المعجم الأصولي - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

موضوعه أو قل تقدّم فعلية الحكم على وجود موضوعه.

وحتّى يتّضح المطلب أكثر نذكر هذا المثال ، لو أخذنا رواية من كتاب الكافي مرويّة بهذا الطريق محمّد بن يعقوب الكليني رحمه‌الله عن علي بن إبراهيم القمّي عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن الإمام عليه‌السلام انّه قال كذا.

ففي الواقع انّ هذا الطريق يشتمل على خمسة اخبارات طوليّة ، والخبر المحرز لنا بالوجدان هو الخبر الاول والذي يرويه الكليني رحمه‌الله ، وأمّا الأخبار الأربعة فهي غير محرزة وجدانا ، ويتمّ احرازها بواسطة ثبوت الحجيّة لخبر الكليني ، وهذا معناه انّ الحجيّة تثبت قبل احراز الأخبار الأربعة والحال انّ الحجيّة متأخّرة رتبة عن احراز الخبر باعتباره هو موضوع الحجيّة ، واذا فرضنا انّ الحجيّة هي الموجبة لإحراز الموضوع كانت الحجيّة متقدّمة رتبة على الموضوع ، وقد قلنا انّ الحجيّة متأخرة رتبة عن الموضوع ، ثبت المطلوب ، وهو عدم امكان اثبات الحجيّة للخبر بالواسطة.

هذا وقد أجاب السيّد الخوئي رحمه‌الله عن هذا الإشكال بما حاصله : انّ الحجيّة الثابتة لخبر الكليني رحمه‌الله غير الحجيّة الثابتة لخبر القمي ، والحجيّة الثابتة لخبر القمي غير الحجيّة الثابتة لخبر إبراهيم بن هاشم وهكذا ، فعند ما أحرزنا خبر الكليني بالوجدان ثبتت له الحجيّة ، وبثبوت الحجيّة لخبر الكليني أحرزنا خبر القمي وعندها ثبتت لخبر القمي حجيّة اخرى ، بمعنى انّ الحجيّة الاولى أحرزت الخبر الثاني وباحراز الخبر الثاني ثبتت له حجيّة ثانية ، وهذه الحجيّة الثانية أحرزت الخبر الثالث وهكذا ، فليس في البين حجيّة شخصيّة واحدة ثبتت للخبر الاول فأحرزت الخبر الثاني وبعد ذلك حملت عليه حتى يقال انّها في الوقت الذي أحرزت الخبر الثاني أصبحت حكما للخبر الثاني فتكون متأخرة في حال كونها متقدّمة.

٨١

ومنشأ دعوى انّ الحجيّة الاولى غير الحجيّة الثانية وهكذا هو انّ الحجيّة للخبر مجعولة بنحو القضيّة الحقيقيّة ، بمعنى انّ الحجيّة ثابتة لموضوعها المقدر الوجود ، وهذا يعني انحلال الحجيّة الى حجيّات متعدّدة بتعدّد أفراد الخبر المحرز بقطع النظر عن وسيلة الإحراز وانّه تمّ بواسطة الوجدان أو بواسطة حجيّة اخرى ثابتة لفرد آخر من أفراد الخبر.

الإشكال الثاني : وحاصله انّه يشترط في حجيّة كلّ خبر ان يترتب على مضمونه أثر شرعي من وجوب أو حرمة أو صحّة أو فساد أو طهارة أو ما الى ذلك ، وأمّا إذا لم يكن للخبر أثر شرعي فإنّ أدلّة الحجيّة لخبر الواحد قاصرة عن الشمول لمثل هذا الخبر ، وذلك للغوية أن يجعل الشارع الحجيّة لخبر لا يتّصل بأغراضه.

ومع اتّضاح هذه المقدّمة يتّضح سقوط الخبر الواقع في آخر سلسلة السند وكذلك اخبارات سائر الوسائط ، لانها جميعا لا تخبر عن مضمون ذي أثر شرعي ، فمضمون خبر الكليني هو انّ شيخه القمي أخبره ، وهذا الخبر ليس له أثر شرعي كما هو واضح.

ودعوى انّ ثبوت الحجيّة لخبر الكليني له أثر شرعي ، وهو ثبوت الحجيّة لخبر القمي ، والحجيّة من الآثار الشرعيّة. هذه الدعوى ليست تامة ، وذلك لأنّنا ذكرنا انّ الأثر الشرعي شرط في ثبوت الحجيّة والشرط لا بدّ من تقدّمه على المشروط وهو ثبوت الحجيّة ، فإذا افترضنا انّ الأثر الشرعي هو نفس الحجيّة صارت الحجيّة هي المحقّقة لشرط نفسها ، بمعنى انّها شرط ومشروط في آن واحد ، أمّا انّها شرط فلأنّها الأثر الشرعي المصحّح لثبوت الحجيّة للخبر ، وأمّا انّها مشروط فلأنّ ثبوت الحجيّة للخبر متوقّف على اشتماله على الأثر الشرعي.

