بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

١٠

« باب »

* « علة صراخ الديك والدعاء عنده » *

١ ـ العيون : عن محمد بن أحمد الوراق ، عن علي بن محمد بن جعفر ، عن دارم بن قبيصة ، عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن لله ديكا عرفه تحت العرش ، ورجلاه في تخوم الارضين السابعة السفلى ، إذا كان في الثلث الاخير من الليل سبح الله تعالى ذكره بصوت يسمعه كل شئ ما خلا الثقلين الجن والانس ، فتصيح عند ذلك ديكة الدنيا (١).

بيان : الديكه كالقردة جمع الديك بالكسر.

٢ ـ التوحيد للصدوق : عن علي بن عبدالله الاسواري ، عن مكي بن أحمد عن عدي بن أحمد بن عبدالباقي ، عن أحمد بن محمد البراء ، عن عبدالمنعم بن إدريس عن أبيه ، عن وهب ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الله تبارك وتعالى ديكا رجلاه في تخوم الارض السابعة وراسه عند العرش ثاني عنقه تحت العرش ، وهو ملك من ملائكة الله تعالى خلقه الله تعالى ورجلاه في تخوم الارض السابعة السفلى ، مضى مصعدا فيها مد الارضين حتى خرج منها إلى أفق السماء ، ثم مضى فيها مصعدا حتى انتهى قرنه إلى العرش ، وهو يقول : « سبحانك ربي ».

ولذلك الديك جناحان إذا نشرهما جاوز المشرق والمغرب ، فاذا كان في آخر الليل نشر جناحيه وخفق بهما ، وصرخ بالتسبيح وهو يقول : « سبحان الله الملك القدوس الكبير المتعال القدوس لا إله إلا هو الحي القيوم » فاذا فعل ذلك سبحت ديكة الارض كلها ، وخفقت بأجنحتها وأخذت في الصراخ ، فاذا سكن ذلك الديك في السماء سكنت الديكة في الارض.

فإذا كان في بعض السحر نشر جناحيه فجاوز المشرق والمغرب ، وخفق بهما و

____________________

(١) عيون الاخبار ج ٢ ص ٧٢.

١٨١

صرخ بالتسبيح « سبحان الله العظيم ، سبحان الله العزيز القهار ، سبحان ذي العرش المجيد ، سبحان الله ذي العرش الرفيع » فاذا فعل ذلك سبحت ديكة الارض فاذا هاج هاجت الديكة في الارض وتجاوبه بالتسبيح والتقديس لله تعالى.

ولذلك الديك ريش ابيض كأشد بياض رأيته قط ، وله زغب أخضر تحت ريشه الابيض كأشد خضرة رأيتها قط ، فما زلت مشتاقا إلى أن أنظر إلى ريش ذلك الديك (١).

تفسير علي بن ابراهيم : عن أبيه ، عن ابن ابي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن الصادق عليه‌السلام مثله (٢).

بيان : قال الفيروز آبادي : خفق الطائر طار ، وأخفق ضرب بجناحيه ، وقال الزغب محركة صغار الشعر والريش ولينه أو أول ما يبدو منهما.

٣ ـ التوحيد : عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن يحيى ، عن الحسين بن الحسن ابن أبان ، عن محمد بن أورمة ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن أبي الحسن الشعيري. عن سعد بن طريف ، عن الاصبغ بن نباتة قال : جاء ابن الكوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين! والله إن في كتاب الله تعالى لآية قد أفسدت علي قلبي ، وشككتني في ديني ، فقال له علي عليه‌السلام : ثكلتك أمك وعدمتك وما تلك الآية؟ قال : قول الله تعالى « والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه » (٣).

فقال له أمير المؤمنين : يا ابن الكوا إن الله تبارك وتعالى خلق الملائكة في صور شتى : إن لله تعالى ملكا في صورة ديك أبج اشهب ، براثنه في الارضين السابعة السفلى ، وعرفه مثنى تحت العرش ، له جناحان : جناح في المشرق وجناح في المغرب واحد من نار والآخر من ثلج ، فاذا حضر وقت الصلاة قام على براثنه ثم رفع عنقه من تحت العرش ، ثم صفق بجناحيه كماتصفق الديوك في منازلكم فلا الذي من النار

____________________

(١) توحيد الصدوق : ٢٧٩.

(٢) تفسير القمى : ٣٧٤ في حديث المعراج.

(٣) النور : ٤١.

١٨٢

يذنب الثلج ، ولا الذي من الثلج يطفئ النار.

فينادي « اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا سيد النبيين وأن وصيه سيد الوصيين ، وأن الله سبوخ قدوس رب الملائكة والروح » قال : فتخفق الديكة بأجنحتها في منازلكم فتجيبه عن قوله ، وهو قوله عزوجل « والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه » من الديكة في الارض (١).

الاحتجاج : عن ابن نباتة مثله (٢).

تفسير علي بن ابراهيم : عن أبيه رفعه إلى ابن نباته قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن لله ملكا في صورة الديك الاملح الاشهب وذكر نحوه (٣).

بيان : قوله عليه‌السلام : أبج في بعض النسخ بالباء والجيم ، وهو الواسع شق العين ، وفي بعضها بالحاء المهملة وهو غليظ الصوت ، والملحة البياض الذي يخالطه سواد كما في التفسير ، والشهبة في اللون البياض الذي غلب على السواد ، والبراثن من السباع والطير بمنزلة الاصابع من الانسان ، والصفق الضرب الذي يسمع له صوت كالتصفيق.

