حياة امام محمد الجواد عليه السلام

باقر شريف القرشي

حياة امام محمد الجواد عليه السلام

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨٢

أما اسم السيدة اُمّ الإمام الجواد عليه‌السلام فقد اختلف الرواة فيه ، وهذه بعض الأقوال:

١ ـ اسمها الخيزران ، سماها به الإمام الرضا عليه‌السلام وكانت تسمى درّة (١).

٢ ـ اسمها سكينة النوبية ، وقيل المريسية (٢) ، وقيل : إنها ممن تنتمي إلى مارية القبطية زوجة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

٣ ـ اسمها ريحانة (٤).

٤ ـ اسمها سبيكة (٥).

وأهملت بعض المصادر اسمها ، واكتفت بالقول إنها أمّ ولد (٦) وعلى أي حال فإنه ليس من المهم في شيء الوقوف على اسمها ، ومن المؤسف أنّ المصادر التي بأيدينا لم تشر إلى أي جانب من جوانب حياتها.

الوليد العظيم :

وأحاط الإمام الرضا عليه‌السلام السيدة الكريمة جاريته بكثير من الرعاية والتكريم ، فقد استشف من وراء الغيب أنها ستلد له ولداً قد اختاره الله للإمامة وللنيابة العامة عن النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو أحد أوصيائه الاثني عشر ، وقد اخبر الإمام الرضا بذلك

__________________

١ ـ بحر الأنساب : ج ٢ ص ١٩ من مصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين ، دلائل الإمامة : ٢٩ ، ضياء العالمين : ج٢ ، مخطوطات مكتبة الحسينية الشوشترية.

٢ ـ الفصول المهمة : ص ٢٥٢ ، تذكرة الخواص لابن الجوزي : ص ٣٢١.

٣ ـ المقنعة : ص ٤٨٢.

٤ ـ دلائل الإمامة : ص ٢٠٩.

٥ ـ الإرشاد : ص ٣٥٦.

٦ ـ عمدة الطالب : ص ١٨٨.

٢١

أعلام أصحابه.

وعهد الإمام الرضا عليه‌السلام إلى شقيقته السيدة الجليلة حكيمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام بأن تقوم برعاية جاريته ، وتلازمها حتى تلد (١) وقامت السيدة حكيمة بما طلب منها الإمام الرضا ، ولما شعرت الجارية بالولادة أمر عليه‌السلام شقيقته بأن تحضر مع القابلة لولادتها ، وقام عليه‌السلام فوضع مصباحاً في البيت (٢) وظلّ عليه‌السلام يرقب الوليد العظيم .. ولم تمض إلاّ لحظات حتى ولدت جاريته علماً من أعلام الفكر والجهاد في الإسلام.

سرور الإمام الرضا :

وغمرت الإمام الرضا عليه‌السلام موجات من الأفراح والسرور بوليده المبارك ، وطفق يقول :

( قد وُلِد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار ، وشبيه عيسى بن مريم ، قُدست أمّ ولدته ... ) (٣).

والتفت عليه‌السلام إلى أصحابه فبشّرهم بمولوده قائلاً :

( إنّ الله قد وهب لي من يرثني ، ويرث آل داود ... ) (٤).

وقد عرفهم بأنه الإمام من بعده .. وقد استقبل الإمام الرضا الوليد العظيم بمزيد من الغبطة؛ لأنه المنتظر للقيادة الروحية والزمنية لهذه الأمة وكان في المجلس

__________________

١ ـ دلائل الإمامة : ص ٢٠٩.

٢ ـ مختصر البحار في أحوال الأئمة ـ لنور الدين ـ مخطوطات مكتبة كاشف الغطاء.

٣ ـ بحار الأنوار : ج ١٢ ، ص ١٠٣.

٤ ـ بحار الأنوار : ج ١٢ ، ص ١٠٤.

٢٢

شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي (١) وقد شارك أهل البيت في أفراحهم ومسراتهم بولادة الإمام أبي جعفر عليه‌السلام.

مراسيم الولادة :

وأسرع الإمام الرضا عليه‌السلام إلى وليده المبارك فأخذه وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية ، فأذّن في إذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ثمّ وضعه في المهد (٢).

