حكم ومواعظ من حياة الانبياء عليهم السلام - ج ٢

مرتضى الميلاني

حكم ومواعظ من حياة الانبياء عليهم السلام - ج ٢

المؤلف:

مرتضى الميلاني


الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-465-066-x
الصفحات: ٣٣٦

المدينة فقتلت به.

وايضا نرى في قوله تعالى : ( ولا يلتفت منكم احد ) احتمالات عديدة : منها.

١ ـ لا ينظر احد الى وراء مديرا وجهه لمن خلفه.

٢ ـ لا تفكروا بما تركتم خلفكم من الاموال والقصور ووسائل المعاش ، انما عليكم ان تنجوا بانفسكم من العذاب والهلاك ، ولا تنفعكم اموالكم واولادكم ونسائكم اذا نزل العذاب وقامت القيامة.

٣ ـ لا يتاخر احد منكم عن هذه القافلة الصغيرة يا اهل لوط عليه‌السلام الى غير ذلك من الاحتمالات ...

فاخذت الصيحة القوم مشرقين ، وارسل الله عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين ، وقلب مدائنهم عليهم فجعل عاليها سافلها ، واخرج من كان فيها من المؤمنين ، فلم يجد فيها غير بيت من المسلمين ، وهو بيت لوط ، وترك فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم (١).

نزول غضب الله على قوم لوط عليه‌السلام دليل على ان القوم كانوا كفارا غير مؤمنين ، وان الفحشاء ما كانت شائعة بين الرجال منهم حسب بل ان الفحشاء شاعت بين الرجال والنساء ، واكتفى الرجال بالرجال باللواط ، والنساء بالنساء بالسحق.

ومن الاعمال الشنيعة والخبيبثة التي كان يرتكبونها قوم لوط وادت الى قطع السبيل كما ذكرها الله في كتابه العزيز : ( وتقطعون السبيل ) اي تقطعون سبيل الولد وقطع النسل الحلال باختياركم الرجال بدل النساء ، كما تقطعون

__________________

١ ـ الذاريات : ٣٧.

١٠١

سبيل المعروف ، وخوف الناس من الاسفار ، لان قوم لوط كانوا ياتون الفاحشة بالمجتازين في ديارهم ، وكانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالخذف ، فايهم اصابه كان اولى به ، وياخذون ماله ، وينكحونه ويغرمونه ثلاثة دراهم ، وكان لهم قاض يقضي بذلك ، وكانوا يقطعون الطريق على الناس بالسرقة ، وكانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء ، وكانوا ياتون الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضا ، وقيل : كانت مجالسهم تشمل انواع المناكير مثل الشتم والسخف والصفع والقمار وخذف الاحجار على من مر بهم ، وضرب المعازف والمزامير وكشف العورات واللواط.

ضلوا عليها عاكفين حتى جائتهم ريحا حصبتهم ورمتهم بالحجارة والحصباء فاهلكتهم.

آثار البخل :

نقرأ في حياة الانبياء وقصصهم ومواعظهم وحكمهم روايات مختلفة وقصص متعددة ، وهذا الاختلاف سببه ينحصر في نقل الراوي وحسب ما يراه ويعيشه من الحوادث والمناسبات الواقعة في زمانه وحين حضوره.

وعلى هذا الاساس نحن نذكر النقاط المهمة التي جرت في حياة الانبياء.

نقرا في كتاب بحار الانوار ما نقله من علل الشرائع عن الراوية الثقة « ابي بصير » رضي الله عنه القصة الثانية من حياة النبي لوط عليه‌السلام وقومه هذه الحكمة والموعظة المهمة عسى ان نعتبر بها ما ينفعنا لديننا ودنيانا.

... عن ابي بصير قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتعوذ من البخل؟ قال : نعم يا ابا محمد في كل صباح ومساء ، ونحن نتعوذ بالله من البخل ،

١٠٢

الله يقول : ( ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون ) (١) وساخبرك عن عاقبة البخل.

ان قوم لوط كانوا اهل قرية اشحاء على الطعام ، فاعقبهم البخل داء لا دواء له في فروجهم.

