المعجم الأصولي - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

قولان مثلا ، والعلماء إمّا أنّهم قائلون بالأوّل أو أنّهم قائلون بالثاني ، وليس ثمّة من يذهب إلى قول ثالث في تلك المسألة فإنّ معنى ذلك هو إجماعهم على عدم صوابيّة غير القولين ، وهذا هو معنى القول بعدم الفصل.

فالقائلون بالرأي الأوّل وإن كانوا يرون عدم صوابيّة الرأي الثاني وهكذا العكس أيضا إلاّ أنّهم جميعا يتّفقون على عدم صوابيّة القول الثالث لأنّ لازم التبنّي للقول الأوّل هو عدم صحّة القول الثالث ، ولازم القول الثاني هو عدم صوابيّة القول الثالث أيضا.

وبذلك يتبيّن أنّ القول بعدم الفصل لا يتحقّق إلاّ حينما يكون الانحصار بين القولين الأوّلين محرزا ، أمّا حينما لا يكون الأمر كذلك وكان من المحتمل وجود قول ثالث للمسألة فإنّ من غير الممكن دعوى الإجماع على عدم القول الثالث لمجرّد عدم الوقوف عليه ، وهذا هو ما يعبّر عنه بعدم القول بالفصل.

ويمكن التمثيل للفرضين بالعصير العنبي إذا غلا ولم يذهب ثلثاه ، فبعض الفقهاء ذهب إلى نجاسته وبعضهم قال بطهارته ولم يذهب أحد إلى نجاسته مع عدم سراية نجاسته للملاقي.

وعليه يمكن دعوى قيام الإجماع على نفي القول الثالث ، وذلك لانحصار الأقوال في المسألة بالقولين الأوّلين ، وذلك هو ما يصحّح القول بعدم الفصل أي القول بقيام الإجماع على نفي غير القولين الأوّلين.

وأمّا مثال الفرض الثاني فهو ما لو ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة العصير العنبي وذهب البعض الآخر إلى إباحته بالمعنى الأخصّ ولم نقف على قول بكراهة شربه إلاّ أنّنا لا نحرز عدم وجود من يقول بالكراهة ، لذلك لا يكون البناء على الكراهة قولا بالفصل ، وذلك لعدم القول بالفصل ، أي عدم وجود إجماع على نفي غير القولين الأوّلين.

* * *

٤٩٢ ـ قول اللغوي

عادة ما يقع البحث تحت هذا

٤٠١

العنوان عن حجّيّة قول اللغويّين فيما يتّصل بمعاني المفردات اللغويّة التي يذكرونها في كتبهم ، وأمّا ما يتّصل بمعاني الاشتقاقات المفردة كهيئة اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة ـ والتي يتصدّى لتبيانها علماء الصرف عادة ـ فهي خارجة عن مورد اهتمامهم في هذا البحث ، وكذلك ما يتّصل بمعاني هيئات الجمل الاسميّة والفعليّة والشرطيّة وغيرها وهيئة فعل الأمر والنهي والتي يتصدّى لتبيانها علماء المعاني فإنّها خارجة أيضا عن مورد اهتمامهم في هذا البحث وإن كانوا قد بحثوها مفصّلا في موارد أخرى من علم الأصول صغرويّا وكبرويّا.

فمورد البحث إذن يتمحّض فيما يذكره علماء اللغة من معان للمفردات الاسميّة وموادّ الأفعال.

وجهة البحث عن ذلك هي في صحّة الاعتماد على ما يدّعونه من أنّ الألفاظ حقيقة في المعاني التي يذكرونها أو أنّه لا يصحّ في ذلك الاعتماد على قولهم.

وبتعبير آخر :

هل أنّ الشارع تعبّدنا بحجّيّة قول اللغوي بحيث يمكن الاعتماد عليه في إثبات أنّ هذا اللفظ حقيقة في هذا المعنى أم أنّ الأمر ليس كذلك؟

وهنا أمر لا بدّ من التنبيه عليه وهو أنّ البحث عن حجّيّة قول اللغوي إنّما يكون في ظرف الشكّ فيما هو الموضوع له اللفظ. فالبحث بتعبير آخر عن مرجعيّة قول اللغوي في تحديد الأوضاع اللغويّة عند الشكّ وعدم العلم بما هو الموضوع للألفاظ ، وأمّا في ظرف العلم أو الاطمئنان بالوضع اللغوي للفظ معيّن فإنّه لا معنى للرجوع إلى قول اللغويّين.

هذا وقد ذهب أساطين الأصوليّين إلى عدم حجّيّة قول اللغوي إلاّ أنّ ذلك لا يلغي فائدة الرجوع إليه لغرض اتّخاذه واحدا من الوسائل المنتج مجموعها استظهار المعاني والمرادات الجدّيّة للكلام.

