إمامة بقيّة الأئمّة عليهم السلام

السيّد علي الحسيني الميلاني

إمامة بقيّة الأئمّة عليهم السلام

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-259-8
الصفحات: ٤٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة



المراد من الاثني عشر عند أهل السنة

فإذا كان المراد بنظر أصحابنا من هذا الحديث أئمّتنا الأطهار الإثنا عشر ، فلنرجع إلى أئمّة أهل السنّة ومحدّثيهم الحفّاظ الكبار ، لنلاحظ ماذا يقولون في معنى هذا الحديث ، ومَن المراد من هؤلاء الأئمّة في هذا الحديث الثابت؟ فهنا أُمور :

الأمر الأوّل : هذا الحديث لا يمكنهم ردّه ، لصحّته ووجوده في الصحيحين وغيرهما من الكتب.

الأمر الثاني : إنّهم لا يريدون أن يعترفوا بما تقوله الشيعة ا الإمامية.

الأمر الثالث : إنّ الذين تولّوا الأمر بعد رسول الله عددهم أكثر من هذا العدد بكثير.

ومع الإلتفات إلى هذه الأُمور الثلاثة ، لاحظوا ما يقولون في شرح هذا الحديث ، وانظروا كيف يضطربون وتتضارب أفكارهم

٢١

وآراؤهم وأقوالهم في شرح هذا الحديث وبيان معناه ، ولو أردتُ أنْ أذكر لكم كلّ ما حصلت عليه من كلماتهم لطال بنا المجلس ، وعندنا بحوث لاحقة أيضاً فلا يبقى لها مجال.

أقول : لقد اضطربوا في معنىٰ هذا الحديث اضطراباً كبيراً ، فابن حجر العسقلاني في فتح الباري يذكر آراء ابن الجوزي والقاضي عياض ، ويباحثهم فيما قالا ، وابن كثير الدمشقي يذكر في كتابه البداية والنهاية ـ حيث يعنون هذا الحديث ـ يذكر آراء البيهقي وغيره ويناقشهم ، ولا بأس أنْ أقرأ لكم رأي ابن كثير فقط ، وبه أكتفي لئلاّ يطول بنا البحث.

يقول ابن كثير بعد أنْ يذكر رأي البيهقي وغيره : وفيه نظر ، وبيان ذلك : إنّ الخلفاء إلىٰ زمن الوليد بن يزيد أكثر من اثني عشر علىٰ كل تقدير ، وبرهانه إنّ الخلفاء الاربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلافتهم محققة بنص حديث سفينة : « الخلافة بعدي ثلاثون سنة » ، ثمّ بعدهم الحسن بن علي كما وقع ـ لانّ عليّاً أوصىٰ إليه ، وبايعه أهل العراق وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام ـ ثمّ معاوية ، ثمّ ابنه يزيد بن معاوية ، ثمّ ابنه معاوية بن يزيد ، ثمّ مروان بن الحكم ، ثمّ ابنه عبد الملك بن مروان ، ثمّ ابنه الوليد بن عبد الملك ، ثمّ سليمان بن عبد الملك ، ثمّ عمر بن عبد العزيز ، ثمّ يزيد

٢٢

بن عبد الملك ، ثمّ هشام بن عبد الملك. فهؤلاء خمسة عشر ، فزادوا ثلاثة ، وعلى كلّ تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز ، فهذا الذي سلكه أي البيهقي على هذا التقدير يدخل في الاثني عشر يزيد بن معاوية ، ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز ، الذي أطبق الأئمّة على شكره وعلى مدحه ، وعدّوه من الخلفاء الراشدين ، وأجمع الناس قاطبة على عدله ، وأنّ أيّامه كانت من أعدل الأيّام ، حتّى الرافضة يعترفون بذلك (١).

فإن قال : ـ يعني البيهقي ـ أنا لا أعتبر إلاّ من اجتمعت الأُمّة عليه ، لزمه على هذا القول أنْ لا يعدّ علي بن أبي طالب ولا ابنه ، لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما ، وذلك لأنّ أهل الشام بكاملهم لم يبايعوهما ، وعدّ حينئذ معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد ، ولم يعتد بأيّام مروان ولا ابن الزبير ، لأنّ الأُمّة لم تجتمع على واحد منهما ، ولكن هذا لا يمكن أن يسلك ، لأنّه يلزم منه إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الإثني عشر ، وهو خلاف ما نصّ عليه أئمّة

__________________

(١) إذن ، يظهر : إنّ الملاك في الأئمّة أن يكونوا عدولاً ، حتّى يُعَدوا في الإثني عشر الذين أرادهم رسول الله ، فيعترض على القوم لماذا أدخلتم يزيد بن معاوية وأخرجتم عمر بن عبد العزيز ؟ والحال أنّ عمر بن عبد العزيز معروف بالعدل ؟

٢٣

السنّة بل الشيعة (١).

