الرازي ـ تفسير سورة آل عمران : ١٢١ ـ ١٢٢ ، تفسير الطبري ٤ : ٤٨ ، الدرّ المنثور ٢ : ٣٠٥.

٣٠

الْآخِرَةَ ... ) (١).

ويقول كذلك : ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (٢).

ويقول أيضاً : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (٣).

مرحىٰ لهؤلاء الصحابة الذين يفرّون من ساحة المعركة ويتركون الرسول خلفهم والرسول يناديهم في ذلك الموقف الشديد.

وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره : « أنّ عمر بن الخطاب كان من المنهزمين ، إلاّ أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين !! ومن الذين فرّوا يوم أُحد عثمان بن عفان ورجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة ، انهزموا حتّىٰ بلغوا موضعاً بعيداً ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام فقال لهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد ذهبتم بها عريضة » (٤) !

ثم لنأت إلىٰ سورة الجمعة ولنقرأ هذه الآية : ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (٥).

__________________

١) سورة آل عمران : ١٥٢.

٢) سورة آل عمران : ١٥٣.

٣) سورة آل عمران : ١٥٥.

٤) تفسير الفخر الرازي في تفسير الآية ١٥٥ من سورة آل عمران ، تفسير الطبري ٤ : ٩٦ ، تفسير الدرّ المنثور ٢ : ٣٥٥ ـ ٣٥٦.

٥) سورة الجمعة : ١١.

٣١

وقد نزلت هذه الآية في الصحابة الذين كانوا يصلون الجمعة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتّىٰ إذا دخل دحية الكلبي ـ وكان مشركاً ـ المدينة بتجارة من الشام فترك الصحابة المسجد وخرجوا إليه ولم يبق معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ اثنا عشر رجلاً علىٰ رواية ، حتّىٰ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم : « لو اتّبع آخرهم أوّلهم لالتهب الوادي عليهم ناراً » (١).

ونأتي إلىٰ سورة التحريم حيث ترىٰ عجباً ، إذ فضحت هذه السورة زوجتين من زوجات الرسول وهما عائشة وحفصة ، حيث جاء في سبب نزولها أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأتي زينب بنت جحش ويأكل عندها عسلاً ، فاتفقت عائشة مع حفصة علىٰ أن تقولا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ فيك رائحة مغافير ( الثوم ) ، وهكذا كان إلىٰ أن قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لقد حرّمتُ العسل علىٰ نفسي » ، فنزلت سورة التحريم ومنها قوله تعالىٰ : ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ) (٢).

وصالح المؤمنين كما رواه البعض هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٣).

ومعنىٰ صغت كما قال الفخر الرازي في تفسيره : مالت عن الحقّ.

__________________

١) انظر تفسير الفخر الرازي سورة الجمعة ، تفسير الدر المنثور ٨ : ١٦٥ ، تفسير الطبري ٢٨ : ٦٧ ـ ٦٨.

٢) سورة التحريم : ٤.

وأنظر قصة المغافير هذه في صحيح البخاري ٦ : ١٩٤.

٣) أنظر تفسير روح المعاني للالوسي البغدادي ١٤ : ٣٤٨. في تفسيره لسورة التحريم.

٣٢

وتواصل السورة : ( عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) (١).

فالله يقول لعائشة وحفصة لا تظنّا أنكما أفضل النّساء لأنكما زوجتا الرسول ، بل يستطيع الله أن يبدله نساءاً خيراً منكنّ.

ثم يقارن الله تعالىٰ عائشة وحفصة بامرأة نوح وامرأة لوط ليحذّرهنّ أنّ كونهما زوجتين لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يدرأ عنهما عذاب النار ولا يجعلهنّ بالضرورة من أهل الجنة ، يقول تعالىٰ : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (٢).

ثم يأتي علماء أهل السنة بعد كلّ هذه الأدلة ليقولوا : إنّ عائشة أحبّ النّاس لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والويل لمن يقول غير ذلك ! (٣).

