الإحتجاج - ج ١-٢

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

الإحتجاج - ج ١-٢

المؤلف:

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٦

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

بقلم : العلامة الجليل السيد محمد بحر العلوم

بين يدي القراء الكرام كتاب جليل، يعتبر من المصادر القيمة في موضوعه ومؤلف هذا الكتاب هو: أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ، أبو منصور. وتكاد تجمع المصادر على هذا القدر من اسمه ونسبه ، الا ابن شهرآشوب فقد ذكره على الوجه التالي « أحمد بن أبي طالب »(١).

وحذا حذوه الشيخ المجلسي عند ذكره كتاب الاحتجاج ، وأعتقد أن الشيخ يوسف البحراني حاول توجيه رأي ابن شهرآشوب بقوله : « وقد يعبر عنه بابن أحمد بن أبي طالب الطبرسي ، والظاهر أنه من باب الاختصار في النسب فلا يتوهم التعدد » (٢).

ولم تحدد لنا المصادر سنة ولادته ، كما لم تحدد لنا سنة وفاته ، غير أن الحجة الثبت شيخنا المحقق أغا بزرك الطهراني يستنتج سنة وفاته من معاصريه وتلامذته ويعده ممن أدركوا أوائل القرن السادس الهجري ، بدليل أنه أستاذ رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب الذي توفي سنة ٥٨٨ ه‍ عن مائة سنة إلا عشرة أشهر فهو من أهل الخامسة الذين أدركوا اوائل السادسة أيضا (٣).

ويتجه لغير هذا الرأي كل من عمر رضا كحالة (٤) ، وإسماعيل باشا (٥) ويعتقدان بأنه توفي في حدود سنة ٦٢٠ ه‍.

ولقد روى مترجمنا عن جماعة ، منهم أبو جعفر مهدي بن الحسن بن أبي حرب الحسيني المرعشي (٦).

وروى عنه رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب ، الذي صرح بذلك في كتابه (٧) بقوله : « شيخي أحمد بن أبي طالب ».

__________________

(١) معالم العلماء : ٢٥.

(٢) كشكول البحراني : ٣٠١ ـ ١.

(٣) الذريعة الى تصانيف الشيعة : ٢٨١ ـ ١.

(٤) معجم المؤلفين ١٠ ـ ٣.

(٥) إيضاح المكنون ذيل كشف الظنون : ٣١ ـ ١.

(٦) مهدي بن الحسن بن أبي الحرب المرعشي ، عده المحقق الوحيد من أجلاء الطائفة ، ومن مشايخ الاجازة من مشايخ الطبرسي ، وقد وصف بالعالم العابد العادل الموثق ، يروي عن الشيخ الصدوق أبي عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي عن أبيه عن الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي. راجع ( رجال المامقاني : ٢٦١ / ٣ ، وكشكول البحراني : ٣٠١ / ١ ).

(٧) معالم العلماء : ٢٥.

٥

وكان موضع اعتماد الشهيد في شرح الإرشاد ، فكثيرا ما نقل فتاواه وأقواله (١).

وذكره أعلام المترجمين بكل ما يدل على مكانته العلمية ، فقد أثنى عليه السيد ابن طاوس ، ووصفه الحر العاملي بأنه « عالم فقيه فاضل ، محدث ، ثقة » وتحدث عنه الشيخ يوسف البحراني بقوله : « الفاضل ، العالم ، المعروف ، كان من أجل العلماء ، ومشاهير الفضلاء » (٢) واعتبره الخونساري في كتابه : « من اجلاء أصحابنا المتقدمين » (٣) وأورد ترجمته عمر رضا كحالة فوصفه بأنه : « فقيه مؤرخ » (٤).

ومن هذه الفقرات المعدودة نستطيع ان نعرف مكانة مترجمنا العلمية ومدى الثقة التي كان يتسم بها.

ودللت المصادر المترجمة له بأنه مؤلف قدير ، له عدة كتب ، فالى جانب كتاب ( الاحتجاج ) الذي نحن بصدده خلف الكتب التالية : وهي :

١ ـ الكافي في الفقه ، او ( الكافي من فقه الشيعة ).

٢ ـ تاريخ الأئمة (عليهم‌السلام).

٣ ـ فضل الزهراء عليها‌السلام.

وهذه الكتب وإن لم نعثر عليها فقد أورد ذكرها كل من ابن شهرآشوب والشيخ عباس القمي ، والسيد محسن الأمين العاملي ، وعمر رضا كحالة ، وإسماعيل باشا (٥).

٤ ـ مفاخرة الطالبية.

وقد ذكر هذا الكتاب كل من ابن شهرآشوب ، والسيد الأمين العاملي (٦).

٥ ـ كتاب الصلاة.

وانفرد بذكر هذا الكتاب ابن شهرآشوب (٧).

٦ ـ تاج المواليد.