وبتعبير آخر : إنّ عدم القدرة على الوصول إلى المعنى الموضوع له اللفظ

٤٠٢

لا يساوق عدم القدرة على الوصول إلى المرادات الجدّيّة للمتكلّم ، فثمّة وسائل وضوابط يعتمدها العرف وأهل المحاورة في مقام استظهار المعاني المرادة للمتكلّم ومنها الرجوع إلى قول اللغوي إمّا للاستئناس بقوله أو للتعرّف على ما يستعمله العرب من ألفاظ عند إرادة إيصال بعض المعاني.

* * *

٤٩٣ ـ القياس الاصولي

يطلق القياس عند من يقول به على معنيين :

المعنى الأوّل : وهو المعنى الذي استقرّت عليه آراء المجتهدين من أبناء العامّة ، وهو ان كانت كلماتهم في تعريفه وضبطه مشوشة جدا إلاّ انّ حاصلها هو ما سنذكره ، وهو انّ القياس عبارة عن استنباط حكم موضوع مجهول الحكم بواسطة حكم موضوع معلوم.

وبتعبير آخر : هو تعدية حكم ثابت لموضوع الى موضوع آخر ، وهذا الاستنباط وهذه التعدية تخضع لمبرّر يعبّر عنه بالعلّة ، والتعرّف على العلّة يتمّ بواسطة مجموعة من الوسائل ، منها النصّ على علّة جعل الحكم لموضوعه ، وهو المعبّر عنه بقياس منصوص العلّة ، ومنها السبر والتقسيم ، ومنها تنقيح المناط ، ومنها الحدس والاستحسان ، ومنها تخريج المناط والدوران ويعبّر عن مجموع هذه الطرق بقياس مستنبط العلّة.

ثمّ انّهم ذكروا انّ القياس بهذا المعنى يشتمل على أركان أربعة :

الأوّل : هو الأصل ، وهو عبارة عن الموضوع المعلوم الحكم ويعبّر عنه بالمقيس عليه.

الثاني : هو الفرع ، وهو الموضوع المجهول الحكم والذي يراد تعدية الحكم الثابت للموضوع الأوّل له ، ويعبّر عنه بالمقيس.

الثالث : الحكم الثابت للأصل والذي يراد تعديته للفرع.

الرابع : العلّة والتي تكون واسطة في تعدية الحكم من الموضوع الاوّل

٤٠٣

« الأصل » الى الموضوع المجهول الحكم « الفرع » باعتبار انّ الموضوع الثاني إذا كان واجدا لنفس علّة ثبوت الحكم للموضوع الاوّل فهذا يقتضي اشتراكهما في الحكم.

وبهذا يتّضح انّ القياس يتقوّم بموضوعين وحكم وعلّة. هذا هو حاصل المراد من المعنى الاوّل ، وأمّا بيان المراد من قياس منصوص العلّة وقياس مستنبط العلّة وما ينقسمان عليه فسنفرد لكلّ واحد منهما بحثا مستقلا.

المعنى الثاني : انّ المراد من القياس هو علل الأحكام الواقعيّة المدركة بالعقل ، فهي المقياس الذي يجب اخضاع تمام النصوص الشرعيّة وكذلك الأحكام الثابتة بوسائل اخرى غير النصوص مثل الإجماع والسير العقلائيّة والمتشرعيّة والشهرات الفتوائيّة يجب اخضاعها وعرضها جميعا على هذه العلل فما كان منها مناسبا لمقتضيات هذه العلل عبّر ذلك عن صوابيتها ومطابقتها للشريعة ، وما كان منها منافيا لمقتضياتها فهي ليست من الشريعة ، فلا يكون العمل بها سائغا.

وهذا المعنى كان رائجا في القرن الثاني الهجري ، وقد حملت لواءه مدرسة الرأي والتي يتزعمها أبو حنيفة ، فهو وان كانت له جذور متّصلة بزمن الخلافة الاولى ، حيث تبنّى مجموعة من الصحابة هذا المسلك فأخضعوا النصوص لهذا المقياس إلاّ انّه تبلور وأخذ طابع المنهجيّة في القرن الثاني الهجري ، وأدّى ذلك الى تحكيم الرأي في تفسير القرآن الكريم ، كما نشأ عنه اسقاط كثير من الروايات على أساس انّها منافية لمقتضيات العلل المدركة بالعقل ، كما انّه ابتكرت كثير من الأحكام ونسبت للشريعة باعتبار دعوى مناسبتها لمقتضيات العلل الواقعيّة المستوحاة من العقل ، كما هي الدعوى.

وقد تصدى أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام لهذه المدرسة التي استقطبت قطاعات كبيرة من علماء العامّة وذلك بواسطة المناظرات مع أقطاب هذه المدرسة

٤٠٤

وبواسطة الأحاديث الابتدائيّة والأجوبة على المسائل.

وقد توسّل أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام لذلك بعرض الأدلّة والنقوض والمنبهات المعبّرة عن فساد هذه المنهجيّة وما يترتّب عليها من مضاعفات خطيرة ، وقد اسهم ذلك مساهمة بليغة في تضاؤل هذه المدرسة ومحاصرتها وعدم انسحابها الى الفكر الأصولي الشيعي.

