البدعة مفهومها وحدودها

محمد هادي الأسدي

البدعة مفهومها وحدودها

المؤلف:

محمد هادي الأسدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8629-56-0
الصفحات: ١٢٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

يحرم علىٰ المحرم ، كالطيب ، والمخيط ، والنساء ومتوجهاً ( إلىٰ الْحَجِّ ) ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) أي عليه ما استيسر من الهدي من البدنة أو البقرة أو الشاة ، ثم تبيّن الآية الشريفة حكم من لم يقدر علىٰ ذلك ، وهو الصيام عشرة أيام ، وكيفية الصيام هي ( ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) متواليات و ( وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ) إلىٰ أوطانكم ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) ، ( ذَٰلِكَ ) أي التمتع بالعمرة إلىٰ الحج فرض ( لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي لم يكن من أهل مكة وقراها ( وَاتَّقُوا اللَّـهَ ) فيما أمرتم به ونهيتم عنه في أمر الحج ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .

والآية صريحة في جواز التمتّع بمحظورات الاحرام بعد الاتيان بأعمال العمرة وقبل الاحرام للحج ، ولم يدّع أحد أنّ الآية نُسخت بآية أُخرىٰ أو قول أو فعل من قبل النبي الأكرم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكدها وأمر بها .

فقد روىٰ أهل السير والتاريخ : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج في العام العاشر من الهجرة إلىٰ الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة ، وقالت عائشة : لا يذكُر ولا يذكّر الناسُ إلّا الحج ، حتىٰ إذا كان بسرف وقد ساق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه الهدي ، وأشراف من أشراف الناس ، أمر الناس أن يحلّو بعمرة إلّا من ساق الهدي ـ إلىٰ أن قالت ـ : ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة ، فحلّ كل من كان لا هدي معه ، وحلّ نساؤه بعمرة ، .. لمّا أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساؤه أن يحللن بعمرة قلن : فما يمنعك يا رسول الله أن تحلَّ معنا ؟ فقال : « إني أهديتُ فلا أحلّ حتىٰ أنحر هديي » (١) .

__________________

(١) السيرة النبوية ، لابن هشام ٤ : ٢٤٨ ـ ٢٤٩ حجة الوداع .

٨١
 &

وتظافرت الروايات حول هذه الواقعة وما أمر به النبي وسنأتي هنا علىٰ قسم منها .

١ ـ روىٰ ابن داود أنّ النبي أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة يطوفوا ثم يقصِّروا ويُحلّوا إلّا من كان معهُ الهدي ، فقالوا : أننطلق إلىٰ منىٰ وذكورنا تقطر ! فبلغ ذلك رسول الله فقال : « أني لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديتُ ، ولولا أنّ معي الهدي لأحللت » (١) .

٢ ـ عن أبي رجاء قال : « قال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة في كتاب الله وأمرنا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج ، ولم ينه عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتىٰ مات .. » (٢) .

متىٰ ظهر النهي عن متعة الحج :

لقد تقدّم من بعض الروايات أنّ بعض المسلمين حين نزل التشريع بمتعة الحج وأمرهم الرسول بذلك ، استغربوا الأمر وتساءلوا فجاءهم التأكيد علىٰ الأمر من قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما تقدم القول فإنَّ الآية الخاصة بذلك لم تُنسخ حتىٰ وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإكمال الدين وإتمام النعمة .

وهي بذلك أصبحت جزءاً من الدين ، لكنَّ عمر بن الخطاب كان أول من نهىٰ عنها ، وبهذا تواترت ، ومنها :

١ ـ عن ابن عباس قال : « سمعتُ عمر يقول : والله إني لأنهاكم عن المتعة وإنّها لفي كتاب الله ولقد فعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعني العمرة في

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٢٨٣ كتاب المناسك ، باب افراد الحج ، ط دار الكتاب العربي .

(٢) صحيح مسلم ٤ : ٤٨ ـ ٤٩ كتاب الحج ، باب جواز التمتع .

٨٢
 &

الحج .. » (١) .

٢ ـ عن سعيد بن المسيّب : « إنّ عمر بن الخطاب نهىٰ عن المتعة في أشهر الحج وقال : فعلتها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهىٰ عنها وذلك أنَّ أحدكم يأتي من أُفق من الآفاق شعثاً نصباً معتمراً في أشهر الحج وإنّما شعثه ونصبه وتلبيتهُ في عمرته ثمَّ يقدم فيطوف بالبيت ويحلُّ ويلبس ويتطيَّب ويقع علىٰ أهله إن كانوا معه حتّىٰ إذا كان يوم التروية أهلّ بالحج وخرج إلىٰ منىٰ يلبّي بحجة لا شعث فيها ولا نصب ولا تلبية إلّا يوماً والحجُ أفضل من العمرة ، لو خلّينا بينهم وبين هذا لعانقوهنَّ تحت الآراك .. » (٢) .