وقال : ان قرية لوط كانت على طريق السيارة الى الشام ومصر ، فكانت السيارة تنزل بهم فيضيفونهم ، فلما كثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذرعا وبخلا ولؤما ، فدعاهم البخل الى ان كانوا اذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم الى ذلك ، وانما كانوا يفعلون ذلك بالضيف حتى لا ينزل عندهم الضيوف والمارة على قريتهم.

فشاع امرهم في القرى وحذر منهم النازلة والمارة ، فاورثهم البخل بلاء لا يستطيعون دفعه عن انفسهم من غير شهوة لهم الى ذلك ، حتى صاروا يطلبونه من الرجال في البلاد ـ بشهوة ـ ويعطونهم عليه الجعل.

قال ابو بصير : فقلت له : جعلت فداك فهل كان اهل قرية لوط كلهم هكذا يعملون؟ فقال : نعم الا اهل بيت من المسلمين ، اما تسمع لقوله تعالى : ( فاخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) (٢).

ثم قال ابو جعفر عليه‌السلام : ان لوطا عليه‌السلام لبث في قومه ثلاثين سنة يدعوهم الى الله عزوجل ويحذرهم عذابه ، وكانوا قوما لا يتنظفون من الغائط ، ولا يتطهرون من الجنابة ، وكان لوط عليه‌السلام ابن خالة النبي ابراهيم عليه‌السلام وكان امرأة ابراهيم سارة اخت لوط ، وكان لوط وابراهيم نبيين مرسلين منذرين ، وكان لوط رجلا سخيا

__________________

١ ـ الحشر : ٩.

٢ ـ الذاريات : ٣٥.

١٠٣

كريما يقري الضيف اذا نزل به ، وكان قومه يحذرونه من ذلك ، وكانوا يقولون له : انا ننهاك ان تقر ضيفا ينزل بك ان فعلت فضحنا ضيفك الذي ينزل بك واخزيناك.

فكان لوط اذا نزل به الضيف كتم امره مخافة ان يفضحه قومه ، وذلك انه لم يكن للوط عشيرة تدافع عنه ، فضلّ على هذه الحالة حتى جاء امر الله وقلب عاليها سافلها وامطرهم بحجارة من سجيل.

وروي ايضا : ان قرية قوم لوط كانت كثيرة الشجر والنبات والخير ، وكان الطريق عليها ، وكان كل من يمر بتلك البلاد يتناول من ثمارهم وزرعهم ، فجزعوا من ذلك ، فجائهم ابليس في صورة شيخ فقال لهم : ادلكم على ما ان فعلتموه لم يمر بكم احد؟

فقالوا : ما هو؟ فقال : من مر بكم فانكحوه في دبره واسلبوه ثيابه ، ثم تصور لهم ابليس في صورة شاب امرد حسن الوجه ، فجائهم فوثبوا عليه ففجروا به كما امرهم فاستطابوه فكانوا يفعلونه بالرجال ، فاستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء.

وكان هذا اول انحراف قوم لوط وسبب هلاكهم.

وقال المسعودي : ارسل الله النبي لوط عليه‌السلام الى المدائن الخمسة وهي : سدوم ، وعموراء ، وادوما ، وصاعورا ، وصابورا. (١)

هذه المدن كان يسكنها قوم لوط ، واعظم هذه المدن سدوم ، وكان لوط يسكنها ، وقد قلبها الله عزوجل كلها على قومها المنحرفين ، فلذلك سميت ـ المؤتفكات : ـ اي المنقلبات.

__________________

١ ـ مروج الذهب : ج ١ ص ٢١.

١٠٤

ملاحظات :

اختلف المفسرون في معنى قول النبي لوط عليه‌السلام لقومه : ( هؤلاء بناتي هن اطهر لكم ).

ذلك لما رأى لوط عليه‌السلام ان الاشرار تجمعوا على داره ، وصمّموا على اقتحام الدار ، اراد ان يصرفهم عنه بتبديل ما يريدون من الفحشاء مما لا معصية فيه من الحلال ، فعرض بناته عليهم ورجحه لهم بانهن اطهر لكم ـ اي كان يقصد بذلك تزويجه بناته لهم وتركهم الفحشاء.

