المعجم الأصولي - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

حرف الفاء

٤٦٨ ـ فتح الذرائع

الذريعة هي الوسيلة التي يتوسّل بها للوصول إلى الغرض ، والمراد من فتح الذرائع هو ايجاب الوسيلة التي يتوسّل بها لامتثال الوجوب ، وجعل الاستحباب لها لو كان المراد التوسّل بها لامتثال المستحبّ ، وأمّا لو كان حكم الفعل هو الإباحة ففتح الذرائع معناه اباحة الوسيلة التي يتوسّل بها لما هو مباح.

فالوسيلة تأخذ حكم ذيها من الوجوب والاستحباب والإباحة الاّ انّ ذا الوسيلة إذا كان محرما يكون تحريم الوسيلة من سدّ الذرائع لا من فتحها ، كما أوضحنا ذلك تحت عنوان « سد الذرائع ».

وهذا الاصطلاح غير مستعمل في اصول الإماميّة ، وما هو مستعمل عندهم هو المقدّمة ، فتارة تكون مقدّمة للحرام واخرى مقدّمة للواجب ، وقد تكون مقدّمة للمستحبّ والمكروه والمباح.

على انّ دعوى انّ الوسيلة تأخذ حكم ذي الوسيلة مطلقا ليس مقبولا عند الإماميّة ، نعم لا يمكن أن يكون ذو الوسيلة محرما ووسيلته المنحصرة واجبة أو يكون ذو الوسيلة واجبا والوسيلة المنحصرة لتحصيله محرّمة ، ولو كان كذلك فإنّ المسألة تكون من صغريات باب التزاحم ، فلو كان الوجوب أهمّ ملاكا فإنّ فعلية الحرمة الثابتة لذي الوسيلة أو للوسيلة منتفية ، وأمّا لو كانت الحرمة أهمّ

٣٦١

ملاكا فإنّ فعلية الوجوب لذي الوسيلة أو للوسيلة هي التي تكون منتفية.

وسوف نتعرّض لذلك بشيء من التفصيل في بحث المقدّمات ان شاء الله تعالى.

* * *

٤٦٩ ـ فحوى الخطاب

وهو تعبير آخر عن مفهوم الموافقة ، وقيل انّ منشأ التعبير عنه بالفحوى هو انّ انفهامه من مدلول الخطاب يكون قطعيا ، وقد أوضحناه بنحو التفصيل تحت عنوان « مفهوم الموافقة ».

* * *

٤٧٠ ـ الفرد المردد

قد شرحنا المراد منه تحت عنوان « استصحاب الفرد المردد ».

٣٦٢

حرف القاف

٣٦٣

عناوين حرف القاف

٤٧١ ـ القاطع والمانع

٤٨٨ ـ القطع الموضوعي الصفتي

٤٧٢ ـ قبح العقاب بلا بيان

٤٨٩ ـ القطع الموضوعي الطريقي

٤٧٣ ـ القبح الفعلي والقبح الفاعلي

٤٩٠ ـ القطع النوعي

٤٧٤ ـ القدر المتيقّن في مقام التخاطب

٤٩١ ـ القول بعدم الفصل

٤٧٥ ـ القدرة التكوينيّة بالمعنى الأعم

٤٩٢ ـ قول اللغوي

٤٧٦ ـ القدرة العقليّة والشرعيّة

٤٩٣ ـ القياس الاصولي

٤٧٧ ـ قرينة الحكمة

٤٩٤ ـ قياس مستنبط العلّة

٤٧٨ ـ القرينة اللبيّة

٤٩٥ ـ قياس منصوص العلّة

٤٧٩ ـ القرينة المتّصلة

٤٩٦ ـ قيام الاصول مقام القطع

٤٨٠ ـ القرينة المنفصلة

٤٩٧ ـ قيام الأمارة مقام القطع الطريقي

٤٨١ ـ القضايا الخارجيّة والقضايا الحقيقيّة

٤٩٨ ـ قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الصفتي

٤٨٢ ـ القطع

٤٩٩ ـ قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي

٤٨٣ ـ القطع الشخصي

٤٨٤ ـ القطع الطريقي

٤٨٥ ـ قطع القطّاع

٤٨٦ ـ القطع من الصفات الحقيقيّة ذات الإضافة

٤٨٧ ـ القطع الموضوعي

٣٦٤

حرف القاف

٤٧١ ـ القاطع والمانع

تنقسم المركبات الأعم من الخارجيّة والاعتباريّة الى قسمين ، فتارة تكون للمركب هيئة اتصاليّة وتارة لا تكون له هيئة اتصاليّة ، بمعنى انّ المركبات لا تكون مقتضية للأثر المنتظر من وجودها إلاّ حين ايجادها على هيئة وصورة متصلة ، فمع اتفاق ايجاد المركب بتمام أجزائه على غير تلك الصورة الاتصاليّة لا يكون الأثر المنتظر منه مترتبا ، ومن هنا يعبّر عن الهيئة الدخيلة في واجدية المركب للملاك واقتضائه لترتب الأثر يعبّر عنها بالجزء الصوري ، وهذا ما يعني انّ عدم تحصيله أو حصوله يساوق عدم وجود المركب التام.

وفي مقابل ذلك قد لا يكون للهيئة الاتصاليّة دخل في ترتّب الأثر المنتظر من وجود المركب وانّ واجدية المركب للملاك واقتضائه لترتب الأثر لا يناط بأكثر من وجود أجزاء المركب الأعم من الأجزاء الخارجيّة والتحليليّة.

