زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

السيد محمد كاظم القزويني

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

المؤلف:

السيد محمد كاظم القزويني


المحقق: السيد مصطفى القزويني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الغدير
الطبعة: ١
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: ٦٩٤

نياحة السيدة زينب على سيد الشهداء

وفي يوم الحادي عشر من المحرم .. لما أراد الأعداء أن يرحلوا بقافلة نساء آل رسول الله من كربلاء إلى الكوفة ، مروا بهن على مصارع القتلى ـ وهم جثث مرملة ومطروحة على التراب ـ فلما نظرت النسوة إلى تلك الجثث صحن وبكين ولطمن خدودهن. وأما السيدة زينب الكبرى عليها‌السلام فقد كانت تلك الساعة من أصعب الساعات على قلبها ، وخاصةً حينما نظرت إلى جثة أخيها العزيز الإمام الحسين وهو مطروح على الأرض بلا دفن ، وبتلك الكيفية المقرحة للقلب!!

يعلم الله تعالى مدى الحزن الشديد والألم النفسي الذي خيم على قلب السيدة زينب وهي ترى أعز أهل العالم ، وأشرف من على وجه الأرض بحالة يعجز القلم واللسان عن وصفها.

فقد مد أولئك الذئاب المفترسة ( الذين لا يستحقون إطلاق إسم

٢٦١

البشر عليهم ، فكيف باسم الإنسان ، وكيف باسم المسلم ) أيديهم الخبيثة إلى جسد أطهر إنسان على وجه الكرة الأرضية آنذاك. وأرقوا دماءً كانت جزءاً من دم الرسول الأقدس ، وقطعوا نحراً قبله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مئات المرات ، وعفروا خداً طالما إلتصق بخد الرسول الأطهر ، ورضوا وسحقوا جسداً كان يحمل على أكتاف الرسول الأعظم ، وكان محله في حجر الرسول ، وعلى صدره وظهره.

لقد كان الرسول الكريم يحافظ على ذلك الجسم العزيز ، حتى من النسيم والمطر .. فكيف من غيره؟

نعم ، إن المجرمين الجناة كانوا في سكرة موت الضمير ، وفقدان الوعي والإدراك للمفاهيم ، فانقلبوا إلى سباع ضارية ، وذئاب مفترسة ، ووحوش كاسرة ، لا تفهم معنى العاطفة والشرف والفضيلة ، ولا تدرك إلا هواها الشيطاني.

فصنعت ما صنعت بذلك الإمام ، المتكامل شرفاً وعظمة ، وجعلت جسمه هدفاً لسيوفها ورماحها وسهامها ، وميداناً لخيولها ، وهم يحاولون أن لا يتركوا منه أثراً يرى ، ولا أعضاء فتوارى.

كان هذا المنظر والمظهر المشجي ، المقرح للقلب ، الموجع للروح بمرأى من السيدة زينب الكبرى.

فهي ترى نفسها بجوار جثمان إمامها ، وإمام العالم كله ، وسيد شباب أهل الجنة ، فلا عجب إذا اختضنته تارةً وألقت

٢٦٢

نفسها عليه تارةً أخرى.

تبكي عليه بدموع منهمرة متواصلة ، وتندبه من أعماق نفسها ، ندبةً تكاد روحها تخرج مع زفراتها وآهاتها!

تندبه بكلمات منبعثة من أطهر قلب ، خالية عن كل رياء وتصنع ، وكل كلمة منها تعتبر إعلاناً عن حدوث أكبر فاجعة ، وأوجع مصيبة.

إنها سجلت تلك الكلمات على صفحات التاريخ لتكون خالدةً بخلود الأبد ، تقرؤها الأجيال قرناً بعد قرن ، وأمةً بعد أمة ، كي تستلهم منها الدروس والعبر ... ولكي تبقى المدرسة الزينبية خالدةً بخلود كل المفاهيم العالية والأصول الإنسانية.

نعم ، كلمات تقرع الأسماع اليقظة كصوت الرعد ، فتضطرب منها القلوب وتتوتر منها الأعصاب ، وتسخن الغدد الدمعية المنصوبة على قمة العينين ، فلا تستطيع الغدد حبس الدموع ومنعها عن الخروج والهطول.

