بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

جشوبة مأكلك قال ويحك إني لست كأنت إن الله تعالى فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره انتهى (١).

وأقول الخطاب في هذه الآية للكفار فإن طيباتهم كانت منحصرة فيما تمتعوا بها في الدنيا لتفويتهم على أنفسهم استحقاق نعيم الآخرة فلا تكون حجة في رجحان ترك المؤمنين ملاذ الدنيا ونعيمه كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما كتب إلى أهل مصر مع محمد بن أبي بكر :

واعلموا يا عباد الله أن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الآخرة في آخرتهم أباحهم الله في الدنيا ما كفاهم به وأغناهم قال الله عز اسمه « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت وأكلوها بأفضل ما أكلت شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون وشربوا من طيبات ما يشربون ولبسوا من أفضل ما يلبسون وسكنوا من أفضل ما يسكنون وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون وركبوا من أفضل ما يركبون أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا وهم غدا جيران الله يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون لا ترد لهم دعوة ولا ينقص لهم نصيب من اللذة.

فإلى هذا يا عباد الله يشتاق من كان له عقل ويعمل له تقوى الله ولا حول ولا قوة إلا بالله (٢).

ومثل ذلك كثير أوردتها في كتاب الإيمان والكفر وأما الأخبار المعارضة لها فصنفان أحدهما ما ورد في كيفية تعيش رسول الله وأمير المؤمنين وبعض الأئمة عليهم‌السلام فمع معارضتها لأطوار بعضهم أيضا محمولة على أنها من خصائص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام الممكن من التصرف كما يدل عليه خبر عاصم بن زياد

__________________

(١) مجمع البيان ٥ : ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) راجع أمالي الطوسي ١ : ٢٥ ـ ٢٦.

٣٢١

المتقدم وغيره والصنف الآخر الذي لا يحتمل ذلك محمولة على من يحصله من الحرام أو الشبهة أو يكون مسرفا في ذلك بحيث لا يناسب حاله أو يعلم من نفسه أن ذلك يصير سببا لطغيانه فيحتاج إلى تذليل بدنه وامتهانه وسيأتي مزيد تحقيق لذلك في أبواب المكارم مع سائر الأخبار المتعلقة بذلك.

١ ـ إرشاد القلوب ، عن سويد بن غفلة قال : دخلت على علي بن أبي طالب عليه‌السلام فوجدته جالسا وبين يديه إناء فيه لبن أجد فيه ريح حموضته وفي يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه وهو يكسر بيده ويطرحه فيه فقال ادن فأصب من طعامنا فقلت إني صائم فقال عليه‌السلام سمعت رسول الله من منعه الصيام عن طعام يشتهيه كان حقا على الله أن يطعمه من طعام الجنة ويسقيه من شرابها قال قلت لفضة وهي قريبة منه قائمة ويحك يا فضة أما تتقين الله في هذا الشيخ تنخل هذا الطعام من النخالة التي فيه قالت قد تقدم إلينا أن لا ننخل له طعاما قال ما قلت لها فأخبرته فقال بأبي وأمي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه الله قال وكان عليه‌السلام يجعل جريش الشعير في وعاء ويختم عليه فقيل له في ذلك فقال إني أخاف هذين الولدين أن يجعلا فيه شيئا من زيت أو سمن (١).

٢ ـ المحاسن ، عن جعفر بن محمد عن ابن القداح عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم‌السلام قال : دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجد قباء فأتي بإناء فيه لبن حليب مخيض بعسل فشرب منه حسوة أو حسوتين ثم وضعه فقيل يا رسول الله أتدعه محرما قال لا اللهم إني أدعه تواضعا لله (٢).

بيان : مخيض بالخاء المعجمة والياء المثناة التحتانية على فعيل من المخض وهو التحريك كناية عن الخلط الشديد وفي بعض النسخ بالباء الموحدة من التخبيص بمعنى التخليط في القاموس خبصه يخبصه خلطه ومنه الخبيص وقد خبص يخبص وخبص تخبيصا قوله محرما على بناء الفاعل أو على بناء المفعول حالا عن المفعول.

__________________

(١) إرشاد القلوب ٢ : ٨.

(٢) المحاسن : ٤٠٩.

٣٢٢

٣ ـ المحاسن ، عن جعفر بالإسناد المتقدم قال : أتي بخبيص فأبى أن يأكله فقيل أتحرمه قال لا ولكني أكره أن تتوق إليه نفسي ثم تلا الآية « أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا » (١)

بيان : أتي أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الصادق عليه‌السلام والأول أظهر وفي كتاب الغارات أن المأتي كان أمير المؤمنين عليه‌السلام وفي القاموس تاق إليه توقا وتوقانا اشتاق.

٤ ـ المحاسن ، عن محمد بن علي عن أرطاة بن حبيب عن أبي داود الطهري عن عبد الله بن شريك العامري عن حبة العرني قال : أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام بخوان فالوذج فوضع بين يديه فنظر إلى صفائه وحسنه فوجأ بإصبعه فيه حتى بلغ أسفله ثم سلها ولم يأخذ منه شيئا وتلمظ إصبعه وقال إن الحلال طيب وما هو بحرام ولكني أكره أن أعود نفسي ما لم أعودها ارفعوه عني فرفعوه (٢).

