حياة امام محمد الجواد عليه السلام

باقر شريف القرشي

حياة امام محمد الجواد عليه السلام

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨٢

المرجع الوحيد الذي يرجع إليه معظم المسلمين في شؤونهم الدينية.

علل الأحكام :

وكشف الإمام محمد الجواد عليه‌السلام النقاب عن العلّة في تشريع بعض الأحكام وكان من بينها ما يلي :

١ ـ سئل محمد بن سليمان عن العلّة في جعل عدّة المطلّقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر ، وصارت عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً ، فأجابه الإمام عليه‌السلام عن ذلك :

( أمّا عدّة المطلّقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من الولد ، وأمّا عدة المتوفى عنها زوجها فإنّ الله تعالى شرط للنساء شرطاً ، وشرط عليهن شرطاً فلم يجابهن فيما شرط لهنّ ، ولم يجر فيما اشترط عليهنّ ، أما ما شرط لهنّ في الإيلاء أربعة أشهر إذ يقول الله عزوجل : ( للذين يؤلون من نسائهم تربُّصُ أربعة أشهر ) فلم يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر في الإيلاء لعلمه تبارك اسمه إنّه غاية صبر المرأة عن الرجل ، وأمّا ما شرط عليهنّ فإنّه أمرها أن تعتدّ إذا مات زوجها أربعة أشهر وعشراً فأخذ منها له عند موته ما أخذ لها منه في حياته عند الإيلاء ، قال الله عزّ وجل : ( يَتَرَبَّصنَ بأنفُسِهِنَّ أربعةَ أشهُرٍ وعَشْراً ) ولم يذكر العشرة الأيام في العدّة إلاّ مع الأربعة أشهر ، وعلم أنّ غاية المرأة الأربعة أشهر في ترك الجماع فمن ثمّ أوجبه عليها ولها .. ) (١).

٢ ـ سأل محمد بن سليمان الإمام الجواد عن العلّة فيما إذا قذف الرجل امرأته بجريمة الزنا تكون شهادته أربع شهادات بالله ، وإذا قذفها غيره سواءً كان قريباً لها أم بعيد جلد الحدّ أو يقيم البيّنة على ما قال ، فأجابه عليه‌السلام :

( قد سئل أبو جعفر ـ يعني الإمام الباقر عليه‌السلام ـ عن ذلك فقال : إن الزوج إذا

____________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ١٥ : ٤٥٢ ، علل الشرائع : ص ١٧٢ ، المحاسن : ص ٣٠٣.

١٠١

قذف امرأته فقال : رأيت ذلك بعيني كانت شهادته أربع شهادات بالله ، وإذا قال : إنّه لم يره. قيل له أقم البيّنة على ما قلت : وإلاّ كان بمنزلة غيره ، وذلك أنّ الله تعالى جعل للزوج مدخلاً لا يدخله غيره والد ولا ولد يدخله بالليل والنهار فجاز له أن يقول : رأيت ، ولو قال غيره : رأيت قيل له : وما أدخلك المدخل الذي ترى هذا فيه وحدك ، أنت متّهم فلابدّ من أن يقيم عليك الحدّ الذي أوجبه الله عليك .. ) (١).

هذا بعض ما أثر عنه في بيان علل بعض الأحكام التي شرعها الإسلام.

التبشير بالإمام المهدي :

والشيء المحقّق الذي لا يمكن إنكاره ، ولا إخفاءه هو ما بشّر به الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمّته بخروج المصلح العظيم الإمام المنتظر الذي يقيم اعوجاج الدين ، وتحقّق في ظلال حكمه العدالة الاجتماعية الكبرى فيأمن المظلومون والمضطهدون ، ويعمّ الحقّ جميع أنحاء الدنيا ، ويقضى على الغبن الاجتماعي ، وتزول عن الناس جميع أفانين الظلم والجور ، ويكون حكمه الزاهر امتداداً ذاتياً لحكومة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحكومة الإمام أمير المؤمنين رائد الحقّ والعدل في الأرض.

إنّ الاعتقاد بضرورة خروج الإمام المنتظر ( عجّل الله فرجه ) جزء من رسالة الإسلام وعنصر هام من عناصر العقيدة الإسلامية ، فإنّ الإسلام بمفهومه الصحيح لابدّ أن يسود الأرض ، ولابدّ للمبادئ الوضعيّة من أن تتحطّم لأنّها جرّت المحن والخطوب للإنسان ، وأخلدت له المشاكل والمتاعب ، ولابدّ أن ينقذ الله عباده من شرورها واستبدادها على يد هذا الإمام العظيم.

وعلى أي حال فقد تواترت الأخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن الأئمة الطاهرين

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ١٥ ص ٥٩٤.

١٠٢

بحتمية خروج قائم آل محمد عليه‌السلام وكان ممّن بشر به الإمام الجواد عليه‌السلام وفيما يلي بعض ما أثر عنه :

١ ـ روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : دخلت على سيدي محمد بن عليّ بن موسى عليه‌السلام وأنا أريد أن اسأله عن القائم هل هو المهدي أو غيره؟ فابتدأني قائلاً :

( يا أبا القاسم إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره ، وهو الثالث من ولدي ، والذي بعث محمداً بالنبوة وخصّنا بالإمامة إنه لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وإنّ الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى ، إذ ذهب يقتبس ناراً فرجع وهو رسول نبي ، وأضاف الإمام الجواد قائلاً : أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج ) (١).

