زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

السيد محمد كاظم القزويني

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

المؤلف:

السيد محمد كاظم القزويني


المحقق: السيد مصطفى القزويني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الغدير
الطبعة: ١
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: ٦٩٤

وإن سالت عن زين العابدين فها هو عليل نحيل .. لا يطيق النهوض من كثرة المرض والأسقام ، وإن سألتِ عن زينب فأنا زينب بنت علي!! وهذه أمّ كلثوم ، وهؤلاء بقية مخدّرات فاطمة الزهراء!!!

فلمّا سمعت هند كلام السيدة زينب رقّت وبكت ونادت : واإماماه! واسيداه! واحسيناه! ليتني كنتُ قبل هذا اليوم عمياء ولا أنظر بنات فاطمة الزهراء على هذه الحالة ، ثم تناولت حجراً وضرب به رأسها!! فسال الدم على وجهها ومقنعتها ، وغشي عليها.

فلمّا أفاقت من غشيتها أتت إليها السيدة زينب وقالت لها : يا هند قومي واذهبي إلى دارك ، لأنّي أخشى عليك من بعلكِ يزيد.

فقالت هند : والله لا أذهب حتى أنوح على سيّدي ومولاي أبي عبد الله ، وحتى أُدخِلكِ وسائر النساء الهاشميّات .. معي إلى داري!!

فقامت هند وحَسَرت رأسها وخرجت حافية إلى يزيد وهو في مجلس عام ، وقالت : يا يزيد! أنت أمرتَ رأس الحسين يُشال على الرمح عند باب الدار؟

أرأسُ ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء داري؟!

٥٠١

وكان يزيد في ذلك الوقت جالساً وعلى رأسه تاج مكلّل بالدر والياقوت والجواهر النفيسة!

فلمّا رأى زوجته على تلك الحالة وَثَب إليها وغطّاها وقال : نعم فاعوِلي يا هند وابكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ، فقد عجّل عليه ابن زياد ( لعنه الله ) فقتله .. قتله الله!!!

فلمّا رأت هند أنّ يزيد غطّاها قالت له : ويلك يا يزيد! أخَذَتك الحميّة عليّ ، فلِم لا أخذتك الحميّة على بنات فاطمة الزهراء؟! هتكتَ ستورهنّ وأبديتَ وجوههنّ وأنزلتهنّ في دارٍ خرِبة!! والله لا أدخل حرَمَك حتى أُدخلهنّ معي.

فأمر يزيد بهنّ إلى منزله وأنزلهم في داره الخاصّة ، فلمّا دخلت نساء أهل البيت عليهم‌السلام في دار يزيد ، إستقبلتهنّ نساء آل أبي سفيان ، وتهافتنَ يُقبّلن أيدي بنات رسول الله وأرجلهن ، ونُحنَ وبكين على الحسين ، ونزعن ما عليهنّ من الحُلي والزينة ، وأقمن المأتم والعزاء ثلاثة أيام ... (١)

__________________

١ ـ المصدر : « معالي السبطين » ج ٢ ، ص ١٦٤ ، الفصل الرابع عشر ، المجلس السادس عشر ، وتاريخ الطبري ج ٥ ، ص ٤٦٥ ، وكتاب « الإيقاد » ، ص ١٨٠ وبعض المصادر الأخرى.

المحقق

٥٠٢

آل رسول الله يقيمون المآتم

على الإمام الحسين عليه السلام في الشام

لقد جاء في كتب التاريخ : أنّ جمعاً كثيراً من أهل الشام تغيّرت نظرتهم الإيجابيّة إلى حكومة بني أميّة بشكل عام ، وإلى الطاغية يزيد بشكل خاص ، إلى نظرة سلبيّة.

وصار هذا الجمع الكثير يُشكّلون الرأي العام الناقم على السلطة ، ممّا جعل يزيد يضطرّ إلى أن يتظاهر بتغيير موقفه تجاه أهل البيت عليهم‌السلام فنقلهم إلى بيته الخاص حتى يُخفّف التوتّر السائد على عائلته وحريمه ، بل وعلى كافّة نساء آل أبي سفيان.