وباتضاح هذه المقدّمة نقول : انّ القاطع لا يتصور إلاّ في المركبات ذات الهيئة الاتصاليّة ، وذلك لأنّ المراد من القاطع هو ما يوجب إزالة الهيئة الاتصاليّة والحيلولة دون وجود الجزء الصوري للمركب.

وهذا وان كان واضحا في المركبات الخارجيّة إلاّ انّ ثبوته في المركبات الاعتباريّة يحتاج الى دليل إثباتي ، بمعنى انّ الأمر بالمركب واعتباره على عهدة المكلّف لا يساوق اعتبار الهيئة

٣٦٥

الاتصاليّة للمركب.

وكيف كان فالتعبير بالقاطع لا يستعمل في كلمات الفقهاء إلاّ في خصوص الصلاة ، وذلك لاستظهار بعضهم اعتبار الهيئة الاتصالية في صحتها فيطلقون عنوان القاطع على كلّ ما يوجب فساد الصلاة اذا كان ايجابه للفساد مطلقا ، أي سواء اتّفق وقوعه حال الاشتغال بجزء من أجزاء الصلاة أو كان وقوعه في الأكوان المتخللة بين الأجزاء ، وذلك مثل الحدث والاستدبار فإنّ وقوعهما أثناء الصلاة موجب لفسادها مطلقا حتى لو اتفق وقوعهما أثناء الهوي للسجود والذي هو ليس من أجزاء الواجب.

وأمّا المانع فهو ما يكون مانعا عن صحة الصلاة لو اتفق وقوعه حين الاشتغال بأحد أجزاء الصلاة ، وذلك مثل لبس الذهب أو الحرير للرجل حين الاشتغال بالركوع أو السجود ، أما لو اتفق ذلك حين عدم الاشتغال بواحد من أجزاء الصلاة فإنّه لا يضرّ بصحة الصلاة.

٤٧٢ ـ قبح العقاب بلا بيان

قاعدة قبح العقاب بلا بيان من القواعد العقليّة المدركة بواسطة العقل العملي ، وهي مستند المشهور في البناء على جريان البراءة العقليّة ، وقد ذكر السيّد الصدر رحمه‌الله انّ هذه القاعدة تشكّل أحد الركنين الاساسيين للدليل العقلي في الفكر الاصولي ، والركن الثاني هو حجيّة القطع الناشئ عمّا يدركه العقل من حسن العقاب مع البيان ، وهي قاعدة عقليّة مضايفة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وكيف كان فلم تكن قاعدة قبح العقاب بلا بيان مطروحة بالمستوى الذي هي عليه الآن من النضوج والتبلور بل انّها كانت تتّجه اتّجاه لغويا حتى بعد ان عرضها الوحيد البهبهاني رحمه‌الله كما أفاد السيّد الصدر رحمه‌الله ، فقد كان صاحب الحاشية على المعالم وشريف العلماء رحمهما الله بل وحتى الشيخ الانصاري رحمه‌الله في بعض كلماته كانوا يعالجون القاعدة على أساس لغوي ،

٣٦٦

وقد تحدّثنا عن القاعدة ومراحل تطورها تحت عنوان « البراءة العقليّة ». وما يهمّنا في المقام هو بيان المراد من القاعدة وما هو منشأ الالتزام بها.

أمّا ما هو المراد من القاعدة فهو عبارة عن دعوى إدراك العقل لمحدوديّة حقّ الطاعة للمولى جلّ وعلا وانّها لا تتّسع لحالات عدم العلم بالتكليف ، ومنشأ إدراك العقل لذلك هو ما يدركه من قبح الإدانة والمؤاخذة على عدم امتثال العبد لتكليف غير معلوم ممّا يعبّر عن انّ حدود حقّ الطاعة للمولى تختصّ بموارد العلم بالتكليف.

فالبيان هو العلم ، والإدانة والمؤاخذة عند عدمه ممّا يستقل العقل بقبحه ، ومن هنا يكون المكلّف في سعة من جهة التكليف الواقعي غير المعلوم ، وهذا هو معنى البراءة العقليّة.

وقد ذكر الشيخ الأنصاري رحمه‌الله وكذلك بعض من سبقه كشريف العلماء رحمه‌الله وهكذا صاحب الحاشية على المعالم وغيرهم رحمهم‌الله ذكروا منبها على صحّة هذه الدعوى ، وحاصله :

انّ الرجوع الى ما عليه الأعراف العقلائيّة يؤكّد صحّة هذه الدعوى ، فإنّ الملاحظ من سيرتهم وما هو المركوز في جبلتهم فيما تقتضيه العلاقة بين الموالي والعبيد العرفيين هو عدم استحقاق الموالي للطاعة في موارد عدم علم العبد بأوامر أسيادهم ، فلو لم يمتثل العبد أوامر سيّده بسبب الجهل بها فإنّه ليس للسيّد مساءلته عن عدم الامتثال ، فلو سأله فاعتذر العبد عن عدم الامتثال بعدم العلم فأجابه السيّد بأنّه كان عليك الاحتياط لكان للعبد أن يقول لم أكن أعلم بايجابك الاحتياط ، وحينئذ تنقطع حجّة السيّد ، ممّا يعبّر عن عدم استحقاق السيّد للطاعة في حالات جهل العبد بالتكليف ، وحينئذ تكون معاقبته لعبده ممارسة بغير حقّ وهو الظلم القبيح ، هذا ما يدركه العقلاء ويعبّرون عنه بقبح العقاب بلا بيان.

