بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وتأتي الاولى فيقضون ركعة بغير قراءة لانهم لاحقون ، ويسلمون يرجعون إلى وجه العدو ، وتأتي الثانية ويقضون ركعة بقراءة لانهم مسبوقون عن ابن مسعود ، وهو مذهب أبي حنيفة.

فالسجود في قوله ( فاذا سجدوا ) على ظاهره عند أبي حنيفة ، وعلى قولنا والشافعي بمعنى الصلاة ، أو التقدير وأتموا بقرينة ما بعده ، وهو وإن كان خلاف ظاهره من وجه ، إلا أنه أحوط للصلاة ، وأبلغ في حراسة العدو ، وأشد موافقة لظاهر القرآن ، لان قوله : ( ولتأت طائفة اخرى لم يصلوا ) ظاهره أن الطائفة الاولى قد صلت ، وقوله : ( فليصلوا معك ) مقتضاه أن يصلوا تمام الصلاة ، فالظاهر أن صلاة كل طائفة قد تمت عند تمام صلاته ، وأيضا الظاهر أن المراد الاية بيان صلاة الطائفتين ، وذلك يتم على ما قلناه بأدنى تقدير أو تجوز ، بخلافه على قوله ، و قول حذيفة وابن الجنيد في ذلك كقولنا إذ لابد بعد الركعة من التشهد والتسليم ، نعم التجوز حينئذ أقرب من التجوز على ما قلناه.

قيل : وربما يمكن حمل الاية على ما يعم الوجوه حتى صلاة بطن النخل ، وهو في غاية البعد مع مخالفته للروايات وأقوال الاصحاب فيها.

( وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ) أي الطائفة الثانية في صلاتهم ، وقد جعل الحذر وهو التحرز والتيقظ آلة تستعملها الغازي ، فجمع بينه وبين الاسلحة في الاخذ وجعلا مأخوذين مبالغة.

( ود الذين كفروا ) أي تمنوا ( لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ) أي يحملون عليكم حملة واحدة ، وفيه تنبيه على وجه وجوب أخذ السلاح.

قال في مجمع البيان : (١) في الاية دلالة على صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحة نبوته

____________________

(١) مجمع البيان ج ٣ ص ١٠٣ وترى مثله في الدر المنثور ج ٢ ص ٢١١ قال : أخرج الترمذى وصححه وابن جرير عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نزل بين ضجنان و عسفان وذكر مثله.

١٠١

وذلك أنها نزلت والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعسفان والمشركون بضجنان (١) فتواقفوا فصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأصحابه صلاة الظهر بتمام الركوع والسجود ، فهم المشركون بأن يغيروا عليهم فقال بعضهم : إن لهم صلاة اخرى أحب إليهم من هذه ، يعنون صلاة العصر ، فأنزل الله تعالى عليه الاية ، فصلى بهم العصر صلاة الخوف ، وكان ذلك سبب إسلام خالد بن الوليد.

( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ) رخص لهم في وضع الاسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما ينالهم من مطر أو مرض ، وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر بقوله ( وخذوا حذركم ) لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو.

( إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ) هذا وعد للمؤمنين بالنصر على الكفار بعد الامر بالحزم ، لتقوى قلوبهم ، وليعلموا أن الامر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة عدوهم ، بل لان الواجب أن يحافظوا في الامور على مراسم التيقظ والتدبير

____________________

(١) ضجنان جبل عرى بريد من مكة ، وعسفان على مرحلتين : أربعة برد ، فكيف تواقفوا؟ على أن المسلم من غزوة الحديبية هذه أن رسول الله خرج حتى اذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبى فقال : يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك وقد نزلوا بذى طوى ( موضع قرب مكة ) وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموا إلى كراع الغميم ( وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال ) فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمسلمين عن الطريق وسلكوا بين الشعاب حتى أفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادى ثم سلكوا ذات اليمين في طريق يخرجهم على ثنية المرار مهبط الحديبية ( على مرحلة من مكة ) من أسفل مكة.

فلما رأت خيل قريش قترة الجيش رجعوا راكضين إلى قريش ، وسلك رسول الله ثنية المرار وخلات الناقة ، فأمرهم أن ينزلوا بوادى الحديبية ، فنزلوا واطمأنوا بها فلم يلتقوا مع قريش ولا خيلهم حيت أتاهم رجال خزاعة وقريش وتم الصلح بينهم.

١٠٢

فيتوكلوا على الله.

ثم اعلم أن الاصحاب استدلوا بهذه الاية على ما هو المشهور من عموم القصر سفرا وحضرا ، وجماعة وفرادى ، وفيه نظر إذ الظاهر أن الضمير في قوله سبحانه ( فيهم ) راجع إلى الاصحاب الضاربين في الارض الخائفين عدوهم ، كما ذكره الطبرسي ره وغيره ، فلا عموم لها مع أنه لا دلالة فيها على القصر فرادى.

( فاذا قضيتم الصلاة ) يحتمل وجهين :

الاول : أن يكون المعنى إذا فرغتم من صلاة الخوف لا تدعوا ذكر الله ، بل كونوا مهللين مكبرين مسبحين ، داعين بالنصرة والتأييد في كافة أحوالكم [ من قيام وقعود واضطجاع ، فان ما أنتم فيه من الخوف والحرب جدير بذكر الله ودعائه واللجأ إليه.

قال في مجمع البيان : (١) أي ادعوا الله في هذه الاحوال لعله ينصركم على عدوكم ، ويظفركم بهم ، عن ابن عباس وأكثر المفسرين ، وقيل : المراد به التعقيب مطلقا ، وقيل : إشارة إلى ماورد به الروايات من استحباب التسبيحات الاربع بعد الصلوات المقصورة ، وقيل : المراد به المداومة على الذكر في جميع الاحوال كما في الحديث القدسي : يا موسى اذكرني ، فان ذكري على كل حال حسن.