بيان : قال الجوهري الخوان بالكسر ما يؤكل عليه معرب وقال وجأته بالسكين ضربته وقال لمظ يلمظ بالضم لمظا إذا تتبع بلسانه يقيه الطعام في فمه أو أخرج لسانه فمسح به شفتيه وكذلك التلمظ.

٥ ـ المحاسن ، عن محمد بن علي عن سفيان عن صباح الحذاء عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : بينا أمير المؤمنين في الرحبة في نفر من أصحابه إذ أهدي له طست خوان فالوذج فقال لأصحابه مدوا أيديكم فمدوا أيديهم ومد يده ثم قبضها فقالوا يا أمير المؤمنين أمرتنا أن نمد أيدينا فمددناها ومددت يدك ثم قبضتها فقال إني ذكرت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأكله فكرهت أكله (٣).

٦ ـ ومنه ، عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول لا تزال هذه الأمة بخير ما لم يلبسوا لباس العجم ويطعموا أطعمة العجم فإذا فعلوا ذلك ضربهم الله بالذل (٤).

__________________

(١) المحاسن : ٤٠٩.

(٢) المحاسن : ٤٠٩.

(٣) المحاسن : ٤١٠.

(٤) المحاسن : ٤١٠.

٣٢٣

٧ ـ ومنه ، عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة ومحمد بن سنان عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم‌السلام أن عليا عليه‌السلام كان لا ينخل له الدقيق وكان علي عليه‌السلام يقول لا تزال هذه الأمة إلى آخر الخبر السابق (١).

٨ ـ ومنه ، عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن بزيع أبي عمرو بن بزيع قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو يأكل خلا وزيتا في قصعة سوداء مكتوب في وسطها بصفرة « قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » فقال ادن يا بزيع فدنوت فأكلت معه ثم حسا من الماء ثلاث حسى حتى لم يبق من الخبز شيء ثم ناولني فحسوت البقية (٢).

بيان : يحتمل أن يكون المراد بالماء الخل الباقي في القصعة.

٩ ـ المحاسن ، عن يعقوب بن يزيد عمن ذكره عن إبراهيم بن عبد الحميد عن الثمالي قال : لما دخلت على علي بن الحسين عليه‌السلام دعا بنمرقة فطرحت فقعدت عليها ثم أتيت بمائدة لم أر مثلها قط قال لي كل فقلت ما لك جعلت فداك لا تأكل فقال إني صائم فلما كان الليل أتي بخل وزيت فأفطر عليه ولم يؤت بشيء من الطعام الذي قرب إلي (٣).

بيان : في القاموس النمرق والنمرقة مثلثة الوسادة الصغيرة أو الميثرة أو الطنفسة فوق الرحل.

١٠ ـ المكارم ، لقد جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ابن خولي بإناء فيه عسل ولبن فأبى أن يشربه فقال شربتان في شربة وإناءان في إناء واحد فأبى أن يشربه ثم قال ما أحرمه ولكني أكره الفخر والحساب بفضول الدنيا غدا وأحب التواضع فإن من تواضع لله رفعه الله (٤).

١١ ـ كتاب الزهد ، للحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أفطر رسول الله عشية الخميس في مسجد قبا فقال

__________________

(١) المحاسن : ٤٤٠.

(٢) المحاسن : ٤٤٠.

(٣) المحاسن : ٤٤٠.

(٤) مكارم الأخلاق : ٣٣.

٣٢٤

هل من شراب فأتاه أوس بن خولة الأنصاري بعس من لبن مخيض بعسل فلما وضعه على فيه نحاه ثم قال شرابان يكتفى بأحدهما عن صاحبه لا أشربه ولا أحرمه ولكني أتواضع لله فإنه من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر خفضه الله ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ومن بذر حرمه الله ومن أكثر ذكر الله أحبه الله.

١٢ ـ الدعائم ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه أتى قبا يوم خميس وهو صائم فلما أمسى قال هل من شراب وذكر نحوه إلى قوله ومن أكثر ذكر الله رزقه الله ثم قال فهذا ( والله أعلم ) من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تواضع كما قال لا على أن الله عز وجل حرم شيئا من طيبات الرزق قال جل ذكره « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ ».

وعن علي عليه‌السلام أنه أتي بطبق فالوذج فوضع بين يديه فنظر إليه ورأى صفاءه وحسنه فوجأ بإصبعه فيه ثم استلها فلم ينتزع منه شيئا فتلمظ إصبعه ثم قال إن هذا لحلو طيب ولكن نكره أن نعود أنفسنا ما لم تعود ارفعوه فرفعوه (١).

٤

باب

(ذم كثرة الأكل والأكل على الشبع والشكاية عن الطعام)

١ ـ عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله عليه‌السلام المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء (٢).

٢ ـ المجازات والشهاب ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله.

بيان قال السيد رحمه‌الله هذا القول مجاز والمراد أن المؤمن يقنع من مطعمه بالبلغ التي تمسك الرمق وتقيم الأود دون المآكل التي يقصد بها وجه اللذة

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢ : ١١٥ ـ ١١٦ والآية في الأعراف : ٣٧.