٤ ـ مشكاة الانوار : من كتاب المحاسن عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن لله ديكا رجلاه في الارض ، ورأسه في السماء تحت العرش وجناح له في المشرق وجناح له في المغرب ، يقول : « سبحان ربي الله القدوس » فاذا صاح أجابته الديوك ، فاذا سمعتم أصواتها فليقل أحدكم : سبحان ربى القدوس (٤).

٥ ـ دعائم الاسلام : عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن لله ملكا في خلق الديك ، براثنه في تخوم الارض ، وجناحاه في الهواء وعنقه مثنية تحت العرش ، فاذامضثى من الليل نصفه ، قال : « سبوح قدوس رب الملائكة والروح ربنا الرحمن لا إله غيره ليقم المتهجدون » فعندها تصرح الديوك ثم يسكت كم شاء الله من الليل ، ثم

____________________

(١) كتاب التوحيد : ٢٨٢.

(٢) الاحتجاج : ١٢١.

(٣) تفسير القمى : ٣٥٩.

(٤) مشكاة الانوار : ٢٦٠٢٥٩.

١٨٣

يقول : « سبوح قدوس ربنا الرحمن لا إله غيره ليقم الذاكرون » ثم يقول بعد طلوع الفجر : « ربنا الرحمن لا إله غيره ليقم الغافلون » (١).

أقول : قد مضت الاخبار في ذلك في كتاب السماء والعالم (٢).

٦ ـ قال الصادق عليه‌السلام : إذا سمعت صراخ الديك فقل : « سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، سبقت رحمتك غضبك لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسى فاغفر لى إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت » (٣).

فقه الرضا : وإذا سمعت صراخ الديك إلى قوله « لا إله إلا أنت » ( ط ).

الكافى : في الحسن كالصحيح عنه عليه‌السلام مثله إلا أن فيه لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك عملت (٥).

بيان : قال في النهاية : في حديث الدعاء « سبوح قدوس » يرويان بالضم والفتح أقيس ، والضم أكثر استعمالا ، وهو من أبنية المبالغة ، والمراد بهما التنزيه ، وقال : القدوس هو الطاهر المتنزه عن العيوب والنقايص ، وفعول بالضم من ابنية المبالغة ، و لم يجئ منه إلا قدوس وسبوح وذروح.

٧ ـ المتهجد (٦) : إذا سمع أصوات الديوك فليقل » سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتك غضبك لا إله إلا أنت عملت سوء وظلمت نفسى فاغفر لى إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يا كريم وتب علي إنك أنت التواب الرحيم الحمد لله الذي أنامنى (٧)

____________________

(١) دعائم الاسلام ج ١ ص ٢١٠ ٢٠٩.

(٢) ترى شطرا منها في ج ٥٩ من طبعتنا هذه باب حقيقة الملائكة وصفاتهم و شؤنهم ، وشطرا منها باب فضل اتخاذ الديك وانواعها ج ١٤ ص ٧٣٣ ط الكمبانى.

(٣) فقيه من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٣٠٥.

(٤) فقه الرضا : ١٣ س ٤.

(٥) الكافى ج ٣ ص ٤٤٥ في حديث ج ٢ ص ٥٣٨.

(٦) مصباح المتهجد : ٨٩٨٨.

(٧) أباتنى خ ل كما في المصدر.

١٨٤

في عروق ساكنة ورد إلي مولاي نفسى بعد موتها ، ولم يمتها في منامها.

الحمد لله الذي يمسك السماء أن تقع على الارض إلا بإذنه [ والحمد لله الذي يمسك السموات والارض أن تزولا ] (١) ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا الحمد لله الذي لم يرني في منامي وقيامي سوء ، والحمد لله الذي يميت الاحياء ويحيى الموتى (٢) وهو على كل شئ قدير الحمد لله الذي يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.

الحمد لله الذي أباتني في عافية ، وصبحني عليها ، ساكنة عروقي ، هادئا قلبي سالما بدني ، سويا خلقي ، حسنة صورتي ، [ و ] لم تصبني قارعة ، ولم ينزل بي بلية ، و لم يهتك لي سترا ، ولم يقطع عني رزقا ، ولم يسلط علي عدوا وقد أحسن بي وأحسن إلي ودفع عني أبواب البلاء كلها ، وعافاني من جملها (٣) لا إله إلا الله الحي القيوم وهو على كل شئ قدير ، وسبحان الله رب النبيين وإله المرسلين ، وسبحان الله رب السموات السبع ومافيهن ، ورب الارضين السبع وما فيهن ورب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين [ وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ] (٤).

أقول : ذكره في المصباح الصغير إلى قوله « إنه كان حليما غفورا » ولعل أكثر هذه الزيادات من أدعية الانتباه اضيفت إلى دعاء سماع الصراخ.

٨ ـ كتاب جعفر بن شريح : عن أحمد بن شعيب ، عن جابر الجعفي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن لله ديكا [ رجلاه ] في الارض ورأسه تحت العرش جناح له في المشرق وجناح له في المغرب ، يقول : « سبحان الله الملك القدوس » فاذا قال ذلك صاحت الديوك وأجابته ، فان سمع صوت الديك فليقل أحدكم : سبحان ربي الملك القدوس.

____________________

(١) ما بين العلامتين لا يوجد في المصدر.

(٢) الاموات خ ل.

(٣) من حملها خ ل.

(٤) مصباح المتهجد ص ٨٨ ٨٩.