الثانى : أن يكون المراد : إذا أردتم قضاء الصلاة وفعلها في حال الخوف و القتال فصلوها ( قياما ) مسايفين ومقارعين ، ( وقعودا ) جاثين على الركب مرامين ( وعلى جنوبكم ) مثخنين بالجراح.

وقيل : المراد حال الخوف مطلقا من غير اختصاص بحال القتال ، وقيل : إشارة إلى صلاة القادر والعاجز أي إذا أردتم الصلاة فصلوا ( قياما ) إن كنتم أصحاء ( وقعودا ) إن كنتم مرضى لاتقدرون على القيام ( وعلى جنوبكم ) إن لم تقدروا على القعود ، روى ذلك عن ابن مسعود. وعلى هذا التفسير يستفاد الترتيب أيضا

____________________

(١) مجمع البيان ج ٣ ص ١٠٤.

١٠٣

لكن لم نظفر برواية تدل على هذا التفسير في خصوص هذه الاية. نعم روي ذلك في تفسير قوله تعالى : ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا ) (١) كذا قيل.

وأقول : ذكره علي بن إبراهيم (٢) بعد إيراد هذه الاية حيث قال : الصحيح يصلي قائما ، والعليل يصلي قاعدا ، فمن لم يقدر فمضطجعا يؤمي إيماء ، وقد مر من تفسير النعماني (٣) مثله في باب القيام (٤) مرويا عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، ولايخفى أن عدم اعتبار الخوف يأباه.

قوله : ( فاذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ) فان ظاهره إذا استقررتم بزوال خوفكم وسكنت قلوبكم فأتموا حدود الصلاة واحفظوا أركانها وشرائطها ، إلا أن يحمل الاطمينان على أعم من زوال الخوف والبرء من المرض ، وقيل : معناه إذا أقمتم فأتموا الصلاة التي اجيز لكم قصرها ، وقد يجمع بين الوجهين ، وقد مر تفسير الموقوت (٥).

١ ـ المقنع : سئل الصادق عليه‌السلام عن الصلاة في الحرب فقال : يقوم الامام قائما ويجئ طائفة من أصحابه يقومون خلفه ، وطائفة بازاء العدو ، فيصلي بهم الامام ركعة ثم يقوم ويقومون معه ويثبت قائما ويصلون هم الركعة الثانية ثم يسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون مكان أصحابهم بازاء العدو ويجئ الاخرون فيقومون خلف الامام فيصلي بهم الركعة الثانية ثم يجلس الامام فيقومون ويصلون

____________________

(١) آل عمران : ١٩١.

(٢) تفسير القمى : ١١٧.

(٣) تفسير النعمانى : البحار ج ٩٣ ص ٢٨.

(٤) راجع ج ٨٤ ص ٣٣١ ٣٤٣ ، وقد مضى فيه الحديث عن الكافى وغيره أيضا ، راجعه أن شئت.

(٥) قد مضى في ج ٨٢ ص ٣١٣ ما يتعلق بمعنى الموقوت ، الا أنه يستدرك تفسير الاية بما ذكرناه في صدر الباب السابق فلا تغفل.

١٠٤

ركعة اخرى (١) ] ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمه.

وإذا كنت في المطاردة فصل صلوتك إيماء ، وإن كنت تستأنف فسبح الله واحمده وهلله وكبره ، يقوم كل تحميدة وتسبيحة وتهليلة وتكبيرة مكان ركعة (٢).

بيان : ما رواه إلى قوله ( بتسليمة ) موافقة لما رواه الشيخ (٣) في الحسن كالصحيح عن الحلبي عنه عليه‌السلام.

واعلم أن صلاة الخوف أنواع منها صلاة ذات الرقاع ، وهي الكيفية الاولى الواردة في هذا الخبر ، وسميت بها لان القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر و صفر وسود كالرقاع ، أو كانت الصحابة حفاة فلفوا على أرجلهم الجلود والخرق لشدة الحر ، أو الرقاع كانت في ألويتهم ، وقيل : مر بذلك الموضع ثمانية نفر حفاة فنقبت أرجلهم وتساقطت أظفارهم ، وكانوا يلفون عليها الخرق ، وقيل : الرقاع اسم شجرة في موضع الغزو.

والمشهور أن شروط هذه الصلاة أربعة : الاول كون العدو في خلاف جهة القبلة ، بحيث لايمكنهم مقابلته ، وهم يصلون إلا بالانحراف عن القبلة ، هذا هو المشهور واستوجه في التذكرة عدم اعتباره ، ورجحه الشهيدان ، والثاني أن يكون الخصم ذا قوة يخاف هجومه على المسلمين ، الثالث أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم الافتراق طائفتين يقاوم كل فرقة منهما العدو حال الاخرى ، والرابع عدم احتياجهم إلى زيادة على الفرقيتن ، وهذا الشرط في الثنائية واضح ، وأما في الثلاثية فهل يجوز تفريقهم ثلاث فرق وتخصيص كل ركعة بفرقة؟ قولان ، واختار الشهيدان الجواز.

____________________

(١) ما بين العلامتين وقد زاد على الثلاثين بيتا ساقط عن ط الكمبانى أضفناه. من الاصل.

(٢) المقنع : ٣٩ ، ط الاسلامية.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٣٠٣.