ثمّ انّ المحقّق النائيني رحمه‌الله برهن على

٣٦٧

صوابية هذه القاعدة بما حاصله : انّ التكليف الإلزامي ما دام مجهولا لا مقتضي للانبعاث نحو امتثاله ، إذ الباعث نحو امتثال التكليف انّما هو التكليف بوجوده العلمي لا بوجوده الواقعي ، بمعنى انّ وجود التكليف في نفس الأمر والواقع لا يقتضي التحريك والبعث نحو امتثاله ، والذي يقتضي ذلك انّما هو العلم بالتكليف ، كما هو شأن سائر المنجّزات العقلائيّة مثل الأخطار ، فإنّها انّما توجب التحفّظ عن الوقوع فيها إذا كانت معلومة ، أمّا لو كان الخطر موجودا إلاّ انّه غير معلوم فإنّه لا يكون ثمّة مقتض للفرار منه والتحفّظ عن الوقوع فيه بل قد يقع في الخطر عن محض اختيار بتوهّم صلاحه وفائدته ، وهذا ما يكشف عن انّ الوجود الواقعي للخطر ليس موجبا للتحفّظ عنه وانّما الموجب لذلك هو العلم به ، ولهذا تجد الإنسان العاقل واقفا لا يحرّك ساكنا والذئب من ورائه وما ذلك إلاّ لعدم علمه بوجوده ، وذلك ما يعبّر عن انّ المحرّك للانبعاث أو الانزجار انّما هو العلم وليس الوجود الواقعي ، واذا كان كذلك فالتكليف لمّا كان مجهولا فلا شيء يقتضي التحرك والانبعاث نحو امتثاله.

وبتعبير آخر : امتثال التكليف لمّا كان من الأفعال الاختياريّة فهذا ما يقتضي نشوؤه عن الإرادة ، ومن الواضح تقوّم الإرادة بالعلم ، فمع افتراض عدم العلم لا يكون ثمّة محرّك وإرادة نحو امتثال التكليف ، وحينئذ تكون إدانته على ترك امتثال التكليف إدانة على ترك تكليف لم يكن ما يقتضي التحرّك عنه وهو قبيح.

* * *

٤٧٣ ـ القبح الفعلي والقبح الفاعلي

ذهب المحقّق النائيني رحمه‌الله الى انّ قبح التجرّي قبح فاعلي لا قبح فعلي ، وللفرق بين القبح الفعلي والقبح الفاعلي عدّة احتمالات :

الاحتمال الأوّل : انّ الفعل إذا قبيحا في نفسه وبعنوانه الأوّلي فقبحه

٣٦٨

فعلي ، ويمكن التمثيل له بسفك دم المؤمن بغير حقّ ، فإنّ قبح هذا الفعل غير مرتبط بقصد الفاعل بل هو بنفسه وبعنوانه الأولي قبيح ، ولهذا يمكن التعبير عن هذا القبح بالقبح الفعلي.

وأمّا القبح الفاعلي فهو صدور الفعل ممّن يعتقد قبحه ، فالمتّصف بالقبح هو الفعل أيضا ولكن لا بعنوانه الاولي فقد يكون الفعل بعنوانه الاولي ليس قبيحا ولكن باعتبار انّه صدر ممّن يعتقد قبحه أوجب ذلك ان يتّصف الفعل بالقبح الفاعلي.

فالقبح الفعلي والقبح الفاعلي كلاهما وصفان للفعل إلاّ انّ الاول وصف للفعل بعنوانه الاولي والثاني وصف للفعل بعنوانه الثانوي ، وبهذا يتّضح انّ القبح الفاعلي قد يجتمع مع القبح الفعلي وقد يفترق عنه ، فلو كان الفعل قبيحا في نفسه وكان صدوره من الفاعل باعتقاد قبحه فإنّ الفعل حينئذ يكون قبيحا بالقبح الفعلي والقبح الفاعلي ، وقد لا يكون الفعل بعنوانه الاولي قبيحا إلاّ انّه صدر ممّن يعتقد قبحه فإنّ ذلك يوجب اتّصاف الفعل بعنوانه الثانوي بالقبح الفاعلي.

ومثاله : ما لو أقدم شخص على قتل رجل باعتقاد انّه محقون الدم فاتّفق ان كان الرجل مهدور الدم ، فإنّ القتل ليس قبيحا بالقبح الفعلي إلاّ انّه قبيح بالقبح الفاعلي.

الاحتمال الثاني : انّ المتّصف بالقبح الفعلي هو ذات الفعل القبيح واقعا ، وأمّا المتّصف بالقبح الفاعلي فهو النسبة الواقعة بين الفعل والفاعل المعتقد بقبح الفعل ، والفرق بين هذا الاحتمال والاحتمال الاوّل هو انّ القبح الفاعلي هنا ليس وصفا للفعل وانّما هو وصف للنسبة الصدوريّة بخلاف الاحتمال الأوّل فإنّ القبح الفاعلي وصف للفعل بعنوانه الثانوي.

