الأسرة في المجتمع الإسلامي

عبّاس الذهبي

الأسرة في المجتمع الإسلامي

المؤلف:

عبّاس الذهبي


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-365-9
الصفحات: ١١٤

إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة اقتصادية تحول دون الإقدام علىٰ الزواج ، وعليه يمارس الإسلام حواراً إقناعياً مع النساء وأولياء أمورهن ويُرغبهم في تيسير المهر ، قال الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنَّ من يُمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها .. » (١) وقال أيضاً : « أفضل نساء أُمتي أحسنهن وجهاً ، وأقلهن مهراً » (٢).

وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير ، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « الشؤم في ثلاثة أشياء : في الدابة ، والمرأة ، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها.. ».

وفي حديث آخر يجمع بين الاُسلوبين ، فيقول : « من بركة المرأة قلّة مؤونتها ، وتيسير ولادتها ، ومن شؤمها شدّة مؤونتها ، وتعسير ولادتها » (٣).

ويذهب الإسلام أبعد من ذلك فهو يعد المرأة التي تتصدق بصداقها علىٰ زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والاجلال ، فعن الإمام الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما من امرأة تصدّقت علىٰ زوجها بمهرها قبل أن يدخل بها إلّا كتب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة » (٤).

جدير ذكره أن الإسلام قد حذّر من المعطيات السلبية النفسية فضلاً عن الاقتصادية التي تترتب علىٰ المغالات في المهور ، ولعل من أبرزها العداوة

________________

١) كنز العمال ١٦ : ٣٢٢ / ٤٤٧٢١.

٢) مكارم الأخلاق : ١٩٨.

٣) مكارم الأخلاق : ١٩٨.

٤) المصدر السابق : ٢٣٧.

٤١

والضغينة التي قد تجد متنفساً لها في إثارة المشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحس بالاجحاف والتعسف ، فيُبيّنت نية السوء لالحاق الأذىٰ بالمرأة وأهلها فيما بعد ، ومن أجل ذلك قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تياسروا في الصداق ، فإن الرّجل ليعطي المرأة حتىٰ يبقىٰ ذلك في نفسه عليها حسيكة » (١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا تغالوا في مهور النساء فيكون عداوة » (٢).

وهنا يبدو من الضرورة بمكان الاشارة إلىٰ أن الإسلام يحثُّ علىٰ عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق ، وهي خمسمائة درهم ، يقول السيد محسن العاملي : (إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء عليها‌السلام والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم ، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً ، والاُوقية أربعون درهماً ؛ لأنه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت عليهم‌السلام) (٣).

والظاهر أن نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من تحديده لمهر الزهراء عليها‌السلام بهذا المقدار ، أن يضع حداً مثالياً يمثل الحل النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضية الصداق ، خصوصاً إذا ما علمنا بأن اليد الغيبية كانت من وراء تحديد مهر الزهراء عليها‌السلام ، فعن جابر الانصاري قال : (لما زوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام من علي عليه‌السلام أتاه أُناس من قريش فقالوا : إنّك زوَّجت عليّاً بمهر خسيس ، فقال : ما أنا زوّجت عليّاً ، ولكن الله زوّجه) (٤).

وبنظرة فاحصة نجد أن الإسلام عالج هذه القضية بمنتهىٰ المرونة إذ إنّه لم يجعل

________________

١) كنز العمال ١٦ : ٣٢٤ / ٤٤٧٣١.

٢) مكارم الأخلاق : ٢٣٧.

٣) في رحاب أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ١ : ١٦٢ ـ ١٦٣ دار التعارف ط ١٤٠٠ هـ.

٤) مكارم الأخلاق : ٢٠٨.

٤٢

مهر السُنّة الذي هو مهر الزهراء عليها‌السلام واجباً علىٰ الجميع ، بل جعله حداً لا يجوز تعديه وتجاوزه من قبل ذوي الثراء والاغنياء بشكل يجعل الزواج متعسراً سيما علىٰ الفقراء وذوي الدخول المحدودة الذين فتح لهم الإسلام الباب علىٰ مصراعيه في الحث علىٰ تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.

خامساً : مراسيم الزّواج :

نظراً لأهمية وقدسية الزوّاج فقد وضعت له مراسيم خاصة تنسجم مع مبادئ الإسلام ورؤيته السليمة ، وتمتاز بالبساطة والابتعاد عن مظاهر الاسراف والتكلف ، ولا تخرج عن قواعد وحدود الشرع.