١٠٥

ثم اختلفوا في أنه هل يجب على الفرقة الاولى نية الانفراد عند مخالفة الامام أم لا؟ والظاهر عدم انفكاك الانسان في تلك الحال عن النية ، وأما الفرقة الثانية فظاهر الاكثر بقاء اقتدائهم في الركعة الثانية حكما وإن استقلوا بالقراءة والافعال فيحصل لهم ثواب الايتمام ، يرجعون إلى الامام في السهو ، وحينئذ لاينوون الانفراد عند القيام إلى الثانية ، وقد صرح به العلامة في المختلف وصرح ابن حمزة بأن الثانية تنوي الانفراد في الثنائية ، وهو ظاهر المبسوط ، واختاره بعض المتأخرين والروايات مختلفة في تسليم الامام أو لاثم قيامهم إلى الثانية ، أو انتظار الامام إلى أن يفرغوا من الثانية ، فيسلم معهم ، والظاهر التخيير بينهما ، فالظاهر على الاول انفرادهم ، وعلى الثاني بقاء القدوة.

ثم إن جماعة من الاصحاب ذكروا أن المخالفة في هذه الصلاة مع ساير الصلوات في ثلاثة أشياء : انفراد المؤتم ، وتوقع الامام للمأموم حتى يتم ، وإمامة القاعد بالقائم ، ولايخفى أن الانفراد إنما تحصل به المخالفة على قول الشيخ ، حيث منع من ذلك في سائر الصلوات ، وإلا فالمشهور الجواز مطلقا إلا أن يقال : بوجوب الانفراد هنا ، فالمخالفة بهذا الاعتبار ، وأما توقع الامام المؤتم حتى يتم فانه غير لازم هنا كما عرفت ، وأما إمامة القاعد بالقائم ، فانما يتحقق إذا قلنا ببقاء اقتداء الفرقة الثانية في الثانية ، وقد عرفت الخلاف فيه ، وتحقيق هذه الاحكام في تلك الازمان قليل الجدوى فلايهم التعرض لها.

ومن أقسام صلاة الخوف صلاة بطن النخل (١) وقد ورد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاها بأصحابه ، قال الشيخ ، روى الحسن عن أبي بكرة فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله و

____________________

(١) هذه الصلاة هى صلاة ذات الرقاع نفسها ، الا انها رواية الحسن ابن أبي الحسن عن جابر كما رواه ابن هشام في السيرة ، والتى سبق رواية نافع عن ابن عمر وعليه اتفاق الشيعة الامامية.

وبطن نخل موضع بنجد فيها منازل بنى محارب وبنى ثعلبة من غطفان على مرحلتين من المدينة ، صلى بها رسول الله في بطن الوادى والمشركون من غطفان على رؤس الجبال بذات الرقاع فسميت الغزوة بهما.

١٠٦

صفتها أن يصلي الامام بالفرقة الاولى مجموع الصلاة ، والاخرى تحرسهم ، ثم يسلم بهم ثم يمضوا إلى موقف أصحابهم ثم يصلي بالطائفة الاخرى نفلا له وفرضا لهم ، و شرطها كون العدو وفي قوة يخاف هجومه ، وإمكان افتراق المسلمين فرقتين ، وكونه في خلاف جهة القبلة.

قال في الذكرى : ويتخير بين هذه الصلاة وبين ذات الرقاع ، ويرجح هذا إذا كان في المسلمين قوة ممانعة بحيث لاتبالي الفرقة الحارسة بطول لبث المصلية ، و يختار ذات الرقاع إذا كان الامر بالعكس ، ولايخفى أن هذه الرواية ضعيفة عامية يشكل التعويل عليها ، وإن كانت مشهورة ، فيبني الحكم بالجواز على أنه هل يجوز إعادة الجامع صلاته أم لا؟ وقد سبق الكلام فيه.

ومن أقسام صلاة الخوف صلاة عسفان وقد نقلها الشيخ في المبسوط بهذه العبارة : ومتى كان العدو في جهة القبلة ، ويكونون في مستوى الارض ، لا يسترهم شئ ، و لا يمكنهم أمر يخاف منه ، ويكون في المسلمين كثرة لايلزمهم صلاة الخوف ، ولا صلاة شدة الخوف ، وإن صلوا كما صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعسفان جاز ، فانه قام صلى‌الله‌عليه‌وآله مستقبل القبلة والمشركون أمامه ، فصف خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صف وصف بعد ذلك الصف صف آخر ، فركع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وركعوا جميعا ، ثم سجد صلى‌الله‌عليه‌وآله وسجد الصف الذي يلونه (١) وقام الاخرون يحرسونه ، فلما سجد الاولون السجدتين و قاموا ، سجد الاخرون الذين كانوا خلفهم ثم تأخر الصف الذين يلونه إلى مقام الاخرين ، وتقدم الصف الاخير إلى مقام الصف الاول ، ثم ركع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وركعوا جميعا في حالة واحدة ، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه ، وقام الاخرون يحرسونه ، فلما جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والصف الذي يليه ، سجد الاخرون ، ثم

____________________

(١) والاصل في ذلك توهمهم أن معنى قوله تعالى : ( فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ) أن طائفة في الصف الاول يسجد وطائفة من ورائهم وهم في الصف الثانى يحرسهم ، وقد عرفت معنى الاية الكريمة.

١٠٧

جلسوا جميعا فسلم بهم جميعا.

وقال العلامة : لها ثلاث شرايط أن يكون العدو في جهة القبلة ، وأن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم معها الافتراق فرقتين ، وأن يكونوا على قلة جبل أو مستومن الارض لايحول بينهم وبين إبصار المسلمين حائل من جبل وغيره ، ليتوقوا كبسهم ، والحمل عليهم ، ولايخاف كمين لهم.

