بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

عَلَى الْكافِرِينَ » (١) قال الموالي (٢).

بيان : الموالي العجم.

٢٢ ـ كتاب الإستدراك : بإسناده عن ابن عقدة بإسناده عن يحيى بن زكريا بن شيبان عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن سيف بن عميرة عن منصور بن حازم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول نحن العرب وشيعتنا الموالي وسائر الناس همج.

١٠

(باب)

(لزوم البيعة وكيفيتها وذم نكثها)

الآيات

النحل : « وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ » إلى قوله تعالى « وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » (٣)

__________________

(١) المائدة : ٥٤.

(٢) تفسير العياشي ج ١ : ٣٢٧.

(٣) النحل : ٩١ ـ ٩٥.

١٨١

الفتح : « إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً » (١).

الممتحنة : « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (٢).

تفسير

« وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ » قال الطبرسي (٣) رحمه‌الله قال ابن عباس الوعد من العهد وقال المفسرون العهد الذي يجب الوفاء به هو الذي يحسن فعله وعاهد الله ليفعلنه فإنه يصير واجبا عليه « وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ » هذا نهي منه سبحانه عن حنث الأيمان وقوله « بَعْدَ تَوْكِيدِها » أي بعد عقدها وإبرامها وتوثيقها باسم الله تعالى وقيل بعد تشديدها وتغليظها بالعزم والعقد على اليمين بخلاف لغو اليمين « وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » أي حسيبا فيما عاهدتموه عليه وقيل كفيلا بالوفاء « إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » من نقض العهد أو الوفاء به فإياكم أن تلقوه وقد نقضتم.

وهذه الآية نزلت في الذين بايعوا النبي صلى الله عليه واله على الإسلام فقال سبحانه للمسلمين الذين بايعوه لا يحملنكم قلة المسلمين وكثرة المشركين على نقض البيعة فإن الله حافظكم أي اثبتوا على ما عاهدتم عليه الرسول وأكدتموه بالأيمان انتهى.

« وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها » أي كالمرأة غزلت ثم نكثت غزلها « مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ » أي من بعد إحكام وفتل « أَنْكاثاً » جمع نكث بالكسر وهو ما ينكث فتله

__________________

(١) الفتح : ١٠.

(٢) الممتحنة : ١٢.

(٣) مجمع البيان ج ٦ : ٣٨٢.

١٨٢

وروى علي بن إبراهيم (١) عن الباقر عليه السلام التي نقضت غزلها امرأة من بني تيم بن مرة يقال لها ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن لؤي بن غالب كانت حمقاء تغزل الشعر فإذا غزلته نقضته ثم عادت فغزلته فقال الله « كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها » الآية.

قال إن الله تعالى أمر بالوفاء ونهى عن نقض العهد فضرب لهم مثلا « تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ » أي دغلا وخيانة ومكرا وخديعة وذلك لأنهم كانوا حين عهدهم يضمرون الخيانة والناس يسكنون إلى عهدهم.

والدخل أن يكون الباطن خلاف الظاهر وأصله أن يدخل في الشيء ما لم يكن منه « أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ » يعني لا تنقضوا العهد بسبب أن تكون جماعة وهم كفرة قريش أزيد عددا وأوفر مالا من أمة يعني جماعة المؤمنين « إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ » أي إنما يختبركم بكونكم أربى لينظر أتوفون بعهد الله أم تغترون بكثرة قريش وقوتهم وثروتهم وقلة المؤمنين وضعفهم وفقرهم « وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ » وعيد وتحذير من مخالفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

« وَلا تَتَّخِذُوا » تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي عنه « فَتَزِلَّ قَدَمٌ » عن محجة الإسلام « بَعْدَ ثُبُوتِها » عليها أي فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا على هدى يقال زل قدم فلان في أمر كذا إذا عدل عن الصواب والمراد أقدامهم وإنما وحد ونكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بأقدام كثيرة « وَتَذُوقُوا السُّوءَ » في الدنيا « بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ » أي بصدودكم أو بصدكم غيركم عنها لأنهم لو نقضوا العهد وارتدوا لاتخذ نقضها سنة يستن بها « وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » في الآخرة.

وفي الجوامع ، عن الصادق عليه السلام أنه قال : نزلت في ولاية علي والبيعة له حين قال النبي صلى الله عليه واله سلموا على علي بإمرة المؤمنين.

