بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ثم قال رحمه‌الله وهل تحرم الجلوس أو الأكل على تلك المائدة مطلقا أو حال الشرب فقط أو في ذلك الموضع والمجلس الذي وقع فيه ذلك الأوسط المتيقن والأول أحوط ولا يبعد قوة الأخير انتهى وقد مر في فقه الرضا عليه‌السلام النهي عن الأكل من مائدة يشرب عليها بعده الخمر ولم أر مصرحا به وإن كان اجتنابه أحوط وروى الكليني رحمه‌الله في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن المائدة إذا شرب عليها الخمر أو المسكر قال حرمت المائدة وسئل فإن قام رجل على مائدة منصوبة يؤكل مما عليها ومع الرجل مسكر ولم يسق أحدا ممن عليها بعد قال لا تحرم حتى يشرب عليها وإن وضع بعد ما يشرب فالوذج فكل فإنها مائدة أخرى يعني الفالوذج (١) وأقول يستنبط منها أحكام لا تخفى على المتدبر وإن كان في السند شيء.

٣

باب

(العصير وأقسامه وأحكامه)

١ ـ قرب الإسناد ، عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه ثم يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث ثم يرفع فيشرب منه السنة قال لا بأس.

قال وسألته عن رجل يصلي للقبلة لا يوثق به أتى بشراب فزعم أنه على الثلث أيحل شربه قال لا يصدق إلا أن يكون مسلما عارفا (٢).

كتاب المسائل ، بإسناده عن علي بن جعفر مثلهما.

بيان : قال في الدروس لا يقبل قول من يستحل شرب العصير قبل ذهاب ثلثيه في ذهابهما لروايات وقيل يقبل على كراهة أقول بل يظهر من بعض الروايات عدم قبول قول العارف أيضا في شيء من الأشربة إذا كان يشرب النبيذكما روى

__________________

(١) الكافي ٩ : ٤٢٩ ، التهذيب ٩ : ١١٦.

(٢) قرب الإسناد ١٥٥.

٥٠١

الكليني والشيخ عن الحسين بن محمد عن أحمد بن إسحاق عن زكريا بن محمد عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا شرب الرجل النبيذ المخمور فلا تجوز شهادته في شيء من الأشربة ولو كان يصف ما تصفون (١) ورويا عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن يونس بن يعقوب عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج ويقول قد طبخ على الثلث وأنا أعلم أنه يشربه على النصف أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف فقال لا تشربه قلت فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا يستحله على النصف يخبرنا أن عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه أشرب منه قال نعم.

لكن العلامة رحمه‌الله وصاحب الجامع وغيرهما بنيا الكراهة أو الحرمة على إخبار من يستحله لا من يشربه.

٢ ـ العلل ، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن آدم عليه‌السلام لما هبط من الجنة اشتهى من ثمارها فأنزل الله تبارك وتعالى عليه قضيبين من عنب فغرسهما فلما أورقا وأثمرا وبلغا جاء إبليس فحاط عليهما حائطا فقال له آدم ما لك يا ملعون فقال له إبليس إنهما لي فقال كذبت فرضيا بينهما بروح القدس فلما انتهيا إليه قص آدم عليه‌السلام قصته فأخذ روح القدس شيئا من نار فرمى بها عليهما فالتهبت في أغصانهما حتى ظن آدم أنه لم يبق منهما شيء إلا احترق وظن إبليس مثل ذلك قال فدخلت النار حيث دخلت وقد ذهب منهما ثلثاهما وبقي الثلث فقال الروح أما ما ذهب منهما فحظ إبليس عليه اللعنة وما بقي فلك يا آدم (٢).

بيان كون الثلثين حظ إبليس لأن عصير العنب بعد الغليان يحرم ما لم يذهب ثلثاه فالثلثان حظه وأيضا قبل ذهاب الثلثين إن بقي يصير خمرا مسكرا فهو حظه وهما يرجعان إلى أمر واحد لأن الظاهر أن العلة في وجوب ذهاب

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٢٢ ، الكافي ٦ : ٤٢١ وهكذا الحديث الآتي.

(٢) علل الشرائع ٢ : ١٦٢ ، وتراه في الكافي ٦ : ٣٩٣.

٥٠٢

الثلثين هو هذا الذي ذكرنا.

٣ ـ العلل ، عن محمد بن شاذان عن محمد بن محمد بن الحارث عن صالح بن سعيد عن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبه قال : لما خرج نوح عليه‌السلام من السفينة غرس قضبانا كانت معه في السفينة من النخيل والأعناب وسائر الثمار فأطعمت من ساعتها وكانت معه حبلة العنب وكانت آخر شيء أخرج حبلة العنب فلم يجدها نوح وكان إبليس قد أخذها فخبأها فنهض نوح عليه‌السلام ليدخل السفينة فيلتمسها فقال له الملك الذي معه اجلس يا نبي الله ستؤتى بها فجلس نوح عليه‌السلام فقال له الملك إن لك فيها شريكا في عصيرها فأحسن مشاركته قال نعم له السبع ولي ستة أسباع قال له الملك أحسن فأنت محسن قال نوح عليه‌السلام له السدس ولي خمسة أسداس قال له الملك أحسن فأنت محسن قال نوح عليه‌السلام له الخمس ولي أربعة أخماس قال له الملك أحسن فأنت محسن قال له نوح له الربع ولي ثلاثة أرباع قال له الملك أحسن فأنت محسن قال فله النصف ولي النصف ولي التصرف قال له الملك أحسن فأنت محسن قال عليه‌السلام لي الثلث وله الثلثان فرضي فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس وهو حظه وما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح عليه‌السلام وهو حظه وذلك الحلال الطيب ليشرب منه (١).

بيان : القضيب الغصن وفي النهاية فيه لا تقولوا للعنب الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة الحبلة بفتح الحاء والباء وربما سكنت الأصل أو القضيب من شجر الأعناب.