وانفرد بذكر هذا الكتاب السيد محسن الأمين العاملي (٨) وقال : « ينقل عنه السيد النسابة أحمد بن محمد بن المهنا بن علي بن المهنا العبيدلي المعاصر للعلامة الحلي في كتابه « تذكرة النسب » ولكن الشيخ أحمد بن أبي ظبية البحراني في كتابه « عقد اللآل في مناقب النبي والآل » نسبه الى أمين الإسلام أبي علي

__________________

(١) كشكول البحراني : ٣٠٢ ـ ١ ، وأعيان الشيعة : ٩٩ ـ ٩.

(٢) كشكول البحراني : ٣٠١ ـ ٣٠٢ ـ ١.

(٣) روضات الجنات : ١٩ ـ ١.

(٤) معجم المؤلفين : ١٠ ـ ٢.

(٥) راجع : معالم العلماء : ٢٥ ، والكنى والألقاب : ٤٠٤ ـ ٢ ، وأعيان الشيعة ١٠٠ ـ ٩ ومعجم المؤلفين ١٠ ـ ٢ وإيضاح المكنون : ٢١٣ ـ ١ و ١٦٦ و ٢٥٩ ـ ٢.

(٦) معالم العلماء : ٢٥ ، وأعيان الشيعة : ١٠٠ ـ ٩.

(٧) معالم العلماء : ٢٥.

(٨) أعيان الشيعة : ١٠٠ ـ ٩.

٦

فضل بن الحسن الطبرسي صاحب التفسير. فقد وقع اشتباه في نسبة الكتاب المذكور اما من العبيدلي ، أو البحراني ، وكونه من العبيدلي القريب من زمن المؤلف بعيد ».

ولقد وقع نظير هذا الاشتباه الذي يشير إليه المرحوم السيد الأمين اشتباه آخر في كتاب الاحتجاج نفسه.

فقد نسب بعض المؤلفين كتاب الاحتجاج الى أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، صاحب تفسير مجمع البيان.

وفي صدد إثبات هذا الكتاب لأبي منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي قال الشيخ يوسف البحراني : « ويظهر من كتاب المجلي لابن أبي جمهور الإحسائي أن كتاب الاحتجاج للشيخ أبي الفضل الطبرسي. قال في أول البحار بعد نسبة كتاب الاحتجاج لأحمد بن أبي طالب : وينسب هذا الكتاب الى أبي علي الطبرسي وهو خطأ ، بل هو تأليف أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ، كما صرح به السيد ابن طاوس في كتاب كشف المحجة » (١).

وقال الخونساري : « وقد غلط صاحب الغوالي ، والمحدث الأسترآبادي غلطا فاحشا يبعد عن مثلهما غاية البعد في نسبة ( كتاب الاحتجاج ) الى الشيخ ابي علي الطبرسي صاحب التفسير ، مع ان بينهما بونا بعيدا ، وتصريح جمهور الاصحاب واسنادهم عنه وإليه على خلاف ذلك جدا » (٢).

وقطع السيد الأمين بالاشتباه ، وأضاف بان صاحب رياض العلماء قال : قد توهم بعضهم بان الاحتجاج لصاحب مجمع البيان ابي علي الفضل الطبرسي ، وهو توهم فاسد » (٣).

وأكد البحراني على صحة نسبة هذا الكتاب لابي منصور أحمد بن علي الطبرسي ، ونقل عنه السيد الأمين عن اللؤلؤة قوله : «غلط جملة من متأخري أصحابنا في نسبة كتاب الاحتجاج الى أبي علي الطبرسي» (٤).

وادرج كل من الحجة الشيخ آغابزرك الطهراني ، وإسماعيل باشا ، وعمر رضا كحالة اسم هذا الكتاب في قائمة مؤلفات أبي منصور الطبرسي (٥).

ولعل الاشتباه الذي نشأ مرجعه الى اشتراكهما في لقب واحد ، وعصر واحد كما صرح بذلك الشيخ البحراني بقوله : « وان كان عصرهما متحدا ، وهما شيخا ابن شهرآشوب واستاذاه وظني ان بينهما قرابة » (٦).

وإذا كنا ونحن في صدد التفريق بين هاتين الشخصيتين لاشتراكهما في لقب واحد فمن الجدير ان نذكر أن عدد من اعلام الشيعة يشتركون في هذه النسبة أيضا وهم :

١ ـ أبو منصور ، أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي والمعروف بصاحب كتاب ( الاحتجاج ) وهو الذي نحن بصدد الحديث عنه.

__________________

(١) الكشكول : ٣٠١ ـ ١.

(٢) روضات الجنات : ١٩ ـ ١.

(٣) أعيان الشيعة : ١٠٠ ـ ٩.

(٤) الكشكول ٣٠١ ـ ١ وأعيان الشيعة : ١٠٠ ـ ٩.