٢ ـ روى عبد العظيم الحسني قال : قلت لمحمد بن علي : إنّي لأرجو أن يكون القائم من أهل بيت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً؟

فأجابه الإمام الجواد :

( يا أبا القاسم ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عزوجل ، وهاد إلى دين الله ، ولكن القائم الذي يطهّر الله عزوجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته ، هو سميّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنيّه ، وهو تطوى له الأرض ، ويذلّ له كل صعب ويجتمع إليه أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي

__________________

١ ـ إكمال الدين وإتمام النعمة : ج ٢ ص ٤٨ ـ ٤٩ ، والكفاية والنصوص من مخطوطات مكتبة كاشف الغطاء العامّة.

١٠٣

الأرض وذلك قول الله عزوجل : ( أينَ ما تكُونُوا يأتِ بكمُ اللهُ جميعاً إنّ الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ ) (١). فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره ) (٢).

لقد أخبر الإمام الجواد عن بعض خصائص الإمام المنتظر من غياب شخصه وحجبه عن الأنظار ، كما أخبر عن عدد أصحابه بعد ظهوره وأنّهم كعدد أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر فقد استطاع بتلك القلّة المتسلّحة بالإيمان والوعي أن يقضي على معالم الجاهلية ، ويدمّر القوى الباغية ، ويرفع كلمة الله عالية في الأرض ، كذلك وصيّه الأعظم الإمام المنتظر عليه‌السلام فإنّه بأصحابه القلّة المؤمنة سوف يغيّر مجرى الحياة فيبسط العدل السياسي والعدل الاجتماعي في ربوع الأرض ويحقّق للإنسانية أعظم الانتصارات ، ويقضي على معالم الجاهلية التي طغت في هذه العصور التي خضع الناس فيها للمادة ، ولم يعد للقيم الروحية والمثل الكريمة أي ظلّ في النفوس ، أرانا الله الأيام المشرقة من أيام حكمه.

من واقع الإيمان :

للإمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام بعض النصائح الرفيعة الهادفة إلى الإيمان بالله والثقة به والتوكّل عليه ومن بينها :

١ ـ الثقة بالله :

قال عليه‌السلام : ( إنّ من وثق بالله أراه السرور ، ومن توكّل على الله كفاه الأمور ، والثقة بالله حصن لا يتحصّن فيه إلاّ المؤمن ، والتوكّل على الله نجاة من كلّ سوء

__________________

١ ـ سورة البقرة : الآية ١٤٨.

٢ ـ إكمال الدين وإتمام النعمة : ج ٢ ص ٤٩ ، الكفاية والنصوص.

١٠٤

وحرز من كلّ عدو .. ) (١).

وحفلت هذه الكلمات الذهبية بأروع ما يحتاج إليه الناس في حياتهم وهو الثقة بالله خالق الكون وواهب الحياة ، فمن وثق به أراه السرور ، ومن توكّل عليه كفاه الأمور.

٢ ـ الاستغناء بالله :

ودعا الإمام الجواد عليه‌السلام إلى الاستغناء بالله تعالى ، ورجائه دون غيره ، قال عليه‌السلام :

( من استغنى بالله افتقر الناس إليه ، ومن اتّقى الله أحبه الناس ) (٢).

إنّ من يستغني بالله فقد استغنى عن غيره ، ويفتقر إليه الناس لأنّه يكون داعية ومصدر عطاء لهم.

٣ ـ الانقطاع إلى الله :

وحثّ الإمام الجواد على الانقطاع إلى الله الذي لا ينقطع فيضه ولا لطفه أمّا من ينقطع إلى غيره فقد باء بالخيبة والخسران قال عليه‌السلام :

( من انقطع إلى غير الله وكّله الله إليه .. ).

٤ ـ القصد إلى الله بالقلوب :

إنّ من واقع الإيمان القصد إلى الله تعالى في أعماق القلوب ودخائل النفوس ومن الطبيعي أنّ ذلك أبلغ بكثير من أتعاب الجوارح ومعاناتها بالأعمال وقد أعلن عليه‌السلام ذلك بقوله : ( القصد إلى الله تعالى بأعماق القلوب أبلغ من أتعاب الجوارح .. ) (٣).

__________________

١ ـ الفصول المهمة لابن الصباغ : ص ٣٧٣.

٢ ـ جوهرة الكلام : ص ١٥٠.

٣ ـ الدر النظيم ، ورقة ٢٢٣.