إلاّ انّها أخذت في البروز في العصر الراهن ولكنّها اكتست ثوبا جديدا يخيل اليهم من جهلهم انّها تسعى ، فيعبّر عنها تارة بعقلنة الفقه واخرى بروح الشريعة كما يعبّر عنها بغايات الدين ، وكأنّهم من حضّار المجلس التشريعي الذي عقده الله تعالى حينما أراد جعل الأحكام ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

( ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) (٢).

* * *

٤٩٤ ـ قياس مستنبط العلّة

اتّضح ممّا ذكرناه تحت عنوان « القياس الاصولي » انّ المعنى الأوّل هو المعنى الرائج بينهم وانّه يعني تعدية حكم ثابت لموضوع الى موضوع آخر ، وذلك للإتّحاد بين الموضوعين في العلّة.

والمقصود من العلّة اجمالا ـ وقد أوضحنا المراد منها تحت عنوان « العلّة والحكمة » ـ والمقصود منها الملاك الذي ينشأ عنه جعل الحكم لموضوعه أو العلامة التي جعلها الشارع وسيلة لاستكشاف موارد ثبوت الحكم دون أن تكون هذه العلامة هي المناط لجعل الحكم.

وباتّضاح المراد من العلّة نقول انّها تارة تكون منصوصة ، بمعنى انّ الشارع قد نصّ على انّها المناط من جعل الحكم على موضوعه أو نصّ على انّها العلامة والضابطة لاستكشاف موارد الحكم ، وتارة لا تكون منصوصة فيتعيّن انّها مستنبطة ،

٤٠٥

أي متصيدة باحدى الوسائل المنتجة للظنّ أو القطع بكون هذا الشيء هو العلّة بالمعنى الاول أو الثاني.

وبذلك يتّضح انّ قياس مستنبط العلّة هو الذي يتمّ فيه تعدية حكم ثابت لموضوعه الى موضوع آخر ، وذلك لاتّحادهما في العلّة المستنبطة.

وبهذا تعرف انّ هذا النحو من القياس تبذل فيه عنايتان ، الاولى هي التحرّي عن العلّة ، والثانية هي تعدية الحكم المعلوم من موضوعه الى الموضوع المجهول الحكم ، وتمام الأقسام المذكورة لهذا النحو من القياس انّما هي بلحاظ الاولى.

وقبل استعراض هذه الأقسام نذكر هذا التطبيق ليتّضح به معنى استنباط العلّة ، مثلا : عند ما نقف على هذا الحكم وهو حرمة التصرّف في مال اليتيم المستفاد من قوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ ) ، فإنّه لم تذكر العلّة صريحا في الآية المباركة لا بالمعنى الاول ولا بالمعنى الثاني ، وعلينا هنا ان نستنبط العلّة من حرمة التصرّف في مال اليتيم.

فإذا تعلّق الغرض باستنباط العلّة بالمعنى الأوّل فهذا يقتضي البحث عن ملاك جعل الشارع الحرمة على التصرّف في مال اليتيم ، فنقول : انّ التصرّف في مال اليتيم ظلم ، إذن العلّة والملاك من جعل الحرمة على التصرّف في مال اليتيم هو الظلم ، وبهذا نتمكّن من نفي الحرمة عن التصرّف في أمواله لو لم يكن في ذلك التصرّف ظلم ، كما نتمكّن من إثبات الحرمة للتصرّف في أيّ مال إذا كان في ذلك التصرّف ظلم.

أمّا إذا تعلّق الغرض بالمعنى الثاني فهذا يقتضي مثلا تجريد لفظ اليتيم من مضمونه الدلالي ليكتسب وصف الضابطة الكاشفة عن موارد الحكم ، كأن يقال انّ المراد جدّا من اليتيم هو كلّ من لا يستطيع التصرّف في أمواله بصورة تعود بالنفع عليه.

وبهذا التجريد نتمكّن من اثبات الحرمة لمجموعة من الموضوعات مثل السفيه والمجنون والمغلوب على أمره

٤٠٦

لاستضعاف أو قهر أما الى ذلك.

ثمّ انّ لاستنباط العلّة مجموعة من الطرق ، وهذه الطرق هي المعبّر عنها بأقسام قياس مستنبط العلّة.

القسم الاول : استنباط العلّة بواسطة الدوران ، بمعنى أن نجد انّ الحكم يدور مدار شيء وجودا وعدما دون التصريح بأنّ ذلك هو مدار الحكم ، وحينئذ نستكشف انّ علّة ثبوت الحكم لموضوعه انّما هو ذلك الشيء ، إمّا لأنّه مناط الحكم وعلّة جعله أو لأنّه الضابطة التي يتعرف بها على موارد ثبوت الحكم ، إذ لا معنى للدوران غير أحد هذين الأمرين.