وتبدأ هذه المراسيم العبادية ـ الاجتماعية منذ أن يقرر الشاب الزواج بأن يصلي ركعتين ويدعو بعدهما بمأثور الدعاء ، فقد روي أنَّ الإمام الباقر عليه‌السلام سأل أبا بصير ، قائلاً له : « إذا تزوج أحدكم كيف يصنع ؟ فقال : لا أدري عليه‌السلام : إذا همَّ بذلك فليصلِ ركعتين وليحمد الله عزَّ وجل وليقل : (اللهمَّ إني أُريد أن أتزوج ، اللهمَّ فقدّر لي من النساء أحسنهنَّ خَلقاً وخُلقاً ، وأعفّهن فرجاً ، وأحفظهنَّ لي في نفسها ومالي ، وأوسعهن رزقاً ، وأعظمهن بركة ، وأقضِ لي منها ولداً طيباً ، تجعله لي خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي) » (١).

بعد ذلك ينتخب الزوجة الصالحة ، وفق المواصفات التي ذكرناها آنفاً وتبدأ مراسيم الخطبة قبل العقد وذلك باحضار جماعة من أهل الفضل والمعرفة إلىٰ أهل المرأة ، ويستحب أن يلقي الخطيب أو من ينوب عنه خطبةً يستهلها بآيٍ من

________________

١) مكارم الأخلاق : ٢٠٥.

٤٣

القرآن الكريم والحديث الشريف ، ثم يفضىٰ إلىٰ ذكر الغرض ، وهو خطبة المرأة وذكر مواصفاتها الصالحة وإيمانها وما إلىٰ ذلك ، وفي السيرة النبوية وتراث الأئمة المعصومين عليهم‌السلام كثير من الخُطب المأثورة عنهم عليهم‌السلام في الزواج ، منها خطبة الإمام الرضا عليه‌السلام لنفسه في زواجه من أم حبيبة ، وخطبة ولده الإمام الجواد عليه‌السلام لنفسه في زواجه من أم الفضل ، وغيرهما.

ويستحب الإعلان عن العقد والإشهاد عليه ، وإيقاعه ليلاً ، قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « زفّوا عرائسكم ليلاً ، وأطعموا ضُحىٰ » (١).

ويستحب الوليمة عند الزفاف يوماً أو يومين ، وأن يُدعىٰ لها المؤمنون.

واتضح من خلال هذه المراسيم أن السمة الغالبة عليها هي عبادية فضلاً عن كونها اجتماعية ، توجّه الزوجين للارتباط بالله تعالىٰ واستمداد العون والتوفيق منه ، ثم يتخللها أداء الصلاة والأذكار وقراءة القرآن والاطعام الذي يُذكر فيه ـ عادة ـ الجيران ويشمل الفقراء والمساكين.

ثم تأتي مراسيم الزفاف ، ومما يدل علىٰ أهميتها أنه (لما كانت ليلة الزفاف ـ لفاطمة علىٰ الإمام عليّ عليهما‌السلام ـ أتىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغلته الشهباء ، وثنىٰ عليها قطيفة ، وقال لفاطمة : « اركبي » ، وأمر سلمان رضي‌الله‌عنه أن يقودها ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسوقها ، وكبّر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضع التكبير علىٰ العرائس من تلك الليلة) (٢). وهكذا تتم هذه المراسيم العالية في أجواء من الطهر والفضيلة ، تتفجر فيها ينابيع المشاعر والأحاسيس الخيّرة ، وتنطلق فيها الدعوات المخلصة إلىٰ الله تعالىٰ لكي يبارك للعروسين حياتهما الجديدة.

________________

١) مكارم الأخلاق : ٢٠٨.

٢) مكارم الأخلاق : ٢٠٨.

٤٤

الفصل الثاني عناية الإسلام بالاُسرة عند نشأتها

المبحث الأول :

عناية الإسلام بالجانب الروحي بين الزوجين

يضع الإسلام في طليعة اهتمامه مسألة توثيق العلاقة الروحية بين الزوجين قبل وبعد عقد قرانهما ، حتىٰ يصمدا في وجه رياح المصاعب والمصائب التي يمكن أن تعصف بعش الزوجية.

فليس خافياً بأن توثيق العلاقة مع الخالق تنعكس آثاره النافعة علىٰ المخلوق ، والملاحظ أن الإسلام يتبع خطة ثلاثية الأركان من أجل الارتقاء الروحي بالزوجين ، يمكننا الإشارة إليها بالنقاط التالية :

أولاً : المواظبة علىٰ الطاعات :

الطاعة تتحقق ـ واقعاً ـ من خلال تطبيق المنهج الرباني المعد سلفاً من أجل الارتقاء الروحي بالإنسان المسلم ، وتأتي « الصلاة » في طليعة تلك الطاعات ، فهي تربط الإنسان بربّه في أوقات متعاقبة ومنتظمة ، فيستمد من خلالها شحنات روحية عالية ، الأمر الذي ينعكس ـ إيجابياً ـ علىٰ سلوكه وتعامله مع

٤٥

عائلته ، لا سيّما وأن الصلاة تقوم بدور الرّدع للإنسان المسلم عن الفحشاء والمنكر ، قال تعالىٰ مخاطباً الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( .. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ .. ) (١).