(٥) الذريعة : ٢٨١ ـ ١ ومقدمة تفسير التبيان ه‍ ـ ١ ومعجم المؤلفين : ١٠ ـ ٢ وإيضاح المكنون : ٣١ ـ ١.

(٦) الكشكول : ٣٠١ ـ ١ ، وأعيان الشيعة : ١٠٠ ـ ٩.

٧

٢ ـ أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، صاحب ( تفسير مجمع البيان ) المتوفى سنة ٥٤٨ ه‍.

٣ ـ أبو نصر ، الحسن بن الفضل بن الحسن رضي الدين ، صاحب كتاب ( مكارم الأخلاق ) وقد وصفته المصادر بأنه : كان فاضلا فقيها ، محدثا جليلا.

٤ ـ أبو الفضل ، علي بن الحسن بن الفضل بن الحسن ، صاحب كتاب ( مشكاة الأنوار ) الذي ألفه تتميما لكتاب والده مكارم الأخلاق (١).

٥ ـ أبو علي محمد بن الفضل الطبرسي. هكذا ذكره الحر العاملي ووصفه بأنه « كان عالما صالحا عابدا يروي ابن شهرآشوب عنه عن تلامذة الشيخ الطوسي » (٢).

٦ ـ الشيخ حسن بن علي بن محمد بن علي بن الحسن الطبرسي ، المعاصر للخواجة نصير الدين الطوسي (٣).

٧ ـ الحاج ميرزا حسين بن العلامة محمد تقي النوري الطبرسي صاحب كتاب ( مستدرك الوسائل ) المتوفى عام ١٣٢٠.

وهناك عدد آخر ولكننا اخترنا المشهورين منهم.

والطبرسي:نسبة الى طبرستان ، وهي التي تعرف بمازندران بل قد يقال : طبرستان على جميع تلك البلاد، حتى يشمل استرآباد ، وجرجان ونحوها وهي واقعة على طرف بحر الخزر ، وتعرف ببحيرة طبرستان.

وطبر : بالفارسية الفاس ، وهي من كثرة اشتباك اشجارها لا يسلك فيها الجيش إلا بعد ان يقطع بالطبر الأشجار من بين ايديهم.

وآستان : الناحية بالفارسي ، فسميت طبرستان ، أي ناحية الطبر.

ونقل عن صاحب تاريخ قم المعاصر لابن العميد : ان طبر معرب ، وهي ناحية معروفة بحوالي قم ، وان الطبرسي ( أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ) وسائر العلماء المعروفين قد كانوا أهل هذه الناحية (٤).

والكتاب الذي نحن بصدده ، يعتبر من المصادر المحترمة في بابه ، ولعلنا نستطيع من خلال الفقرات التي سنوردها ـ والتي تتضمن آراء الاعلام فيه ـ نلمس مدى اهميته ، ووزنه العلمي.

قال البحراني : « قال المجلسي في اول البحار انه قال في الفصل الثاني : وكتاب الاحتجاج وان كان أكثر اخباره مراسيل لكنه من الكتب المعروفة وقد أثنى السيد ابن طاوس على الكتاب وقد اخذ عنه أكثر المتأخرين » (٥).

وقال الخونساري : و « كتاب الاحتجاج معتبر معروف بين الطائفة مشتمل على كل ما اطلع عليه من احتجاجات النبي والأئمة ، بل كثير من أصحابهم الامجاد مع جملة من الاشقياء المخالفين » (٦).

__________________

(١) راجع تراجم هؤلاء المذكورين في الكنى والألقاب ٤٠٩ ـ ٢.

(٢) أمل الآمل : مادة محمد.

(٣) أعيان الشيعة ٩٨ ـ ٩.

(٤) كشكول البحراني ٣٠٢ و ٣٠٣ ـ ١ وأعيان الشيعة : ٩٧ و ٩٨ ـ ٩.

(٥) الكشكول : ٣٠١ ـ ١.

(٦) روضات الجنات : ١٩ ـ ١.

٨

وقال الشيخ أغا بزرك الطهراني : وفي الكتاب « احتجاجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة (عليهم‌السلام) وبعض الصحابة ، وبعض العلماء ، وبعض الذرية الطاهرة ، وأكثر أحاديثه مراسيل الا ما رواه عن تفسير العسكري عليه‌السلام ، كما صرح به في أوله بعد الخطبة ، فهو من الكتب المعتبرة التي اعتمد عليها العلماء الأعلام : كالعلامة المجلسي ، والمحدث الحر ، واضرابهما » (١).

ومن خلال هذه الفقرات نستفيد بان الكتاب بمجموعه موضع اعتماد الأعلام والباحثين ، بالرغم من ان أكثر أحاديثه مراسيل ، الا ان الثقة الكبيرة التي يتمتع بها مؤلف الكتاب ، زرعت في نفوس المؤلفين الاعتماد عليه ، والنقل عنه دون تمحيص وتحقيق ، وتدقيق في اسناد الاخبار والأحاديث.