ومثاله : وجوب الإعتداد على المرأة ، فنلاحظ انّ الشارع أوجب الإعتداد على المرأة لو طلقت بعد الدخول بها ونفى عنها وجوب الإعتداد لو طلّقت ولم يكن زوجها قد دخل بها أو كانت صغيرة أو يائسا ، وهذا معناه انّ وجوب الإعتداد يدور مدار أهليّتها للحمل.

وهذه هي العلّة المستنبطة ، وهي من العلل بالمعنى الثاني ، وبها نتمكّن من نفي وجوب الإعتداد على المطلقة لو كانت مقلوعة الرحم مثلا ، إذ انّها منطبق لهذه الضابطة المستنبطة ، وكذلك لو قطعنا بواسطة الوسائل العلميّة انّها عقيمة أو انّ زوجها كان عقيما أو انّها أو زوجها كان يستعملان موانع الحمل أو كان زوجها قد دخل بها في وقت أثبت العلم انّه لا يمكن معه الإخصاب ، فإنّ تمام هذه الموارد منطبق لهذه الضابطة المستنبطة.

والملاحظة التي ترد على هذه الوسيلة هو انّ الدوران يرجع دائما الى الاستقراء والتتبّع ، فنحن انّما نصل للدوران بواسطة تتبع واستقراء موارد ثبوت الحكم واستقراء موارد انتفاء الحكم وبواسطته نتمكّن من احراز دوران الثبوت والانتفاء مدار شيء معيّن ، وواضح انّنا لا نتمكّن من احراز الدوران إلاّ مع الاستقراء التام ، أما مع افتراض كون الاستقراء ناقصا فلا يمكن معه احراز الدوران.

٤٠٧

وبهذا لا يتأهّل الدوران الناشئ عن الاستقراء الناقص للكشف عن علّة ثبوت الحكم وانتفائه ، إذ لعلّ بعض الموارد التي لم نتحصّل عليها بالاستقراء تكون مانعة عن تحقّق الدوران ، ومن الواضح جدّا انّ الاستقراء في الشرعيّات دائما يكون ناقصا ، لأنّ المفترض هو الجهل بحكم هذه الموضوعات والتي يراد بواسطة الدوران الناشئ عن الاستقراء التعرّف على حكمها.

ففي المثال المذكور عثرنا بواسطة الاستقراء على بعض الموارد التي ثبت فيها وجوب الإعتداد وعثرنا كذلك على بعض الموارد التي كان وجوب الإعتداد منفيّا عنها وبقيت موارد لا ندري ما هو حكم الله تعالى فيها ، وحينئذ كيف نحرز الدوران مع احتمال انّه لو وصل إلينا حكم الله لكان مانعا عن ثبوت دوران وجوب الإعتداد وعدمه مدار الأهلية للحمل ، فلا سبيل لإحراز الدوران بعد اناطته بالاستقراء التام والمفترض عدمه ، إذ مع تماميّة الاستقراء لا تكون ثمّة فائدة للدوران واستنباط العلّة.

نعم مع الاستقراء الناقص يحصل الظنّ بالدوران إلاّ انّ الظنّ ساقط عن الاعتبار بلا ريب إلاّ أن يقوم دليل قطعي على اعتبار هذا النحو من الظنّ وإلاّ فالأصل في الظنّ هو عدم الحجيّة كما هو ثابت بالآيات والروايات والدليل العقلي القطعي ، إذ انّ نسبة فعل أو قول لأحد بمجرّد الظنّ قبيح ويشتد القبح حينما يكون الإسناد بغير علم للشارع المقدّس.

القسم الثاني : استنباط العلّة بواسطة المناسبات العقليّة ويعبّر عنها بتخريج المناط أي تعيينه ، ومورد هذا القسم هو أن نجد انّ الشارع جعل حكما على موضوع ولم يصرّح بالعلّة إلاّ انّ المناسبات العقليّة تقتضي أن تكون العلّة من ثبوت الحكم لموضوعه شيئا معيّنا ، وحينئذ يكون هذا الشيء المستنبط بواسطة المناسبات العقليّة صالحا لأن يستكشف به حكم موضوعات اخرى

٤٠٨

متوفّرة على هذه المناسبة العقليّة.

ومعنى المناسبة العقليّة هو إدراك العقل لوجه التناسب بين الحكم وموضوعه ، وهذا الوجه هو المعبّر عنه بالعلّة والمناط المستنبط والمستخرج.

ومثاله : ان يجعل الشارع وجوب الزكاة في النقدين المضروبين بسكّة المعاملة ، فإنّه لم يصرّح في خطاب الوجوب بالعلّة إلاّ انّ العقل يستنبط من ملاحظة نحو التناسب بين الحكم والموضوع انّ العلّة من ايجاب الزكاة في النقدين هو انّهما مدار المعاملات التجاريّة كالبيع والإجارة والمضاربة وغيرها ، ومن هنا نتمكّن من تعميم الحكم بالإيجاب ليشمل كلّ مال اتّفق ان صار مدار المعاملات التجاريّة ، كالأوراق النقديّة ، كما نتمكّن من نفي الوجوب للزكاة عن النقدين لو أصبح التعامل بهما ثانويا فلم يكونا مدارا في المعاملات رغم بقائهما مضروبين بسكّة المعاملة ، وذلك لأنّ الأحكام تابعة لموضوعاتها وجودا وعدما والمفترض انّ موضوع وجوب الزكاة ليس هو النقدين المضروبين بسكّة المعاملة بل هو المال الواقع مدارا في المعاملات كما هو مقتضى العلّة المستنبطة بواسطة المناسبات العقليّة.

