بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أتم الصلاة ولو صلاة واحدة (١).

ومنه : عن عبدالله بن عامر ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن صالح بن عبدالله الخثعمي قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام أسأله عن الصلاة في المسجدين اقصر أو اتم؟ فكتب إلى : أي ذلك فعلت فلا بأس.

قال : وكتبت إليه أسأله عن خصي لي في سن رجل مدرك يحل للمرءة أن يراها وتكشف بين يديه؟ قال : فلم يجبني فيها.

قال : فسألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عنها مشافهة فأجابني بمثل ما أجابني أبوه إلا أنه قال في الصلاة قصر (٢).

٨ ـ العيون : عن جعفر بن نعيم بن شاذان ، عن عمه محمد بن شاذان ، عن الفضل ابن شاذان ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت ارضا عليه‌السلام عن الصلاة بمكة والمدينة تقصير أو تمام؟ فقال : قصر ما لم تعزم على مقام عشرة (٣).

٩ ـ الخصال : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن علي بن مهزيار وأبي علي بن راشد ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من مخزون علم الله عزوجل الاتمام في أربعة مواطن : حرم الله عزوجل وحرم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحرم أميرالمؤمنين ، وحرم الحسين عليهما‌السلام.

قال الصدوق ره يعني أن ينوي الانسان في حرمهم عليهم‌السلام مقام عشرة أيام و يتم ولاينوي مقام دون عشرة أيام فيقصر ، وليس له ما يقوله غير أهل الاستبصار بشئ أنه يتم في هذه المواضع على كل حال (٤).

____________________

(١) قرب الاسناد : ١٢٣ ط حجر ص ١٦٧ ط نجف وتراه في التهذيب ج ١ ص ٥٦٨ ، الكافى ج ٤ ص ٥٢٤.

(٢) قرب الاسناد : ١٢٥ ط حجر ص ١٦٩ ١٧٠.

(٣) عبون الاخبار ج ٢ ص ١٨ ١٩ ، وتراه في التهذيب ج ١ ص ٥٦٩.

(٤) الخصال ج ١ ص ١٢٠.

٨١

١٠ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن رجل قدم مكة قبل التروية بأيام ، كيف يصلي إذا كان وحده أو مع إمام فيتم أو يقصر؟ قال : يقصر إلا أن يقيم عشرة أيام قبل التروية (١).

قال : وسألته عن الرجل كيف يصلي بأصحابه بمنى أيقصر أم يتم؟ قال : إن كان من أهل مكة أتم ، وإن كان مسافرا قصر على كل حال ، مع الامام أو غيره (٢).

* ( تنقيح وتوضيح ) *

اعلم أن الاصحاب اختلفوا في حكم الصلاة في المواطن الاربعة : حرم الله ، وحرم رسوله ، ومسجد الكوفة ، وحائر الحسين عليه‌السلام ، فذهب الاكثر إلى أن المسافر مخير بين الاتمام ، والقصر ، وأن الاتمام أفضل ، وقال الصدوق : يقصر مالم ينو المقام عشرة ، والافضل أن ينوي المقام بها ليوقع صلاته تمام كما مر.

وقال السيد المرتضى : لا يقصر في مكة ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومشاهد الائمة القائمين مقامه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه العبارة تفيد منع التقصير ، وعموم الحكم في مشاهد الائمة ونحوه قال ابن الجنيد ، والاول أظهر لما مر من الاخبار الكثيرة الدالة على الاتمام جمعا بينها وبين ما ورد في التقصير والتخيير.

____________________

(١ و ٢) قرب الاسناد : ٩٩ ط حجر ، ص ١٣٠ ط نجف ، لكن الحديثين انما يبينان حكم القصر والاتمام على فرض عدم التخيير في المواطن الاربعة غير ناظر إلى ذلك أبدا كأنه عليه‌السلام أراد بيان الحكم بعد غمض العين عن خصوص المورد ، ومثلهما صحيحة زرارة وموثقة اسحاق بن عمار المتقدمتان في الباب السابق ، فعلى هذا لاغبار في معنى هذه الاحاديث واخراجها على المذهب المشهور المسلم عند الاصحاب ، ولايصح عنوانها في باب التخيير ، بل اللازم عنوانها في الباب السابق كما عرفت ص ٤١.

٨٢

ويدل عليه صحيحة (١) علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : الرواية قد اختلفت عن آبائك في الاتمام والتقصير للصلاة في الحرمين (٢) ومنها أن يأمر بأن يتم الصلاة ولو صلاة واحدة ، ومنها أن يأمر أن يقصر الصلاة مالم ينو مقام عشرة أيام ، ولم أزل على الاتمام فيهما إلى أن صدرنا من حجنا في عامنا هذا ، فان فقهاء أصحابنا أشاروا على بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة ، فقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك.

فكتب بخطه : قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فأنا احب لك إذا دختلهما ألا تقصر وتكثر فيهما من الصلاة ، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة : اني كتبت إليك بكذا فأجبت بكذا ، فقال : نعم ، فقلت أي شئ تعني بالحرمين؟ فقال : مكة والمدينة ومنى إذا توجهت من منى فقصر الصلاة ، فاذا انصرفت من عرفات إلى منى وزرت البيت ورجعت إلى منى فأتم الصلاة ، تلك الثلاثة الايام وقال بأصبعه ثلاثا.