(٢) الخصال : ٣٥١.

٣٢٥

ويقضي بها حق الشهوة فكأنه يأكل في معى واحد لفرط الاقتصار وكراهة الاستكثار وأما الكافر فإنه لتبجحه في المآكل وتنقله في المطاعم وتوخيه ضد ما يتوخاه المؤمن من اجترار حطام الدنيا التي يطلب عاجلها ولا يأمل آجلها فهو عبد للذته وكادح في طاعة شهوته كأنه يأكل في سبعة أمعاء لأن أكله للذة لا للبلغة وللنهمة لا للمسكة انتهى (١).

وقال الراوندي رحمه‌الله المعى على وزن اللوى واحد الأمعاء وهي مجاري الطعام في البطن وهذا مثل وذلك أن المؤمن لا يأكل إلا من الحلال ويجتنب الحرام والشبهة والكافر لا يبالي ما أكل وكيف أكل ومن أين أكل وإذا كان كذلك فمأكل الكافر أكثر من مأكل المؤمن وخص السبعة بالذكر مثلا كما يذكر السبعون في مثل هذه المواضع قال تعالى « إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ » (٢).

والمعى أيضا المذنب من المذانب وهو مسيل الماء في الحضيض قال أبو عبيد ترى ذلك لتسمية المؤمن عند طعامه فتكون فيه البركة والكافر لا يفعل ذلك وهذا الوجه كما ترى وقيل إنه مثل ضربه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها وليس الغرض بذلك الأكل فحسب بل يعني اتساع الرغبة وهذا الوجه قريب من الوجه الذي قدمناه وصدرنا به الكلام.

وقيل : هذا في رجل بعينه كان يأكل في حال كفره فيكثر فلما أسلم قل طعمه وذكر أنه عمرو بن معديكرب الزبيدي وقال أبو عبيد في تاريخه ترى أنه عنى أبا نضرة الغفاري واسم أبي نضرة حميل بالحاء وضمه فمن قال حميل أو جميل فقد أخطأ والله أعلم بذلك ويؤيد أن المعنى اتساع الرغبة قولهم فلان يأكل هذه البلدة وهذه الولاية ولعله لا يأكل مما يحصل منها لقمة بل يتصرف في ذلك وذكر الأكل مجاز في مثل هذه المواضع يقال أكل فلان ألف دينار ولعله لبس به ولم يأكل أو أعطاه أو أنفقه في وجه غير الأكل والغرض بالأكل الشنعة ألا ترى إلى

__________________

(١) المجازات النبوية ٢٤٣.

(٢) لنا كلام في شرح الآية تراها في ج ٩١ ص ٣٦٤.

٣٢٦

قول أمير المؤمنين عليه‌السلام ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم ويقول لغيره أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن واسع السرم يأكل ما يجد كل ذلك تعبير بالرغب وقد قيل الرغب شؤم.

وهذا إعلام منه عليه‌السلام أن المؤمن يشغله دينه وخوفه من الله عن الدنيا والاتساع فيها وفائدة الحديث الحث على الرغبة عن الدنيا والاجتناب من الوقوع في مصائد من شهواتها وراوي الحديث جابر ورواه ابن عمر انتهى.

وفي النهاية هذا مثل ضربه للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها وليس معناه كثرة الأكل دون الاتساع في الدنيا ولهذا قيل الرغب شؤم لأنه يحمل صاحبه على اقتحام النار وقيل هو تحضيض للمؤمن على قلة الأكل وتحامي ما يجره الشبع من القسوة وطاعة الشهوة ووصف الكافر بكثرة الأكل إغلاظ على المؤمن وتأكيد لما رسم له وقيل هو خاص في رجل بعينه كان يأكل كثيرا فأسلم فقل أكله والمعى واحد الأمعاء وهي المصارين انتهى.

وقال في فتح الباري بعد ما ذكر بعض ما مر وقيل بل هو على ظاهره ثم اختلف في ذلك على أقوال الأول أنه ورد في شخص بعينه واللام عهدية لا جنسية ويؤيده ما رواه عن الطبراني بسند جيد بزعمه عن ابن عمر (١) قال : جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعة رجل [ رجال ] فأخذ كل واحد من الصحابة رجلا وأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا فقال له ما اسمك قال أبو غزوان قال فحلب له سبع شياه فشرب لبنها كله فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هل لك يا أبا غزوان أن تسلم قال نعم فأسلم فمسح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صدره فلما أصبح حلب له شاة واحدة فلم يتم لبنها فقال ما لك يا أبا غزوان فقال والذي بعثك بالحق لقد رويت قال إنك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم إلا معى واحد : ثم ضعف هذا الحمل.

__________________

(١) أخرجه الهيتمى في مجمع الزوائد ٥ : ٣٢ عن الطبراني وقال رجاله رجال الصحيح.

