المعجم الأصولي - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

والمتحصّل انّ المراد من الضدّ العام : هو ترك الفعل الذي ثبت له الوجوب ، والبحث فيه يقع عن انّ ترك الفعل الذي ثبت له الوجوب هل هو حرام أو لا ، أي انّ ثبوت الوجوب للفعل هل يقتضي حرمة تركه أو انّه لا يقتضي ذلك؟

وقد يطلق الضدّ العام ـ كما أفاد المحقّق النائيني رحمه‌الله ـ على الأعم من النقيض والأضداد الوجوديّة المتعدّدة ، ففي حالة وجود أضداد متعدّدة للواجب يعبّر عن هذه الأضداد المتعدّدة بالضدّ العام ، وذلك في مقابل ما اذا كان للواجب ضدّ واحد ، إلاّ انّ هذا التعبير غير سائد كما أفاد المحقّق النائيني رحمه‌الله وانّ ما هو السائد هو اطلاق الضدّ العام على خصوص النقيض.

وأمّا المراد من الضدّ الخاصّ فهو الأمر الوجودي الذي يعاند وجوده وجود الواجب بحيث يستحيل اجتماعهما ، أي يستحيل صدورهما عن المكلّف ، فحينما يأتي المكلّف بالفعل الوجودي المضاد فإنّ ذلك يستوجب العجز عن الإتيان بالفعل الواجب.

مثلا : حينما يكون انقاذ الغريق واجبا فإنّ الصلاة أو النوم يكون من الضدّ الخاصّ للواجب.

والبحث فيه يقع عن انّ فعل الضدّ الخاص مثل النوم أو الصلاة هل هو حرام أو لا ، بمعنى انّ وجوب الإنقاذ هل يقتضي حرمة ضدّه الخاص.

* * *

٤١٧ ـ الضرر والضرار

ذكر المحقّق صاحب الكفاية رحمه‌الله انّ المراد من الضرر هو النقص الذي يعرض النفس أو الطرف أو العرض أو المال وانّه يقابل النفع تقابل العدم والملكة.

وقد وجّه السيّد الحكيم رحمه‌الله دعوى صاحب الكفاية رحمه‌الله بأنّ التقابل بين الضرر والنفع تقابل العدم والملكة بما حاصله انّ النفع عبارة عن اتّصاف موضوع بوصف له شأنية الاتّصاف به ، ويكون عدم الاتّصاف به من قبيل

٢٦١

انتفاء وصف عن موضوع له شأنيّة أن يتّصف بذلك الوصف ، فالبصر للإنسان نفع وعدمه ضرر ، وذلك لأنّ الانسان له شأنيّة الاتّصاف بالبصر ، فيكون انتفاء البصر عنه انتفاء الوصف عن موضوع له شأنيّة الاتّصاف به.

ووجّه السيّد الصدر دعوى صاحب الكفاية رحمه‌الله بما حاصله : انّ من المحتمل إرادة صاحب الكفاية رحمه‌الله اشتمال النفع والضرر على نكتة تقابل العدم والملكة لا أنّ مراده هو انّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، إذ لا بدّ في المتقابلين بنحو العدم والملكة أن يؤخذ في موضوع عدم الملكة قابليّته « الموضوع » للملكة ، والضرر والذي يفترض أن يكون هو عدم الملكة لا يتوفّر على هذه الخصوصيّة ، إذ لم يؤخذ في موضوع الضرر قابليّته للنفع ، ومع ذلك يمكن ان يدعى اشتمال النفع والضرر على نكتة التقابل بنحو العدم والملكة ، وذلك بأن يقال انّ تحقّق الضرر لا يكون إلاّ في مورد له قابليّة الاتّصاف بالنفع ، فالمال مثلا المملوك لشخص له قابليّة الاتّصاف بالنفع وذلك فيما اذا زاد فعند ما ينقص يكون ذلك النقص عبارة عن انسلاب وصف عن موضوع له قابليّة الاتّصاف به ، وهذا هو الضرر ، إذ الضرر هو النقص وهو عبارة عن عدم النفع لموضوع « مال شخص » له شأنيّة الاتّصاف بالنفع ، وهذا بخلاف النقص الذي يعرض المال غير المملوك فإنّه لا يكون ضررا ، وذلك لأنّ المال ليس له شأنيّة النفع حتى مع زيادته فلا يكون نقصه ضررا.