١٠٥

مكارم الأخلاق :

ودعا الإمام الجواد عليه‌السلام إلى الاتصاف بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات وكان ممّا أوصى به :

١ ـ قال عليه‌السلام : ( من حسن خُلق الرجل كفّ أذاه ، ومن كرمه برّه لمن يهواه ، ومن صبره قلّة شكواه ، ومن نصحه نهيه عمّا لا يرضاه ، ومن رفق الرجل بأخيه ترك توبيخه بحضرة من يكره ، ومن صدق صحبته إسقاطه المؤنة ، ومن علامة محبّته كثرة الموافقة وقلّة المخالفة .. ) (١).

ووضع عليه‌السلام بهذه الكلمات الرائعة الأسس لحسن الأخلاق ومكارم الأعمال ، والدعوة إلى قيام الصداقة والصحبة على واقع من الفكر والمرونة.

٢ ـ قال عليه‌السلام : ( حسب المرء من كمال المروءة أن لا يلقى أحداً بما يكره .. ومن عقله إنصافه قبول الحقّ إذا بان له .. ).

قضاء حوائج الناس :

وكان ممّا دعا إليه الإمام الجواد عليه‌السلام السعي والمبادرة في قضاء حوائج الناس وذلك لما لها من الآثار التي تترتّب عليها والتي منها دوام النعم قال عليه‌السلام :

( إنّ لله عباداً يخصّهم بدوام النعم فلا تزال فيهم ما بذلوا لها ، فإذا منعوها نزعها عنهم ، وحوّلها إلى غيرهم .. ) (٢).

وأكّد عليه‌السلام ذلك في حديث آخر له قال :

( ما عظمت نِعم الله على أحد إلاّ عظمت إليه حوائج الناس ، فمن لم يحتمل تلك

__________________

١ ـ الاتّحاف بحبّ الأشراف : ص ٧٧ ، الدرّ النظيم : ورقة ٢٢٣.

٢ ـ الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ص ٢٥٨.

١٠٦

المؤنة عرّض تلك النعمة للزوال .. ) (١).

من آداب السلوك :

ووضع الإمام الجواد البرامج الصحيحة لحسن السلوك وآدابه بين الناس وكان من بين ما دعا له :

١ ـ قال عليه‌السلام : ( ثلاث خصال تجلب فيهن المودّة : الإنصاف في المعاشرة ، والمواساة في الشدّة ، والانطواء على قلب سليم .. ) (٢).

٢ ـ قال عليه‌السلام : ( ثلاثة من كنّ فيه لم يندم : ترك العجلة ، والمشورة ، والتوكّل على الله تعالى عند العزيمة ، ومن نصح أخاه سرّاً فقد زانه ، ومن نصحه علانية فَقَدَ شأنه .. ) (٣).

٣ ـ قال عليه‌السلام : ( عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه ، وعنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه ، والشكر زينة الرواية ، وخفض الجناح زينة العلم ، وحسن الأدب زينة العقل ، والجمال في اللسان ، والكمال في العقل .. ) (٤).

وحفلت هذه الكلمات بأصول الحكمة وقواعد الأخلاق والآداب ، ولو لم تكن له إلاّ هذه الكلمات لكانت كافية في التدليل على إمامته إذ كيف يستطيع شاب في مقتبل العمر أن يدلي بهذه الحكم الخالدة التي يعجز عن الإتيان بمثلها كبار العلماء.

__________________

١ ـ الفصول المهمة لابن الصبّاغ : ص ٢٥٨.

٢ ـ جوهرة الكلام : ص ١٥٠.

٣ ـ الإتّحاف بحبّ الأشراف : ص ٧٨.

٤ ـ الإتّحاف بحبّ الأشراف.

١٠٧

الدعوة إلى فعل المعروف :

ودعا الإمام الجواد عليه‌السلام إلى اصطناع المعروف قال عليه‌السلام : ( أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه؛ لأنّ لهم أجره وفخره وذكره ، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنّه يبتدأ فيه بنفسه ) (١).

من مواعظه :

وأثرت عن الإمام الجواد عليه‌السلام بعض المواعظ ومنها ما يلي :

١ ـ قال عليه‌السلام : تأخير التوبة اغترار ، وطول التسويف حيرة ، والاعتلال على الله هلكة ، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله ( فَلا يَأْمَنُ مَكرَ اللهِ إلاَّ القَومُ الخاسِرُونَ ) (٢).

٢ ـ قال له رجل : أوصني ، فأوصاه عليه‌السلام بهذه الوصية القيّمة :

( توسّد الصبر ، واعتنق الفقر ، وارفض الشهوات ، وخالف الهوى ، واعلم انّك لن تخلو من عين الله ، فانظر كيف تكون .. ) (٣).

٣ ـ كتب الإمام الجواد عليه‌السلام إلى بعض أوليائه هذه الرسالة الموجزة وهي حافلة بالوعظ والإرشاد وقد جاء فيها :

( أمّا هذه الدنيا فإنّا فيها معترفون ، ولكن من كان هواه هوى صاحبه ودان بدينه فهو معه حيث كان (٤) والآخرة هي دار القرار .. ) (٥).

__________________

١ ـ الدرّ النظيم.

٢ ـ تحف العقول : ص ٤٥٦.

٣ ـ نفس المصدر.

٤ ـ في نسخة : فإذا كان ميلك وهواك إليّ وتحبّني كنت معي حيث كنت أنا.