وتضيق الصدور فلا تستطيع كبت الآهات ، والنحيب والزفير.

أجل .. إنها معجزة وأية معجزة ، صدرت من سيدة قبل أربعة عشر قرناً ، أراد الله تعالى لها البقاء ، لتكون تلك المعجزة غضة ، وكأنها حادثة اليوم وحدث الساعة.

أجل ...

٢٦٣

كان المفروض أن تفقد السيدة زينب الكبرى وعيها ، وتنهار أعصابها ، وتنسى كل شيء حتى نفسها ، وتتعطل ذاكرتها أمام جبال المصائب والفجائع ، والهموم والأحزان.

نعم ، هكذا كان المفروض ، ولكن إيمانها الراسخ العجيب بالله تعالى ، وقلبها المطمئن بذكر الله ( عزوجل ) كان هو الحاجز عن صدور كل ما ينافي الوقار والإتزان ، والخروج عن الحالة الطبيعية.

وليس معنى ذلك السكوت الذي يساوي عدم الإهتمام بتلك الفاجعة أو عدم المبالاة بما جرى ، بل لا بد من إيقاظ الشعور العام بتلك الجناية العظمى ، التي صدرت من أرجس عصابة على وجه الأرض.

فلا عجب إذا هاجت أحزانها هيجان البحار المتلاطمة الأمواج ، وتفايض قلبها الكبير .. بالعواطف والمحبة ، وجعلت تندب أخاها بكلمات في ذروة الفصاحة والبلاغة ، وتعتبر أبلغ كلمات سجلها التاريخ في الرثاء والتأبين ، وفي مقام التوجع والتفجع. (١)

قال الراوي : فوالله لا أنسى زينب بنت علي وهي تندب أخاها

__________________

١ ـ وكان ذلك حينما مروا بقافلة الأسارى على مصرع الإمام الحسين عليه‌السلام يوم الحادي عشر من المحرم.

٢٦٤

الحسين بصوت حزين وقلب كئيب :

« يا محمداه ، صلى عليك مليك السماء ، هذا حسين مرمل بالدماء ، مقطع الأعضاء ، مسلوب العمامة والرداء ، محزوز الرأس من القفا. ونحن بناتك سبايا.

إلى الله المشتكى ، وإلى محمد المصطفى ، وإلى علي المرتضى ، وإلى فاطمة الزهراء ، وإلى حمزة سيد الشهداء.

يا محمداه! هذا حسين بالعراء (١) ، تسفي عليه ريح الصباء ، قتيل أولاد البغايا.

واحزناه! واكرباه عليك يا أبا عبد الله.

بأبي من لا هو غائب فيرتجي ، ولا جريح فيداوى.

بأبي المهموم حتى قضى.

بأبي العطشان حتى مضى ... »

فأبكت ـ والله ـ كل عدو وصديق. (٢)

واعتنقت زينب جثمان أخيها ، ووضعت فمها على نحره وهي تقبله وتقول :

« أخي لو خيرت بين المقام عندك أو الرحيل لاخترت

__________________

١ ـ العراء : الأرض المنبسطة التي لا يستر فضاءها شيء.

٢ ـ كتاب ( الملهوف ) لابن طاووس ، ص ١٨١ ، وكتاب الإيقاد ، ص ١٤٠.

٢٦٥

المقام عندك ، ولو أن السباع تأكل من لحمي.

يابن أمي! لقد كللت عن المدافعة لهؤلاء النساء والأطفال ، وهذا متني قد أسود من الضرب!! (١).

__________________

١ ـ معالي السبطين ج ٢ ، الفصل العاشر ، المجلس الرابع عشر.

٢٦٦

الفصل الثاني عشر

مدينة الكوفة

قافلة آل الرسول تصل الكوفة

٢٦٧
٢٦٨

مدينة الكوفة

لقد كانت الكوفة : مدينة موالية للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان أهلها ـ رجالاً ونساءً ـ قد تطبعوا بأحسن الإنطباعات في ظل حكومة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام بسبب المناهج الصحيحة التي انتهجها الإمام لتربية وإدارة شعبه.