٣ ـ روىٰ ابن حزم بسنده قال : قال عمر بن الخطاب : « متعتان كانتا علىٰ عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهىٰ عنهما وأضرب عليهما ـ ثم قال ـ هذا لغط أيوب ، وفي رواية خالد ، أنا أنهي عنهما وأُعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج » (٣) .

ولا نريد الاستطراد أكثر من هذا في ذكر الروايات التي أكّدت أنّ عمر ابن الخطاب نهىٰ عن متعة الحج وأنّه كان يعاقب عليها ، وهي جزء من التشريع وسُنّة الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

موقف المسلمين من النهي :

وقد عارض المسلمون هذا النهي الصريح ، وإليك الروايات مختصرة :

__________________

(١) سنن النسائي ٥ : ١٥٣ .

(٢) جمع الجوامع ، للسيوطي ٣ : ٣٢ .

(٣) المحلىٰ ، لابن حزم ٧ : ١٠٧ . الجامع للاحكام ، للقرطبي ٢ : ٣٩٢ .

٨٣
 &

١ ـ روىٰ مالك عن محمد بن عبدالله : « انّه سمع سعد بن أبي وقاص والضحّاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلىٰ الحج ، فقال الضحّاك بن قيس : لا يفعل ذلك إلّا من جهل أمر الله عزَّ وجل ! فقال سعد : بئس ما قلت يا ٱبن أخي ! فقال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطاب قد نهىٰ عن ذلك فقال سعد : قد صنعها رسول الله وصنعناها معه » (١) .

وللقارىء أن يمعن جيداً في قول الضحّاك : « لا يفعل ذلك إلّا من جهل أمر الله عزَّ وجلّ » ، إذ إن التمتع بالعمرة إلىٰ الحج هي من أوامر الله الصريحة في القرآن الكريم لكنها أصبحت عنده بسبب نهي عمر عنها مخالفة لأمر الله !! وهذا من أسوأ آثار البدعة في الدين إذ تتحول الشريعة إلىٰ بدعة عند الجهلة .

٢ ـ روىٰ الترمذي عن سالم بن عبدالله : « أنّه سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبدالله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلىٰ الحج ، فقال عبدالله بن عمر : حلال . فقال الشامي : إن أباك قد نهىٰ عنها !

فقال عبدالله بن عمر : أرأيت إن كان أبي نهىٰ عنها وصنعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أأمرُ أبي نتّبع ، أم أمر رسول الله ؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله . فقال : لقد صنعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢) .

٣ ـ وعن ابن عباس أيضاً أنّه قال لمن كان يعارضه في متعة الحج بأبي

__________________

(١) موطأ مالك ١ : ٢٣٣ كتاب الحج رقم ٦٠ ، طبعة دار الكتاب العربي ـ بيروت . سنن الترمذي : كتاب الحج رقم ٨٢٣ .

(٢) صحيح الترمذي ٤ : ٣٨ كتاب الحج باب المتعة بالحج والعمرة .

٨٤
 &

بكر وعمر : « يوشك ان تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقولون : قال أبو بكر وعمر » (١) .

٤ ـ عن الحسن : أنَّ عمر أراد أن ينهىٰ عن متعة الحج ، فقال له أُبيّ بن كعب : « ليس ذلك لك ، قد تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينهنا عن ذلك ، فأضرب عن ذلك عمر .. » (٢) .

لكن هذا الإضراب كان مؤقتاً ، فقد نهىٰ عنها فيما بعد كما تقدّم من الروايات .

لقد كان ذلك نموذجاً ـ أي النهي عن متعة الحج ـ بارزاً علىٰ الانقاص من الدين ، وهو بدعة بلا شك ولا ريب .

ثانياً : إقامة صلاة التراويح جماعة :

من المتفق عليه بين الفقهاء وجود نوافل خاصّة بشهر رمضان المبارك في الشريعة المقدّسة ، فهي سُنّة مؤكدة ، وإنّ أوّل من عمل بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قال : « من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه » (٣) .

لكن النقاش في جواز إقامتها جماعة ، هل هي سُنّة أم بدعة ؟

١ ـ سأل زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل أبا جعفر الباقر وأبا عبدالله ( الصادق ) عليهما‌السلام عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل جماعة ، فقالا :

__________________

(١) زاد المعاد ، لابن القيّم ١ : ٢١٥ .

(٢) مجمع الزوائد ، للهيثمي ٣ : ٢٤٦ نقلاً عن أحمد .

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٥٨ باب فضل من قام رمضان رقم ٢٠٠٨ . صحيح مسلم ٢ : ١٧٦ باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح .

٨٥
 &

« إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا صلّىٰ العشاء الآخرة انصرف إلىٰ منزله ثم يخرج من آخر الليل إلىٰ المسجد فيقوم فيصلي ، فخرج في أوّل ليلة من شهر رمضان ليصلّي كما كان يصلّي ، فاصطف الناس خلفهُ فهرب منهم إلىٰ بيته وتركهم ، ففعلوا ذلك ثلاث ليال فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اليوم الثالث علىٰ منبره فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيُّها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل ولا تصلّوا صلاة الضحىٰ ، فإنّ تلك معصية ، ألا فإن كلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة سبيلها إلىٰ النار . ثم نزل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : قليل في سُنّة خير من كثير في بدعة » (١) .

٢ ـ عن عبيد بن زرارة عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يزيد في صلاته في شهر رمضان إذا صلّىٰ العتمة صلّىٰ بعدها ، يقوم الناس خلفهُ فيدخل ويدعهم ، ثم يخرج أيضاً فيجيئون ويقومون خلفه فيدخل ويدعهم مراراً » (٢) .

٣ ـ روىٰ البخاري قال : « حدثني يحيىٰ بن بكير : حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب : أخبرني عروة : أنَّ عائشة أخبرته أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج ليلة في جوف الليل فصلّىٰ في المسجد ، وصلّىٰ رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا ، فاجتمع أكثر منهم ، فصلّىٰ فصلّوا معه ، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة . فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّىٰ فصلَّوا بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتىٰ خرج لصلاة الصبح ، فلما قضىٰ الفجر أقبل علىٰ الناس فتشهد ثم

__________________

(١) الفقيه ، للصدوق ٢ : ٨٧ / ١ باب ٤٥ الصلاة في شهر رمضان .

(٢) تهذيب الاحكام ، للطوسي ٣ : ٦١ / ٢٠٨ باب فضل شهر رمضان والصلاة فيه .

٨٦
 &

قال : أما بعد فإنّه لم يخف عليّ مكانكم ولكني خشيتُ أن تفترض عليكم فتعجزوا عنها ، فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأمر علىٰ ذلك » (١) .

٤ ـ وجاء في كنز العمال : « سُئل عمر عن الصلاة في المسجد فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الفريضة في المسجد ، والتطوّع في البيت » » (٢) .

٥ ـ وجاء في المغني لابن قدامة : « وقال مالك والشافعي : قيام رمضان لمن قوي في البيت أحب الينا لما روىٰ زيد بن ثابت قال : احتجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجيرة بخصفة أو حصير ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها فتتبع إليه رجال وجاؤوا يُصلّون بصلاته ، قال : ثم جاؤوا ليلة فحضروا ، وأبطأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم ، فلم يخرج إليهم ، فرفعوا أصواتهم ، وحصبوا الباب ، فخرج إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغضباً فقال : « ما زال بكم صنيعكم حتىٰ ظننت أنّه سيكتب عليكم ، فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإنَّ خير صلاة المرء في بيته إلّا الصلاة المكتوبة » » (٣) .

ومن خلال التأمل في الروايات المتقدمة تراها أجمعت علىٰ النهي عن أداء صلاة التراويح جماعة ، غاية الأمر أنَّ بعض الروايات أرجعت النهي إلىٰ أسباب خشية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن « تكتب عليهم » أي أنْ تفرض عليهم فتكون جزءاً من التشريع بتلك الكيفية .

وأرجعت روايات أُخرىٰ أمر النهي إلىٰ أنَّ إقامتها جماعة « بدعة » بنص

__________________

(١) أي علىٰ ترك الجماعة في صلاة التراويح ، صحيح البخاري ٣ : ٥٨ باب فضل من قام رمضان ، ونحوه ٢ : ٦٣ باب التهجد بالليل . صحيح مسلم ٦ : ٤١ .

(٢) كنز العمّال ، لعلاء الدين الهندي ٨ : ٣٨٤ / ٢٣٣٦٣ .

(٣) المغني ، لموفق الدين بن قدامة ١ : ٨٠٠ .

٨٧
 &

قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رواية زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل ، وأنَّ إقامتها منفردة في البيت أفضل من إقامتها في المسجد ، وذهب إلىٰ ذلك أيضاً مالك والشافعي كما في رواية المغني التي تقدّمت .

واتفقت أغلب الروايات علىٰ أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفي والتراويح تقام فرادىٰ وليس جماعة .. فمن الذي فرضها جماعة في المسجد ؟ هذا ما سنتعرف عليه في ما يأتي :

أوّل من أمر بإقامة التراويح جماعة :

أجمعت الروايات علىٰ أنَّ عمر بن الخطاب كان أول من أمر بإقامة صلاة التراويح جماعة ، ومنع الناس من أدائها منفردة .