٤ ـ العلل : عن أحمد بن زياد الهمداني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أبي عليه‌السلام يقول إن نوحا حين أمر بالغرس كان إبليس إلى جانبه فلما أراد أن يغرس العنب قال هذه الشجرة لي فقال له نوح كذبت فقال إبليس فما لي منها فقال نوح عليه‌السلام لك الثلثان فمن هناك طاب الطلاء على الثلث (٢).

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ١٦٣.

(٢) علل الشرائع ٢ : ١٦٣.

٥٠٣

بيان قال في النهاية في حديث علي عليه‌السلام أنه كان يرزقهم الطلاء الطلاء بالكسر والمد الشراب المطبوخ من عصير العنب وهو الرب وأصله القطران الخاثر الذي تطلى به الإبل ومنه الحديث إن أول ما يكفأ الإسلام كما يكفأ الإناء في شراب يقال له الطلاء هذا نحو الحديث الآخر سيشرب أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يريد أنهم يشربون النبيذ المسكر المطبوخ ويسمونها طلاء تحرجا عن أن يسموه خمرا فأما الذي في حديث علي عليه‌السلام فليس من الخمر في شيء وإنما هو الرب الحلال.

٥ ـ فقه الرضا ، قال عليه‌السلام اعلم أن أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه النار فهو خمر فلا يحل شربه إلا أن يذهب ثلثاه على النار ويبقى ثلثه فإن نش من غير أن تصيبه النار فدعه حتى يصير خلا من ذاته من غير أن يلقى فيه شيء فإن تغير بعد ذلك وصار خمرا فلا بأس أن تطرح فيه ملحا أو غيره حتى يتحول خلا (١).

٦ ـ السرائر ، نقلا من كتاب المسائل من مسائل محمد بن علي بن عيسى حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن زياد وموسى بن محمد بن عيسى قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام جعلت فداك عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم وربما جعل فيه العصير من العنب وإنما هو لحم يطبخ به وقد روي عنهم في العصير أنه إذا جعل على النار لم يشرب حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه وأن الذي يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة وقد اجتنبوا أكله إلى أن يستأذن مولانا في ذلك فكتب بخطه لا بأس بذلك (٢).

الجامع : ليحيى بن سعيد قال : كتب محمد بن علي بن عيسى إلى علي بن محمد الهادي عليه‌السلام جعلت فداك عندنا طبيخ وذكر نحوه.

تبيين : يدل الرواية على أنه إذا صب العصير في الماء وغلا الجميع لا يحرم

__________________

(١) كتاب التكليف لابن أبي العزاقر المعروف بفقه الرضا ٣٨.

(٢) السرائر ٤٧٥.

٥٠٤

ولا يشترط في حله ذهاب الثلثين ولم أر قائلا به من الأصحاب لكن قال صاحب الجامع لا بأس أن يجمع بين عشرة أرطال عصيرا وبين عشرين رطلا ماء ثم يغلى حتى تبقى عشرة فيحل ثم ذكر هذه الرواية ولم يتعرض لتأويلها ويدل على ما ذكره أولا ما رواه الكليني والشيخ عن محمد بن يحيى عن محمد [ بن ] الحسين عن محمد بن عبد الله عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصب عليه عشرين رطلا ماء ثم طبخها حتى ذهب منه عشرون رطلا وبقي عشرة أرطال أيصلح شرب تلك العشرة أم لا فقال ما طبخ على ثلثه فهو حلال (١).

فيمكن حمل الخبر على ما إذا كان العصير المصبوب فيه قليلا يضمحل فيه فلا يسمى عصيرا حينئذ بخلاف ما فرض في الخبر الآخر وإن كان الأحوط العمل به مطلقا وقد ناقش بعض المحققين من المعاصرين في تحقق الحلية في الصورة المفروضة بذهاب الثلثين وفي دلالة الرواية المذكورة على ذلك أيضا حيث قال اكتفى عليه‌السلام في الجواب عن السؤال المذكور بذكر ما هو القاعدة الكلية في هذا الباب وسلوك هذا الطريق من الجواب غالبا إنما هو لأحد الأمرين إما لظهور اندراج الصورة المسئول عنها في موضع تلك القاعدة كما إذا سئل عن حال المشكوك في نجاسته فأجيب بأن كل شيء طاهر ما لم تعلم نجاسته وإما لظهور عدم اندراجها فيه كما إذا سئل عن حال الماء القليل الملاقي للنجاسة فأجيب بأن الماء إذا بلغ كرا لم يحمل خبثا وهذا الجواب يحتمل أن يكون من قبيل الثاني معللا بظهور أن الذاهب من الماء فيها للطافته أكثر من الذاهب من العصير مع أن مفاد القاعدة الكلية على طبق الروايات الأخر أن المعيار ذهاب ثلثي العصير كرواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن العصير إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فهو حلال (٢) فإن الظاهر كون الموصول في قوله عليه‌السلام هنا ما طبخ على ثلثه عبارة عنه لا عن كل شيء أو كل مائع انتهى.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٢١. الكافي ٦ : ٤٢١.

(٢) الكافي : ٦ : ٤٢٠.

٥٠٥

وأقول كلامه دقيق متين لكنه خلاف ظاهر الخبر وأيضا بما جمعنا بين الخبرين ظهر أن ذهاب الثلثين إنما يجب فيما صدق على المجموع أنه عصير وحينئذ يكفي ذهاب ثلثيه وأما أن المعتبر ذهاب الثلثين بحسب الحجم أو بحسب الوزن فهو أمر آخر سنتكلم عليه إن شاء الله والشهيد رحمه‌الله أورد في الدروس رواية عقبة ثم قال وليست بصريحة في المطلوب من السؤال لكنها ظاهرة فيه.

٧ ـ كتاب الصفين ، لنصر بن مزاحم قال : كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الأسود بن قطنة واطبخ للمسلمين قبلك من الطلاء ما يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه.