اما البواعث التي دعت المؤلف لتأليف هذا الكتاب ، فقد حدثنا الطبرسي نفسه عنها ، فقال :

« ثم ان الذي دعاني الى تأليف هذا الكتاب عدول جماعة من الأصحاب من طريق الحجاج جدا ، وعن سبيل الجدال وان كان حقا وقولهم : « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة (عليهم‌السلام) لم يجادلوا قط ، ولا استعملوه ، ولا للشيعة فيه اجازة ، بل نهوهم عنه وعابوه » فرأيت عمل كتاب يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع والأصول مع اهل الخلاف ، وذوي الفضول ، قد جادلوا فيها بالحق من الكلام وبلغوا غاية كل مرام وانهم (عليهم‌السلام) انما نهوا عن ذلك الضعفاء والمساكين من أهل القصور عن بيان الدين ، دون المبرزين في الاحتجاج الغالبين لأهل اللجاج فانهم كانوا مأمورين من قبلهم بمقاومة الخصوم ، ومداولة الكلوم فعلت بذلك منازلهم وارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم » (٢).

اذا فالمؤلف اندفع الى تأليف هذا الكتاب بدافع العقيدة لينير للمتخبطين بطريق الغواية ، نور الهداية والخير ، ويبسط ما وسعه المجال عن جميع ما يتعلق بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وآل بيته (عليهم‌السلام) واتباعهم ، وليكشف لذوي اللجاج مدى المكانة العالية ، والمقام السامي ، التي تتمتع بها هذه الصفوة.

اما منهج الطبرسي في تأليف كتابه الاحتجاج ، فقد اوضحه لنا نفسه في مقدمة كتابه المذكور ، يقول :

« وانا ابتدئ في صدر الكتاب بفصل ينطوي على ذكر آيات من القرآن التي امر الله تعالى بذلك أنبياءه بمحاجة ذوي العدوان ، ويشتمل أيضا على عدة اخبار في فضل الذابين عن دين الله القويم ، وصراطه المستقيم بالحجج القاهرة والبراهين الباهرة ، ثم نشرع في ذكر طرف من مجادلات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة (عليهم‌السلام) ، وربما يأتي في أثناء كلامهم كلام جماعة من الشيعة ، حيث تقتضي الحال ذكره ولا نأتي في أكثر ما نورده من الاخبار بإسناده اما لوجود الإجماع عليه او موافقته لما دلت العقول إليه ، او لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف ، الا ما أوردته عن ابي محمد الحسن العسكري (عليه‌السلام) فانه ليس في الاشتهار على حد ما سواه وان كان مشتملا على مثل الذي قدمناه ، فلأجل ذلك ذكرت اسناده في أول جزء من ذلك دون غيره لأن جميع ما رويت عنه (عليه‌السلام) انما رويته باسناد واحد من جملة الاخبار التي ذكرها (عليه‌السلام) في تفسيره » (٣)

ولقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات في ايران والنجف غير أن هذه الطبعة التي بين ايدينا قد تميزت عن

__________________

(١) الذريعة : ٢٨١ ـ ١ (٢) الاحتجاج : ٤ (٣) الاحتجاج : ٤

٩

سابقتها بمميزات هامة ؛

أولا ـ من حيث التعليق والفهرسة :

فقد تصدى الأخ الفاضل السيد محمد باقر الخرسان لتحقيقها والتعليق عليها وترجمة الاعلام الواردة فيها ، وشرح الكلمات اللغوية ووضع فهارس لها بالإضافة الى تقسيمها جزءين. الامر الذي دل على قابلية الأخ الخرسان في مضمار التحقيق والتعليق والجهد الذي صرفه في هذا الكتاب والذي يبشر عن مستقبل زاهر يبعث بالامل والتقدير واني ارجو مخلصا له ذلك.

ثانيا ـ من حيث الاخراج والطباعة :

وفي هذا المضمار اقدر للأخ إخراج هذا الكتاب بهذه الحلة القشيبة والطباعة الانيقة والتي يتجلى فيها كل مظاهر الخدمة الصادقة والإخلاص العميق في ابراز هذه الكتب بصورة تتناسب وهذا العصر الذي تقدمت فيه كل الأمور الى الاحسن.

وفي الختام ادعو الله عز وجل ان يوفق المعلق الناشر لخدمة الدين الإسلامي ويأخذ بيده الى ما يصبو اليه من الجزاء الاوفر من محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلي وانجاله الغر الميامين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهو المسدد للصواب.

النجف الأشرف في ١٨ / ١٢ / ١٣٨٥

محمد السيد علي بحر العلوم.