وتوقف الفاضلان في العمل بها ، لانه لم يثبت نقلها عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام وقال في الذكرى مرة هذه صلاة مشهوره في النقل كسائر المشهورات ، واخرى أنها وإن لم تنقل بأسانيد صحيحة ، وذكرها الشيخ مرسلا لها غير مسند (١) ولا محيل على سنده ، فلو لم يصح عنده لم يتعرض حتى ينبه على ضعفه ، فلا يقصر فتواه عن رواية ثم ليس فيها مخالفة لافعال الصلاة غير التقدم والتأخر ، والتخلف بركن ، وكل ذلك غير قادح في صحة الصلاة اختيارا فكيف عند الضرورة انتهى.

واعترض عليه أما أولا ففي تصحيحه الرواية بمجرد نقل الشيخ ، وأما ثانيا ففي حكمه بعدم قدم التخلف عن ركن في صحة الصلاة اختيارا.

وأما صلاة شدة الخوف التي أشار إليها أخير فقسمان : احداهما أن يتمكنوا من أفعال الصلاة ولو بالايماء ، ولا يتمكنوا من الجماعة على الوجوه المذكورة ، فيصلون فرادى كيف ما أمكنهم واقفا أو ماشيا أو راكبا ، ويركعون ويسجدون مع الامكان ، وإلا فبالايماء ويستقبلون القبلة مع المكنة ، وإلا فبحسب الامكان في بعض الصلاة ، على ما ذكره جماعة من الاصحاب ، وإلا فبتكبيرة الاحرام ، وإلا سقط الاستقبال ، وهذه الاحكام مجمع عليها بين الاصحاب ، ويدل عليها روايات

____________________

(١) الظاهر أن الشيخ رحمه الله نظر إلى رواية ذلك عن طرق الجمهور ، ورأى أنها تطابق لفظ القرآن الكريم على الوجه المذكور آنفا فاعتمد على روايتهم ، والا فكيف يكون عنده رواية معتبرة أو غير معتبرة عن أهل البيت عليهم‌السلام ولايذكرها ولا يتعرض لها في كتابى الاخبار؟

١٠٨

كثيرة ، والثانية صلاة من لم يتمكن من الايماء أيضا حال المسايفة ، فانه يسقط عنه ذلك ، وينتقل فرضه إلى التسبيح وهذا أيضا مجمع عليه بين الاصحاب.

٢ ـ تفسير على بن ابراهيم : ( فان ختفم فرجالا أو ركبانا ) فهي رخصة بعد العزيمة للخائف أن يصلي راكبا وراجلا.

وصلاة الخوف على ثلاثة وجوه : قال الله تبارك وتعالى : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا [ أسلحتهم فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا ] حذرهم و أسلحتهم ) فهذا وجه.

والوجه الثاني من صلاة الخوف فهو الذي يخاف اللصوص والسباع في السفر ، فانه يتوجه إلى القبلة ويفتتح الصلاة ويمر على وجهه الذي هو فيه ، فاذا فرغ من القراءة وأراد أن يركع ويسجد ولى وجهه إلى القبلة إن قدر عليه ، وإن لم يقدر عليه ركع وسجد حيثما توجه ، وإن كان راكبا يومي إيماء برأسه.

والوجه الثالث من صلاة الخوف صلاة المجادلة ، وهي المضاربة في الحرب إذا لم يقدر أن ينزل ويصلي : يكبر لكل ركعة تكبيرة وصلى وهو راكب ، فان أمير المؤمنين عليه‌السلام صلى وأصحابه خمس صلوات بصفين على ظهر الدواب لكل ركعة تكبيرة وصلى وهو راكب حيثما توجهوا (١).

بيان : ظاهر الروايات الاجتزاء عند تلاحم القتال بالتكبير لكل ركعة ، من غير تكبيرة للاحرام وتشهد وتسليم وفي صحيحة الفضلاء (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام فاذا كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال ، فان أميرالمؤمنين عليه‌السلام ليلة صفين وهي ليلة الهرير لم تكن صلاتهم الظهر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة إلا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ، والدعاء ، فكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم باعادة الصلاة.

____________________

(١) تفسير القمى : ٦٩ و ٧٠ وما بين العلامتين ساقط عن ط ك.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٣٠٤ ، الكافى ج ٣ ص ٤٥٨.

١٠٩

وفي صحيحة الحلبي (١) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : صلاة الزحف على الظهر إيماء برأسك وتكبير ، والمسايفة تكبير بغير إيماء ، والمطاردة إيماء يصلي كل رجل على حياله.

والمشهور بين الاصحاب أنه يقرء عوض كل ركعة التسبيحات الاربع بعد النية ، وتكبيرة الافتتاح ، ويتشهد ويسلم ، وإيجاب غير النية لادليل عليه ، نعم يظهر من صحيحة الفضلاء التسبيحات الاربع من غير ترتيب مع إضافة الدعاء ولعل المراد به الاستغفار ، فالاحوط الجمع بينها ، وإن احتمل الواو فيها بمعنى ( أو ).

٣ ـ مجالس الصدوق : عن محمد بن عمر الحافظ ، عن أحمد بن عبدالعزيز ، عن عبدالرحمن بن صالح ، عن شعيب بن راشد ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ما كانت صلاة القوم يوم الهرير إلا تكبيرا عند مواقيت الصلاة (٢).

٤ ـ تفسير على ابن ابراهيم : في قوله تعالى : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ) الاية ، فانها نزلت لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الحديبية يريد مكة فلما وقع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس ليستقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان يعارض رسول الله (ص) على الجبال ، فلما كان في بعض الطريق وحضرت صلاة الظهر أذن بلال وصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس ، فقال خالد ابن الوليد : لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة لاصبناهم ، فانهم لايقطعون الصلاة ولكن تجئ لهم الان صلاة اخرى هي أحب إليهم من ضياء أبصارهم ، فاذا دخلوا فيها حملنا عليهم ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام بصلاة الخوف بهذه الاية ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ) إلى قوله : ( ميلة واحدة ).