ولذلك نجد أن الرسل والأنبياء ، يأمرون أهلهم بالمحافظة علىٰ الصلاة ، ومن أبرز الشواهد علىٰ ذلك ما حكاه القرآن عن سلوك إسماعيل عليه‌السلام السوّي ، وكيف كان يأمر أهله بالطاعات ، قال تعالىٰ : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ) (٢).

كما نجد في القرآن خطاباً موجّهاً للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها ، والملفت للنظر هنا أن هذا الخطاب قد ورد بعد النهي عن النظر إلىٰ نساء الآخرين ، الأمر الذي يعني أن الطاعات وخاصة الصلاة ، تُحصّن الإنسان وأهله من المفاسد الاجتماعية. تدبّر جيداً في هذا المقطع القرآني الزاخر بالمعاني : ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ) (٣).

فمن الضرورة بمكان أن يحث ويشجع كل من الزوجين أحدهما الآخر علىٰ المحافظة علىٰ الصلاة التي تقربهما إلىٰ الله تعالىٰ وتبعدهما عن الفحشاء والمنكر ، خصوصاً وأن هذا الحثّ والتشجيع المتبادل يستتبع الثواب الجزيل ، قال

________________

١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤٥.

٢) سورة مريم : ١٩ / ٥٤ ـ ٥٥.

٣) سورة طه : ٢٠ / ١٣١ ـ ١٣٢.

٤٦

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رحم الله رجلاً قام من الليل فصلّىٰ وأيقظ امرأته فصلّت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها ، فإن أبىٰ نضحت في وجهه الماء » (١).

وفي هذا الاطار لابدّ من إلفات النظر إلىٰ أن الإسلام قد ربط بين قبول الصلاة وكمالها ، وبين العلاقة الزوجية وطبيعتها ، ويكفي شاهداً علىٰ ذلك ما ورد في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام علي عليه‌السلام : « .. يا علي ثمانية لايقبل منهم الصلاة.. والناشزة وزوجها عليها ساخط.. » (٢).

من جانب آخر يعتبر الصيام أحد الطاعات التي تفرز معطيات روحية واجتماعية أبرزها التقوىٰ وابتلاء اخلاص الخلق ، قال تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.. ) (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيهاً عن الكبر ، والزكاة تسبيباً للرزق ، والصيام ابتلاءً لاخلاص الخلق.. » (٤). ولاشكّ بأن الإخلاص للخالق يستتبع إخلاصاً في التعامل مع المخلوقين وخاصة مع الأهل أو الزوج.

ثم إنَّ الصيام يكتسب قبوله وكماله من الالتزام السلوكي العالي للفرد المسلم مع الآخرين ، عن فاطمة الزهراء عليها‌السلام أنها قالت : « ما يصنع الصائم بصيامه إذا

________________

١) سنن أبي داود ٢ : ٧٠ / ١٤٥٠ باب الحث علىٰ قيام الليل. ط ـ دار الفكر.

٢) مكارم الأخلاق / الطبرسي : ٥٠٠.

٣) سورة البقرة : ٢ / ١٨٣.

٤) نهج البلاغة ، ضبط صبحي الصالح : ٥١٢ / حكم ٢٥٢.

٤٧

لم يغضّ لسانه وسمعه وبصره وجوارحه » (١). فهو يقوم بعملية ضبط واعية لجوارح الفرد ويردعه عن الإساءة للآخرين ، كما يساهم في خلق حالة من السكينة والاطمئنان في نفسه ، قال الإمام الباقر عليه‌السلام : « والصيام والحجّ تسكين للقلوب » (٢).

ثانياً : ممارسة المندوبات :

وتأتي في المرحلة التالية بعد أداء الواجبات ، فتساهم في رفع إيمان الزوجين إلىٰ آفاق عالية ، وتحيط حياتهما الزوجية بهالة من الروحانية ، وقبل كل ذلك تقربهما إلىٰ الله زلفىٰ ، قال الإمام الكاظم عليه‌السلام : « صلاة النَّوافل قُربان إلىٰ الله لكلِّ مؤمن » (٣).

ويأتي ذكر الله تعالىٰ في طليعة المندوبات ، إذ يعمل علىٰ زرع الطمأنينة في القلوب ، وقشع غيوم المخاوف التي تزخر بها الحياة ، قال تعالىٰ : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (٤).