وكانت لدى أهل الكوفة أحسن الإنطباعات عن الإمام ، نظراً لسيرته الشخصية والإجتماعية والحكومية ، وأسلوب تعامله مع أفراد الشعب إبان حكومته عليهم ، فعواطفه التي شملت جميع طبقات الشعب ، وتوفير لوازم الحياة لهم ، ومواساته معهم في السراء والضراء ، وعدله الواسع الشامل وعطاياه السنية ، وسخاؤه وكرمه ، وعلمه الجم ، وغير ذلك من الفضائل التي تركت إنعكاساتها الإيجابية في نفوس أهل الكوفة ، وأثرت فيهم أحسن الأثر.

٢٦٩

كل هذه الأمور .. جعلت الطابع العام الغالب على الكوفة : هو الولاء والمحبة لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومن الطبيعي أن كل عصر ومصر لا يخلو من الأشرار والسفلة ، حتى المدينة المنورة ـ في عهدها الزاهر .. في عصر الرسول الكريم ـ كانت تحتوي على عناصر المنافقين وغيرهم.

وهنا سؤال يقول : إذا كانت مدينة الكوفة موالية للإمام .. فكيف صدرت من أهلها تلك المواقف المخزية تجاه الإمام الحسين عليه‌السلام؟!

إن الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى مزيد من الشرح والتفصيل ، وهو خارج عن أسلوب الكتاب ، ولكننا نذكر ـ الآن ـ ، مثالاً توضيحياً لهذا البحث ونترك دراسة الموضوع إلى فرصة أخرى :

قد تحدث في فرد من الناس أو شعب من الشعوب حالة شاذة ، غير طبيعية ، تشبه حالة السكر وفقدان الوعي ، فإذا زالت آثار السكر .. عاد الوعي ، ثم الحالة الطبيعية ، ثم الندم!

وفعلاً .. ترى ذلك الفرد ـ أو الشعب ـ يتعجب من تصرفاته الشاذة خلال حالة سكره ، بل ويتعجب منه عقلاء العالم!

٢٧٠

ومن الثابت أن العقلاء لا يقبلون أي عذر من ذلك الفرد أو الشعب الذي مر بتلك الحالة الشاذة ، لأن العقل والدين يفرضان على الإنسان أن يوفر في نفسه وقلبه وذهنه خلفية علمية ومناعة دينية وإيمانية تبعده عن هذا النوع من الحالات الشاذة ، وتحفظه من السقوط في هكذا منعطفات مصيرية محتملة.

وذلك يحصل بتقوية الإيمان بالله تعالى وبيوم القيامة .. في قلب الإنسان ، ثم الإستمرار في شحن النفس بالطاقة الإيمانية التي تقوم بدور مهم في إبعاد الإنسان عن مراكز وصالات وأجواء الإنحراف العقائدي والسلوكي ، وتحميه من السقوط في مهاوي جهنم.

أجل ..

لقد كانت مدينة الكوفة ـ قبل عشرين سنة من تاريخ فاجعة كربلاء ـ : عاصمةً للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومركزاً لحكومته ، ومقراً لقيادته.

وكانت السيدة زينب ـ حينذاك ـ في أوج العظمة والجلالة ، وكانت سيدات الكوفة يتمنين الحضور عندها ، وإذا كانت السيدة زينب تنظر إلى إحداهن نظرة ، أو تتكلم معها كلمة ، لكان قلبها يمتلئ فرحاً وسروراً ، وتشعر بالشرف والفخر ، لأن إبنة أمير المؤمنين نظرت إليها أو تكلمت معها!!

٢٧١

ولكن اليوم .. وبعد حوالي عشرين سنة ، تغيرت الأوضاع عما كانت عليه قبل ذلك!! وأخذت الكوفة طابعاً شاذاً يختلف عما مضى ، فقد إنقلبت إلى جو من الإرهاب والإرعاب ، وانتشر الآلاف من الشرطة والجواسيس ، وهم في حالة التأهب والإستعداد ، خوفاً من هياج الناس ، وخنقاً لكل صوت يرتفع ذد السلطة.

هذا .. ويضاف إلى ذلك : أن المئات ـ أو الآلاف ـ من الموالين للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام كان الطاغية ابن زياد قد سجنهم كي لا يلتحقوا بأصحاب الإمام الحسين في كربلاء.

