الذريّة الطاهرة

أبي بشر محمّد بن أحمد الرازي الدولابي

الذريّة الطاهرة

المؤلف:

أبي بشر محمّد بن أحمد الرازي الدولابي


المحقق: السيد محمّد جواد الحسيني الجلالي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٨٤

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم رسله وخيرة خلقه محمّد وآله المعصومين.

لا شكّ أنّ أهل بيت العصمة هم معالم الدين والحكمة ومصابيح الهدى وأعلام الورى وهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا وفضائلهم لا تخفى على أحد من الخاصّة والعامّة ولذلك نرى مثل أبي بشر محمّد بن أحمد الرازي الدولابي الذي يعتبر من كبار محدّثي إخواننا العامّة قد ألّف كتابا اشتمل على تاريخ حياة العترة الطاهرة حيث يستعرض فيه فضائلهم ومناقبهم وأسماه بـ « الذريّة الطاهرة » وقد قام بتحقيقه سماحة الفضيلة السيد محمّد جواد الحسينيّ الجلالي فجزاه الله خيرا على ما أتعب نفسه وبذل طاقاته في إحياء هذا السفر المبارك.

وقد قامت المؤسّسة بطبع هذا الكتاب راجية من الله سبحانه التوفيق لنشر الكتب الاسلاميّة وبث المعارف الالهية وتوعية الجيل الجديد وتروية النفوس الظمآنة بالمفاهيم العذبة النقيّة المأخوذة من العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين كما وتشكر السيّد المحقق على ما قام به من جهود سائلة المولى جلّ وعلا أن يوفّقه لخدمة العلم والدين إنّه سميع مجيب.

مؤسّسة النشر الاسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة

٣

الإهداء

الى :

الفقيدة الصالحة « والدتي الكريمة » ..

التي اتخذت من دارها مدرسة لتعليم أحكام الاسلام ..

وجنّدت أبناءها في خدمة مذهب أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ..

وقدّمت أعزّ أولادها شهيدا في سبيل الله..

وأدركتها الوفاة وأبناؤها مغتربون في نشر مبادئ الحقّ والفضيلة.

بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لوفاتها.

أهدي ثواب هذا التحقيق

١٠ جمادي الاولى ١٤٠٦

٤

الكتاب والمؤلّف

بسم الله الرّحمن الرّحيم

يعتبر كتاب الذرّية الطاهرة ـ تأليف الامام الحافظ ابي بشر محمد بن احمد بن حمّاد بن سعد الرازي الدولابي ( ٢٢٤ ه‍ ـ ٣١٠ ه‍ ) من كتب الحديث التي أوليها المحدثون دراسة ورواية ودراية متنا واسنادا ، جيلا بعد جيل ، وذلك لأصالة الموضوع ومكانة المؤلّف. ونسخة الاصل لهذه الطبعة تعتبر من نفائس المخطوطات التي لم تر النور بعد ، والتي تدارسها المحدّثون وعلّقوا عليها قراءاتهم واسانيدهم طبقة بعد طبقة ، وقدّر لهذه النسخة ان تداولها أيدي المحدثين والرّواة في دمشق الشام في القرن السابع ، ثم تنتقل الى المغرب الاسلامي وتحفظ بأمانة حتى وفقني الله للانتفاع بها لمصادر المعجم ، وقيّض سبحانه الاخ محمد جواد الجلالي ـ لا زال مسددا في احياء التراث الأصيل ـ ، لتحقيق هذه النسخة واعداد الكتاب للطباعة ، وما كان منّي سوى التعريف بالمؤلّف والكتاب والله المسدّد للصواب.

٥

١ ـ ترجمة المؤلّف :

وصف أصحاب التراجم المؤلّف ابا بشر محمد بن أحمد بن حمّاد بن سعد الرازي الدولابي المتوفى سنة ٣١٠ ، بالانصاري لكونه مولى الانصار ، فهو انصاري بالولاء. [ الانساب ٥ / ٤١٤ ، ووفيات الاعيان ٤ / ٣٥٢ ]

والورّاق ، لانه كان يورق على شيوخ مصر [ الانساب ٥ / ٤١٤ ـ عن تاريخ مصر للصفدي وتذكرة الحفاظ ٢ / ٢٩١ ، والبداية والنهاية ١٤ / ١٤٥ ، والوفيات ٤ / ٣٥ ].

والناسخ ، [ ميزان الاعتدال ٣ / ٤٥٩ ، ولسان الميزان ٥ / ٤٢ ].

والحافظ العالم [ تذكرة الحافظ ٢ / ٢٩١ ، وطبقات الحفاظ للسيوطي ٣١٩ ].