١٠

١١
١٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المتعالي عن صفات المخلوقين المنزه عن نعوت الناعتين المبرأ مما لا يليق بوحدانيته المرتفع عن الزوال والفناء بوجوب إلهيته الذي استعبد الخلائق بحمد ما تواتر عليهم من نعمائه وترادف لديهم من حسن بلائه وتتابع من أياديه وعواطفه وتفاقم من مواهبه وعوارفه جم عن الإحصاء عددها وفاق عن الإحاطة بها مددها وخرست ألسن الناطقين بالشكر عليها عن أداء ما وجب من حقها لديها.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يثقل بها ميزان العارفين وتبيض بها وجوههم يوم الدين وأشهد أن محمدا عبده المصطفى ورسوله المجتبى خاتم الرسل والأنبياء وسيد الخلائق كلهم والأصفياء وأن وصيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام خير وصي وخير إمام ولي وأن عترته الطاهرة خير العتر ـ الأئمة الهادية الاثنا عشر أمناء الله في بلاده وحججه على عباده ـ بهم تمت علينا نعمته وعلت كلمته ـ اختارهم للبرية إظهارا للطفه وحكمته وإنارة لأعلام عدله ورحمته فانزاحت بهم علة العبيد وزهق باطل كل مستكبر عنيد بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب حفظا منه للشرائع والأحكام وسياسة لهم وهيبة لأهل المعاصي والآثام وزجرا عن التغاشم والتكالب وردعا عن التظالم والتواثب وتأديبا بهم لأهل العتو والعدوان ورفعا لما تدعو إليه دواعي الشيطان ولم يمهلهم سدى بلا حجة فيهم معصوم إما ظاهر مشهور أو غائب مكتوم ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ ) بعد الحجة ولا يلتبس عليهم في دينه المحجة ولم يجعل إليهم اختياره لعلمه بأنهم لا يعلمون أسراره ولأنه عز وجل متعال عن فعل شيء لا يجوز عليه مثل تكليف ما لا يهتدي العباد إليه وقد نزه نفسه عن أن يشرك به أحدا في الاختيار حيث قال ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص / ٦٨.

ثم إن الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب عدول جماعة من الأصحاب عن طريق الحجاج جدا وعن سبيل الجدال وإن كان حقا وقولهم إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام لم يجادلوا قط ولا استعملوه ولا للشيعة فيه إجازة بل نهوهم عنه وعابوه فرأيت عمل كتاب يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع والأصول ـ مع أهل الخلاف وذوي الفضول قد جادلوا فيها بالحق من الكلام وبلغوا غاية كل مرام.

وإنهم عليهم‌السلام إنما نهوا عن ذلك الضعفاء والمساكين من أهل القصور عن بيان الدين دون المبرزين في الاحتجاج الغالبين لأهل اللجاج فإنهم كانوا مأمورين من قبلهم بمقاومة الخصوم ومداواة الكلوم (١) فعلت بذلك منازلهم وارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم.

__________________

(١) الكلوم : جمع كلم ـ بفتح فسكون ـ وهو الجرح.

١٣

وأنا أبتدئ في صدر الكتاب بفصل ينطوي على ذكر آيات من القرآن التي أمر الله تعالى بذلك أنبياءه بمحاجة ذوي العدوان ويشتمل أيضا على عدة أخبار في فضل الذابين عن دين الله القويم وصراطه المستقيم ـ بالحجج القاهرة والبراهين الباهرة.

ثم نشرع في ذكر طرف من مجادلات النبي والأئمة عليه وعليهم‌السلام وربما يأتي في أثناء كلامهم كلام جماعة من الشيعة حيث تقتضي الحال ذكره ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إما لوجود الإجماع عليه أو موافقته لما دلت العقول إليه أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف إلا ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام فإنه ليس في الاشتهار على حد ما سواه وإن كان مشتملا على مثل الذي قدمناه فلأجل ذلك ذكرت إسناده في أول جزء من ذلك دون غيره لأن جميع ما رويت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما رويته بإسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها عليه‌السلام في تفسيره.

وَاللهُ الْمُسْتَعانُ فيما قصدناه وهو حسبي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

١٤

فصل

في ذكر طرف مما أمر الله

في كتابه من الحجاج والجدال

بالتي هي أحسن وفضل أهله

قال الله تبارك وتعالى في كتابه مخاطبا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل / ١٢٥.

وقال عز من قائل : ( وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) العنکبوت / ٤٦.

وقال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ ) الآية البقرة / ٢٥٨.

وقال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه‌السلام أيضا لما احتج على عبدة الكوكب المعروف بالزهرة وعبدة الشمس والقمر جميعا بزوالها وانتقالها وطلوعها وأفولها وعلى حدوثها وإثبات محدث لها وفاطر إياها : ( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) إلى قوله تعالى ( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ) الأنعام / ٧٥ ـ ٨٣ ، وغير ذلك من الآيات التي فيها الأمر بالاحتجاج وسيأتي ذكر شرحها في مواضعها إن شاء الله تعالى.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : نحن المجادلون في دين الله على لسان سبعين نبيا.