٣٢٧

والثاني أن الحديث خرج مخرج الغالب وليست حقيقة العدد مرادة كقوله « وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ » والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة ولعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة ولخشيته أيضا من حساب ما زاد على ذلك والكافر بخلاف ذلك كله فإنه لا يقف على مقصود الشرع بل هو تابع لشهوة نفسه مسترسل فيها غير خائف من تبعات الحرام فصار أكل المؤمن ما ذكر إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه بقدر السبع منه ولا يلزم من هذا اطراده في حق كل مؤمن وكافر فقد يكن في المؤمنين من يأكل كثيرا إما بحسب العادة أو لعارض يعرض له على رأي الأطباء وقد يكون في الكافرين من يأكل قليلا إما للرياضة على رأي الرهبان وإما لعارض كضعف المعدة.

قال الطيبي ومحصل القول أن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث.

الثالث أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الإيمان لأن من حسن إسلامه وكمل إيمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده فيمنعه شدة الخوف وكثرة التفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته كما ورد في حديث أبي أمامة من كثر تفكره قل طعمه ومن قل طعمه كثر تفكره ومن كثر طعمه قسا قلبه.

وفي حديث أبي سعيد الصحيح أن هذا المال حلوة خضرة فمن أخذه بإسراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع فدل على أن المراد بالمؤمن من يقصد في مطعمه وأما الكافر فمن شأنه الشره فيأكل بالنهم كما يأكل البهيمة ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية كما قال تعالى « وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ ».

الرابع : أن المراد أن المؤمن يسمي الله تعالى عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان فيكفيه القليل والكافر لا يسمي فيشركه الشيطان.

٣٢٨

الخامس : أن المؤمن يقل حرصه على الطعام فيبارك له فيه وفي مأكله يشبع من القليل والكافر طافح البصر إلى المآكل كالأنعام فلا يشبعه القليل وهذا يمكن ضمه إلى الذي قبله ويجعلان جوابا واحدا مركبا.

السادس : قال النووي المختار أن المراد أن بعض المؤمنين يأكل في معى واحد وأكثر الكفار يأكلون في سبعة أمعاء ولا يلزم أن يكون كل واحد من السبعة مثل المؤمن انتهى.

ويدل على تفاوت الأمعاء ما ذكره عياض عن أهل التشريح أن أمعاء الإنسان سبعة المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب ثم الصائم ثم الرقيق والثلاثة رقاق ثم الأعور والقولون والمستقيم وكلها غلاظ فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بسرعة لا يشبعه إلا ملء أمعائه السبعة والمؤمن يشبعه ملء معي واحد ونقل الكرماني عن الأطباء في تسمية الأمعاء السبعة أنها المعدة ثم ثلاثة متصلة رقاق وهي الاثنا عشر والصائم والقولون ثم ثلاثة غلاظ وهي النافف بنون وفاءين أو قافين والمستقر والأعور.

السابع قال النووي يحتمل أن يريد بالسبعة في الكافر سبع صفات هي الحرص والشره وطول الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد وحب السمن وبالواحد في المؤمن سد خلته.

الثامن قال القرطبي شهوات الطعام سبع شهوة الطبع وشهوة النفس وشهوة العين وشهوة الفم وشهوة الأذن وشهوة الأنف وشهوة الجوع وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن وأما الكافر فيأكل بالجميع.

ثم رأيت أصل ما ذكره في كلام القاضي أبي بكر وهو أن الأمعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس والشهوة والحاجة.

٣ ـ عدة الداعي ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان ولا بد فليكن الثلث للطعام والثلث للشراب والثلث الآخر للنفس.

بيان قال في فتح الباري بعد رواية أوردها تدل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شبع من

٣٢٩

الطعام قال القرطبي فيه دليل على جواز الشبع وما جاء من النهي عنه محمول على الشبع الذي يثقل المعدة ويثبط صاحبه عن القيام بالعبادة ويفضي إلى البطر والأشر والنوم والكسل وقد تنتهي كراهته إلى التحريم بحسب ما يترتب عليه من المفسدة وذكر الكرماني تبعا لابن المنير أن الشبع المذكور محمول على شبعهم المعتاد منهم وهو ما رواه المقدام بن معديكرب قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه فإن غلب الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس (١).

قال القرطبي لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة وقال الغزالي قبله ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال ما سمعت كلاما في قلة الأكل أحكم من هذا ولا شك في أن أثر الحكمة في الحديث المذكور واضح وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنها أسباب حياة الحيوان ولأنه لا يدخل البطن سواها وهل المراد بالثلث التساوي على ظاهر الخبر أو التقسيم إلى ثلاثة أقسام متقاربة محل احتمال والأول أولى ويحتمل أن يكون لمح بذكر الغلبة إلى قوله في الحديث الآخر الثلث كثير.

وقال بعضهم مراتب الشبع تنحصر في سبع الأول ما تقوم به الحياة الثاني أن يزيد حتى يصوم ويصلي عن قيام وهذان واجبان الثالث أن يزيد حتى يقوى على أداء النوافل الرابع أن يزيد حتى يقدر على التكسب وهذان مستحبان الخامس أن يملأ الثلث وهذا جائز السادس أن يزيد على ذلك وبه يثقل البدن ويكثر النوم وهذا مكروه السابع أن يزيد حتى يتضرر وهي البطنة المنهي عنها وهذا حرام ويمكن إدخال الأول في الثاني والثالث في الرابع.

٤ ـ الشهاب ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن.