هذا ولكنّ السيّد الخوئي رحمه‌الله لم يقبل بدعوى صاحب الكفاية رحمه‌الله من انّ الضرر مقابل للنفع ، وادعى انّ الضرر يقابل المنفعة ، وذلك لأنّ النفع مصدر فالمناسب ان يقابله « الضرّ » والذي هو مصدر أيضا.

والفرق بين المصدر واسم المصدر انّ المصدر هو نفس الفعل الصادر من الفاعل ، فحينما يقال « ضربه ضربا » فإنّ « الضرب » هو نفس الفعل

٢٦٢

الصادر عن الفاعل ، وأمّا اسم المصدر فهو ينشأ عن معنى المصدر ، ولهذا يعبّر عنه باسم المصدر ، إذ انّه اسم للمعنى المصدري ، فحينما يقال « ضرّ زيد عمروا ضررا » فإنّ معنى ذلك انّه حصل لعمرو الضرر ، فالضرر هو ما حصل لعمرو من نقص بسبب ضرّ زيد له ، وهكذا حينما يقال : « نفع زيد عمروا نفعا ومنفعة » فإنّ النفع هو نفس الفعل الصادر عن زيد ، وأمّا المنفعة فهي الزيادة التي حصلت لعمرو بسبب نفع زيد له.

وبهذا يتّضح انّ الضرر مقابل للمنفعة ، ولمّا كانت المنفعة بمعنى الزيادة العارضة للموضوع التام فالضرر هو النقص العارض للموضوع التام ، وبهذا يكون التقابل بينهما تقابل التضادّ وانّ هناك حالة ثالثة لا يكون معها ضرر ولا منفعة كما لو لم يضرب الإنسان ولم يعظّم.

وجاء السيّد الصدر رحمه‌الله ببيان آخر لمعنى الضرر ، وحاصله : انّ اللغويّين اختلفوا في تعريف الضرر ، فمنهم من عرّف الضرر بالنقص في المال والنفس أو الطرف أو العرض ، ومنهم من عرّفه بالشدّة والحرج والضيق. والصحيح انّ الحيثيّتين مأخوذتان في معنى الضرر وانّه عنوان منتزع عن النقص الموجب للوقوع في الشدّة والضيق.

فحيثيّة النقص وحدها ليست كافية في تحقّق الضرر ، كما انّ حيثيّة الشدّة والحرج لا تحقّق وحدها عنوان الضرر ، نعم لا يعتبر في صدق الضرر فعليّة الحرج والضيق النفساني بل يكفي أن يكون للنقص شأنيّة الإيقاع في الحرج والضيق النفساني ، فلو تلف مال زيد دون علمه فإنّه لا يقع في الضيق النفساني لغفلته عن ذلك إلاّ انّ هذا النحو من التلف له شأنيّة الإيقاع في الضيق والحرج وهو كاف في صدق الضرر.

وأمّا المراد من الضرار فقد ذكرت له احتمالات :

الاحتمال الأوّل : انّه مصدر للفعل المجرّد « ضرّ » فيكون من قبيل قام قياما وحاسبه حسابا ، وقد منع السيّد

٢٦٣

الخوئي رحمه‌الله هذا الاحتمال لأنّ الضرار حينئذ سوف يكون بمعنى الضرر ، فيلزم التكرار في الرواية بلا مبرّر.

إلاّ انّ السيّد الصدر رحمه‌الله أفاد بأنّ هذا الاحتمال لا يستلزم التكرار لو كان معنى الضرار مستبطنا لمعنى الشدّة وتأكّد الضرر أو كان مستبطنا لمعنى الضرر عن قصد وتعمّد ، فيكون تكرار المصدر لغرض إفادة أحد هذين المعنيين اللذين قد لا يكون لفظ الضرر مفيدا لهما.