١ ـ عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير ، عن عبدالرحمن بن عبد القاري أنّه قال : « خرجتُ مع عمر بن الخطاب ليلةً في رمضان إلىٰ المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني أرىٰ لو جمعت هؤلاء علىٰ قاريء واحد لكان أمثل .

ثم عزم فجمعهم علىٰ أُبي بن كعب ، ثم خرجتُ معه ليلةً أُخرىٰ ، والناس يصلّون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نِعمَ البدعةُ هذهِ ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ! يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون أوّله » (١) .

٢ ـ عن أُبي بن كعب : « أن عمر بن الخطاب أمره أن يصلّي بالليل في

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٥٨ . وموطأ مالك : ٧٣ .

٨٨
 &

رمضان ، فقال : إنَّ الناس يصومون النهار ، ولا يحسنون أن يقرأوا ، فلو قرأت عليهم بالليل ، فقال : يا أمير المؤمنين هذا شيء لم يكن ! فقال : قد علمتُ ، ولكنه حسن ، فصلّىٰ بهم عشرين ركعة » (١) .

٣ ـ روىٰ البخاري : « توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناسُ علىٰ ذلك ( يعني انهم يصلّون التراويح فرادىٰ ) ثم كان الأمر علىٰ ذلك في خلافة أبي بكر ، وصدراً من خلافة عمر » (٢) .

٤ ـ قال ابن سعد في ترجمة عمر : « هو أول من سنَّ قيام شهر رمضان بالتراويح وجمع الناس علىٰ ذلك ، وكتب به إلىٰ البلدان ، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة » (٣) .

٥ ـ وقال ابن عبدالبر في ترجمة عمر : « وهو الذي نوّر شهر الصوم بصلاة الاشفاع فيه » (٤) .

٦ ـ وقال أبو الوليد محمد بن الشحنة عند ذكر وفاة عمر في حوادث سنة ٢٣ هـ : « هو أول من نهىٰ عن بيع أُمهات الأولاد .. وأوّل من جمع الناس علىٰ إمام يصلّي بهم التراويح » (٥) .

وأخيراً فإنَّ قول عمر حين رأىٰ الناس يصلّون بصلاة قارىء واحد كما تقدم في رواية عبدالرحمن بن عبد القاري : « نعمت البدعة هذه » دليلٌ

__________________

(١) كنز العمّال ، لعلاء الدين الهندي ٨ : ٤٠٩ / ٢٣٤٧١ .

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٥٨ باب فضل من قام رمضان / ٢٠١٠ .

(٣) الطبقات الكبرىٰ ، لابن سعد ٣ : ٢٨١ .

(٤) الاستيعاب ٣ : ١١٤٥ رقم ١٨٧٨ .

(٥) روضة المناظر كما في النص والاجتهاد ، للسيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي : ٢٥٠ .

٨٩
 &

ليس بعده دليل علىٰ أنّها سنّة ابتدعها عمر لم تكن موجودة في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا في عهد أبي بكر .

موقف المسلمين من بدعة الجماعة في التراويح :

لا نريد هنا أن نستقصي مواقف الصحابة الاُول وغيرهم من أمر عمر بإقامة التراويح جماعة ، بل نحاول أن نتعرض بإيجاز لهذه المواقف لتساعد القاريء علىٰ تكوين صورة واضحة عن طبيعة الموقف تجاهها في العصور الاولىٰ :

١ ـ عن أبي أُمامة الباهلي رضي‌الله‌عنه أنّه قال : « أحدثتم قيام شهر رمضان ، ولم يُكتب عليكم ، إنما كُتب عليكم الصيام » (١) .

وفي ذلك دلالة واضحة وصريحة علىٰ الاعتراض علىٰ الجماعة في صلاة التراويح .

٢ ـ عن نافع مولى عبدالله بن عمر : « أنّ ابن عمر كان لا يصلّي خلف الامام في شهر رمضان » (٢) .

٣ ـ وقد نهىٰ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام في خلافته الناس عن أداء صلاة التراويح جماعة لأنها بدعة ، فقد روي أنّه : « لما اجتمع الناس علىٰ أمير المؤمنين عليه‌السلام بالكوفة سألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان ، فزجرهم ، وعرّفهم أنَّ ذلك خلاف السُنّة ، فتركوه واجتمعوا ، وقدَّموا بعضهم ، فبعث إليهم الحسن عليه‌السلام ، فدخل عليهم

__________________

(١) الاعتصام ، للشاطبي ١ : ٢٩١ .

(٢) نصب الراية ، للزيلعي ٢ : ١٥٤ .

٩٠
 &

المسجد ومعهُ الدّرة ، فلما رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا : واعمراه » (١) .