٥ ـ تحف العقول : ص ٤٥٦.

١٠٨

هذه بعض مواعظه الحافلة بالدعوة إلى العمل بما يقرّب الإنسان من ربّه ، ويبعده عن عقابه ، وفيها التحذير من اتّباع النزعات الشريرة القائمة في نفس الإنسان ، وهي تدفعه إلى الهلكة والمخاطر ، والانجراف في ميادين الرذائل والجرائم.

لقد عنى الإمام محمد الجواد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وعظ الناس وإرشادهم كما عنى آباؤه بذلك ، فقد كانت هذه الظاهرة من ألمع ما نقرأه في سيرتهم وحياتهم.

رسائله :

وتبادل الإمام الجواد عليه‌السلام مع جماعة من القائلين بإمامته جملة من الرسائل تناولت مختلف القضايا ومن بين تلك الرسائل :

١ ـ بعث الإمام الجواد عليه‌السلام رسالة إلى رجل من أهل الحيرة جاء فيها بعد البسملة :

( الحمد لله الذي انتجب من خلقه ، واختار من عباده ، واصطفى من النبيّين محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبعثه بشيراً ونذيراً ودليلاً على سبيله الذي من سلكه لحق ، ومن تقدّمه مرق ، ومن عدل عنه محق ، وصلى الله على محمد وآله.

أما بعد : فإني أوصي أهل الإجابة بتقوى الله الذي جعل لمن اتّقاه المخرج من مكروهه ، إن الله عزّ وجل أوجب لوليّه ما أوجبه لنفسه ونبيّه في محكم كتابه بلسان عربي مبين .. وقد بلغني عن أقوام انتحلوا المودّة ونحلوا بدين الله ، ودين ملائكته شكوا في النعمة ، وحملوا أوزارهم وأوزار المقتدين بهم ، واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله وما ورثوه من أسلاف صالحين ، أبصروا فلزموا ، ولم يؤثروا دنيا حقيرة على آخرة مؤبّدة ، فأين يذهب المبطلون؟ سوف يأتي عليهم يوم يضمحل عنهم فيه الباطل ، وتنقطع أسباب الخدائع ، وذلك يوم الحسرة إذ القلوب لدى

١٠٩

الحناجر (١) والحمد لله الذي يفعل ما يشاء وهو العليم الخبير .. ) (٢).

ولم تشر المصادر التي بأيدينا إلى أسماء هؤلاء الأشخاص الذين انحرفوا عن الحقّ ، وضلوا عن الطريق ، ولم نعلم الأسباب التي دعتهم إلى رفضهم لمبدأ أهل البيت عليهم‌السلام وانتحال دين آخر.

٢ ـ وردت على الإمام أبي جعفر عليه‌السلام رسالة رواها بكر بن صالح قال : كتب صهر لي إلى أبي جعفر الثاني رسالة جاء فيها : ( إنّ أبي ناصب خبيث الرأي ، وقد لقيت منه شدّة وجهداً ، فرأيك جعلت فداك في الدعاء لي ، وما ترى جعلت فداك ، أفترى أن أكاشفه أم أداريه؟ ).

فأجابه الإمام عليه‌السلام بعد البسملة :

( قد فهمت كتابك ، وما ذكرت من أمر أبيك ، ولست أدع الدعاء لك إن شاء الله ، والمداراة خير لك من المكاشفة ، ومع العسر يسراً ، فاصبر إنّ العاقبة للمتّقين ، ثبّتك الله على ولاية من تولّيت ، نحن وأنتم وديعة الله التي لا تضيع ودايعه .. ) (٣).

ودلّت هذه الرسالة على لزوم البرّ بالأب ، وإن كان ناصبياً مبغضاً لأهل البيت عليهم‌السلام وأمرت الولد بالصبر على ما يلقاه من أبيه من جهد وعناء ، وبهذه الأخلاق الرفيعة كان الأئّمة يوصون أتباعهم بالتحلّي بها ليكونوا قدوة إلى الناس.

٣ ـ كان إبراهيم بن محمد وكيل الإمام الجواد عليه‌السلام بهمدان لتعليم الناس معالم دينهم ، وقبض الحقوق الشرعية منهم ، وإرسالها للإمام عليه‌السلام وكان قد بعث ما قبضه للإمام عليه‌السلام فأرسل عليه‌السلام له هذه الرسالة :

__________________

١ ـ هكذا في الأصل ولعلّ الصحيح بلغت الحناجر.

٢ ـ الدرّ النظيم : ورقة ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

٣ ـ بحار الأنوار ج ١٢ ص ١١٢.

١١٠

( قد وصل الحساب تقبّل الله منك ، ورضي عنهم ، وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة ، وقد بعثت لك من الدنانير بكذا ، ومن الكسوة بكذا ، فبارك الله فيك ، وفي جميع نِعم الله إليك ، وقد كتبت إلى النصر أمرته أن ينتهي عنك ، وعن التعرّض لك ، ولخلافك ، وأعلمته بوضعك عندي وكتبت إلى أيّوب أمرته بذلك أيضاً ، وكتبت إلى موالي بهمدان كتاباً أمرتهم بطاعتك ، والمصير إلى أمرك ، وأن لا وكيل سواك .. ) (١).