والإشكال على هذا القسم من أقسام العلّة المستنبطة انّه وسيلة عائمة لا تخضع لضوابط علميّة معرفية فإنّ مدركات العقل لا تخلو امّا أن تكون من قبيل مدركات العقل النظري أو انّها من قبيل مدركات العقل العملي فلا بدّ من إثبات انّ هذه المناسبة العقليّة راجعة لأحد هذين المدركين العقليين وإلاّ فلا تعدو الوهم أو الظن.

وبتعبير آخر : انّ المدركات العقليّة بقسميها لا تكون إلاّ قطعيّة فليس للعقل أحكام أو قل مدركات ظنيّة ، فالعقل إمّا أن يدرك الشيء بنحو قطعي أو لا يدركه أم ان يحتمله أو يظنّه فهذا يساوق عدم الإدراك والحكم.

وحينئذ نقول : انّ المولى جعل الوجوب على موضوع ولم يصرّح

٤٠٩

بشيء آخر فهنا كيف يمكن للعقل أن يحور في ذلك ويقفز الى ما وراء الغيب ليتعرّف على واقع الموضوع وانّه أوسع ممّا هو مذكور أو أضيق رغم افتراض انّ الموضوع المذكور في الخطاب لا يعبّر لا بمدلوله اللغوي ولا العرفي عن ذلك فليس ثمّة سوى الحدس والظنّ والذي لا يغني عن الحقّ شيئا ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) فهل يقبل أحد من المقننين ان تتصرّف الرعيّة في موضوعات أحكامه لتوسّع منها أو تضيق اعتمادا على الحدس والظنّ ، وهل يقبل العقلاء اعتذار من اعتذر بالمناسبات العقليّة لذلك رغم انّه لا سبيل للتعرّف على أغراض أحد إلاّ بواسطة ما يعبّر عنه بكلامه أو سلوكه ، وهذا ما يتّصل بالاستظهار لا بالمناسبات العقليّة.

القسم الثالث والرابع : قد أوضحناهما تحت عنواني « السبر والتقسيم » و « تنقيح المناط ».

* * *

٤٩٥ ـ قياس منصوص العلّة

والمراد منه تعدية حكم ثابت لموضوع الى موضوع آخر ، وذلك لاتّحادهما في العلّة المنصوصة. والمراد من العلّة المنصوصة هي العلّة ـ بقسميها ـ التي تمّ استكشافها بواسطة ظواهر الكتاب والسنّة.

وليعلم انّ العلّة المنصوصة التي تصحّح تعدية الحكم من موضوع الى آخر يشترك معه في العلّة لا بدّ وان تكون هي مدار الحكم ثبوتا وعدما ، ولا بدّ وان يستكشف ذلك بواسطة الاستظهارات التي تخضع للضوابط المقرّرة عند أهل المحاورة والمتفاهم العرفي ، وأمّا إذا لم يكن من الممكن استظهار ذلك فإنّ ما هو مذكور في النصّ لا يعدو عن كونه حكمة ، وحينئذ لا يصحّ تعدية الحكم الى موضوعات اخرى بواسطتها.

على انّ التعدية التي تتمّ بواسطة العلّة يجب أن لا تأخذ مساحة أوسع ممّا يقتضيه الظهور العرفي للعلّة المذكورة ،

٤١٠

ومع عدم الالتزام بهذين الشرطين تكون العلّة مستنبطة لا منصوصة.

ومع الالتزام بما ذكرناه يكون التعبير عن هذا الفرض بالقياس مجرّد اصطلاح وإلاّ فهو من الاجتهاد في فهم النصّ المعتمد على الضوابط العرفيّة التي تكون واسطة في فهم مرادات المتكلّم.

وهذا النحو من القياس ـ لو صحّ اطلاق عنوان القياس عليه ـ مورد قبول مشهور الاصوليين من الاماميّة.

* * *

٤٩٦ ـ قيام الاصول مقام القطع

الأصول تارة تكون محرزة وتارة لا تكون كذلك ، والاصول المحرزة هي ما يكون لها نحو كشف عن الواقع ، وأمّا الاصول غير المحرزة فتتمحّض في انّها وظائف مقرّرة في ظرف الشكّ كما أوضحنا ذلك في محلّه.

والبحث هنا في انّها هل تقوم مقام القطع الطريقي ومقام القطع الموضوعي الطريقي والصفتي أو لا؟

وتصوير قيامها مقامه بنفس التقريب الذي ذكرناه في قيام الأمارات مقامه ، فراجع.