كنيته :

وكنّى الإمام الرضا عليه‌السلام ولده الإمام محمد الجواد بأبي جعفر ، وهي ككنية جدّه الإمام محمد الباقر عليه‌السلام ويفرق بينهما فيقال : للإمام الباقر أبو جعفر الأول ، وللإمام الجواد أبو جعفر الثاني.

ألقابه :

أما ألقابه الكريمة فهي تدل على معالم شخصيته العظيمة ، وسمو ذاته وهي :

١ ـ الجواد : لُقِّب بذلك لكثرة ما أسداه من الخير والبر والإحسان إلى الناس.

٢ ـ التقي : لقب بذلك لأنه اتقى الله وأناب إليه ، واعتصم به ، فلم يستجب لأي داع من دواعي الهوى ، فقد امتحنه المأمون بشتّى ألوان المغريات فلم ينخدع ، فأناب إلى الله وآثر طاعته على كل شيء.

٣ ـ القانع.

__________________

١ ـ جامع الرواة : ج ٢ ص ٣١١.

٢ ـ مختصر البحار في أحوال الأئمة.

٢٣

٤ ـ المرتضى (١).

٥ ـ الرضي.

٦ ـ المختار.

٧ ـ المتوكل.

٨ ـ الزكي (٢).

٩ ـ باب المراد : وقد عُرِف بهذا اللقب عند عامة المسلمين التي آمنت بأنه باب من أبواب الرحمة الإلهيّة التي يلجأ إليها الملهوفون وذوو الحاجة لدفع ما ألّم بهم من مكاره الدهر وفجائع الأيام.

هذه بعض ألقابه الكريمة ، وكلّ لقب منها يشير إلى إحدى صفاته الرفيعة ، ونزعاته الشريفة التي هي من مواضع الاعتزاز والفخر لهذه الأمة.

ملامحه :

أما ملامحه فكانت كملامح آبائه التي تحكي ملامح الأنبياء عليهم‌السلام فكانت أسارير التقوى بادية على وجه الكريم ، وقد وصفته بعض المصادر بأنه ( كان أبيض معتدل القامة ) (٣) ونص بعض المؤرخين على أنه كان شديد السمرة ، وأثبتت ذلك رواية شاذة (٤) إلاّ أن الأستاذ الإمام الخوئي دلل على أنها من الموضوعات (٥) وقد أعرضنا عن ذكرها لشذوذها وعدم صحّتها.

__________________

١ ـ النجوم الزاهرة : ج ٢ ص ٢٣١ ، الفصول المهمة : ص ٢٥٢.

٢ ـ دلائل الإمامة : ص ٢٠٩.

٣ ـ نوار الأبصار : ص ١٤٦ ، الفصول المهمة لابن الصباغ : ص ٢٥٢.

٤ ـ المكاسب ـ كتاب القيافة.

٥ ـ مصباح الفقاهة : ص ٣٨٤.

٢٤

سنة ولادته :

والمشهور بين المؤرّخين أنّ ولادة الإمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام كانت في ١٩ من شهر رمضان سنة ١٩٥ هـ (١) ، وقيل : إنّ ولادته كانت في الخامس من رمضان سنة ١٧٥ هـ وهو اشتباه محض فإنّه من المقطوع به أنّه لم يولد في تلك السنة ، وإنّما ولد في سنة ١٩٥ هـ حسبما أجمع عليه الرواة والمؤرّخون.

نقش خاتمه :

أمّا نقش خاتمه فيدلّ على مدى انقطاعه إلى الله ، فقد كتب عليه ( العزّة لله ) (٢) ، لقد آمن بأن العزّة إنما هي لله تعالى وحده خالق الكون وواهب الحياة.

نشأته :

نشأ الإمام محمد الجواد عليه‌السلام في بيت النبوة والإمامة ذلك البيت الذي أعزّ الله به المسلمين وقد ترعرع عليه‌السلام في ظلاله وهو يتلقّى المثُل العليا من أبيه ، وقد أفاض عليه أشعة من روحه العظيمة ، وقد تولى بذاته تربيته ، فكان يصحبه في حلّه وسفره ، ويطعمه بنفسه ، وقد روى يحيى الصنعاني قال : دخلت على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام

__________________

١ ـ النجوم الزاهرة : ج ٢ ص ٢٣١ ، الفصول المهمة : ص ٢٥٢ ، الإرشاد : ص ٣٥٦.