وبتعبير آخر : انّ الفعل عند ما يصدر عن الشخص باعتقاد انّه قبيح فإنّ ذلك لا يستوجب اتّصاف الفعل بالقبح وانّما الذي يتّصف بالقبح هو النسبة الصدوريّة المنتزعة عن قيام الفعل بالفاعل ، فإذا أمكن الإشارة الى

٣٦٩

هذه النسبة فإنّه يمكن وصفها بالقبح الفاعلي كما نصف العلّية بالانحصاريّة وعدم الانحصاريّة رغم انّه لا وجود لها والموجود خارجا انّما هو منشأ انتزاعها.

الاحتمال الثالث : انّ المتّصف بالقبح الفعلي هو ذات الفعل القبيح واقعا ، وأمّا المتّصف بالقبح الفاعلي فهو سريرة العبد ، فالقبح إذا وقع وصفا للسريرة يعبّر عنه بالقبح الفاعلي.

وبيان ذلك : انّ واقع الفعل لا ينقلب عمّا هو عليه ، فإذا لم يكن قبيحا واقعا فإنّه لا يتّصف بالقبح بمجرّد انّ صدوره عن المكلّف كان باعتقاد قبحه ، وانّما الذي يتّصف بالقبح هو ما يكشف عنه صدور الفعل ـ في هذه الحالة ـ وهو خبث السريرة ، فإنّ صدور الفعل باعتقاد قبحه يكشف عن خبث سريرة الفاعل ، فالمنكشف وهو خبث السريرة هو المتّصف بالقبح الفاعلي ، والمصحّح لوصف السريرة الخبيثة بالقبح الفاعلي هو قيامها بنفس الفاعل.

الاحتمال الرابع : انّ المتّصف بالقبح الفعلي هو ذات الفعل القبيح واقعا ، وأمّا المتّصف بالقبح الفاعلي فهو الفعل أيضا ولكن بعنوان صدوره عن شخصيّة ذات هويّة معيّنة تستوجب اكتساب الفعل الصادر عنها صفة القبح ، فاتّصاف الفعل بالقبح الفاعلي لا يتّصل بقصد الفاعل كما هو في الاحتمال الاول بل يتّصل بالسمة التي عليها الفاعل بقطع النظر عن قصده.

ويمكن التمثيل له بالأكل في الطرقات بمرأى من الناس فإنّه ليس قبيحا ذاتا كما انّ صدوره من سوقة الناس ليس قبيحا أيضا إلاّ انّ صدوره من العالم الوجيه قبيح ، وقبح هذا الفعل لا يتّصل بغرض الفاعل بل يتّصل بشخصه وعنوانه.

هذه هي المحتملات المذكورة للفرق بين القبح الفعلي والقبح الفاعلي ، والاحتمال الاول هو المستظهر من عبائر المحقّق النائيني رحمه‌الله في الفوائد ،

٣٧٠

والثالث هو المستظهر من تقريرات السيّد الخوئي رحمه‌الله ، والاحتمال الثاني ذهب إليه السيّد الصدر رحمه‌الله ، وأمّا الاحتمال الرابع فقد ذكر السيّد الصدر رحمه‌الله بأنّه معقول ثبوتا.

* * *

٤٧٤ ـ القدر المتيقّن في مقام التخاطب

ذهب صاحب الكفاية رحمه‌الله إلى انّه لا ينعقد الإطلاق لاسم الجنس لو كان ثمّة قدر متيقّن مستفاد من مقام التخاطب ، ومن هنا يكون عدم وجود قدر متيقّن في مقام التخاطب من مقدّمات الحكمة التي لا ينعقد لاسم الجنس ظهور في الإطلاق إلاّ مع توفرها.

والمراد من القدر المتيقن في مقام التخاطب يتّضح بهذا البيان : انّ القدر المتيقّن معناه المقدار المقطوع إرادته للمتكلّم ، بمعنى ان لا نحتمل إرادة المتكلّم لغيره مع كونه غير مراد له وان كان العكس محتملا ، بمعنى ان نحتمل إرادة المتكلّم لهذا المقدار دون غيره.

والقدر المتيقّن تارة يستفاد من خارج الخطاب ، أي لعوامل ومبرّرات لا ترتبط بالخطاب الصادر عن المتكلّم بل انّ الحصص المتيقّنة من الخارج لو لوحظت من جهة ما تقتضيه الضوابط الدلاليّة للخطاب لكانت متساوية مع الحصص الاخرى من حيث دلالة الخطاب عليها.

ومثال ذلك ما لو قال المولى « أعتق رقبة » فإنّ القدر المتيقّن من الرقبة المأمور بعتقها هي الرقبة المؤمنة المتّصفة بالصلاح والعلم إلاّ انّ ذلك ليس مستفادا من الخطاب وانّما هو مستفاد من انّ هذه الصفات تقتضي شرعا وعقلائيا ترجيح المشتمل عليها وإلاّ فهذه الحصص كسائر الحصص الاخرى من جهة ما تقتضيه الدلالة اللغويّة والعرفيّة للفظ الرقبة.

وهذا النحو من القدر المتيقّن ليس هو المقصود من كلام صاحب الكفاية رحمه‌الله ، إذ لا يخلو عنوان من قدر متيقّن مستفاد من الخارج ، فلو كان

٣٧١

هذا القدر المتيقّن مانعا عن انعقاد الإطلاق لكان معنى ذلك عدم انعقاد اطلاق أصلا ، والعمدة انّ العرف لا يرى مثل هذا القدر المتيقّن مانعا عن انعقاد الإطلاق لاسم الجنس لو تمّت مقدّمات الحكمة.