ثمّ استظهر المعنى الثاني منهما وقال انّه المناسب للمتفاهم العرفي للفظ الضرار ، فيكون اللفظ الاول وهو « الضرر » نافيا للحكم الضرري إلاّ انّه يبقى الحكم الذي ليس ضرريا بطبعه إلاّ انّه يمكن الاستفادة منه لإيقاع الضرر بالغير كما في حكم الشارع بسلطنة الناس على أموالهم ، فإنّه ليس حكما ضرريا بطبعه إلاّ انّه قد يستفاد منه لإيقاع الضرر بالغير ، كما لو استفاد منه أحد الشريكين لايقاع الضرر على شريكه بأن يمنعه من التصرّف في المال المشترك فلا يأذن ببيعه كما لا يأذن بتقسيمه ولا بإجارته والاستفادة من منفعته ، ومن الواضح انّ الشريك الآخر ليس له التصرّف في المال المشترك دون إذن شريكه ، فهذا الحكم والذي هو ليس ضرريا بطبعه إذا استفاد منه المكلّف لإيقاع الضرر على الغير فإنّه منفي بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا ضرار » (١).

ثم أيّد هذه الدعوى بتمسّك الفقهاء بقاعدة « لا ضرر ولا ضرار » لنفي بعض الأحكام التي ليست ضرريّة بطبعها ، فلا يصلح نفي الضرر لنفيها ، نعم كلمة « الضرار » هي المصحّحة لنفي هذه الأحكام باعتبارها تستبطن معنى الاستقلال والتعمّد لإيقاع الضرر على الغير ، وذلك مثل استفادة الزوج من اختصاصه بحقّ الطلاق لإيقاع الزوجة في الضرر فإنّه لا معنى للتمسّك بالقاعدة إلاّ من جهة نفيها للضرار.

وبهذا يثبت انّ اختيار الاحتمال الاوّل وهو انّ الضرار مصدر الفعل

٢٦٤

الثلاثي المجرّد « ضرّ » لا يستلزم التكرار.

الاحتمال الثاني : انّ الضرار مصدر باب المفاعلة المزيد فيه والمأخوذ من الفعل الثلاثي المجرّد « ضرّ » ، فيكون الضرار مصدرا للفعل « ضارّ ».

واختار السيّد الخوئي رحمه‌الله هذا الاحتمال وأيّده بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسمرة : « انّك رجل مضار » (٢) إلاّ انّه لم يقبل بما هو معروف عند النحاة والصرفيين من انّ باب المفاعلة يدلّ على نسبتين ، أي صدور الفعل من الاثنين ، فحينما يقال « ضارب زيد عمروا » فإنّه يدلّ على انتساب ضرب عمرو لزيد وانتساب ضرب زيد لعمرو.

وذهب تبعا للمحقّق الأصفهاني رحمه‌الله الى انّ هيئة المفاعلة موضوعة للدلالة على ايجاد الفاعل للفعل ، أي خلقه لمادة الفعل ، فقوله تعالى : ( يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ ) (٣) ، فمعنى يخادعون هو ايجاد المنافقين للخدعة ، ولا يعني ذلك انّ الله تعالى والمنافقين يتبادلون ايجاد الخدعة ، وهكذا كلّ الآيات التي استعملت هيئة باب المفاعلة ، فإنّه وبعد التتبع ـ كما أفاد المحقّق الأصفهاني رحمه‌الله ـ لم نجد في الآيات التي استعملت هذه الهيئة ما يدلّ على إفادتها لنسبتين وصدور الفعل من الاثنين.

وبهذا يكون معنى الضرار هو ايجاد الضرر.

* * *

٤١٨ ـ الضرورة بشرط المحمول

والمقصود منها القضايا التي اخذ المحمول جزء أو شرطا في موضوعها ، فهي ضرورية باعتبار انّ المحمول جزء للموضوع ، أي انّ صيرورة القضايا الممكنة في نفسها ضروريّة يكون بشرط أخذ المحمول جزء أو شرطا في موضوعها ، وعندئذ يكون ثبوت المحمول للموضوع من قبيل ثبوت الشيء لنفسه ، وهو ضروري كما هو واضح.

٢٦٥

فعند ما يقال : « زيد عالم » فإنّ هذه القضية ممكنة ، إذ انّ المحمول كما يمكن ثبوته للموضوع يمكن انتفاؤه عنه ، أما حينما يقال : « زيد العالم عالم » فإنّ القضية تصبح ضرورية ، وذلك لأنّ العالم اخذ جزء في الموضوع ، فيكون ثبوت العالميّة لزيد العالم من ثبوت الشيء لنفسه.

وذلك في مقابل الامتناع بشرط المحمول حيث انّ المقصود منه القضايا التي اخذ في موضوعها عدم المحمول ، وعندئذ يكون ثبوت المحمول للموضوع ممتنعا.