ففرق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه فرقتين ، فوقف بعضهم تجاه العدو ، وقد أخذوا

____________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٢٩٦ ، والتهذيب ج ١ ص ٣٠٤.

(٢) أمالى الصدوق ص ٢٤٤.

١١٠

سلاحهم ، وفرقة صلوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائما ومروا فوقفوا مواقف أصحابهم ، وجاء اولئك الذين لم يصلوا فصلى بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الركعة الثانية وهي لهم الاولى وقعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقام أصحابه ، فصلوا هم الركعة الثانية وسلم عليهم (١).

____________________

(١) تفسير القمى : ١٣٨ ، و ٦٣٢ في سورة الفتح ، وترى مثله في الدر المنثور ج ٢ ص ٢١١ قال : أخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبدبن حميدو أبوداود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والدار قطنى و الطبرانى والحاكم وصححه والبيهقى عن أبى عياش الزرقى وذكر مثله.

لكن الحديث لايصح ، فان أصحاب السيرة كلهم أجمعوا ( مستندين بالروايات المعتبرة ) على أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يواجه خالدا في غزوة الحديبية هكذا ، وقد مر بعض ذلك في ص ١٠٢ نقلا عن سيرة ابن هشام بتخليص.

وأزيدك الان أن الكلينى روى في كتاب الروضة ج ٨ ص ٣٢٢ عن على بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير وغيره عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : لما خرج رسول الله في غزوة الحديبية ، خرج في ذى القعدة ، فلما انتهى إلى المكان الذى أحرم فيه أحرموا ولبسوا السلاح ، فلما بلغه أن المشركين قد أرسلوا اليه خالد بن الوليد لبرده قال : ابغونى رجلا يأخذ بى على غير هذا الطريق فأتى برجل .. فأخذه معه حتى انتهى إلى العقبة فقال : من يصعدها حط الله عنه كما حط عن بنى اسرائيل ...

فابتدرها خيل الانصار فلما هبطوا الحديبية .. وخرج رسول الله فأرسل اليه المشركون الحديث.

نعم غزى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في جمادى سنة خمس بنى لحيان حتى نزل على غران وهى منازل بنى لحيان ، وغران واد بين أمج وعسفان إلى بلد يقال لها سايه ، فوجدهم قدحذروا وتمنعوا في رؤس الجبال.

فلما نزلها رسول الله وأخطأه من غرتهم ما أراد قال : لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة فخرج في مائتى راكب من أصحابه حتى نزل بعسفان ثم رجع قافلا ،

١١١

٥ ـ قرب الاسناد وكتاب المسائل : بسنديهما عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن صلاة الخوف كيف هي؟ قال : يقوم الامام فيصلي ببعض أصحابه ركعة ويقوم في الثانية ويقوم أصحابه فيصلون الثانية ، ويخففون وينصرفون ويأتي أصحابهم الباقون فيصلون معه الثانية فاذا قعد في التشهد قاموا فصلوا الثانية لانفسهم ثم يعقدون ، فيتشهدون معه ثم يسلم وينصرفون معه (١).

وسألته عن صلاة المغرب في الخوف كيف هي؟ قال يقوم الامام ببعض أصحابه فيصلي بهم ركعة ثم يقوم في الثانية ويقومون فيصلون لانفسهم ركعتين ويخففون وينصرفون ، ويأتي أصحابه الباقون فيصلون معه الثانية ثم يقوم بهم في الثالثة فيصلي بهم فتكون للامام الثالثة وللقوم الثانية ، ثم يعقدون فيتشهد ويتشهدون معه ، ثم يقوم أصحابه والامام قاعد فيصلون الثالثة ويتشهدون معه ، ثم يسلم ويسلمون (٢).

____________________

وسمى تلك الغزوة بغزوة عسفان أيضا.

فالظاهر من تمنع بنى لحيان إلى رؤس الجبال أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى حينذاك بمن معه من المسلمين صلاة الخوف ، خوفا من بادرتهم كما صرح بذلك الطبرسى في اعلام الورى ص ٩٨ قال : ثم كانت غزوة بنى لحيان ، وهى الغزوة التى صلى فيها صلاة الخوف بعسفان حين أتاه الخبر من السماء بماهم به المشركون ، وقيل : ان هذه الغزوة كانت بعد غزوة بنى قريظة.

على أنه قد ثبت من دون ارتياب أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى صلاة الخوف بذات الرقاع ذكره ابن هشام في السيرة في حوادث سنة الاربع ، وقيل في الخامسة لقى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمعا من غطفان ولم يكن بينهما حرب وقد خاف الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله صلاة الخوف ثم انصرف بالناس ، فاذا كان قد صلى قبل الحديبية صلاة الخوف ، فلابد وأن تكون الاية نازلة قبلها ، فلا معنى لنزول جبرئيل بصلاة الخوف : ( واذا كنت فيهم ) في غزوة الحديبية آخر سنة ست تارة أخرى.

(١ و ٢) قرب الاسناد ص ٩٩ ط حجر ص ١٣١ ط نجف ، كتاب المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٥١.

١١٢

بيان : قوله : ( لانفسهم ثم يقعدون ) في كتاب المسائل ثم قعدوا فتشهدوا معه ثم سلم وانصرف وانصرفوا ).

ولاخلاف بين الاصحاب ظاهرا في أنه يتخير في المغرب بين أن يصلي بالاولى ركعة وبالثانية ركعتين ، وبالعكس ، لورود الروايات المعتبرة بهما جميعا ، واختلف في الافضلية ، فقيل إن الاول أفضل لكونه مرويا عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، فيترجح للتأسي به ، ولانه يستلزم فوز الفرقة الثانية بالقراءة وبالزيادة ليوازي فضيلة تكبيرة الافتتاح والتقدم ، ولتقارب الفرقتين في إدراك الاركان ، ونسب هذا القول إلى الاكثر واختاره في التذكرة ، وقيل : إن الثاني أفضل لئلا يكلف الثانية زيادة جلوس في التشهد وهي مبنية على التخفيف ، والترجيح لايخلو من أشكال.