وجاء في التاريخ ـ أيضاً ـ : أنّ يزيد إستدعى بِحُرَم

٥٠٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لهن : « أيّهما أحبّ إليكن : المُقام عندي ، أو الرجوع إلى المدينة؟

فقلنَ : نُحبّ أوّلاً أن ننوح على الحسين.

فقال : إفعلوا ما بدا لكم.

ثمّ أُخليَت الحجرات والبيوت في دمشق ، ولم تبق هاشميّة ولا قُرشيّة إلا ولَبِسَت السواد على الحسين ، وندبوه سبعة أيام ، فلمّا كان اليوم الثامن أرادوا الرجوع إلى المدينة ، فأمر يزيد أن يُحضروا لهنّ المحامل ، وأعطاهنّ أموالاً كثيرة وقال : هذا المال عِوَض ما أصابكم!

فقالت أمّ كلثوم : « يا يزيد! ما أقلّ حياؤك وأصلبَ وجهك؟! تقتل أخي وأهل بيتي وتُعطينا عِوَضهم؟!

فردّوا جميع الأموال ، ولم يأخذوا منها شيئاً. (١)

وجاء في بعض كتب التاريخ : أنّ السيدة زينب عليها‌السلام أرسلت إلى يزيد تسأله الإذن أن يُقِمن المآتم على الإمام الحسين ، فأجاز ذلك ، وأنزلهنّ في دار الحجارة ، فأقمنَ المآتم هناك سبعة أيام ، وكانت تجتمع عندهنّ ـ في كل يوم ـ جماعة كثيرة لا تُحصى من النساء ».

فقصد الناس أن يَهجموا على يزيد في داره ويقتلوه ،

__________________

١ ـ كتاب « بحار الأنوار » ، ج ٤٥ ، ص ١٩٦ ـ ١٩٧.

٥٠٤

فاطّلع على ذلك مروان ، وقال ليزيد :

« لا يصلح لك توقّف أهل البيت في الشام فأعدّ لهم الجهاز ، وابعث بهم إلى الحجاز ».

فهيّأ لهم المسير ، وبعث بهم إلى المدينة. (١)

__________________

١ ـ كتاب « كامل البهائي ».

٥٠٥
٥٠٦

بين الإمام زين العابدين عليه السلام

ويزيد بن معاوية

وقد جاء في التاريخ أنّ يزيد قال للإمام زين العابدين عليه‌السلام : « أُذكر حاجاتك الثلاث التي وعدتك بقضائهن »؟

فقال الإمام : « الأولى : أن تُريَني وجه سيدي ومولاي الحسين ، فأتزوّد منه وأنظر إليه وأُودّعه؟

والثانية : أن تَرُد علينا ما أُخذَ منّا؟

والثالثة : إن كنتَ عَزَمتَ على قتلي ان تُوجّه مع هؤلاء النسوة من يَردّهن إلى حرم جدّهن صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »؟

فقال يزيد : « أمّا وجه أبيك ، فلَن تراه أبداً!!

٥٠٧

وأمّا قتلك ، فقد عفوت عنك ، وأما النساء فلا يرُدّهن إلى المدينة غيرك.

وأمّا ما أُخِذ منكم ، فإنّي أُعوّضكم عنه أضعاف قيمته ».

فقال الإمام : « أمّا مالُك فلا نريده ، وهو موفّر عليك ، وإنّما طلِبتُ ما أُخِذَ منّا .. لأنّ فيه مِغزل فاطمة بنت محمد ، ومقنعتها وقِلادتها وقَميصها ». (١)

__________________

١ ـ كتاب ( الملهوف ) ص ٢٢٤.

٥٠٨

ترحيل عائلة آل الرسول

من دمشق إلى المدينة المنوّرة

المُستفاد من مجموع القضايا التاريخية أنّ خطبة السيدة زينب الكبرى في مجلس يزيد ، والوقائع التي حدثت في ذلك المجلس ، ثمّ خطبة الإمام زين العابدين عليه‌السلام في الجامع الاموي في دمشق ، أوجَدَت في الناس وعياً وهياجاً ، واستياءً عاماً ضدّ الحكم الأموي في الشام.