ثم تعال معي إلىٰ سورة النور ، حيث يقول العزيز الحكيم : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (١).

فتأمّل قوله تعالىٰ : ( عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ) ، ألا يعني ذلك أنهم داخلون في دائرة الصحابة ، وقد ورد في التفاسير أنّ الذين جاؤوا بالإفك ( اتهام عائشة ) هم زيادة علىٰ رأس النفاق عبدالله بن أبي سلول ، حسان بن ثابت شاعر

__________________

١) سورة التحريم : ٥.

٢) سورة التحريم : ١٠.

٣) أنظر مثلاً صحيح الترمذي ٥ : ٧٠٧ حديث رقم ٣٨٩٠.

٤) سورة النور : ١١.

٣٣

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإسلام ، وزيد بن رفاعة ومسطح بن أُثاثة وحمنة بنت جحش (١).

وقد يدّعي الكثير من البسطاء أنّ هذه فضيلة لعائشة حيث برّأها الله وأنزل فيها قرآناً من فوق سماواته ، لكن من يتأمّل الحالة جيّداً يجد أنّ الآية نزلت لتبرأة ساحة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنزيهه ، ولو كانت عائشة زوجة لغير رسول الله ما كان ينزل فيها حرف واحد ، لأنّ الله تعالىٰ بيّن أحكامه وأحكام السرقة والخمر وغيرها في كتابه ، لكن نظراً لحساسية موقع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنزلته العظمية برأ الله ساحته ونزّهها.

ويقول الله تعالىٰ في سورة الأنفال : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٢).

في هذه الآيات خطاب شديد للصحابة الذين حاربوا في بدر لأنهم أخذوا أسرىٰ ، وليس هذا من شأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ليس من شأن الأنبياء السابقين ، لكن الله سمح لهم بعد ذلك بأخذ الفداء ، والعجيب أنّ كثيراً من المفسّرين أدخلوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا التهديد مع أنّ ظاهر الآية واضح في مخاطبة الصحابة ، ثم أنّ رسول الله ما كان ليقوم بفعل أو قول دون إذن الله فلماذا يدخل في دائرة التهديد ؟! نعم هذا ما فعلته أيدي بني أُمية الحاقدة علىٰ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته فينطبق عليهم قول الله تعالىٰ : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ

__________________

١) راجع تفسير الفخر الرازي في تفسير سورة النور ، تفسير الدرّ المنثور ٦ : ١٤٨ ، تفسير الطبري ١٨ : ٦٨.

٢) سورة الأنفال : ٦٧ ـ ٦٨.

٣٤

مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ) (١).

وتقرأ في سورة الأنعام هذه الآية : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللهُ ... ) (٢).

وفي قول نزلت هذه الآية في عبدالله بن سعد بن أبي سرح أخو عثمان بن عفان والذي أهدر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دمه لأنّه قال إنني أستطيع أن أقول مثل ما أنزل الله ، والعجيب أنّ هذا الأفّاك الاثيم يصبح في زمن عثمان أحد وزراء الدولة وقادة الجيش ؟!

هذا غيض من فيض ، ولولا أنّ المجال لا يتّسع لأكثر من هذا لأتينا علىٰ كلّ الآيات النازلة في شأن الصحابة والتي كانت تفضح بعضاً منهم أو تُقرّع البعض الآخر أو تهدّدهم وتتوعّدهم.

وهكذا ترىٰ أنّ القرآن يضع الصحابة في محلّهم الطبيعي.

والعجب أنّ علماء أهل السنّة كما أشرنا إلىٰ ذلك سابقاً يزعمون أنّ الله والقرآن عدّلا الصحابة جميعاً ، وعليه إنّ أيّ قدح في أيّ واحد منهم هو خروج عن الإسلام وزندقة ، فها هو القرآن يكذّب آراءهم النابعة من الهوىٰ ويقول غير ما قالوا ، ولا كلام بعد كلام الله وإن كره الكارهون.