٦ ـ فقه الرضا قال عليه‌السلام : إن كنت في حرب هي لله رضا ، وحضرت الصلاة فصل على ما أمكنك على ظهر دابتك ، وإلا تؤمي إيماء أو تكبر وتهلل (١).

وروي أنه فات الناس مع علي عليه‌السلام يوم صفين صلاة الظهر والمغرب والعشاء فأمرهم علي فكبروا وهللوا وسبحوا ، ثم قرأ هذه الاية ( فان خفتم فرجالا أو ركبانا ) (٢) فأمرهم علي عليه‌السلام فصنعوا ذلك رجالا أو ركبانا.

فان كنت مع الامام (٣) فعلى الامام أن يصلي بطائفة ركعة ، وتقف الطائفة الاخرى بازاء العدو ثم يقوم ويخرجون فيقيمون موقف أصحابهم بازاء العدو ، وتجئ طائفة اخرى فتقف خلف الامام ويصلي بهم الركعة الثانية ، فيصلونها ويتشهدون ويسلم الامام ويسلمون بتسليمه ، فيكون للطائفة الاولى تكبيرة الافتتاح ، وللطائفة الاخرى التسليم.

____________________

(١) فقه الرضا ص ١٤ باب صلاة الخوف.

(٢) البقرة : ٢٣٩.

(٣) بل اذا كان خوف ولم يكن الحرب كما عرفت والا فالمسلمون بصفين كان معهم الامام الاكبر.

١١٣

وإن كان صلاة المغرب يصلي بالطائفة الاولى ركعة ، وبالطائفة الثانية ركعتين.

وإذا تعرض لك سبع وخفت أن تفوت الصلاة فاستقبل القبلة وصل صلاتك بالايماء ، فان خشيت السبع يعرض لك فدر معه كيف مادار ، وصل بالايماء كيف ما يمكنك.

وإذا كنت تمشي متفزعة من هزيمة أو من لص أو ذاعر أو مخافة في الطريق ، وحضرت الصلاة استفتحت الصلاة تجاه القبلة بالتكبير ، ثم تمضي في مشيتك حيث شئت وإذا حضر الركوع ركعت تجاه القبلة إن أمكنك وأنت مشي ، وكذلك السجود سجدت تجاه القبلة أو حيث أمكنك ، ثم قمت ، فاذا حضر التشهد جلست تجاه القبلة بمقدار ما تقول : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) فاذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك.

هذه مطلقة للمضطر في حال الضرورة ، وإن كانت في المطاردة مع العدو فصل صلاتك إيماء وإلا فسبح واحمده وهلله وكبره ، تقوم كل تسبيحة وتهليلة و تكبيرة مكان ركعة عند الضرورة ، وإنما جعل ذلك للمضطر لمن لايمكنه أن يأتي بالركوع والسجود (١).

٧ ـ العياشى : عن إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : فرض الله على المقيم خمس صلوات ، وفرض على المسافر ركعتين ، وفرض على الخائف ركعة ، وهو قول الله : ( لاجناح عليكم أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) يقول : من الركعتين فتصير ركعة (٢).

بيان : هذا يدل على مذهب ابن الجنيد ، وقد مر أنه يمكن حمله على التقية

____________________

(١) فقه الرضا : ١٤.

(٢) تفسير العياشى ج ١ ص ٢٧١ وهذا نص فيما قلناه في تفسير الاية الكريمة صدر الباب السابق ، وبمضمونه روايات اخر تراها في التهذيب ج ١ ص ٣٣٨.

١١٤

أو على أنه يصلي مع الامام ركعة.

٨ ـ العياشى : عن أبن بن تغلب ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام في صلاة المغرب في الخوف ، قال : يجعل أصحابه طائفتين بازاء العدو واحدة والاخرى خلفه ، فيصلي بهم ثم ينصب قائما ويصلون هم تمام ركعتين ثم يسلم بعضهم على بعض ، ثم تأتي الطائفة الاخرى فيصلي بهم ركعتين ، ويصلون هم ركعة ، فيكون للاولين قراءة ، و للاخرين قراءة (١).

بيان : هذا وجه ترجيح لتخصيص الاولين بركعة ليدرك كل منهما ركعة من الركعتين اللتين يتعين فيهما القراءة.

٩ ـ العياشى : عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إذا حضرت الصلاة في الخوف ، فرقهم الامام فرقتين فرقة مقبلة على عدوهم ، وفرقة خلفه كما قال الله تبارك وتعالى ، فيكبر بهم ثم يصلي بهم ركعة ، ثم يقوم بعد ما يرفع رأسه من السجود فيتمثل قائما ويقوم الذين صلوا خلفه ركعة فيصلي كل إنسان منهم لنفسه ركعة ، ثم يسلم بعضهم على بعض ، ثم يذهبون إلى أصحابهم فيقومون مقامهم ويجئ الاخرون والامام قائم فيكبرون ويدخلون في الصلاة خلفه ، فيصلي بهم ركعة ثم يسلم ، فيكون للاولين استفتاح الصلاة بالتكبير ، وللاخرين التسليم مع الامام ، فاذا سلم الامام قام كل إنسان من الطائفة الاخيرة فيصلي لنفسه ركعة واحدة فتمت للامام ركعتان ولكل إنسان من القوم ركعتان واحدة في جماعة ، والاخرى وحدانا.