وتقييد قوله ـ هؤلاء بناتي ـ بقوله ( هن اطهر لكم ) شاهد صدق على انه عرض عليهم النكاح بالحلال لا بالسفاح ، وحاشا مقام النبي عن ذلك ـ وذلك لان السفاح لا طهارة فيه اصلا ، وقد قال الله تعالى : ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) (١) وقال تعالى : ( ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيل ) (٢) وهذه الاحكام مشرعة من قبل الله تعالى وعامة على كل الانبياء وفي جميع الشرائع الالهية النازلة على الانبياء.

وقيل ايضا : ان المراد بقوله : « هؤلاء بناتي » اشارة منه الى ان نساء القوم هن بناته ، لان النبي ابو امته فنساؤهم بناته كما ان رجالهم بنوه ، ويقرب هذا القول تعبيره عليه‌السلام ـ بالبنات ـ بنات القوم ، لانه ليس عنده الا بنتان ، وان البنتان لا يصدق عليهن لفظ الجمع.

وهناك من قال : بان بناته مسلمات وهم كفار ، ولا يجوز انكاح المسلمة من الكافر.

نقول : فمن الجائز ان يكون تزويج المؤمنة بالكافر جائزا في شريعة

__________________

١ ـ الانعام : ١٥١.

٢ ـ الاسراء : ٣٢.

١٠٥

لوط عليه‌السلام ، كما انه كان جائزا في صدر الاسلام ، وقد زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنته من ابي العاص بن الربيع وهو كافر قبل الهجرة ثم نسخ ذلك. (١)

ويحتمل ان يكون قوله مشروطا بالايمان ، اي تعالوا يا قومي وآمنوا بالله واتركوا الفحشاء حتى ازوجكم بناتي حلالا طاهرا ، وكان يريد بهذا ان يثبت منتهى علاقته بهدايتهم ويوقظ ضمائرهم ووجدانهم.

والملاحظة الاخرى في معنى قوله تعالى : « ولا يلتفت منكم احد » اي لا ينظر احد منكم وراءه او لا يلتفت احد منكم الى ماله ولا متاعه بالمدينة ، او لا يتخلف احد منكم ويتاخر في الخروج ، كما امرهم ان لا يلتفتوا اذا سمعوا الرجفة والهدة ، وقيل : ان امرأته التفتت حين سمعت الرجفة وقالت : يا قوماه ، فاصابها حجر فقتلها.

وذكر ان حجرا بقي معلقا بين السماء والارض اربعين يوما يتوقع به رجل من قوم لوط كان في الحرم حتى خرج منه فاصابه الحجر فقتله.

وقيل : لِمَ كانت لحظة نزول العذاب صباحا؟

والجواب هو : ان الله عزوجل امهلهم للصبح لعلهم يتيقظون ويرجعون اليه ويتوبون.

او ان الله لم يرد ان يجعل الليل داميا عليهم ، ولذلك فقد امر الملائكة المأمورين بالعذاب ان ينتظروا حتى يجيء الصباح؟!

او حتى يخرج لوط واهله ويبتعدوا عن المدينة.

وقيل لِمَ قلب الله عاليها سافلها؟ :

الجواب : ان العذاب ينبغي ان يتناسب مع الاثم ، حيث ان هؤلاء القوم

__________________

١ ـ الميزان : ج ١٠ ص ٣٣٩.

١٠٦

حرّفوا كل شيء عن طريق الانحراف الجنسي وارتكاب ابشع الاعمال والخبائث ، فان الله جعل مدنهم عاليها سافلها ايضا ، وحيث كانوا يترامون بالاحجار الصغيرة ويرمون بها المارة ، فان الله رماهم بحجارة من سجيل لتتهاوى على رؤوسهم ايضا ، وذلك لتشديد العذاب.

وان هذه الاحجار كانت لها علامات خاصة ومميزة تختلف عن بقية الاحجار العادية ، بل هي احجار خاصة لنزول العذاب الالهي ، هي احجار سماوية كل حجر يصيب شخص معين ولا يتخطاه ، وهي اشارة الى دقة الحساب في عقاب الله وجزائه.

ويحتمل ان يكون سبب قلب مينة قوم لوط وجعل عاليها سافلها على اهلها ورميهم بالحجارة ، هو اجراء الحد الشرعي عليهم ، لان الحد الشرعي في اللواط هو القتل ، اما برميهم من اعلى الشاهق او حرقهم ، او رجمهم بالحجارة اذا كانوا محصنين ، وبالشروط المذكورة في الفقه ، لان الحدود الشرعية لها شرائط دقيقة ذكرت في كتب الفقه.