ثم إنَّ ذكر الله لا تقتصر آثاره النافعة علىٰ الناحية الروحية ، بل يشتمل الجوانب السلوكية أيضاً ، فلاشكّ أنّها تنعكس علىٰ العائلة ، وتحقق الحياة الطيبة والسعيدة لأفرادها ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من عمّر قلبه بدوام الذكر حسنت أفعاله في السر والجهر » (٥) ، وقال أيضاً : « اذكروا الله ذكراً خالصاً ،

________________

١) دعائم الإسلام : ٢٦٨ ، وبحار الأنوار ٩٦ : ٢٩٥.

٢) أمالي الطوسي ١ : ٣٠٢ ، وبحار الأنوار ٧٨ : ١٨٣.

٣) تحف العقول : ٤٠٣.

٤) سورة الرعد : ١٣ / ٢٨.

٥) غرر الحكم ح ٨٨٧٢.

٤٨

تحيوا به أفضل الحياة ، وتسلكوا به طرق النجاة » (١)

وما يعزز ذلك نجد أن بيوت الأنبياء وأهل البيت عليهم‌السلام خاصة تخيم عليها السعادة والسكينة والاحترام المتبادل ، وذلك نتيجة لمواظبتهم علىٰ الطاعات وكثرة ذكرهم لله سبحانه.

ذكر صاحب مجمع البيان في معرض تفسيره لقوله تعالىٰ : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ) (٢). (أنّه سُئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قرأ الآية ، أيّ بيوتٍ هذه ؟ فقال : « هي بيوت الأنبياء » فقام أبوبكر فقال : يا رسول الله ، هذا البيت منها ؟ يعني بيت علي وفاطمة عليهما‌السلام ، قال « نعم ، من أفضلها ». ويعضد هذا القول قوله تعالىٰ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) وقوله : ( رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ) ) (٤).

من جهة ثانية نجد أن البيوت التي تبتعد عن جادّة الإيمان وطاعة الله تعالىٰ وتُعرض عن ذكره ، تكون عرضة للمشاكل والمشاجرات بين الزوجين ، وينفرط فيما بينها عقد المحبة والاُلفة ، كما أخبر تعالىٰ : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا.. ) (٥).

وينبغي الاشارة هنا إلىٰ أن صلاة اللّيل هي من المندوبات التي تساهم في

________________

١) تحف العقول : ٢٠ حكم ومواعظ أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٢) سورة النور : ٢٤ / ٣٦.

٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.

٤) مجمع البيان / الطبرسي ٥ : ٥٠ ـ ٥١ / ١٩ منشورات مكتبة الحياة ـ بيروت.

٥) سورة طه : ٢٠ / ١٢٤.

٤٩

رفع المؤشر الروحي للزوجين ، وتدخلهما في عداد الذاكرين ؛ لذلك قال الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصلّيا ركعتين جميعاً ، كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات » (١).

أضف إلىٰ ذلك أن الصوم المندوب يُطهر القلب والصدر من الوساوس والشكوك والنوايا السيئة التي قد تعكّر صفو الحياة الزوجية ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « .. صوم ثلاثة أيام من كلِّ شهر ، أربعاء بين خميسين وصوم شعبان ، يذهب بوساوس الصدر وبلابل القلب » (٢).

ثالثاً : اجتناب المعاصي والآثام :

ذلك لأنّ المعاصي والذنوب تسبب قساوة القلوب ، يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ما جفّت الدموع إلّا لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلّا لكثرة الذنوب » (٣).

ولاشكّ أنّ صاحب القلب القاسي يكون عديم الاحساس وضعيف العاطفة تجاه العائلة ، ويتعامل معهم في منتهىٰ القسوة ، ثم إن الذنوب تجلب البلاء وتنقص الرزق ، قال الإمام علي عليه‌السلام محذّراً : « .. توقّوا الذنوب فما من بليّة ولا نقص رزق إلّا بذنب حتىٰ الخدش والكبوة والمصيبة » (٤).

وهناك صنف من الذنوب تنعكس آثارها السلبية مباشرة علىٰ الاُسرة

________________

١) سنن أبي داود ٢ : ٧٠ / ١٤٥١ باب الحث علىٰ صلاة الليل.

٢) الخصال ، للصدوق ٢ : ٦١٢ / ٤٠٠ منشورات جماعة المدرسين ـ قم طبع ١٤٠٣ هـ.

٣) علل الشرائع ، للصدوق : ٨١ / ٧٤ باب علم جفاف الدموع وقسوة القلوب.

٤) الخصال ، للصدوق ٢ : ٦١٦ / ٤٠٠.