الضوء وذلك لأنه إذا ملأ بطنه تثاقل عن الطاعات وكسل عن العبادات

__________________

(١) راجع سنن الترمذي كتاب الزهد الباب ٤٧ ، سنن ابن ماجة كتاب الاطعمة الباب ٥٠.

٣٣٠

وثارت شهواته فإن تبعها هلك وإن منعها وجاهدها تأذى فالأولى أن لا يزيد في الطعام على ما يمسك الرمق ويمد القوة وقد قيل كفى بك شرها أن تأكل جميع شهواتك وقيل البطنة تذهب الفطنة لأنها تكدر الحواس وتثقلها عن الحركات وفائدة الحديث النهي عن الامتلاء وراوي الحديث المقدام بن معديكرب قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث طعام وثلث شراب وثلث لنفسه (١).

٥ ـ كتاب الغايات ، قال الصادق عليه‌السلام أقرب ما يكون العبد إلى الله إذا ما خف بطنه.

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ما من شيء أبغض إلى الله من بطن مملوء.

وقال عليه‌السلام أبعد الخلق من الله إذا ما امتلأ بطنه.

٦ ـ العيون ، عن تميم بن عبد الله عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا عليه‌السلام في حديث طويل قال : وكان عليه‌السلام خفيف الأكل خفيف الطعم (٢).

٧ ـ المكارم ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نور الحكمة الجوع والتباعد من الله الشبع والقربة إلى الله حب المساكين والدنو منهم وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلوب تموت كالزروع إذا كثر عليها الماء وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تشبعوا فتطفأ نور المعرفة من قلوبكم ومن بات يصلي في خفة من الطعام بات الحور العين حوله (٣).

٨ ـ مجالس الصدوق ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن عبيد الله الدهقان عن درست عن عبد الحميد بن عواض عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الأكل على الشبع يورث البرص (٤).

__________________

(١) راجع مسند أحمد بن حنبل ٤ : ١٣٢.

(٢) عيون الأخبار ٢ : ١٣٧.

(٣) مكارم الأخلاق : ١٧٢.

(٤) أمالي الصدوق ٣٢٤.

٣٣١

٩ ـ الخصال ، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن موسى بن جعفر البغدادي عن محمد بن المعلى عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ثلاث فيهن المقت من الله عز وجل نوم في غير سهر وضحك من غير عجب وأكل على الشبع (١).

١٠ ـ ومنه ، عن أبيه عن علي بن موسى الكمنداني عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أربعة يذهبن ضياعا البذر في السبخة والسراج في القمر والأكل على الشبع والمعروف إلى من ليس بأهله (٢).

١١ ـ ومنه ، عن محمد بن علي بن الشاه عن أبي حامد عن أحمد بن خالد الخالدي عن محمد بن أحمد التميمي عن أبيه عن محمد بن حاتم القطان عن حماد بن عمرو عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال في وصية له يا علي أربعة يذهبن ضياعا الأكل بعد الشبع والسراج في القمر والزرع في السبخة والصنيعة عند غير أهلها (٣).

١٢ ـ العيون ، بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : أتى أبو حجيفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يتجشى فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله اكفف جشاءك فإن أكثر الناس في الدنيا شبعا أكثرهم جوعا يوم القيامة قال فما ملأ أبو حجيفة بطنه من طعام حتى لحق بالله (٤).

صحيفة الرضا ، عنه عليه‌السلام مثله (٥).

بيان : المضبوط في رجال العامة أبو جحيفة بتقديم الجيم المضمومة على الحاء المهملة المفتوحة وهو وهب بن عبد الله نزل بالكوفة وجعله علي عليه‌السلام على بيت المال بالكوفة وشهد معه مشاهده كلها وكذا في نسخ الصحيفة أيضا وفي أكثر نسخ

__________________

(١) الخصال ٨٩.

(٢) المصدر ٢٦٣.

(٣) المصدر ٢٦٣.

(٤) عيون الأخبار ٢ : ٣٨.

(٥) صحيفة الرضا ١٣.

٣٣٢

العيون بتقديم المهملة وكأنه تصحيف وفي بعض روايات العامة فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا كان إذا تعشى لا يتغدى وإذا تغدى لا يتعشى وفي رواية قال أبو جحيفة فما ملأت بطني منذ ثلاثين سنة (١).

١٣ ـ مجالس ابن الشيخ ، عن أبيه عن أحمد بن هارون بن الصلت عن أحمد بن محمد بن عقدة عن عباد بن أحمد القزويني عن عمه عن أبيه عن موسى الجهني عن زيد بن وهب عن عقبة بن عامر الجهني قال : سمعت سلمان الفارسي وقد أكره على طعام فقال حسبي إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا في الآخرة يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر (٢).

بيان قال الراوندي في ضوء الشهاب شبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المؤمن بالمسجون من حيث هو ملجم بالأوامر والنواهي مضيق عليه في الدنيا مقبوض على يده فيها مخوف بسياط العقاب مبتلى بالشهوات ممتحن بالمصائب بخلاف الكافر الذي هو مخلوع العذار متمكن من شهوات البطن والفرج بطيبة من قلبه وانشراح من صدره مخلى بينه وبين ما يريد على ما يسول له الشيطان لا ضيق عليه ولا منع فهو يغدو فيها ويروح على حسب مراده وشهوة فؤاده كأنها جنة له يتمتع بملاذها ويتنعم كما أنها كالسجن للمؤمن صارفا له عن لذاته مانعا من شهواته.