ونقرأ في حديث للامام الصادق عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال :

« من جامع غلاما جاء يوم القيامة جنبا لا ينقيه ماء الدنيا ، وغضب الله عليه ولعنه واعد له جهنم وساءت مصيرا.

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان الذكر يركب الذكر فيهتز العرش لذلك. (١)

وعن امير المؤمنين عليه‌السلام قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال » (٢).

وقال عليه‌السلام : قال : اذا كان الرجل كلامه كلام النساء ، ومشيته مشية النساء ،

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ج ١٤ ص ٢٤٠.

٢ ـ نفس المصدر ص ٢٥٥.

١٠٧

ويمكّن من نفسه يُنكح كما تُنكح المرأة ، فارجموه ولا تستحيوه. (١)

فلسفة تحريم اللواط :

لقد صدر ـ وبكل وقاحة ـ من بعض الدول الغربية مثل ، بريطانيا اصدر المجلس النيابي فيها بجواز اللواط والزواج المماثل.

وقال بعض اتباع المذاهب المادية : نحن لا نجد مانعا طبيا عن هذا الأمر ـ اي اللواط ـ.

ولكنهم مع الاسف نسوا او تناسوا ان كل انحراف جنسي له اثره في روحية الانسان وبنائه ويفقد بسببه كل تعادل وتوازن وشخصية الانسان الطبيعي والسليم يميل الى ما يخالفه جنسه ، اي الرجل يميل الى المرأة ، والمرأة تميل الى الرجل ، وهذا امر طبيعي والانسان فطر عليه ، وهذا الأمر ضامن لبقاء النسل وسعادة المجتمع ونموه وتطوره ، اما الانحراف الجنسي ـ اي اللواط ـ سوف يحرف الانسان عن مسيره الطبيعي وسوف يوجد انواع كثيرة من الامراض النفسية والانحرافات والسقوط.

فالرجل الذي يميل الى نظيره من جنسه ـ ليس رجلا كاملا ، والاستمرار على هذا العمل وادامته يجر الانسان تدريجيا الى البرود الجنسي ، ويورث هذا العمل ايضا ضعفا مفرطا في الجنس حتى انه لا يستطيع بعد مدة على المعاشرة الطبيعية مع جنسه المخالف ـ المرأة ـ.

مع العلم ان الاحساسات الجنسية للرجل والمرأة لها تأثير فاعل على روحية كل منهما.

__________________

١ ـ نفس المصدر : ص ١٥٩.

١٠٨

وكذلك يمكن ان يؤثر هذا العمل الشنيع الى ضعف جسم الانسان وروحه ، ومن الممكن ايضا ان يبتلى الافراد المنحرفون بالضعف الجنسي الذي يؤدي الى عدم القدرة على الانجاب والتوليد.

وعلى هذا سوف يفقدون وبالتدريج القدرة والنشاط على الادارة والعمل في اواسط المجتمع ، ويعشعش في روحهم نوع من الاضطراب والقلق ، وهذا القلق والاضطراب النفسي سوف يؤدي بهم الى استعمال المواد المخدرة والمشروبات الكحولية ، كما يجرهم الى انحرافات اخلاقية اخرى.

واذا لم يصمموا على اصلاح انفسهم فورا ، ولم يستعينوا بالطبيب النفسي او الطبيب الجسمي ، سوف يصبح هذا العمل عندهم امرا طبيعيا وعاديا ، عند ذلك يصعب تركه.

نقل عن الامام الصادق عليه‌السلام ان رجلا سأله : لم حرم الله اللواط؟ فقال سلام الله عليه « من اجل انه لو كان اتيان الغلام حلالا لاستغنى الرجال عن النساء وكان فيه قطع النسل وتعطيل الفروج وكان في اجازة ذلك فساد كبير. (١)

وهنا مسألة فقهية جديرة بالالتفات وهي : ان الاسلام حرم الزواج من اخت المفعول به وامه وبنته على الفاعل ، اي اذا تحقق اللواط قبل الزواج من احد هؤلاء المذكورين ، فعندئذ يحرم الزواج منهن حرمة مؤبدة. (٢)

حكمة :

في الواقع وكما اشرنا الى ذلك ان كل حياة الانبياء عليهم‌السلام حكم ومواعظ يجب علينا ان نتعظ منها ، ولكن احيانا نذكر بعض الكلمات والاقوال من اجل التاكيد

__________________

١ ـ تفسير الامثل : ج ٧ ص ٣٠.