وأما حديث أيوب بن نوح فلاينافي التخيير ، فانهم اختاروا هذا الفر ، د وأما حديث أبي شبل وقوله : ( إنما يفعل ذلك الضعفة ) فيحتمل أن يكون المراد به الضعفة في الدين الجاهلين بالاحكام ، أو من له ضعف لايمكنه الاتمام ، أو يشق عليه فيختار الاسهل ، وإن كان مرجوحا ، والوجه الاخير يؤيد ما اخترنا وهو أظهر ، و الاول لا ينافيه إذ يمكن أن يكون الضعف في الدين باعتبار اختيار المرجوح ، و الاخبار المشتملة على الامر بالاتام محمولة على الاستحباب ، وخبر عمران صريح فيما ذكرنا.

وأما حديث معاوية بن وهب وإن كان فيه إيماء إلى أن الامر بالاتمام محمول على التقية ، لكن يعارضه ما رواه الشيخ بسند لايقصر عن الصحيح عن عبدالرحمن

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٥٦٩ ، الكافى ج ٤ ص ٥٢٥.

(٢) زاد في التهذيب : منها أن يأمر بتتميم الصلاة.

٨٣

ابن الحجاج (١) قال : قلت لابي الحسن عليه‌السلام : إن هشاما روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين ، وذلك من أجل الناس ، قال ، لا ، كنت أنا ومن مضى من آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس ، فان ظاهره أن ماورد من الامر بالتقصير محمول على التقية ، كما ذكره الفاضل التستري قدس الله سره.

وروى الشيخ خبر معاوية بن وهب (٢) بسند صحيح هكذا قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن التقصير في الحرمين والتمام ، قال : لاتتم حتى تجمع على مقام عشرة أيام ، فقلت إن إن أصحابنا رووا عنك أنك أمرتهم بالتمام ، فقال : إن أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلون ويأخذون نعالهم ويخرجون ، والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة فأمرتهم بالتمام.

ثم قال : فالوجه في هذا الخبر أنه لايجب التمام إلا على من أجمع على مقام عشرة أيام ، ومتى لم يجمع على ذلك كان مخيرا بين الاتمام والتقصير ، ويكون قوله : ( لمن كان يخرج عن الصلاة من المسجد ولا يصلي مع الناس ) أمرا على الوجوب ، ولايجوز تركه لمن هذا سبيله ، لان فيه رفعا للتقية ، وإغراء للنفس ، وتشنيعا على المذهب.

وأما خبر العلل فيمكن حمله على أن المراد أنهما كساير البلدان في جواز القصر بالمعنى الاعم ، وأما الخمس المذكور فيه ، فليس المراد به خصوص الخمس ، بل الاصحاب سألوه عن الخمس فأجابهم بذلك.

وأما حديث عبدالرحمن فيحتاج إلى شرح وبيان ، قوله : ( وذلك من أجل الناس ) يمكن أن يقرء بتشديد اللام أي كان هشام من أجل الناس وأعظمهم ، وهو لا يكذب عليك أو ليس ممن تتقي منهم ، أو بالتخفيف وهو أظهر ، أي كان يقول هشام : إن الامر بالاتمام للتقية من المخالفين.

أو يكون استفهاما أي هل أمرته بذلك للتقية؟ فقال : عليه‌السلام : ( لاليس ذلك

____________________

(١ و ٢) التهذيب : ج ١ ص ٥٦٩.

٨٤

للتقية بل أنا وآبائي كنا إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة مع استتارنا عن الناس أيضا لا أن الاستتار كان لاجل الاتمام بل الاتمام أوفق لما ذهب إليه أكثرهم من التخيير في السفر مطلقا مع أفضلية الاتمام.

ويمكن أن يكون الاستتار لئلا يحتجوا على الشيعة بفعلهم عليهم‌السلام أو لئلا يصير سببا لرسوخهم في الباطل : أو لئلا يصير سببا لمزيد تشنيعهم على الائمة ، لان الفرق بين المواضع كان أغرب عندهم من الحكم بالتقصير مطلقا ، لان هذا القول موجود بينهم ، ولعله لاحد هذه الوجوه قالوا إنه من الامر المذخور ، مع أنه يحتمل أن يكون المراد أنه حجب عنهم هذا العلم ، هكذا حقق المقام ولا تصغ إلى ما ذهب إليه بعض الاوهام.

وأما خبر الساباطي والخثعمي وابن بزيع ، فمن ضعف أسانيدها قابلة للتأويل وتأويل الصدوق ره مع بعده لا يجري في كثير منها ، واشتهار الحكم بين القدماء والمتأخرين مما يؤيد العمل به.

وينبغي التنبيه لامور :

الاول : المستفاد من الاخبار الكثيرة جواز الاتمام في مكة والمدينة ، وإن وقعت الصلاة خارج المسجد ، وهو المشهور بين الاصحاب ، وخص ابن إدريس الحكم بالمسجدين أخذا بالمتيقن المجمع عليه ، ومن رأينا كلامه إنما صرح بالخلاف بين البلدين ، وظاهر بعض الاخبار شمول الحكم لمجموع الحرمين وهما أعم من البلدين.

والاصحاب استدلوا على البلدين بتلك الاخبار ، وربما يؤمي كلام بعضهم إلى كون المراد بالبلدين مجموع الحرمين ، وقال في البيان : وفي المعتبر الحرمان كمسجديهما بخلاف الكوفة ، مع أن عبارة المعتبر كعبارات سائر الاصحاب.