وأقول : قد مر أن في قراءتهم عليهم السلام أن تكون أئمة هي أزكى

__________________

(١) تفسير القمي : ٣٦٥.

١٨٣

من أئمتكم (١).

« إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ » (٢) لأنه المقصود بيعته « يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ » يعني يدك التي فوق أيديهم في حال بيعتهم إياك إنما هي بمنزلة يد الله لأنهم في الحقيقة يبايعون الله عز وجل ببيعتك « فَمَنْ نَكَثَ » أي نقض العهد « فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ » أي لا يعود ضرر نكثه إلا عليه « وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ » أي في مبايعته « فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً » هو الجنة.

« وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ » (٣) يريد البنات أو الأسقاط « وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ » في الجوامع كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك كنى بالبهتان المفتري بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبا لأن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين وفرجها الذي تلده به بين الرجلين « وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ » أي في حسنة تأمرهن بها « فَبايِعْهُنَ » بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء.

وفي المجمع ، (٤) روى الزهري عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه واله يبايع النساء بالكلام بهذه الآية « أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً » وما مست يد رسول الله صلى الله عليه واله كان إذا بايع النساء دعا بقدح ماء فغمس يده فيه ثم غمسن أيديهن فيه وقيل إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي.

١ ـ ن : بإسناده إلى الريان بن شبيب أن المأمون لما أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين وللرضا عليه السلام بولاية العهد وللفضل بالوزارة أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم فلما قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى الخنصر ويخرجون حتى

__________________

(١) راجع ج ٣٦ ص ٨١ و ١٤٨ من تاريخ أمير المؤمنين عليه‌السلام وتراه في تفسير العياشي ج ٢ : ٢٦٨.

(٢) الفتح : ١٠.

(٣) الممتحنة : ١٢.

(٤) مجمع البيان ج ٩ : ٢٧٦.

١٨٤

بايع في آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام فتبسم أبو الحسن عليه السلام فقال كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنه بايعنا بعقدها.

فقال المأمون وما فسخ البيعة وما عقدها قال أبو الحسن عليه السلام عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر قال فماج الناس في ذلك وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصف أبو الحسن عليه السلام فقال الناس كيف يستحق الإمامة من لا يعرف عقد البيعة إن من علم أولى بها ممن لا يعلم فحمله ذلك على ما فعله من سمه (١).

٢ ـ ل : عن القاسم بن محمد بن أحمد بن عبدويه عن الحسن بن علي بن نصر عن محمد بن عثمان بن كرامة عن عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله ثلاثة « لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ » عز وجل « وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » (٢) :

رجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا إن أعطاه منها ما يريده وفى له وإلا كف ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله عز وجل لقد أعطى بها كذا وكذا فصدقه وأخذها ولم يعط فيها ما قال ورجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل (٣).

بيان : « لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ » أي بما يسرهم أو بشيء أصلا فإن الملائكة يسألونهم أو هو كناية عن سخطه سبحانه عليهم « وَلا يُزَكِّيهِمْ » أي لا يثني عليهم أو لا يقبل منهم عملا أو لا يطهرهم مما يوجب العذاب بالعفو والمغفرة.

٣ ـ سن : عن عبد الله بن علي العمري عن علي بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال : ثلاث موبقات نكث الصفقة وترك السنة وفراق

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٨. الباب ٥٩.

(٢) اقتباس من قوله تعالى في البقرة : ١٧٤.

(٣) الخصال ج ١ : ٥٣.

١٨٥

الجماعة (١).

٤ ـ الدرة الباهرة : قال الرضا عليه السلام لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة.

بيان : قال الراغب الدائرة في المكروه كما يقال دولة في المحبوب قال تعالى « نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ » (٢) وقوله « يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ » (٣) أي محيط به السوء إحاطة الدائرة فلا سبيل لهم إلى الانفكاك منه بوجه (٤) وقال الجوهري صفقت له بالبيع والبيعة صفقا أي ضربت بيدي على يده وتصافق القوم عند البيعة (٥).

٥ ـ شا : في بيعة الناس للرضا عليه السلام عند المأمون في حديث طويل ذكر فيه أنه جلس المأمون ووضع للرضا عليه السلام وسادتين عظيمتين وأجلس الرضا عليه السلام عليهما في الخضرة وعليه عمامة وسيف ثم أمر ابنه العباس أن يبايع له في أول الناس فرفع الرضا يده فتلقى بها وجهه وببطنها وجوههم فقال له المأمون ابسط يدك للبيعة فقال الرضا إن رسول الله صلى الله عليه واله هكذا كان يبايع فبايعه الناس ويده فوق أيديهم (٦).