وروي أن سلمان رحمه‌الله أكره على طعام فقال حسبي إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وساق إلى قوله وجنة الكافر فالمؤمن يتزود والكافر يتمتع والله إن أصبح فيها مؤمن إلا حزينا وكيف لا يحزن وقد جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه وارد جهنم ولم يأت أنه صادر عنها.

١٤ ـ العيون ، بالأسانيد الثلاثة إلى الرضا عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس شيء أبغض إلى الله من بطن ملآن (٣).

__________________

(١) راجع مجمع الزوائد ٥ : ٣١ قال رواه الطبراني في الاوسط والكبير بأسانيد.

(٢) أمالي الطوسي ١ : ٣٥٦.

(٣) عيون الأخبار ٢ : ٣٦.

٣٣٣

صحيفة الرضا ، عنه عليه‌السلام مثله (١).

١٥ ـ العلل ، عن أحمد بن محمد العلوي عن محمد بن إبراهيم بن أسباط عن أحمد بن زياد القطان عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن عيسى بن جعفر العلوي العمري عن آبائه عن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : مر أخي عيسى عليه‌السلام بمدينة وفيها رجل وامرأة يتصايحان فقال ما شأنكما قال يا نبي الله هذه امرأتي وليس بها بأس صالحة ولكني أحب فراقها قال فأخبرني على كل حال ما شأنها قال هي خلقة الوجه من غير كبر قال لها يا مرأة أتحبين أن يعود ماء وجهك طريا قالت نعم قال لها إذا أكلت فإياك أن تشبعين لأن الطعام إذا تكاثر على الصدر فزاد في القدر ذهب ماء الوجه ففعلت ذلك فعاد وجهها طريا (٢).

١٦ ـ الخصال ، عن جعفر بن محمد بن مسرور عن الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله عن أحمد بن محمد الأزدي عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمس خصال تورث البرص النورة يوم الجمعة ويوم الأربعاء والتوضي والاغتسال بالماء الذي تسخنه الشمس والأكل على الجنابة وغشيان المرأة في أيام حيضها والأكل على الشبع (٣).

١٧ ـ المحاسن ، عن أبيه عن عمرو بن إبراهيم قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول لو أن الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم (٤).

بيان قصدوا أي في الكم والكيف معا.

١٨ ـ المحاسن ، عن القاسم بن محمد الأصفهاني عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ظهر إبليس ليحيى بن زكريا عليه‌السلام وإذا عليه معاليق من كل شيء فقال له يحيى ما هذه المعاليق يا إبليس فقال هذه

__________________

(١) صحيفة الرضا ١١.

(٢) علل الشرائع ٢ : ١٨٣.

(٣) الخصال : ٢٧٠.

(٤) المحاسن : ٤٣٩.

٣٣٤

الشهوات التي أصبتها من ابن آدم قال فهل لي منها شيء قال ربما شبعت فثقلتك عن الصلاة والذكر قال يحيى لله علي أن لا أملأ بطني من طعام أبدا فقال إبليس لله علي أن لا أنصح مسلما أبدا ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا حفص لله على جعفر وآل جعفر أن لا يملئوا بطونهم من طعام أبدا ولله على جعفر وآل جعفر أن لا يعملوا للدنيا أبدا (١).

١٩ ـ ومنه ، عن بعض من رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ليس لابن آدم بد من أكله يقيم بها صلبه فإذا أكل أحدكم طعاما فليجعل ثلث بطنه للطعام وثلث بطنه للشراب وثلث بطنه للنفس ولا تسمنوا كما تسمن الخنازير للذبح (٢).

٢٠ ـ ومنه ، عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بئس العون على الدين قلب نخيب وبطن رغيب ونعظ شديد (٣).

بيان : في النهاية النخيب الجبان الذي لا فؤاد له وقيل الفاسد العقل وقال الرغيب الواسع يقال جوف رغيب ومنه حديث أبي الدرداء بئس العون على الدين قلب نخيب وبطن رغيب انتهى وفي القاموس الرغب بالضم وبضمتين كثرة الأكل وشدة النهم وفعله ككرم فهو رغيب كأمير وقال نعظ ذكره نعظا ويحرك ونعوظا قام وأنعظ الرجل والمرأة علاهما الشبق.

٢١ ـ المحاسن ، عن أبيه عن محمد بن سنان عن صالح النيلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى يبغض كثرة الأكل (٤).

ومنه عن محمد بن علي عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله (٥).

٢٢ ومنه ، عن عبد الله بن محمد الحجال عن بهلول بن مسلم عن يونس بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كثرة الأكل مكروه (٦).

__________________

(١) المحاسن : ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

(٢) المحاسن : ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

(٣) المحاسن : ٤٤٥.

(٤) المحاسن : ٤٤٦.

(٥) المحاسن : ٤٤٦.

(٦) المحاسن : ٤٤٦.

٣٣٥

٢٣ ـ ومنه ، عن أبيه عن محمد بن القاسم عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن البطن إذا شبع طغى (١).