ومثال ذلك : أن يقال : « زيد غير العالم عالم » ، فامتناع هذه القضية نشأ عن أخذ عدم المحمول جزء في الموضوع ، فهي ممتنعة بشرط المحمول.

٢٦٦

هوامش حرف الضاد

(١) الوسائل : باب ١ من أبواب موانع الإرث الحديث ٩ و ١٠.

(٢) الوسائل : باب ١٢ من أبواب احياء الموات الحديث ٤.

(٣) سورة البقرة : ٩.

٢٦٧
٢٦٨

حرف الطّاء

٢٦٩

عناوين حرف الطاء

٤١٩ ـ الطبيعي الاصولي

٤٢٠ ـ الطبيعي المعقولي

٤٢١ ـ مسلك الطريقيّة

٤٢٢ ـ الطلب والإرادة

٤٢٣ ـ أصالة الطهارة

٤٢٤ ـ الطهارة والنجاسة

٢٧٠

حرف الطاء

٤١٩ ـ الطبيعي الاصولي

والمراد من الطبيعي الاصولي هو الكلّي الطبيعي وهو امّا الماهيّة المهملة أو الماهيّة اللابشرط القسمي ، وقد أوضحنا ذلك تحت عنوان « الكلّي الطبيعي ».

* * *

٤٢٠ ـ الطبيعي المعقولي

المراد من الطبيعي المعقولي هو الكلّي العقلي المعبّر عنه بالماهيّة المجرّدة والماهيّة بشرط لا ، وبتعبير المناطقة هو الطبيعة الملحوظة بوصف الكلّيّة ، وقد أوضحنا ذلك تحت عنوان « الكلّي العقلي » وقلنا انّ موطن الكلّي العقلي لا يكون إلاّ الذهن ، ولهذا لا يسري الحكم المجعول على الطبيعة بوصفها كليّة الى الأفراد الخارجيّة ، فحينما يقال : « الإنسان نوع » فإنّ الحكم على الإنسان بأنّه نوع لا يصحّح الحكم على زيد بأنّه نوع ، إذ انّ الإنسان المحمول عليه « النوع » انّما هو الإنسان الكلّي المأخوذ بشرط لا من جهة العوارض التي يمكن أن تعرض الماهيّة في الخارج ، ومن الواضح انّ لحاظ الإنسان بهذا النحو من اللحاظ لا يصدق على الأفراد الخارجيّة فلا يكون الحكم الثابت له ثابتا للأفراد الخارجيّة.

* * *

٤٢١ ـ مسلك الطريقيّة

وهو الملك الذي تبنّاه المحقّق

٢٧١

النائيني والسيّد الخوئي رحمهما الله فيما هو المجعول في الأمارات حيث تبنيا انّ المجعول في الأمارات هو الطريقيّة ، بمعنى انّ الشارع أعطى للأمارة دور الطريقيّة والكاشفيّة والمحرزيّة للواقع ، فهي وان لم تكن محرزة وكاشفة عن الواقع بذاتها إلاّ انها بواسطة الجعل الشرعي تأهّلت لهذا الدور.

وبيان ذلك : هو انّ الذي له دور الكشف والمحرزية للواقع حقيقة انّما هو القطع ، فهو بمقتضى ذاته يكشف عن متعلّقه ويحرزه وأما الأمارات فليست لها هذه الخاصيّة بمقتضى ذاتها ، وذلك لأنّ كاشفيتها غير تامّة ، ومن هنا كان ثبوت هذه الخاصيّة للأمارة منوط بالجعل والاعتبار.

وبهذا يتضح انّ المراد من مسلك الطريقيّة في الأمارات هو اعتبار الشارع الأمارة كاشفة ومحرزة للواقع كإحراز القطع للواقع ، غايته انّ محرزيّة القطع للواقع ذاتيّة للقطع فلا تخضع للجعل والاعتبار ، وأما محرزيّة الأمارة للواقع فيكون بواسطة الجعل ، ودور الجعل الشرعي هو تتميم كاشفيّة الامارة واعتبارها علما ، فيكون لها نفس الدور الثابت للقطع وهو الوسطيّة في الإثبات والكاشفيّة عن الواقع ، وهذا لا يعني انّ الشارع قد تصرّف في الواقع وجعل مؤدى الأمارة وما تكشف عنه واقعا تنزيلا بل يظل الواقع على ما هو عليه فلا تقتضي الأمارة تبدله كما لا تقتضي صيرورة مؤدى الأمارة واقعا تنزيلا ، فغاية ما يقتضيه جعل الطريقيّة للأمارة هو تتميم ما نقص من كاشفيتها ويبقى الواقع على حاله قد تصادفه الأمارة وقد لا تصادفه ، فالتوسع انّما هو في خاصيّة الكشف التام ، فبعد ان كانت مختصّة بالقطع تصبح بواسطة الجعل ثابتة للأمارة ، فكأنّما الشارع وسع من دائرة العلم وجعل الأمارة فردا منه ، ولذلك صار للأمارة دور الوسطيّة في الإثبات كما هو شأن القطع فيكون ثبوت المنجّزية والمعذريّة للأمارة غير مفتقر للجعل بعد ان وسّع الشارع من موضوع