٨ ـ كتاب زيد النرسي ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الزبيب يدق ويلقى في القدر ثم يصب عليه الماء ويوقد تحته فقال لا تأكله حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث فإن النار قد أصابته قلت فالزبيب كما هو يلقى في القدر ويصب عليه ثم يطبخ ويصفى عنه الماء فقال كذلك هو سواء إذا أدت الحلاوة إلى الماء وصار حلوا بمنزلة العصير ثم نش من غير أن تصيبه النار فقد حرم وكذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد.

٩ ـ الخرائج ، عن صفوان قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتاه غلام فقال أمي ماتت فقال عليه‌السلام لم تمت قال تركتها مسجى عليها فقام أبو عبد الله عليه‌السلام ودخل عليها فإذا هي قاعدة فقال لابنها ادخل على أمك فشهها من الطعام ما شاءت فأطعمها فقال الغلام يا أماه ما تشتهين قالت أشتهي زبيبا مطبوخا فقال له ائتها بغضارة مملوءة زبيبا فأتاها بها فأكلت منها حاجتها (١).

١٠ ـ المحاسن ، عن أبيه عن النضر بن سويد عن رجل عن أبي بصير قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام يعجبه الزبيبية [ الزبيبة (٢) ].

١١ ـ الكافي ، عن العدة عن سهل عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه

__________________

(١) تمام الحديث في ج ٤٧ ص ٩٩ من البحار الحديثة.

(٢) المحاسن : ٤٠١.

٥٠٦

ثم يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يرفع ويشرب منه السنة فقال لا بأس (١).

١٢ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن علي بن الحسن أو عن رجل عن علي بن الحسن بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى الساباطي قال : وصف لي أبو عبد الله عليه‌السلام المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا فقال عليه‌السلام لي تأخذ ربعا من زبيب وتنقيه ثم تصب عليه اثني عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فإذا كان أيام الصيف وخشيت أن ينش جعلته في تنور مسخون قليلا حتى لا ينش ثم تنزع الماء منه كله حتى إذا أصبحت صببت عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه حتى تذهب حلاوته ثم تنزع ماءه الآخر فتصبه على الماء الأول ثم تكيله كله فتنظر كم الماء ثم تكيل ثلثه فتطرحه في الإناء الذي تريد أن تطبخه فيه وتصب بقدر ما يغمره ماء وتقدره بعود وتجعل قدره قصبة أو عودا فتحدها على قدر منتهى الماء ثم تغلي الثلث الآخر حتى يذهب الماء الباقي ثم تغليه بالنار فلا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث ثم تأخذ لكل ربع رطلا من العسل فتغليه حتى تذهب رغوة العسل وتذهب غشاوة العسل في المطبوخ ثم تضربه بعود ضربا شديدا حتى يختلط وإن شئت أن تطيبه بشيء من زعفران أو شيء من زنجبيل فافعل ثم اشربه فإن أحببت أن يطول مكثه عندك فروقه (٢).

بيان حتى يصير حلالا أي لا يتغير بالمكث عندك فيصير مسكرا حراما كما يومئ إليه بعض ألفاظ الخبر تأخذ ربعا أي ربع رطل وفي القاموس نقع الدواء في الماء أقره فيه في تنور مسخون في بعض النسخ مسجور من سجرت التنور أسجره سجرا إذا أحميته وفي بعضها مسخن على بناء المجهول والنش الغليان بقدر ما يغمره أي يستره وتصب بقدر ما يغمره ماء أي تصب الثلث كله في القدر حتى يغمر ما يغمره من القدر أو المعنى أنه تطرح ثفل الزبيب في القدر

__________________

(١) الكافي : ٦ : ٤٢١.

(٢) الكافي : ٦ : ٤٢٤ ـ ٤٢٥.

٥٠٧

أوزبيبا آخر فيه بقدر ما يغمره الماء والأول وإن كان بعيدا لكنه أوفق بالخبر الآتي وقوله ثم تغلي الثلث الآخر والأخير كما في بعض النسخ لعل معناه أنه بعد تقدير كل ثلث بالعود تغليه حتى يذهب الثلث الذي صببت أخيرا فوق القدر ثم تغليه حتى يذهب الثلث الآخر ومثل هذا التشويش ليس ببعيد من حديث عمار كما لا يخفى على المتتبع وبالجملة يظهر من الخبر الآتي مع وحدة الراوي أن فيه سقطا.

قوله عليه‌السلام ثم تضربه بعود أي بعد الخلط بالعصير كما سيأتي قوله أن يطول مكثه عندك أي من غير تغيير ونشيش فروقه أي صفه جيدا لئلا يكون فيه ثفل قال في القاموس الترويق التصفية.

١٣ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الزبيب كيف طبخه حتى يشرب حلالا فقال تأخذ ربعا من زبيب فتنقيه ثم تطرح عليه اثني عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فإذا كان من الغد نزعت سلافته ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه بالنار غلية ثم تنزع ماءه فتصبه على الماء الأول ثم تطرحه في إناء واحد جميعا ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه وتحته النار ثم تأخذ رطلا من العسل فتغليه بالنار غلية وتنزع رغوته ثم تطرحه على المطبوخ ثم تضربه حتى يختلط به واطرح فيه إن شئت زعفرانا وطيبه إن شئت بزنجبيل قليل.

قال فإذا أردت أن تقسمه أثلاثا لتطبخه فكله بشيء واحد حتى تعلم كم هو ثم اطرح عليه الأول في الإناء الذي تغليه فيه ثم تجعل فيه مقدارا وحده حيث يبلغ الماء ثم اطرح الثلث الآخر ثم حده حيث يبلغ الماء ثم تطرح الثلث الأخير ثم حده حيث يبلغ الآخر ثم توقد تحته بنار لينة حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (١).

١٤ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن موسى بن الحسن عن السياري عن محمد بن

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٢٥.