ولكي يتّضح الإشكال أكثر نأخذ الواسطة الواقعة بعد الراوي المباشر للإمام عليه‌السلام وهو في مثالنا « ابراهيم بن

٨٢

هاشم » فإنّ مضمون خبر ابراهيم بن هاشم هو انّ ابن أبي عمير أخبر عن الإمام عليه‌السلام ، وهذا الخبر ليس له أثر شرعي إلاّ أنّ ثبوت الحجيّة له يوجب احراز خبر ابن ابي عمير وعندها تثبت الحجيّة لخبر ابن أبي عمير ، وذلك لإحراز موضوعه بواسطة ثبوت الحجيّة لخبر بن هاشم ، ومن هنا قد يدعى وجود أثر شرعي لخبر بن هاشم وهذا الأثر الشرعي هو الحجيّة التي تثبت لخبر بن أبي عمير بواسطة ثبوتها لخبر بن هاشم ، وخبر بن هاشم إذن ذو أثر شرعي ، إلاّ انّ هذه الدعوى غير تامة ، وذلك لاننا قد افترضنا انّ اشتمال الخبر على الأثر الشرعي شرط في ثبوت الحجيّة للخبر ، وهذا معناه لزوم ثبوت الأثر الشرعي بقطع النظر عن ثبوت الحجيّة له أي لا بدّ وان يكون الخبر واجدا للأثر الشرعي قبل ثبوت الحجيّة له ، فإذا كانت الحجيّة هي نفسها الأثر الشرعي المصحّح لثبوت الحجيّة للخبر كان الشرط متّحدا مع المشروط ، وهو محال.

وبهذا يتنقّح انّ الأثر الشرعي يجب أن لا يكون هو الحجيّة ، وعندها لا يكون لخبر ابن هاشم أثر شرعي ، فيكون فاقدا لشرط الحجيّة.

وقد اجيب عن هذا الإشكال بمجموعة من الأجوبة نكتفي بذكر اثنين منها بالإضافة الى صلاحية جواب الاشكال الاوّل لأن يجاب به عن هذا الإشكال.

الجواب الأوّل : انّه بناء على انّه المجعول في الأمارات هو الطريقيّة وتتميم الكشف لا يكون لهذا الإشكال محصل ، وذلك لأنّ أدلّة الحجيّة للخبر ـ بناء على هذا المبنى ـ متصدّية لتتميم ما نقص من كاشفيّة الإمارة « الخبر » ، وليس لها نظر الى مضمون الأمارة وانّها ذات أثر شرعي أو ليست ذات أثر شرعي ، ومن هنا لا معنى لاشتراط ثبوت الحجيّة للخبر باشتماله على أثر شرعي. وبذلك يسقط أساس الإشكال.

الجواب الثاني : وهو يناسب تمام

٨٣

المباني المذكورة لما هو المجعول في الامارات ، وحاصله كما أفاد السيّد الخوئي رحمه‌الله انّه لا دليل من الكتاب والسنّة على اناطة ثبوت الحجيّة للخبر باشتمال مضمونه على أثر شرعي ، وانّما اشترط ذلك في الخبر باعتبار ما يدركه العقل من لغوية تصدّي الشارع لجعل الحجيّة الشرعيّة للخبر في حالة لا يكون للخبر أي أثر شرعي ، وواضح انّ هذا المقدار لا ينتج الإشكال المذكور ، لوضوح عدم لغوية جعل الحجيّة لسلسلة السند إذا كان سينتج عن ذلك ثبوت حكم شرعي بل انّ ذلك هو المناسب للحكمة.

والمتحصّل انّه يكفي في ثبوت الحجيّة للخبر مساهمته في إثبات الحكم الشرعي.

* * *

٣٢٠ ـ الخبر الحسن

وهو الخبر المروي عن الإمامي الممدوح ، هذا إذا كان قد وصل الى المتلقي بواسطة واحدة ، وأمّا إذا وصل عبر وسائط متعدّدة فهو يتّصف بالحسن اذا كان جميع الوسائط من الإماميّة المنصوص على مدحهم أو اشتملت الوسائط على امامي ممدوح وكان بقيّة من اشتمل عليه السند من الإماميّة العدول ، أمّا لو اشتمل السند على ثقات من غير الإماميّة فإنّ اتّصاف الخبر بالحسن حينئذ مبني على انّ الثقة المخالف أعلى رتبة من الإمامي الممدوح.

ثمّ انّ مدح الإمامي المصحّح لاتّصاف روايته بالحسن هل هو مطلق المدح بغير التوثيق أو المدح المقبول أو المدح بالصلاح أو المدح مطلقا بشرط أن لا يكون معارضا بذم مقبول؟

الظاهر من المنقول عن الشهيد رحمه‌الله في الذكرى هو الاوّل كما انّ الثاني هو ما تبنّاه الشهيد الثاني رحمه‌الله في كتابه الرعاية في علم الدراية ، ونسب ابن الشهيد الثاني رحمهما الله لوالده القول الرابع.

* * *

٨٤

٣٢١ ـ الخبر الحسّي والخبر الحدسي

ينقسم الخبر بلحاظ مضمونه إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأوّل : يعبّر عنه بالخبر الحسّي ، وهو الذي يكون مضمونه مدركا بواحد من أدوات الحسّ كالبصر والسمع على أن يتمّ إحراز تلقّي المخبر له بالوسائل الحسّيّة. فقد يكون مضمون الخبر قابلا لأن يدرك بالحسّ إلاّ أنّ المخبر لم يكن قد تلقّاه كذلك وإنّما حدسه حدسا.