وهناك من أخفى نفسه في البيوت كي لا يتعرض للقتل من قبل السلطة حيث لم يستطع الإلتحاق بالإمام بسبب الأعداد الهائلة من الشرطة التي كانت السلطة قد نشرتهم في جميع نواحي وبوابات مدينة الكوفة.

وعدا من التحق بالإمام الحسين في كربلاء ـ من أهل الكوفة ـ ونصروه ، وقتلوا في سبيل الدفاع عنه ، ويبلغ عددهم أكثر من عشرين رجل ، مذكورة أسماؤهم في الكتب المفصلة التي تتحدث عن فاجعة كربلاء الدامية.

٢٧٢

قافلة آل الرسول تصل الكوفة

وذكر الطريحي في كتاب ( المنتخب ) عن مسلم الجصاص قال :

دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة ، فبينما أنا أجصص الأبواب ، وإذا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة (١) ، فأقبلت على خادم كان يعمل معنا ، فقلت : ما لي أرى الكوفة تضج؟

قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد بن معاوية.

فقلت : من هذا الخارجي؟

قال : الحسين بن علي!

فتركت الخادم حتى خرج ، ولطمت على وجهي ، حتى

__________________

١ ـ الزعقات ـ جمع زعقة ـ : الصيحة. الزعق : الصباح ، كما في كتاب « لسان العرب » لابن منظور ، و « الصحاح » للجوهري.

٢٧٣

خشيت على عيني أن تذهبا ، وغسلت يدي من الجص ، وخرجت من ظهر القصر ، وأتيت إلى الكناس (١) فبينا أنا واقف ، والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ أقبلت نحو أربعين شقة ، تحمل على أربعين جملاً (٢) ، فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة.

وإذا بعلي بن الحسين على بعير بغير وطاء (٣) ، وأوداجه تشخب دماً ، وهو مع ذلك يبكي ويقول :

يا أمة السوء لا سقياً لربعكم

يـا أمة لـم تراع جدنـا فينا

إلى آخر الأبيات.

وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم أم كلثوم :

يا أهل الكوفة! إن الصدقة علينا حرام!

وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم ، وترمي به إلى الأرض.

__________________

١ ـ الكناس والكناسة : محلة بالكوفة. كما في « معجم البلدان » للحموي.

٢ ـ شقة : المحمل والهودج.

٣ ـ وطاء : القماش وشبهه الذي يوضع على ظهر الجمل ، لراحة الراكب.

٢٧٤

كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم!!

ثم إن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت :

« صه يا أهل الكوفة! تقتلنا رجالكم ، وتبكينا نساؤكم؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله ، يوم فصل القضاء ».

فبينما هي تخاطبهن ، وإذا بضجة قد ارتفعت ، وإذا هم قد أتوا بالرؤوس ، يقدمهم رأس الحسين عليه‌السلام وهو رأس زهري ، قمري (١) ، أشبه الخلق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولحيته كسواد السبج (٢) ـ قد انتصل منها الخضاب (٣) ، ووجهه دارة قمر طالع (٤) ـ والريح تلعب بها

__________________

١ ـ زهري : أي مشرق اللون .. رغم إنفصاله عن الجسد. وزهري : تشبيه بنجم « الزهرة » المشهورة بالإشراقة والإضاءة المميزة في نورها. والتي هي عبارة عن اللون الأبيض المشرق المزيج مع لون الورد المحمدي ، أي : اللون الأحمر الفاتح. قمري : أي : أن وجهه مستدير الشكل .. وليس مستطيلاً.

المحقق

٢ ـ السبج : معرب شبه ـ : وهو حجر أسود ، يضرب به المثل في شدة السواد.

٣ ـ إنتصل منها الخضاب : أي بدأ اللون الأسود يذهب من أصول الشعر.

٤ ـ دارة قمر طالع : أي مستدير وجميل ، كالقمر ليلة البدر ، حيث يكون متكامل القرص وشديد الإنارة.

المحقق

٢٧٥

يميناً وشمالاً ، فالتفتت زينب ، فرأت رأس أخيها ، فنطحت جبينها بمقدم المحمل ، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها ، وأومأت إليه بخرقة ، وجعلت تقول :

يـا هـلالاً لمـا استتـم كمالاً

غالـه خسفه فأبـدى غروبا

ما توهمت يـا شقيق فـؤادي

كـان هذا مقـدراً مكتوبـاً

يا أخي! فاطم الصغيرة كلمها

فقـد كـاد قلبهـا أن يذوبا

إلى آخر الأبيات (١).