وقال الشيخ في النهاية ويستحب الاتمام في أربعة مواطن في السفر : بمكة و المدينة ومسجد الكوفة والحائر على ساكنه السلام ، وقد رويت رواية بلفظة اخرى

٨٥

وهو أن يتم الصلاة في حرم الله ، وفي حرم رسوله ، وفي حرم أميرالمؤمنين عليه‌السلام وفي حرم الحسين عليه‌السلام فعلى هذه الرواية جاز الاتمام خارج المسجد بالكوفة ، وعلى الرواية الاولى لم يجز إلا في نفس المسجد انتهى.

وكأنهم حملوا الحرم على البلد ، أو أطلقوا البلد على الحرم مجازا والاول أظهر ، وظاهر عبارة الشيخ في التهذيب عموم الحرمين حيث قال : ويستحب إتمام الصلاة في الحرمين فان فيه فضلا كثيرا ، ثم قال : ومن حصل بعرفات فلايجوز له الاتمام على حال ، وقد ورد في بعض الروايات الاتمام في خصوص منى ، ونقل في الدروس عن ابن الجنيد أنه قال : روي عن أبي جعفر عليه‌السلام الاتمام في الثلاثة الايام بمنى للحاج ، وأرى ذلك إذا نوى مقام خمسة أيام أولها أيام منى قال الشهيد و وهو شاذ.

أقول : لعله أشار بهذه الرواية إلى صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة و ظاهرها أن خصوص منى داخل في الحكم ، ولعله لكونها من توابع مكة ، ويمكن أن يكون لدخولها في الحرم ، ويكون المعتبر مطلق الحرم ، فالمراد بمكة والمدينة حرمهما بحذف المضاف ، أو تسمية للكل باسم الجزء الاشرف.

فان قيل : فالمشعر أيضا من الحرم ، قلنا يمكن : أن يكون عدم ذكر المشعر لان ما يقع فيه ثلاث صلاة يقصر في واحدة منهن ، وهذه يدخل وقتها قبل دخول الحرم ، فلذا لايتمها اعتبارا بحال الوجوب كمامر ، كذا خطر بالبال في توجيه الخبر لكن الظاهر من الخبر عدم العموم ، وبالجملة الحكم في غير البلدين مشكل ، ولعل الاظهر فيها القصر ، لاحتمال كون المراد بالحرمين البلدين ، فقد روي عن الصادق عليه‌السلام (١) أنه قال : مكة حرم الله ، وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب والمدينة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب ، والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، والظاهر شمول الحكم لمجموع البلدين ،

____________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٣١ و ٣٢ ط نجف.

٨٦

وعدم اختصاصه بالمسجدين ، والتخصيص في بعض الاخبار بالمسجدين لشرافتهما ، و لشيوع وقوع الصلاة فيهما.

وأما التفصيل الوارد في خبر علي بن جعفر (١) في الصلاة بمنى بأنه إن كان من أهل مكة أتم وإلا فلا ، فالحكم في غير أهل مكة يدل على شمول حكم التخيير لمجموع الحرم ، وأما حكم أهل مكة فيمكن أن يكون للتقية كما يظهر من الاخبار أن المخالفين لم يكونوا يعدون الذهاب إلى عرفات سفرا أو يكون مبنيا على القول باشتراط رجوع اليوم ، وحمله على من لم يذهب إلى عرفات بعيد ، والاظهر عندي حمله على الايام التي يكون بمنى بعد الرجوع عن مكة فانه لما رجع إلى مكة للزيارة انقطع سفره وبعد العود لايقصد مسافة ، لانه لايتعدى عن منى ، فيتم بخلاف غير أهل مكة فانه مسافر ذهابا وعودا فتفطن.

الثانى : ذكر الشيخ أنه إذا ثبت الحكم في الحرمين من غير اختصاص بالمسجد يكون الحكم كذلك في الكوفة لعدم القائل بالفصل ، وخص الحكم ابن إدريس بالمسجد أخذا بالمتيقن ، والروايات ورد بعضها بلفظ حرم أميرالمؤمنين عليه‌السلام وحرم الحسين عليه‌السلام وبعضها بالكوفة وفي الاول إجمال ، وقد مر أن الكوفة حرم علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

والظاهر أن النجف على ساكنه السلام غير داخل في الكوفة (٢) والشيخ في

____________________

(١) قد عرفت الوجه في ذلك.

(٢) حكم الاتمام في المشاهد المشرفة ، انما تعلق بالبيوت التى أذن الله أن ترفع لاحتلال أنوار الهداية فيها ، فكيف يكون النجف خارجا وفيها مثل نوره تعالى عزوجل فكما أن لبيت الله عزوجل حريما يعرف بأنصابه واعلامه فهكذا البيوت المشرفة : فحرم النبى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما بين لابتى المدينة من الحرات أو ما بين جبل عير إلى جبل ثور ، لايعضد شجرها ويختلى خلاها ولا يهاج صيدها ، وأما حرم سائر الائمة عليهم‌السلام فالاشبه أن يكون بريدا في بريد اثنى عشر ميلا هكذا وهكذا ففى التهذيب عن ابن قولويه

٨٧

المبسوط عدى الحكم إليه أيضا حيث قال : ويستحب الاتمام في أربعة مواطن في السفر بمكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر على ساكنه السلام ، وقد روي الاتمام في حرم الله وحرم الرسول ، وحرم أميرالمؤمنين ، وحرم الحسين عليهم‌السلام ، فعلى هذه الرواية يجوز الاتمام خارج مسجد الكوفة وبالنجف انتهى.

وكانه نظر إلى أن حرم أميرالمؤمنين عليه‌السلام ما صار محترما بسببه واحترام الغري به عليه‌السلام أكثر من غيره ، ولا يخلو من وجه ، ويومي إليه بعض الاخبار ، و الاحوط في غير المسجد اختيار القصر.