١٨٥

١١

* ( باب ) *

« ( آداب القيام إلى صلاة الليل والدعاء عند ذلك ) »

١ ـ كتاب زيد النرسى : عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا نظرت إلى السماء فقل سبحان من جعل في السماء بروجا ، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ، وجعل لنا نجوما وقبلة نهتدي بها إلى التوجه إليه في ظلمات البر والبحر ، اللهم كما هديتنا إلى التوجه إليك وإلى قبلتك المنصوبة لخلقك ، فاهدنا إلى نجومك التي جعلتها أمانا لاهل الارض ولاهل السماء ، حتى نتوجه بهم إليك فلا يتوجه المتوجهون إليك إلا بهم ، ولا يسلك الطريق إليك من سلك من غيرهم ، ولا لزم المحجة من لم يلزمهم.

استمسكت بعروة الله الوثقى ، واعتصمت بحمل الله المتين ، وأعوذ بالله من شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الارض ومن شرح ما خرج منها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اللهم رب السقف المرفوع ، والبحر المكفوف ، والفلك المسجور ، والنجوم المسخرات ، ورب هود براسنه (١) صل على محمد وآل محمد ، وعافني من كل حية وعقرب ومن جميع هوام الارض والهواء ، والسباع مما في البر والبحر ، ومن أهل الارض و. سكان الارض والهواء ، قال قلت : « وما هود براسنه » قال : كوكبة في السماء خفية تحت الوسطى من الثلاث الكواكب التي في بنات النعش المتفرقات ، ذلك أمان مما قلت

٢ ـ المحاسن : [ عن يحيى بن إبراهيم بن ابي البلاد ] (٢) عن أبيه ، عن إسحاق

____________________

(١) وفي البحار ج ٥٨ ص ٩٧ من هذه الطبعة « هورايسيه ».

(٢) هذا هو الصحيح كما في المصدر ونقله المؤلف العلامة في ج ٧٦ ص ١٣١ ، ونسخة الكمبانى خالية عنه.

١٨٦

ابن عمار قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن لاحب إذا قام بالليل أن يستاك وأن يشم الطيب ، فان الملك يأتي الرجل إذا قام بالليل حتى يضع فاه على فيه ، فما خرج من القرآن من شئ دخل جوف ذلك الملك (١).

٣ ـ الكافى (٢) والفقيه في القوى ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا قام أحدكم من الليل فليقل « سبحان الله رب النبيين ، وإله المرسلين ، ورب المستضعفين ، والحمد لله الذي يحيى الموتى وهو على كل شئ قدير » فانه إذا قال ذلك يقول الله تبارك و تعالى صدق عبدي وشكر (٣).

بيان : المراد بالمستضعفين الائمة عليهم‌السلام لقوله سبحانه فيهم « ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الارض » (٤) ويحتمل كل من ظلم وغصب والاول أظهر.

٤ ـ التهذيب : في الموثق عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ابدء في صلاة الليل بالآيات تقرء « إن في خلق السموات والارض » إلى قوله إنك لا تخلف الميعاد.

٥ ـ الكافى والتهذيب : في الحسن كالصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إذا قمت بالليل من منامك فانظر في آفاق السماء فقل : « اللهم إنه لا يواري منك ليل داج ، ولا سماء ذات أبراج ، ولا ارض ذات مهاد ، ولا ظلمات بعضها فوق بعض ، ولا بحر لجي تدلج بين يدي المدلج من خلقك ، تعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور ، غارت النجوم ونامت العيون ، وأنت الحي القيوم لا تأخذك سنة ولا نوم ، سبحان الله رب العالمين وإله المرسلين ، والحمد لله رب العالمين (٥).

ثم اقرء الخمس الآيات من آخر آل عمران : « إن في خلق السموات والارض

____________________

(١) المحاسن ص ٥٥٩.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٥٣٨.

(٣) الفقيه ج ١ ص ٣٠٤.

(٤) القصص : ٥ و ٦.

(٥) الكافى ج ٢ ص ٥٣٨.

١٨٧

واختلاف الليل والنهار لآيات لاولى الالباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار * ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار * ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار * ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ».

ثم استك وتوضأ فاذا وضعت يدك في الماء فقل : « بسم الله وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين » فاذا فرغت فقل : « الحمد لله رب العالمين ».

فاذا قمت إلى صلاتك فقل : « بسم الله وبالله وإلى الله [ ومن الله ] ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم اجعلني من زوارك وعمار مساجدك ، وافتح لي باب توبتك ، وأغلق عني باب معصيتك ، وكل معصية ، والحمد لله الذي جعلني ممن يناجيه ، اللهم أقبل علي بوجهك جل ثناؤك » ثم افتتح الصلاة بالتكبير (١).

بيان : ليل داج بالتخفيف ، من دجى الليل دجوا إذا اظلم وتمت ظلمته ، و ربما يقرء بالتشديد قال في القاموس دج : أرخى الستر والدجج بضمتين شدة الظلمة كالدجة ، وليلة ديجوج ودجداجة انتهى ، والاول اظهر ، وفي بعض النسخ ساج بالتخفيف من قوله تعالى « والليل إذا سجى » (٢) أي ركد واستقر ظلامه وقد بلغ غايته وربما يقرء بالتشديد من السج بمعنى التغطية (٣) والاول أنسب.

والابراج جمع برج بالتحريك الكواكب النيرة الحسنة المنظر ، قال في القاموس : البرج محركة الجميل الحسن الوجه ، أو المضئ البين المعلوم ، والجمع ابراج انتهى ، وربما يتوهم أنه جمع البرج بالضم وهو بعيد إذ هو إنما يجمع على بروج في الغالب ، وقد قيل إنه يجمع على أبراج أيضا قال في مصباح اللغة برج الحمام

____________________

(١) التهذيب ج ٢ ص ١٢٢ ط نجف ، الكافى ج ٣ ص ٤٤٥ ، وتراه في الفقيه ج ١ ص ٣٠٤.