فهذا قول من أقوالهم ، وهو من البيهقي ، ثمّ هذا قول ابن كثير باعتراضه على البيهقي حيث يقول بأنّ لازم كلامكم إخراج علي والحسن من الاثني عشر.

ولو أردتم التفصيل ، فراجعوا : شرح النووي على صحيح مسلم ، راجعوا فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، وراجعوا تفصيل كلام ابن كثير في تاريخه ، فقد ذكروا في هذه الكتب أن بعضهم أخرج الإمام عليّاً عليه‌السلام والحسن من الأئمّة الاثني عشر ، وأدخلوا في مقابلهما ومكانهما معاوية ويزيد ابن معاوية وأمثالهما (٢).

__________________

(١) البداية والنهاية المجلد ٣ الجزء ٦ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ـ دارالفكر ـ بيروت.

(٢) لنا بحث طويلٌ حول هذا الحديث ، يقع في جهتين :

الأولى : في تحقيق الوجوه التي ذكرها القوم في معناه ، ونقدها واحداً واحداً.

والثانية : في بيان معناه على ضوء الأدلّة المتقنة من الكتاب والسنّة ، لاسيّما سائر الأحاديث الصحيحة الواردة في الموضوع ، لأنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً.

وبعبارة أُخرى : يتكوّن البحث في معنى هذا الحديث من فصلين :

أحدهما : في الموانع عن انطباق الحديث على الاشخاص الذين ذكرهم القوم.

والثاني : في مصاديقه الذين قصدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكلّ ذلك بالنظر إلى الأحاديث الصحيحة وأخبار أولئك الأشخاص المدوّنة في

٢٤

لكن ممّا يهوّن الخطب أنّهم بعد أنْ شرّقوا وغرّبوا ، اضطرّوا إلى الاعتراف بعدم فهمهم للحديث ، وكما ذكرنا في الأُمور الثلاثة ، فإنّ الحقيقة هي أنّهم لا يريدون أن يعترفوا بما تقوله الشيعة ، ورغم جميع محاولاتهم ، وعلى مختلف آرائهم ، فإنّ الحديث لا ينطبق على خلفائهم وأئمّتهم ، فماذا يفعلون ؟ يعترفون بأنّا لم نفهم معنى هذا الحديث ، لاحظوا هذه الكلمات :

يقول الحافظ ابن العربي المالكي كما في شرح الترمذي (١) : لم أعلم للحديث معنى.

وفي فتح الباري عن ابن البطال إنّه حكىٰ عن المهلب قوله ـ وهي عبارة مهمة ـ : لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث بشيء معيّن (٢).

وعن ابن الجوزي : قد أطلت البحث عن معنىٰ هذا الحديث

__________________

كتب السير والتواريخ.

هذا ، وقد توافق القوم على ذكر جملة من ملوك بني أُميّة في عداد الخلفاء الإثني عشر ، وذلك باطلٌ بالنظر إلى أن الحديث في « الخلفاء » لا « الملوك » وبالنظر إلى ما ورد في كتب الفريقين في ذمّ بني أُميّة ، لاسيّما الحديث المعتبر بتفسير قوله تعالىٰ : ( ... وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) [ الاسراء : ٦٠ ] من أنّ المراد بنو أُميّة.

(١) عارضة الأحوذي في شرح الترمذي ٩ / ٦٩.

(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣ / ١٨٠.

٢٥

وتطلّبت مضانّه وسألت عنه ، فلم أقع على المقصود (١).

أقول : المقصود معلوم ، المقصود يقع عليه من كان عنده إنصاف ولم يكن عنده تعصّب.