وقال المحقق في المعتبر : ينبغي تنزيل حرم أميرالمؤمنين عليه‌السلام على مسجد الكوفة خاصة ، أخذا بالمتيقن ، وأما الحاير فظاهر أكثر الاصحاب اختصاص الحكم به.

وحكى في الذكرى عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد أنه حكم في كتاب له في السفر بالتخيير في البلدان الاربعة حتى الحائر المقدس ، لورود الحديث بحرم الحسين عليه‌السلام ، وقدر بخمسة فراسخ وبأربعة وبفرسخ ، قال : والكل حرم ، وإن تقاوتت في الفضيلة ، وهو غير بعيد ، لما رواه الشيخ (١) والكليني (٢) بسند فيه

____________________

قال : حدثنى حكيم بن داود عن سلمة بن الخطاب عن ابراهيم بن محمد بن على بن المعلى عن اسحاق بن داود عن أبى عبدالله عليه‌السلام في حديث ذكره ( ج ٦ ص ٤٤ ط نجف ) قال : عليك بالعراق : الكوفة فان البركة منها على اثنى عشر ميلا هكذا وهكذا. الحديث.

وأما سائر أحكام الحرم ، فعندى أن الائمة الطاهرين انما لم يصرحوا بذلك تقية ، والاحوط رعاية جميع أحكامه ، على ماورد أن عليا عليه‌السلام حرم من الكوفة ما حرم ابراهيم من مكة وما حرم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة ، راجع أمالى الشيخ ج ٢ ص ٢٨٤.

(١) التهذيب ج ٦ ص ٥٤ ط نجف.

(٢) الكافى ج ٤ ص ٥٧٦ في حديث.

٨٨

ضعف عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا أتيت أبا عبدالله عليه‌السلام فاغتسل على شاطئ الفرات والبس ثيابك الطاهرة ثم امش حافيا فانك في حرم من حرم الله وحرم رسوله الخبر.

وبسند مرسل (١) عنه عليه‌السلام قال : حرم الحسين عليه‌السلام فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر ، وبسند ضعيف آخر (٢) عنه عليه‌السلام قال : حريم قبرالحسين عليه‌السلام خمسة (٣) فراسخ من أربعة جوانبه ، والاحوط إيقاع الصلاة في الحائر ، وإذا أوقعها في غيره فيختار القصر.

وأما حد الحائر فقال ابن إدريس : المراد به مادارسور المشهد والمسجد عليه دون مادار سور البلد عليه ، لان ذلك هو الحائر حقيقة ، لان الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء ، وقد ذكر ذلك شيخنا المفيد في الارشاد لما ذكر من قتل مع الحسين من أهله : والحائر يحيط بهم إلا العباس رحمة الله عليه ، فانه قتل على المسناة ، واحتج عليه بالاحتياط لانه المجمع عليه ، وذكر الشهيدان في هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوكل باطلاقه على قبر الحسين عليه‌السلام ليعفيه فكان لايبلغه انتهى.

وأقول : ذهب بعضهم إلى أن الحائر مجموع الصحن المقدس ، وبعضهم إلى أن القبة السامية ، وبعضهم إلى أنه الروضة المقدسة ، وما أحاط به من العمارات القديمة من الرواق والمقتل والخزانة وغيرها ، والاظهر عندي أنه مجموع الصحن القديم لا ما تجدد منه في الدولة العلية الصفوية ، شيد الله أركانهم.

والذي ظهر لي من القرائن وسمعت من مشايخ تلك البلاد الشريفة أنه لم يتغير الصحن من جهة القبلة ولا من اليمين ولامن الشمال بل إنما زيد من خلاف جهة القبلة ، وكل ما انخفص من الصحن وما دخل فيه من العمارات فهو الصحن القديم ،

____________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٢ ص ٢٥ ط حجر ج ٦ ص ٧١ ط نجف.

(٣) في ط الكمبانى أربعة ، وهو سهو.

٨٩

وما ارتفع منه فهو خارج عنه ، ولعلهم إنما تركوه كذلك ليمتاز القديم عن الجديد والتعليل المنقول عن ابن إدريس ره منطبق على هذا ، وفي شموله لحجرات الصحن من الجهات الثلاثة إشكال.

ويدل على أن سعة الحائر أكثر من الروضة المقدسة والعمارات المتصلة بها من الجهات الثلاثة ما رواه ابن قولويه (١) بسند حسن عن الحسن بن عطية عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا دخلت الحير ، وفي بعض النسخ الحائر ، فقل : وذكر الدعاء ثم تمشي قليلا وتكبر سبع تكبيرات ، ثم تقوم بحيال القبر ، وتقول إلى أن قال : ثم تمشي قليلا وتقول إلى قوله : ( وترفع يديك وتضهما على القبر ).

وعن ثوير بن أبي فاخته (٢) عن أبي عبدالله عليه‌السلام في وصف زيارته حتى تصير إلى باب الحائر أو الحير ثم قل إلى أن قال ، ثم أخط عشر خطا ثم قف فكبر ثلاثين تكبيرة ثم امش حتى تأتيه من قبل وجهه.

وعن أبي حمزة الثمالي (٣) بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام في وصف زيارة الحسين عليه‌السلام ثم ادخل الحير أو الحائر وقل إلى قوله : ثم امش قليلا وقل إلى قوله : ثم امش وقصر خطاك حتى تستقبل القبر ، ثم تدنو قليلا من القبر وتقول إلى آخر الخبر.