(٢) الضحى : ٢.

(٣) فيه سهو واضح.

١٨٨

مأواه ، والبرج في السماء قيل منزل القمر ، وقيل الكوكب العظيم ، وقيل : باب السماء والجمع فيهما بروج وأبراج.

« ذات مهاد » اي أمكنة مستوية ممهدة للقرار ، قال الفيروز آبادي : المهاد الموضع يهيوء للصبي ويوطأ والارض والفراش « وألم نجعل الارض مهادا » (١) أي بساطا ممكنا للسلوك فيه ، « ولبئس المهاد » (٢) أي ما مهد لنفسه في معاده انتهى ويحتمل أن يكون المراد صاحبة هذا الاسم أوهذه الصفة والحالة ، فيكون شبيها بالتجريد ، وقال الفيروز آبادي : لجة البحر معظمه ، ومنه « بحر لجي » (٣).

« تدلج بين يدي المدلج من خلقك » قال في القاموس : الدلج محركة والدلجة بالضم والفتح السير من أول الليل ، وقد أدلجوا ، فان ساروا في آخر الليل فادلجوا بالتشديد انتهى.

وأقول : المضبوط في الدعاء التخفيف ، والتشديد أنسب ، والكفعمي عكس في البلد الامين (٤) ونسب التخفيف إلى آخر الليل ، ولعله سهو.

وقال الشيخ البهائي : ربما يطلق الادلاج على العبادة في الليل مجازا ، لان العبادة سير إلى الله تعالى ، وقد فسر بذلك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل والمعنى هنا أن رحمتك وتوفيقك وإعانتك لمن توجه إليك وعبدك صادرة عنك قبل توجهه وعبادته لك ، إذ لولا رحمتك وتوفيقك وإعانتك لمن توجه إليك ، و إيقاعك ذلك في قلبه ، لم يخطر ذلك بباله ، فكأنك سرت إليه قبل أن يسرى هو

____________________

(١) النبأ : ٦.

(٢) البقرة : ٢٠٦.

(٣) النور : ٤٠.

(٤) البلد الامين ص ٣٥ في الهامش نقلا عن صحاح الجوهرى ، لكنه سها وعكس الامر ، قال الجوهري : أدلج القوم : اذا ساروا من أول الليل ، والاسم الدلج بالتحريك ، والدلجة والدلجة أيضا مثل برهة من الدهر وبرهة ، فان ساروا من آخر الليل فقد ادلجوا بتشديد الدال والاسم الدلجة والدلجة.

١٨٩

إليك انتهى.

ويحتمل أن يكون المعنى أن الطافك ورحماتك تزيد على عبادته كما ورد في الحديث القدسي من تقرب إلي شبرا تقرربت إليه ذراعا ، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا.

« خائنة الاعين » اي النظرة الخائنة الصادرة عن الاعين ، أو الخائنة مصدر كالعافية أي خيانة الاعين.

وقال الوالد ره في أكثر نسخ التهذيب : « يدلج » بالياء فيحتمل أن يكون صفة للبحر إذالسائر في البحر يظن أن البحر متوجه إليه ويتحرك نحوه ، ويمكن أن يكون التفاتا فيرجع إلى المعنى الاول انتهى. « غارت النجوم » أي تسفلت و أخذت في الهبوط والانخفاض ، بعد ما كانت آخذة في الصعود والارتفاع ، واللام للعهد ويجو أن يكون بمعنى غابت بأن يكون المراد بها النجوم التي كانت في أول الليل في وسط السماء « والسنة » بالكسر مبادي النوم.

« لايات » اي علامات عظيمة أو كثيرة دالة على كمال القدرة « لاولي الالباب » اي لذوي العقول الكاملة ، وسمى العقل لبا لانه أنفس ما في الانسان فما عداه كأنه قشر « ربنا ما خلقت هذا باطلا » (١) أي قائلين حال تفكرهم في تلك المخلوقات العجيبة

____________________

(١) انما تفرع قوله « فقنا عذاب النار » على قوله « ربنا ما خلقت هذا باطلا » لان هناك مقالتين : مقالة المبطلين النافين للمعاد بالرجوع إلى الله ، فعندهم لا كتاب ولا رسالة ولا حشر ولا جنة ولا نار ، ومقالة المحقين القائلين بالمعاد وهو مقالة النبيين واممهم فعندهم أن الكتاب حق والنبوة حق والمعاد حق والجنة حق والنار حق وأن الله يبعث من في القبور.

فاذا تفكر المتفكر في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار ، وعرف بلبه أن لها غاية ونهاية أراد مبدعها وخالقها أن ينتهى أمر الخلقة إلى تلك الغاية والمقصد ، ادى نظره واعتباره إلى بطلان مزعمة المبطلين وتحقيق عقائد المحقين من وجود الجنة والنار ، فبادر إلى الاستعاذة بالله من النار بأن يقيه من عذابه.

بيان ذلك : أن الباطل خلاف الحق هو ما لاثبات لنفسه ، ولا أثر يترتب

١٩٠

الشأن ربنا ما خلقت هذا عبثا « سبحانك » اي ننزهك من فعل العبث تنزيها.

« فقنا عذاب النار » ولما كان خلق هذه الاشياء لحكم ومصالح ، منها أن يكون سببا لمعاش الانسان ودليلا يدله على معرفة الصانع ، ويحثه على طاعته ، والقيام

____________________

عليه ، ولا فائدة تستعقبه ، ولا يتصور له غاية تراد منه ، بل يوجد بحقيقة صورية يشبه الحق ثم يضمحل ويهلك كأن لم يكن شيئا مذكورا.