والملاحظ أنّهم يحاولون قدر الإمكان تطبيق الحديث على زمن حكومة بني أُميّة ، مع أنّهم يروون عن النبي أن الخلافة بعده ثلاثون سنة ، ثم يكون الملك ، وقلّ ما رأيت منهم من يشارك حكّام بني العباس في معنىٰ هذا الحديث ، نعم ، وجدته في كلام الفضل ابن روزبهان ، فلاحظوا من يرىٰ ابن روزبهان أنّهم الأئمّة الإثنا عشر ، يقول : إنّ عدد صلحاء الخلفاء من قريش اثنا عشر [ وكأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيّد هذا الحديث بالصلحاء ، والحال أنّه لا يوجد في لفظ الحديث كلمة : الصلحاء ، أو ما يؤدّي معنىٰ كلمة الصلحاء ] وهم : الخلفاء الراشدون ، وهم خمسة ـ يعني منهم الحسن عليه‌السلام ـ ثمّ عبدالله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة ، وخمسة من بني العباس.

أمّا مَن هؤلاء الخمسة من بني العباس ؟ لا يذكرهم ، فمن يذكر ؟ يذكر هارون ؟ يذكر المتوكل ؟ يذكر المنصور الدوانيقي ؟

__________________

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣ / ١٨١.

٢٦

أيّهم يستحقّ أن يطلق عليه اسم خليفة رسول الله والامام من بعده ؟ فهو لا يذكر أحداً ، وإنّما يقول خمسة ، وكأن تقسيم هذا الأمر فوّض إلى الفضل ابن روزبهان ، فجعل من هؤلاء سبعة ومن هؤلاء خمسة.

وعلى كلّ حال ، ليس لهم رأي يستقرّون عليه ، ثمّ يعترفون بعدم فهمهم للحديث ، وفي الحقيقة ليس بعدم فهم ، وإنّما عدم اعتراف بالواقع والحقيقة.

٢٧
٢٨



حقيقة الاثني عشر

إذن ، ما هي الحقيقة ؟

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يعرّف الأئمّة من بعده ويعيّن عددهم على وجه التحديد ، وقد فعل هذا ، لكن اللغط والصياح والضجّة من حوله ، كلّ ذلك منع من سماع الحاضرين صوته ونقلهم ما سمعوا من رسول الله ، فكان السبب في خفاء صوته في الحقيقة هذه الضجّة من حوله ، لا أنّ صوته ضعف ، أو حصل مثلاً انخفاض في صوته ، ورسول الله ـ كما جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث ـ قد قال : « كلّهم من بني هاشم ».

يقول جابر بن سمرة : كنت مع أبي عند النبي ، فسمعته يقول : « بعدي اثنا عشر خليفة » ، ثمّ أُخفي صوته ، [ لاحظوا : ثمّ أُخفي صوته ] فقلت لأبي : ما الذي أخفىٰ صوته ؟ قال : قال : « كلّهم من بني هاشم » ، وعن سماك بن حرب أيضاً مثل ذلك.

٢٩

ثمّ نلاحظ القرائن الموجودة في لفظ الحديث ، والقرائن ذكرتها في خلال البحث ، أُكرّرها مرّةً أُخرىٰ بسرعة :

« لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ».

يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر قيّماً لا يضرّهم من خذلهم » ، يظهر : إنّ هناك من الأُمّة خذلاناً ، ومن الذي خذل معاوية ؟ ومتىٰ خذل يزيد ؟ ومتى خذل مروان وغير أُولئك ؟ أهل البيت هم الذين خُذلوا ، هم الذين خولفوا.

ويظهر من كلمة « القيّم » أنّ المراد هو الإمامة بالمعنىٰ الحقيقي ، أي الإمامة الشرعية ، وليس المراد هو الحكومة وبسط اليد ونفوذ الكلمة والسيطرة على السلطة الإجرائية.

وإذا رجعنا إلى أحاديثنا وأسانيدنا المتصلة إلىٰ جابر بن سمرة وغيره وجدنا أشياء أُخرى ، فلاحظوا الرواية :

عن سلمان : « الأئمّة بعدي اثنا عشر » ، ثمّ قال : « كلّهم من قريش ، ثمّ يخرج المهدي ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ فيشفي صدور قوم مؤمنين ، ألا إنّهم أعلم منكم فلا تعلّموهم ، ألا إنّهم عترتي ولحمي ودمي ، ما بال أقوام يؤذونني فيهم ، لا أنالهم الله

٣٠

شفاعتي » (١) فهذا لفظ من ألفاظ الحديث.