٦ ـ ل : بإسناده عن جابر الجعفي عن الباقر عليه السلام في حديث طويل يذكر فيه أحكام النساء قال ولا تبايع إلا من وراء الثياب (٧).

٧ ـ ثو : بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال : إن في

__________________

(١) المحاسن : ٩٤.

(٢) المائدة : ٥٢.

(٣) براءة : ٩٨.

(٤) المفردات في غريب القرآن : ١٧٤.

(٥) الصحاح : ١٠٥٧.

(٦) الإرشاد : ٢٩١.

(٧) الخصال ج ٢ : ١٤١.

١٨٦

النار لمدينة يقال لها الحصينة أفلا تسألوني ما فيها فقيل له وما فيها يا أمير المؤمنين قال فيها أيدي الناكثين (١).

٨ ـ كا : عن علي عن أبيه عن البزنطي عن أبان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه واله مكة بايع الرجال ثم جاءته النساء يبايعنه فأنزل الله عز وجل « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ » إلى قوله « إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (٢).

قالت هند أما الولد فقد ربينا صغارا وقتلتهم كبارا وقالت أم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت عند عكرمة بن أبي جهل يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه قال لا تلطمن خدا ولا تخمشن وجها ولا تنتفن شعرا ولا تشققن جيبا ولا تسودن ثوبا ولا تدعين بويل فبايعهن رسول الله صلى الله عليه واله على هذا فقالت يا رسول الله كيف نبايعك قال إنني لا أصافح النساء فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها فقال أدخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة (٣).

٩ ـ كا : بإسناده عن المفضل قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف ماسح رسول الله صلى الله عليه واله النساء حين بايعهن قال دعا بمركنه الذي كان يتوضأ فيه فصب فيه ماء ثم غمس يده فكلما بايع واحدة منهن قال اغمسي يدك فتغمس كما غمس رسول الله صلى الله عليه واله فكان هذا مماسحته إياهن (٤).

بيان : المركن كمنبر الإجانة.

١٠ ـ كا : بإسناده عن سعدان قال قال أبو عبد الله عليه السلام أتدري كيف

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٢٢٧.

(٢) الممتحنة : ١٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٥٢٧.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٥٢٦.

١٨٧

بايع رسول الله صلى الله عليه واله النساء قلت الله أعلم وابن رسوله أعلم قال جمعهن حوله ثم دعا بتور برام فصب فيه ماء نضوحا ثم غمس يده فيه ثم قال اسمعن يا هؤلاء أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولا تعصين بعولتكن في معروف أقررتن قلن نعم فأخرج يده من التور ثم قال لهن اغمسن أيديكن ففعلن فكانت يد رسول الله صلى الله عليه واله الطاهرة أطيب من أن يمس بها كف أنثى ليست له بمحرم (١).

بيان : في النهاية التور إناء من صفر أو حجارة كالإجانة وقد يتوضأ منه وقال البرمة بالضم القدر مطلقا وجمعها برام وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن والنضوح كصبور طيب.

أقول : قد مر تفسير الآيات وسائر الأخبار في النكث وكيفية البيعة في باب فتح مكة (٢) وأبواب نكث طلحة والزبير.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٥٦.

(٢) راجع ج ٢١ ص ٩٥ ـ ٩٩.

١٨٨

١١

(باب)

(آخر في أن المؤمن صنفان)

١ ـ كا : عن محمد عن أحمد عن ابن سنان عن نصير أبي الحكم الخثعمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن مؤمنان فمؤمن صدق بعهد الله ووفى بشرطه وذلك قوله عز وجل « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ » (١) فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة وذلك ممن يشفع ولا يشفع له ومؤمن كخامة الزرع تعوج أحيانا وتقوم أحيانا فذلك ممن يصيبه أهوال الدنيا وأهوال الآخرة وذلك ممن يشفع له ولا يشفع (٢).

بيان : قال الله سبحانه « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ » قال البيضاوي من الثبات مع الرسول والمقاتلة لأعداء الدين من صدقني إذا قال لك الصدق فإن العاهد إذا وفى بعهده فقد صدق « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » أي نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر والنحب النذر استعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان « وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » أي الشهادة « وَما بَدَّلُوا » العهد ولا غيروه « تَبْدِيلاً » أي شيئا من التبديل.