وهذا كاللهو واللعب : يلهو الصبى ويلعب لاجل اللهو واللعب ويعمل عملا كأعمال العقلاء يتشبه بهم من دون عائدة يستحصلها ولا غاية ينتهى اليها ، كما قد يلهو الرجل العاقل ويلعب عبثا من دون أن يقصد بعمله فائدة ، دفعا للوقت أو تصابيا وتفننا والجنون فنون.

هذا هو الباطل ، وأما خلق السموات والارض بما فيها من العظمة والبهاء ، بما فيها من النظام الدائم الجارى ، بما فيها من أنواع الحيوان وأصناف البشر ، بما قدر فيها من الارزاق والاقوات ، بما جعل فيها من تعاقب الليل والنهار وما في تعاقبهما واختلافهما من مصالح الحياة واستدامتها على وجه الارض لا يشبه اللهو الباطل ، فسبحان باريها ومبدعها أن يكون لاهيا في ذلك لاعبا ، أو يترك الانسان على أرجائها سدى يرتع ويلعب من دون أن يبين لهم ما يتقون.

فاذا عرف الناظر ذواللب أن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار غاية أرادها مبدعها ، وأن تلك الغاية ايا ما كان لم تستكمل بعد ، والا لما استدام خالقها على ابقائها ، علم بذلك أن لا بد للسموات والارض وبقائهما من أجل مسمى يستكمل عنده الغاية وان لم يعرف حقيقة تلك الغاية بنفسه ، ولادرى كيف يأتى أجلها ولا أيان مرساها.

فعند ذلك ينجذب هذا الناظر المتفكر إلى مبادئ الوحى والالهام ، ويصغى بسمع قلبه إلى دعوى النبيين عن الله عزوجل ليعرف من مقالهم ومقال كتب الله المنزلة عليهم حقيقة تلك الغاية ، والغرض من خلق الحياة والموت ، فيصرخ الصارخ في صماخه أن اليوم المضمار وغدا السباق ، والسبق الجنة ، والغاية النار ، هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور.

١٩١

بوظائف عباداته ، لينال الفوز الابدي ، والانسان مخل في الاغلب بذلك ، حسن التفريع على الكلام السابق ، كذا ذكره الشيخ البهائي ره « فقد أخزيته » قال بعض المفسرين فيه إشعار بأن العذاب الروحاني أشد من العذاب الجسماني إذ الخزي فضيحة وحقارة نفسانية ، والمنادي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وقيل القرآن ، وحملوا الذنوب على الكبائر والسيئات على الصغائر اي اجعلها مكفرة عنا بتوفيقنا لاجتناب الكبائر « وتوفنا مع الابرار » أي في زمرتهم.

« على رسلك » اي على تصديقهم أوعلى السنتهم.

« وكل معصية » إما تأكيد للسابق أو المراد بها معصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام والوالدين وأمثالهما ، وإن كانت ترجع إلى معصيته تعالى.

٦ ـ الفقيه (١) والكافى : في الحسن كالصحيح عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : كان إذا قام آخر الليل رفع صوته حتى يسمع أهل الدار ، يقول : « اللهم أعنى على هول المطلع ، ووسع علي المضجع ، وارزقني خير ما قبل الموت ، وارزقني خير ما بعد

____________________

وفي ذلك قال الله عزوجل : اولم يتفكروا في انفسهم ما خلق الله السموات والارض و ما بينهما الا بالحق واجل مسمى وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ( الروم : ٨ ) ماخلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين لو اردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا ان كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ( الانبياء : ١٨١٦ ).

وقال عزوجل : ان هؤلاء ليقولون : ان هي الا موتتنا الاولى وما نحن بمنشيرين فأتوا بآبائنا ان كنتم صادقين. وما خلقنا السموات والارض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما الا بالحق ولكن اكثرهم لا يعلمون ان يوم الفصل ميقاتهم اجمعين. ( الدخان : ٣٤ ٤٠ ).

وقال تبارك وتعالى : ما خلقنا السموات والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروامن النار ، أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الالباب ( ص : ٢٩٢٧ ).

(١) الفقيه ج ١ ص ٣٠٤.

١٩٢

الموت » (١).

توضيح : قال الكفعمي : (٢) المطلع الماتى ، ومطلع الامر اي مأتاه ، يقال مطلع هذا الجبل من مكانكذا اي مأتاه ومصعده وهو موضع الاطلاع من إشراف إلى انحدار ، فشبه عليه‌السلام ما اشرف عليه من أمر الآخرة بذلك ، ومنه الحديث « لو أن لي ما في الارض جميعا لافتديت به من هول المطلع » من غريبين الهروي [ وصحاح الجوهري ].

وقال : رأيت بخط الشيخ قدس سره أن هول المطلع هوالاطلاع إلى الملائكة الذين يقبضون الارواح ، والمطلع مصدر.

٧ ـ فقه الرضا : قال عليه‌السلام : إذا قمت من فراشك فانظر في أفق السماء وقل :  « الحمد لله الذي أحيانا بعد مماتنا وإليه النشور لاعبده وأحمده وأشكره » وتقرء آخر آل عمران من قوله « إن في خلق السموات والارض » إلى قوله « إنك لا تخلف الميعاد » وقل : « اللهم أنت الحي القيوم ، لا تأخذك سنة ولا نوم ، سبحانك سبحانك » (٣).

٨ ـ الفقيه : عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك إن أنا قمت من آخر الليل اي شئ أقول؟ فقال : قل : « الحمد لله رب العالمين وإله المرسلين ، والحمد لله الذي يحيي الموتى ويبعث من في القبور » فانك إذا قلتها ذهب عنك رجز الشيطان ووسواسه إن شاء الله تعالى (٤).