وخاصّة : أنّ بلاط يزيد لم يَسلَم من التوتّر والإضطراب.

والعجيب : أنّ يزيد ـ الذي كان يحكم على بلاد الشام وغيرها ـ شَعر بأنّ كرسيّه قد تضعضع ، بل وأنّ حياته صارت مهدّدة ، حتى زوجته إنقلب حبّها إلى عداء ، كلّ ذلك من نتائج خطبة امرأة أسيرة ، وشابٍ

٥٠٩

أسير عليل!!

فاستشار يزيد جلساءه حول إتّخاذ التدابير اللازمة لدفع الخطر المُتوقّع ، فأشار عليه أصحابه بترحيل العائلة من دمشق ، وإرجاعهم إلى المدينة المنوّرة.

وتبدّل منطق يزيد ، فبَعد أن كان يقول : « لعِبت هاشم بالمُلك » صار يلعن عبيد الله بن زياد الذي قام بهذه الجناية من تلقاء نفسه ، فكأنّ يزيد يُبرّأ نفسه ممّا جرى ، ويُلقي المسؤولية على عبيد الله بن زياد.

وتبدّلت تلك الخشونة والقساوة ، والشماتة والإهانة ، إلى الرفق واللين والإحترام المزيّف ، فالظروف تصنع كلّ شيء ، والسياسة التابعة للظروف والخاضعة للمصالح ذو قابليّة للتلوّن بكلّ لون.

فأمر يزيد نعمان بن البشير أن يُهيّئ وسائل السفر لترحيل أهل البيت من الشام ، مع رعاية الإحترام اللائق بهم.

وجاء في كتاب ( الفصول المهمّة ) لابن الصبّاغ المالكي : ثم إنّ يزيد ـ بعد ذلك ـ أمر النعمان بن بشير أن يجهّزهم ـ بما يصلح لهم ـ إلى المدينة الشريفة ، وسَيّر معهم رجلا أميناً من أهل الشام ، في خيل سيّرها في

٥١٠

صحبتهم ، ... وكان يُسايرهم هو وخيله التي معه ، فيكون الحريم قُدّامه ، بحيث أنّهم لا يفوتونه.

وإذا نزلن تنحّى عنهم ناحيةً .. هو وأصحابه الذين كانوا حولهم كهيئة الحرس ، وكان يسألهم عن حالهم ، ويتلطّف بهم في جميع أمورهم ، ولا يشقّ عليهم في مسيرهم ... إلى آخره.

٥١١
٥١٢

الفصل الثامن عشر

يوم الأربعين

الرجوع إلى مدينة الرسول

٥١٣
٥١٤

يوم الأربعين

يوم الأربعين : هو اليوم العشرون من شهر صفر ، وفيه وصلت عائلة الإمام الحسين عليه‌السلام إلى كربلاء ، قادمين من الشام ، وهم في طريقهم إلى المدينة المنورة.

وسُمّيَ بـ « يوم الأربعين » لأنّه يصادف إنقضاء أربعين يوماً على استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام.

ويُعتبر تحديد ـ أو تعيين ـ السنة التي وصلت فيها قافلة آل الرسول إلى أرض كربلاء بعد رجوعهم من الشام .. من غوامض المسائل التاريخية.

فهل كان الوصول في نفس السنة التي حدثت فيها فاجعة كربلاء الدامية ، أي سنة ٦١ للهجرة ، أم كان ذلك في السنة التي بعدها؟

فهنا تساؤل يقول : كيف يُمكن ذهاب العائلة من كربلاء إلى

٥١٥

الكوفة ، ثم إلى دمشق ، ثم الرجوع والوصول إلى كربلاء ، كل ذلك في أربعين يوماً ، مع الانتباه الى نوعية الوسائل النقليّة المتوفّرة يومذاك؟!

وهذه معركة علميّة تاريخية لا تزال قائمة على قدم وساق بين حملة الأقلام من المحدّثين والمؤرخين.