وتتفق المصادر على كونه « رازي » الاصل و « دولابي » النسبة ، وان اختلفوا في وجه النسبة.

وكذلك تتفق المصادر على كونه من أهل صنعة الحديث وأنه حسن التصنيف ، وانه حدّث عن شيوخ بغداد والبصرة والشام ، وان له مشايخ كثيرة مما ينبىء عن اهتمام المؤلّف الجادّ في طلب الحديث ونشره ، حتى وصف بالامام من حفاظ الحديث [ البداية والنهاية ١١ / ١٤٥ ] ، وان كان لم يسلم من التضعيف ، شأنه شأن اغلب المصنفين.

ويعتبر السمعاني [ ت / ٥٦٢ ه‍ ] أوّل من ترجمه بوجه من التفصيل وتبعه اغلب من تأخّر عنه وإليك كلامه :

( ... مولى الأنصار ، وظنّي انه نسب بعض أجداده الى عمل الدولاب ، واصله من الري ، فيمكن ان يكون من قرية الدولاب. ذكره ابو سعيد بن يونس الصدفي في تاريخ مصر وقال : ابو بشر الدولابي قدم مصر نحو سنة ستين

٦

ومائتين [ ٢٦٠ ه‍ ] وكان يورق على شيوخ مصر في ذلك الزمان وحدّث بمصر عن شيوخ بغداد والبصرة والشام ، وكان من أهل صنعة الحديث يحسن التصنيف ، ولد بالري [ الدولاب ظ ] يغرب ، وكان يصنف [ يضعف ظ ] وتوفي وهو قاصد الى الحج بين مكة والمدينة بالعرج في ذي القعدة سنة عشرين [ عشر ظ ] وثلاثمائة ).

[ الانساب ٥ / ٤١٤ ]

وزاد ابن الجوزي ( ت / ٥٩٧ ه‍ ) في ترجمته :

( ... كانت له معرفة بالحديث وكان حسن التصنيف ، وحدّث عن اشياخ فيهم كثرة ، قال ابو سعيد بن يونس : وكان يضعّف ).

[ المنتظم ٦ / ١٩٩ ]

ووصفه ابن خلكان ( ت / ٤٨١ ه‍ ) بقوله :

( ... كان عالما بالحديث والاخبار والتواريخ ، سمع الاحاديث بالعراق والشام ... وله تصانيف مفيدة في التاريخ ومواليد العلماء ووفياتهم واعتمد عليه أرباب هذا الفن في النقل ، وأخبروا عنه في كتبهم ومصنفاتهم المشهورة وبالجملة فقد كان من الاعلام في هذا الشأن وممّن يرجع إليه ، وكان حسن التصنيف ... )

[ وفيات الاعيان ٤ / ٣٥٢ ]

ولخّص الذهبي ( ت / ٧٤٨ ه‍ ) كلام السمعاني المتقدم في كتابه. [ ميزان الاعتدال ج ٣ ص ٤٥٩ ]

ووصفه ابن كثير الدمشقي ( ت / ٧٧٤ ه‍ ) بقوله :

( ... ويعرف بالوراق احد الائمة من حفاظ الحديث وله تصانيف حسنة في التاريخ وغير ذلك وروى عن جماعة كثيرة ).

[ البداية والنهاية ١١ / ١٤٥ ]

٧

وحكى ابن حجر العسقلاني ( ت / ٨٥٣ ه‍ ) عن مسلمة بن قاسم قوله في المؤلّف : ـ

« ... كان ابوه من أهل العلم وكان مسكنه بدولاب من أرض بغداد ثم خرج ابنه « محمد » عنها طالبا للحديث فأكثر الرواية وجالس العلماء وتفقّه لأبي حنيفة ، وجرد له فأكثر ، وكان مقدما في العلم والرواية ومعرفة الاخبار وله كتب مؤلفة ، نزل مصر واستوطنها ، ثم خرج الى الحج فلما بلغ « العرج » بين المدينة والحر توفي ... ).

[ لسان الميزان ٥ / ٤٢ ]

وعقد السيوطي ( ت / ٩١١ ه‍ ) ترجمة للمؤلّف في كتابه : « طبقات الحفاظ » ص ٣١٩ ملخصا ما تقدّم ذكره من أصحاب التراجم.

والذي يستفاد من مجموع كلماتهم ان المؤلف تربّى في أسرة علمية ببغداد وانه طلب الحديث مغتربا عن موطنه « العراق » الى « الشام » و « مصر » ، وانه قضى ما يقارب الخمسين عاما في مصر حيث استطاب الاقامة بها ، اما الاسباب التي دعته الى هذا الاختيار فلا تزال مجهولة.