ومثال ذلك الإخبار بموت زيد ، فإنّ هذا المضمون قابل لأن يدرك بالحسّ ، فلو أحرزنا حينئذ أنّ المخبر به قد تلقّاه بواسطة الحسّ فإنّ الخبر يصبح عندئذ حسّيّا ، وأمّا لو أحرزنا أنّه تلقّاه بغير ذلك ، كما لو سمع البكاء في بيت زيد فعلم أنّه قد مات ، فلو أخبر اعتمادا على ذلك فإنّ هذا الإخبار لا يكون حسّيّا.

القسم الثاني : ويعبّر عنه بالخبر الحدسي ، وهو الذي تمّ تحصيله للمخبر عن طريق إعمال الفكر واجتهاد الرأي ، فسواء كان مضمون الخبر قابلا لأن يدرك بالحسّ أو لم يكن كذلك فالخبر يكون حدسيّا إذا تمّ تحصيله عن طريق الاجتهاد والاستنباط.

ومثال ذلك الإخبار عن تمدّد مطلق الحديد بالحرارة فإنّ هذا المضمون لا يكون قابلا للإدراك الحسّي ، وذلك لأنّ مشاهدة تمدّد الحديد بالحرارة وإن كان متاحا في بعض الأفراد إلاّ أنّ ملاحظة جميع أفراد الحديد ، وهي تتمدّد بالحرارة غير ممكن خصوصا وأنّ الإطلاق في الخبر يقتضي الشمول لما تلف من الحديد في الزمان الماضي ولما سيكون في مستقبل الزمان ، وذلك غير ممكن عادة ، فلا بدّ وأن يكون الإطلاق قد اعتمد على مثل أنّ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد ، أو على أنّ الصدفة لا تكون أكثريّة ، وهذا معناه اعتماد الاجتهاد وسيلة في تحصيل الخبر ، ولذلك يكون مثل هذا الخبر حدسيّا.

٨٥

وهكذا يكون الخبر حدسيّا لو اعتمد المخبر طريق الاجتهاد في تحصيله حتّى وإن كان المضمون قابلا للإدراك الحسّي.

ومثال ذلك إخبار المسجون بدخول الشهر القمري فإنّ هذا المضمون وإن كان قابلا للإدراك الحسّي إلاّ أنّه لا بدّ من البناء على حدسيّته لإحراز أنّ المخبر قد حصّله بواسطة الحدس.

القسم الثالث : ويعبّر عنه بالخبر الحدسي القريب من الحسّ ، وهو الذي يكون مضمونه غير قابل للإدراك الحسّي إلاّ أنّ لوازمه وآثاره حسّيّة ، وبذلك يكون قريبا من الحسّ نظرا لعدم احتياج إدراكه لأكثر من ملاحظة الآثار واللوازم الحسّيّة ، وعندها يستنتج الذهن دون عناية زائدة وجود الملزوم والذي هو مضمون الخبر.

مثلا : الإخبار عن شجاعة زيد إخبار عن مضمون حدسي لأنّ الشجاعة أمر نفساني غير قابل للإدراك الحسّي إلاّ أنّ للشجاعة آثارا ولوازم حسّيّة ينتج عن ملاحظة صدورها من أحد إحراز اشتماله على ملكة الشجاعة. فعند ما نشاهد أحدا يقتحم ميادين الحروب دون اكتراث ويصارع أبطالها وفرسانها دون أن يتراجع أو يتلكّأ ، ويصدر ذلك منه مرارا وتكرارا فإنّ مثل هذه المشاهد تعبّر عن رباطة جأشه وشجاعة قلبه.

فالشجاعة وإن كانت غير قابلة للإدراك الحسّي نظرا لكونها من الملكات النفسانيّة إلاّ أنّها قريبة من المدركات الحسيّة باعتبار أنّ إدراكها ينتج عن الملاحظة الحسّيّة لآثارها.

وباتّضاح أقسام الخبر نتمكّن من توضيح موضوع الحجّيّة لخبر الثقة وأنّه يتمحّض في الخبر الحسّي ، وكذلك الخبر الحدسي القريب من الحسّ ، وأمّا الخبر الحدسي فلا تشمله أدلّة الحجّيّة لخبر الثقة ، وذلك لأنّ عمدة ما يستدلّ به على حجّيّة الخبر هو السيرة العقلائيّة والقدر المحرز من سيرتهم هو ذلك.

٨٦

٣٢٢ ـ الخبر الصحيح

وهو الخبر المروي عن الإمامي العدل ، واذا كان وصوله تمّ بوسائط متعدّدة ـ كما هو الحال بالنسبة للروايات الواصلة إلينا ـ فهو يتّصف بالصحيح إذا كان جميع الوسائط من الإماميّة المنصوص على عدالتهم.