٢ ـ دلائل الإمامة : ص ٢٠٩ ، وجاء في مكارم الأخلاق : ص ٩٢ ، عن محمد بن عيسى قال : سمعت الموفق يقول : كنت قدام أبي جعفر الثاني ، وأراني خاتماً في إصبعه ، فقال لي : أتعرف هذا الخاتم؟ فقلت له : نعم أعرف نقشه ، فأمّا صورته فلا ، وكان خاتم فضّه كله ، وحلقته وفصّه فصّ مدوّر وكان عليه مكتوباً ( حسبي الله ) وفوقه وأسفله وردة ، فقلت له : خاتم من هذا؟ فقال : خاتم أبي الحسن ، فقلت له : وكيف صار في يدك؟ قال : لمّا حضرته الوفاة دفعه لي وقال : لا تخرجه من يدك إلاّ إلى عليّ ابني.

٢٥

وهو بمكة ، وكان يقشّر موزاً ، ويطعم أبا جعفر ، فقلت له : جعلت فداك ، هذا المولود المبارك؟ قال عليه‌السلام : نعم يا يحيى هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مولود أعظم بركة على شيعتنا منه (١).

إن هذا اللون من التربية المطعّم بالحبّ والتكريم له أثره البالغ في التكوين النفسي وازدهار الشخصية حسبما قرّره علماء التربية والنفس.

ذكاؤه وعبقريته :

وملك الإمام محمد الجواد عليه‌السلام في سنه المبكر من الذكاء والعبقرية ما يثير الدهشة ويملك النفس إكباراً وإعجاباً وقد ذكر المؤرّخون بوادر كثيرة من ذكائه كان من بينها ما يلي :

١ ـ ما رواه أميّة بن علي قال : كنت مع أبي الحسن الرضا بمكة في السنة التي حجّ فيها مودّعاً البيت الحرام عندما أراد السفر إلى خراسان وكان معه ولده أبو جعفر الجواد ، فودّع أبو الحسن البيت ، وعدل إلى المقام فصلّى عنده ، وكان أبو جعفر قد حمله أحد غلمان الإمام يطوف به وحينما انتهى إلى حجر إبراهيم جلس فيه وأطال الجلوس ، فانبرى إليه موفق الخادم ، وطلب منه القيام معه فأبى عليه ، وهو حزين ، قد بان عليه الجزع ، فأسرع موفق إلى الإمام الرضا عليه‌السلام وأخبره بشأن ولده ، فأسرع إليه ، وطلب منه القيام فأجابه بنبرات مشفوعة بالبكاء والحسرات قائلاً :

( كيف أقوم؟ وقد ودّعت يا أبتي البيت وداعاً لا رجوع بعده .. ). وسرت موجة من الألم في نفس الإمام الرضا عليه‌السلام فالتمس منه القيام معه فأجابه إلى ذلك (٢)

__________________

١ ـ تنقيح المقال : ج ٣ ص ٣١٧ ، بحار الأنوار : ج ١٢ ص ١١٧.

٢ ـ كشف الغمة : ج ٣ ص ١٥٢.

٢٦

ودلت هذه البادرة على مدى ذكائه ، فقد أدرك من وداع أبيه للبيت الحرام أنه الوداع الأخير له ، لأنّه رأى ما عليه من الوجل والأسى مما أوحى إليه أنّه النهاية الأخيرة من حياته ، وفعلاً قد تحقق ذلك فإنّ الإمام الرضا عليه‌السلام بعد سفره إلى خراسان لم يعد إلى الديار المقدسة ، وقضى شهيداً مسموماً على يد المأمون العباسي.

٢ ـ ومن بوادر ذكائه ما حدّث به المؤرخون أن المأمون قد اجتاز في موكبه الرسمي في بعض شوارع بغداد على صبيان يلعبون ، وكان الإمام الجواد واقفاً معهم فلما بصروا بموكب المأمون فرّوا خوفاً منه سوى الإمام الجواد فإنه بقي واقفاً فبهر منه المأمون ، وكان لا يعرفه ، فقال له :

( هلا فررت مع الصبيان ... ؟ ).