وأما الأخبار في فضل العلماء فهي أكثر من أن تعد أو تحصى لكنا نذكر طرفا منها :

فمن ذلك ما حدثني به السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي (١) رضي الله عنه قال حدثني الشيخ الصدوق أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي (٢) رحمة الله عليه قال حدثني أبي

__________________

(١) السيد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي عالم عابد ، يروي عنه الطبرسي صاحب الاحتجاج بحق روايته عن أبيه عن الصدوق محمد بن علي بن بابويه ويروي هو عن جعفر بن محمد ... العبسي الدوريستي. أعيان الشيعة ٤٨ ـ ١٢١.

(٢) أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس الدوريستي الرازي من أكابر علماء الإمامية ، من بيت العلم والفضل ، كثير الرواية ، كان مشهورا في جميع الفنون معظما في الغاية عند نظام الملك الوزير. والدوريستي نسبة إلى دوريست قرية من قرى الري يقال لها الآن ( درشت ) الكنى والألقاب ٢ ـ ٤٠٨.

١٥

محمد بن أحمد (١) قال حدثني الشيخ السعيد أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (٢) رحمه الله قال حدثني أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر الأسترآبادي (٣) قال حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار (٤) وكانا من الشيعة الإمامية قالا :

حدثنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام قال حدثني أبي عن آبائه عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : أشد من يتم اليتيم الذي انقطع عن أمه وأبيه يتم يتيم انقطع عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا وهذا الجاهل بشريعتنا ـ المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى (٥)

وبهذا الإسناد عن أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام قال قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به (٦) جاء يوم القيامة على رأسه تاج من نور يضيء لجميع أهل العرصات وحلة لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ثم ينادي مناد يا عباد الله هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة الجنان فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيرا أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا أو أوضح له عن شبهة

وبهذا الإسناد عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام قال قال الحسين بن علي (٧) : فضل كافل يتيم آل محمد المنقطع عن مواليه الناشب في رتبة الجهل (٨) يخرجه من جهله ويوضح له ما اشتبه عليه على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه كفضل الشمس على السها

وبهذا الإسناد عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري قال قال الحسين بن علي عليه‌السلام : ( من كفل لنا يتيما قطعته عنا محبتنا باستتارنا فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتى أرشده وهداه قال الله عز وجل أيها العبد الكريم المواسي لأخيه أنا أولى بالكرم منك اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف ألف

__________________

(١) أبو جعفر محمد بن أحمد بن العباس الدوريستي من ولد حذيفة بن اليمان العيسي الصحابي ، يروي عن الصدوق ويروي عنه ولده جعفر بن محمد أعيان الشيعة ٤٣ ـ ٢٦٦.

(٢) أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، شيخ الحفظة رئيس المحدثين ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر عليه‌السلام ، له نحو من ثلاثمائة مصنف ورد بغداد سنة ٣٥٥ وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن ، مات بالري سنة ٣٨١ الكنى والألقاب ١ ـ ٢١٢.

(٣) محمد بن القاسم الأسترآبادي المفسر ، الراوي لتفسير الإمام العسكري عليه‌السلام ، شيخ ابن بابويه ، روى عنه كثيرا في الفقيه والتوحيد وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، وترضى عنه وترحم عليه شرح مشيخة الفقيه ص ١٠٠.

(٤) ابو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار قال الإمام العسكري عليه‌السلام لوالديهما : « خلفا على ولديكما لأفيدهما العلم الذي يشرفهما الله تعالى به » ، ومن هذا الكلام يظهر عظيم منزلتهما وثقتهما بعكس ما رماهما بعضهم بالضعف لأن من علمه الإمام علما يشرفه الله تعالى به لا يعقل كونه غير عدل. تنقيح المقال ٢ ـ ٣٠٥.

(٥) الرفيق : جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين. وفي بعض النسخ « الرفيع الأعلى ».

(٦) حبوناه : أعطيناه بلا عوض.

(٧) في بعض النسخ « الحسن بن علي ».

(٨) الناشب : الواقع فيما لا مخلص منه.

١٦

قصر وضموا إليها ما يليق بها من سائر النعيم ).