وذكر صاحب الوسائل رحمه‌الله وغيره من الأعلام انّ الخبر الصحيح يشمل مطلق الأخبار المعتمدة عند الطائفة سواء كان منشأ اعتماده هو وثاقة رواته أو تواتره أو احتفافه بالقرائن المصحّحة للاعتماد عليه ، وانّ تصنيف الأخبار الى الصحيح والحسن والموثّق والضعيف استحدث في زمن العلامة الحلّي رحمه‌الله أو شيخه أحمد بن طاوس رحمه‌الله وإلاّ فالأخبار قبل استحداث هذا التصنيف على قسمين :

إمّا صحيح وهو المعتمد عند الطائفة أو ضعيف وهو غير المعتمد عندهم.

* * *

٣٢٣ ـ الخبر الضعيف

وهو الخبر الذي اشتملت بعض وسائطه على راو مجروح أو مجهول أو مهمل ، أو كانت بعض حلقات سنده مفقودة.

وبتعبير أشمل : انّ الخبر الضعيف هو كلّ خبر لا يتوفر على شرائط أقسام الخبر الثلاثة « الصحيح ـ والحسن ـ والموثّق » ، ثمّ انّ الضعف تتفاوت درجاته بمقدار ما يبتعد عن الشرائط المعتبرة في الأقسام الثلاثة.

هذا بحسب اصطلاح المتأخّرين كالعلاّمة والشهيدين رحمهم‌الله ، وأمّا بحسب اصطلاح المتقدّمين فالضعيف هو مطلق الخبر غير المعتمد سواء كان منشأ عدم اعتماده هو ضعف رواته أو بعضهم ، أو كان منشأ ذلك هو عدم نقله عن الاصول المعتمدة أو كان غير ذلك من المناشئ.

على انّ عدم وثاقة رواة الخبر لا يلازم اتّصاف الخبر بالضعف في اصطلاح القدماء ، فقد يكون بعض

٨٧

رواة الخبر ضعاف إلاّ انّه معتمد عند مشهور القدماء ومنقول في كتب الاصول المعتمدة ، وعندئذ يكون الخبر باصطلاحهم من قسم الصحيح.

* * *

٣٢٤ ـ الخبر المتواتر

وهو الخبر الذي بلغ رواته حدّا يمتنع معه تواطؤهم على الكذب أو اتّفاق خطئهم ، على أن تكون هذه الضابطة مطردة في جميع الطبقات ، كأن يروي الخبر جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب عن جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب وهكذا حتى تنتهي حلقات السند الى المعصوم عليه‌السلام.

وإلاّ فلو كان التواتر مختصا بالطبقة الاولى والثانية مثلا ثمّ وصل إلينا بطرق لا تبلغ حدّ التواتر فإنّ الخبر حينئذ لا يتّصف بالتواتر وانّما يكون وصفه بأحد أقسام الخبر تابع لادنى مرتبة اشتملت عليها حلقات السند.

نعم يمكن التعبير عنه في بعض الحالات بالخبر المنقول بالتواتر فيما لو أخبر الثقة عن جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب ، وقد يطلق الخبر المنقول بالتواتر في حالة تصريح المخبر الواحد الثقة بأنّ الخبر الذي ينقله متواتر.

وكيف كان فقد ادعى البعض انّ التواتر لا يحصل إلاّ أن يكون عدد المخبرين اثني عشر أو أكثر في كلّ طبقة ، وذلك بعدد النقباء ( وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ) (١) ، وبعضهم ادعى اشتراط ان لا يقل العدد عن عشرين لقوله تعالى : ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) (٢) ، وادعى بعض آخر اشتراط أن لا يقل العدد عن سبعين ، وذلك لقوله تعالى : ( وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا ) (٣) ، وترقى بعضهم وادعى اشتراط ان لا يقل العدد عن ثلاث مائة وثلاثة عشر ، عدد أهل بدر.

هذا وقد اكتفى البعض بالعشرة لقوله تعالى : ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) (٤) ، وذهب بعض آخر الى انّه يحصل بالسبعة قياسا على غسل الإناء من ولوغ الكلب ، وتنزّل بعضهم الى

٨٨

الخمسة قياسا على اللعان ، وبعضهم الى الاربعة بعدد شهود الزنا.

هذا وقد احتمل بعض العلماء انّ هذه الأقوال ملفقة ، إذ لم تنسب لأحد ولا نعرف أحدا يتبنّى واحدا منها ، فنقول : انّه لو اتّفق ان تبنّى أحد بعض هذه الأقوال فهو يعبّر عن حظّه من الفهم ، إذ لا تعدو عن كونها هلوسات يتفكّه بها الطلبة في مجالسهم ، ولو كان الأمر كذلك لأمكن أن نقول : انّ التواتر يحصل بالستّة أو الخمسة لقوله تعالى ( وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ ) (٥) أو انّه يحصل بتسعة عشر رجلا لقوله تعالى ( عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) (٦) أو بثلاثة عشر عدد زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو انّ التواتر يحصل إذا كان عدد المخبرين ألفا لقوله تعالى ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (٧).

هذا وقد فصلنا الحديث عن التواتر تحت عنوانه وبينا ما هي الضابطة التي متى توفّرت اتّصف الخبر بالمتواتر.