وسواء كانت ـ تلك ـ شخصية او حوادث سياسية ، فليس من المستبعد ان يكون قد حلّ بالرازيّة ببغداد ـ ومنهم المؤلّف ـ ، ما حلّ بالطبرية ، فان كلا هما كانا من الاقليّات في بغداد ـ آنذاك ـ.

ولا يزال التاريخ يحتفظ بالمضايقات التي حلّت بالمحدث المفسّر المؤرخ ابن جرير الطبري ، الذي لم يسلم من الغوغاء ورميت داره بالحجارة على الرغم من اعتزاله المجتمع حتى توفي سنة ٣١٠ ه‍ ، وبالنتيجة انقرض مذهبه ، فلعلّ نفس الاسباب التي لم يسلم منها الطبري لكونه طبريا اثّرت في مصير المؤلّف لكونه رازيّا ، ومن غرائب الصدف ان يتفق وفات المؤلف مع

٨

وفاة الطبري.

نسبته :

تتفق المصادر على نسبة المؤلّف الى « دولاب » ، وان اختلفت وجه النسبة ، والدولاب كما يقول ياقوت الحموي ( ت / ٦٢٦ ه‍ ) : « ـ بفتح أوّله وآخره ياء ، واكثر المحدثين يروونه بالضم وقد روي بالفتح ـ وهو عدّة مواضع منها دولاب مبارك في شرق بغداد ... ودولاب من قرى الرّي ».

[ راجع مراصد الاطلاع ص ١٧٣ ، والوفيات ٤ / ٣٥٢ ومعجم البلدان ٢ / ٤٨٥ ط بيروت / ١٣٧٥ ].

قال السمعاني ( ت / ٥٦٢ ه‍ ) :

( وظنّي انه نسب بعض أجداده الى عمل الدولاب وأصله من الري فيمكن ان يكون من قرية الدولاب ).

[ الانساب ٥ / ٤١٤ ]

ولكن ظن السمعاني غير صائب ، فقد حكى ابن حجر العسقلاني ( ت / ٨٥٣ ه‍ ) عن مسلمة بن قاسم قوله : « كان ابوه من اهل العلم وكان مسكنه بدولاب من أرض بغداد ، ثم خرج ابنه محمد [ المؤلف ] عنها ... »

[ لسان الميزان ٥ / ٤٢ ]

فاذا كان والد المؤلّف قد عاش بالدولاب من أرض بغداد وسكن فيها حتى بلغ ابنه ـ المؤلف ـ وخرج من الدولاب لطلب العلم ، ومنه ـ أيضا ـ يعلم ان النسبة لم تكن للمؤلف فحسب بل كانت للعائلة أجمع.

ويظهر ـ أيضا ـ ان النسبة تلك لم تكن لاجل العمل وانما كانت للارض.

ودولاب ليست دولاب الري بل دولاب بغداد.

٩

مولده :

جاء في النسخة المطبوعة من الانساب ٥ / ٤١٤ ، انه ولد بالري وذكر المعلق ان في نسختين اخريين جاءت الكلمة : بالديب او نحوها. ، واستظهر قرّاء النسخة ان تكون الكلمة : الري كما استظهر ذلك مصحح النسخة المطبوعة.

وزاد قوله : ( ويشهد له قول المؤلف فيما مرّ ان اصله من الري ) [ هامش الانساب ج ٥ / ٤١٤ ].

قال الجلالي : والظاهر ان الكلمة مصحّفة عن ( دولاب ) وانه استعصت عليهم قراءتها وظنّوا ان الكلمة هي ( الري ) وحيث انه لا نصّ على ان مولده كان بالري وان هناك نص صريح بأنه من دولاب بغداد وانه عاش تحت رعاية والده حتى استقلّ بحياته ، فيمكننا الاستظهار بانه ولد بالدولاب ببغداد لا الري ( وبالجملة ) ليس لدينا من تواريخ حياة المؤلّف سوى أنه ولد سنة ٢٢٤ ه‍ ورحل الى مصر في سنة ٢٦٠ ه‍ وانه توفي سنة ٣١٠ ه‍ او ٣٢٠ ه‍.

فقد قضى حياته في العراق يافعا ، وفي الشام شابا ، وفي مصر كهلا حتى توفّاه الله في طريق الحج شيخا.

مكانته العلمية :

بالرغم من تطابق المصادر على علوّ كعب المؤلّف في الحديث والتاريخ فانه لم يسلم من التضعيف ونقل ذلك ابو سعيد بن يونس بقوله : كان يضعّف.