والنحو الثاني من القدر المتيقّن هو ما تتمّ استفادته من مقام التخاطب ، بمعنى أن يكون التخاطب الواقع بين المتكلّم والمتلقي يقتضي إرادة المتكلّم جزما لحصص معيّنة مع بقاء احتمال إرادة المتكلّم لسائر حصص اسم الجنس المستعمل في الخطاب.

وبتعبير آخر : لو كان الخطاب مشتملا على بعض الخصوصيّات المقتضية عرفا لإرادة بعض أفراد اسم الجنس جزما لكان ذلك مانعا عن انعقاد الظهور في الإطلاق وإن كان لا ينعقد مع هذا الفرض ظهور في إرادة التقييد وإلاّ لم تفترق هذه المقدّمة عن المقدّمة الثانية من مقدّمات الحكمة بحسب ترتيب صاحب الكفاية رحمه‌الله والتي هي عدم وجود قرينة متّصلة على التقييد.

وبهذا يتّضح انّ منشأ عدم انعقاد الظهور في الإطلاق عند وجود قدر متيقّن في مقام التخاطب هو اشتمال الكلام على ما يصلح للقرينيّة وهو مانع عن انعقاد الظهور ، إذ من المحتمل قويا اعتماد المتكلّم على ذلك لبيان مراده الجدّي ، ومن هنا لا يمكن استظهار إرادته الجدّيّة للإطلاق بعد ان كان الكلام مكتنفا بما يصلح للقرينيّة على التقييد.

وببيان آخر : انّ القدر المتيقّن في مقام التخاطب لو كان هو تمام المراد الجدّي للمتكلّم دون غيره لكان قد بيّنه ، لأنّ المفترض انّ المتلقي استفاد إرادة المتكلّم لهذا المقدار من نفس الخطاب ، نعم لو كان المتكلّم في مقام بيان تمام مراده بالإضافة الى انّه في مقام بيان انّ ما يذكره هو تمام مراده لكان القدر المتيقّن في مقام التخاطب غير كاف للتعبير عن انّ القدر المتيقّن هو تمام مراده ، وبذلك ينعقد الظهور في الإطلاق لكلامه ، إذ انّه لو كان في مقام

٣٧٢

بيان انّ ما يذكره هو تمام مراده فهذا معناه انّه عند ما لا يذكر القيد في كلامه فهو غير مريد له وإلاّ لكان مخلا بغرضه ، وهذا ما يبرّر انعقاد الإطلاق لكلامه.

ومثال ذلك : لو سأل رجل الامام عليه‌السلام عن الصلاة في جلد السنجاب فأجابه الإمام عليه‌السلام عن ذلك بقوله : لا تصلّ في جلد الحيوان المحرم ، فإنّ القدر المتيقّن من الحيوان المحرم المستفاد من الخطاب هو السنجاب ، فإنّ الامام عليه‌السلام لو كان غرضه هو القدر المتيقّن وهو السنجاب لكان قد حقّق غرضه ، إذ المفترض انّ السائل فهم انّ السنجاب مراد قطعا من قوله : لا تصلّ في جلد الحيوان المحرّم ، نعم لو كان الامام عليه‌السلام بصدد بيان تمام مراده وانّ ما يذكره هو تمام مراده لكان القدر غير مانع عن انعقاد الظهور في إرادة مطلق الحيوان المحرّم ، إذ لو كان هو مراده لكان قد أخلّ بغرضه بعد ان لم يذكر انّه تمام مراده ، وهذا ما يعبّر عن انّ تمام مراده هو مطلق الحيوان المحرّم.

هذا ولم يقبل مشهور المحقّقين بدعوى المحقّق صاحب الكفاية رحمه‌الله وانّ عدم وجود قدر متيقّن في مقام التخاطب من مقدمات الحكمة.

* * *

٤٧٥ ـ القدرة التكوينيّة بالمعنى الأعم

ويتّضح المراد منها بهذا البيان :

وهو انّ كلّ تكليف فهو مشروط بالقدرة التكوينيّة على متعلّقه ، إذ يستحيل ان يكلّف المولى جلّ وعلا عبده بما لا يقدر على أدائه ، فلو كان المكلّف قادرا تكوينا على متعلّق التكليف فهل انّ هذا المقدار كاف في تصحيح جعل المولى ذلك التكليف على عبده أو لا؟.

من الواضح انّ ذلك وحده غير كاف لتصحيح جعل التكليف على العبد بل لا بدّ من أن لا يكون ذلك التكليف مزاحما بتكليف آخر يعجز المكلّف عن الجمع بينهما وإن كان قادرا تكوينا على امتثال كلّ واحد

٣٧٣

منهما بقطع النظر عن الآخر ، فالقدرة التكوينيّة على أداء كلّ واحد من التكليفين لا تصحّح التكليف بالجمع بين التكليفين.

فلو افترضنا انّ المكلّف قادر على أداء الصلاة تكوينا كما انّه قادر على انقاذ الغريق تكوينا إلاّ انّه كان عاجزا عن امتثال كلا التكليفين ، فهنا يستحيل تكليفه بالصلاة بنحو مطلق وتكليفه بالإنقاذ بنحو مطلق ، بمعنى تكليفه بالصلاة مع فعليّة تكليفه بالإنقاذ ، وكذلك العكس ، وذلك لاستلزامه التكليف بالجمع والمفترض انّه عاجز عن الجمع بين امتثال كلا التكليفين.