٩ ـ العلل : عن جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبدالله بن المغيرة ، عن جده الحسن ، عن العباس بن عامر ، عن جابر ، عن أبي عبيدة مثله (٥).

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٥٣٨.

(٢) راجع البلد الامين ص ٣٦ في الهامش.

(٣) فقه الرضا ص ١٣ س ٢.

(٤) الفقيه ج ١ ص ٣٠٥ ذيل حديث.

(٥) علل الشرايع ج ٢ ص ٥٤.

١٩٣

١٢

« باب »

* « ( كيفية صلاة الليل والشفع والوتر ) » *

* « ( وسننها وآدابها وأحكامها ) » *

١ ـ مجالس الصدوق وثواب الاعمال : عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد الاشعري ، عن محمد بن حسان ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن ابن علي البطائني ، عن الحسين بن ابي العلا ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : من أوتر بالمعوذتين وقل هو الله أحد ، قيل له : يا عبدالله أبشر فقد قبل الله وترك (١).

بيان : الظاهر أن المراد بالوتر الركعات الثلاث ، كما هو ظاهر أكثر الاخبار فالمراد إما قراءة المعوذتين في الشفع والتوحيد في مفردة الوتر ، أو قراءة الثلاث في كل من الثلاث والاول اظهر.

٢ ـ مجالس الصدوق : عن جعفر بن محمد المكي ، عن عبدالله بن إسحاق المدائني ، عن محمد بن زياد ، عن المغيرة ، عن سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير قال : كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرضوان ، فقال أبوالدرداء (٢) : يا قوم الا أخبركم بأقل القوم مالا

____________________

(١) امالى الصدوق : ٣٧ ، ثواب الاعمال : ١١٦.

(٢) هو عويمر بن عامر ويقال عويمر بن قيس بن زيد وقيل عويمر بن ثعلبة بن عامر ابن زيد بن قيس بن أمية بن مالك بن عامر بن عدى بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج أبوالدرداء الانصارى الخزرجي كان من أفاضل الصحابة وفقهائهم وحكمائهم ، تولى قضاء دمشق في خلافة عثمان وتوفى قبل أن يقتل عثمان بسنتين سنة ٢ / ٣٣ بدمشق ، وقيل توفى بعد صفين سنة ٩ / ٣٨ والاصح الاشهر والاكثر عند أهل العلم أنه توفى في خلافة عثمان

١٩٤

وأكثرهم ورعا ، وأشدهم اجتهادا في العبادة؟ قالوا : من؟ قال : علي بن ابي طالب عليه‌السلام قال : فوالله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه ، ثم انتدب له رجل من الانصار فقال له : يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها فقال أبوالدرداء : يا قوم إني قائل ما رأيت ، وليقل كل قوم منكم ما رأوا شهدت علي ابن ابي طالب بشويحطات النجار ، وقد اعتزل من مواليه ، واختفى ممن يليه ، واستتر بمغيلات النخل ، فافتقدته وبعد علي مكانه ، فقلت : لحق بمنزله فاذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي ، وهو يقول :

« إلهي كم من موبقة حملت عني مقابلتها بنعمتك ، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك ، إلهي إن طال في عصيانك عمري ، وعظم في الصحف ذنبي ، فما أنا أؤمل غير غفرانك ، ولا أنا براج غير رضوانك ».

فشغلني الصوت واقتفيت الاثر فاذا هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام بعينه ، فاستترت له وأخملت الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثم فرغ إلى الدعاء والبكاء

____________________

ولو بقى لكان له ذكر بعد قتل عثمان اما في الاعتزال واما في مباشرة القتال ولم يسمع له بذكر فيهما البتة والله أعلم ، قاله ابن الاثير.

واما عروة بن الزبير فهو عروة بن الزبير بن العوام أبوعبدالله القرشى الاسدى كان من التابعين روى عن أبيه وأمه أسماء وعائشة وغيرهم من كبار الصحابة ، وروى عنه ابنه هشام كما ذكر في هذا الحديث والزهرى شهاب بن مسلم وغيرهما ، وقد ولد سنة اثنتين وعشرين ٢٢ من الهجرة ، وعلى هذا ففى لقائه واجتماعه بأبى الدرداء في مسجد رسول الله تأمل واضح حيث كان لعروة في آخر أيام أبي الدرداء احدى عشر سنة ، ولا يناسب سنه هذا قوله  « كنا جلوسا في مسجد رسول الله فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرضوان ».

على أن الظاهر من الحديث أن الجلسة هذه كانت بعد شهادة علي بن ابي طالب عليه‌السلام فذكر أبوالدرداء ما رآه منه عليه‌السلام تفضيلا له على غيره ، وقد سمعت أن أبا الدرداء مات قبل شهادة أمير المؤمنين بسنوات كثيرة ، ولا أقل أنه مات بعد صفين سنة ٩ / ٣٨ وعلى بن أبي طالب حى لم يستشهد بعد.

١٩٥

والبث والشكوى ، فكان مما به الله ناجا أن قال :

« إلهى أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي ».

ثم قال : « آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أناناسيها ، وأنت محصيها ، فتقول خذوه ، فياله من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ، ولا تنفعه قبيلته ، يرحمه الملا إذا أذن فيه بالنداء » ثم قال : « آه من نار تنضج الاكباد والكلى ، آه من نار نزاعة للشوى آه من غمرة من ملهبات لظى » قال : ثم أنعم في البكاء فلم اسمع له حسا ولا حركة فقلت غلب عليه النوم لطول السهر أوقظه لصلاة الفجر.