__________________

(١) الأحزاب : ٢٣.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٤٨.

١٨٩

وقال الطبرسي رحمه‌الله (١) « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » يعني حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب « وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » يعني علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وروي في الخصال (٢) عن الباقر عليه السلام في حديث طويل قال قال أمير المؤمنين عليه السلام لقد كنت عاهدت الله ورسوله أنا وعمي حمزة وأخي جعفر وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله تعالى ولرسوله فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم لما أراد الله تعالى فأنزل الله فينا « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ » الآية حمزة وجعفر وعبيدة وأنا والله المنتظر وما بدلت تبديلا.

فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه عليه السلام استدل بهذه الآية على أن المؤمنين صنفان لأنه تعالى قال « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ » فصنف منهم مؤمن صدق بعهد الله قيل الباء بمعنى في أي في عهد الله فقوله صدق كنصر بالتخفيف ففيه إشارة إلى أن في الآية أيضا الباء مقدرة أي صدقوا بما عاهدوا الله عليه ويمكن أن يقرأ صدق بالتشديد بيانا لحاصل معنى الآية أي صدقوا بعهد الله وما وعدهم من الثواب وما اشترط في الثواب من الإيمان والعمل الصالح والأول أظهر والمراد بالعهد أصول الدين من الإقرار بالتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد والوفاء بالشرط الإتيان بالمأمورات والانتهاء عن المنهيات وقيل أراد بالعهد الميثاق بقوله « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » وبالشرط قوله تعالى « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ » (٣).

وأقول : يحتمل أن يكون المراد بهما ما مر في كتاب الإمامة عنه عليه السلام حيث قال : إنكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفون حتى تصدقوا ولا تصدقون حتى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح أولها إلا بآخرها ضل أصحاب الثلاثة و

__________________

(١) مجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٩ ، وفيه : قال ابن عباس. من قضى نحبه حمزة بن عبد المطلب ، ومن قتل معه ، وأنس بن نضر وأصحابه ، وروى الحاكم أبو القاسم الحسكانى بالاسناد عن عمرو بن ثابت ، عن أبي إسحاق عن علي عليه‌السلام قال : فينا نزلت « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ » المنتظر. وما بدلت تبديلا. نعم ما نقله رحمه‌الله انما يوجد في تفسير القمي ص ٥٢٧.

(٢) الخصال ج ٢ : ٢١.

(٣) النساء : ٣١.

١٩٠

تاهوا تيها بعيدا إن الله تبارك وتعالى لا يقبل إلا العمل الصالح ولا يقبل الله إلا الوفاء بالشروط والعهود فمن وفى لله عز وجل بشرطه واستعمل ما وصف في عهده نال ما عنده واستعمل عهده.

إن الله تبارك وتعالى أخبر العباد بطريق الهدى وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون فقال « وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى » (١) وقال « إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » (٢) إلى آخر الخبر فالشروط والعهود هي التوبة والإيمان والأعمال الصالحة والاهتداء بالأئمة عليهم‌السلام.

فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة قيل المراد بأهوال الدنيا القحط والطاعون وأمثالهما في الحياة وما يراه عند الموت من سكراته وأهواله وأهوال الآخرة ما بعد الموت إلى دخول الجنة وقيل المراد بأهوال الدنيا الهموم من فوات نعيمها لأن الدنيا ونعيمها لم تخطر بباله فكيف الهموم من فواتها أو المراد أعم منها ومن عقوباتها ومكارهها ومصائبها لأنها عنده نعمة مرغوبة لا أهوال مكروهة أو لأنها لا تصيبه لأجل المعصية فلا ينافي إصابتها لرفع الدرجة ولا يخفى بعد تلك الوجوه.

والأظهر عندي أن المراد بأهوال الدنيا ارتكاب الذنوب والمعاصي لأنها عنده من أعظم المصائب والأهوال بقرينة ما سيأتي في الشق المقابل له ويحتمل أن يكون إطلاق الأهوال عليها على مجاز المشاكلة.

وذلك ممن يشفع على بناء المعلوم أي يشفع للمؤمنين من المذنبين ولا يشفع له على بناء المجهول أي أنه لا يحتاج إلى الشفاعة لأنه من المقربين الذين « لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ » ولا يحزنون وإنما الشفاعة لأهل المعاصي.