وفي رواية أخرىٰ عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال : « لما قدم أمير المؤمنين عليه‌السلام الكوفة أمر الحسن بن علي أن ينادي في الناس : لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة ، فنادىٰ في الناس الحسن بن علي بما أمره به أمير المؤمنين ، فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليه‌السلام صاحوا : واعمراه ، واعمراه ! فلّما رجع الحسن إلىٰ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال له : ما هذا الصوت ؟ ـ قال ـ : يا أمير المؤمنين ، الناسُ يصيحون : واعمراه ، واعمراه ـ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ : قل لهم : صلّوا » (٢) .

فهل في قوله عليه‌السلام : « قُلْ لهم صلّوا » إقرار علىٰ الجماعة في التراويح ، أم أن هناك أسباباً أُخرىٰ ؟ هذا ما يكشف عنه النص الآتي المروي عنه عليه‌السلام : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعمدين لخلافه ، ناقضين لعهده مغيرين لسنته ، ولو حملتُ الناس علىٰ تركها .. إذاً لتفرقوا عني والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة ، وأعلمتهم أنَّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادىٰ بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الاسلام غُيّرت سنة عمر ! ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً ، ولقد خفتُ أن يثوروا في ناحيةً جانب عسكري .. » (٣) .

وحسب القاريء اللبيب أن يرىٰ أنّ أمير المؤمنين علياً عليه‌السلام يصف الاجتماع في شهر رمضان علىٰ غير الفريضة بأنّه « بدعة » .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ١٢ : ٢٨٣ .

(٢) التهذيب ، للطوسي ٣ : ٧٠ / ٢٢٧ .

(٣) الكافي ، للكليني ٨ : ٥١ ـ ٥٢ .

٩١
 &

ويرىٰ القاريء الكريم في قول أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ما يكفي لوصف الحال حين نهاهم عن « البدعة » حتىٰ أنّه عليه‌السلام خاف ان يثوروا في جانب عسكره ، فالىٰ أي مدىٰ كانت هذه البدعة قد استشرت في النفوس واتسعت في الممارسة حتىٰ عدّ الجهلاء النهي عنها منعاً للسُنّة ؟

ثالثاً : صلاة الضُحىٰ :

مع أنَّ صلاة الضحىٰ قد ورد لها ذكر كثير في كتب الفقه والحديث عند أهل السُنّة فإنّها مجهولة متروكة عند الكثير منهم .

وسنحاول في هذا المختصر أن نلقي نظرة سريعة حول ما يتعلق بها من أُمور .

ما هو حكمها : يرىٰ الحنابلة والحنفيّة والشافعية أنَّ صلاة الضُحىٰ سُنّة وترىٰ المالكية أنّها مندوبة (١) تستحب المداومة عليها .

ورأىٰ بعض علمائهم أنّها بدعة (٢) .

وقتها : وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلىٰ زوالها ، والأفضل عندهم أن يبدأها بعد ربع النهار ، وجاء في وقتها قولهم : « وأفضل وقتها إذا علت الشمس واشتدّ حرّها ويمتّد وقتها إلىٰ زوال الشمس ، وأوله حين تبيّض الشمس » (٣) .

__________________

(١) الفرق بين ما هو سُنّة وبين ما هو مندوب : هو إنَّ السُنّة ما واظب عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخلفاء الراشدين ، والمندوب هو ما أمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يواظب عليه .

اُنظر الفقه علىٰ المذاهب الخمسة ، للشيخ محمد جواد مغنيه : ٧٨ .

(٢) الشرح الكبير علىٰ المغني ، لابن قدامة المقدسي ١ : ٧٧٥ . والفقه علىٰ المذاهب الاربعة ، لعبدالرحمن الجزيري ١ : ٣٣٢ . وفقه السُنّه ١ : ١٨٥ . وزاد المعاد ، لابن قيّم الجوزية ١ : ١١٦ ـ ١١٩ . ونيل الاوطار ، للشوكاني ٣ : ٦٢ .

(٣) المصدر السابق .

٩٢
 &

عدد ركعاتها : اختلفوا في تحديد عدد ركعاتها ، فقالت الحنفية : أكثرها ستّ عشرة ، وذهب بعض الشافعية والطبري إلىٰ أنّه لا حدَّ لأكثرها . وقال آخرون أقلها ركعتان وأكثرها ثمانية ، وقيل اثنتا عشرة ركعة .

وقالوا بأنّه « يكره أن يصلّىٰ في نفل النهار زيادة علىٰ أربع ركعات بتسليمة واحدة » (١) .