[ المنتظم ٦ / ١٦٩ وتذكرة الحفاظ ٢ / ٢٩١ والبداية ١١ / ١٤٥ ]

ولم يذكر في هذا النقل الاسباب الداعية الى التضعيف ، ولكن بعضهم نقل امورا هي :

١٠

الامر الاول : ما عن الدار قطني بقوله : ( تكلموا فيه لمّا تبيّن من أمره الأخير ) [ تذكرة الحفاظ ٢ / ٢٩١ ولسان الميزان ٥ / ٤٢ ] ولم نهتد الى المراد بهذا الأمر الأخير الذي ذكره الدارقطني ، ولا يزال مجهولا لنا ، ولعلّ يد التتبع يكشفه.

الامر الثاني : ما نقله كل من الذهبي والعسقلاني ـ أيضا ـ عن ابن عدي قوله : ( ابن حماد متّهم فيما يقوله في نعيم بن حمّاد لصلابته في أهل الرأي ).

[ نفس المصدرين أعلاه ].

والمراد بنعيم هو ابو عبد الله نعيم بن حماد بن معاوية المروزي ( ت / ٢٢٧ ه‍ ) وقيل عنه : هو أوّل من جمع المسند ، وكان كاتبا لابي عصمة ، وهو شديد الردّ على الجهمية وأهل الأهواء ، ومنه تعلّم نعيم ، وسكن مصر ، وحمل الى العراق في المحنة فأبى ان يجيبهم فحبس فمات في السجن ببغداد [ راجع : تهذيب التهذيب ١٠ / ٤٦٠ ]. وعلى هذه الرواية فالمؤلف كان من أهل الرأي وكان صلبا في عقيدته بينما كان المروزي من انصار السنّة وقد ضحى بحياته في سبيل عقيدته.

هذا وقد ذكر العسقلاني ( ت / ٨٥٢ ه‍ ) في التهذيب في ترجمة المروزي ما أوجب هذا الاتهام وإليك كلامه :

قال ابن عدي : قال لنا ابن حمّاد ـ يعني الدولابي ـ : نعيم [ المروزي ] روى عن ابن المبارك ، قال النسائي : ضعيف ، وقال غيره : كان يضع الحديث في تقوية السنّة وحكايات في ثلب ابي حنيفة كلّها كذب ، قال ابن عدي : وابن حمّاد متّهم فيما يقوله عن نعيم لصلابته في أهل الرأي ).

[ تهذيب التهذيب ١٠ / ٤٦٢ ]

ويظهر ان ابن عدي فهم من كلام المؤلّف انه يتّهم المروزي بالوضع ، وفهم الذهبي ( ت / ٧٤٨ ه‍ ) انه اتهمه بالكذب ، وزاد قوله : ( قد ابدع في رميه

١١

نعيما بالكذب مع ان نعيما صاحب مناكير ).

[ تذكرة الحفاظ ٢ / ٢٩١ ]

والانصاف ان كلام المؤلف ليس فيه اتهاما لنعيم المروزي لا بالوضع ولا بالكذب ، وان كلا من ابن عدي والذهبي لم يحسنا قراءة كلامه ، فان المستفاد من كلام المؤلّف امران هما :

اولا : ان غير النسائي اتهم المروزي بوضع الحديث في تقوية السنة ووضع حكايات في ثلب ابي حنيفة.

وثانيا : ان جميع تلك الحكايات كذب.

على كون هذه الجملة الأخيرة من كلام المؤلّف نفسه ، غاية الأمر ان المؤلف حكم بكذب تلك الحكايات وهذا لا يقتضي اتهام الراوي بالكذب فلم يرم نعيما بالكذب حتى يكون مبدعا ، كما تخيّله الذهبي.

فهناك فرق بين اتهام الراوي بالكذب ـ كما تخيله الذهبي ـ وبين اتهام المرويات بالكذب.

وهذا ما يظهر من المؤلف نفسه ويطابق ما ذكره الذهبي عن المروزي من انه : « صاحب مناكير » [ تذكرة الحفاظ ٢ / ٢٩١ ] وقول العسقلاني : « اورد له ابن عدي أحاديث مناكير » [ تهذيب التهذيب ١٠ / ٤٦٢ ].

واما اتهام النسائي وغيره إياه بالوضع فهو أمر ثابت لمن تأمّل كلمات القوم.

فقد قال صالح بن محمد الاسدي : « وكان نعيم يحدث من حفظه ، وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها ».