٥٠٨

الحسين عمن أخبره عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قراقر تصيبني في معدتي وقلة استمرائي الطعام فقال لي لم لا تتخذ نبيذا نشربه نحن وهو يمرئ الطعام ويذهب بالقراقر والرياح من البطن قال وقلت له صفه لي جعلت فداك فقال لي تأخذ صاعا من زبيب فتنقيه من حبه وما فيه ثم تغسله بالماء غسلا جيدا ثم تنقعه في مثله من الماء أو ما يغمره ثم تتركه في الشتاء ثلاثة أيام بلياليها وفي الصيف يوما وليلة فإذا أتى عليه ذلك القدر صفيته وأخذت صفوته وجعلته في إناء وأخذت مقداره بعود ثم طبخته طبخا رقيقا حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم تجعل عليه نصف رطل عسل وتأخذ مقدار العسل ثم تطبخه حتى تذهب تلك الزيادة ثم تأخذ زنجبيلا وخولنجانا ودارصينيا وزعفرانا وقرنفلا ومصطكى وتدقه وتجعله في خرقة رقيقة وتطرحه وتغليه معه غلية ثم تنزله فإذا برد صفيته وأخذت منه على غدائك وعشائك قال ففعلت فذهب عني ما كنت أجده وهو شراب طيب لا يتغير إذا بقي إن شاء الله (١).

بيان في القاموس المصطكا بالفتح والضم ويمد في الفتح فقط علك رومي أبيض نافع للمعدة والمقعدة والأمعاء والكبد والسعال المزمن شربا وأخذت منه على غدائك أي شربته بعدها وقوله عليه‌السلام لا يتغير فيه إيماء إلى أن ذهاب الثلثين لعدم التغير.

١٥ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن جعفر عن السياري عمن ذكره عن إسحاق بن عمار قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام بعض الوجع وقلت إن الطبيب وصف لي شرابا آخذ الزبيب وأصب عليه الماء للواحد اثنين ثم أصب عليه العسل ثم أطبخه حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث فقال أليس حلوا قلت بلى قال اشربه ولم أخبره كم العسل (٢).

١٦ ـ طب الأئمة ، عن محمد بن إسماعيل بن حاتم التميمي عن عمرو بن أبي خالد

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٢٦.

(٢) المصدر ٦ : ٤٢٦.

٥٠٩

عن إسحاق بن عمار قال : شكوت إلى جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام بعض الوجع وقلت له إن الطبيب وصف لي شرابا وذكر أن ذلك الشراب موافق لهذا الداء قال له الصادق عليه‌السلام وما وصف لك الطبيب قال قال خذ الزبيب وصب عليه الماء ثم صب عليه عسلا ثم اطبخه حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث فقال أليس هو حلو قلت بلى يا ابن رسول الله قال اشرب الحلو حيث وجدته أو حيث أصبته ولم يزدني على هذا (١).

تفصيل وتذييل يشتمل على مقاصد :

الأول اتفق فقهاؤنا رضوان الله عليهم على حرمة العصير العنبي بالغليان والاشتداد وظاهر الأخبار وأكثر الأصحاب تحقق الحرمة بمجرد الغليان المفسر بالقلب في رواية حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن شرب العصير قال تشرب ما لم يغل فإذا غلى فلا تشربه قال قلت جعلت فداك أي شيء الغليان قال القلب (٢). والمراد به كما فسره الأكثر أن يصير أسفله أعلاه ولعله هو المقصود أيضا من النشيش فيما تقدم من الأخبار وفيما روي عن ذريح قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إذا نش العصير وغلى حرم فإن النشيش هو صوت الماء وغيره عند الغليان فعلى هذا يكون العطف بالواو في الرواية للتفسير ويحتمل أن يكون المراد بالنشيش حالة مقارنة للغليان أو متقدمة عليه فيكون العطف لمحض الجمع أو الترتيب للإشعار بعدم انفكاك أحدهما عن الآخر أو عدم كفاية النشيش بدون الغليان وما وقع في نسخ التهذيب من لفظة أو بدل الواو مؤيد لعدم الانفكاك.

وأما ما ضم إليه بعض الفقهاء في هذا المقام من الاشتداد حيث قالوا إذا غلا واشتد فإن كان المراد به معنى القلب أو النشيش أو معنى الثخانة الحاصلة بمجرد الغليان كما قيل فضمه إلى الغليان من قبيل ضم النشيش إليه في الرواية وإن

__________________

(١) طب الأئمة : ٦١.

(٢) الكافي ٦ : ٤١٩ التهذيب ٩ : ١٢٠ وهكذا ما بعده من حديث ذريح.

٥١٠

كان المراد معنى آخر يمكن أن يحصل الغليان بدونه معتبرا معه في تحقق الحرمة فلا دليل عليه في الروايات بل إنها إنما تدل على استقلال مجرد الغليان في علية الحرمة من غير اعتبار غيره فيها إلا على سبيل الدلالة عليه كالقلب والنشيش على ما مر وكإصابة النار فيما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (١). فإن أصابه النار بعنوان التأثير كما هو المراد من جملة أسباب الغليان فتدل عليه دلالة السبب على المسبب وأما ترتب الحرمة على إصابة النار بخصوصها كما يتوهم من ظاهر الرواية فليس بمقصود لدلالة الروايات الكثيرة على أنها مترتبة على الغليان سواء كان سببا عن الإصابة المذكورة أو عن غيرها وقد صرح جماعة من الأصحاب منهم الشهيد الثاني بالتساوي بين كونه بالنار أو غيره وعد صاحب الوسيلة الغليان بنفسه من موجبات الحرمة.

قيل فالوجه في تخصيص المذكور اعتبار الفرد الغالب وخصوصية الغاية المذكورة فإن ذهاب الثلثين هو غاية الحرمة التي تتحقق بهذا السبب الخاص لا غاية الحرمة المطلقة فإن ما يحرم غليانه بنفسه إنما تكون غاية حرمته هي الخلية بدون اعتبار ذهاب الثلثين.