فهذه الاخبار وغيرها مما سيأتي في كتاب المزار (٤) إنشاءالله تعالى تدل على نوع سعة في الحائر.

الثالث : الظاهر أن الحكم بالتخيير للمسافر إنما وقع في الصلاة خاصة (٥)

____________________

(١) كامل الزيارة : ١٩٣.

(٢) كامل الزيارة : ١٩٧ ، الكافى ج ٤ ص ٥٧٨ ، التهذيب ج ٦ ص ٥٤ ط نجف.

(٣) كامل الزيارة : ٢٢٢ ٢٤٥ ، وموضع النص ص ٢٢٩ و ٢٣٠.

(٤) راجع ج ١٠١ ص ١٤٨ باب زياراته المطلقة.

(٥) قد عرفت الوجه في ذلك عند البحث عن آية النور ، وأن المرغوب في تلك الاماكن هوالتسبيح أعنى النوافل داخل الفرض وخارجه.

٩٠

في النصوص وفتاوى الاصحاب ، وأما الصوم فلا يشرع في هذه الاماكن للادلة على وجوب الافطار على المسافر من غير معارض ، وقد يقال إن مفهوم صحيحة معاوية بن وهب (١) حيث قال فيها ( إذا قصرت أفطرت ) يقتضي جواز الصوم مضافا إلى موثقة عثمان بن عيسى (٢) قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن إتمام الصلاة والصيام في الحرمين قال أتمهما ولو صلاة واحدة.

والجواب عن الاول أنه يمكن أن يكون المراد به القصر على الحتم كما هو الغالب فيه ، مع أن في عمومه للقوم كلاما ، وعلى تقدير ثبوته يشكل تخصيص الاية ، والاخبار الكثيرة به مع خلو سائر الاخبار الواردة في التخيير عن ذكر الصوم.

وأما موثقة عثمان ففي النسخ التي عندنا ( أتمها ) وهو يدل على نفي الصوم ويؤيده قوله : ( ولو صلاة واحدة ) وإنها قد مرت برواية الحميري (٣) ولم يكن فيها ذكر الصوم أصلا مع أنه لايعلم قائل به أيضا.

الرابع : صرح المحقق في المعتبر بأنه لايعتبر في الصلاة الواقعة في هذه الاماكن التعرض لنية القصر أو الاتمام ، وأنه لايتعين أحدهما بالنسبة إليه ، فيجوز لمن نوى الاتمام القصر ، ولمن نوى التقصير الاتمام وهو حسن.

الخامس : الاظهر جواز فعل النافلة الساقطة في السفر في هذه الاماكن كما صرح في الذكرى ، للتحريص والترغيب على كثرة الصلاة فيها ، ولما مر من الاخبار والظاهر عدم الفرق بين اختياره القصر أو الاتمام.

السادس : الاظهر جواز الاتمام في هذه الاماكن وإن كانت الذمة مشغولة بواجب ونقل العلامة عن والده المنع وهوضعيف.

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٣١٧ ، وقد مر مرارا.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٥٦٨.

(٣) مر تحت الرقم ٧.

٩١

السابع : الظاهر بقاء التخيير في قضاء مافاتته في هذه الامكنة وإن لم يقض فيها ، لعموم من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته ويحتمل تعيين القصر (١) وهو أحوط كما مر ، والظاهر عدم التخيير في القضاء فيها إذا فاتته في غيرها.

الثامن : لو ضاق الوقت إلا عن أربع ، فقيل بوجوب القصر فيهما لتقع الصلاتان في الوقت ، وقيل : بجواز الاتمام في العصر لعموم من أدرك ركعة ، وقيل بجواز الاتيان بالعصر تماما في الوقت ، وقضاء الظهر ، والاول أحوط بل أظهر.

التاسع : ألحق ابن الجنيد والمرتضى بهذه الاماكن جميع مشاهد الائمة عليهم‌السلام كما عرفت ، قال في الذكري : ولم نقف لهما على مأخذ في ذلك ، والقياس عندنا باطل.

اقول : قد مر في فقه الرضا عليه‌السلام إيماء إليه ، ولا يمكن التعويل عليه في ذلك.

العاشر : روى الشيخ رواية ابن بزيع المنقول عن العيون (٢) بسند صحيح ثم روى بسند ضعيف عن علي بن حديد (٣) قال : سألت الرضا عليه‌السلام فقلت : إن أصحابنا اختلفوا في الحرمين ، فبعضهم يقصر وبعضهم يتم وأنا ممن يتم على رواية قدرواها أصحابنا في التمام ، وذكرت عبدالله بن جندب أنه كان يتم فقال : رحم الله ابن جندب ثم قال : لا يكون الاتمام إلا أن تجمع على إقامة عشرة أيام ، وصل النوافل ما شئت قال ابن حديد : وكان محبتي أن يأمرني بالاتمام. ثم أولها بوجهين أحدهما أنه عليه‌السلام نفى الاتمام على سبيل الحتم والوجوب كما مر.

ثم قال : ويحتمل هذان الخبران وجها آخر وهو المعتمد عندي ، وهو أن من حصل بالحرمين ينبغي له أن يعزم على مقام عشرة أيام ويتم الصلاة فيهما ، وإن كان

____________________

(١) بل هو الاقوى ، لان الاتمام كان لخصوصية المحل.

(٢) راجع الرقم : ٨.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٥٦٩.

٩٢

يعلم أنه لايقيم أو يكون في عزمه الخروج من الغد ، ويكون هذا مما يختص به هذان الموضعان ويتميزان به عن ساير البلاد ، لان ساير المواضع متى عزم الانسان فيها على المقام عشرة أيام وجب عليه الاتمام. ومتى كان دون ذلك وجب عليه التقصير.