وقال النسائي : « نعيم ضعيف » ، وقال في موضع آخر : « ليس بثقة ».

وقال ابو علي النيسابوري : ( سمعت النسائي ذكر فضل نعيم بن حمّاد وتقدمه في العلم فقال : « قد كثر تفرّده عن الأئمة المعروفين بأحاديث كثيرة

١٢

فصار في حدّ من لا يحتجّ به » ).

وقال مسلمة بن قاسم : ( كان صدوقا وهو كثير الخطأ ، وله احاديث منكرة في الملاحم انفرد بها ).

وقال ابو الفتح الازدي : ( قالوا : كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات مزوّرة في ثلب ابي حنيفة كلّها كذب ).

[ راجع : تهذيب التهذيب ١٠ / ٤٦٢ ]

وقد انصف العسقلاني ـ المؤلّف ـ حيث قال :

وحاشى الدولابي ان يتهم ، وإنمّا الشأن في شيخه الذي نقل ذلك عنه فانه مجهول متّهم ، وكذلك من نقل عنه الازدي بقوله : قالوا فلا حجة في شيء من ذلك لعدم معرفة قائله ».

[ تهذيب التهذيب ١٠ / ٤٦٢ ]

( وبالجملة ) فان صحّ ان الكلام هو للدولابي : وانه كذّب الحكايات في ثلب ابي حنيفة فهو نابع من رأي شخصي ، فله آرائه الخاصة النابعة من مكانته الراسخة في الحديث والتأريخ ، وان كانت لا توافق غيره وخاصة من يخالفه في المذهب.

الأمر الثالث : ما أخذه عليه ابن عدي ـ أيضا ـ :

قال العسقلاني : ( وعاب عليه ابن عدي تعصّبه المفرط لمذهبه حتى قال في الحديث الذي رواه ابو حنيفة عن منصور بن زاذان عن المجلسى عن معبد الجهني عن النبي (ص) في القهقهة : معبد هذا هو ابن هوذة الذي ذكره البخاري في تاريخه.

قال ابن عدي : وهذا الذي قاله غير صحيح وذلك ان معبد بن هوذة أنصاري فكيف يكون جهنيا؟ ومعبد الجهني معروف ، ليس بصحابي ، وما حمل الدولابي على ذلك الا ميله لمذهبه ).

[ لسان الميزان ٥ / ٤٢ ]

١٣

فهناك معبدان : انصاري وجهني وقد ترجمهما معا البخاري ( ت / ٢٥٠ ه‍ ).

في تاريخه فقال :

معبد الجهني البصري كان اول من تكلّم بالبصرة في القدر.

وقال : معبد بن هوذة الانصاري ، له صحبة ، قال [ لنا ] ابو نعيم : نا عبد الرحمن بن النعمان الانصاري عن ابيه عن جده وكان اتي به النبي (ص) فمسح على رأسه وقال لا تكتحل وأنت صائم اكتحل ليلا الأثمد ، يجلو البصر وينبت الشعر.

[ التاريخ الكبير ٤ / ٣٩٨ ]

وبالرغم من ان البخاري صرّح بان له صحبة نجد ان ابن مندة يشكك في ذلك ويستظهر بان ادعاء الصحبة من البخاري اجتهاد خاص نابع من استنتاجه من الاسناد ، فقد روى ابو داود وسليمان بن الاشعث السجستاني ( ت / ٢٧٥ ه‍ ) في سننه ، رواية مشابهة لرواية البخاري في المتن والاسناد ، نصه : حدثنا النفيلي ثنا علي بن ثابت ، حدثني عبد الرحمن بن النعمان ، نا (١) معبد بن هوذة ، عن ابيه ، عن جدّه ، عن النبي (ص) : انه أمر بالإثمد المروّح عند النوم ، وقال : « ليتقه الصائم ».

[ سنن ابي داود ١ / ٥٥٤ ]

ونقل العسقلاني عن ابن مندة ان الضمير في قوله : عن جده ، للنعمان ، وتكون الرواية والصحبة لهوذة ، ونسبوه فقالوا : هوذة بن قيس بن عباد بن رهم فالله تعالى أعلم.

[ تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٢٤ ، والاصابة ٣ / ٤٢١ ]

__________________

(١) وفي الطبعة الحديثة ورد : النعمان بن معبد. انظر : ج ٢ ص ٣١٠ من ط دار احياء السنة النبوية

١٤

قال السبكي ( ت / ١٣٥٢ ه‍ ) : ( الصواب ان الرواية والصحبة لمعبد ، كما في الاصابة ، وقال البيهقي : ومعبد بن هوذة هو الذي له هذه الصحبة ، روى له ابو داود ).