* * *

٣٢٥ ـ الخبر المستفيض

والمقصود منه الخبر الذي وصل الينا بطرق ثلاثة تامّة ، بمعنى أن لا تكون هذه الطرق متداخلة فيما بينها بل انّها مستقلّة من لدن المخبر عن الامام عليه‌السلام مباشرة الى ان وصلت الينا ، وبعضهم ذكر انّ الخبر المستفيض هو ما كان له طريقان مستقلاّن فأكثر.

وقد يعبّر عن الخبر المستفيض بالمشهور إلاّ انّ الشهيد الثاني رحمه‌الله احتمل انّ الخبر المشهور أعمّ مطلقا من الخبر المستفيض بأن يكون الخبر المشهور شاملا للمستفيض ولكلّ خبر تعدّدت طرقه ولو في وسط السلسلة السنديّة ، كما قد يطلق المشهور على الخبر المشتهر على الألسنة وان لم يكن له سوى طريق واحد.

ثمّ انّه قد يطلق المستفيض على الخبر المتظافر ، وان كان لا يبعد تباين المراد منهما كما هو مقتضى استعمالات الفقهاء ، وذلك لأنّ الخبر المتظافر

٨٩

يطلق على الأخبار المتكثرة والمتعدّدة لفظا وسندا والمتّحدة مضمونا ، ويحتمل أن الخبر المتظافر أعمّ مطلقا من المستفيض.

* * *

٣٢٦ ـ الخبر الموثّق

والمقصود من الخبر الموثّق أو القوي هو ما يكون راويه ثقة ، وهذا التعريف انّما هو ناظر الى ما إذا كان المتلقي للخبر قد تلقاه عمن يخبر عن المعصوم عليه‌السلام مباشرة ، وأمّا اذا كان المتلقي للخبر قد وصل إليه عبر وسائط متعدّدة فإنّ هذا الخبر لا يكون موثقا إلاّ إذا كان جميع رواته ثقات أو كانت السلسلة السنديّة مشتملة على من هو ثقة وان كان سائر من اشتمل عليهم السند عدولا ، إذ انّ النتيجة تتّبع أخسّ المقدّمات ، وباعتبار انّ الثقة أقلّ رتبة من العدل فانّ الخبر يتّصف بسببه بالموثق.

أمّا لو اشتمل السند على الامامي الممدوح مع اشتماله على الثقة فهل يتّصف الخبر بالموثّق باعتبار انّ الثقة أقلّ رتبة من الإمامي الممدوح فتتبع النتيجة أخسّ المقدّمات ، أو انّ الخبر يتّصف بالحسن باعتبار انّ الإمامي الممدوح أقلّ رتبة من الثقة وان كان مخالفا.

الظاهر من العلماء هو الاوّل وانّ الخبر الحسن أقوى من الموثّق خصوصا مع القول بانّ الحسن هو ما كان رواية امامي ممدوح بمدح مقبول ، وأمّا مع عدم التقييد بالمقبوليّة فالظاهر منهم اتّصاف الخبر في الفرض المذكور بالحسن لا أقلّ في حالات عدم مقبوليّة المدح ، وحينئذ يكون الخبر الموثّق أقوى من الحسن ، ولهذا يتّصف الخبر بالحسن ، وذلك لأن الخبر يتّصف بأضعف من اشتمل عليه السند.

وبهذا يتّضح الحال فيما لو كان أحد الواقعين في سلسلة السند ضعيفا فإنّه لا ريب في اتّصاف الخبر بالضعيف وان اتّفق وثاقة بقيّة السند.

ثم انّ المراد من الثقة في اصطلاح

٩٠

علماء الدراية هو من ثبتت وثاقته بطريق معتبر وكان فاسد العقيدة ، أي لم يكن اماميا اثني عشريا ، كأن كان مخالفا أو منتميا لاحدى الفرق المنسوبة للشيعة الاماميّة ، كالفطحيّة والواقفة.

* * *

٣٢٧ ـ الخبر الموثوق

وهو كلّ خبر اكتنف بما يوجب الوثوق بصدوره عند العقلاء ، وبهذا تكون النسبة بين الخبر الموثّق والخبر الموثوق هي العموم من وجه ، فقد يكون الخبر موثقا وموثوقا كما هو الحالة الغالبة ، ويكون منشأ الوثوق حينئذ هي وثاقة الراوي أو هي مع قرائن اخرى ، كأن يكون الموثّق مشهورا بالشهرة العمليّة أو الروائيّة.

وقد يكون موثقا إلاّ انّه غير موثوق بصدوره ، كما لو أعرض المشهور عنه بناء على انّ الإعراض موجب لسقوط الخبر عن الاعتبار وان منشأ السقوط هو عدم الوثوق بصدوره ، وهذا هو المبنى المعروف.

وقد يكون الخبر موثوقا إلاّ انّه غير موثّق ، كما في الخبر الضعيف الذي اشتهر العمل به بين القدماء ، وهذا هو منشأ دعوى انّ الشهرة جابرة لضعف الخبر السندي.