فأجابه الإمام بمنطقه الرائع الذي ملك به عواطف المأمون قائلاً :

( يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق فأوسعه لك ، وليس لي جرم فأخشاك والظنّ بك حسن أنّك لا تضرّ من لا ذنب له .. ).

وعجب منه المأمون وسأله عن نسبه فأخبره به فترحّم على أبيه (١) وسنعرض لهذه الجهة في البحوث الآتية.

٣ ـ ومن آياته نبوغه المذهل انّه في سنه المبكر قد سأله العلماء والفقهاء عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عنها .. ولا مجال لتعليل هذه الظاهرة إلاّ بالقول إنّ الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت عليهم‌السلام طاقات مشرقة من العلم لم يمنحها إلاّ إلى أولي العزم من أنبيائه ورسله.

__________________

١ ـ أخبار الدول : ص ١١٥.

٢٧

إشادة الإمام الرضا بالجواد :

وكان الإمام الرضا عليه‌السلام يشيد دوماً بولده الإمام الجواد ، ويدلّل على فضله ومواهبه وقد بعث الفضل بن سهل إلى محمد بن أبي عباد كاتب الإمام الرضا عليه‌السلام يسأله عن مدى علاقة الإمام الرضا عليه‌السلام بولده الجواد عليه‌السلام ، فأجابه : ما كان الرضا يذكر محمداً إلا بكنيته ، يقول : كتب لي أبو جعفر ، وكنت أكتب إلى أبي جعفر عليه‌السلام وكان آنذاك بالمدينة ، وهو صبي ، وكانت كتب أبي جعفر ترد إلى أبيه وهي في منتهى البلاغة والفصاحة (١).

وحدّث الرواة عن مدى تعظيم الإمام الرضا لولده الجواد ، فقالوا : إنّ عباد بن إسماعيل ، وابن أسباط كانا عند الإمام الرضا بمنى إذ جيء بأبي جعفر فقالا له :

( هذا المولود المبارك .. ؟ ).

فاستبشر الإمام وقال :

( نعم هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام أعظم بركة منه .. ) (٢).

وهناك طائفة كثيرة من الأخبار قد أثرت عن الإمام الرضا عليه‌السلام ، وهي تشيد بفضائل الإمام الجواد عليه‌السلام وتدلّل على عظيم مواهبه وملكاته.

إكبار وتعظيم :

وأحيط الإمام الجواد منذ نعومة أظفاره بهالة من التكريم والتعظيم من قبل الأخيار والمتحرّجين في دينهم فقد اعتقدوا أنّه من أوصياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي فرض الله مودّتهم على جميع المسلمين ، وقد ذكر الرواة أنّ علي بن جعفر الفقيه الكبير ، وشقيق

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٢ ص ١٠٤ ، إثبات الهداة : ج ٦ ص ١٦١.

٢ ـ بحار الأنوار : ج ١٢ ص ١٠٤.

٢٨

الإمام موسى بن جعفر ، وأحد أعلام الأسرة العلوية في عصره ، كان ممّن يقدّس الإمام الجواد عليه‌السلام ويعترف له بالفضل والإمامة ، فقد روى محمد بن الحسن بن عمارة قال : كنت عند عليّ بن جعفر جالساً بالمدينة وكنت أقمت عنده سنتين أكتب ما سمع من أخيه ـ يعني الإمام أبا الحسن موسى ـ إذ دخل أبو جعفر محمد بن عليّ الرضا عليه‌السلام مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء ولا رداء ، فقبّل يده وعظّمه ، والتفت إليه الإمام الجواد قائلاً :

( اجلس يا عمّ رحمك الله .. ).

وانحنى عليّ بن جعفر بكل خضوع قائلاً :

( يا سيدي ، كيف أجلس وأنت قائم .. ؟ ).

وانصرف الإمام الجواد عليه‌السلام ورجع عليّ بن جعفر إلى أصحابه فأقبلوا عليه يوبخونه على تعظيمه للإمام مع حداثة سنّه قائلين له :

أنت عمّ أبيه ، وأنت تفعل به هذا الفعل .. ؟ ).