ما ورد فيها من الأثر عندهم :

يمكن تصنيف ما ورد في صلاة الضحىٰ من أحاديث إلىٰ ثلاثة أصناف : أحاديث مجملة ، وأُخرىٰ ضعيفة أو موضوعة ، وأُخر معارضة ، فلنقف علىٰ نماذج من هذه الاصناف الثلاثة :

١ ـ الأحاديث المجملة :

أ ـ عن نعيم بن همّاز ، قال : « سمعتُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : قال الله عزَّ وجل : يا ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات في أوّل نهارك أكفك آخره » (٢) .

وبالتأمّل البسيط في هذه الرواية يتّضح أنّه ليس فيه دلالة خاصة علىٰ أنّ المقصود من الركعات الأربع هو صلاة الضحىٰ ، واحتمل بعضهم أنّ المقصود من الأربع هو فريضة الفجر ونافلتها كما اختار ذلك ابن القيم وابن تيميّة (٣) ، واحتمله الشوكاني والعراقي (٤) .

ب ـ قال أبو هريرة : « أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنَّ حتىٰ أموت :

__________________

(١) المصدر السابق .

(٢) التاج الجامع للاُصول ١ : ٣٢١ .

(٣) زاد المعاد ١ : ٢٦٠ .

(٤) نيل الاوطار ٣ : ٦٤ .

٩٣
 &

صوم ثلاثة أيام من كلِّ شهر ، وصلاة الضحىٰ ، ونوم علىٰ وتر » (١) .

ونكتفي في التعليق علىٰ هذا الحديث بما قاله ابن القيّم : « وأما أحاديث الترغيب فيها والوصية بها فالصحيح منها ، كحديث أبي هريرة وأبي ذر ، لا يدلّ علىٰ أنّها سُنّة راتبة لكلِّ أحد ، وإنّما أوصىٰ أبا هريرة بذلك ، لأنّه قد روي أنّ أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل علىٰ الصلاة فأمره بالضحىٰ بدلاً من قيام الليل ، ولهذا أمره ألّا ينام حتىٰ يوتر ، ولم يأمر بذلك أبا بكر وعمر وسائر الصحابة » (٢) .

جـ ـ عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال : « دخلت علىٰ عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح فقمت وراءه فقرّبني حتىٰ جعلني حذاءه عن يمينه فلما جاء يرفأ تأخرتُ فصففنا وراءه » (٣) .

والهاجرة لغة « بمعنىٰ نصف النهار عند زوال الشمس إلىٰ العصر » (٤) علىٰ المشهور فسبحة الهاجرة إذاً تنطبق علىٰ نافلة الظهر هذا من جهة ، ومن جهة أُخرىٰ فإنّ عمل عمر مجهول العنوان فما يدرينا بأنه كان يصلي الضُحىٰ ؟ سيّما وأنّ ابنه عبدالله يشهد بأنّه لم يكن يصلّيها كما سيأتي .

د ـ عن أبي هريرة قال : « ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي الضُحىٰ قط إلّا مرّة » (٥) .

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٧٣ طبعة مؤسّسة التاريخ العربي ـ بيروت .

(٢) زاد المعاد ١ : ٢٦٨ .

(٣) موطأ مالك ١ : ١١٢ .

يرفأ : اسم خادم عمر .

(٤) لسان العرب ، مادة هجر .

(٥) مسند أحمد ٢ : ٤٤٦ .

٩٤
 &

والرواية مجملة أيضاً في الدلالة علىٰ خصوص صلاة الضحىٰ ، لاحتمال أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّىٰ في ذلك الوقت لحاجة أو غيرها وخفي علىٰ أبي هريرة أمرها .

هـ ـ عن أنس أنّه قال : « رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر صلّىٰ سبحة الضحىٰ ثماني ركعات ، فلمّا انصرف قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّي صليت صلاة رهبة ورغبة ، سألتُ ربي ثلاثاً فأعطاني اثنين ومنعني واحدة . سألته أن لا يبتلي أُمتي بالسنين ففعل . وسألته ألّا يظهر عليهم عدوهم ففعل ، وسألته ألا يلبسهم شيعاً فأبىٰ عليَّ » (١) .

والحديث كما ترىٰ مجمل لا خصوصية له في الدلالة علىٰ صلاة الضحىٰ الراتبة ، كما أنّه يتناقض مع الواقع التاريخي الذي مرّت به الاُمّة الإسلامية ، فقد أصيبت بالسنين وتسلط عليها عدوها سنين طوال وما زالت كذلك وهذا يدفعنا إلىٰ الاطمئنان إلىٰ أنّ الرواية موضوعة مختلقة .