وأقول الظاهر أن كلا من ذهاب الثلثين والخلية كافيان في الحلية ما لم يصر مسكرا ومع الإسكار فلا بد من الخلية ولا ينفع ذهاب الثلثين والغالب عدم تحقق الخلية بدون الخمرية وما وقع في الأخبار وكلام الأصحاب من التخصيص كأنه مبني على الغالب قال ابن البراج في المهذب كل عصير لم يغل فإنه حلال استعماله على كل حال والغليان الذي معه يحرم استعماله هو أن يصير أسفله أعلاه بالغليان فإن صار بعد ذلك خلا جاز استعماله وإذا طبخ العصير على النار وغلا ولم يذهب ثلثاه لم يجز استعماله فإن ذهب ثلثاه وبقي الثلث جاز استعماله وحد ذلك أن يصير حلوا يخضب الإناء.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤١٩.

٥١١

الثاني : ذهب جماعة من الأصحاب إلى نجاسة العصير المذكور قبل ذهاب الثلثين وأنه يطهر بعده فمنهم من عمم الحكم كالمحقق والعلامة رحمهما الله لكنهما اشترطا مع الغليان الاشتداد وذهب ابن حمزة في الوسيلة إلى تخصيص النجاسة في العصير المذكور بصورة غليانه بنفسه لا بغيره كالنار وبعض المتأخرين عد العصير إذا غلا من النجاسات بدون تخصيص أو اشتراط فالمذاهب في النجاسة ثلاثة ولا مستند لشيء منها في الروايات التي وصلت إلينا كما صرح به الشهيد رحمه‌الله في البيان حيث قال لم أقف على نص في تنجيسه إلا ما دل على نجاسة المسكر لكنه لا يسكر بمجرد غليانه واشتداده وفي الذكرى حيث قال بعد نقل قول ابن حمزة والمحقق وذكر توقف العلامة فيها في نهايته ولم نقف لغيرهم على قول بالنجاسة ولا نص على نجاسة غير المسكر وهو منتف هنا.

وقال الشهيد الثاني رحمه‌الله في المسالك القول بنجاسة العصير هو المشهور بين المتأخرين ومستنده غير معلوم بل النص إنما دل على التحريم وقال العلامة رحمه‌الله في المختلف والخمر وكل مسكر والفقاع والعصير إذا غلا قبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس ذهب إليه أكثر علمائنا كالشيخ المفيد والشيخ أبي جعفر والسيد المرتضى وأبي الصلاح وسلار وابن إدريس وقال أبو علي بن أبي عقيل من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما لأن الله تعالى إنما حرمهما تعبدا لا لأنهما نجسان وكذلك سبيل العصير والخل إذا أصاب الثوب والجسد وقال أبو جعفر بن بابويه لا بأس بالصلاة في ثوب أصابته خمر لأن الله حرم شربها ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابته مع أنه حكم بنزح ماء البئر أجمع بانصباب الخمر فيها.

لنا وجوه الأول الإجماع على ذلك فإن السيد المرتضى قال لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر إلا ما يحكى عن شذاذ لا اعتبار بقولهم وقال الشيخ رحمه‌الله الخمر نجسة بلا خلاف وكل مسكر عندنا حكمه حكم الخمر وألحق أصحابنا الفقاع بذلك وقول السيد المرتضى والشيخ حجة في ذلك فإنه إجماع منقول بقولهما وهما صادقان فيغلب على الظن ثبوته والإجماع كما يكون حجة إذا نقل

٥١٢

متواترا فكذا إذا نقل آحادا انتهى.

ويرد عليه وجوه من الإيراد الأول حكمه بنجاسة كل مسكر بدون استثناء غير المائع بالأصالة مع أنه مستثنى عنه بالاتفاق والثاني بنجاسة العصير المذكور قبل ذهاب ثلثيه مطلقا مع أنه لا خلاف في طهارة بعض أنواعه قبل ذهاب ثلثيه إذا صار خلا كما سيأتي والثالث حكمه بها بدون اشتراط الاشتداد مع تصريحه به في سائر كتبه والرابع نسبة القول بنجاسة الجميع الداخل فيه العصير المذكور إلى أكثر العلماء الذين عد منهم الشيخ والمرتضى رحمهما الله مع ما ترى من خلو كلامهما الذي نقل عنهما عن ذكر العصير ومع ما مر من تصريح الشهيد رحمه‌الله مع كمال تتبعه وتبحره الذي لا ريب فيه من تتبع كلامه بعدم وقوفه على قول بالنجاسة إلا ممن عده في جملة العلماء المذكورين الخامس دعواه الإجماع على هذا الحكم المشتمل على نجاسة العصير المذكور بنقل المرتضى والشيخ مع أن ما نقله عن المرتضى إنما هو في خصوص الخمر وما نقله عن الشيخ خال عن ذكر العصير بل عن ذكر عدم الخلاف في غير الخمر.

الثالث لما كان الغليان الموجب للحرمة أو النجاسة على وجهين كونه بغير النار وكونه بالنار ومرجع كل منهما إما إلى صيرورته طلاء أو خلا تكون الاحتمالات العقلية أربعة ولعدم جريان العادة بصيرورته طلاء بغير النار تكون العادية منها ثلاثة.

الأول أن يصير خلا بدون إصابة النار ويعبر عنه بنفسه وإن كان بإمداد حرارة من الهواء أو الشمس الثاني أن يصير طلاء بطبخه على النار الثالث أن يصير خلا بعد أن أصابته النار بإبقائه على حاله مدة ولا خلاف في حلية الأول وطهارته مطلقا ولا في حلية الثاني وطهارته بشرط أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه وأما الثالث فصريح ما ذكره الشيخ في النهاية حيث قال والعصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغل وحد الغليان الذي يحرم ذلك هو أن يصير أسفله أعلاه فإذا غلا حرم شربه وبيعه إلى أن يعود إلى كونه خلا وإذا غلا العصير على النار لم يجز شربه إلى أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه وحد ذلك هو أن تراه قد صار حلوا أو يخضب الإناء ويعلق به أو يذهب من كل درهم

٥١٣

ثلاثة دوانيق ونصف وهو على النار ثم ينزل به ويترك حتى يبرد فإذا برد فقد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه انتهى وما ذكره ابن حمزة في الوسيلة حيث قال فإن كان عصيرا لم يخل إما غلا أو لم يغل فإن غلا لم يخل إما غلا من قبل نفسه حتى يعود أسفله أعلاه وأعلاه أسفله حرم ونجس إلى أن يصير خلا بنفسه أو بفعل غيره فيعود حلالا طيبا وإن غلا بالنار حرم شربه حتى يذهب بالنار نصفه ونصف سدسه ولم ينجس أو يخضب الإناء ويعلق به ويحلو وإن لم يغل أصلا حل خلا كان أو عصيرا انتهى أن (١) لا يكون حلالا وإن كان طاهرا.