وجاء في التاريخ : أن قافلة آل الرسول لما اقتربت من الكوفة ، إجتمع أهلها للنظر إليهن ، فأشرفت إمرأة من الكوفيات ـ من سطح دارها ـ وقالت : من أي الأسارى أنتن؟

قلن : نحن أسارى آل محمد!

فنزلت من سطحها وجمعت ملاءاً وأزراً ومقانع ، فاعطتهن فتغطين. (٢)

__________________

١ ـ كتاب « المنتخب » للطريحي ، ج ٢ ، ص ٤٦٤ ، المجلس العاشر. وبحار الأنوار للشيخ المجلسي ج ٤٥ ، ص ١١٤ ـ ١١٥.

٢ ـ كتاب ( بحار الأنوار ) ج ٤٥ ، ص ١٠٨ ، نقلاً عن السيد ابن طاووس.

٢٧٦

الفصل الثالث عشر

خطبة السيدة زينب في الكوفة

نص خطبة السيدة زينب في الكوفة

شرح خطبة السيدة زينب في الكوفة

كيف ولماذا قطعوا على السيدة زينب خطابها

نص خطبة السيدة زينب برواية أخرى

٢٧٧
٢٧٨

خطبة السيدة زينب في الكوفة

تعتبر خطبة السيدة زينب ـ في الكوفة وفي مجلس يزيد في الشام ـ في ذروة الفصاحة ، وقمة البلاغة ، وآيةً في قوة البيان ، ومعجزة في قوة القلب والأعصاب ، وعدم الوهن والانكسار أمام طاغية بني أمية ومن كان يحيط به من الحرس المسلحين ، والجلاوزة والجلادين الذين كانوا على أهبة الإستعداد ينتظرون الأوامر كي ينفذوها بأسرع ما يمكن من الوقت.

وهنا سؤال قد يتبادر إلى الذهن وهو :

إن السيدة زينب كانت سيدة المحجبات المخدرات ، ولم يسبق لها أن خطبت في مجلس رجال أو معجم عام ، وليس من السهل عليها أن ترفع صوتها وتخطب في تلك الأجتماعات ، فلماذا قامت السيدة بإلقاء الخطب على مسامع الجماهير مع تواجد الإمام زين العابدين عليه‌السلام؟

٢٧٩

ومع العلم أن الإمام زين العابدين كان أقوى وأقدر منها على فنون الخطابة ، وأولى من التحدث في جموع الرجال؟

لعل الجواب هو : أن الضرورة أو الحكمة إقتضت أن يسكت الإمام زين العابدين طيلة هذه المسيرة كي لا يجلب إنتباه الناس إلى قدرته على الكلام ، وحتى يستطيع أن يصب جام غضبه كله على يزيد ، في الجامع الأموي ، بمرأى ومسمع من آلاف المصلين الذين حضروا يومذاك لأداء صلاة الجمعة خلف يزيد.

فلو كان الإمام زين العابدين عليه‌السلام يخطب في أثناء هذه الرحلة .. في الكوفة وغيرها ، فلعله لم وين يكن يسمح له بالخطابة في أي مكان آخر ، فكانت تفوته الفرصة الثمينة القيمة ، وهي فرصة التحدث في تلك الجماهير المتجمهرة في الجامع الأموي ، علماً بأنه لم يبق من آل الرسول في تلك العائلة رجل سوى الإمام زين العابدين.

ولهذا السبب كانت السيدة زينب تتولى الخطابة في المواطن والأماكن التي تراها مناسبة.

وليس معنى ذلك أنها فتحت الطريق أمام النساء ليخطبن في جموع الرجال ، أو المجتمعات العامة كالأسواق والساحات وغيرها ، بل إن الضروري القصوى كانت وراء خطبتها عليها‌السلام.

هذا أولاً.

ثانياً : لقد كانت حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام مهددة بالخطر طوال هذه الرحلة ـ وخاصة في الكوفة ـ فكم من مرة

٢٨٠