فأجابهم عليّ بن جعفر جواب المؤمن بربّه ودينه ، والعارف بمنزلة الإمامة قائلاً :

( اسكتوا إذا كان الله ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهل هذه الشيبة ـ يعني الإمامة ـ وأهّل هذا الفتى ، ووضعه حيث وضعه ، نعوذ بالله ممّا تقولون. بل أنا عبد له .. ) (١).

ودلّل علي بن جعفر على أن الإمامة لا تخضع لمشيئة الإنسان وإرادته ولا تنالها يد الجعل الإنساني ، وإنما أمرها بيد الله تعالى فهو الذي يختار لها من يشاء من عباده من دون فرق بين أن يكون الإمام صغيراً أو كبيراً.

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٢ ص ١١٧ ، أصول الكافي : ج ١ ص ٣٨٠.

٢٩

انطباعات عن شخصيّته :

وملكت مواهب الإمام محمد الجواد عليه‌السلام عواطف العلماء فسجّلوا إعجابهم وإكبارهم له في مؤلّفاتهم ، وفيما يلي بعض ما قالوه :

١ ـ الذهبي :

قال الذهبي : ( كان محمد يلقّب بالجواد ، وبالقانع ، والمرتضى ، وكان من سروات آل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.. وكان أحد الموصوفين بالسخاء فلذلك لقّب بالجواد .. ) (١).

٢ ـ ابن تيميّة :

قال ابن تيمية : ( محمد بن علي الجواد كان من أعيان بني هاشم ، وهو معروف بالسخاء ، ولهذا سمّي بالجواد ) (٢).

٣ ـ الصفدي :

قال الصفدي : ( كان محمد يلقّب بالجواد ، وبالقانع ، وبالمرتضى ، وكان من سروات آل بيت النبوة .. وكان من الموصوفين بالسخاء ، ولذلك لقّب بالجواد .. ) (٣).

٤ ـ ابن الجوزي :

قال السبط بن الجوزي : ( محمد الجواد كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والجود ) (٤).

٥ ـ محمود بن وهيب :

قال الشيخ محمود بن وهيب : ( محمد الجواد هو الوارث لأبيه علماً وفضلاً

__________________

١ ـ تاريخ الإسلام : ج٨ ، ورقة ١٥٨ ( مصوّر ).

٢ ـ منهاج السنة : ج ٢ ص ١٢٧.

٣ ـ الوافي بالوفيات : ج ٤ ص ١٠٥.

٤ ـ تذكرة الخواص : ص ٣٢١.

٣٠

وأجلّ اخوته قدراً وكمالاً .. ) (١).

٦ ـ الزركلي :

قال خير الدين الزركلي : ( محمد بن الرضي بن موسى الكاظم ، الطالبي ، الهاشمي ، القرشي ، أبو جعفر ، الملقّب بالجواد ، تاسع الأئمة الاثني عشر عند الإمامية كان رفيع القدر كأسلافه ذكياً ، طليق اللسان ، قويّ البديهة .. ) (٢).

٧ ـ كمال الدين :

قال الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة : ( أما مناقب أبي جعفر الجواد فما اتّسعت حلبات مجالها ، ولا امتدّت أوقات آجالها بل قضت عليه الأقدار الإلهيّة بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وأسجالها فقلّ في الدنيا مقامه ، وعجّل القدوم عليه كزيارة حمامه فلم تطل بها مدّته ولا امتدّت فيها أيامه ) (٣).

٨ ـ عليّ بن عيسى الأربلي :

وأدلى علي بن عيسى الأربلي بكلمات أعرب فيها عن عميق إيمانه وولائه للإمام الجواد قال : ( الجواد في كلّ أحواله جواد ، وفيه يصدق قول اللغوي جواد من الجودة .. فاق الناس بطهارة العنصر ، وزكاء الميلاد ، وافترع قلّة العلاء فما قاربه أحد ولا كاد مجده ، عالي المراتب ، ومكانته الرفيعة تسمو على الكواكب ، ومنصبه يشرف على المناصب ، إذا أنس الوفد ناراً قالوا : ليتها ناره ، لا نار غالب له إلى المعالي سمو ، وإلى الشرف رواح وغدو ، وفي السيادة إغراق وعلوّ وعلى هام السماك ارتفاع وعلوّ ، وعن كلّ رذيلة بعد ، وإلى كلّ فضيلة دنو ، تتأرج المكارم من أعطافه ويقطر المجد من أطرافه ، وترى أخبار السماح عنه ، وعن أبنائه وأسلافه ، فطوبى لمن سعى في ولائه ،

____________

١ ـ جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام : ص ١٤٩.