والذى يكشف عن هذا المعنى ما رواه (١) محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عبدالجبار ، عن علي بن مهزيار ، عن محمد بن إبراهيم الحضينى قال : استأمرت أبا جعفر عليه‌السلام في الاتمام والتقصير قال : إذا دخلت الحرمين فانوا عشرة أيام وأتم الصلاة فقلت له : إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ، قال : انو مقام عشرة أيام وأتم الصلاة.

وأقول : هذا غريب إذ ظاهر كلامه قدس سره أنه يعزم على إقامة العشرة وإن علم الخروج قبل ذلك ، ولا يخفى أن هذا العلم ينافي ذلك العزم ، إلا أن يقال : أراد بالعزم محض الاخطار بالبال ، ولايخفى مافيه.

وأما الخبر فيمكن أن يكون المراد به العزم على العشرة متفرقا قبل الخروج إلى عرفات وبعده (٢) ويكون هذا من خصائص هذا الموضع أو العزم على الاقامة في مكة ونواحيها إلى عرفات (٣) ويمكن أن لا يكون هذا من الخصائص وإن كان خلاف المشهور كما عرفت سابقا ، ويمكن حمل كلام الشيخ على أحد هذين المعنيين وإن كان بعيدا.

____________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) لكنه أيضا غريب كما استغرب كلام الشيخ قدس سره.

(٣) وهذا أغرب من الاول ، فان أهل مكة يتمون في مكة وعليهم التقصير في سفرهم إلى عرفات كما قال عليه‌السلام ويحهم وأى سفر أشد من هذا ، فكيف يصح قصد الاقامة في مكة وعرفات؟

وجه الحديث أن أبا جعفر عليه‌السلام كان يحب الحضينى ( وهو الذى قال أبو جعفر عليه‌السلام في حقه : رحمه الله انه كان من خصيص شيعتى ) فأراد أن يوفقه لاتمام

٩٣

* ( فائدة غريبة ) *

قال في الذكري : قال الشيخ فرض السفر لايسمى قصرا ، لان فرض المسافر مخالف لفرض الحاضر ، ويشكل بقوله تعالى : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة ) وبعض الاصحاب سماها بذلك ، قيل : وهو نزاع لفظي.

أقول : لعل الشيخ إنما منع من التسمية بذلك ، لئلا يتوهم المخالفون أن الصلاة المقصورة ناقصة في الفضل ، أو منع من التسمية به مع قصد هذا المعنى.

____________________

الصلاة في الحرمين ، لكنه أمره أولا بالاقامة عشرة حتى لايتردد في ذلك كما تردد سائر الاصحاب ، ولما قال انى أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين ، قال عليه‌السلام لابأس بذلك انو عشرة وأتم الصلاة ، فأشار بقوله ذلك أن اتمام الصلاة فيهما مرغوب فيه ، مطلقا أقمت بها عشرة أولم تقم ، وذلك لان المسلم عندهم والمعهود من فقه الشيعة أن قصد الاقامة الصورية لايوجب اتمام الصلاة.

٩٤

٣

( باب )

* ( صلاة الخوف وأقسامها وأحكامها ) *

الايات : البقرة : فان خفتم فرجالا أو ركبانا فاذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم مالم تكونوا تعلمون (١).

النساء : وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا * وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ، ولتأت طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ، و لاجناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا * فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما و قعودا وعلى جنوبكم فاذا اطمأننتم فأقيموا الصلوة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (٢).

* ( تفسير ) *

( فان خفتم ) أي عدوا أو سبعا أو غرقا ونحوها ، فلم تتمكنوا أن تحافظوا عليها وتوفوا حقها فتأتوا بها تامة الافعال والشروط ( فرجالا ) جمع راجل مثل تجار

____________________

(١) البقرة : ٢٣٩ ، والاية تبين حكم صلاة المطاردة وقد مر بعض الكلام فيها في ج ٨٤ ص ٩٠.

(٢) النساء : ١٠١ ١٠٣ ، وقد مر اصول البحث عن الاية ، وسنتمه في خلال تفسير المؤلف العلامة رحمة الله عليه.

٩٥

وصحاب وقيام ، وهو الكائن على رجله ، واقفا كان أو ماشيا أو فصلوا حالكونكم رجالا وقيل مشاة ( أو ركبانا ) جمع ركب كالفرسان ، وكل شئ علا شيئا فقد ركبه أي أو على ظهور دوابكم أي تراعون فيها دفع ما تخافون فلا ترتكبون ما به تخافون ، بل تأتون بها على حسب أحوالكم بما لاتخافون به واقفين أو ماشين أو راكبين إلى القبلة أو غيرها ، بالقيام والركوع والسجود ، أو بالايماء ، أو بالنية والتكبير والتشهد والتسليم.

ويروى أن عليا عليه‌السلام صلى ليلة الهرير خمس صلوات بالايماء وقيل بالتكبير وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى ليلة الاحزاب إيماء ، وبالجملة فيها إشارة إلى صلاة الخوف إجمالا.

( فاذا أمنتم ) بزوال خوفكم ( فاذكروا الله ) أي فصلوا ( كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) من صلاة الامن وقيل : اذكروا الله بالثناء عليه والحمد له شكرا على الامن والخلاص من الخوف والعدو ، كما أحسن إليكم وعلمكم مالم تكونوا تعلمون من الشرايع ، وكيف تصلون في حال الامن وحال الخوف؟ أو شكرا يوازي نعمه وتعليمه.