وهكذا الكلام في النسبة بين الخبر الموثوق والخبر الصحيح والحسن والضعيف ، وأمّا النسبة بين الخبر الموثوق وبين أقسام الخبر الأربعة من حيث الحجيّة فهي العموم المطلق ، فكلّ خبر موثوق فهو حجّة إلاّ انّه ليس كلّ خبر من الاقسام الأربعة حجّة إذ قد يكون حجّة ـ لو كان موثوقا ـ وقد لا يكون كذلك. إلاّ انّ هذه النسبة مبنيّة على انّ موضوع الحجيّة هو الوثوق ، وأمّا بناء على انّ موضوع الحجيّة هي وثاقة الراوي الشاملة للعدالة والحسن فإنّ النسبة تنعكس.

* * *

٩١

٣٢٨ ـ خبر الواحد

لخبر الواحد اصطلاحان في علم الاصول والدراية :

الأوّل : هو كلّ خبر لم يبلغ حدّ التواتر أو لم يكن محتفا بقرائن توجب القطع بصدوره ، وبناء على هذا المعنى يكون الخبر الواحد صادقا على الخبر الذي ليس له سوى راو واحد من كلّ طبقة بقطع النظر عن حال هذا الراوي. ويكون الخبر الواحد صادقا أيضا على الخبر المستفيض وغيره من الأقسام المذكورة للخبر عدا المتواتر والمحفوف بالقرائن القطعيّة.

الثاني : انّ خبر الواحد هو الخبر الضعيف الساقط عن الاعتبار إمّا لضعف رواته مع كونه غير مجبور بالشهرة أو لاشتمال متنه على ما يوجب سقوطه عن الاعتبار ، كأن مضطربا ، وبناء على هذا المعنى يكون الخبر الموثق قسيما له وكذلك المستفيض والمجبور بعمل المشهور وسائر أقسام الخبر المعتبرة. وهذا بخلاف المعنى الاول حيث يكون خبر الواحد مقسما لتمام هذه الأقسام بقطع النظر عن المعتبر منها والساقط عن الاعتبار.

ولمّا كان بيان أقسام الخبر الواحد من شئون علم الدراية ، وانّ الذي يتصدى له علم الاصول انّما هو البحث عن حجيّة خبر الواحد وما هو المقدار الذي قامت الأدلّة على ثبوت الحجيّة له لمّا كان كذلك فسوف لن نتعرض لبيان هذه الأقسام إلاّ بالمقدار المذكور في علم الاصول.

* * *

٣٢٩ ـ الخطابات الشفاهيّة

المقصود من الخطابات الشفاهيّة هو الخطابات المشتملة على أدوات الخطاب مثل حروف النداء أو يا المخاطبة أو تاء المخاطبة وهكذا. ويقع البحث تحت هذا العنوان عن انّ الخطابات الشفاهيّة هل هي مختصّة بالحاضرين مجلس الخطاب أو تعمّ الغائبين الأعم من الموجودين في زمن

٩٢

الخطاب والمعدومين؟ ولو كان هذا هو محلّ النزاع لكانت الخطابات الغير المشتملة على أدوات الخطاب خارجة عن محل النزاع.

ولكي يتحرّر محلّ النزاع نقول : انّ الشيخ صاحب الكفاية رحمه‌الله أفاد بأنّ محلّ النزاع يمكن تصويره في ثلاثة مواطن :

الأوّل : انّ التكليف المستفاد من الخطابات الشرعيّة هل يمكن شموله للغائبين عن مجلس الخطاب الأعم من الموجودين في زمن الخطاب والمعدومين. وبناء على ذلك ينسحب النزاع الى الخطابات غير الشفاهيّة أيضا ، كما انّ البحث عندئذ يكون عقليّا.

الثاني : انّه هل يمكن توجيه الخطاب للغائبين والمعدومين أو لا؟

والبحث عندئذ يكون عقليا أيضا ، إذ انّ البحث عن امكان واستحالة مخاطبة غير الحاضرين مجلس الخطاب لا يمكن تحصيل الجواب عليه إلاّ بواسطة ما يدركه العقل.

الثالث : انّ أدوات الخطاب هل هي موضوعة لإفادة اختصاص الخطاب بالمشافهين بحيث يكون استعمالها لمخاطبة الغائبين أو المعدومين استعمالا في غير ما وضعت له أدوات الخطاب أو أنّها وضعت لمخاطبة الأعم من الحاضرين والغائبين والمعدومين.

هذا هو حاصل ما أفاده صاحب الكفاية رحمه‌الله ، وأمّا المحقّق النائيني رحمه‌الله فحصر محلّ النزاع في موردين ، وهما الثاني والثالث إلاّ انّ السيد الخوئي رحمه‌الله أفاد بأنّ ما ينبغي أن يكون محلا للنزاع هو الثالث فحسب ، وذلك لأنّ المورد الأوّل لا معنى لوقوع النزاع فيه ، إذ لو كان المراد من تكليف المعدومين هو التكليف الفعلي المقتضي للانبعاث عن الأمر والانزجار عن النهي والمستوجب للمسئوليّة وثبوت العهدة لكان ذلك مستحيلا بلا ريب ، إذ انّ فعليّة التكليف منوطة بتحقّق موضوع التكليف خارجا ، أي منوطة بوجود المكلّف العاقل القادر ، فافتراض انعدام المكلّف يساوق

٩٣

افتراض انتفاء موضوع التكليف والذي هو مناط الفعليّة. وهكذا عند ما يكون المكلّف غائبا فإنّ ذلك يساوق عدم التفاته وهو ما يقتضي انتفاء الفعليّة عن ، إذ هي منوطة بالتفات المكلّف.