٢٤ ـ ومنه ، عن أبيه عن محمد بن عمرو عن بشير الدهان أو عمن ذكره عنه قال قال أبو الحسن عليه‌السلام إن الله يبغض البطن الذي لا يشبع (٢).

٢٥ ـ ومنه ، عن محمد بن علي عن وهب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال لي يا أبا محمد إن البدن ليطغى من أكله وأقرب ما يكون العبد من الله إذا ما جاع بطنه وأبغض ما يكون العبد إلى الله إذا امتلأ بطنه (٣).

٢٦ ـ ومنه ، عن بكر بن صالح عن جعفر بن محمد الهاشمي عن أبي جعفر العطار قال سمعت جعفر بن محمد يحدث عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال جبرئيل في كلام بلغنيه عن ربي يا محمد وأخرى هي الأولى والآخرة يقول لك ربك يا محمد ما أبغضت وعاء قط إلا بطنا ملآن (٤).

بيان : وأخرى أي نصيحة أخرى هي الأولى بحسب الرتبة لشدة الاهتمام بها والآخرة بحسب الذكر والأصوب للأولى كما سيأتي أي تنفع في الدنيا والآخرة.

٢٧ ـ المحاسن ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مملوء (٥).

٢٨ ـ ومنه ، عن اليقطيني عن الدهقان عن درست عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الأكل على الشبع يورث البطن (٦).

٢٩ ـ ومنه ، عن محمد بن علي عن محمد بن سنان عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كل داء من التخمة ما خلا الحمى فإنها ترد ورودا (٧).

بيان في القاموس توخم الطعام واستوخمه لم يستمرئه والتخمة كهمزة الداء يصيبك منه انتهى وقال بعضهم هي أن يفسد الطعام في المعدة ويستحيل إلى كيفية غير صالحة.

__________________

(١ ـ ٧) المحاسن : ٤٤٧ ـ ٤٤٦.

٣٣٦

٣٠ ـ المحاسن ، عن علي بن حديد رفعه قال : قام عيسى ابن مريم خطيبا في بني إسرائيل فقال يا بني إسرائيل لا تأكلوا حتى تجوعوا وإذا جعتم فكلوا ولا تشبعوا فإنكم إذا شبعتم غلظت رقابكم وسمنت جنوبكم ونسيتم ربكم (١).

٣١ ـ ومنه ، عن أبيه عن النضر عن عمر بن شمر رفعه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلام له ستكون من بعدي سنة يأكل المؤمن في معى واحد ويأكل الكافر في سبعة أمعاء (٢).

بيان : السنة يحتمل الفتح والتخفيف والضم والتشديد.

٣٢ ـ المحاسن ، عن محمد بن علي عن ابن القداح عن عبد السلام عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كفر بالنعم أن يقول الرجل أكلت طعام كذا وكذا فضرني (٣).

٣٣ ـ مصباح الشريعة ، قال الصادق عليه‌السلام قلة الأكل محمود في كل حال وعند كل قوم لأن فيه المصلحة للباطن والظاهر والمحمود من الأكل أربعة ضرورة وعدة وفتوح وقوت فالأكل بالضرورة للأصفياء والعدة للقوام الأتقياء والفتوح للمتوكلين والقوت للمؤمنين وليس شيء أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل وهي مورثة شيئين قسوة القلب وهيجان الشهوة والجوع إدام للمؤمن وغذاء الروح وطعام القلب وصحة البدن قال النبي ما ملأ ابن آدم وعاء أشر من بطنه وقال داود عليه‌السلام ترك اللقمة مع الضرورة إليها أحب إلي من قيام عشرين ليلة وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المؤمن يأكل بمعى واحد والمنافق بسبعة أمعاء وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويل للناس من القبقبين فقيل وما هما يا رسول الله قال الحلق والفرج وقال عيسى ابن مريم عليه‌السلام ما مرض قلب بأشد من القسوة وما اعتلت نفس بأصعب من نقص الجوع وهما زمامان للطرد والخذلان (٤).

توضيح : لعل المراد بالضرورة أن لا يتصرف من القوت إلا بقدر الضرورة عند الاضطرار وهذه طريقة الأصفياء والعدة هو أن يدخر عدة للفقراء والضعفاء

__________________

(١) المحاسن : ٤٤٧.

(٢) المحاسن : ٤٤٧.

(٣) المحاسن : ٤٥٠.

(٤) مصباح الشريعة ٢٧ ـ ٢٨ ، وفيه : العدة لقوام الأتقياء.

٣٣٧

وهذا شأن القوام بأمور الخلق الأتقياء فإنهم لا يخونون فيها بل يصرفونها في مصارفها والفتوح وهو أن لا يدخر شيئا وينتظر ما يفتح الله له فينفقه قليلا كان أو كثيرا وهذا ديدن المتوكلين والمراد بالقوت أن يدخر قوت السنة ولا يزيد عليه وهذا مجوز للمؤمنين كما ورد في الأخبار وفي بعض النسخ وقوة أي يحصل ما يقويه على الطاعات والأول أظهر والجوع إدام المؤمن لأن الجائع يكتفي بالخبز ويلتذ به مثل ما يلتذ غيره بالإدام وفي النهاية فيه من وقي شر قبقبه وذبذبه ولقلقه دخل الجنة القبقب البطن من القبقبة وهو صوت يسمع من البطن فكأنها حكاية ذلك الصوت قوله للطرد والخذلان أي من جناب الحق تعالى.