ومن ألفاظ الحديث عن أبي هريرة : « أهل بيتي ـ الأئمّة بعدي اثنا عشر كذا ـ أهل بيتي عترتي من لحمي ودمي ، هم الأئمّة بعدي ، عدد نقباء بني إسرائيل » (٢).

عن حذيفة بن أسيد : « الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل ، تسعة من صلب الحسين ومنّا مهدي هذه الأُمّة ، ألا إنّهم مع الحق والحق معهم ، فانظروا كيف تخلفوني فيهم » (٣).

وهذه من ألفاظ حديث الأئمّة إثنا عشر ، والألفاظ هذه موجودة في كتاب كفاية الأثر في النص على الأئمّة الإثني عشر.

وإذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أخبر بعدد الأئمّة من بعده وعيّنهم بهذه الأوصاف ، وأنّهم من العترة ، وأنّهم أعلم ، وأنّهم كذا ، وأنّهم كذا ، ثمّ قال : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما » ، فيكون قد أشار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى حديث الثقلين ، والحديث يفسّر بعضه بعضاً ، فقد كان هذا من مداليل حديث الثقلين.

__________________

(١) كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر : ٤٤ ـ انتشارات بيدار ـ قم ـ ١٤٠١.

(٢) كفاية الأثر : ٨٩.

(٣) كفاية الأثر : ١٣٠.

٣١

حديث الثقلين يفسّر الاثني عشر

وحينئذ ننتقل إلى مفاد حديث الثقلين ، لنفهم معنىٰ حديث الثقلين بما يتعلّق في بحثنا هذه الليلة ، وليكون حديث الثقلين مفسّراً لحديث الأئمّة الإثني عشر :

لاحظوا ، رسول الله عندما يقول : « إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض » ، معنىٰ ذلك : إنّ الأئمّة من العترة باقون ما بقي القرآن لا يفترقان ولا يتفرَقان ، والحديث ـ كما قرأنا في تلك الليلة التي خصّصناها للبحث عن هذا الحديث ـ حديث صحيح مقطوع صدوره ومقبول عند الطرفين ، فعندما يقول رسول الله : « إنّي تارك فيكم الثَقَلين أو الثقْلين » ، فقد قرن رسول الله الأئمّة من العترة بالقرآن ، والقرآن مادام موجوداً فالعترة موجودة ، فالعترة موجودة ما دام القرآن موجوداً ، أي إلى آخر الدنيا ، فالعترة موجودة إلى آخر الدنيا ، لذا قال في حديث الإثني عشر : « حتّى تقوم الساعة ».

وإن كنتم في شك ممّا قلته في معنى حديث الثقلين ، فلاحظوا نصوص عبارات القوم في شرح حديث الثقلين من هذه الناحية :

يقول المنّاوي في فيض القدير في شرح حديث الثقلين : تنبيه : قال الشريف ـ يعني السمهودي الحافظ الكبير ـ هذا الخبر يُفهم

٣٢

وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمان إلى قيام الساعة ، حتّى يتوجّه الحث المذكور إلى التمسّك به ، كما أنّ الكتاب كذلك ، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض (١).

ومثلها عبارة ابن حجر المكي في الصواعق : وفي حديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلىٰ عدم انقطاع مستأهل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك (٢).

وقال الزرقاني المالكي في شرح المواهب اللّدنيّة : قال القرطبي : وهذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام آله وبرّهم وتوقيرهم ومحبّتهم ، ووجوب الفرائض التي لا عذر لأحدٍ في التخلّف عنها ، هذا مع ما علم من خصوصيّتهم به صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبأنّهم جزء منه ، كما قال : « فاطمة بضعة منّي » ، ومع ذلك فقابل بنو أُميّة عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق ، فسفكوا من أهل البيت دماءهم ، وسبوا نساءهم ، وأسروا صغارهم ، وخرّبوا ديارهم ، وجحدوا شرفهم وفضلهم ، واستباحوا سبّهم ولعنهم ، فخالفوا وصيّته وقابلوه بنقيض قصده ، فوا خجلتهم إذا وقفوا بين

__________________

(١) فيض القدير ٣ / ١٥.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٣٢.