ومن هنا يتنقح انّ كلّ تكليف فهو مشروط بالقدرة على امتثال متعلّقه تكوينا كما هو مشروط بعدم وجود تكليف فعلي مضاد ، ومجموع هذين الشرطين يعبّر عنهما بالقدرة التكوينيّة بالمعنى الأعمّ. فالقدرة التكوينيّة بالمعنى الأعمّ تعني القدرة على متعلّق التكليف مع عدم ما يزاحمه من تكاليف اخرى بالغة مرحلة الفعليّة.

ثمّ انّ القيد الثاني له صياغتان :

الصياغة الاولى : هو أن لا يكون التكليف مزاحما بتكليف آخر ، بمعنى أن لا يكون المكلّف مأمورا بتكليف آخر مضاد.

الصياغة الثانية : هو أن لا يكون المكلّف مشغولا بامتثال تكليف آخر مضاد.

والثمرة التي تظهر من الفرق بين الصياغتين واضحة ، فبناء على الصياغة الاولى يكون التكليف مشروطا ـ بالإضافة إلى القدرة التكوينيّة ـ مشروطا بعدم وجود تكليف فعلي أصلا سواء كان المكلّف بانيا على امتثاله أو لم يكن بانيا على امتثاله ، فالمعتبر في صحة التكليف بفعل هو أن لا يكون ثمّة تكليف فعلي بشيء آخر مضاد.

وأمّا بناء على الصياغة الثانية فالتكليف ليس مشروطا بعدم وجود تكليف فعلي آخر مضاد وانّما هو مشروط بعدم تصدّي المكلّف لامتثال

٣٧٤

تكليف آخر ، أمّا لو كان بانيا على المعصية فلا مانع من تكليفه بتكليف آخر مضاد.

وقد تبنّى المحقّق صاحب الكفاية رحمه‌الله الصياغة الاولى ، وفي مقابل ذلك ذهب جمع منا لاعلام الى الصياغة الثانية.

* * *

٤٧٦ ـ القدرة العقليّة والشرعيّة

تطلق القدرة العقليّة والقدرة الشرعيّة على أكثر من معنى :

المعنى الأوّل : وبيانه منوط بتقديم مقدّمة : وهي انّه لا ريب في إدراك العقل لقبح الإدانة والمؤاخذة على ترك التكليف غير المقدور تكوينا ، كما لا ريب في استحالة جعل التكليف واعتباره بداعي البعث والتحريك نحو المكلّف به إذا كان متعلّق التكليف غير مقدور للمكلّف.

وأمّا مبادئ التكليف ـ والتي هي المصلحة والمفسدة والمحبوبيّة والمبغوضيّة ـ فوجودها غير منوط بالقدرة إذ من الممكن جدا أن يكون الفعل واجدا للمصلحة أو المفسدة ومع ذلك لا يكون مقدورا ، كما انّه من الممكن أن يكون الفعل محبوبا أو مبغوضا للمولى رغم عدم قدرة المكلّف على تحصيله أو تركه كما انّه من الممكن أن لا يكون الفعل ذا مصلحة أو مفسدة ما لم يكن مقدورا.

بمعنى انّ القدرة واقعا شرط في توفّر الفعل على المصلحة أو المفسدة وهكذا الكلام في المحبوبيّة والمبغوضيّة ، فقد تكون محبوبيّة الفعل للمولى منوطة بقدرة المكلّف على تحصيل الفعل ، فإذا ما كان الفعل غير مقدور للمكلّف فإنّه لا يكون محبوبا للمولى.

ويمكن التمثيل للفرض الأوّل بالصلاة وقتل النفس المحترمة ، فإنّ مصلحة الصلاة ومحبوبيّتها وكذلك مفسدة قتل النفس المحترمة ومبغوضيّته غير منوط بالقدرة على فعل الأوّل وترك الثاني ، فسواء كان المكلّف قادرا على فعل الأوّل وترك

٣٧٥

الثاني أو لم يكن قادرا على ذلك فإنّ الصلاة تظلّ محتفظة بالمصلحة والمحبوبيّة ويبقى قتل النفس المحترمة على ما هو عليه من مفسدة ومبغوضيّة.

كما يمكن التمثيل للفرض الثاني ـ احتمالا ـ بردّ السلام وأكل الميتة ، فإنّ الأوّل انّما يكون ذا مصلحة ومحبوبا لو كان مقدورا على تحصيله ، أما مع عدم القدرة فلا مقتضى للمصلحة والمحبوبيّة ، وهكذا الكلام في الثاني فإنّه انّما يكون ذا مفسدة ومبغوضا لو كان مقدورا أما مع عدم القدرة على تركه فإنّه لا مقتضي لاشتماله على المفسدة والمبغوضيّة.

وباتّضاح هذه المقدّمة نقول :

أمّا الفرض الأوّل : والذي افترضنا فيه انّ مبادئ التكليف مطلقة من حيث القدرة وعدمها ، بمعنى انّ مبادئ التكليف غير منوطة بالقدرة على متعلّقها بل هي ثابتة حتى في ظرف عدم القدرة ، في هذا الفرض يكون اشتراط التكليف بالقدرة عقليا ، ويعبّر عن القدرة التي يكون التكليف منوطا بها بالقدرة العقليّة.