ثمّ دعنا من الصحابة ولنأت إلىٰ أشرف ولد آدم وأفضل رسل الله ورأس

__________________

١) سورة المائدة : ٤١.

٢) سورة الأنعام : ٩٣.

أُنظر تفسير الفخر الرازي في تفسيره للسورة ١٣ : ٩٣ ، تفسير الطبري ٧ : ١٨١ ، تفسير الدرّ المنثور ٣ : ٣١٧.

٣٥

أُولي العزم عليهم‌السلام حيث إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكتسب تلك المنزلة العظيمة بالأماني بل بأعماله ، وها هو القرآن يشير إلىٰ هذه الحقيقة قائلاً : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (١).

وحاشا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يشرك ، لكن هذا هو مقياس الله ، لا مجاملة ولا محاباة مع أيّ أحد في أحكامه وشرائعه.

ثم انظر إلىٰ قوله تعالىٰ في سورة الحاقة : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (٢).

فليس معنىٰ كون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّاً يحجزه عن العقاب إذا خرج عن حدود الله ، فما بالك بعد هذا بالصحابة ؟!

إنّ الصحابة هم أوّل المكلّفين في الإسلام وأوّل المسؤولين.

فهم إذن تحت الشرع وليسوا فوقه ، وليس عندهم جواز عبور إلىٰ الجنّة ، هيهات ليس الامر بالأماني.

إنّ الصحابة في موضع خطير حيث أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بين أظهرهم ولا حجّة لمن تعدّىٰ حدود الله منهم غداً يوم القيامة ، فقد شاهدوا نور النبوّة وآيات الله نزلت بينهم وقد تمت عليهم الحجّة والويل لمن لم يُنجِه كلّ ذلك.

__________________

١) سورة الزمر : ٦٥.

٢) سورة الحاقة : ٤٤ ـ ٤٦.

٣٦



رأي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحابة :

بعد استعراضنا لكثير من الآيات الموضحة والمبيّنة لرأي القرآن في الصحابة ، نأتي الآن لنرىٰ رأي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أصحابه.

نفتح صحيح البخاري ونقرأ : عن عقبة رضي‌الله‌عنه أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج يوماً فصلّىٰ علىٰ أهل أُحد صلاته علىٰ الميّت ثم انصرف علىٰ المنبر فقال : « إنّي فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإنّي والله لأنظر إلىٰ حوضي الآن ، وإنّي أُعطيتُ مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض ، وإنّي والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها » (١).

وجاء هذا الحديث بألفاظ أُخرىٰ منها هذا الحديث التالي : عن أبي هريرة عن النبي قال : « بينا أنا قائم إذا زمرة حتّىٰ إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلمّ ، فقلت : أين ؟ قال : إلىٰ النار والله ، قلت وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدّوا بعدك علىٰ أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة حتّىٰ إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمّ ، قلت : أين ؟ قال : إلىٰ النار والله ، قلت ما شأنهم ؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك علىٰ أدبارهم القهقرىٰ ، فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل هَمَلِ النَّعم » (٢).

__________________

١) صحيح البخاري ٨ : ١٥١ ، صحيح مسلم باب الفضائل.

٢) صحيح البخاري ٨ : ١٥١.

٣٧

فإذا نظرت إلىٰ الحديث الاوّل ترىٰ أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « وأنا شهيد عليكم » أي علىٰ أفعال أصحابه ، وهذا يذكرنا بقول عيسىٰ بن مريم عليه‌السلام حيث قال : ( ... وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ) (١).

فالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس مسؤولاً عن أفعال أصحابه بعد حياته.

ثم انظر إلىٰ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ».

نعم هكذا كان ، حيث صار الصحابة بعد فتح البلدان من أغنىٰ الناس كطلحة والزبير وغيرهما ، ولهذا حاربوا علىٰ بن أبي طالب عليه‌السلام لأنّه كان أشد الناس في الحق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وتأمّل هذه المفردة في الحديث ( حتّىٰ إذا عرفتهم ) وهذا يعني أنهم عاشوا مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليسوا أفراداً من أُمّته متأخرين أو المنافقين كما يدّعىٰ البعض.