٣٣

يديه ، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه ، فالوصيّة بالبرّ بآل البيت على الإطلاق ، وأمّا الاقتداء فإنّما يكون بالعلماء العاملين منهم ، إذ هم الذين لا يفارقون القرآن. قال الشريف السمهودي : هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من عترته في كلّ زمان إلى قيام الساعة (١).

فيكون حديث « إنّي تارك فيكم الثقلين » دليلاً على إمامة أئمّتنا ، وعددهم في حديث الأئمّة بعدي إثنا عشر ، وفي ذلك الحديث أيضاً تصريح بأنّهم موجودون إلى قيام الساعة.

هذا بنحو الاختصار ، وقد تركت بعض القضايا الأُخرىٰ التي كنت قد سجّلتها هنا فيما يتعلّق بالنص على الائمّة الإثني عشر.

فكان دليلنا على إمامة الأئمّة الإثني عشر من النصوص : حديث الأئمّة بعدي إثنا عشر ، وحديث الثقلين.

__________________

(١) شرح الزرقاني على المواهب اللّدنيّة ٧ / ٧ ـ ٨ ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ ١٤١٤.

٣٤



العصمة والأفضلية

وأمّا العصمة :

فحديث « إنّي تارك فيكم الثقلين » يدلّ على عصمة الأئمّة من العترة النبويّة بكلّ وضوح ، كما سنذكر ذلك في بحث العصمة إنْ شاء الله تعالىٰ.

وأمّا الأفضليّة :

أي : أفضليّة أئمّتنا سلام الله عليهم ، فإنّه يدلّ على أفضليّتهم حديث الثقلين من جهات عديدة ، لأنّ حديث الثقلين دلّ على تقدّمهم في العلم وغير العلم ، وهذه جهات تقتضي الأفضليّة بلا شك ، وإن كنتم في شك فأقرأ لكم بعض العبارات :

قال التفتازاني في شرح المقاصد ـ وأرجو الملاحظة بدقة ـ : وفضّل العترة الطاهرة ، لكونهم أعلام الهداية وأشياع الرسالة ، على

٣٥

ما يشير إليه ضمّهم ـ أي ضمُّ العترة إلى كتاب الله ـ في إنقاذ المتمسّك بهما عن الضلالة (١).

ولو راجعتم شرّاح حديث الثقلين ، وحتى اللغويين ـ لو تراجعونهم في معنىٰ ثِقْل أو ثَقَل حيث يتعرضون لحديث الثقلين ـ يقولون : إنّما سمّاهما ـ أي الكتاب والعترة ـ بالثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما.

وقد نصّ شرّاح الحديث ، كالمنّاوي في فيض القدير ، والقاري في المرقاة في شرح المشكاة ، والزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنية ، وغير هؤلاء : على أنّ حديث الثقلين يدلّ على أفضليّة العترة.

ولاحظوا كلام نظام الدين النيشابوري في تفسيره المعروف ، يقول بتفسير قوله تعالىٰ : ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ) (٢).

( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ ) استفهام بطريق الإنكار والتعجب ، والمعنىٰ من أين يتطرّق إليكم الكفر والحال أنّ آيات الله تتلىٰ عليكم على لسان الرسول غضّة ، في كلّ واقعة ، وبين أظهركم

__________________

(١) شرح المقاصد ٥ / ٣٠٣ ـ الشريف الرضي ـ قم ـ ١٤٠٩.

(٢) سورة آل عمران : ١٠١.

٣٦

رسول الله يبيّن لكم كلّ شبهة ، ويزيح عنكم كلّ علة [ فرسول الله إنّما يكون بين الاُمّة ويبعثه الله إلى الناس لهذه الغاية وهي : يبيّن لكم كلّ شبهة ويزيح عنكم كلّ علّة ] قلت : أمّا الكتاب فإنّه باق على وجه الدهر ، وأمّا النبي فإنّه وإن كان قد مضىٰ إلى رحمة الله في الظاهر ، ولكن نور سرّه باق بين المؤمنين ، فكأنّه باق ، على أنّ عترته ورثته يقومون مقامه بحسب الظاهر أيضاً ، فيكونون ـ أي العترة ـ يبيّنون كلّ شبهة ويزيحون كلّ علّة ، ولهذا قال : « إنّي تارك فيكم الثقلين » (١).

فمسألة الأفضليّة أيضاً واضحة على ضوء أحاديث القوم وكلمات علمائهم.