وذلك لأنّه لا منشأ لاشتراط التكليف بالقدرة حينئذ إلاّ ما يدركه العقل من استحالة التكليف بغير المقدور ، إذ انّنا افترضنا انّ الملاك والإرادة مطلقان وغير منوطين بالقدرة ، فمنشأ اشتراط القدرة لا يكون من جهة عدم المقتضي للتكليف بل المقتضي ـ وهو الملاك والإرادة ـ موجود ، غايته انّ التكليف غير مقدور ، ومن هنا لا منشأ لاشتراط القدرة سوى ما يدركه العقل من استحالة التكليف بغير المقدور.

وأمّا الفرض الثاني : والذي افترضنا فيه انّ مبادئ التكليف لا وجود لها في ظرف عدم القدرة ، فاشتراط التكليف بالقدرة يكون شرعيا ، ويعبّر عن القدرة التي يكون التكليف منوطا بها يعبّر عنها بالقدرة الشرعيّة.

وذلك لأنّ هذا الفرض معناه ـ كما ذكرنا ـ ان لا مقتضي للتكليف في

٣٧٦

ظرف عدم القدرة ، لا انّ مقتضي التكليف موجود إلاّ انّ المانع عنه هو الاستحالة العقليّة كما في الفرض الأوّل ، ومن هنا اصطلح على هذه القدرة بالقدرة الشرعيّة.

والمتحصّل ممّا ذكرناه انّ المراد من القدرة العقليّة هي القدرة المأخوذة في التكليف الواجد لمبادئه مطلقا ، وأمّا القدرة الشرعيّة فهي القدرة المأخوذة في التكليف الذي تكون مبادئه مختصّة بحال القدرة.

فتميّز القدرة العقليّة عن الشرعيّة يكون بملاحظة التكليف من حيث مبادئه ، فإن كانت مبادئه مطلقة فالقدرة المعتبرة في مورده عقليّة وان كانت مبادئه مختصّة بحال القدرة فالقدرة المعتبرة في مورده شرعيّة.

وبتعبير آخر : انّ القدرة التي يكون لها دخل في ترتّب الملاك والإرادة بحيث لا يكون ثمّة ملاك وإرادة للتكليف لو لا وجودها فهذه قدرة شرعيّة ، وذلك يستكشف ـ كما أفاد المحقّق النائيني رحمه‌الله من أخذ القدرة في الخطاب الشرعي ، وأمّا القدرة التي لا تكون دخيلة في ترتّب الملاك بل انّ الملاك يكون ثابتا حتّى مع عدمها فهذه قدرة شرعيّة.

المعنى الثاني : ويتّضح بهذه المقدّمة وهي انّ كلّ تكليف فهو مشروط بالقدرة التكوينيّة ، وهذا ما يستقل العقل بإدراكه ، فلو اتّفق ان كان التكليف مشروطا أيضا بعدم وجود مانع شرعي ، بمعنى اشتراطه بعدم وجود تكليف آخر مضادّ له فإنّ هذا التكليف يكون مشروطا بالقدرة الشرعيّة ، أمّا لو كان التكليف مطلقا من هذه الجهة ، بمعنى انّه وان كان مشروطا بالقدرة التكوينيّة إلاّ انّه ليس مشروطا بعدم وجود تكليف آخر مضاد له فإنّ هذا التكليف يكون حينئذ مشروطا بالقدرة العقليّة.

ومثال الفرض الأوّل وجوب الوفاء بالشرط فإنّه مشروط بالقدرة التكوينيّة على الوفاء ومشروط بشرط آخر وهو أن لا يكون الوفاء بالشرط مزاحما بتكليف آخر ، ومن

٣٧٧

هنا كانت القدرة المنوط بها وجوب الوفاء بالشرط شرعيّة.

وأمّا مثال الفرض الثاني فهو وجوب الصلاة فإنّه غير منوط بأكثر من القدرة التكوينيّة على متعلّقه وهي الصلاة ، ومن هنا كانت القدرة المنوط وجوب الصلاة بها عقليّة.

وبهذا يتّضح انّ الفرق بين القدرة الشرعيّة والقدرة العقليّة هو انّ القدرة الشرعيّة عبارة عن القدرة التي يستقل العقل بإدراك اناطة التكليف بها مع إضافة قيد عدم وجود مانع شرعي عن التكليف ، فمجموع القيدين يعبّر عنهما بالقدرة الشرعيّة.

وأمّا القدرة العقليّة فهي القدرة التي يستقلّ العقل باناطة التكليف بها ، وهذه هي القدرة التكوينيّة.

* * *

٤٧٧ ـ قرينة الحكمة

وهي قرينة عامّة يتعرّف بواسطتها على إرادة المتكلّم للإطلاق من اسم الجنس ، وذلك لأنّ الإطلاق كالتقييد خارجان عمّا هو الموضوع له اسم الجنس كما هو المعروف بين الاصوليين بعد سلطان العلماء رحمه‌الله.

وكيف كان فقد ذكر لقرينة الحكمة مجموعة من المقدّمات متى ما توفّرت عرفنا انّ المتكلّم أراد الإطلاق من اسم الجنس ، ومتى ما اختلّت بعض هذه المقدّمات لا يكون استظهار إرادة الإطلاق من اسم الجنس ممكنا.

المقدّمة الاولى : هي احراز أن لا يكون ثمّة مانع يمنع المتكلّم عن بيان تمام مراده من تقيّة أو نحوها ، إذ لو كان ثمّة مانع لكان من المحتمل إرادة التقييد إلاّ انّه لم يتمكّن من بيانه بسبب وجود المانع.