٢ ـ الأحاديث الضعيفة والموضوعة :

قال ابن قيّم الجوزيّة عن أحاديث صلاة الضُحىٰ : « وبعضها موضوع لا يحلّ الاحتجاج به » (٢) ، ثم ذكر عدّة أحاديث صرّح علماء الرجال بأنّ رواتها وضّاعين كذبة ، منها :

أ ـ ما روي عن أنس مرفوعاً : « من داوم علىٰ صلاة الضحىٰ ولم يقطعها إلّا عن علّة كنت أنا وهو في زورق من نور في بحر نور » وضعه زكريا بن دريد الكندي عن حميد .

__________________

(١) فقه السُنّة ١ : ١٨٥ .

(٢) زاد المعاد ١ : ٢٦٦ .

٩٥
 &

ب ـ عن يعلىٰ بن أشدق عن عبدالله بن جراد : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « من صلّىٰ منكم صلاة الضحىٰ فليصلّها متعبداً ، فإنّ الرجل ليصلّيها السنة من الدهر ثم ينساها ويدعها فتحنُ إليه كما تحنُّ الناقة علىٰ ولدها إذا فقدته » .

وفي يعلىٰ بن الاشدق ، راوي هذا الحديث ، قال ابن عدي : روىٰ يعلى بن الاشدق عن عمه عبدالله بن جراد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث كثيرة منكرة ، وهو وعمّه غير معروفين .

وقال أبو حاتم : « لقي يعلىٰ عبدالله بن جراد ، فلمّا كَبُر اجتمع عليه من لا دين له ، فوضعوا له شبَهاً بمائتي حديث فجعل يحدّث بها ولا يدري ! لا تحلّ الرواية عنه بحال (١) » .

٣ ـ الاحاديث النافية لمشروعية صلاة الضحىٰ :

هناك طائفة من الاحاديث التي نفت مشروعية هذه الصلاة ، فهي علىٰ خلاف الروايات المثبتة لصلاة الضحىٰ ، قوية في سندها ودلالتها ، وقد رجحها جملة من علماء أهل السُنّة علىٰ غيرها ، كما صرّح بذلك ابن القيم ، حيثُ قال : « وطائفة ثانية ذهبت إلىٰ أحاديث الترك ورجّحتها من جهة صحة إسنادها وعمل الصحابة بموجبها » (٢) ، منها :

أ ـ ما رواه البخاري بسنده عن مورّق قال : « قلتُ لابن عمر : أتصلي الضحىٰ ؟ قال : لا . قلت : فعمر ؟ قال : لا . قلت : فأبو بكر ؟ قال : لا . قلتُ : فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : لا أخاله » (٣) .

__________________

(١) راجع حول الاحاديث الموضوعة ورواتها ، زاد المعاد ١ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ .

(٢) زاد المعاد ١ : ٢٦٤ .

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٧٣ طبعة مؤسّسة التاريخ العربي ـ بيروت .

٩٦
 &

ب ـ ما رواه البخاري بسنده عن عائشة ، قالت : « ما رأيتُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبّح سبحة الضحىٰ ، وإنّي لأسبّحها » (١) .

قال أبو الحسن علي بن بطال : فأخذ قوم من السلف بحديث عائشة ولم يروا صلاة الضحىٰ ، وقال قوم : « إنها بدعة » (٢) ، أما قول عائشة بأني أُسبّحها بعد قولها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبّح سبحة الضحىٰ » فلا قيمة له في مجال الدليل الشرعي .

جـ ـ وما رواه البخاري أيضاً بسنده عن عبدالرحمن بن أبي ليلىٰ إنّه قال : « ما حدّثنا أحدٌ أنّه رأىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي الضحىٰ ، غير أم هانىء ، فإنّها قالت : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلّىٰ ثماني ركعات فلم أرَ صلاة قطّ أخف منها غير أنّه يتم الركوع والسجود » (٣) .

وهذا الحديث ينفي ما تقدمّ من أحاديث رؤية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي الضحىٰ ، أما رواية أم هاني فهي كما ترىٰ لا دلالة صريحة فيها علىٰ أنّ الصلاة التي صلّاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثمان ركعات هي صلاة الضحىٰ ، بل يُحتمل أنّها صلاة شكر لله تعالىٰ علىٰ ما منَّ علىٰ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفتح المبين .

د ـ ما رواه أحمد بن حنبل بسنده عن عبدالرحمن بن أبي بكرة ، قال : « رأىٰ أبو بكرة ناساً يصلّون الضحىٰ فقال : إنّهم ليصلون صلاة ما صلّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا عامّة أصحابه رضي الله عنهم » (٤) .

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٧٣ . ومسند أحمد ٦ : ٢٠٩ .

(٢) زاد المعاد ١ : ٢٦٤ .

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٧٣ .

(٤) مسند أحمد ٥ : ٤٥ .