( إن خفتم ) يدل على أن الخوف موجب للقصر في الجملة ، وقد سبق تفسيره في باب القصر في السفر ، واحتج الاصحاب بهذه الاية على وجوب القصر للخوف بأنه ليس المراد بالضرب سفر القصر ، وإلا لم يكن في التقييد بالخوف فائدة ، واجيب بأن حمل الضرب في الارض على غير سفر القصر عدول عن الظاهر ، مع أنه غير نافع لان مجرد الخوف كاف في القصر على قولهم من غير توقف على الضرب في الارض وقد مر الوجه في التقييد بالخوف.

ثم إنه لاخلاف بين الاصحاب في وجوب التقصير في صلاة الخوف في السفر ، وإنما اختلفوا في وجوب تقصيرها إذا وقعت في الحضر ، فذهب الاكثر منهم المرتضى والشيخ في الخلاف والابناء الاربعة إلى وجوب التقصير سفرا وحضرا ، جماعة و

٩٦

فرادى ، وقال الشيخ في المبسوط : إنما يقصر في الحضر بشرط الجماعة ونسبه الشهيد إلى ظاهر جماعة من الاصحاب ، وحكى الشيخ والمحقق قولا بأنها إنما تقصر في السفر خاصة والمشهور لعله أقوى لصحيحة زرارة (١).

ثم المشهور أن هذا التقصير كتقصير المسافر برد الرباعية إلى الركعتين ، و إبقاء الثلاثية والثنائية على حالهما ، ويدل عليه الاخبار المستفيضة المتضمنة لكيفية صلاة الخوف ، وقيل ترد الركعتان إلى ركعة كما مر أنه ذهب إليه ابن الجنيد من علمائنا ، وكثير من العامة ويدل عليه بعض الاخبار ، ولعلها محمولة على التقية أو على أن كل طائفة إنما تصلي مع الامام ركعة.

( وإذا كنت ) يا محمد ( فيهم ) يعني في أصحابك الضاربين في الارض الخائفين عدوهم ، أوالاعم فيشمل الحضر كما ذكره الاكثر ( فأقمت لهم الصلوة ) بحدودها وركوعها وسجودها ، أو بأن تؤمهم ( فلتقم طائفة منهم معك ) (٢) في صلاتك ، و ليكن سائرهم في وجه العدو ، فلم يذكر ما ينبغي أن تفعله الطائفة غير المصلية لدلالة الكلام عليه.

( وليأخذوا أسلحتهم ) أي الطائفة المصلية لظاهر السياق ، فيأخذون من السلاح ما لا يمنع واجبا في الصلاة كالسيف والخنجر والسكين ونحوها إلا مع الضرورة

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٣٣٨ ، الفقيه ج ١ ص ٢٩٤.

(٢) الطائفة يطلق على الجماعة الطائفين ، ولا يلزم أن يكون فيهم كثرة وافرة ، بل انما يلزم أن يكون المسلمون بحيث اذا فرقوا فرقتين وقامت فرقة منهم ترصد العدو ، كفوا شرهم حتى يفرغ المصلون من صلاتهم.

فاذا لم يهجم الكفار على المسلمين ، صلوا ركعتين لعدم الخوف بالفعل ، كما عرفت في صدر الباب السابق ، واذا هجموا بعد ما شرعت الطائفة الاولى بالصلاة أتموها ركعة واحدة امامهم ومأمومهم لكون الخوف فعليا ، فيشملهم الاية الاولى قبلها : ( ولا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة ان خفتم ) الاية. وقد مر شرح ذلك وسيأتى انشاء الله.

٩٧

فمطلقا وجوبا لظاهر الامر ، ولتعليق نفي الجناح فيما سيأتي بشرط الاذى فتثبت مع عدمه ، وهو المشهور بين الاصحاب ، وقال ابن الجنيد يستحب وتردد في المعتبر والنافع وحمله ابن الجنيد على الارشاد ، وفيه عدول عن الظاهر ، بناء على كون الامر للوجوب من غير دليل.

وهو يختص الوجوب بالمصلين؟ فيه قولان ، وروى ابن عباس أن المأمور بأخذ السلاح هم المقاتلة ، وهو خلاف الظاهر ، بل الظاهر إما التعميم أو التخصيص بالمصلين كما قلنا أولا ، بناء على أن أخذ السلاح للفرقة الاولى أمر معلوم لايحتاج إلى البيان.

وعلى القول بوجوب أخذ السلاح على المصلين لا تبطل الصلاة بتركه على المشهور لكون النهي متعلقا بأمر خارج عن حقيقة الصلاه ، والنجاسة الكائنة على السلاح غير مانع من أخذه على المشهور وقيل لايجوز أخذه حينئذ إلا مع الضرورة ولعل الاول أقرب ، عملا باطلاق النص مع كون النجاسة فيه غير نادر وثبوت العفو عن نجاسة ما لايتم الصلاة فيه منفردا ، وانتفاء الدليل على طهارة المحمول ولو تعدت نجاسته إلى الثوب وجب تطهيره إلا مع الضرورة.

( فاذا سجدوا ) (١) أي الطائفة الاولى المصلية ( فليكونوا من ورائكم ) (٢)

____________________

(١) المراد بهذه السجدة السجدة الثانية من الركعة الثانية عند تمام الصلاة ، وذلك لانه عزوجل قال ( فاذا سجدوا ) وأسند فعل السجدة اليهم دون أن يقول : ( فاذا سجدت بهم ).