وأعربت هذه الرسالة عن مزيد ثقة الإمام عليه‌السلام بوكيله إبراهيم ، ودعمه الكامل له فقد اتّصل بالمناوئين له وأمرهم بطاعته ، والمصير إلى أمره ، وتقوية مركزه .. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض رسائله.

التوبة :

وفتح الله باب التوبة لعباده ، ودعاهم إلى طهارة نفوسهم ، وإنقاذهم ممّا اقترفوه من عظيم الجرائم والذنوب ، وقد روى أحمد بن عيسى في نوادره عن أبيه أنّ رجلاً أربى دهراً (٢) ، فخرج قاصداً أبا جعفر الجواد عليه‌السلام ، وعرض عليه ما ارتكبه من عظيم الإثم فقال عليه‌السلام له :

( مخرجك من كتاب الله ، يقول الله : ( فَمَن جَاءَهُ مَوْعظَةٌ من ربِّه فانتهى فَلَهُ مَا سَلَفَ ) والموعظة هي التوبة ، فجهله بتحريمه ، ثمّ معرفته به ، فما مضى فحلال وما بقي فليستحفظ .. ) (٣).

أمّا الأموال الربوية التي أخذها ـ بغير حقّ ـ فيجب عليه أن يردّها إلى أربابها

____________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٢ ص ١٦٢.

٢ ـ أربى دهراً : أي كان يتعاطى الربا زمناً.

٣ ـ وسائل الشيعة : ج ١٢ ص ٤٣٣.

١١١

ولا تبرأ ذمّته منها بالتوبة والرواية ناظرة إلى الحكم التكليفي.

من وحي الله لبعض أنبيائه :

وروى الإمام الجواد عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام أنّ الله تعالى : ( أوحى إلى بعض الأنبياء أمّا زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة ، وأمّا انقطاعتك إليّ فيعزّزك بي ، ولكن هل عاديت لي عدوّاً ، وواليت لي وليّاً؟ .. ) (١).

ما يحتاج إليه المؤمن :

وتحدّث الإمام الجواد عليه‌السلام ، عمّا يحتاج إليه المؤمن في هذه الحياة بقوله : ( المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله ، وواعظ من نفسه ، وقبول ممّن ينصحه ) (٢).

روائع الحكم والآداب :

للإمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام مجموعة من الكلمات الذهبية التي تُعدّ من مناجم التراث الإسلامي ومن أروع الثروات الفكرية في الإسلام ، وقد حفلت بأصول الحكمة ، وقواعد الأخلاق وخلاصة التجارب ، وفيما يلي بعضها :

١ ـ قال عليه‌السلام : ( لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ، ولا يطولنَ عليكم الأمل فتقسوا قلوبكم ، وارحموا ضعفاءكم ، واطلبوا الرحمة من الله بالرحمة منكم .. ).

وحفل هذا الحديث بأمور بالغة الأهمّية ، وقد جاء فيه :

أ ـ النهي عن العجلة والتسرّع في الأمور قبل أن يتبيّن حالها ، وذلك لما تجرّ من

__________________

١ ـ تحف العقول : ص ٤٥٥ ـ ٤٥٦.

٢ ـ تحف العقول : ص ٤٥٧.

١١٢

الندامة والخسران.

ب ـ النهي عن طول الأمل لأنّه ممّا يوجب قسوة القلب ، والبعد عن الله.

ج ـ الحثّ على رحمة الضعفاء ، والإحسان إلى المحرومين ، فإنّ ذلك مفتاح لطلب الرحمة من الله.

٢ ـ قال عليه‌السلام : ( ثلاثة يبلغن بالعبد رضوان الله تعالى : كثرة الاستغفار ، ولين الجانب ، وكثرة الصدقة ، وثلاث من كنّ فيه لم يندم : ترك العجلة ، والمشورة ، والتوكّل على الله عند العزم .. ).

وحفل هذا الحديث بالدعوة لما يقرّب الإنسان من ربّه ، فقد حثّ على كثرة الاستغفار ، ولين الجانب ، وكثرة الصدقة ، وهذه الخصال يحبّها الله ، ويبلغ بها العبد رضوانه تعالى كما حفل الحديث بما يسعد به الإنسان في هذه الحياة ، فقد دعاه إلى الاتّصاف بهذه الخصال الثلاث وهي :

أ ـ ترك العجلة ، فإنّ العجلة تسبّب للإنسان كثيراً من المشاكل والخطوب وقد قيل :

قد يدرك المتأنّي بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزلل

ب ـ المشورة في الأمور ، وعدم الاستبداد فيها ، فإنّ الإنسان كثير ما يخطئ.

ج ـ التوكّل على الله تعالى عند العزم على ما يريد أن يفعله الإنسان ، والابتعاد عن التردّد الذي يسبّب القلق النفسي ، والاضطراب في الشخصيّة.