[ المنهل العذب المورود ١٠ / ١٠٤ ]

قال الجلالي : ما ذكره السبكي غريب ، فان ابن حجر لم يذكره في الاصابة الا على سبيل احتمال ان يكون الضمير في جده راجعا الى عبد الرحمن فكيف ينسب إليه دعوى الصحبة وهو لم ينقلها.

ويظهر ان نفس الالتباس حصل للبخاري ، ويؤيد قول ابن منذة ان الطبراني ذكر هوذة الانصاري في الصحابة ولم يخرج له شيئا وذكر اثر بعد هوذة غير منسوب وقال : روى عن النبي حديثا ـ ولم يذكره ـ. [ راجع : الاصابة ٣ / ٥٨٠ ].

والظاهر ان هذا هو الحديث الذي رواه كل من البخاري في تأريخه وأبو داود في سننه بسند واحد ومتنين متشابهين ولم أجد الحديث في مسند ابي حنيفة برواية الحصكفي المتوفى سنة ١٠٨٨ ه‍.

( وبالجملة ) فان مؤاخذة ابن عدي تتلخص في ان المؤلف لم يعترف بالارسال في سند الحديث المذكور فان معبد الجهني هو ابن عبد الله بن حكم البصري تابعيّ ، وقتل علي يد الحجاج في الثمانين ، وهو لا يمكن ان يروي عن الرسول (ص) ، والحديث مرسل ولكن المؤلف ذكر انه معبد بن هوذة الانصاري الصحابي الذي ذكره البخاري في تأريخه ، لرفع هذا الإرسال. وان الذي دعاه لذلك ان الحديث رواه ابو حنيفة وميل المؤلف الى مذهبه دعاه الى ذلك. والذي يبدو لي ان الدولابي أجلّ من ان يعثر هذه العثرة الواضحة ، وان السند ذكر فيه الاسم مجردا عن اللقب في عصر المؤلف ، وزيد اللقب فيما بعد من الرواة ـ وكم لهذا من نظائر لا تخفى على المتتبع الخبير ـ ، وعلى هذا الاحتمال

١٥

يكون المؤلّف مصيبا ولا يكون في الاسناد ارسالا ، وان لم يصحّ ذلك فان هذه عثرة واضحة ، وإنما العصمة لأهلها.

مؤلّفاته :

تطابقت المصادر على وصفه بحسن التصنيف [ ميزان الاعتدال ٣ / ٤٥٩ ، وتذكرة الحفاظ ٢ / ٢٩١ ، الانساب ٥ / ٤١٤ ، والمنتظم ٦ / ١٦٩ ، وغيرها ] ولم يسردوا اسماء مؤلّفاته بالتفصيل ، واكتفى ابن حجر ( ت / ٨٥٣ ه‍ ) بالقول : بان له كتبا مؤلفة. [ لسان الميزان ٥ / ٤٢ ] ، وابن كثير ( ت / ٧٧٤ ه‍ ). بقوله : بان له تصانيف حسنة في التاريخ وغير ذلك [ البداية والنهاية ١١ / ١٤٥ ] ، اما ابن خلكان فقال : له تصانيف مفيدة في التأريخ ومواليد العلماء ووفياتهم ، واعتمد عليه ارباب هذا الفن في النقل ، وأخبروا عنه في كتبهم ومصنفاتهم المشهورة [ وفيات الاعيان ٤ / ٣٥٢ ]

وهذا الاهمال في سرد اسمائها يكشف عن شهرتها ـ وعلى الاقل ـ لدى اصحاب التراجم المذكورين ، ولم اقف منها الاعلى الكتابين الآتيين : « الاسماء والكنى » و « الذرية الطاهرة ».

١ ـ الاسماء والكنى : كرالحاجي خليفة ( ت / ١٠٦٧ ه‍ ) تحت عنوان علم اسماء الرجال جملة ممّن صنف في الاسماء المجردة عن الالقاب والكنى وذكره منهم المؤلف ابو بشر الدولابي وكذا فعل محمد بن جعفر الكتاني ( ت / ١٣٤٥ ه‍ ). [ راجع : كشف الظنون ١ / ٨٧ ، والرسالة المستطرفة ١٢٠ ]. وذكر المستشرق الالماني بروكلمان ثلاث نسخ من هذا الكتاب في پاريس والقاهرة وحيدرآباد [ تاريخ الأدب العربي ـ الملحق ـ ١ / ٢٧٨ ] وعندي صورة

١٦

من النسخة الپاريسية ، وقد وصفتها في الصيانة وهي نسخة ناقصة برقم ٦٠١٧ في (٢٣٤) صفحة وتحتوي النسخة على الجزء السابع حتى الجزء الحادي عشر وهو آخر الكتاب وفي اواسط النسخة خرم كثير بحيث لا يمكن ان تقرأ.