٢ ـ المسائل المنتخبة والرسائل العملية للمراجع باب النكاح : اسباب التحريم م٩٩٥.

١٠٩

على ذلك.

روي انه لما بعث الله اربعة املاك الى ابراهيم عليه‌السلام من اجل اهلاك قوم لوط ، وهم : جبرئيل ، وميكائيل ، واسرافيل ، وكرّوبيل ، فسلموا عليه ولم يعرفهم ، فشوى لهم عجلا سمينا ووضعه بين ايديهم فقال لهم كلوا ، ولكنهم امتنعوا من الاكل ...

فقالوا : لا ناكل حتى تخبرنا ما ثمنه ، فقال : اذا اكلتم فقولوا : بسم الله ، واذا فرغتم فقولوا : الحمد لله ، قال : فالتفت جبرئيل الى اصحابه وكان رئيسهم فقال : حق لله ان يتخذ هذا خليلا. (١)

وروي عن الامام علي عليه‌السلام قال :

... وستة في هذه الامة من اخلاق قوم لوط ، ... واما التي من اخلاق قوم لوط : فالجلاهق (٢) وهو البندق والخذف ، ومضع العلك ، وارخاء الازار خيلاء ، وحل الازرار من القباء والقميص. (٣)

وقال عليه‌السلام ايضا : ... اذا كنت في الصلاة لا يصلي الرجل في قميص متوشحا به فانه من افعال قوم لوط. (٤)

هلاك قوم لوط :

عن ابي جعفر عليه‌السلام ، ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل جبرئيل كيف كان مهلك قوم

__________________

١ ـ البحار : ج ١٢ ص ١٦٨.

٢ ـ الجلاهق : جسم صغير كروي من طين او رصاص يرمى به الناس ، والبندق جسم صغير ايضا يعملونه من الطين ويرمون به الناس.

٣ ـ الخصال ج ١ ص ٣٣١.

٤ ـ نفس المصدر ص ٦٢٧.

١١٠

لوط؟ فقال :

ان قوم لوط كانوا اهل فرية لا يتنظفون من الغائط ، ولا يتطهرون من الجنابة ، بخلاء اشحاء على الطعام ، وان النبي لوط لبث عندهم ثلاثين سنة ، ولم يكن له عشيرة فيهم ولا قوم ، وانه دعاهم الى الله عزوجل والى الايمان واتباعه ، ونهاهم عن الفواحش ، وحثهم على طاعة الله فلم يجيبوه ولم يطيعوه ، وان الله عزوجل لما اراد عذابهم بعث اليهم رسلا منذرين عذرا ونذرا ، ـ ولم يعذبهم قبل ان يرسل اليهم رسولا منذرا ـ.

فلما عتوا عتوا عن امر الله ولم يتوبوا بعث الله اليهم ملائكة ليخرجوا من كان في قريتهم من المؤمنين ، فما وجدا منها غير بيت من المسلمين فاخرجوهم منها ، وقالوا للوط : اسر باهلك من هذه القرية الليلة بقطع من الليل ولا يلتفت منكم احد ..

فلما انتصف الليل سار لوط ببناته ورجعت امرأته مدبرة الى قومها واخبرت قومها بان لوط خرج ببناته ...

عند ذلك امر الله تعالى جبرئيل عليه‌السلام ان يهبط الى قرية لوط فقلعها وما حوت من سبع ارضين فرفعها ، حتى سمع اهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها على قومها حتى صار اسفلها اعلاها بأمر من الله ، وامطر الله عليهم حجارة من سجيل مسومة فسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيل وقال : اين كانت قريتهم من البلاد؟

فقال جبرئيل : كان موضع قريتهم في موضع بحيرة طبرية اليوم ، وهي من نواحي الشام.

قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرأيتك حين قلبتها عليهم في اي موضع من الارضين وقعت القرية واهلها؟ فقال : يا محمد وقعت فيما بين بحر الشام الى

١١١

مصر فصارت تلولا في البحر. (١)

معنى كلمة لوط :

كلمة لوط لها معاني كثيرة منها :

لوط : بمعنى لاط ، اي لاط الحوض بالطين لوطا ، اي : طيّنه وقال اللحياني : لاط فلان بالحوض ـ اي طلاه بالطين وملسه به.

فالتاط به ، اي التصق به ، وفي الحديث : من احب الدنيا التاط منها بثلاث ـ اي التصق بها ـ شغل لا ينقضي ، وامل لا يدرك ، وحرص لا ينقطع.

وايضا اذا لزق الحب بالقلب يقال : لاط حبه بقلبي ، اي لصق حبه بقلبي ـ ويقال : الولد الوط بالقلب ـ اي الصق بالقلب ، وكذلك كل شيء لَصقَ بشيء ، فقد لاط به يلوط لوطا ، ويليط ليطا.

قال الليث : لوط كان نبيا بعثه الله الى قومه فكذبوه واحدثوا ما احدثوا ، فاشتق الناس من اسمه فعلا لمن فعَلَ فِعلَ قومه. (٢)

ولوط هو ابن هاران بن تارخ ابن اخي ابراهيم عليه‌السلام ، « وانما سمي لوط لان حبه لاط بقلب ابراهيم عليه‌السلام » اي تعلق به ولصق ، وكان النبي ابراهيم عليه‌السلام يحبه حبا شديدا.

ولوط خرج من ارض بابل مع عمه ابراهيم ، وكان مؤمنا بعمه تابعا له في دينه وهاجر معه الى الشام ....

__________________

١ ـ علل الشرائع : ص ١٨٤.

٢ ـ لسان العرب : ج ١٢ ص ٣٥٧.

١١٢

( ١١ )

حكم و مواعظ من حياة

ذي القرنين

١١٣
١١٤

قصة ذي القرنين

قال الله تعالى : ( ويسالونك عن ذي القرنين قل ساتلو عليكم منه ذكرا ، انا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شيء سببا ، فاتبع سببا ... الخ ) (١).

اختلف المفسرون في شخصية ذي القرنين ، وكما اثارت اهتمام الفلاسفة والباحثين منذ القدم ، وبذلوا مساعي كثيرة للتعرف على هذه الشخصية.

وحياة ذي القرنين مليئة بالحكم والموعظة والعبر ، وكانت محاطة بالغموض والابهام ، لذلك طالبوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يوضح لهم حياة ذي القرنين.

واعلم ان الروايات المروية من طرق الشيعة والسنة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن طرق الشيعة عن الائمة اهل البيت عليهم‌السلام ، وكذلك الاقوال المنقولة عن الصحابة والتابعين كثيرة ومشتملة على غرائب وعجائب يستوحش منها الذوق السليم ، واغربها ما روي عن علماء اليهود وغيرهم.

وعلى هذا نحن هنا نترك كل الاقوال المذكورة في الكتب المختلفة عن حياة ذي القرنين ولا نتطرق لها ، ولكن نذكر مختصرا عن حياته المباركة ما جاء به في القرآن الكريم وتفسير آياته وباختصار ايضا ، وبعد ذلك نذكر حكمه ومواعظه الغنية لمن يتعض ....

__________________

١ ـ الكهف : ٨٣ ـ ٩٨.

١١٥

ذي القرنين في القرآن :

فلما اخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخبر موسى عليه‌السلام وفتاه والخضر ، قالوا له : يا رسول الله اخبرنا عن طائف طاف الارض بين المشرق والمغرب من هو؟ وما قصته؟ فانزل الله تعالى : ( ويسالونك عن ذي القرنين ) (١).

فيكون الجواب على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قل ساتلو عليكم منه ذكرا ) والرسول هنا يتحدث لهم مباشرة عن ذي القرنين.

ويظهر من بداية الآية ان قصة « ذو القرنين » كانت متداولة ومعروفة بين الناس ، ولكنها كانت محاطة بالغموض والابهام ، لهذا السبب طالبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليوضحها لهم.