* * *

٤٩٧ ـ قيام الأمارة مقام القطع الطريقي

المراد من قيام الأمارة مقام القطع الطريقي هو انّها تأخذ نفس الدور الذي يقوم به القطع الطريقي وهو تنجيز مؤدّاها لو اتّفق مطابقته للواقع وتعذير المكلّف عند العمل بمؤداها لو اتّفق منافاة المؤدى للواقع ، وهذا الدور هو الذي يقوم به القطع الطريقي.

وبتعبير آخر : لو قام الدليل القطعي على ثبوت الوجوب لشيء فإنّ هذا الدليل القطعي يقتضي تنجيز متعلّقه على المكلّف لو اتّفق مطابقة متعلّق القطع وهو وجوب الشيء للواقع ، ولو قام الدليل القطعي على اباحة شيء فإنّ هذا الدليل القطعي يقتضي تعذير المكلّف لو ارتكب ذلك الشيء واتّفق منافاته للواقع وانّ الواقع هو الحرمة. وهذا هو معنى منجزيّة ومعذريّة

٤١١

القطع ، ومعنى قيام الأمارة مقام القطع الطريقي هو انّها تقوم بنفس الدور الذي يقوم به القطع الطريقي.

فلو قام الدليل الظنّي المعتبر على وجوب شيء فإنّ هذا الوجوب يكون منجّز لو اتّفق مطابقته للواقع ، ولو قام الدليل الظني على اباحة شيء واتّفق ان كان ذلك الشيء حراما واقعا فإنّ المكلّف معذور في ارتكابه اعتمادا على الأمارة ، فتكون الأمارة كالقطع منجّزة ومعذرة.

والظاهر تسالم الاصوليين على ثبوت هذا الدور للأمارة المعتبرة ، وذلك لقيام الأدلّة القطعيّة على حجيّتها ، والذي هو معنى ثان لثبوت هذا الدور لها.

٤٩٨ ـ قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الصفتي

أي انّه لو أخذ القطع في موضوع حكم باعتباره صفة نفسانيّة لا باعتباره كاشفا عن متعلّقه ، فهل انّ قيام الأمارة يغني عن القطع المأخوذ في الموضوع بنحو الصفتيّة ، بمعنى انّه كما يترتّب الحكم المأخوذ في موضوعه القطع الصفتي كما يترتّب عند تحقّق القطع فهل يترتّب عند تحقّق الأمارة أو انّ الأمارة لا يؤدي قيامها الى ترتب الحكم المأخوذ في موضوعه القطع الصفتي.

الظاهر انّ المتسالم عليه بين الأعلام هو البناء على عدم قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الصفتي ، وذلك لأنّ الملحوظ في القطع الموضوعي الصفتي انّما هو حيثيّة كونه صفة قائمة بالنفس لا حيثيّة كشفه عن متعلّقه ، وهذا ما يصيّر القطع متمحّضا في كونه واحدا من الصفات النفسانيّة المأخوذة في موضوع حكم من الأحكام كالحبّ والبغض والعدالة بناء على انّها ملكة ، ومن الواضح انّ فرض قيام الأمارات مقام القطع انّما هو على أساس انّ للأمارات كاشفيّة عن الواقع غايته انّها كاشفيّة ناقصة فيكون دور الشارع هو تتميم هذه الكاشفيّة أو جعل المنجزيّة والمعذريّة الثابتة للقطع للأمارة أو ان ينزّل مؤداها منزلة

٤١٢

الواقع ، وكلّ ذلك انّما يتّصل بالقطع من جهة كشفه عن متعلّقه ، والمفروض انّ القطع المأخوذ في الموضوع لم يلحظ هذه الجهة وانّما لاحظ القطع من جهة انّه صفة قائمة بالنفس.

* * *

٤٩٩ ـ قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي

عرفنا من بحث القطع الموضوعي الطريقي انّه عبارة عن أخذ القطع في موضوع حكم من الأحكام باعتباره طريقا وكاشفا عن متعلّقه ، وحينئذ لو حصل القطع الطريقي المأخوذ في موضوع الحكم فإنّه لا ريب في ترتب الحكم.

وانّما الكلام فيما لو لم يحصل القطع وقام الدليل المعتبر على تحقّق متعلّق القطع ، فهل يترتّب الحكم المناط بالقطع الموضوعي الطريقي أو لا؟ فلو كنّا نقول بقيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي فإنّ قيام الدليل الظنّي يغني عن القطع الموضوعي الطريقي ويؤدي الى ترتّب الحكم ، ولو كنّا نقول بعدم قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي فإنّ قيام الدليل الظنّي لا ينفع في ترتّب الحكم المأخوذ في موضوعه القطع بنحو الطريقيّة.

مثلا : لو قال المولى إذا قطعت بدخول الوقت وجبت عليك الصلاة ، فحينئذ لو قطع المكلّف بدخول الوقت فإنّه يترتّب على ذلك وجوب الصلاة ، أمّا لو لم يقطع بذلك إلاّ انّه قامت الأمارة المعتبرة على دخول الوقت فهل انّ ذلك يوجب ترتّب الحكم وهو وجوب الصلاة أو لا؟

فقيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي معناه هنا ترتب الحكم وهو وجوب الصلاة بقيام الأمارة على دخول الوقت.