وظاهر المحقق حيث قال في الشرائع ويحرم العصير إذا غلا من قبل نفسه أو بالنار ولا يحل حتى يذهب ثلثاه أو ينقلب خلا والعلامة حيث قال في الإرشاد عند تعداد الأشربة المحرمة والعصير إذا غلا واشتد إلا أن ينقلب خلا أو يذهب ثلثاه وكذا في القواعد والشهيد رحمه‌الله حيث قال في اللمعة ويحرم العصير العنبي إذا غلا حتى يذهب ثلثاه أو ينقلب خلا وكذا في الدروس أن يكون حلالا أيضا.

وظاهر ما مر من رواية ابن سنان وكذا ما روي في الكافي عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلي من ساعته أيشربه صاحبه قال إذا تغير عن حاله وغلا فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (٢). مؤيدان لقول الشيخ وابن حمزة بل قولهما مبني على حفظ ظاهرهما ولكن لا يخفى إمكان تأويلهما بنحو من التخصيص فلا ينافيان قول المحقق والعلامة والشهيد ولعل هذا التخصيص هنا هو الظاهر المناسب لتعميم حلية كل خمر وطهارتها بعد الحرمة والنجاسة بصيرورتها خلا فإن مصير العصير مطلقا إلى الخلية إنما يكون بعد الخمرية كما هو المشهور وكل خمر تحل وتطهر بصيرورتها خلا وإن كان بنحو علاج كما سيأتي.

__________________

(١) خبر قوله رحمه‌الله فصريح ما ذكره الشيخ وما ذكره ابن حمزة.

(٢) الكافي ٦ : ٤٢٠.

٥١٤

الرابع اعلم أن الأحكام المذكورة مخصوصة على المشهور بالعصير العنبي ولا خلاف في عدم تحريم ما سوى عصير التمر وعصير الزبيب مما سوى عصير العنب كعصير الرمان وسائر الفواكه وغيرها ولا في طهارتها إلا أن تصير مسكرا ولا يشترط في حلها وطهارتها ذهاب الثلثين وإنما اختلفوا في عصير التمر والزبيب قال الشهيد رحمه‌الله في الدروس ولا يحرم العصير من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش فيحل طبيخ الزبيب على الأصح لذهاب ثلثيه بالشمس غالبا وخروجه عن مسمى العنب وحرمه بعض مشايخنا المعاصرين وهو مذهب بعض فضلائنا المتقدمين لمفهوم رواية علي بن جعفر (١) وأما عصير التمر فقد أحله بعض الأصحاب ما لم يسكرو في رواية عمار سئل الصادق عليه‌السلام عن النضوح كيف نصنع حتى يحل قال خذ ماء التمر فأغله حتى يذهب ثلثاه (٢). أنتهى وكأن المراد بالنشيش هنا السكر أو ما يئول إليه لا ما مر من الغليان أو ما يقرب منه كما هو المعروف لسياق كلامه هنا ولتصريحه بما ينافيه في اللمعة حيث قال ولا يحرم من الزبيب وإن غلا على الأقوى.

ثم إن الشهيد الثاني رحمه‌الله في شرحها بعد الاستدلال على هذا الحكم بخروجه عن مسمى العنب وبأصالة الحل واستصحابه وذكر ما ذهب إليه بعض الأصحاب من التحريم لمفهوم رواية علي بن جعفر قال وسند الرواية والمفهوم ضعيفان فالقول بالتحريم أضعف أما النجاسة فلا شبهة في نفيها انتهى وكان الفرق بين القول بالتحريم والنجاسة في هذا المقام لعدم النص على نجاسة العصير مطلقا وعدم القول بها إلا من جماعة معدودين وهم لا يقولون هاهنا لا بالتحريم ولا بالنجاسة فيكون عدم النجاسة هاهنا اتفاقيا.

وقال رحمه‌الله في المسالك والحكم مختص بعصير العنب فلا يتعدى إلى غيره كعصير التمر ما لم يسكر للأصل ولا إلى عصير الزبيب على الأصح لخروجه عن اسمه وذهاب ثلثيه وزيادة بالشمس وحرمه بعض علمائنا استنادا إلى مفهوم رواية علي بن جعفر وهي مع أن في طريقها سهل بن زياد لا يدل على تحريمه قبل

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٢١.

(٢) التهذيب ٩ : ١١٦.

٥١٥

ذهاب ثلثيه بوجه وإنما نفى عليه‌السلام البأس عن هذا العمل الموصوف وإبقاء الشراب عنده يشرب منه وتخصيص السؤال بالثلثين لا يدل على تحريمه بدونه ولا بالمفهوم الذي ادعوه وإنما تظهر فائدة التقييد به لتذهب مائيته فيصلح للمكث عند المدة المذكورة كما يبقى الدبس ولو سلم دلالتها بالمفهوم فهو ضعيف لا يصلح لإثبات مثل هذا الحكم المخالف للأصل.

وروى أبو بصير في الصحيح قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام يعجبه الزبيبة (١)وهذا ظاهر في الحل لأن طعام الزبيبة لا يذهب فيه ثلثا ماء الزبيب كما لا يخفى انتهى.

وأقول القول بعدم تحريم عصير الزبيب والتمر لا يخلو من قوة لما مر من عمومات الحل وعدم ورود ما يصلح لتخصيصها ورواية علي بن جعفر مع ضعفها على المشهور بالمفهوم وهي ضعيفة خصوصا إذا كان في كلام السائل على أن مفهومه وجود البأس قبل ذهاب الثلثين وهو أعم من الحرمة ورواية عمار أيضا ضعيفة سندا ومتنا.