وإذا كان الخوف أشد من ذلك مثل المضاربة والمناوشة والمعانقة ، وتلاحم القتال فان أميرالمؤمنين عليه‌السلام ليلة صفين وهي ليلة الهرير لم يكن صلى بهم الظهر و العصر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة ، إلا بالتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء ، فكانت تلك صلاتهم ، لم يأمرهم باعادة الصلاة.

____________________

(١) تفسير العياشى ج ١ ص ٢٧٢.

١١٥

وإذا كانت المغرب في الخوف فرقهم فرقتين فصلى بفرقة ركعتين ثم جلس ثم أشار إليهم بيده فقام كل إنسان منهم فصلى ركعة ثم سلموا وقاموا مقام أصحابهم وجاءت الطائفة الاخرى فكبروا ودخلوا في الصلاة وقام الامام فصلى بهم ركعة ثم سلم ثم قام كل إنسان منهم فصلى ركعة فشفعها بالتي صلى مع الامام ثم قام فصلى ركعة ليس فيها قراءة ، فتمت للامام ثلاث ركعات وللاولين ثلاث ركعات : ركعتين في جماعة وركعة وحدانا ، للاخرين ثلاث ركعات : ركعة جماعة وركعتين وحدانا ، فصار للاولين افتتاح التكبير وافتتاح الصلاة ، وللاخرين التسليم (١).

بيان : المناوشة في القتال ، وذلك إذا تدانى الفريقان ، وليلة الهرير مشهورة سميت بذلك لكثرة الاصوات فيها.

١٠ ـ العياشى : عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : فات الناس مع أميرالمؤمنين عليه‌السلام يوم صفين صلاة الظهرو العصر والمغرب والعشاء الاخرة ، فأمرهم علي أميرالمؤمنين عليه‌السلام فكبروا وهللوا وسبحوا رجالا وركبانا ، لقول الله ( فان خفتم فرجالا أو ركبانا ) فأمرهم على فصنعوا ذلك (٢).

ومنه : عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له صلاة المواقفة ، فقال : إذا لم تكن انتصفت من عدوك صليت إيماء راجلا كنت أو ركبانا ، فان الله يقول : ( فان خفتم فرجالا أو ركبانا ) (٣) تقول في الركوع : لك ركعت وأنت ربي. وفى السجود : لك سجدت وأنت ربي أينما توجهت بك دابتك ، غير أنك توجه حين تكبر أول تكبيرة (٤).

ومنه : عن أبان بن منصور ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : فات أميرالمؤمنين عليه‌السلام

____________________

(١) تفسير العياشى ج ١ ص ٢٧٢ ٢٧٣.

(٢) تفسير العياشى ج ١ ص ٢٧٣ في حديث.

(٣) البقرة : ٢٣٩.

(٤) تفسير العياشى ج ١ ص ١٢٨.

١١٦

والناس يومابصفين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأمرهم أميرالمؤمنين عليه‌السلام أن يسبحوا ويكبروا ويهللوا ، قال : وقال الله : ( فان خفتم فرجالا أو ركبانا ) فأمرهم علي عليه‌السلام فصنعوا ذلك ركبانا ورجالا (١).

ورواه الحلبي عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : فات الناس الصلاة مع على يوم صفين إلى آخره (٢).

ومنه : عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله تعالى ( فان خفتم فرجالا أو ركبانا ) كيف يفعل وما يقول؟ ومن يخاف سبعا ولصا كيف يصلى؟ قال : يكبر ويؤمي إيماء برأسه (٣).

ومنه : عن عبدالرحمن ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في صلاة الزحف قال تكبير وتهليل ، يقول : الله أكبر ، يقول الله ( فان خفتم فرجالا أو ركبانا ) (٤).

١١ ـ كتاب المسائل : لعلي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يلقاه السبع وقد حضرت الصلاة ، فلا يستطيع المشي مخافة السبع ، وإن قام يصلي خاف في ركوعه أو سجوده ، والسبع أمامه على غير القبلة ، فان توجه الرجل أمام القبلة خاف أن يثب عليه الاسد ، كيف يصنع؟ قال : يستقبل الاسد ويصلي ويومي إيماء برأسه ، وهو قائم وإن كان الاسد على غير القبلة (٥)

بيان : المشهور بين الاصحاب أن خائف السبع والسيل والغرق ، يصلي صلاة الخوف كمية وكيفية ، حتى قال في المعتبر : كل أسباب الخوف يجوز معها القصر ، والانتقال إلى الايماء مع الضيق ، والاقتصار التسبيح إن خشي مع الايماء وإن كان الخوف من لص أو سبع أو غرق ، وعلى ذلك فتوى الاصحاب.

وتردد في ذلك العلامة في المنتهى ، ونقل عن بعض علمائنا قولا بأن التقصير

____________________

(١ ـ ٣) تفسير العياشى ج ١ ص ١٢٨.

(٤) تفسير العياشى ج ١ ص ١٢٩.

(٥) كتاب المسائل البحار ج ١٠ ص ٢٧٩ ، الطبعة الحديثة.

١١٧

في عدد الركعات إنما يكون في صلاة الخوف من العدو خاصة ، ولا يظهر من الروايات إلا القصر في الكيفية على بعض الوجوه ، والمذكور فيها العدو واللص والسبع ، فالحاق غيرها بها يحتاج إلى دليل.

وقال الشهيد الثاني : والحق بذلك الاسير في يد المشركين إذا خاف من إظهار الصلاة ، والمديون المعسر لو عجز عن إقامة البينة بالاعسار ، وخاف الحبس فهرب والمدافع عن ماله لاشتراك الجميع في الخوف انتهى.