٥٠

كشرب الخمر والزنا وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين ، وقد جاءت الاشارة إلىٰ الآثار الضارة لكلٍّ منها في الذكر الحكيم والحديث الشريف ، قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « الذنوب التي تغير النِّعم البغي... والتي تهتك الستر شرب الخمر والتي تحبس الرزق الزنا ، والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم ، والتي تردُّ الدعاء وتُظلم الهواء عقوق الوالدين » (١).

المبحث الثاني :

عناية الإسلام بالجانب التربوي والأخلاقي بين الزوجين

أولاً : جانب التربية :

لقد أولىٰ الإسلام عنايته الفائقة لجانب التربية في الاُسرة ، ويتضح لنا ذلك من خلال جملة من التعاليم التربوية العالية التي طلب من الزوجين مراعاتها والعمل بها ، وسوف نشير هنا إلىٰ أبرزها :

أ ـ الحب المتبادل :

الحبُّ المتبادل يشكّل سوراً عاطفياً يحيط بأفراد الاُسرة ، ويشيع أجواء الاُلفة والودّ فيما بينهم ، وقد أبرزت الدراسات الاجتماعية الحديثة أهمية الحب المتبادل بين الزوجين ، وأطلقت عليه مصطلح «الوظيفة العاطفية».

ولقد سبق الإسلام الدراسات الاجتماعية الحديثة ، فأكد علىٰ أهمية الحب المتبادل بين أفراد العائلة ، وحدّد العوامل التي تورث المحبّة وتساعد علىٰ

________________

١) اُصول الكافي ٢ : ٤٤٧ ـ ٤٤٨ / ١ باب تفسير الذنوب من كتاب الإيمان والكفر.

٥١

استمرارها كالاحسان والخلق الحسن والبشر وطلاقة الوجه.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جُبلت القلوب علىٰ حبِّ من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها » (١) ، وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : « حسن الخُلق مجلبة للمودّة » (٢) ، وقال الإمام الباقر عليه‌السلام : « البشر الحسن وطلاقةُ الوجه مكسبةٌ للمحبّة وقربة إلىٰ الله ، وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبُعد من الله » (٣).

وثمة عوامل رئيسة دينية وخلقية وحتىٰ اقتصادية ، تورث المحبة ، حصرها الإمام الصادق عليه‌السلام بثلاثة خصال ، فقال : « ثلاثةٌ تورثُ المحبَّة : الدِّينُ ، والتواضع ، والبذل » (٤).

ب ـ المعاشرة بالمعروف :

لقد حثّت تعاليم الإسلام الزوجين علىٰ حسن المعاشرة فيما بينهما ؛ وذلك لأنها ركيزة أساسية لدوام المحبّة والاُلفة ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « بحسن العشرة تدوم المودّة » (٥) ، وقال أيضاً : « بحسن العشرة تدوم الوصلة » (٦).

وفي هذا السياق نجد توصيات خاصة للزوج بصفته قيماً علىٰ الزوجة قد ملّكه الله تعالىٰ عصمتها وجعلها تحت قيمومته تحثه علىٰ العشرة الحسنة معها ، قال تعالىٰ : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٧) ، وقد ورد في توصيات الإمام

________________

١) تحف العقول : ٣٧ من مواعظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢) تحف العقول : ٣٥٦.

٣) تحف العقول : ٢٩٦.

٤) تحف العقول : ٣١٦.

٥) غرر الحكم ح ٤٢٠٠ و ٤٢٧٠.

٦) غرر الحكم ح ٤٢٠٠ و ٤٢٧٠.

٧) سورة النساء : ٤ / ١٩.

٥٢

علي عليه‌السلام التربوية لابنه الإمام الحسن عليه‌السلام : « .. ولا يكن أهلك أشقىٰ الخلق بك.. » (١) ، وقد ذهب الإمام الصادق عليه‌السلام أبعد من ذلك في تأكيده علىٰ الزوج بضرورة العشرة الحسنة مع زوجته ، والتطبع بها وإن لم تكن له طبعاً ، الأمر الذي يكشف لنا عن أهميتها التربوية العالية ، قال عليه‌السلام : « إنَّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلىٰ ثلاث خلال يتكلفها وإن لم تكن في طبعه ذلك : معاشرة جميلة ، وسعة بتقدير ، وغيرة بتحصّن » (٢).

ونجد بالمقابل أنّ السُنّة المطهّرة تحثُّ النساء علىٰ حسن العشرة مع الرجال ، وتعتبر ذلك بمثابة الجهاد لهنَّ ، قال الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها » (٣).