ونحن إذا أردنا دراسة هذا الموضوع فإنّ البحث يحتاج إلى شرح واف ، وكلام مفصّل مطوّل ، ونرجوا الله تعالى أن يوفّقنا للبحث والتحقيق عن هذا الموضوع في مؤلّفاتنا القادمة ، إن شاء الله تعالى.

ولعلّ رجوعهم كان من طريق الأردن إلى المدينة المنورة ، فحينما وصلوا إلى مفترق الطرق طلبوا من الحَرَس ـ الذين رافقوهم من دمشق ـ أن يجعلوا طريقهم نحو العراق وليس إلى المدينة. ولم يستطع الحرس إلا الخضوع لهذا الطلب والتوجه نحو كربلاء.

وحينما وصلوا أرض كربلاء صادف وصولهم يوم العشرين من شهر صفر.

وكان الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري قد جاء إلى كربلاء يرافقه عطاء ـ أو عطيّة ـ العوفي (١) .. وجماعة مِن

__________________

١ ـ وهو من مشاهير التابعين .. الذين لم يَرَوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّهم رأوا صحابة الرسول.

٥١٦

بني هاشم ، جاؤوا جميعاً لزيارة قبر الإمام الحسين عليه‌السلام.

واجتمع جماعة من أهل السواد (١) وهم أهل القرى والأرياف التي كانت في ضواحي كربلاء يومذاك ، فصار هناك اجتماع كبير ـ نِسبيّاً ـ من شتّى الطبقات ، فالجميع حضروا عند قبر ريحانة رسول الله وسيد شباب أهل الجنة ، يزورون قبره ويسلّمون عليه ، والكآبة تخيّم على وجوههم ، والأسى والأحزان تَعصِر قلوبهم.

كانت القلوب تشتعل حزناً ، والدموع مستعدّة لتجري على الخدود ، ولكنّهم ينتظرون شرارة واحدة ، حتى تضطرم النفوس بالبكاء ، وترتفع أصوات النحيب والعويل.

في تلك اللحظات وصلت قافلة العائلة المكرمة إلى كربلاء ، فكان وصولها في تلك الساعات هي الشرارة المترقّبة المتوقّعة ، « فتلاقَوا ـ في وقت واحد ـ بالبكاء والعويل ». (٢)

__________________

١ ـ أهل السواد. كان يُعبّر عن أراضي العراق بـ « أرض السواد » لكثرة وكثافة الأشجار فيها .. مع الانتباه الى تُربتها الصالحة للزراعة لدرجة كبيرة ، فالأراضي التي تُغطّيها الأشجار تتراءى من بعيد وكأنّها سوداء ، ومِن هنا سمَّوا المزارع والبساتين بـ « أرض السواد » وسمَّوا الذين يسكنون هذه المناطق بـ « أهل السواد ».

المحقق

٢ ـ ذكر السيد ابن طاووس ـ في كتاب ( الملهوف ) ص ٢٢٥ ـ : ولمّا رجعت نساء الحسين عليه‌السلام وعياله من الشام وبلغوا العراق ، قالوا للدليل : مُرّ بنا على طريق كربلاء. فوصلوا إلى موضع المصرع ،

٥١٧

كانت السيدة زينب عليها‌السلام ـ في هذا المقطع من الزمان ، وفي هذه المنطقة بالذات ، وهي أرض كربلاء ، ـ لها الموقف العظيم ، وكانت هي القلب النابض للنشاطات والأحاسيس المبذولة عند قبور آل رسول الله عليهم‌السلام في كربلاء.

نشاطات مشفوعة بكلّ حزن وندبة ، مِن قلوب ملتهبة بالأسى!

وما تظنّ بسيدة فارقت هذه الأرض قبل أربعين يوماً ، وتركت جُثَث ذويها معفّرة على التراب بلا دفن ، واليوم رجعت إلى محلّ الفاجعة .. فما تراها تصنع وماذا تراها تقول؟؟!