والمعروف بين الأعلام هو قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي خلافا لصاحب الكفاية رحمه‌الله ، ومستندهم في ذلك هو انّ أدلّة الحجيّة للأمارة قاضية بذلك ، وتقريب ذلك يختلف باختلاف المباني فيما هو المجعول في الأمارة ، وبيانه خارج عن الغرض.

٤١٣

هوامش حرف القاف

(١) سورة البقرة : ١٨٧.

(٢) سورة الكهف : ٥١.

٤١٤

حرف الكاف

٤١٥

عناوين حرف الكاف

٥٠٠ ـ كان التامّة والناقصة

٥٠١ ـ الكراهة

٥٠٢ ـ الكشف الانسدادي

٥٠٣ ـ الكلّي الطبيعي

٥٠٤ ـ الكلّي العقلي

٥٠٥ ـ الكلّي المنطقي

٤١٦

حرف الكاف

٥٠٠ ـ كان التامّة والناقصة

المراد من كان التامّة هي المفيدة لمعنى الوجود ، واسنادها لمعمولها يفيد ثبوت الوجود له ، فحينما يقال « كان زيد » فإنّ معناه وجد زيد.

ولذلك قلنا في الحمل البسيط انّه ما كان بنحو مفاد كان التامّة ، وقلنا في الجعل البسيط انّه ما كان بنحو مفاد كان التامّة ، وذلك لأنّ المحمول في الحمل البسيط هو الوجود والمجعول في الجعل البسيط هو الوجود ، والوجود هو تعبير آخر عن كان التامّة.

ومنشأ التعبير عن كان بالتامّة هو انّها تكتفي بمرفوعها ويكون فاعلا لها شأنها شأن سائر الأفعال اللازمة التامّة.

وأمّا المراد من كان الناقصة فهي ما أفادت ثبوت شيء لشيء بعد الفراغ عن ثبوت المثبت له وهو الموضوع ، أي بعد الفراغ عن ثبوت الموضوع وتقرّره في عالم الوجود ، فحينما يقال : « كان زيد عالما » فإنّ معناه ثبوت العالميّة لزيد بعد تقرّر وجود زيد خارجا.

ومن هنا قلنا في الحمل المركّب انّه ما كان بمفاد كان الناقصة والتي يتمّ بها إثبات شيء لشيء ، فالمحمول في الحمل المركّب يكون أثرا من آثار الموضوع أو عرضا من أعراضه.

وقلنا في الجعل التأليفي انّه ما كان بمفاد كان الناقصة والذي هو جعل شيء لشيء أو جعل شيء شيئا ، فالحمل المركّب والجعل التأليفي

٤١٧

يشتركان في انّ واقعهما هو ثبوت شيء لشيء بعد الفراغ عن ثبوت المثبت له.

ومنشأ التعبير عن كان بالناقصة هو انّها لا تكتفي بمرفوعها والذي يكون اسما لها بل انّ الجملة المشتملة عليها لا تكون تامّة إلا معمول آخر يكون خبرا لها ومنصوبا بها ، وهو الأثر أو العرض الذي يثبت للموضوع الواقع اسما لكان الناقصة.

* * *

٥٠١ ـ الكراهة

الكراهة حكم تكليفي من الأحكام الخمسة ومعناه طلب ترك الفعل لا على نحو الإلزام أو قل هو الزجر عن الفعل مع الترخيص في ارتكابه.

والتعبير عنه بالكراهة إشارة إلى ملاك جعله واعتباره ، إذ أنّ الملاك من جعل الحكم الكراهتي هو اشتمال متعلّقه على مرتبة من المبغوضيّة والكراهة.

وأمّا المكروه فهو الفعل الذي وقع متعلّقا للحكم بالكراهة ، فالمكروه وصف للفعل المطلوب تركه طلبا غير إلزامي.

* * *

٥٠٢ ـ الكشف الانسدادي

المراد من الكشف الانسدادي ـ والذي هو في مقابل الحكومة ـ انّ العقل بعد تماميّة مقدّمات الانسداد يكشف عن جعل الشارع الحجيّة لمطلق الظنّ ، فدور العقل بناء على الكشف هو دور الواسطة في الإثبات ، أي إثبات جعل الشارع الحجيّة للظنّ المطلق.

ثمّ انّ تماميّة مسلك الكشف منوط بأمرين أساسيّين :

الأوّل : هو تماميّة دعوى الإجماع على عدم وجوب الاحتياط سواء كان معقد الإجماع هو حرمة الاحتياط أو كان معقده هو عدم تعيّن الاحتياط ، فإنّه على كلا التقديرين يكون صالحا للمساهمة في كشف العقل عن جعل الشارع الحجيّة للظنّ المطلق.