ثم إن من دواعي العشرة الحسنة التسامح والتساهل بين الزوجين ، وخاصة في الاُمور العادية التي قد تصدر بصورة عفوية قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من لم يتغافل ولا يغضّ عن كثير من الاُمور تنغّصت عيشته » (٤).

جـ ـ الشعور بالمسؤولية :

لقد أكد القرآن علىٰ مسؤولية الإنسان بصورة عامة ، فقال : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) (٥). كما أكدت السيرة النبوية علىٰ شمول هذه المسؤولية للرجل والمرأة معاً في محيطهما العائلي ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألا كلكم راعٍ وكلكم

________________

١) نهج البلاغة ، ضبط صبحي الصالح : ٤٠٣ كتاب ٣١.

٢) تحف العقول : ٣٢٢ من حديث الإمام الصادق عليه‌السلام المعروف بـ « نثر الدرر ».

٣) تحف العقول : ٣٢٢.

٤) تحف العقول : ٦٠ من مواعظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٥) سورة الصافات : ٣٧ / ٢٤.

٥٣

مسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي علىٰ النّاس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راعٍ علىٰ أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية علىٰ بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم » (١). من كلِّ ذلك يظهر لنا بأنّ الإسلام يحثُّ الزوجين علىٰ الشعور بالمسؤولية الإنسانية بصفة عامّة وعلىٰ المسؤولية الاُسرية بصفة خاصة.

د ـ الانصاف والعدل :

الانصاف من العوامل التربوية التي تديم المحبة وتوجب الأُلفة بين الزوجين ، يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « الانصاف يستديم المحبّة » (٢) ، ويقول أيضاً : « الانصاف يرفع الخلاف ويوجب الائتلاف » (٣) ، ومن يطالع كتابه عليه‌السلام الذي أرسله إلىٰ الأشتر لما بعثه إلىٰ مصر ، يجد أنه يشير فيه صراحة إلىٰ أن عدم الانصاف يؤدي إلىٰ الظلم : « ... أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ، ومن خاصة أهلك ، ومن لك فيه هوىٰ من رعيتك ، فإنّك إلّا تفعل تظلم.. » (٤).

وهناك دعوة ملحة للعدل بين النساء لمن يتزوج بأكثر من امرأة وتحذير من مغبة الظلم لهما أو لإحداهما ، ورد ذلك في آخر خطبة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي تضمنت تعاليم تربوية عديدة منها ـ في ما يتصل بهذه الفقرة ـ قوله : « .. ومن كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه وماله ، جاء يوم القيامة

________________

١) تنبيه الخواطر ١ : ٦.

٢) غرر الحكم ح ١٠٧٦.

٣) غرر الحكم ح ١٧٠٢.

٤) تحف العقول : ١٢٧.

٥٤

مغلولاً مائلاً شقه حتىٰ يدخل النار » (١).

هـ ـ تقسيم العمل وبيان الأدوار :

وهما من الأساليب الناجحة في إدارة أمور الاُسرة ، فالرجل عليه العمل والكسب خارج البيت لتوفير سبل العيش الكريم للعائلة ، والمرأة تضطلع بمهمة إدارة المنزل ورعاية الأطفال.

وتروي لنا مصادرنا التراثية حالة التعاون وتقسيم العمل الرائعة بين فاطمة الزهراء والإمام علي عليهما‌السلام ، يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « كان أمير المؤمنين يحطب ويستقي ويكنس ، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز » (٢).

لقد قامت فاطمة عليها‌السلام بأداء واجباتها المنزلية خير قيام ، وخير شاهد علىٰ ذلك ما أفاده زوجها أمير المؤمنين عليه‌السلام بحقها عندما قال لرجل من بني سعد : « ألا أحدّثك عني وعن فاطمة ، إنّها كانت عندي ، وكانت من أحب أهله إليه ـ أي للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وإنّها استقت بالقربة حتىٰ أثّرت في صدرها ، وطحنت بالرحىٰ حتىٰ مجلت يداها ، وكسحت البيت حتىٰ اغبرّت ثيابها ، وأوقدت النار تحت القدر حتىٰ دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضمار شديد » (٣).

ثم إنَّ الإسلام لا يحرّم العمل علىٰ المرأة ، كما يزعم بعض الناس ، بل يفضل ان تعمل المرأة في بيتها صيانةً لها ، والإسلام يُشجع المرأة أن تزاول الاعمال المنزلية لكي تساهم في دعم اقتصاد العائلة وتخفف العبء عن كاهل الزوج عند الضرورة ، يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « مروا نساءكم بالغزل ، فإنّه خير لهنَّ

________________

١) عقاب الأعمال ، للصدوق : ٣٣٣ / ١ باب يجمع عقوبات الأعمال.