٩٧
 &

هـ ـ روىٰ البخاري بسنده عن مجاهد ، قال : « دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فاذا عبدالله بن عمر جالس إلىٰ حجرة عائشة وإذا أُناس يصلون في المسجد صلاة الضحىٰ ، قال : فسألناه عن صلاتهم ؟ فقال : بدعة » (١) .

ما تقدم كان دراسة مختصرة عن صلاة الضحىٰ استقينا رواياتها من طرق أهل السُنّة وتبيّن أنّها ليست إلّا بدعة .

أما موقف الامامية الاثنىٰ عشرية فهي عند فقهاءهم بدعة لا يجوز فعلها . وقد أجمعوا علىٰ هذا الرأي كما صرّح بذلك الشريف المرتضىٰ في رسائله (٢) ، والشيخ الطوسي في الخلاف (٣) ، والعلّامة الحلي في المنتهىٰ (٤) ، والعلّامة المجلسي في البحار (٥) ، والمحدّث البحراني في الحدائق الناضرة (٦) .

وقد وردت الأخبار عن طرق أهل البيت علیهم‌السلام نافية لمشروعية صلاة الضُحىٰ ، كما ورد عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال لرجل من الأنصار سأله عن صلاة الضحىٰ فقال عليه‌السلام : « أول من ابتدعها قومك الأنصار سمعوا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة ، فكانوا يأتون من ضياعهم ضحىٰ فيدخلون المسجد فيصلّون ، فبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنهاهم عنه » (٧) .

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٣ باب العمرة .

(٢) رسائل الشريف المرتضىٰ ١ : ٢٢١ .

(٣) الخلاف ، موسوعة الينابيع الفقهية ٢٨ : ٢٢٠ .

(٤) بحار الانوار ٨٠ : ١٥٨ .

(٥) المصدر السابق : ١٥٥ .

(٦) الحدائق الناضرة ٦ : ٧٧ .

(٧) المواسم والمراسم ، لجعفر مرتضىٰ العاملي : ٥٣ عن كتاب السنن والمبتدعات : ١٣٨ ـ ١٣٩ .

٩٨
 &

نماذج أُخرىٰ من البدع :

ثمّة نماذج أُخرىٰ من البدع ، اشتهرت ورَسخت حتىٰ حلّت محلّ السُنن ، نذكرها استطراداً دون تفصيل بعد ان قدمنا تلك النماذج المفصلة ، ومن هذه البدع :

١ ـ غسل الرجلين في الوضوء ، بدلاً من مسحهما الذي جاء به القرآن والسُنّة ، وقد جاء في حديث أنس بن مالك ، أنّه قد خطب الحجاج ابن يوسف الثقفي فقال : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ، وأنّه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلىٰ الخبث من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما . فقال أنس : صدق الله ، وكذب الحجاج ! قال الله : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (١) .

٢ ـ الأذان الثالث يوم الجمعة ، وقد اتفقوا علىٰ أنه قد شرعه عثمان ، ولم يكن قبله (٢) .

٣ ـ ذكر أسماء الخلفاء في خطبة صلاة الجمعة .

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٢٨ ـ ٢٩ عن : سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير .

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٠ باب الأذان يوم الجمعة .

٩٩
 &

أعمال نُسبت إلىٰ البدعة وليست كذلك

إنّ من مساحات الاختلاف الفقهي بين المسلمين ؛ ما يعدّ عند بعضهم مشروعاً ، بل مندوباً ، فيما يراه الآخر عملاً مبتدعاً ينبغي محاربته .. ولقد أثار هذا النوع من الخلاف جدلاً كبيراً وصراعاً طائفياً متجدداً ، لا سيّما مع طائفة من الأعمال التي تغلغلت في قلوب أصحابها حتىٰ مازجت معتقداتهم ، فتجاوزت إطارها الفقهي لتأخذ بُعداً عقيدياً لدىٰ مشرعيها ولدىٰ مخالفيها علىٰ حدٍ سواء ، بخلاف تلك النماذج التي سبق الحديث عنها ، كمتعة الحج ، وصلاة التراويح ، وصلاة الضُحىٰ .

ومن أمثلة هذا النوع من الأعمال :

أولاً : الاحتفال بالمولد النبوي والمناسبات الإسلامية :

لا ريب أنّ الاحتفال بمولد النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفق الضوابط والأصول الشرعية يُعبّر عن الحبّ والولاء والمتابعة للرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بالتالي تعظيم للرسالة الإسلامية الغرّاء .

ولقد تقدم القول في أنّ الملاك في نسبة الشيء إلىٰ البدعة : هو كونها إضافة ما ليس من الدين إلىٰ الدين أو إنقاص مما هو فيه ، وقد تقدم أيضاً مصاديق ذلك في الأمثلة المتقدمة .

وإنّ فِعْلَ ما لم يكن في عهد الرسول يصحُّ أن يكون ابتداعاً بالمعنىٰ

١٠٠