فإن قيل الروايات الدالة على تحريم العصير بعد الغليان أكثرها عامة أو مطلقة شاملة لكل عصير خرج عنه ما حل بالإجماع كعصير الرمان وأشباهه فيبقى عصير الزبيب والتمر داخلين تحت عموم التحريم قلت شمول العصير حقيقة لما ينفصل عنهما ممنوع إذ لا ينفصل منهما شيء إلا بعد نقعهما في الماء فلا يسمى عصيرا إلا مجازا بل هو نقيع وما ينفصل عن التمر بلا نقع فهو دبس لا يطلق عليه العصير بل قيل يحصل الظن القوي بعد تتبع الأخبار وكلام الأصحاب بشيوع استعمال العصير بما يختص بالعنب ويؤيده ما مر في المقنع وفقه الرضا عليه‌السلام وذكره الصدوق في الفقيه أيضا حيث قال : ولها خمسة أسامي العصير وهو من الكرم والنقيع وهو من الزبيب ونحوه ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) وإذا كان كذلك تعين حمل العصير في الأخبار المطلقة عليه وإن كان مجازا حذرا من

__________________

(١) الكافي ٦ : ٣١٦ ، المحاسن ٤٠١.

(٢) الكافي ٦ : ٣٩٢.

٥١٦

ارتكاب التخصيص البعيد الذي قد منع صحته جماعة من الأصوليين فإن صدور مثل هذه الكلية عنهم عليه‌السلام مع خروج أكثر أفراد الموضوع عن الحكم بعيد جدا.

قال المحقق الأردبيلي رحمه‌الله المشهور أن التحريم بالغليان مخصوص بالعصير العنبي ولا خلاف في حلية عصير غير التمر والزبيب مثل عصير التفاح والرمان وإن غلا ما لم يكن مسكرا وكذا سائر الربوبات والأصل والعمومات وحصر المحرمات مؤيدات ويدل عليه أيضا بعض الروايات مثل رواية جعفر بن أحمد المكفوف قال : كتبت إليه يعني أبا الحسن عليه‌السلام أسأله عن السكنجبين والجلاب ورب التوت ورب التفاح فكتب حلال وفي رواية أخرى له عنه عليه‌السلام وزاد رب السفرجل إذا كان الذي يبيعها غير عارف وهي تباع في أسواقنا فكتب جائز لا بأس بها (١).

وفيها مع الغليان خلاف والمشهور الحل ويؤيده الأصل والعمومات وحصر المحرمات في الآية والأخبار الكثيرة وقيل بالتحريم بل يظهر أيضا القول بالنجاسة من الذكرى والظاهر الطهارة ولا ينبغي النزاع في ذلك وقياسهما على الخمر والعصير العنبي باطل مع عدم ثبوت الحكم في الأصل والحل لما مر ولعدم دليل صالح للتحريم إلا ما مر من عموم العصير والظاهر أنهما ليسا بداخلين فيه فالمراد فيه العصير العنبي كما يفهم من كلامهم ومن ظاهر الأخبار ولهذا ما قال أحد بالعموم إلا ما أخرجه الدليل وما استدل القائل بعدم إباحتها بتلك العمومات وما استدل له بها أيضا فكأن العصير عندهم مخصوص بالعنب بالوضع الثاني فتأمل.

ثم قال رحمه‌الله ويؤيده أن النبيذ الذي يؤخذ من التمر والنقيع الذي يؤخذ من الزبيب إنما يحرمان مع السكر وقد مر أنه لو فعلا بحيث لا يسكران يحلان وما يدل عليه بالمفهوم ويدل عليه أيضا ما يدل على حل النبيذ الغير المسكر وصحيحة أبي بصير في الزبيبة انتهى.

وأما الأخبار المتقدمة الواردة في كيفية الشراب الحلال وإن كانت مشعرة

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٢٦ ـ ٤٢٧ ، التهذيب ٩ : ١٢٧.

٥١٧

باشتراط ذهاب الثلثين في الحل لكن ليس فيها خبر صحيح على مصطلح القوم ولا في شيء منها دلالة ظاهرة إذ قوله عليه‌السلام في رواية عمار حتى يصير حلالا يحتمل أن يكون المراد به حتى يبقى على الحلية ولا يصير نبيذا مسكرا حراما كما قال في خبره الآخر حتى يشرب حلالا وكما قال في رواية الهاشمي هو شراب طيب لا يتغير إذا بقي وإن احتمل أن يكون هذا علة لوجوب ذهاب الثلثين وقد يقال معناه بقرينة روايته الأخرى وغيرها في هذا الباب حتى يصير نبيذا حلالا أي يكون مثل النبيذ المسكر في النفع دون الحرمة.

أقول وكأنه لاحتمال هذه الوجوه في تلك الأخبار احتمالا ظاهرا لم يتمسك بها القائل باستواء ماء الزبيب وعصير العنب في وجوب ذهاب ثلثيهما لحصول الحلية كما تمسك بمفهوم رواية علي بن جعفر ورواية إسحاق (١) يشعر بأنه ما دام حلوا لم يتغير فهو حلال لا سيما على ما في طب الأئمة قال المحقق الأردبيلي رحمه‌الله بعد إيرادها بل يمكن فهم الحل مطلقا من قوله عليه‌السلام أليس حلوا فافهم انتهى وأما رواية النرسي فهي وإن دلت على تحريم ماء الزبيب بعد الغليان أو النشيش لكن إثبات مثل هذا الحكم بمثل هذه الرواية مشكل ولا ريب أن الأحوط الاجتناب عن عصير الزبيب بعد الغليان ولا يبعد الاكتفاء بخضب الإناء وعلوقه به كما ورد في بعض الأخبار أو بتسميته دبسا وأما ذهاب الثلثين فلا يتحقق فيما يعمل في هذا الزمان غالبا إلا بعد انعقاده وخروجه عن الدبسية وأحوط منه اجتنابه قبل ذهاب الثلثين مطلقا.