اول الكتاب : ترجمة من كنيته ابو سليمان ، وآخره : ترجمة ابو ياسر الدفتي جاء في أول النسخة ما نصه : ( الجزء السابع من الكناء [ كذا ] والأسماء ، تاليف ابي بشر محمد بن أحمد بن حمّاد الدولابي اخبرنا به ابو بكر احمد بن محمد بن إسماعيل بن الفرج المهندس ).

ووقفيّة الشيخ حماد بن عبد الله بن حماد الحراني وسماع نصه :

( سمعت جميع هذا الجزء وابو طاهر محمد بن عبد الواحد زيدان [ ظ ] ومحمد بن عبد الله الزهاوي والحسن بن عمر في سنة ٣٦١ [ ظ ]).

وفي آخر الكتاب ورد ما نصه : تمّ الجزء الحادي عشر وهو آخر اجزاء العاشر من اجزاء ابي بشر وهو آخر كتاب الكناء [ كذا ] والاسماء والحمد لله على عونه واحسانه ، وصلى الله على محمد نبيّ الرحمة وهادي الأمّة وعلى آله وسلّم وعلى عباده الذين اصطفى حسبنا الله وحده. وفرغت من جميع الكتاب بقراءة ابي طاهر محمد بن عبد الواحد والحسن بن علي ، في النصف من ربيع الآخر سنة اثنين وثمانين وثلاثمائة ٣٨٢ ه‍.

وقد طبع هذا الكتاب بصورة كاملة في دار المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن عام ١٣٢٢ ه‍ في قسمين ، ينتهي القسم الأول بالمفاريد من حرف السين ، والقسم الثاني بترجمة ابي يزيد الهمداني. وتوجد منه نسخة محفوظة في پاريس / غ.

١٧

٢ ـ الضعفاء : ذكر محمد بن جعفر الكتاني ( ت / ١٣٤٥ ه‍ ) كتبا في الضعفاء والمخرجين من الرواة لجماعة كالبخاري والنسائي ولابي بشر محمد بن احمد بن حماد الدولابي ـ المؤلّف ـ. [ راجع : الرسالة المستظرفة ١٤٤ ] والظاهر ان ذلك خلط من الكتاني رحمه‌الله ، ومنشأ الاشتباه ان الدولابي يروي كتاب الضعفاء للبخاري عنه ـ على ما نقله الحاجي خليفة بما نصه ـ : وعلم الضعفاء صنف فيه الامام محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنه ٢٥٦ ه‍ ، يرويه عنه ابو بشر محمد بن حماد الدولابي.

[ كشف الظنون ٢ / ١٠٨٢ ]

٣ ـ الذرية الطاهرة : وبالرغم من كثرة الاسانيد والرواة لهذا الكتاب فقد قلّت النقول عنه وربما كان ذلك لعوامل مذهبية او اختفاء الكتاب في الشام والمغرب فقد اشار إليه كل من الذهبي ( ت / ٧٤٨ ه‍ ) ، وابن الصباغ المالكي ( ت / ٨٥٥ ه‍ ) ، وحاجي خليفة ( ت / ١٠٦٧ ه‍ ) ، وابن العماد الحنبلي ( ت / ١٠٨٩ ه‍ ) ، والسروداني ( ت / ١٠٩٤ ه‍ ) ، والشوكاني ( ت / ١٢٥٥ ه‍ ) والكتاني ( ت / ١٣٤٥ ) قال حاجي خليفة الچلبي : ( الذرية الطاهرة للدولابي ابي بشر محمد بن احمد بن الحافظ المشهور ( ت / ٣١٠ ه‍ ) من اجزاء الحديث ذكره في الفصول المهمة ).

[ كشف الظنون ١ / ٨٢٧ ].