٢) تنبيه الخواطر ٢ : ٧٩.

٣) علل الشرائع ، للصدوق : ٣٦٦ باب ٨٨ علة تسبيح فاطمة عليها‌السلام.

٥٥

وأزين » ، ويقول أيضاً : « المغزل في يد المرأة الصالحة كالرمح في يد الغازي المريد وجه الله » (١).

د ـ عدم إلحاق الضرر :

فقد ورد في الحديث تحذير شديد للزوجين من العواقب المترتبة علىٰ إلحاق الضرر من قبل أحدهما بالآخر ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتىٰ تعينه وترضيه وإن صامت الدهر.. وعلىٰ الرجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مؤذياً ظالماً » (٢).

ومن الخطابات الموجهة للزوجة خاصة ، قول الإمام الصادق عليه‌السلام : « ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمّه ، وسعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه ، وتطيعه في جميع أحواله » (٣).

ومن الخطابات الموجّهة للزوج في هذا الصدد قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ومن أضرَّ بامرأة حتىٰ تفتدي منه نفسها ، لم يرضَ الله تعالىٰ له بعقوبة دون النار ؛ لأنَّ الله تعالىٰ يغضب للمرأة كما يغضب لليتيم » (٤).

والملاحظ أن السيرة النبوية في الوقت الذي توصي فيه الرجال بالرِّفق وعدم إلحاق الضرر بالنساء ، كما قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أوصيكم بالضعيفين : النساء وما ملكت أيمانكم » (٥) ، كذلك توصي النساء بالرفق بالازواج وعدم

________________

١) مكارم الأخلاق : ٢٣٨.

٢) وسائل الشيعة ١٤ : ١١٦ / ١ باب ٨٢.

٣) بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٥٣ عن كنز الفوائد للكراجكي : ٦٣.

٤) عقاب الأعمال ، للصدوق : ٣٣٤ باب يجمع عقوبات الأعمال.

٥) تحف العقول : ١٢٠ من وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٥٦

تكليفهم فوق طاقتهم وبما يشق عليهم ، بدليل قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « .. ألا وأيّما امرأة لم ترفق بزوجها ، وحملته علىٰ ما لا يقدر عليه وما لا يطيق ، لم يقبل منها حسنة ، وتلقىٰ الله وهو عليها غضبان » (١).

ز ـ الخدمة المتبادلة :

فمن المؤكد أن الإسلام يدعو المسلمين إلىٰ إسداء الخدمة ومدّ يد العون لبعضهم البعض ، فعن أبي المعتمر قال : سمعتُ أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أيّما مسلم خدم قوماً من المسلمين إلّا أعطاه الله مثل عددهم خدَّاماً في الجنّة » (٢).

وإلى جانب هذا التوجه العام ، فإنه يدعو الزوجين إلىٰ خدمة بعضهما البعض بما يعود بالنفع عليهما وعلىٰ عموم أفراد العائلة ويرتب علىٰ هذه الخدمة مهما كانت بسيطة الثواب العظيم ، فعن ورّام بن أبي فراس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيّام ، أغلق الله عنها سبعة أبواب النّار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيّها شاءت ». وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلّا كان خيراً لها من عبادة سنة.. » (٣).

وتعتبر فاطمة الزهراء عليها‌السلام القدوة الحسنة في التوفر علىٰ خدمة الزوج وأداء حقوقه ، فعلىٰ الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرَّ بها الإمام علي عليه‌السلام

________________

١) تنبيه الخواطر ٢ : ٢٦٢.

٢) اُصول الكافي ٢ ، ٢٠٧ / ١ باب في خدمة المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.

٣) وسائل الشيعة ١٤ : ١٢٣ / ٢ باب استحباب خدمة الزوجة لزوجها من كتاب النكاح.

٥٧

فان فاطمة عليها‌السلام وقفت إلىٰ جانبه ، ولم تكلفه فوق طاقته ، وكانت تخدمه باخلاص ، وقد شهد بحقها واعترف بخدمتها فقال عليه‌السلام : « لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش ، كنّا ننام عليه باللّيل ، ونعلف عليه النّاقة بالنهار ، ومالي خادم غيرها » (١).

هذا فضلاً عن أن تعاليم الإسلام تحثُّ الرجل علىٰ خدمة امرأته وعياله ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا سقىٰ الرجل امرأته أُجر » (٢) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنَّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلىٰ في امرأته » (٣) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « .. لا يخدم العيال إلّا صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة » (٤).