كخامة الزرع قال في النهاية فيه مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح هي الطاقة الغضة اللينة من الزرع وألفها منقلبة عن واو. انتهى

__________________

(١) طه : ٨٢.

(٢) المائدة : ٢٧.

١٩١

وأشار عليه السلام إلى وجه الشبه بقوله يعوج أحيانا والمراد باعوجاجه ميله إلى الباطل وهو متاع الدنيا والشهوات النفسانية وبقيامه استقامته على طريق الحق ومخالفته للأهواء والوساوس الشيطانية ولا يشفع أي لا يؤذن له في الشفاعة.

٢ـ كا : عن العدة عن سهل عن محمد بن عبد الله عن خالد القمي عن خضر بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول المؤمن مؤمنان مؤمن وفى لله بشروطه التي اشترطها عليه فذلك مع « النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » وذلك ممن يشفع ولا يشفع له وذلك ممن لا يصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة ومؤمن زلت به قدم كخامة الزرع كيفما كفته الريح انكفأ وذلك من تصيبه أهوال الدنيا وأهوال الآخرة ويشفع له وهو على خير (١).

بيان : خضر بكسر الخاء وسكون الضاد أو بفتح الخاء وسكون الضاد صحح بهما في القاموس وغيره وفى لله بشروطه العهود داخلة تحت الشروط هنا فذلك مع النبيين إشارة إلى قوله تعالى « وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » (٢) وهذا مبني على ما ورد في الأخبار الكثيرة أن الصديقين والشهداء والصالحين هم الأئمة عليهم السلام والمراد بالمؤمن في المقسم هنا غيرهم من المؤمنين وقد مر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال بعد قراءة هذه الآية فمنا النبي ومنا الصديق والشهداء والصالحون.

وفي تفسير علي بن إبراهيم (٣) قال « النَّبِيِّينَ » رسول الله « وَالصِّدِّيقِينَ » علي « وَالشُّهَداءِ » الحسن والحسين « وَالصَّالِحِينَ » الأئمة « وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » القائم من آل محمد صلوات الله عليهم.

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٢٤٨.

(٢) النساء : ٦٩.

(٣) تفسير القمي ص ١٣١.

١٩٢

فلا يحتاج إلى ما قيل إن الظاهر أنه كان من النبيين لأن الصنف الأول إما نبي أو صديق أو شهيد أو صالح والصنف الثاني يكون مع هؤلاء بشفاعتهم زلت به قدم كان الباء للتعدية أي أزلته قدم وإقدام على المعصية وقيل الباء للسببية أي زلت بسببه قدمه أي فعله عمدا من غير نسيان وإكراه وكيفما مركب من كيف للشرط نحو كيف تصنع أصنع وما زائدة للتأكيد.

وفي النهاية يقال كفأت الإناء وأكفأته إذا كببته وإذا أملته وفي القاموس كفاه كمنعه صرفه وكبه وقلبه كأكفأه واكتفاه وانكفأ رجع ولونه تغير (١).

٣ ـ كا : عن العدة عن البرقي عن ابن مهران عن يونس بن يعقوب عن أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السلام قال : قام رجل بالبصرة إلى أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الإخوان فقال الإخوان صنفان إخوان الثقة وإخوان المكاشرة :

فأما إخوان الثقة فهم الكف والجناح والأهل والمال فإذا كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك وبدنك وصاف من صافاه وعاد من عاداه واكتم سره وعيبه وأظهر منه الحسن واعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت الأحمر.

وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب لذتك منهم فلا تقطعن ذلك منهم ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان (٢).

بيان : الإخوان صنفان المراد بالإخوان إما مطلق المؤمنين فإن المؤمنين إخوة أو المؤمنين الذين يصاحبهم ويعاشرهم ويظهرون له المودة والأخوة

__________________

(١) القاموس ج ١ : ٢٦.

(٢) الكافي ج ٢ : ٢٤٨.

١٩٣

أو الأعم من المؤمنين وغيرهم إذا كانوا كذلك.

والمراد بإخوان الثقة أهل الصلاح والصدق والأمانة الذين يثق بهم ويعتمد عليهم في الدين وعدم النفاق وموافقة ظاهرهم لباطنهم وبإخوان المكاشرة الذين ليسوا بتلك المثابة ولكن يعاشرهم لرفع الوحشة أو للمصلحة والتقية فيجالسهم ويضاحكهم ولا يعتمد عليهم ولكن ينتفع بمحض تلك المصاحبة منهم لإزالة الوحشة ودفع الضرر.