المقدّمة الثانية : هي إحراز كون المتكلّم في مقام البيان لا أن يكون في مقام الإهمال والإجمال ، إذ لو كان كذلك لم يكن من الممكن استظهار إرادة الإطلاق بعد ان لم يكن بصدد البيان من هذه الجهة.

والمراد من لزوم إحراز انّ المتكلّم في مقام البيان هو احراز انّه بصدد بيان

٣٧٨

تمام مراده في الجهة التي هو متصدّ لبيانها ، فليس المراد من ذلك هو لزوم إحراز انّه بصدد البيان من تمام الجهات ، إذ انّ ذلك قد لا يتّفق لمتكلّم ، كما انّ عدم كونه في مقام البيان لا يعني انّه ليس بصدد التفهيم ولو في الجملة بل يعني انّه ليس بصدد بيان تمام مراده في الجهة المفترض تصدّيه لبيانها أو قل انّه أجمل وأهمل ما يفترض تصدّيه لبيانه.

وأمّا كيفيّة احراز انّه في مقام البيان ، فالمعروف بينهم انّ احراز ذلك يتمّ بواسطة الأصل العقلائي والقاضي بأنّ الأصل انّ كلّ متكلّم متصدّ لبيان تمام مراده وبيان ذلك خارج عن الغرض.

المقدّمة الثالثة : أن لا ينصبّ المتكلّم قرينة على التقييد. ثمّ انّهم اختلفوا في حدود هذه المقدّمة ، فصاحب الكفاية رحمه‌الله أفاد بأنّ الذي يمنع عن انعقاد الظهور في الإطلاق انّما هو نصب المتكلّم قرينة متّصلة على التقييد ، وأمّا القرينة المنفصلة فلا تمنع من انعقاد الظهر وفي الإطلاق.

أمّا المحقّق النائيني والسيّد الخوئي رحمهما الله فأفادا أنّ الذي يمنع عن انعقاد الظهور في الإطلاق هو الأعم من القرينة المتّصلة والمنفصلة ، بمعنى انّ القرينة المنفصلة تكشف عن عدم الإرادة الجدّيّة للإطلاق وان كان الإطلاق مع كون القرينة على التقييد منفصلة ـ منعقدا في مرحلة المدلول الاستعمالي ، بمعنى انّ القرينة المنفصلة لا تمنع من استكشاف إرادة الإطلاق بنحو الإرادة الاستعماليّة.

المقدّمة الرابعة : وقد تبنّاها المحقّق صاحب الكفاية رحمه‌الله وهي أن لا يكون ثمّة قدر متيقّن في مقام التخاطب ، فمعه لا ينعقد ظهور في الإطلاق ، وسنوضّح المراد من ذلك تحت عنوان « القدر المتيقّن في مقام التخاطب ».

هذا هو حاصل المقدّمات المعبّر عنها بمقدّمات الحكمة والتي يكون وجودها معبّرا عن إرادة الإطلاق من اسم الجنس ، فإنّه عند تواجدها يمكن استظهار انّ المتكلّم أراد الإطلاق من

٣٧٩

اسم الجنس ، إذ لو كان مريدا للتقييد لنصب لذلك قرينة ، فعدم نصبه قرينة على التقييد رغم افتراضه قادرا على ذلك يعبّر عن عدم إرادته له ، إذ لو كان مريدا له ولم يذكره لكان ناقضا لغرضه والذي هو متصدّ لبيانه كما هو الفرض ، ونقض الغرض خلف افتراض حكمة المتكلّم. ومن مجموع ذلك يتمّ استظهار إرادة الإطلاق.

* * *

٤٧٨ ـ القرينة اللبيّة

المراد من القرينة اللبيّة هو كلّ ما يساهم في تحديد المراد الجدّي للكلام من غير الألفاظ ، فهي في مقابل القرينة اللفظيّة المتّصلة والمنفصلة ، وعليه يكون الإجماع والضرورة العقليّة والمناسبات العرفيّة وفعل الإمام وتقريره والسير العقلائيّة والمتشرّعيّة كلّها قرائن لبيّة إذا أضيفت لخطاب شرعي فساهمت في تحديد مفاده إمّا من جهة تخصيصه أو تعميمه أو صرف ظهوره الأوّلي من الوجوب مثلا إلى الاستحباب أو من الحرمة إلى الكراهة.

ويمكن التمثيل للقرينة اللبيّة بما لو قال الإمام « اغتسل كلّ يوم جمعة » فإنّ ظاهر هذا الخطاب هو الوجوب إلاّ أنّه لو قام إجماع على عدم الوجوب فإنّه يكون قرينة لبيّة على عدم إرادة الوجوب من الأمر الوارد في الخطاب.

ثمّ إنّ القرينة اللبيّة قد تكون متّصلة وقد تكون منفصلة وقد أوضحنا ذلك تحت عنواني القرينة المتّصلة والقرينة المنفصلة.

* * *

٤٧٩ ـ القرينة المتّصلة

المراد من القرينة المتّصلة هو كلّ ما يتّصل بالكلام من لفظ أو غيره فيتحدّد به المراد الجدّي للمتكلّم.

ومثاله قول المتكلّم « أكرم كلّ عالم إلاّ أن يكون فاسقا » فالقرينة هي الاستثناء ولولاها لكان ظاهر كلام المتكلّم هو وجوب إكرام جميع العلماء إلاّ أن مجيئها أنتج تحديد المراد الجدّي

٣٨٠