ح ـ الرّضا والموافقة :

فقد وردت روايات عديدة تحثُّ الزوجين علىٰ كسب رضا أحدهما للآخر والحصول علىٰ موافقته ، وفي هذا الصدد يقدّم الإمام الصادق عليه‌السلام توصياته التربوية القيمة لكلٍّ من الزوجين والتي تتضمن الإشارة إلىٰ الأساليب التي يجب أن يتبعها كل واحد منهما لكسب رضا وموافقة شريكه ، قال عليه‌السلام : « لا غنىٰ بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته ، وهي : الموافقة ليجلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها ، وحسن خلقه معها ، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها. ولا غنىٰ بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال ، وهنَّ : صيانة نفسها عن كُلِّ دنسٍ حتىٰ

________________

١) تنبيه الخواطر ٢ : ١٢.

٢) كنز العمال ١٦ : ٢٧٥ / ٤٤٤٣٥.

٣) المحجّة البيضاء ٣ : ٧٠ كتاب آداب النكاح ، الفائدة الخامسة.

٤) بحار الأنوار ١٠٤ : ١٣٢ باب فضل خدمة العيال ، عن جامع الأخبار : ١٠٢.

٥٨

يطمئن قلبه إلىٰ الثقة بها في حال المحبوب والمكروه ، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عن زلَّة تكون منها ، وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه » (١).

والملاحظ أن الروايات تؤكد علىٰ ضرورة ارضاء المرأة لزوجها وعدم إثارة سخطه ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ويل لامرأة أغضبت زوجها ، وطوبىٰ لامرأة رضي عنها زوجها » (٢).

ط ـ الاهتمام بالهيئة :

وهما من العوامل التي تساهم في توثيق الروابط الزوجية وتساعد علىٰ استمرارها.

فقد ورد في توصيات أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لتتطيب المرأة لزوجها » (٣) ، وروىٰ محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « لا ينبغي للمرأة أن تعطّل نفسها ، ولو أن تعلّق في عنقها قلادة » (٤).

وهنا لابدّ من التنويه علىٰ أن زينة المرأة المتزوجة لابدّ أن تقتصر علىٰ زوجها ، فعن الإمام أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّ امرأة تتطيّب ثمَّ خرجت من بيتها ، فهي تُلعن حتىٰ ترجع إلىٰ بيتها متىٰ رجعت » (٥).

________________

١) تحف العقول : ٣٢٣ حديث الإمام الصادق عليه‌السلام المعروف بـ « نثر الدرر ». والخلابة : الملاطفة باللسان.

٢) بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٤٦ عن جامع الاخبار : ١٥٨.

٣) تحف العقول : ١١١ من وصايا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٤) مكارم الأخلاق : ٩٨.

٥) ثواب الأعمال وعقاب الاعمال ، للصدوق : ٣٠٨ باب عقاب المرأة تتطيب لغير زوجها.

٥٩

من جانب آخر يتوجب علىٰ الزوج أن يهتم بنظافته ومظهره حتىٰ يحوز علىٰ رضا الزوجة ويدخل البهجة إلىٰ نفسها ، خصوصاً وأنّ انحراف الزوجة قد تقع تبعاته علىٰ الزوج ، نتيجة لعدم اهتمامه بنظافته ومظهره ، وقد أورد لنا الإمام الرضا عليه‌السلام سابقة تاريخية في هذا الخصوص ، عندما قال : « أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام أن نساء بني إسرائيل خرجن من العفاف إلىٰ الفجور ، ما أخرجهن إلّا قلّة تهيئة أزواجهن ، وقل : إنّها تشتهي منك مثل الذي تشتهي منها » (١).

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتهيأ لنسائه ويهتم بمظهره ويتطيّب : « وكان يُعرف بالرّيح الطيب إذا أقبل » (٢) ، وسلك أهل البيت عليهم‌السلام ذات المسلك النبوي ، فكانوا يهتمون بمظهرهم ويتهيّؤن لنسائهم ، عن الحسن بن الجهم ، قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام اختضب ، فقلت : جعلت فداك اختضبت ؟ فقال : « نعم ، إنَّ التهيئة ممّا يزيد في عفّة النساء ، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنَّ التهيئة ».

ثم قال : « أيسرّك أن تراها علىٰ ما تراك عليه إذا كنت علىٰ غير تهيئة ؟ قلتُ : لا ، قال : فهو ذاك.. » (٣).

ثانياً : جانب الأخلاق :

تشكّل الأخلاق حجر الزاوية في إدامة التماسك والألفة بين أفراد الاُسرة

________________

١) مكارم الأخلاق : ٨١.

٢) مكارم الأخلاق : ٢٣.

٣) وسائل الشيعة ١٤ : ١٨٣ / ١ باب ١٤١ استحباب التنظيف والزينة.

٦٠