يقول تعالى : ( انا مكنا له في الارض ) (٢) اي منحناه القوة والقدرة والحكم على وجه الارض ، ( وآتيناه من كل شيء سببا ) (٣) اي اعطاه الله ومنحه كل وسائل القدرة والتمكن ، وعلمه اسباب الوصول اليها مثل : العقل : والعلم الكافي ، والادارة السليمة ، والقوة والقدرة ، والجيوش البشرية ، بالاضافة الى الامكانيات المادية والمعنوية الكفيلة بتحقيق الاهداف المنشودة.

ثم يشير القرآن بعد ذلك الى استفادة ذي القرنين من هذه الاسباب والسبل حيث يقول : « فاتبع سببا » اي استفادة من العقل والعلم والقوة التي منحها الله اياه في خدمة الانسان وهدايته واخذ يجول في الارض شرقها وغربها ، فيقول تعالى :

( حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ) (٤).

__________________

١ ـ الكهف : ٨٣.

٢ ـ ٣ ـ الكهف : ٨٤.

٤ ـ الكهف : ٨٦.

١١٦

« حمئة : تعني في الاصل الطين الاسود ذا الرائحة الكريهة ، او الماء الاسن الموجود في المستنقعات ، وهذا الوصف يبين لنا بان الارض التي بلغها ذو القرنين ، كانت مليئة بالمستنقعات ، بشكل كان ذو القرنين يشعر معه بان الشمس كانت تغرب في هذه المستنقعات ، تماما كما يشعر بذلك ما بحر البحر ، وسكان السواحل الذين يشعرون بان الشمس غابت في البحر او خرجت منه ».

( ووجد عندها قوما ) (١) : هؤلاء القوم هم الذين خاطب الله ذا القرنين في شأنهم وقال :

( قلنا يا ذا القرنين إما ان تعذب وإما ان تتخذ فيهم حسنا ) (٢) اي اما ان تعذب هؤلاء القوم ، واما ان تتخذ فيهم امرا ذا حسن ، حسب الظاهر ان هؤلاء القوم الذين وجدهم ذي القرنين كانوا منحرفين ولا يعبدون الله وظَلَمة.

بعد ذلك تحكي الآية جواب ذي القرنين الذي قال : ( قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا ) (٣) اي ان الظالمين سينالون العذاب الدنيوي والاخروي معا.

( وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى ) (٤).

( وسنقول له من امرنا يسرا ) (٥).

اي اننا سنتعامل مع المؤمنين بالقول الحسن ونحسن له ونكلفه بما فيه اليسر ، اما الظالمين منهم سوف نعذبهم ونشدد عليهم في الضرائب والاعمال الشاقة.

وعندما انتهى ـ ذو القرنين ـ من سفره الى المغرب ، توجه الى المشرق

__________________

١ و ٢ ـ الكهف : ٨٦.

٣ ـ الكهف : ٨٧.

٤ و ٥ ـ الكهف : ٨٨.

١١٧

حيث يقول القرآن في ذلك : ( ثم اتبع سببا ) (١) ، اي استخدم الوسائل والامكانات التي كانت بحوزته.

( حتى اذا بلغ مطلع الشمس ) (٢) رأى هنا انها تطلع على قوم آخرين ، ما هي صافتهم؟ ( وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ) (٣) اي كانت صفاتهم عراة ، لا يملكون سوى القليل من الملابس التي لا تكفي لتغطية ابدانهم من الشمس ، ولم تكن عندهم مساكن تحميهم من الشمس ، ويحتمل ان يكون هؤلاء القوم في ارض صحراوية لا يوجد فيها جبال ولا اشجار ولا ملاجيء يمكنهم حماية انفسهم.

( كذلك وقد احطنا بما لديه خبرا ) (٤). هكذا كانت اعمال ـ ذو القرنين ـ ونحن ، اي الله يعلم جيدا بامكاناته وقدراته وكل جزئياته ، ولا يخفى عليه ما قاساه ذو القرنين في هذا المسير وما تحمله من مصائب وشدائد.