وبهذا الإسناد عنه عليه‌السلام قال قال محمد بن علي الباقر عليهما السلام العالم كمن معه شمعة تضيء للناس فكل من أبصر بشمعته دعا بخير كذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة فكل من أضاءت له فخرج بها من حيرة أو نجا بها من جهل فهو من عتقائه من النار والله يعوضه عن ذلك بكل شعرة لمن أعتقه ما هو أفضل له من الصدقة بمائة ألف قنطار (١) على الوجه الذي أمر الله عز وجل به بل تلك الصدقة وبال على صاحبها لكن يعطيه الله ما هو أفضل من مائة ألف ركعة يصليها من بين يدي الكعبة

وبهذا الإسناد عنه عليه‌السلام قال قال جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام علماء شيعتنا مرابطون في الثغر ـ الذي يلي إبليس وعفاريته يمنعوهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته والنواصب ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم

وعنه عليه‌السلام بالإسناد المتقدم قال قال موسى بن جعفر عليه‌السلام : فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عنا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه أشد على إبليس من ألف (٢) عابد لأن العابد همه ذات نفسه فقط وهذا همه مع ذات نفسه ذوات عباد الله وإمائه لينقذهم من يد إبليس ومردته فلذلك هو أفضل عند الله من ألف عابد وألف ألف عابدة

وعنه عليه‌السلام قال قال علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : يقال للعابد يوم القيامة نعم الرجل كنت ـ همتك ذات نفسك وكفيت مئونتك فادخل الجنة ألا إن الفقيه من أفاض على الناس خيره وأنقذهم من أعدائهم ووفر عليهم نعم جنان الله تعالى وحصل لهم رضوان الله تعالى ويقال للفقيه يا أيها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبيهم ومواليهم قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك فيقف فيدخل الجنة معه فئاما وفئاما وفئاما (٣) حتى قال عشرا وهم الذين أخذوا عنه علومه وأخذوا عمن أخذ عنه وعمن أخذ عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة فانظروا كم صرف ما بين المنزلتين (٤)

وعنه عليه‌السلام قال قال محمد بن علي الجواد عليه‌السلام : من تكفل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم ـ المتحيرين في جهلهم الأسارى في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين برد وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربهم ودلائل أئمتهم ـ ليحفظوا عهد الله على العباد بأفضل الموانع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء وفضلهم على العباد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء.

__________________

(١) القنطار : قيل هو ألف ومائتا أوقية ، وقيل مائة وعشرون رطلا ، وقيل هو ملء مسك ثور ذهبا ، وقيل : ليس له وزن عند العرب ، وفسر القنطار من الحسنات في حديث مذكور في معاني الأخبار وغيره بألف ومائتي أوقية وأوقية ، أعظم من جبل أحد.

(٢) في بعض النسخ « ألف ألف عابد ».

(٣) الفئام : الجماعة الكثيرة من الناس ، وقد فسر في بعض الأحاديث بمائة الف.

(٤) الصرف : الفصل ، يقال « لهذا صرف على هذا » أي فضل.

١٧

وعنه عليه‌السلام قال : قال علي بن محمد عليه‌السلام لو لا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه‌السلام من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل

وعنه عليه‌السلام قال يأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم على رأس كل واحد منهم تاج بهاء قد انبثت تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلها فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه ومن ظلمة الجهل علموه ومن حيرة التيه أخرجوه إلا تعلق بشعبة من أنوارهم فرفعتهم إلى العلو حتى تحاذي بهم فوق الجنان ثم ينزلهم على منازلهم المعدة في جوار أستاديهم ومعلميهم وبحضرة أئمتهم الذين كانوا إليهم يدعون ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلا عميت عينه وأصمت أذنه وأخرس لسانه وتحول عليه أشد من لهب النيران فيحملهم حتى يدفعهم إلى الزبانية فيدعونهم (١) إلى سواء الجحيم

وقال أيضا أبو محمد الحسن العسكري عليه‌السلام إن محبي آل محمد عليهم‌السلام مساكين مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقراء وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم من مقاتلة أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم ويسفهون أحلامهم ألا فمن قواهم بفقهه وعلمهم حتى أزال مسكنتهم ثم يسلطهم على الأعداء الظاهرين النواصب وعلى الأعداء الباطنين إبليس ومردته حتى يهزموهم عن دين الله يذودوهم (٢) عن أولياء آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حول الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم فأعجزهم عن إضلالهم قضى الله تعالى بذلك قضاء حقا على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام من قوى مسكينا في دينه ضعيفا في معرفته على ناصب مخالف فأفحمه (٣) لقنه الله تعالى يوم يدلى في قبره أن يقول الله ربي ومحمد نبيي وعلي وليي والكعبة قبلتي والقرآن بهجتي وعدتي والمؤمنون إخواني فيقول الله أدليت بالحجة (٤) فوجبت لك أعالي درجات الجنة فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة.

وقال أبو محمد عليه‌السلام قالت فاطمة عليها‌السلام وقد اختصم إليها امرأتان فتنازعتا في شيء من أمر الدين إحداهما معاندة والأخرى مؤمنة ففتحت على المؤمنة حجتها فاستظهرت على المعاندة ففرحت فرحا شديدا فقالت فاطمة إن فرح الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها وإن الله عز وجل قال للملائكة أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف مما كنت أعددت لها واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على أسير مسكين فيغلب معاندا مثل ألف ألف ما كان له معدا من الجنان

وقال أبو محمد عليه‌السلام قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقد حمل إليه رجل هدية فقال له أيما أحب إليك أن أرد عليك بدلها عشرين ضعفا يعني عشرين ألف درهم أو أفتح لك بابا من العلم تقهر فلانا الناصبي ـ

__________________

(١) الدع : الدفع بعنف.