وأمّا حديث السفينة ، فذاك دليل آخر على أفضليّتهم وعلى عصمتهم أيضاً ، ولربّما نتعرّض للبحث عن حديث السفينة في مباحث العصمة إن شاء الله تعالىٰ.

أفضلية الأئمة واحداً واحداً :

وأمّا أفضليّتهم واحداً واحداً ، أي من الحسن والحسين إلى

__________________

(١) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٢ / ٢٢١ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ١٤١٦.

٣٧

آخرهم عليهم‌السلام ، فأقرأ لكم حول كلّ إمامٍ بعض الكلمات وبسرعة :

الحسنان سلام الله عليهما :

ثبتت أفضليّتهما بآية المباهلة وآية التطهير وغيرهما ، وبالأحاديث المتّفق عليها الواردة في حقّهما ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة » ، رواه أحمد في المسند ، الترمذي والنسائي في صحيحيهما والحاكم في المستدرك ، وهو أيضاً في الإصابة وغير هذه الكتب (١) ، وحتّى أنّ المنّاوي يقول عن السيوطي : إنّ هذا الحديث متواتر (٢).

الإمام السجّاد عليه‌السلام :

وصفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزين العابدين ، والحديث متّفق عليه ، ومن رواته صاحب الصّواعق (٣) ، وعن يحيى ابن سعيد إنّه قال : هو أفضل هاشمي رأيته في المدينة (٤) ، وقصيدة الفرزدق في حقّه

__________________

(١) مسند أحمد ٣ / ٣ ، ٦٢ ، ٦٤ ، ٨٢ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٥٦ رقم ٣٧٦٨ ، مستدرك الحاكم ٣ / ١٦٧ ، الإصابة ٢ / ١٢ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

(٢) فيض القدير ٣ / ٤١٥.

(٣) الصواعق المحرقة : ٣٠٢ ـ ٣٠٤.

(٤) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٣ / ٤١٥.

٣٨

معروفة ومشهورة (١).

الإمام الباقر عليه‌السلام :

أعلم الناس وأفضلهم في عهده ، ولذا لقّبه النبي بالباقر ، لأنّه بقر العلم ، وكان من الآخذين عنه أبو حنيفة وابن جريج والأوزاعي والزهري وغيرهم ، وهؤلاء أئمّة أهل السنّة في ذلك العصر.

الإمام الصادق عليه‌السلام :

قال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد (٢) ، وقد حضر عنده هو ومالك بن أنس وغيرهما من أئمّة أهل السنّة ، وفي مختصر التحفة الإثنا عشرية عن أبي حنيفة إنّه قال : لولا السنتان لهلك النعمان (٣) ، يعني السنتين اللتين حضر فيهما عند الإمام الصادق عليه‌السلام ، وقال ابن حبّان : من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً.

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٢ / ١٧٨ ـ دار صادر ـ بيروت.

(٢) سير أعلام النبلاء ٦ / ٢٥٧ ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ ١٤٠٥.

(٣) مختصر التحفة الإثنا عشرية : ٩.

٣٩

الإمام الكاظم عليه‌السلام :

لقّبوه بالعبد الصالح كما في تهذيب الكمال وغيره من المصادر (١) ، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : مناقبه كثيرة (٢) ، وقال ابن حجر المكي في الصواعق : كان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم (٣) ، قالوا : وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله (٤) ـ أي في حياته وبعد حياته ـ وقد ذكروا له كرامات عجيبة ، كقضيّته مع شقيق البلخي التي ذكرها ابن الجوزي في صفة الصفوة (٥).

الإمام الرضا عليه‌السلام :

ذكروا إنّه كان يجلس في المسجد النبوي ويفتي الناس وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ، لاحظوا هذه الكلمة في تهذيب التهذيب وفي المنتظم لابن الجوزي وغيرهما من الكتب (٦) ، وقد رووا أنّ من

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢٩ / ٤٤ ، تاريخ بغداد ١٣ / ٢٧.

(٢) تهذيب التهذيب ١٠ / ٣٠٣.

(٣) الصواعق المحرقة : ٣٠٧.

(٤) الصواعق المحرقة : ٣٠٧.

(٥) صفة الصفوة ٢ / ١٨٥.

(٦) تهذيب التهذيب ٧ / ٣٣٩ ـ دارالفكر ـ ١٤٠٤ ، المنتظم لابن الجوزي ١٠ / ١١٩ ـ

٤٠