فمبنى الاية على أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلى بفرقة منهم ركعة بركوعها وسجودها : سجدتين ويقعد ذاكرا لله عزوجل وتقوم الفرقة المصلية لاتمام صلاتهم ( لعدم الخوف بهم من العدو موقتا بعد تلك الحيلة ) ويصلون ركعة واحدة منفردين ، فاذا سجدوا ، أى أتموا الصلاة بالسجدة الثانية فكنى عن تمام الصلاة بالسجدة ، لانها آخر أجزاء الصلاة بالفرض على ما عرفت مرارا.

(٢) تنص هذه الجملة على أن الطائفة الراصدة انما تقوم خلف المصلين أبدا كانت

٩٨

أي فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم مصافين للعدو ، واختلف هنا :

فعندنا أن الطائفة الاولى إذا رفعت رأسها من السجود وفرغت من الركعة يصلون ركعة اخرى ويتشهدون ويسلمون ، والامام قائم في الثانية ، وينصرفون إلى

____________________

(١) القبلة في جهة العدو ، أو خلاف جهتهم ، ويستفاد من ذلك أن أمام المصلى يجب أن يكون فارغا لايمر بين يديه أحد من المارة ولايقوم بازائه احد ، كما مر في ج ٨٣ ص ٢٩٤.

وما يقال ان هذا الصلاة بالكيفية المعهودة انما تقام اذا كانت القبلة في خلاف جهة العدو ، حتى يكون الطائفة الراصدة خلف المصلين تواجه الاعداء ، واستأنسوا على ذلك أو استدلوا عليه بقوله عزوجل هذا ( فليكونوا من ورائكم ) ، ثم حملوا الاية الكريمة على صلاة ذات الرقاع حيث كانت العدو في خلاف جهة القبلة لذلك ، فليس بشئ.

وذلك لان ظاهر الاية الكريمة أنها نزلت قبل هذه الوقايع تبين لهم وظيفتهم في السفر وعند موارد الخوف وامكان رفع الخطر موقتا بالتعبية كذلك ، ولذلك عمم وقال : ( واذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) الاية.

فحيثما ابتلى المسلمون بالسفر ومخافة العدو : أن يهجموا عليهم ، وكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله أو من يقوم مقامه في جمع شمل المسلمين فيهم وبامكانه أن يفرق المسلمين فرقتين : فرقة تصلى وفرقة ترصدهم وجب اقامة الصلاة كذلك ، ولايشترط في اقامتها غير هذه الشروط المذكورة.

على أنك قد عرفت في صدر الباب السابق عند البحث عن الاية الكريمة ان صلاة السفر في مقابلة العدو والخوف من فتنتهم انما تقام على هذه الكيفية ليرتفع بهذه التعبية والرصد خوف فتنتهم بالفعل وموقتا ، وهذا انما يكون اذا صادفوا العدو ، وقاموا في وجههم لا يدرون مآل الامر أنهم يحاربون أولا ، كما كان الامر في صلوات الرسول (ص) غزوة ذات الرقاع وعسفان وبطن نخل.

وأما اذا نشبت الحرب بينهم أو عزم الامر على ذلك بمواجهة القتال فصار خوف

٩٩

مواقف أصحابهم ، ويأتي الاخرون فيستفتحون الصلاة ويصلي بهم الامام الركعة الثانية ويطيل تشهده حتى يقوموا فيصلوا بقية صلاتهم ثم يسلم بهم الامام أو يسلم الامام وتقوم الثانية فيتمون صلاتهم ، كما وردت الروايات بهما ، وهو مذهب الشافعي أيضا.

وقيل : إن الطائفة الاولى إذا فرغت من ركعة يسلمون ويمضون إلى وجه العدو وتأتي الطائفة الاخرى فيصلي بهم الركعة الاخرى ، وهذا مذهب جابر ومجاهد و حذيفة وابن الجنيد ، ومن يرى أن صلاة الخوف ركعة واحدة.

وقيل : إن الامام يصلي بكل طائفة ركعتين فيصلي بهم مرتين عن الحسن ، و هذه صلاة بطن النخل ولا أعلم من أصحابنا أحدا حمل الاية عليها ، وإن جوزها الاكثر.

وقيل : إنه إذا صلى بالاولى ركعة مضوا إلى وجه العدو ، وتأتي الاخرى فيكبرون ويصلي بهم الركعة الثانية ، ويسلم الامام خاصة ويعودون إلى وجه العدو

____________________

الهجوم منهم بالفعل كانت الصلاة صلاة مطاردة بالتكبيرة والتسبيح والتهليل كما وقع في بعض أيام غزوة الخندق ، وامتثالا لقوله تعالى : ( فان خفتم فرجالا أو ركبانا ) فالقيام في وجه العدو انما يجب في هذه الصلاة لاغيرها.

ويؤيذ ذلك أن الائمة الاطهار عليهم صلوات الله الرحمن انما تعرضوا لصلاة الخوف بوجه واحد طبقا لحكم الاية الكريمة ، ولايكون ذلك الا لعموم حكم الاية لجميع موارد الخوف واطلاقها بالنسبة إلى موقف الاعداء وكونهم في جهة القبلة أو خلافها.

بل وعندى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله انما صلى بهذه الكيفية فقط ، وسائر ماورد من طرق الجمهور ، وقد ناهض إلى ستة عشر وجها ، فكلها آراء الصحابة والتابعين توهموها على الاية الكريمة فاختار كل ما وجدها أنسب بظاهر الاية ، وسيأتى تمام الكلام فيها عند تعرض المؤلف العلامة لبعضها انشاء الله تعالى.

١٠٠