٣ ـ قال عليه‌السلام : ( كيف يضيع من الله كافله ، وكيف ينجو من الله طالبه؟ .. ).

وفي هذا الحديث الشريف دعوة إلى الاتصال بالله ، والوثوق بقدرته تعالى فإنّ من المستحيل أن يضيع من يكفله الله ، كما إنّ من المستحيل أن ينجو من كان الله يطلبه.

١١٣

٤ ـ قال عليه‌السلام : ( يوم العدل على الظالم أشبه من يوم الجور على المظلوم .. ).

وحذّر الإمام عليه‌السلام من الظلم والاعتداء على الناس ، فإنّ الله تعالى لابدّ أن ينتقم من الظالم إن عاجلاً أو آجلاً ، وإنّ يوم العدل والقصاص الذي يمرّ عليه يكون شبيهاً في شدّته وقسوته باليوم الذي كان على المظلوم.

٥ ـ قال عليه‌السلام : ( ما هدم الدين مثل البدع ، ولا أزال الوقار مثل الطمع ، وبالراعي تصلح الرعية ، وبالدعاء تصرف البلية .. ).

وصوّرت هذه الكلمات بعض الجوانب الدينية ، والاجتماعية والسياسية ، وهي :

أ ـ البدع التي تلصق بالدين فإنّها تشوّه واقعه ، وتلحق به الخسائر لأرصدته الروحية والفكرية.

ب ـ الأطماع التي تقضي على أصالة الشخص ، وتجرّه إلى ميادين سحيقة من مجاهل هذه الحياة.

ج ـ صلاح الراعي ممّا يوجب صلاح الشعب ، وتطوّره ، وتنميته الفكرية والاجتماعية.

د ـ الدعاء إلى الله فإنّه من موجبات صرف البلاء ودفع القضاء.

٦ ـ قال عليه‌السلام : ( اعلموا أنّ التقوى عزّ ، وإنّ العلم كنز ، وإنّ الصمت نور ).

ولاشك في هذه الحقائق التي أدلى بها الإمام العظيم عليه‌السلام فإنّ تقوى الله عز وشرف للإنسان ، كما أن العلم من أعظم الكنوز وأثمنها في هذه الحياة ، أمّا الصمت فإنه نور لأنّه يعود على صاحبه بأفضل النتائج ويجنّبه كثيراً من المشاكل والخطوب.

٧ ـ قال عليه‌السلام : ( ما استوى رجلان في حسب ودين إلاّ كان أفضلهما عند الله أدبهما .. إلى أن قال : بقراءته القرآن كما أنزل ، ودعائه الله من حيث لا يلحن ، فإنّ الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله .. ).

١١٤

وأشادت هذه الكلمات بالآداب وجعلتها من مميّزات الشخص ، ومن موجبات القرب إلى الله تعالى ، كما جعلت من صميم الآداب قراءة القرآن الكريم بعيداً عن اللحن ، الذي يوجب كثيراً تشويه المعنى وتحريفه كما شجب الإمام عليه‌السلام اللحن وإنّ الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله تعالى.

٨ ـ قال عليه‌السلام : ( من شتم أجيب ، ومن تهوّر أصيب .. ).

ما أروع هذه الكلمة التي حكت الواقع الاجتماعي ، فإنّ من يتعرّض للناس بالسباب والشتم فإنه ـ حتماً ـ يُجاب بالمثل ، كما أنّ المتهوّر يُصاب من جرّاء تهوّره بالهلاك والدماء.

٩ ـ قال عليه‌السلام : ( العلماء غرباء لكثرة الجهّال بينهم .. ).

العلماء غرباء في المجتمع الذي يسوده الجهل فإنّ بضاعتهم لا يقيّم لها الجهّال وزناً بل ويزدرون بها ، وأي غربة للعالم أعظم من هذه الغربة.

١٠ ـ قال عليه‌السلام : ( من طلب البقاء فليُعدّ للمصائب قلباً صبوراً ).

إنّ من أراد البقاء وطول الحياة فليتسلّح بالصبر ، ولا يجزع من المصائب والأحداث التي تمرّ به فإنّ الجزع يقضي على الإنسان ، ويعرّضه للفناء والأسقام.

١١ ـ قال عليه‌السلام : ( من عمل بغير علم كان ما أفسد أكثر ممّا أصلح ).

إنّ العمل بغير هدى وبغير علم لا يوصل إلى نتيجة صحيحة ، ويكون مدعاة إلى الخطأ وعدم إصابة الواقع ، ففي الحقيقة إنّ ما يفسده أكثر ممّا يصلحه.

١٢ ـ قال عليه‌السلام : ( من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنّة ).

إنّ من يستفيد أخاً في الله فقد ظفر بأفضل النعم وذلك لما يستفيد منه من التوجيه نحو الخير والبعد عن الشرّ ، وكلّ ما يزيّنه ، ويبلغ به رضوان الله.

١٣ ـ قال عليه‌السلام : ( من أطاع هواه أعطى عدوّه مناه ).