قال أبوالدرداء : فأتيته فاذا هو كالخشبة الملقاة فحركته فلم يتحرك ، وزويته فلم ينزو فقلت : إنالله وإنا إليه راجعون ، مات والله علي بن ابي طالب.

قال : فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم فقالت فاطمة عليها‌السلام : يا ابا الدرداء ماكان من شأنه ومن قضيته؟ فأخبرتها الخبر ، فقالت هي : والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله ، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه ، فأفاق ونظر إلي وأنا أبكي ، فقال : مما بكاؤك يا أبا الدرداء؟ فقلت : مما اراه تنزله بنفسك ، فقال : يا أبا الدرداء فكيف ولو رأيتني ودعي بي إلى الحساب ، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب واحتوشتنى ملائكة غلاظ ، وزبانية فظاظ ، فوقفت بين يدي الملك الجبار ، قد أسلمني الاحباء ، ورحمني أهل الدنيا ، لكنت اشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية ، فقال أبوالدرداء : فوالله ما رأيت ذلك لاحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

بيان : قد مر شرح الخبر في المجلد التاسع (٢) قوله عليه‌السلام : « فكم من موبقه » أي خطيئة مهلكة للدين هادمة له « حملت عني مقابلتها » في بعض النسخ القديمة  « حلمت عني مقابلتها بنقمتك » فيمكن أن يقرأ بصيغة الخطاب ، و « مقابلتها » بالنصب

____________________

(١) أمالى الصدوق ص ٤٨ و ٤٩.

(٢) راجع ج ٤١ ص ١١ و ١٢ من هذه الطبعة.

١٩٦

بنزع الخافض أو بصيغة الغيبة ، ومقابلتها بالرفع والنسخة الاولى اظهر « تنضج » على وزن تكرم و « الكلى » بالضم جمع كلية وكلوة ، والنزع القلع ، والشوى الاطراف أو جمع شواة جلدة الرأس ، قال الجوهري : الشوى جمع شواة وهي جلدة الرأس ، و الشوى اليدان والرجلان والرأس من الآدميين ، وكل ما ليس مقتلا انتهى ، وما ذكره الشيخ البهائي رحمة الله عليه أنه جمع شواة بالضم فلعله وهم إذ لم تر في اللغة إلا بالفتح.

« من غمرة » الغمرة ما يغمر الشئ اي يشتمل عليه ويستره ، وملهبات على بناء المفعول ، وفي بعض النسخ لهبات بالتحريك ، قال في القاموس : اللهب واللهب اشتعال النار إذا خلص من الدخن ولهبها لسانها ، ولهيبها حرها ، ألهبها فالتهبت ، و لظى اسم من أسماء النار نعوذ بالله منها.

٣ ـ المجالس : عن أبيه ، عن الحسن بن أحمد المالكي عن المنصور بن العباس ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من قرء في الركعتين الاوليين من صلاة الليل ستين مرة قل هو الله أحد في كل ركعة ثلاثين مرة ، انفتل وليس بينه وبين الله عزوجل ذنب (١).

٤ ـ قرب الاسناد : عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : كان أبي يصلي في جوف الليل فيسجد السجدة فيطيل حتى نقول إنه راقد ، فما نفجأ منه إلا وهو يقول : « لا إله إلا الله حقا حقا ، سجدت لك يارب تعبدا ورقا ، وإيمانا وتصديقا وإخلاصا يا عظيم ياعظيم إن عملي ضعيف فضاعفه فانك جواد كريم ، يا حنان اغفر لي ذنوبي وجرمي ، وتقبل عملي يا حنان يا كريم ، اللهم إني أعوذ بك أن أخيب أو أعمل ظلما » (٢).

بيان : « حقا » مصدر مؤكد لمضمون الجملة و « تعبدا » مفعول له ، وكذا أخواتها.

____________________

(١) أمالى الصدوق : ٣٤٤.

(٢) قرب الاسناد ص ٤.

١٩٧

٥ ـ قرب الاسناد : عن محمد بن الحسين ، عن إبراهيم بن أبي البلاد قال : صلى أبوالحسن الاول صلاة الليل في المسجد الحرام وأنا خلفه فصلى الثمان وأوتر ، وصلى الركعتين ثم جعل مكان الضجعة سجدة (١).

٦ ـ مجالس الصدوق : عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن حماد عن حريز ، عن زرارة قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : القنوت في الوتر كقنوتك يوم الجمعة تقول في دعاء القنوت « اللهم تم نورك فهديت ، فلك الحمد ربنا ، وبسطت يدك فأعطيت فلك الحمد ربنا ، وعظم حلمك فعفوت فلك الحمد ربنا ، وجهك أكرم الوجوه ، وجهتك خير الجهات ، وعطيتك أفضل العطيات ، وأهناها ، تطاع ربنا فتشكر ، و تعصى ربنا فتغفر لمن شئت ، تجيب المضطر ، وتكشف الضر ، وتشفى السقيم ، وتنجي من الكرب العظيم ، لا يجزي بآلائك أحد ولا يحصي نعماءك قول قائل.

اللهم إليك رفعت الابصار ، ونقلت الاقدام ، ومدت الاعناق ، ورفعت الايدي ودعيت بالالسن ، وتحوكم إليك في الاعمال ، ربنا اغفر لنا وارحمنا ، وافتح بيننا وبين خلقك بالحق وأنت خير الفاتحين.

اللهم إليك نشكو غيبة نبينا ، وشدة الزمان علينا ووقوع الفتن بنا وتظاهر الاعداء وكثرة عدونا ، وقلة عددنا ، ففرج ذلك يا رب بفتح منك تعجله ، ونصر منك تعزه ، وإما عدل تظهره ، إله الحق رب العالمين ».