٢ ـ الأعلام : ج ٧ ص ١٥٥.

٣ ـ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ج ٢ ص ٧٤.

٣١

والويل لمن رغب في خلافه ، إذا اقتسمت غنائم المجد والمعالي كان له صفاياها ، وإذا امتطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها ، يباري الغيث جوداً وعطية ، ويجاري الليث نجدة وحمية ، ويبذ السير سيرة رضية (١).

هذه بعض الكلمات التي أدلى بها كبار المؤلّفين ، وهي تمثّل إعجابهم بمواهب الإمام وعبقرياته وما اتّصف به من النزعات الشريفة التي تحكي صفات آبائه الذين رفعوا مشعل الهداية في الأرض.

__________________

١ ـ كشف الغمة : ج ٣ ص ١٦٠.

٣٢

فِي ظِلال أبِيهِ

٣٣
٣٤

عاش الإمام محمد الجواد في ظلال أبيه فترة قصيرة من الزمن لا تتجاوز السبع سنين ، وكان بهذا السن يملك من الذكاء والعبقريات ما يثير الدهشة كما أنّ من المؤكّد انه قد انطبعت في دخائل نفسه مثل أبيه ، وقيمه الخالدة التي كانت مشعلاً للهداية واليقظة والإحساس في المجتمع الإسلامي ونتحدّث ـ بإيجاز ـ عن بعض شؤون الإمام الرضا عليه‌السلام ومدى حبّه للإمام الجواد ، وغير ذلك ممّا يرتبط بالموضوع.

مكارم أخلاقه :

أما أخلاق الإمام الرضا عليه‌السلام فإنّها نفحة من روح الله ، وهي تضارع أخلاق جده الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق ، وقد حدث إبراهيم بن العباس عن سموّ أخلاقه عليه‌السلام بقوله :

( ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ما جفا أحداً قطّ ، ولا قطع على أحد كلامه ، ولا ردّ أحداً عن حاجة ، وما مدّ رجليه بين جليسه ، ولا اتّكى قبله ، ولا شتم مواليه ومماليكه ، ولا قهقه في ضحكه ، وكان يُجلس على مائدته مماليكه ومواليه ، قليل النوم بالليل ، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى آخرها ، كثير المعروف والصدقة في السرِّ ، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة .. ).

وهذه الأخلاق كأخلاق جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي طوّر حياة الإنسان ، وأنقذ الأمم والشعوب من حياة التيه والتأخّر إلى حياة حافلة بالعزة والكرامة.

٣٥

لقد روى المؤرخون صوراً رائعة من مكارم أخلاقه فقد رووا أنّه لما كان في خراسان وتقلد ولاية العهد ، التي هي أرقى منصب في الدولة الإسلامية بعد الخلافة فلم يأمر أحداً من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه وإنما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه ، وقد احتاج إلى الحمام فكره أن يأمر أحداً بتهيأته ، ومضى إلى حمام في البلد لم يكن صاحبه يعرفه فلمّا دخل الحمام كان فيه جندي فأزال الإمام عن موضعه ، وأمره أن يصب الماء على رأسه ، ودخل الحمام رجل كان يعرف الإمام فصاح بالجندي هلكت ، أتستخدم ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فذعر الجندي ووقع على الإمام يقبّل أقدامه ، ويقول :

( هلا عصيتني إذ أمرتك .. ).

فتبسّم الإمام في وجهه وقال له برفق ولطف :

( إنها لمثوبة ، وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه .. ) (١).

ومن معالي أخلاقه أنه إذا جلس على مائدة أجلس عليها مماليكه حتى السايس والبوّاب (٢) وقد أراد بذلك القضاء على التمايز بين الناس ، وإفهام المجتمع أنهم جميعاً على صعيد واحد ، وقد اثر عنه من الشعر في ذلك قوله :

لبست بالعفّة ثوب الغنى

صرت أمشي شامخ الرأس

لست إلى النسناس مستأنساً

نّني آنس بالناس (٣)

إذا رأيت التيه من ذي الغنى

تهت على التائه باليأس (٤)

__________________

١ ـ نور الأبصار : ص ١٣٨.