ثم تأمّل هذه المفردة ( إنهم ارتدوا بعدك علىٰ أدبارهم القهقرىٰ ).

نعم هكذا كان ، وانظروا كتب التواريخ وما فعله كثير من الصحابة من كنز الأموال وقتل النفوس وتعطيل حدود الله وتغيير سنّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لترىٰ عجباً !!

__________________

ويُراجع صحيح مسلم ٤ / ١٧٩٣ كتاب الفضائل باب إثبات حوض نبيّنا ، مسند أحمد ١ : ٤٠٦.

١) سورة المائدة : ١١٧.

٣٨



مخالفات الصحابة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

إنّ الباحث المتجرّد سيكتشف أنّ الصحابة هم أوّل من خالف الله ورسوله ولم يكونوا جميعاً مطيعين متهالكين في طاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يدّعي البعض ، وإليك غيض من فيض من هذه المخالفات :

عن البراء بن عازب رضي‌الله‌عنه قال : « جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ الرجّالة يوم أُحد ـ وكانوا خمسين رجلاً ـ عبدالله بن جبير فقال : إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتّىٰ أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هَزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتّىٰ أرسل إليكم ، فهزموهم ( هزيمة المشركين ) ، قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهنّ وأسوُقُهنّ رافعات ثيابهنّ ، فقال أصحاب عبدالله بن جبير : الغنيمة أيْ قوم الغنيمة ، ظَهرَ أصحابكم فماتنتظرون ، فقال عبدالله بن جبير : أنسيتم ماقال لكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالوا : والله لنأتينّ الناس فلنصيبنّ من الغنيمة ، فلمّا أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين ، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أُخراهم ، فلم يبق مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير اثني عشر رجلاً فأصابوا منّا سبعين » (١).

أُنظر إلىٰ هؤلاء الصحابة يخالفون أوامر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علانية حتّىٰ تسببوا في هزيمة المسلمين وشهادة خيار الصحابة كمصعب بن عمير وحمزة

__________________

١) صحيح البخاري ٤ : ٧٩.

٣٩

وغيرهما ، ولو لم ينزلوا من الجبل لكانت معركة أُحد الضربة القاضية للمشركين ، ولما تجّرأوا بعدها علىٰ خوض حروب أُخرىٰ ضد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كغزوة الخندق وغيرها.

ويا ليته كان فرارهم الاوّل بعد هزيمتهم ، لكن أعادوا نفس الفعلة في غزوة حنين.

وإليك حادثة أُخرىٰ وقعت قبل أربعة أيام من وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي المعروفة برزيّة يوم الخميس :

عن ابن عباس قال : « يومُ الخميس وما يوم الخميس ، ثم بكىٰ حتّىٰ خضب دمعه الحَصْبَاء ، فقال : اشتدّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه يوم الخميس فقال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبدا ، فتنازعوا ـ ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ـ فقالوا : هَجَر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه ، وأوصىٰ عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة » (١).

مرحىٰ لهؤلاء الصحابة يأمرهم الرسول فيقولون إنّ النبيّ يهجر ( يخرّف ) !! ولا يطيعونه حتّىٰ يُعرض عنهم.

ويا حسرة علىٰ ذلك الكتاب الذي لم يُكتَب والذي قال عنه الرسول ( لَنْ تضلّوا بعده ) ولو فعل الصحابه ما أُمروا به لما اختلف مسلمان إلىٰ يوم القيامة ، فانظر إلىٰ ما جناه علينا الصحابة من الضلال وما حرمونا منه.

__________________

١) صحيح البخاري ٤ : ٨٥ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ كتاب الوصية ، ومسند أحمد ١ : ٢٢٢.

٤٠