ثم تقول في قنوت الوتر بعد هذا الدعاء : أستغفر الله وأتوب إليه سبعين مرة وتعوذ بالله من النار كثيرا ، وتقول في دبر الوتر بعد التسليم « سبحان ربي الملك القدوس العزيز الحكيم » ثلاث مرات « الحمد لرب الصباح ، الحمد لفالق الاصباح » ثلاث مرات (٢).

مجالس ابن الشيخ : عن أبيه ، عن الحسين بن عبيدالله الغضائري ، عن

____________________

(١) قرب الاسناد : ١٢٨ ط حجر ص ١٧٣ ط نجف.

(٢) أمالى الصدوق : ٢٣٥.

١٩٨

الصدوق مثله (١).

بيان : « تم نورك فهديت » قال الوالد قدس سره اي لما كانت كمالاتك تامة هديت عبادك كما قال سبحانه : « كنت كنزا مخفيا فأحببت أنأعرف فخلقت الخلق لكى أعرف » « وبسطت » اي لما كنت كريما جوادا فياضا بالذات أعطيت كلا من المخلوقين ما كان قابلا له « وجهك » اي ذاتك « أكرم الوجوه » وأحسنها وأكثرها جودا وإحسانا « وجهتك » اي جانبك الذي يتوجه اليك بالعبادة والتوسل بالدعاء « لا يجزي بآلائك » أي لا يقدر أحد على جزاء نعمائك ، في القاموس الجزاء المكافات على الشئ جزاه به وعليه انتهى ، ويحتمل أن يكون المعنى أن جزاء نعمائك لا يكون إلا بنعمائك فكيف تكون نعمتك جزاء لنعمتك ، بل تكون علاوة لها.

« وتحوكم إليك » في الفقيه (٢) « وإليك سرهم ونجواهم في الاعمال » وفيه  « اللهم إنانشكو إليك غيبة ولينا عنا » وفي بعض النسخ « وفقد نبينا وغيبة ولينا عنا » وفي بعض الروايات « بامام عدل » قوله « تعزه » الضمير راجع إلى النصر والاسناد مجازي أو المراد تعز به على الحذف والايصال « تظهره » أي تبينه أو تغلبه.

٧ ـ العلل : عن علي بن عبدالله الوراق وعلي بن محمد بن الحسن ، عن سعد ابن عبدالله ، عن محمد بن الحكم ، عن بشر بن غياث ، عن أبي يوسف ، عن ابن أبي ليلى ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : صلاة الليل مثنى مثنى ، فاذا خفت الصبح فأوتر بواحدة إن الله يحب الوتر لانه واحد (٣).

بيان : هذا الخبر من أخبار العامة ورواته من المخالفين ، والغرض أنه يحب

____________________

(١) أمالى الطوسى ج ٢ ص ٤٨٤٧.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٣٠٩ ط نجف.

(٣) علل الشرايع ج ٢ ص ١٥٣ ، والعبرة بمجموع ركعات الصلاة مفروضها ونوافلها فمجموع الفرائض سبع عشرة ركعة ومجموع النوافل سبعة وعشرون ركعة كما عرفت من رواية زرارة ، ومجموع النوافل والفرائض أيضا وتر مع احتساب الوتيرة ركعة واحدة ، وهي الاحدى والخمسون على رأى الجمهور.

١٩٩

أن لا تكون صلاة الليل إلا ركعتين إلا الوتر فانها واحدة ، وليست الوتر ثلاثا بتسليمة ، كما قاله بعض العامة ، ولا الركعات قبله أربعا وأكثر بتسليمة ، كما ذكروه قال في النهاية فيه أن الله وتر يحب الوتر ، فأوتروا ، الوتر الفرد بكسر الواو وفتحه فالله واحد في ذاته لا يقبل الانقسام والتجزية ، واحد في صفاته لا شبه له ولا مثل ، واحد في أفعاله فلا شريك له ولا معين ، ويحب الوتر اي يثيب عليه ويقبله من فاعله وقوله : « أوتروا » أمر بصلاة الوتر ، وهي أن يصلي مثنى مثنى ثم يصلي في آخرها ركعة مفردة (١).

٨ ـ المناقب : لابن شهر آشوب : عن طاوس قال : رأيت علي بن الحسين عليه‌السلام يطوف من العشاء إلى السحر ويتعبد فلما لم ير أحدا رمق السماء بطرفه ، وقال إلهي غارت سمواتك ، وهجعت عيون أنامك ، وأبوابك مفتحات للسائلين ، جئتك لتغفر لي وترحمني ، وتريني وجه جدي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في عرصات القيامة.

ثم بكى وقال : وعزتك وجلالك ما اردت بمعصيتي مخالفتك ، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاك ، ولا بنكالك جاهل ، ولا لعقوبتك متعرض ، ولكن سولت لي نفسي ، وأعانني على ذلك سترك المرخى به علي ، فأنا الآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني؟ فواسوأتاه غدا من الوقوف بين يديك إذا قيل للمخفين جوزوا ، وللمثقلين حطوا ، أمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط؟ ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ، ولم أتب أما آن لي ان استحيي من ربي؟

ثم بكى وأنشأ يقول :

أتحرقني بالنار يا غاية المنى

فأين رجائي؟ ثم أين محبتي

أتيت بأعمال قباح زرية (٢)

وما في الورى خلق جناك جنايتي

 ثم بكا وقال : « سبحانك تعصى كأنك لا ترى ، وتحلم كأنك لم تعص ، تتودد

____________________

(١) زاد في النهاية : أو يضيفها إلى ما قبلها.

(٢) ردية خ ل كما هو في المصدر.

٢٠٠