٢٧٢

المنجزيّة والمعذرية بواسطة جعل الطريقيّة للأمارة ، أي انّ المنجّزيّة والمعذريّة من اللوازم الذاتيّة للقطع لكونه كاشفا تاما عن متعلّقه وباعتبار انّ الشارع تمّم كاشفية الأمارة فإنّ هذا يقتضي أن تكون الأمارة موضوعا حقيقة للمنجّزيّة والمعذريّة ، غايته انّ موضوعيّة القطع للمنجّزيّة والمعذريّة ثابتة بالوجدان وأمّا موضوعيّة الأمارة لهما فثابتة بالتعبّد ، وهذا هو الورود.

* * *

٤٢٢ ـ الطلب والإرادة

وقع الخلاف بين الأعلام في الطلب والإرادة وهل انّهما متّحدان مفهوما ومصداقا أو انّهما متغايران مفهوما ومتّحدان مصداقا أو انّهما متباينان مفهوما ومصداقا؟

ذهب صاحب الكفاية رحمه‌الله إلى الأول ، أي انّ الطلب والإرادة متّحدان مفهوما وانشاء ومصداقا. وحاصل ما أفاده رحمه‌الله :

انّ الطلب والإرادة موضوعان لمعنى واحد ، فهما لفظان مترادفان يعبّران عن مدلول واحد ، فليس بينهما تفاوت من جهة المفهوم ، وهذا هو معنى الاتّحاد المفهومي بينهما ، غايته انّ الطلب تارة يكون حقيقيا واخرى يكون انشائيا ، فما هو مرادف للطلب الحقيقي هو الإرادة الحقيقيّة وما هو مرادف للطلب الإنشائي هو الإرادة الإنشائيّة ، وأمّا الطلب الإنشائي فهو مغاير للإرادة الحقيقيّة ، كما انّ الإرادة الإنشائيّة مغايرة للطلب الحقيقي ، نعم المنصرف عند اطلاق الطلب هو الطلب الإنشائي كما انّ المنصرف من لفظ الإرادة هو الإرادة الحقيقيّة إلاّ انّ الوجدان قاض بأنّ الإرادة الحقيقيّة والطلب الحقيقي شيء واحد ، كما انّ الطلب الإنشائي والإرادة الإنشائيّة شيء واحد ، وهذا هو معنى اتّحاد الطلب والإرادة انشاء ، أي انّ الطلب الإنشائي ليس شيئا آخر غير الإرادة الإنشائيّة.

وأمّا الاتّحاد المصداقي بينهما فهو

٢٧٣

بمعنى انّ واقع الطلب هو عينه واقع الإرادة ، فواقع الإرادة الحقيقيّة هو واقع الطلب الحقيقي كما انّ واقع الطلب الإنشائي هو واقع الإرادة الإنشائيّة.

والمتحصّل انّ معنى الإرادة الحقيقيّة هو الشوق المؤكد القائم بالنفس والناشئ عن تصوّر الشيء وتصوّر فائدة والتصديق بها ، وهذا هو معنى الطلب الحقيقي. وان معنى الطلب الإنشائي هو ما ينشأ بالصيغة أو ما يساوقها ، وهذا هو معنى الإرادة الإنشائية. ثم انّ واقع الإرادة أي الإرادة بالحمل الشائع هو عينه واقع الطلب.

وذهب آخرون الى الثاني وانّ الطلب والإرادة متغايران مفهوما إلاّ انّهما متحدان مصداقا ، فكما انّ مفهوم الناطق ومفهوم الضاحك متباينان من حيث المفهوم إلاّ انّ بينهما علاقة التساوي خارجا ، فلا شيء من الناطق إلاّ وهو ضاحك وكذلك العكس ، فهكذا الحال في الطلب والإرادة.