قال في النهاية فيه إنا لنكشر في وجوه أقوام الكشر ظهور الأسنان في الضحك وكاشره إذا ضحك في وجهه وباسطه والاسم الكشرة كالعشرة.

فهم الكف الحمل على المبالغة والتشبيه أي هم بمنزلة كفك في إعانتك وكف الأذى عنك فينبغي أن تراعيه وتحفظه كما تحفظ كفك.

قال في المصباح قال الأزهري الكف الراحة مع الأصابع سميت بذلك لأنها تكف الأذى عن البدن وقال جناح الطائر بمنزلة اليد للإنسان وفي القاموس الجناح اليد والعضد والإبط والجانب ونفس الشيء والكنف والناحية انتهى وأكثر المعاني مناسبة والعضد أظهر والحمل كما سبق أي هم بمنزلة عضدك في إعانتك فراعهم كما تراعي عضدك وكذا الأهل والمال ويمكن أن يكون المراد بكونهم مالا أنهم أسباب لحصول المال عند الحاجة إليه.

فإذا كنت من أخيك أي بالنسبة إليه كقول النبي أنت مني بمنزلة هارون من موسى على حد الثقة أي على مرتبة الثقة والاعتماد أو على أول حد من حدودها والثقة في الأخوة والديانة والاتصاف بصفات المؤمنين وكون باطنه موافقا لظاهره.

فابذل له مالك وبدنك بذل المال هو أن يعطيه من ماله عند حاجته إليه سأل أم لم يسأل وبذل البدن هو أن يخدمه ويدفع الأذى عنه قولا وفعلا وهما متفرعان على كونهم الكف والجناح والأهل والمال وصاف من صافاه

١٩٤

أي أخلص الود لمن أخلص له الود قال في المصباح صفا خلص من الكدر وأصفيته الوداد أخلصته وفي القاموس صافاه صدقه الإخاء كأصفاه.

وعاد من عاداه أي في الدين أو الأعم إذا كان الأخ محقا وإنما أطلق لأن المؤمن الكامل لا يكون إلا محقا ويؤيد هاتين الفقرتين ما روي عنه في النهج (١) أنه قال أصدقاؤك ثلاثة وأعداؤك ثلاثة فأصدقاؤك صديقك وصديق صديقك وعدو عدوك وأعداؤك عدوك وعدو صديقك وصديق عدوك.

واكتم سره أي ما أمرك بإخفائه أو تعلم أن إظهاره يضره وعيبه أي إن كان له عيب نادرا أو ما يعيبه الناس عليه ولم يكن قبيحا واقعا كالفقر والأمراض الخفية وأظهر منه الحسن بالتحريك أي ما هو حسن ممدوح عقلا وشرعا من الصفات والأخلاق والأعمال ويمكن أن يقرأ بالضم.

فإنك تصيب لذتك منهم أي تلتذ بحسن صحبتهم ومؤانستهم وتحصيل بعض المنافع الدنيوية منهم بل الأخروية أيضا أحيانا بمذاكرتهم ومفاوضتهم فلا تقطعن ذلك الحظ منهم بالاستيحاش عنهم وترك مصاحبتهم فتصير وحيدا لندرة النوع الأول كما قال عليه السلام في حديث آخر زهدك في راغب فيك نقصان حظ ورغبتك في زاهد فيك ذل نفس.

ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم أي ما يضمرون في أنفسهم فلعله يظهر لك منهم حسد وعداوة ونفاق فتترك مصاحبتهم فيفوتك ذلك الحظ منهم أو يظهر لك منهم سوء عقيدة وفساد رأي فتضطر إلى مفارقتهم لذلك.

أو المعنى : لا تتوقع منهم موافقة ضميرهم لك وحبهم الواقعي واكتف بالمعاشرة الظاهرة وإن علمت عدم موافقة قلبهم للسانهم كما يرشد إليه قوله عليه السلام وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه أي تهلله وإظهار فرحه برؤيتك وتبسمه.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢١٧ تحت الرقم ٢٩٥ من الحكم والمواعظ.

١٩٥

في المصباح رجل طلق الوجه أي فرح ظاهر البشر وهو طليق الوجه قال أبو زيد متهلل بسام.