١١٥

إنّ إطاعة الهوى والانقياد للشهوات تحقّق للعدو أعظم أمانيه ، فإن أطاع إبليس فقد تحقّق ما يبتغيه من حيلولة العبد عن ربّه ، وإن كان غيره فإنّ إطاعة الهوى ممّا تسقط الشخص اجتماعياً ، وهذا أعظم سرور الأعداء.

١٤ ـ قال عليه‌السلام : ( راكب الشهوات لا تقال عثرته .. ).

إنّ من انقاد لشهواته صار أسيراً لها فإنّه لا تقال له عثرة ، ولا يمنح العذر في ذلك.

١٥ ـ قال عليه‌السلام : ( عزّ المؤمن غناه عن الناس .. ).

إنّ أهم ما يعتزّ به المؤمن إذا أغناه الله عن الناس ، ولم تكن له أيّة مصلحة عندهم ، فإنّه يكون حرّاً بذلك قد ملك عزّه وشرفه.

١٦ ـ قال عليه‌السلام : ( لا يكن ولي الله في العلانية عدواً له في السرِّ ).

إنّ الذي يتولى الله ويؤمن به إنّما يكون صادقاً فيما إذا خاف الله في علانيّته وسرّه ، أمّا إذا تولاّه أمام الناس ، وعصاه سرّاً فإنّه لم يكن في إيمانه صادقاً وإنّما كان كاذباً ومنافقاً.

١٧ ـ قال عليه‌السلام : ( اصبر على ما تكره فيما يلزمك الحقّ ، واصطبر عمّا لا تحب فيما يدعوك إلى الهوى .. ).

أمر عليه‌السلام الناس بالانقياد للحقّ وإن كان مخالفاً للرغبات والميول كما أمر بمجانبة الهوى والابتعاد عنه.

١٨ ـ قال عليه‌السلام : ( قد عاداك من ستر عنك الرشد اتباعاً لما يهواه ).

عرض عليه‌السلام بذلك إلى بعض الأذناب والعملاء من أتباع السلطة الذين يحجبون عن المسؤولين ما تحتاج إليه الأمّة من الإصلاح الشامل ، ففي الحقيقة هؤلاء هم الأعداء ، وإن أظهروا المودّة والإخلاص.

١١٦

١٩ ـ قال عليه‌السلام : ( إيّاك ومصاحبة الشرير فإنّه كالسيف المسلول ، يحسن منظره ، ويقبح أثره .. ).

حذّر الإمام عليه‌السلام من مصاحبة الشرير وذلك لما تترتّب على مصاحبته من الآثار السيئة التي منها الوقوع في المهالك ، وإنّه مهما حسن سمته فهو كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح أثره.

٢٠ ـ قال عليه‌السلام : ( الحوائج تُطلب بالرجاء ، وهي تنزل بالقضاء ).

إنّ حوائج الناس إنّما تُطلب بالرجاء من الله ، وهي تنزل بقضائه ، ولا دخل في ذلك لسعي الإنسان وإرادته.

٢١ ـ قال عليه‌السلام : ( العافية أحسن عطاء .. ).

إنّ من أفضل نعم الله التي أسبغها على عباده هي الصحّة والعافية ، فهي الثروة والغنى ، ومن حرم العافية فقد حُرِم كلّ شيء في الحياة.

٢٢ ـ قال عليه‌السلام : ( إذا نزل القضاء ضاق الفضاء .. ).

إنّ قضاء الله إذا نزل بالإنسان واختاره تعالى إلى جواره فإنّ الفضاء على سعته يضيق به.

٢٣ ـ قال عليه‌السلام : ( لا تعادي أحداً حتى تعرف الذي بينه وبين الله فإن كان محسناً لم يسلمه إليك ، وإنّ كان مسيئاً فعلمك به يكفيكه فلا تعاده ).

وحذّر الإمام عليه‌السلام من العداوة للنّاس ، وإنّ المسلم ينبغي أن يغرس في نفسه الحبّ والولاء لأخيه المسلم ، وأمر بالفحص عمّن نعاديه فإن كانت علاقته قويّة مع الله تعالى فإنّه لا يسلمه لنا ، وإن كان مسيئاً فعلمنا بإسائته يكفينا عن عدوانه.

٢٤ ـ قال عليه‌السلام : ( التحفّظ على قدر الخوف ، والطمع على قدر النيل .. ).

إنّ الحذر والتحفّظ من أي شيء كان إنّما هو على قدر الخوف منه ، فالتحفّظ

١١٧

ـ مثلاً ـ من الوقوع في المعاصي إنّما هو على قدر الخوف من الله فإن كان الخوف قوياً فيمتنع الإنسان امتناعاً كلّياً من اقتراف أي ذنب أو مخالفة لله وإن كان ضعيفاً فإنه قد يقع في الإثم والحرام ، كما أنّ الطمع في الشيء على قدر النيل منه ، فإن كان النيل متوفّراً له كان الطمع قوياً وبالعكس.

٢٥ ـ قال عليه‌السلام : ( كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة .. ).

إنّ أعظم دليل على خيانة المرء لنفسه وأمته أن يكون أميناً للخونة ومعيناً لهم.