وأمّا لو كان المراد من التكليف هو الحكم بمرتبة الجعل والإنشاء فلا ريب في امكانه بعد أن كان الحكم بمرتبة الجعل والإنشاء مجعول على الموضوع المقدّر الوجود ، فأيّ محذور في أن يعتبر المولى الحكم على المكلّف المقدر الوجود والذي هو الموضوع ، وعندها تكون فعليّة التكليف منوطة بوجود المكلّف.

وأمّا المورد الثاني فكذلك لا معنى لوقوع النزاع فيه ، إذ لو كان المراد من توجيه الخطاب للغائبين والمعدومين هو مخاطبتهم حقيقة وبقصد التفهيم فهو مستحيل ، إذ انّ مخاطبة العاقل لغير الملتفت بقصد التفهيم غير معقولة لو كان ملتفتا الى غفلة المخاطب فتكون عدم معقوليّة مخاطبة الغائبين والمعدومين أوضح.

نعم لو كان الغرض من الخطاب هو قصد التفهيم ولكن حين وصول الخطاب للغائب أو المعدوم لا حين صدوره الخطاب من المتكلّم فإنّ ذلك ممكن بلا ريب ، فلا محذور في ان يقصد الكاتب من خطابه المكتوب تفهيم المخاطب بمضمونه حين وصول الخطاب اليه.

وأمّا لو كان المراد من مخاطبة الغائبين والمعدومين ابراز الحسرة والتأسف أو العجز أو أي قصد لا يتصل بقصد التفهيم فإمكانه أوضح من أن يخفى ، وبذلك يتعيّن مورد النزاع في الثالث.

وهو البحث عمّا وضعت له أدوات الخطاب ، فهل هي موضوعة لإفادة الخطاب الحقيقي والذي يعني توجيه الخطاب بقصد التفهيم ، أو هي موضوعة للخطاب الإنشائي والذي يعني إنشاء الخطاب بداع من الدواعي كما هو الحال في انشاء الاستفهام وانشاء التمنّي.

٩٤

وبناء على الأول تكون الخطابات الشفاهيّة مختصّة بالحاضرين مجلس الخطاب ولا تشمل الغائبين والمعدومين ، بل بناء عليه تكون الخطابات الشفاهيّة مختصّة بالحاضرين مجلس الخطاب حال التفاتهم دون الغافلين منهم ، إذ لا يمكن توجيه الخطاب الحقيقي للغافل كما هو واضح.

وأمّا لو كانت الخطابات الشفاهيّة موضوعة للخطاب الإنشائي فإنّه لا مانع من شمولها للغائبين والمعدومين ، إذ لا محذور حينئذ من انشاء خطاب لمعدوم بعد افتراضه موجودا بداع من الدواعي كإبراز الحسرة أو الندامة أو غير ذلك.

ثم تبنّى السيّد الخوئي رحمه‌الله أن أدوات الخطاب موضوعة لإفادة الخطاب الإنشائي ، وادعى انّ ذلك هو المتفاهم العرفي من أدوات الخطاب ، إذ لا نشعر بأدنى مسامحة من مخاطبة الجمادات. ومن هنا تكون الخطابات الشفاهيّة ظاهرة في عموم مدخولها ، أي ليست مختصّة بالحاضرين مجلس الخطاب بل تشمل الغائبين والمعدومين في زمن الخطاب.

٩٥

هوامش حرف الخاء

(١) سورة المائدة : ١٢.

(٢) سورة الأنفال : ٦٥.

(٣) سورة الأعراف : ١٥٥.

(٤) سورة البقرة : ١٩٦.

(٥) سورة الكهف : ٢٢.

(٦) سورة المدثر : ٣٠.

(٧) سورة القدر : ٣.

٩٦

حرف الدال

٩٧

عناوين حرف الدال

٣٣٠ ـ دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة

٣٤٧ ـ دلالة فعل المعصوم (ع)