أقبلت نحو قبر أخيها الحسين عليه‌السلام فلمّا قربت من القبر صرخت ونادت أكثر من مرّة ومرتين :

وا أخاه!! وا أخاه!! وا أخاه!!

كانت هذه الكلمات البسيطة ، المنبعثة من ذلك القلب الملتهب ، سبباً لتهييج الأحزان وإسالة الدموع ، وارتفاع اصوات البكاء والنحيب!

__________________

فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ، ورجالاً من آل الرسول ، قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه‌السلام ، فوافَوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللَطم ، وأقاموا المآتم المُقرحة للأكباد ، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أيّاماً ».

المحقق

٥١٨

والله العالم كم كانت كلمات الشكوى تمرّ بخاطر السيدة زينب الكبرى عليها‌السلام حين كانت تبثّ آلامها وأحزانها عند قبر أخيها الإمام الحسين؟ ممّا جرى عليها وعلى العائلة طيلة تلك الرحلة المُزعجة.

وما يُدرينا ..؟ ولعلّها كانت سعيدة ومُرتاحة الضمير بما قامت به طيلة تلك الرحلة!

فقد ايقظت عشرات الآلاف من الضمائر الغافلة ، وأحيَت آلاف القلوب الميّتة ، وجعلت أفكار المنحرفين تتغيّر وتتبدّل مائة وثمانين درجة على خلاف ما كانت عليه قبل ذلك!

كلّ ذلك بسبب إلقاء تلك الخطَب المفصّلة ، والمحاورات الموجزة التي دارت بينها وبين الجانب المُناوئ ، أو الافراد المحايدين الذين كانوا يجهلون الحقائق ولا يعرفون شيئاً عن أهل البيت النبوي الطاهر.

وتُعتبر هذه المساعي من أهمّ إنجازات السيدة زينب الكبرى ، فقد أخذوها أسيرة إلى عاصمة الأمويّين ، وإلى البلاط الأموي الذي أُسّس على عداء أهل البيت النبوي من أول يوم ، والذي كانت موادّه الإنشائية ـ يوم بناء صرحه ـ من النُصب والعداء لآل رسول الله ، ومكافحة الدين الإسلامي الذي لا ينسجم مع أعمال الأمويين وهواياتهم.

٥١٩

أخذوها إلى مقرّ ومسكن طاغوت الأمويّين ، وبمحضر منه ومشهد ، ومسمع منه ومن أسرته. خطبت السيدة زينب تلك الخطبة الجريئة ، وصبّت جام غضبها على يزيد ، ووَصَمته بكلّ عارٍ وخِزي ، وجعلت عليه سبّة الدهر ، ولعنة التاريخ!!

نعم ، قد يتجرّأ الإنسان أن يقوم بمغامرات ، إعتماداً على القدرة التي يَملكها ، أو على السلطة التي تُسانده ، وأمثال ذلك.

ولكن ـ بالله عليك ـ على مَن كانت تعتمد السيدة زينب الكبرى في مواجهاتها مع أولئك الطواغيت وأبناء الفراعنة ، وفاقدي الضمائر والوجدان ، والسُكارى الذين أسكرتهم خمرة الحكم والإنتصار ، مع الخمرة التي كانوا يشربونها ليلاً ونهاراً ، وسرّاً وجهاراً؟؟!

هل كانت تعتمد على أحد غير الله تعالى؟!

ويُمكن أن نقول : إنّها قالت ما قالت ، وصنعت ما صنعت ـ في إصطدامها مع الظالمين ، أداءً للواجب ، وهي غير مُبالية بالعواقب الوخيمة المحتملة ، والأضرار المتوقّعة ، والأخطار المتّجهة إلى حياتها .. فليكن كلّ هذا. فإنّ الجهاد في سبيل الله محفوف بالمخاطر ، والمجاهد يتوقّع كل مكروه يُحيط به وبحياته.

ونقرأ في بعض كتب التاريخ : أنّ قافلة آل الرسول مكثت في كربلاء مدّة ثلاثة أيام ، مشغولة بالعزاء والنياحة ، ثم غادرت كربلاء نحو المدينة المنوّرة.

٥٢٠