وأمّا المبنى الثالث وهو الذي ذهب اليه السيّد الخوئي رحمه‌الله وجمع من الأعلام فهو التغاير بين الطلب والإرادة مفهوما ومصداقا ، وانّ الطلب هو التصدّي لتحصيل ما هو مرغوب ومطلوب ، فهو فعل اختياري صادر عن الإنسان بالإرادة ، ولهذا لا يقال لمن رغب في تحصيل العلم إلاّ انّه لم يتصدّ لتحصيله انّه طالب علم ، فمحض الشوق والرغبة في ذلك لا يصحّح اطلاق عنوان الطالب عليه. وأمّا الإرادة فهي صفة نفسانيّة أو فعل نفساني قائم بالنفس ، وقد أوضحنا المراد من الإرادة تحت عنوانها.

وبهذا اتّضح انّ الطلب والإرادة متغايران مفهوما ومصداقا وانشاء ، أما التغاير المفهومي بينهما فواضح بعد ان قلنا انّ الطلب وضع للدلالة على التصدّي لتحصيل المرغوب والمحبوب وانّ الإرادة وضعت للدلالة على الصفة أو الفعل النفساني.

وأمّا التغاير المصداقي فلأنّ واقع الطلب لا يكون إلاّ عند تصدّي المريد

٢٧٤

لتحصيل مراده ، وأمّا فعليّة الشوق والرغبة فهي إرادة بالحمل الشائع وليست طلبا ، على انّ الطلب المنشأ بالصيغة أو ما يساوقها لا يقال له إرادة نعم هو يعبّر عن وجود إرادة وشوق إلاّ انّ وجود الإرادة والشوق ليس هو وحده المصحّح لاطلاق الطلب الإنشائي على ما انشأ بالصيغة مثلا بل الذي صحّح اطلاق الطلب عليه بالاضافة الى الإرادة والشوق هو انّه نحو من التصدي لتحصيل المطلوب.

* * *

٤٢٣ ـ أصالة الطهارة

والمقصود منها حكم الشارع بالطهارة الظاهريّة في حالات الشك بقطع النظر عن كون متعلّق الشك هو الحكم أو الموضوع أو قل سواء كان الشك بنحو الشبهة الحكميّة أو كان بنحو الشبهة الموضوعيّة ، فلو وقع الشك في نجاسة الكتابي وطهارته فإنّ أصالة الطهارة تقتضي الحكم بالطهارة الظاهريّة وهكذا لو وقع الشك في خمريّة هذا المائع فيكون نجسا أو عدم خمريته فيكون طاهرا فإنّ أصالة الطهارة تقتضي الحكم بطهارة هذا المائع المشكوك الخمرية.

ثم انّ أصالة الطهارة لم تبحث في علم الاصول ، وعلّل صاحب الكفاية رحمه‌الله ذلك بأنّ أصالة الطهارة ليست مطردة في تمام أبواب الفقه بل هي مختصّة بباب الطهارة خلافا لسائر المسائل الاصوليّة والتي تقع نتيجتها في استنباط الحكم الشرعي بقطع النظر عن موقع هذا الحكم في الفقه ، أي انّ نتيجة المسألة الاصوليّة لا تختصّ بباب من أبواب الفقه دون باب.

وأورد السيّد الخوئي رحمه‌الله على ذلك بأنّ ضابطة المسألة الاصوليّة هو وقوع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الشرعي ولا يعتبر في اصوليّة المسألة ان تكون نتيجتها مطردة في جميع أبواب الفقه. ثمّ ذكر ان منشأ عدم تعرض الاصوليين لأصالة الطهارة في علم الاصول هو وضوحها وعدم وقوع الخلاف في حجيّتها وانّها

٢٧٥

من الاصول العمليّة المقرّرة لوظيفة المكلّف في ظرف الشك.

* * *

٤٢٤ ـ الطهارة والنجاسة

ذهب الشيخ الأنصاري رحمه‌الله الى انّ الطهارة والنجاسة من الامور الواقعيّة وليستا من المجعولات الشرعيّة ، وذلك لأنّ الأحكام الوضعيّة لا تنالها يد الجعل أصالة بل هي امّا أن تكون منتزعة عن الأحكام التكليفيّة مثل الزوجيّة والملكيّة أو انّها من الامور الواقعيّة كالطهارة والنجاسة.