وقال نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة في معرفة احوال الأئمة : ومن كتاب الذرية الطاهرة للدولابي قال : لبثت فاطمة بعد وفاة النبي (ص) ثلاثة أشهر ثم توفيت ،. وقال عروة بن الزبير وعائشة : لبثت ستة اشهر ، ومثله عن الزهري وابن شهاب وهو الصحيح. [ الفصول المهمة ١٤٧ ] وما ذكره المالكي انما هو اختصار لما ذكره الدولابي وتلخيص للاحاديث الثلاثة الاولى التي ذكرها الدولابي تحت عنوان ( وفاة فاطمة بنت رسول الله (ص) )

١٨

ثم عقّبها برأيه قائلا : وهو الصحيح ، وإليك كلام الدولابي :

وفاة فاطمة بنت رسول الله (ص) :

الحديث رقم ١٩٥ ـ حدثنا محمد بن منصور الجواز ، نا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي قال : لبثت فاطمة بعد النبي (ص) ثلاثة أشهر ، وقال ابن شهاب : ستة أشهر. الحديث رقم ١٩٦ ـ حدثنا ابو بكر احمد بن منصور الرمادي ، نا عبد الرزاق بن همام ، انا معمر قال : قلت للزهري : كم مكثت فاطمة بعد النبي (ص)؟ قال : ستة أشهر. الحديث رقم ١٩٧ ـ حدثنا محمد بن عوف ، نا عثمان بن سعيد ، نا شعيب بن ابي حمزة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : عاشت فاطمة بنت رسول الله (ص) بعد رسول الله (ص) ستة اشهر.

[ الذرية الطاهرة / ص ٧٠ مخطوط ]

ويلاحظ ان المالكي جعل كلا من عروة وعائشة صاحبي الأثر ، بينما ورد في الكتاب ان عروة يروي عن عائشة فهي صاحبة الأثر وهو يروي عنها.

ثم ان المالكي عقّب ذلك برأيه الخاص قائلا : ( وهو الصحيح ) ، ولكنه لم يبيّن مستنده في هذا الترجيح ، وربما كان تظافر الروايات وتعاضدها.

« تنبيه » :

ذكر شيخنا العلامة اعلى الله مقامه هذا الكتاب فقال :

الذرية الطاهرة لابي الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر البغدادي السلامي المولود ٤٦٧ والمتوفى ٥٥٠ وآخر من سمعه منه هو السيد ابو محمد الحسن بن الامير علي بن المرتضى المولود ٥٤٤ ، والمتوفى ٦٣٠ ، سمعه منه وهو ابن خمس سنين ، ذكر في الشذرات نقلا عن العبر في وقائع ٦٣٠ ( في ج ٥ ص ١٣٥ ) ان آخر من سمع من ابن ناصر كتابه « الذرية الطاهرة » هو

١٩

ابو محمد العلوي الحسيني الحسن بن السيد الامير علي بن المرتضى المتوفى في شعبان ٦٣٠ عن ست وثمانين سنة ). [ الذريعة ١٠ / ٢٥ ] والنص الذي اشار إليه شيخنا العلامة اعلى الله مقامه هو ما ذكره الذهبي ( ت / ٧٤٨ ه‍ ) في العبر ونقله عنه ابن العماد الحنبلي ( ت / ١٠٨٩ ه‍ ) وهو :

[٦٣٠ ] ـ وفيها الحسن بن السيد الامير على بن المرتضى ابو محمد العلوي الحسني آخر من سمع من ابن ناصر روى عنه كتاب الذرية الطاهرة ، توفى في شعبان عن ست وثمانين سنة وسماعه في الخامسة من عمره ، قاله في العبر ).

[ شذرات الذهب ٥ / ١٣٥ ]

وهنا ملاحظتان في كلام شيخنا العلامة (ره) :

الاولى : ان كلمة « الكتاب » في النسخة المطبوعة من الشذرات مجردة عن الضمير ، وهذه النسخة هي التي كان شيخنا العلامة ـ اعلى الله مقامه ـ يراجعها ، ولا أدري كيف قرأها ـ رحمة الله ـ مع الضمير ، ثم ارجع الضمير الى ابن ناصر السلامي؟ ولعل نسخته قد غيّرت كذلك.

( وبالجملة ) : فليس في النص المنقول منه أية اشارة الى ان الكتاب هو لابن ناصر ، غاية ما في الامر ان النص يفيد بأن الحسن العلوي كان آخر من سمع من ابن ناصر السلامي هذا الكتاب ، وتوهم رحمة الله ان السماع لا بد وان يكون لكتاب من تأليفه ، وهو وهم.

الثانية : ان السلامي ( ت / ٥٥٠ ه‍ ) هو راوي الكتاب وليس مؤلفه ، وبين السلامي والمؤلّف واسطتان هما : احمد بن عبد الواحد الفراء والحسن بن رشيق العسكري المتوفى سنة ٣٧٠ ه‍ ، فلا وجه لنسبة الكتاب الى الراوي ، ويشهد لذلك دراسة الكتاب واسانيده والله العاصم.

٢٠