الخامس الحق جماعة من الأصحاب بالعصير ماء العنب إذا غلا في حبه وهو غير موجه لعدم صدق العصير عليه فالأدلة العامة تقتضي حله قال المحقق الأردبيلي رحمه‌الله الظاهر اشتراط كونه معصورا فلو غلا ماء العنب في حبه لم يصدق عليه أنه عصير غلا ففي تحريمه تأمل ولكن صرحوا به فتأمل والأصل والعمومات وحصر المحرمات دليل التحليل حتى يعلم الناقل انتهى.

__________________

(١) راجع الحديث بالرقم ١٥ آخر الباب.

٥١٨

وأقول بعض من قارب عصرنا ألحق به الزبيب المطبوخ في الطعام فحكم بحرمته لأنه يغلي ماؤه في جوفه وتابعه بعض من لم يشم رائحة العلم والفقه من المعاصرين وهو وهن على وهن وربما يستدل له بخبر النرسي وقد عرفت حاله مع أنه لا يدل على مدعاهم إذ الظاهر أنه إنما يحرم إذا أدى الحلاوة إلى الماء حتى صار بمنزلة العصير ومعلوم أن ما يوضع من الزبيب تحت الأرز في القدور ليس بهذه المثابة ولا يحلى الماء بسببه كحلاوة العصير وكذا ما يلقى في الشورباجات قلما يصير بهذه المنزلة نعم ما يدق ويدخل فيها قد يكون قريبا من ذلك وكأنه الزبيبة وقد مرت الرواية بحلها وبالجملة الحكم بالحرمة في جميع ذلك مشكل وإن كان الاحتياط في بعضها أولى.

السادس قال في المسالك لا فرق مع عدم ذهاب ثلثيه في تحريمه بين أن يصير دبسا وعدمه لإطلاق النصوص باشتراط ذهاب الثلثين مع أن هذا فرض بعيد لأنه لا يصير دبسا حتى يذهب أربعة أخماسه غالبا بالوجدان فضلا عن الثلثين ويحتمل الاكتفاء بصيرورته دبسا قبل ذلك على تقدير إمكانه لانتقاله عن اسم العصير كما يطهر بصيرورته خلا لذلك ولا فرق في ذهاب ثلثيه بين وقوعه بالغليان والشمس والهواء فلو وضع المعمول به قبل ذهاب ثلثيه كالملبن في الشمس فتجفف بها وبالهواء وذهب ثلثاه حل وكذا يطهر بذلك لو قيل بنجاسته ولا يقدح فيه نجاسة الأجسام الموضوعة فيه قبل ذهاب الثلثين كما يطهر ما فيه من الأجسام بعد انقلابه من الخمرية إلى الخلية عندنا انتهى.

أقول ويؤيد الاكتفاء بالدبسية ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا كان يخضب الإناء فاشربه (١). وإن احتمل أن يكون من علامات ذهاب الثلثين كما فهمه الشيخ رحمه‌الله حيث جعل في النهاية لذهاب الثلثين الذي هو مناط الحلية ثلاث علامات صيرورته حلوا وخضبه الإناء وعلوقه به وذهاب ثلاثة دوانيق ونصف منه عند كونه على النار وروى الكليني رحمه‌الله (٢) بسند

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٢٢ ، الكافي ٦ : ٤٢١.

(٢) التهذيب ٩ : ١٢٢ ، الكافي ٦ : ٤٢١.

٥١٩

صحيح عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا زاد الطلاء على الثلث أوقية فهو حرام وكأن المعنى زاد على الثلث بقدر أوقية وهي سبع مثاقيل أو أربعون درهما وهذا إما كناية عن القلة أو مبني على أنه إذا كان أقل من أوقية يذهب بالهواء ويمكن أن يكون هذا فيما إذا كان العصير رطلا فإن الرطل أحد وتسعون مثقالا ونصف سدس سبعه ونصف نصف سدس وقد ورد في بعض الأخبار أن نصف السدس يذهب بالهواءكما روى الشيخ بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : العصير إذا طبخ حتى يذهب منه ثلاثة دوانيق ونصف ثم يترك حتى يبرد فقد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه (١)ونصف السدس على هذا الوجه قريب من الأوقية بالمعنى الأول وفيه بعد إشكال.

السابع ذهاب الثلثين المعتبر في هذا الباب هل هو بحسب الكيل أو بحسب الوزن وظاهر بعض الأخبار اعتبار الكليل وظاهر بعض الأصحاب كالمحقق الأردبيلي رحمه‌الله اعتبار الوزن ولم يتفطن الأكثر للتفاوت بينهما ولذا لم يتعرضوا لذلك ومعلوم أن نسبة الذاهب إلى الباقي في العصير المذكور مختلفة بحسب الاعتبارين لتقدم ذهاب جزء مفروض منه بحسب الكيل على مثل هذا الجزء بحسب الوزن وذلك ظاهر بالتجربة.

ويمكن أن يستدل عليه أيضا بما تفطن به بعض الأفاضل بأن نقصان الكيل والوزن هناك مسبب عن انقلاب بعض أجزائه إلى الهواء ومعلوم أن المنقلب إلى الهواء من تلك الأجزاء هو الألطف فالألطف وإن اللطيف أقل وزنا وأكثر حجما من الكثيف فما ينقص من وزنه بالانقلاب المذكور يلزم أن يكون أقل مما ينقص من كيله به دائما على أن نقصان الحجم قد يكون بسبب آخر أيضا كمداخلة بعض الأجزاء في قوام بعض آخر ودعوى أن تلك المداخلة لا يمكن فيما نحن فيه بناء على أن الحرارة موجبة للتخلخل الذي هو ضدها ساقطة بجواز وقوعها من جهة ما يستلزمه من انفتاح السدد المانعة عنها وحصول الفرج المعدة لها مع ما يمكن هناك من

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٢٠.

٥٢٠