ووقع الكلام فيما هو مراد الشيخ رحمه‌الله من دعوى انّ الطهارة والنجاسة من الامور الواقعيّة ، وقد ذكر لذلك ثلاثة احتمالات :

الاحتمال الأوّل : انّ الطهارة هي النظافة الواقعيّة والنجاسة هي القذارة الواقعيّة فليستا من المعتبرات الشرعيّة ، وانّ وظيفة الشارع انّما هي الكشف عنهما وعن مواردهما عينا كما هو الحال في كشف أهل الخبرة عن خواص بعض الأدوية والتي لا يمكن التعرف عليها إلاّ عن طريقهم.

الاحتمال الثاني : انّ مناط جعل الشارع للطهارة والنجاسة انّما هو لاشتمال متعلّقهما على النظافة والقذارة المعنويتين الواقعيتين.

والظاهر انّ هذا المعنى غير مراد للشيخ رحمه‌الله ، إذ انّ معناه انّ الطهارة والنجاسة من المجعولات الشرعيّة ، وهو مناف لمبنى الشيخ رحمه‌الله في الأحكام الوضعيّة غير الانتزاعيّة كما اتّضح مما تقدم.

الاحتمال الثالث : انّ مناط الطهارة والنجاسة انّما هو النظافة والقذارة العرفيّتان وهي تعتمد على مبرّرات ومرتكزات عرفيّة ، وليس ذلك مرتبطا بالجعل والاعتبار ، غايته انّ النظافة والقذارة قد لا تكونان محسوستين للعرف فيكشف الشارع عنهما بواسطة الحكم بطهارة بعض الأشياء ونجاسة أشياء اخرى ويكون المنكشف هو النظافة والقذارة العرفيّتان ، بمعنى انّ العرف لو اطّلع

٢٧٦

على واقع هذه الأشياء لبنى على طهارة ما كشف الشارع عن طهارته ونجاسة ما كشف الشارع عن نجاسته ، بل قد يبنى العرف على قذارة بعض الأشياء ونظافة أشياء اخرى نتيجة الجهل باشتمال ما بنى على نظافته على مناط القذارة العرفيّة وهكذا العكس ، فتكون وظيفة الشارع هي تصحيح هذا البناء بواسطة الكشف عن واقع ما تشتمل عليه هذه الأشياء من مناط القذارة والنظافة العرفيتين.

والمتحصل انّ الطهارة والنجاسة ليستا من الجعولات الشرعيّة بل هما من الاعتبارات العرفيّة ، وتكون مهمّة الشارع هي الكشف عنها ، فإمّا أن يتطابق ما كشف عنه مع ما هو البناء العرفي خارجا ، وامّا أن يكون ما كشف عنه هو المطابق لمناط المتبنيات العرفيّة وان كان البناء العملي العرفي على خلافة نتيجة الجهل بواقع اشتمال هذه الأشياء على ما هو مناط المتبنّيات العرفيّة.

وكيف كان فما ذهب إليه الشيخ الأنصاري رحمه‌الله لم يقع موقع القبول عند كثير من الأعلام لمنافاة دعواه مع ظواهر الأدلّة المقتضية لكون الطهارة والنجاسة من الجعولات الشرعيّة.

ونقض عليه السيّد الخوئي رحمه‌الله بالطهارة الظاهريّة والتي يمكن أن يكون متعلّقها نجسا واقعا ، فلا يتعقل معها إلاّ الجعل الشرعي.

٢٧٧
٢٧٨

حرف الظّاء

٢٧٩

عناوين حرف الظاء

٤٢٥ ـ الظن

٤٢٦ ـ الظن الخاص

٤٢٧ ـ الظنّ الطريقي والظنّ الموضوعي

٤٢٨ ـ الظن المطلق

٤٢٩ ـ الظنّ النوعي

٤٣٠ ـ الظهور

٤٣١ ـ أصالة الظهور

٤٣٢ ـ الظهور الاقتضائي والفعلي

٤٣٣ ـ الظهور التصوري والتصديقي

٤٣٤ ـ الظهور التضمني

٤٣٥ ـ الظهور الحالي

٤٣٦ ـ الظهور الذاتي والموضوعي

٢٨٠