٢ ـ المناقب : ج ٤ ص ٣٦١.

٣ ـ النسناس : دابة وهمية على شكل الإنسان.

٤ ـ التيه : الكبر.

٣٦

ما إن تفاخرت على معدم

ولا تضعضعت لإفلاس (١)

ودلّل الإمام بهذا الشعر على مدى ما يتمتّع به من مكارم الأخلاق التي هي امتداد مشرق لأخلاق آبائه الذين أسّسوا الفضائل والمكارم في دنيا العرب والإسلام.

زهده :

وزهد الإمام الرضا عليه‌السلام في جميع رغائب الحياة ، ومباهج الدنيا ، واتّجه صوب الله تعالى ، وحينما تقلّد ولاية العهد لم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة ولم يقم لها أي وزن ، وقد اعتبر مشي الرجال خلف الرجل فتنة للتابع ، ومذلّة للمتبوع فلم يرغب في موكب رسمي وكان من أبغض الأشياء وأشدها كراهية عنده أن يقابل بما يقابل به الملوك والخلفاء من مظاهر العظمة والأبّهة ، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد قال : كان جلوس الرضا عليه‌السلام على حصيرة في الصيف وعلى مسح (٢) في الشتاء ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيا (٣) ويقول الرواة إنّه التقى به سفيان الثوري ، وكان الإمام قد لبس ثوبا من خز ، فأنكر عليه الثوري ذلك وقال له : لو لبست ثوباً أدنى من هذا؟ فأخذ الإمام يده برفق وأدخلها كمّه ، فإذا تحت ذلك الثوب مسح ، وقال عليه‌السلام له : ( يا سفيان الخز للخلق ، والمسح للحقّ .. ) (٤).

لقد كان الزهد في الدنيا من أبرز الذاتيّات في خُلق أهل البيت عليهم‌السلام فقد اتّصلوا بالله ، وانقطعوا إليه ، ورأوا أن غيره زخرف لا يُوصل إلى الحقّ.

سخاؤه :

ولم يكن في الدنيا شيء أحبّ إلى الإمام الرضا عليه‌السلام من الإحسان إلى الناس

__________________

١ ـ المناقب : ج ٤ ص ٣٦١.

٢ ـ المسح : الكساء من الشعر.

٣ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ص١٧٨ ، المناقب : ج ٤ ص ٣٦٠.

٤ ـ المناقب : ج ٤ ص ٣٦٠.

٣٧

والبر بهم ، فقد كان السخاء من عناصره ومقوّماته ، وقد ذكر المؤرّخون بوادر كثيرة من كرمه وجوده كان منها ما يلي :

١ ـ إنّه أنفق جميع ما عنده على الفقراء حينما كان في خراسان ، وصادف ذلك في يوم عرفة فأنكر عليه الفضل بن سهل وقال له : إنّ هذا لمغرم ، فأجابه الإمام :

( بل هو المغنم ، لا تحدث مغرماً ما ابتغيت به أجراً وكرماً ).

إنه ليس من المغرم في شيء صلة الفقير ، والإحسان إلى الضعيف ابتغاء مرضاة الله ، وإنما المغرم أن ينفق الإنسان أمواله بغير وجه مشروع ، خصوصاً الإنفاق على ما لا يعود على المجتمع بفائدة.

٢ ـ ومن كرمه أنه وفد عليه رجل فسلّم عليه ، وقال له : أنا رجل من محبّيك ومحبي آبائك ، مصدري من الحجّ ، وقد نفذت نفقتي ، وما معي ما أبلغ مرحلة ، فإن رأيت أن ترجعني إلى بلدي ، فإذا بلغت تصدّقت بالذي تعطيني عنك ، فقام عليه‌السلام ودخل حجرة في داره ، ولم يلبث أن أخرج يده ، وقال له : خذه هذه المائتي دينار ، فاستعن بها في أمورك ونفقتك ، ولا تتصدّق بها عني ، وانصرف الرجل مسروراً قد غمرته نعمة الإمام ، والتفت بعض الحاضرين إلى الإمام فقال له : لِمَ سترت نفسك عن الرجل وأخرجت يدك فناولته المال ، ولم تره؟ فقال عليه‌السلام :

( إنما صنعت ذلك مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه ، لقضائي حاجته أما سمعت حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجّة ، والمذيع بالسيّئة مخذول ، أما سمعت قول الشاعر :

متى آته يوماً لأطلب حاجة

عت إلى أهلي ووجهي بمائه (١)

٣ ـ ومن بوادر سخائه أنّه مرّ به فقير فقال له :

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٢ ص ٢٨.