٣٣١ ـ الدلالة

٣٤٨ ـ الدليل الاجتهادي والدليل الفقاهتي

٣٣٢ ـ الدلالة الاستعماليّة

٣٤٩ ـ الدليل الإنّي والدليل اللمّي

٣٣٣ ـ دلالة الإشارة

٣٥٠ ـ الدليل الشرعي

٣٣٤ ـ دلالة الاقتضاء

٣٥١ ـ الدليل العقلي

٣٣٥ ـ الدلالة الالتزاميّة

٣٥٢ ـ الدليل اللبّي

٣٣٦ ـ دلالة الإيماء والتنبيه

٣٥٣ ـ الدليل المحرز

٣٣٧ ـ الدلالة التصديقيّة

٣٥٤ ـ دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

٣٣٨ ـ الدلالة التصديقيّة الاولى

٣٥٥ ـ دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليّين

٣٣٩ ـ الدلالة التصوريّة

٣٥٦ ـ دوران الأمر بين التخصيص والنسخ

٣٤٠ ـ الدلالة التضمنيّة

٣٥٧ ـ دوران الأمر بين التعيين والتخيير

٣٤١ ـ الدلالة التفهيميّة

٣٥٨ ـ دوران الأمر بين الشرطيّة

٣٤٢ ـ الدلالة الجدّيّة

والجزئيّة وبين المانعيّة

٣٤٣ ـ دلالة السكوت والتقرير

٣٥٩ ـ دوران الأمر بين المتباينين

٣٤٤ ـ الدلالة المطابقيّة

٣٦٠ ـ دوران الأمر بين محذورين

٣٤٥ ـ الدلالة الوضعيّة

٣٤٧ ـ دلالة فعل المعصوم (ع)

٣٤٦ ـ الدلالة الوضعيّة تصوريّة أو تصديقيّة؟

٣٤٨ ـ الدليل الاجتهادي والدليل الفقاهتي

٩٨

حرف الدال

٣٣٠ ـ دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة

والمدعى انّ هذه القاعدة من القواعد العقلائية والتي يستكشف إمضاء الشارع لها بواسطة عدم الردع عنها رغم استحكامها في المرتكزات العقلائيّة والجري على وفقها في شئونهم اليوميّة ، فعدم التصدي للردع عنها لو لم تكن متناسبة مع المتبنيات الشرعية يهدّد بانسحابها الى الشئون الشرعيّة ، وهذا ما ينافي حكمة الشارع لو لم تكن متناسبه مع أغراضه ممّا يعبّر عدم الردع عن امضائه لهذه القاعدة ومناسبتها لأغراضه ومتبنياته ، وبهذا يصحّ الاستناد إليها في الشئون الشرعيّة.

هذا هو أقصى ما يمكن أن تقرّر به حجيّة هذه القاعدة ، وقبل التعرّف على تماميّة هذه الدعوى أو عدم تماميّتها لا بدّ من البحث عن حدود هذه القاعدة. وهنا مجموعة من الاحتمالات :

الاحتمال الاول : انّ هذه القاعدة مطردة في تمام الحالات التي يدور فيها الأمر بين دفع المفسدة وجلب المصلحة ، أي سواء كانت المفسدة أقوى من المصلحة أو كانت المصلحة هي الأقوى ، فدفع المفسدة دائما هو المقدّم مهما تعاظمت المصلحة المقابلة لها ومهما تضاءلت المفسدة المنافية لجلب المصلحة ، من غير فرق بين أن يكون متعلّق الدوران فعلا واحدا ، كما لو كان الفعل مشتملا على مصلحة

٩٩

ومفسدة معا فإنّ المقدّم هو جانب المفسدة ، وعليه لا بدّ من ترك هذا الفعل دفعا للمفسدة وان كان سيؤدي ذلك الى فوات المصلحة الأهمّ أو الأقل أهميّة. أو كان متعلّق الدوران فعلين إلاّ انّه تضييق قدرة المكلّف عن التحفّظ عليهما ، وحينئذ يكون المقدّم هو ترك أو فعل ما يوجب دفع المفسدة وان أدى ذلك الى فوات المصلحة الأهمّ أو الأقلّ أهميّة.

الاحتمال الثاني : انّ القاعدة مطردة ولكن في خصوص المفسدة والمصلحة الخطيرتين ، بمعنى انّ دفع المفسدة الخطيرة مقدم على جلب المصلحة الخطيرة وان كانت أكثر أهميّة من دفع المفسدة المترتّبة.

الاحتمال الثالث : انّ مورد القاعدة هو ما لو دار الأمر بين دفع المفسدة أو جلب المصلحة في حالة تساويهما في الأهميّة ، فالمقدم هو دفع المفسدة من غير فرق بين أن يكون متعلّق الدوران فعلا واحدا أو فعلين.

الاحتمال الرابع : انّ مورد القاعدة هو حالة الدوران مع افتراض أهميّة دفع المفسدة.

الاحتمال الخامس : وهو أوسع من الأوّل بأن يفترض شمول القاعدة لحالات عدم العلم باشتمال الفعلين أو الفعل على المصلحة والمفسدة إلاّ انّه مع احتمال المفسدة واحتمال المصلحة يكون المقدم ما يحتمل معه المفسدة ، بمعنى الالتزام بما يوجب دفع المفسدة المحتملة.

ومثاله : ما لو قدّم لنا طعام نحتمل انّه نافع كما نحتمل انّه ضار ، فحينئذ يكون المقدم هو تركه ، لأنّ تركه يوجب دفع المفسدة المحتملة.

وهذا الاحتمال ينحل الى الاحتمالات الأربعة ، وهي امّا الاطلاق بمعنى ترجيح دفع المفسدة حتى لو كانت المفسدة المحتملة أضعف من المصلحة المحتملة أو اختصاصه بحالات كون المحتمل من المفسدة والمصلحة خطيرا لو اتّفق موافقته للواقع ، أو تقييد الترجيح بحالات التساوي ، أو تقييده بحالات أقوائية

١٠٠