الثاني : أن تكون المظنونات

٤١٨

متنجّزة بمنجّز سابق على منجزيّة مطلق الظنّ ، كما لو كانت هذه المظنونات واقعة طرفا للعلم الإجمالي وإلاّ لو ثبت انّ هذه المظنونات مجرى للاصول المؤمنة فإنّه لا سبيل لكشف العقل عن جعل الشارع الحجيّة للظنّ المطلق.

* * *

٥٠٣ ـ الكلّي الطبيعي

اختلف الأعلام في تفسير الكلّي الطبيعي :

التفسير الأوّل : وهو الذي ذهب إليه الحكيم السبزواري رحمه‌الله في منظومته من انّ الكلّي الطبيعي هو الماهيّة اللابشرط المقسمي ، والمراد من الماهيّة اللابشرط المقسمي هي الماهيّة الملحوظ معها عنوان مقسميّتها لأقسام الماهيّة مثل الماهيّة المجرّدة والماهيّة المطلقة والماهيّة المخلوطة.

وبتعبير آخر : انّ الماهيّة مثل مفهوم الإنسان قد تلاحظ بما هي هي أي لا يلحظ معها سوى الذات والذاتيات ، كأن نلاحظ الإنسان بما هو إنسان أو بما هو حيوان ناطق ، ولا يلاحظ مع ماهيّة الإنسان شيء آخر خارج عن ذات الإنسان وذاتياته حتّى ملاحظة اختصاص النظر بذات الإنسان وذاتياته غير ملحوظ ، وهذه هي الماهيّة المهملة ، وحينئذ ان لاحظنا مع هذه الماهيّة شيئا خارجا عن ذاتها وذاتيّتها وهو كونها مقسما للماهيّة المجرّدة والمخلوطة والمطلقة فعندئذ تصبح هذه الماهيّة ماهيّة لا بشرط المقسمي ، أي انّه لاحظنا ماهيّة الإنسان باعتباره مقسما للإنسان بشرط تجرّده عن تمام العوارض وللإنسان بشرط اتّصافه بخصوصيّة خارجة عن ذاته وللإنسان بشرط الإطلاق والإرسال ان لاحظناها مقسما لهذا الأقسام فهذه هي الماهيّة اللابشرط المقسمي ، وهي الكلّي الطبيعي بنظر المحقّق السبزواري رحمه‌الله.

التفسير الثاني : وهو الذي ذهب اليه المحقّق النائيني رحمه‌الله من انّ الكلّي

٤١٩

الطبيعي هو الماهيّة اللابشرط القسمي ، وعلل ذلك بقوله انّ الكلّي الطبيعي هو حقيقة الشيء الذي يقال في جواب ما هو والجامع بين الأفراد الخارجيّة والمفترضة المتّفقة في الحقيقة.

ومن هنا يكون الكلّي الطبيعي هو الماهيّة اللابشرط القسمي ، إذ انّ الماهيّة اللابشرط القسمي تعني ملاحظة الماهيّة مع خصوصيّة هذه الخصوصيّة هي الإطلاق والإرسال ، ومن هنا تكون هذه الماهية صادقة على تمام الأفراد الموجودة والمقدرة باعتبارها الحقيقة المشتركة بين هذه الأفراد ، وهذا هو الكلّي الطبيعي بنظر المحقّق النائيني رحمه‌الله ، وهو الذي تبنّاه السيّد الصدر رحمه‌الله ، كما انّ هذا التفسير هو المستظهر من عبائر بعض المناطقة ، وسنوضّح هذا التفسير بما يناسب صياغة المناطقة ، في التفسير الرابع للكلي الطبيعي.

التفسير الثالث : وهو الذي ذهب إليه السيّد الخوئي رحمه‌الله وحاصله انّ الكلّي الطبيعي هو الماهيّة المهملة والتي يكون النظر لها مقصورا على الذات والذاتيّات ، فلا يلحظ معها حتى عنوان اهمالها وعنوان صلاحتها لأن تكون مقسما لأقسام الماهيّة ، والتعبير عنها بالمهملة انّما هو من جهة واقعها لا من جهة أخذ الإهمال في مفهومها.

وعلّل ذلك بأنّ الكلّي الطبيعي هو ما كان قابلا للانطباق على أفراده الخارجيّة ، وبهذا لا يكون الكلّي الطبيعي هو الماهيّة اللابشرط المقسمي ولا الماهية اللابشرط القسمي.

أمّا انّ الكلّي الطبيعي ليس هو الماهيّة اللابشرط المقسمي فلأنّ أخذ عنوان المقسميّة في الماهيّة يمنع عن قابليتها للانطباق على ما في الخارج ، وذلك لأنّ واقع الماهيّة اللابشرط المقسمي هو انّها عنوان منتزع عن عروض الأقسام الثلاثة على الماهيّة والتي هي المجرّدة والمخلوطة والمطلقة ، فمن عروض هذه التقسيمات على الماهيّة ينتزع العقل عنوان الماهيّة اللابشرط

٤٢٠