٣٨

( أعطني على قدر مروّتك ) ، فأجابه الإمام :

( لا يسعني ذلك .. ).

والتفت الفقير إلى أنّه قد أخطأ في كلامه فقال :

( أعطني على قدر مرؤتي .. ).

وقابله الإمام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً :

( إذن نعم .. ).

وأمر له بمائتي دينار (١).

إنّ مروءة الإمام لا تحدّ فلو أعطاه ما في الأرض فليس على قدر مروّته ورحمته التي هي امتداد ذاتي لرحمة الرسول الأعظم.

هذه بعض البوادر من كرمه وجوده التي لم يقصد بها إلاّ إدخال السرور على القلوب البائسة الحزينة التي أثقلتها مرارة الحياة وبؤسها.

علمه :

كان الإمام عليه‌السلام أعلم أهل زمانه وأفضلهم ، وأدراهم بشؤون الشريعة وأحكام الدين ، وقد تحدّث عبد السلام الهروي وهو ممّن رافق الإمام عن سعة علمه عليه‌السلام فقال :

( ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا ، ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي ، ولقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان ، وفقهاء الشريعة ، والمتكلّمين فغلبهم عن آخرهم ، حتى ما بقي منهم أحد إلاّ أقرّ له بالفضل ، وأقرّ له على نفسه بالقصور ، ولقد سمعته يقول : كنت أجلس في ( الروضة ) والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا دعيّ الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليّ بأجمعهم وبعثوا إليّ المسألة فأجيب عنها .. ) (٢).

__________________

١ ـ المناقب : ج ٤ ص ٣٦١ ـ ٣٦٢.

٢ ـ كشف الغمة : ج ٣ ص ١٠٧.

٣٩

وقال إبراهيم بن العباس :

( ما رأيت الرضا يسأل عن شيء قطّ إلا علم ، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول إلى وقته وعصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كلّ شيء فيجيب فيه ، وكان كلامه وجوابه وتمثّله انتزاعات من القرآن ، وكان يختمه في كلّ ثلاثة أيام ويقول : لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمته ، ولكن ما مررت بآية قطّ إلاّ فكّرت فيها ، وفي أي شيء نزلت وفي أي وقت فلذلك صرت أختمه في كلّ ثلاثة أيام .. ) (١).

لقد كان الإمام الرضا عليه‌السلام من عمالقة الفكر والعلم في الإسلام ، وهو ممّن صنع للمسلمين حياتهم العلمية والثقافية ، والتحدّث عن قدراته العلمية يستدعي دراسة خاصة ومطوّلة عسى أن نوفّق لها إن شاء الله.

عبادته :

وكان الإمام الرضا عليه‌السلام من أعبد الناس ، وأخلصهم في طاعته لله ، وما ترك نافلة من النوافل ولا مستحباً من المستحبات ، وقد فعل كلّ ما يقرّبه إلى الله زلفى ، وقد حدّث رجاء بن أبي الضحاك عن مدى عبادته ، وكان قد رافق الإمام في سفره من يثرب إلى خراسان ، قال : والله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله تعالى منه ، ولا أكثر ذكراً لله في جميع أوقاته منه ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجلّ منه ... ) (٢).

لقد أخلص الإمام الرضا في عبادته وطاعته لله كأعظم ما يكون الإخلاص فقد خُلِق للطاعة وخُلِق للعبادة ، وتجرّد عن مباهج الدنيا وزينتها واتّجه صوب الله تعالى.

هيبته :

أمّا هيبته فكانت تعنو لها الجباه ، فقد بدت عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك ،

__________________

١ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ص ١٨٠.

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ص ١٧٩.

٤٠