٣٤ ـ مجالس المفيد ، عن أحمد بن محمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن جعفر بن محمد الهاشمي عن أبي حفص العطار قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يحدث عن أبيه عن جده عليهما‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جاءني جبرئيل في ساعة لم يكن يأتيني فيها فقلت يا جبرئيل لقد جئتني في ساعة ويوم لم تكن تأتيني فيهما لقد أرعبتني قال وما يروعك يا محمد وقد غفر الله لك « ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ » قال بما ذا بعثك ربك قال ينهاك ربك عن عبادة الأوثان وشرب الخمور وملاحاة الرجال وأخرى هي للآخرة والأولى يقول لك ربك يا محمد ما أبغضت وعاء قط كبغضي بطنا ملآنا (١).

٣٥ ـ دعوات الراوندي ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إياكم والبطنة فإنها مفسدة للبدن ومورثة للسقم ومكسلة عن العبادة وروي من قل طعامه صح بدنه وصفا قلبه ومن كثر طعمه سقم بدنه وقسا قلبه.

٦

باب

(آخر في ذم التجشؤ وما يفعل أو يقال عنده)

١ ـ المحاسن ، عن النوفلي بإسناده قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا تجشيتم

__________________

(١) أمالي المفيد : ١٢١.

٣٣٨

فلا ترفعوا جشاكم إلى السماء (١).

٢ ـ ومنه ، عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أطولكم جشئا في الدنيا أطولكم جوعا يوم القيامة.

١٤ قال وفي حديث آخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا يتجشأ فقال يا عبد الله قصر من جشائك فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا (٢).

٣ ـ المكارم ، عن الصادق عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أطولكم جشاء أطولكم جوعا يوم القيامة (٣).

٤ ـ روضة الواعظين ، روى علي بن أبي طالب عن أبي جحيفة قال : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أتجشأ فقال يا أبا جحيفة اخفض جشاءك فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة.

بيان في القاموس جشأت نفسه كجعل جشوءا نهضت وجاشت من حزن أو فزع وثارت للقيء والتجشؤ تنفس المعدة كالتجشئة والاسم كهمزة وفي الصحاح تجشأت تجشئوا والتجشئة مثله والاسم الجشاءة على فعال وفي المصباح تجشأ الإنسان تجشأ والاسم الجشاء وزان غراب وهو صوت مع ريح يحصل من الفم عند حصول الشبع انتهى والمراد بالخفض هنا إما عدم الرفع إلى السماء أو كناية عن التقليل والتسكين وعدم الإتيان بما يوجبه من الامتلاء كما يدل عليه التعليل قال في القاموس الخفض ضد الرفع وغض الصوت وخفض القول يا فلان لينه والأمر هونه وقال في الدروس يكره كثرة الأكل وربما حرم إذا أدى إلى الضرر ويكره رفع الجشأ إلى السماء.

__________________

(١) المحاسن ٤٤٧.

(٢) المحاسن ٤٤٧.

(٣) مكارم الأخلاق ١٦٩.

٣٣٩

٧

باب

(الغداء والعشاء وآدابهما)

الآيات الكهف : « آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً » (١).

مريم : « وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا » (٢).

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله الغداء طعام الغداة والعشاء طعام العشي والإنسان إلى الغداء أشد حاجة منه إلى العشاء وقال قال المفسرون ليس في الجنة شمس ولا قمر فيكون لهم بكرة وعشيا والمراد أنهم يؤتون رزقهم على ما يعرفونه من مقدار الغداة والعشاء وقيل كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء أعجب به وكانت تكره الوجبة وهي الأكلة الواحدة في اليوم فأخبر الله تعالى أن لهم في الجنة رزقهم بكرة وعشيا على قدر ذلك الوقت وليس ثم ليل وإنما هو ضوء ونور عن قتادة وقيل إنهم يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وفتح الأبواب انتهى (٣).

وأقول يظهر من بعض الأخبار أن هذا وصف جنة الدنيا فلا إشكال قال علي بن إبراهيم ذلك في جنات الدنيا قبل القيامة والدليل على ذلك بكرة وعشيا فالبكرة والعشي لا تكون في الآخرة في جنات الخلد وإنما يكون الغدو والعشي في جنات الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين وتطلع فيها الشمس والقمر انتهى (٤).

وعلى التقادير فيها إيماء إلى استحباب التغدي والتعشي والجمع بينهما والاكتفاء بهما إذ لو كان يحسن الأكل بينهما لكان ذكره في مقام الامتنان أنسب وكان البكرة شامل لما قبل الزوال والتعشي لما بعده إلى مضي شيء من الليل أو إلى آخره كما مر مرارا.

__________________

(١) الكهف : ٦٢.

(٢) مريم : ٦٢.

(٣) مجمع البيان ٣ : ٥٢١.

(٤) تفسير علي بن إبراهيم : ٤١٢.

٣٤٠