(٢) الذود : الطرد والمنع.

(٣) أفحمه : أسكته.

(٤) أدلى بالحجة : أظهرها.

١٨

في قريتك تنقذ به ضعفاء أهل قريتك إن أحسنت الاختيار جمعت لك الأمرين وإن أسأت الاختيار خيرتك لتأخذ أيهما شئت.

فقال يا ابن رسول الله فثوابي في قهري ذلك الناصب واستنقاذي لأولئك الضعفاء من يده قدره عشرون ألف درهم قال أكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرة.

قال يا ابن رسول الله فكيف أختار الأدون بل أختار الأفضل الكلمة التي أقهر بها عدو الله وأذوده عن أوليائه فقال الحسن بن علي عليهما‌السلام قد أحسنت الاختيار وعلمه الكلمة وأعطاه عشرين ألف درهم فذهب فأفحم الرجل فاتصل خبره به فقال له حين حضر معه يا عبد الله ما ربح أحد مثل ربحك ولا اكتسب أحد من الأوداء مثل ما اكتسبت مودة الله أولا ومودة محمد وعلي ثانيا ومودة الطيبين من آلهما ثالثا ومودة ملائكة الله تعالى المقربين رابعا ومودة إخوانك المؤمنين خامسا واكتسبت بعدد كل مؤمن وكافر ما هو أفضل من الدنيا ألف مرة فهنيئا لك هنيئا.

وقال أبو محمد عليه‌السلام قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : من كان همه في كسر النواصب عن المساكين من شيعتنا الموالين حمية لنا أهل البيت يكسرهم عنهم ويكشف عن مخازيهم ويبين عوارهم (١) ويفخم أمر محمد وآله جعل الله تعالى همة أملاك الجنان في بناء قصوره ودوره يستعمل بكل حرف من حروف حججه على أعداء الله أكثر من عدد أهل الدنيا أملاكا قوة كل واحد يفضل عن حمل السماوات والأرضين فكم من بناء وكم من نعمة وكم من قصور لا يعرف قدرها إلا رب العالمين.

وقال أبو محمد عليه‌السلام قال علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام أفضل ما يقدمه العالم من محبينا وموالينا أمامه ليوم فقره وفاقته وذله ومسكنته أن يغيث في الدنيا مسكينا من محبينا من يد ناصب عدو لله ولرسوله يقوم من قبره والملائكة صفوف من شفير قبره إلى موضع محله من جنان الله فيحملونه على أجنحتهم يقولون له مرحبا طوباك (٢) يا دافع الكلاب عن الأبرار ويا أيها المتعصب للأئمة الأخيار.

وقال أبو محمد لبعض تلامذته لما اجتمع إليه قوم من مواليه والمحبين لآل محمد رسول الله بحضرته وقالوا يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن لنا جارا من النصاب يؤذينا ويحتج علينا في تفضيل الأول والثاني والثالث على أمير المؤمنين عليه‌السلام ويورد علينا حججا لا ندري كيف الجواب عنها والخروج منها مر بهؤلاء إذا كانوا مجتمعين يتكلمون فتستمع عليهم فيستدعون منك الكلام فتكلم وأفحم صاحبهم واكسر عربه (٣) وفل حده (٤) ولا تبق له باقية فذهب الرجل وحضر الموضع وحضروا وكلم الرجل فأفحمه وصيره لا يدري في السماء هو أو في الأرض.

قالوا ووقع علينا من الفرح والسرور ما لا يعلمه إلا الله تعالى وعلى الرجل والمتعصبين له من الغم والحزن ـ

__________________

(١) عوارهم : عيوبهم.

(٢) طوباك : طوبى لك ، وطوبى اسم للجنة ، وقيل شجارة فيها.

(٣) عربه : حدته ، وفي بعض النسخ « عرنينه » وهو أول الأنف تحت مجتمع الحاجبين.

(٤) فل حده : مثل حد سيفه ، وهو كناية عن كسر الشوكة.

١٩

مثل ما لحقنا من السرور فلما رجعنا إلى الإمام قال لنا إن الذين في السماوات لحقهم من الفرح والطرب بكسر هذا العدو لله كان أكثر مما كان بحضرتكم والذي كان بحضرة إبليس وعتاة مردته من الشياطين من الحزن والغم أشد مما كان بحضرتهم ولقد صلى على هذا العبد الكاسر له ملائكة السماء والحجب والعرش والكرسي وقابلها الله تعالى بالإجابة فأكرم إيابه وعظم ثوابه ولقد لعنت تلك الأملاك عدو الله المكسور وقابلها الله بالإجابة فشدد حسابه وأطال عذابه.

٢٠