وقد يستدل على التعميم بأنه تجب الصلاة على جميع المكلفين لعموم الادلة والصلاة بالايماء والتكبير مع العجز صلاة شرعية في بعض الاحيان ، فحيث تعذر الاول ثبت الثاني ، وإلا يلزم التخصيص فيما دل على وجوب الصلاة على كل مكلف.

والمسألة قوية الاشكال والمشهور في الموتحل والغريق أنهما يصليان بالايماء مع العجز ، ولكن لايقصران ، وذكر الشهيد في الذكرى أنه لوخاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق ، ورجا عند قصرالعدد سلامته وضاق الوقت ، فالظاهر أنه يقصر العدد أيضا واستحسنه الشهيد الثاني ، وتنظر في سقوط القضاء ، وربما يقال جواز الترك للعجز لايوجب جواز القصر من غير دليل ، والله يعلم.

١٢ ـ كتاب صفين : لنصر بن مزاحم ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : خطب أميرالمؤمنين عليه‌السلام في بعض أيام صفين وحض أصحابه على القتال ، وساق الحديث الطويل إلى قوله : فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق ، وما كانت صلاة القوم إلا تكبيرا.

ومنه : عن عبدالعزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال : اقتتل الناس في صفين من لدن اعتدال النهار إلى صلاة المغرب ، ما كان صلاة القوم إلا التكبير عند مواقيت الصلاة.

ومنه : عن نمير بن وعلة عن الشعبي في وصف بعض مواقف صفين إلى أن

١١٨

قال : واقتتل الناس قتالا شديدا بعد المغرب فما صلى كثير من الناس إلا إيماء.

ومنه : عن رجل عن محمد بن عتبة الكندي عن شيخ من حضر موت في وصف بعض مواقف صفين قال : مرت الصلوات كلها ولم يصلوا إلا تكبيرا عند مواقيت الصلواة.

ومنه : عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في وصف ليلة الهرير إلى قوله : وكسفت الشمس وثار القتام ، وضلت الالوية والرايات ومرت مواقيت أربع صلوات لم يسجد لله فيهن إلا تكبيرا.

بيان : القتام بالفتح الغبار ، ولعل الكسوف أيضا كان لشدة ثوران الغبار.

١٣ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يلقاه السبع وقد حضرت الصلاة فلم يستطع المشي مخافة السبع ، قال : يستقبل الاسد ويصلي ويومئ برأسه إيماء ، وهو قائم ، وإن كان الاسد على غير القبلة (١).

١٤ ـ مجمع البيان : قال : يروى أن عليا عليه‌السلام صلى ليلة الهرير خمس صلوات بالايماء ، وقيل بالتكبير ، وإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى يوم الاحزاب إيماء (٢).

١٥ ـ دعائم الاسلام : عن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه سئل عن صلاة الخوف و صلاة السفر أتقصران جميعا؟ قال : نعم ، وصلاة الخوف أحق بالتقصير من صلاة في السفر ليس فيها خوف (٣).

وعنه : عن آبائه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى صلاة الخوف بأصحابه في غزوة

____________________

(١) لم نجده في المصدر المطبوع ، نعم ذكره الصدوق نقلا عن على بن جعفر راجع الفقيه ج ١ ص ٢٩٤.

(٢) مجمع البيان ج ٢ ص ٣٤٤.

(٣) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٩٩ ، وتراه في الفقيه ج ١ ص ٢٩٤ ، وتراه في الفقيه ج ١ ص ٢٩٤ ، التهذيب ج ١ ص ٣٣٨.

١١٩

ذات الرقاع ففرق أصحابه فرقتين أقام فرقة بازاء العدو ، وفرقة خلفه وكبر فكبروا وقرء فأنصتوا وركع فركعوا ، وسجد فسجدوا ، ثم استتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائما وصلى الذين خلفه ركعة اخرى وسلم بعضهم على بعض ثم خرجوا إلى مقام أصحابهم فقاموا بازاء العدو ، وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكبر وكبروا ، وقرأ فأنصتوا ، وركع فركعوا ، وسجد فسجدوا ، وجلس فتشهد فجلسوا ثم سلم فقاموا فصلوا لانفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض (١).

وعنه عليه‌السلام : أنه وصف صلاة الخوف هكذا وقال : إن صلى بهم صلاة المغرب صلى بالطائفة الاولى ركعة ، وبالثانية ركعتين ، حتى يجعل لكل فرقة قراءة (٢).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنه سئل عن الصلاة في شدة الخوف والجلاد حيث لا يمكن الركوع والسجود ، فقال : يؤمئون على دوابهم ، وقوفا على أقدامهم ، و تلا قول الله ( فان خفتم فرجالا أو ركبانا ) فان لم يقدروا على الايماء كبروا مكان كل ركعة تكبيرة (٣).

____________________

(١ ـ ٢) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٩٩.

أقول : ومما يؤكد أن الامام يصلى بالطائفة الاولى ركعة وبالثانية ركعتين أن الفرض من ركعات المغرب هو الاولتان والثالثة سنة في فريضة ، ولو صلى بالطائفة الاولى ركعتين لم يبق للطائفة الاخرى الا ركعة السنة.

بقى ههنا شئ ، وهو أن كيفية صلاة الخوف هذه على ما ظهر من الاية الكريمة في صدر الباب السابق ، انما هى تعبية في قبال العدو ، وحيلة لرفع الخوف من بادرتهم ، لا أن ذلك من عزيمة الاحكام ، فعلى هذا يجوز الصلاة بهذه الكيفية اذا كان الخوف من بادرة السبع أو اللص أو غير ذلك من المخاوف التى يتوجه إلى المصلين بالقوة لا بالفعل كان ذلك في السفر والصلاة ركعتان ، أو في الحضر والصلاة أربع ، وللمسألة فروع أخر غير مشتبهة.

(٣) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٩٩.

١٢٠