٢٦ ـ قال عليه‌السلام : ( ما شكر الله أحد على نعمة أنعمها عليه إلاّ استوجب بذلك المزيد قبل أن يظهر على لسانه .. ).

إنّ الله تعالى الذي بيده الخير والحرمان قد وعد ـ وهو لا يخلف الميعاد ـ من شكره بالمزيد قال تعالى : ( لئن شكرتم لأزيدنّكم ) وهو يعطي المزيد فيما إذا نوى العبد الشكر قبل أن يظهره بلسانه.

٢٧ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( من أمل فاجراً كان أدنى عقوبته الحرمان .. ).

لا ينبغي لأيّ إنسان يملك وعيه واختياره أن يأمّل غير خالقه ، فإذا أمّل فاجراً فأقلّ ما يعاقب به الحرمان وعدم قضاء حاجته.

٢٨ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( موت الإنسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل ، وحياته بالبرّ أكثر من حياته بالعمر .. ).

يشير الإمام عليه‌السلام إلى الحياة المعنوية ، فمن يقترف الذنوب والجرائم فهو ميّت بين الأحياء ومن يعمل البرّ ويسدي الخير لأمته وبلاده فهو حيّ ومخلّد ذكره وإن مات.

٢٩ ـ قال عليه‌السلام : ( من أخطأ وجوه المطالب خذلته وجوه الحيل ).

يريد الإمام عليه‌السلام إنّ من يخطئ في سلوكه فإنّ وجوه الحيل وطرقه تخذله ولا يصل إلى نتيجة صحيحة.

١١٨

٣٠ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( من استحسن قبيحاً كان شريكاً فيه ).

إنّ من يستحسن القبيح ، أو يدافع عنه فإنّه يتحمّل وزره وإثمه ويكون شريكاً لفاعله.

٣١ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( من كتم همّه سقم جسده .. ).

لا إشكال أنّ كتمان الهمّ ، وعدم نشره بين الأهل والإخوان ممّا يوجب تدهوّر الصحّة وإذابة الجسم ، وإشاعة السقم فيه.

٣٢ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( أربع خصال تعين المرء على العمل : الصحّة ، والغني ، والعلم والتوفيق .. ).

هذه الأمور الأربعة : التي أدلى بها الإمام عليه‌السلام من المقدّمات التمهيدية لإيجاد فعل الخير وتحقّقه في الخارج.

٣٣ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( العامل بالظلم ، والمعين عليه ، والراضي به شركاء .. ).

إنّ هؤلاء الأصناف الثلاث كلّهم يشتركون في الإثم ، والعقاب ، فإنّ الظلم الذي هو أبغض شيء إلى الله تعالى يستند إلى بعض هؤلاء بالمباشرة ، وإلى البعض الآخر بالرضا.

٣٤ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( الصبر على المصيبة مصيبة للشامت ).

إنّ الصبر على المصيبة وعدم إبداء الجزع عليها تكون من أعظم المصائب على الشامت الذي يريد أن تحرق المصيبة من شمت به.

٣٥ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( لو سكت الجاهل ما اختلف الناس ).

إنّ انطلاق الجاهل في المواضيع التي يجهلها هي التي أوجدت الاختلاف بين الناس.

٣٦ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( مقتل الرجل بين فكّيه ).

١١٩

إنّ هلاك الإنسان بمنطقه فكثيراً ما يجرّ الكلام الدمار لصاحبه ، وقد لاقى أحرار العالم القتل بسبب ما أدلوا به من النقد لحكّام الظلم والجور.

٣٧ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( الناس أشكال ، وكلّ يعمل على شاكلته ).

وألمت هذه الكلمة بالواقع الاجتماعي الذي يعيشه الناس ، فهم أصناف مختلفة في الميول والاتّجاهات ، وكلّ يعمل وفق اتّجاهه الفكري ، والعقائدي.

٣٨ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( الناس إخوان فمن كانت اخوّته في غير ذات الله ، فإنّها تعود عداوة ، وذلك قوله عزّ وجل : ( الأخِلاَءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَ الْمُتَّقِينَ ).

إن الصداقة إذا لم تقم على أساس المحبة في الله وقامت على أساس المنافع والمصالح الشخصية فإنها – حتماً – تنقلب إلى العداوة والبغضاء حينما تتأثّر المصالح القائمة بينهما بمؤثرات أخرى.

٣٩ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( كفر النعمة داعية للمقت .. ).

لا شك أن الكفر بالنعمة وعدم الشكر لها مما يوجب المقت عند الله والناس.

٤٠ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( من جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك ).

إن مجازاة المحسن بالشكر وإذاعة فضائله ومعروفه هي في الحقيقة أكثر من عطائه لأنها توجب له الذكر الحسن الذي هو أعظم مكسب للإنسان.

٤١ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( من وعظ أخاه سراً فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه ).

إن موعظة الأخ والصديق إذا كانت سرّاً فإنّها تنمّ عن الإخلاص والصدق في الموعظة وإذا كانت علانية فإنها لا تخلو من التشهير به.

٤٢ ـ قال الإمام عليه‌السلام : ( ما أنعم الله على عبد نعمة يعلم أنّها من الله إلاّ كتب الله

١٢٠