وفي الحديث حث على حسن المعاشرة والاكتفاء بظواهر أحوالهم وعدم تجسس ما في بواطنهم فإنه أقرب إلى هدايتهم وإرشادهم إلى الحق وتعليم الجهال وهداية أهل الضلال وأبعد من التضرر منهم والتنفر عنهم والأخبار في حسن المعاشرة كثيرة لا سيما مع المدعين للتشيع والإيمان « وَاللهُ الْمُسْتَعانُ ».

١٢

(باب)

(شدة ابتلاء المؤمن وعلته وفضل البلاء)

الآيات

البقرة : « أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ » (١).

آل عمران : « لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » (٢)

الأنعام : « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ

__________________

(١) البقرة : ٢١٤.

(٢) آل عمران : ١٨٨.

١٩٦

يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ » (١).

تفسير : « أَمْ حَسِبْتُمْ » قال في المجمع (٢) أي أظننتم وخلتم أيها المؤمنون « أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ » ولما تمتحنوا وتبتلوا بمثل ما امتحن الذين مضوا من قبلكم به فتصبروا كما صبروا وهذا استدعاء إلى الصبر وبعده الوعد بالنصر.

ثم ذكر سبحانه ما أصاب أولئك فقال « مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ » والمس واللمس واحد والبأساء نقيض النعماء والضراء نقيض السراء وقيل البأساء القتل والضراء الفقر « وَزُلْزِلُوا » أي حركوا بأنواع البلايا وقيل معناه هنا أزعجوا بالمخافة من العدو وذلك لفرط الحيرة.

« مَتى نَصْرُ اللهِ » قيل هذا استعجال للموعود كما يفعله الممتحن وإنما قاله الرسول استبطاء للنصر وقيل إن معناه الدعاء لله بالنصر ولا يجوز أن يكون على جهة الاستبطاء لنصر الله لأن الرسول يعلم أن الله لا يؤخره عن الوقت الذي توجبه الحكمة ثم أخبر الله أنه ناصر لأوليائه فقال « أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ».

وقيل إن هذا من كلامهم فإنهم قالوا عند الإياس « مَتى نَصْرُ اللهِ » ثم تفكروا وعلموا أن الله منجز وعده فقالوا « أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ » وقيل إنه ذكر كلام الرسول والمؤمنين جملة وتفصيله وقال المؤمنون « مَتى نَصْرُ اللهِ » وقال الرسول « أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ » انتهى.

وأقول : روي في الخرائج عن زين العابدين عن آبائه عليهم السلام قال : فما تمدون أعينكم لقد كان من قبلكم ممن هو على ما أنتم عليه يؤخذ فتقطع يده ورجله ويصلب ثم تلا « أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ » الآية.

__________________

(١) الأنعام : ٤٤ ـ ٤٦.

(٢) مجمع البيان ج ٢ ص ٣٠٨ ، وفيه : معناه : بل أظننتم وخلتم إلخ.

١٩٧

وروي في الكافي عن بكر بن محمد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقرأ وزلزلوا ثم زلزلوا حتى يقول الرسول.

وقال في المجمع (١) في قوله تعالى « لَتُبْلَوُنَ » أي لتوقع عليكم المحن وتلحقكم الشدائد « فِي أَمْوالِكُمْ » بذهابها ونقصانها « وَفي أَنْفُسِكُمْ » أيها المؤمنون بالقتل والمصائب وقيل بفرض الجهاد وغيره « وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ » يعني اليهود والنصارى « وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا » يعني كفار مكة وغيرهم « أَذىً كَثِيراً » من تكذيب النبي صلى الله عليه واله ومن الكلام الذي يغمهم « مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » أي مما بان رشده وصوابه ووجب على العاقل العزم عليه وقيل أي من محكم الأمور.

وقال في قوله تعالى (٢) « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا » أي رسلا « إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ » فخالفوهم « فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ » يريد بالفقر والبؤس والأسقام والأوجاع عن ابن عباس « لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ » معناه لكي يتضرعوا « فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا » معناه فهلا تضرعوا إذ جاءهم بأسنا « وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ » فأقاموا على كفرهم ولم تنجع فيهم العظة « وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ » بالوسوسة والإغراء بالمعصية لما فيها من عاجل اللذة « ما كانُوا يَعْمَلُونَ » يعني أعمالهم.

« فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ » أي تركوا ما وعظوا به « فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ » أي كل نعمة وبركة من السماء والأرض والمعنى أنه تعالى امتحنهم بالشدائد لكي يتضرعوا ويتوبوا فلما تركوا ذلك فتح عليهم أبواب النعم والتوسعة في الرزق ليرغبوا بذلك في نعيم الآخرة « حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا » من النعيم واشتغلوا بالتلذذ ولم يروه نعمة من الله حتى يشكروه « أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً » أي مفاجاة من حيث لا يشعرون « فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ » أي آيسون من النجاة والرحمة.

وروي عن النبي صلى الله عليه واله قال : إذا رأيت الله يعطي على المعاصي فذلك استدراج

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٥٥١ والآية في آل عمران : ١٨٦.

(٢) مجمع البيان ج ٤ : ٣٠١ ، والآية في الانعام : ٤٤.

١٩٨

منه ثم تلا هذه الآية ونحوه ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال يا ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه فاحذره انتهى (١).

ويظهر من الآيات أن البلايا والمصائب نعم من الله ليتعظوا ويتذكروا بها ويتركوا المعاصي كما قال أمير المؤمنين عليه السلام (٢) ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم وتزول عنهم النعم فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم ووله من قلوبهم لرد عليهم كل شارد وأصلح لهم كل فاسد.

وتدل على أن تواتر النعم على العباد وعدم ابتلائهم بالبلايا استدراج منه سبحانه غالبا كما قال علي بن إبراهيم « لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ » يعني كي يتضرعوا فلما لم يتضرعوا فتح الله عليهم الدنيا وأغناهم لفعلهم الردي « فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ » أي آيسون وذلك قول الله في مناجاته لموسى عليه‌السلام.

حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان في مناجاة الله تعالى لموسى يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته فما فتح الله على أحد في هذه الدنيا إلا بذنب لينسيه ذلك الذنب فلا يتوب فيكون إقبال الدنيا عليه عقوبة لذنوبه (٣).

وروى الكشي (٤) والعياشي بإسنادهما عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أن قنبرا مولى أمير المؤمنين عليه السلام أدخل على الحجاج فقال ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب قال كنت أوضيه فقال له ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه فقال كان يتلو هذه الآية « فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ » إلى قوله :

__________________

(١) مجمع البيان ج ٤ : ٣٠٢.

(٢) نهج البلاغة ج ١ : ٣٥٣ تحت الرقم ١٧٦ من الخطب.

(٣) أخرجه الديلمي في إرشاد القلوب : ٢١٩ ، الباب ٤٨ ، وتراه في الكافي ج ٢ ص ٢٦٣. راجع تفسير القمي ذيل هذه الآية.

(٤) رجال الكشي : ٧٠.

١٩٩

« فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » (١) فقال الحجاج أظنه كان يتأوله علينا قال نعم (٢)

١ ـ كتاب صفات الشيعة ، للصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : البرص شبه اللعنة لا يكون فينا ولا في ذريتنا ولا في شيعتنا.

وبإسناده عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن لم يؤمن المؤمن من البلايا في الدنيا ولكن آمنه من العمى في الآخرة ومن الشقاء يعني عمى البصر (٣).

٢ ـ نوادر الراوندي : بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء فقيل ومن هم يا رسول الله صلى الله عليه واله قال الذين يصلحون إذا فسد الناس إنه لا وحشة ولا غربة على مؤمن وما من مؤمن يموت في غربته إلا بكت عليه الملائكة رحمة له حيث قلت بواكيه وفسح له في قبره بنور يتلألأ من حيث دفن إلى مسقط رأسه.

٣ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل (٤).

بيان : أشد الناس بلاء قيل المراد بالناس هنا الكمل من الأنبياء والأوصياء والأولياء فإنهم الناس حقيقة وسائر الناس نسناس كما ورد في الأخبار والبلاء ما يختبر ويمتحن به من خير أو شر وأكثر ما يأتي مطلقا الشر وما أريد به الخير يأتي مقيدا كما قال تعالى « بَلاءً حَسَناً » (٥) وأصله المحنة.

__________________

(١) الأنعام : ٤٥.

(٢) تفسير العياشي ج ١ : ٣٥٩.

(٣) صفات الشيعة : ١٨٠.

(٤) الكافي ج ٢ : ٢٥٢.

(٥) الأنفال : ١٧.

٢٠٠