بناء السد :

بعد ان انتهى ـ ذي القرنين ـ من سفره الى المغرب والمشرق ، ينتقل الى المرحلة الثانية والسفرة الثالثة وهي بناء السد والتقاءه بقوم آخرين. حيث يقول تعالى :

( ثم اتبع سببا ) : اي استفاد من الوسائل المهمة التي كانت تحت تصرفه لبناء السد .. فقال تعالى :

( حتى اذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون

__________________

١ ـ الكهف : ٨٩.

٢ ـ ٣ ـ الكهف : ٩٠.

٤ ـ الكهف : ٩١.

١١٨

قولا ) (١).

تشير الآية المباركة الى انه وصل الى منطقة جبلية ، وهناك وجد اناسا ـ غير المجموعتين اللتين عثر عليهما في الشرق والغرب ـ كانوا على مستوى دان من المدينة ، وكانوا لا يفهمون محتوى الكلام ومتخلفين فكريا عندما وصل ذو القرنين اليهم وراوه ، اغتنموا مجيئه واستنجدوا به ، لانهم كانوا في عذاب شديد من قبل اعدائهم « يأجوج ومأجوج » لذا فقد طلبوا منه العون قائلين :

( قالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا ) (٢).

تم التفاهم بين هؤلاء القوم وذي القرنين بالعلامات والاشارات او عن طريق المترجمين ، او باسلوب آخر ، على كل حال اتفقوا معه على بناء السد ، وكانت هذه المجموعة من الناس على وضع جيد من حيث الامكانات والثروة المادية ، ولكنهم ضعفاء من حيث الفكر والصناعة والتخطيط ، لذا فقد قبلوا بتكاليف بناء هذا السد المهم بشرط ان يتكفل ذو القرنين ببنائه.

اما ذو القرنين فقد اجابهم : و ( قال ما مكّنّي فيه ربي خير ) واني لا احتاج الى مساعدتكم المالية ، وانما : ( فاعينوني بقوة اجعل بينكم وبينهم ردما ) (٣).

فان ذو القرنين طلب منهم قوة بشرية من اجل ان يساعدوه على بناء السد ، وكلمة « ردم » هنا تقال للسد القوي ، ويطلق ايضا على ـ ترقيع الملابس ـ.

__________________

١ ـ الكهف : ٩٣.

٢ ـ الكهف : ٩٤.

٣ ـ الكهف : ٩٥.

١١٩

ثم امر ذو القرنين وطلب منهم وقال : ( آتوني زبر الحديد ) (١) وهي تعني القطع الكبير من الحديد.

وعندما جاءوه بقطع من الحديد اعطى امرا بوضع بعضها فوق بعض الآخر حتى غطى بين الجبلين بشكل كامل : ( حتى اذا ساوى بين الصدفين ) (٢) ومعنى « الصدف » هنا حافة الجبل ، حيث كان بين حافتي الجبل شقا كان يدخل منها يأجوج ومأجوج ويؤذون القوم ، وقد صمم ذو القرنين ملأ هذا الشق.

وبعد ذلك امرهم ذو القرنين وطلب منهم ان ياتون الحطب والاخشاب ويضعونها على جانبي السد ، واشعل النار فيه حتى احمر الحديد من شدة النار و ( قال انفخوا حتى اذا جعله نارا ) (٣).

لقد كان هدف ذو القرنين من ذلك هو ربط قطع الحديد بعضها مع البعض ليصنع منه قطعة واحدة ، والتحمت اجزاء الحديد بعضها ببعض.

وبعدما انتهى من هذه المرحلة ، طلب منهم فقال : اجلبوا لي النحاس المذاب حتى اضعه فوق هذا السد : ( قال آتوني افرغ عليه قطرا ) (٤).

وبهذه الطريقة فقد قام بتغطية هذا السد الحديدي بقطعة من النحاس حتى لا ينفذ فيه الهواء ويحفظ من التآكل.

ان علم الحديث اليوم اثبت انه عند اضافة مقدار من النحاس الى الحديد فان ذلك سيزيد من مقدار مقاومته.

واخيرا تم بناء السد واصبح محكما وقويا بحيث : ( فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا ) (٥).

لقد كان عمل ذي القرنين عظيما ومهما ، وكان يمكن له ان يتباهى ويفتخر

__________________

١ ـ ٤ ـ الكهف : ٩٦.

٥ ـ الكهف : ٩٧.

١٢٠