المعجم الأصولي - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

حرف الصّاد

٢٤١

عناوين حرف الصاد

٤٠٨ ـ قاعدة الصحّة

٤٠٩ ـ الصحّة التأهّليّة

٤١٠ ـ الصحّة والفساد

٤١١ ـ الصحيح والأعم

٤١٢ ـ الصحيح والفاسد

٤١٣ ـ الصدق في القضايا الحمليّة

٤١٤ ـ الصدق في القضايا الشرطيّة

٢٤٢

حرف الصاد

٤٠٨ ـ قاعدة الصحّة

والمراد من قاعدة الصحّة في المقام هو حمل عمل الغير على الصحّة لا حمل عمل النفس على الصحّة كما هو مقتضى قاعدة الفراغ والتجاوز والتي يعبّر عنها في بعض الأحيان بقاعدة الصحّة.

والصحّة المقصودة في القاعدة تحتمل أحد معنيين :

المعنى الاول : هو الصحّة المقابلة للمساءة والقبح ، فقاعدة الصحّة بهذا المعنى تعني حمل عمل الغير على ما هو حسن ومباح ، فلو وقع الشكّ في انّ ما صدر عن المؤمن هل هو معصية أو هو عمل مباح فإنّ مقتضى قاعدة الصحّة هو حمل فعله على ما هو مباح.

وقد دلّت على هذا المعنى مجموعة من الآيات والروايات ، منها قوله تعالى : ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِ ) (١) ، ومنها قوله عليه‌السلام « انّ المؤمن لا يتّهم أخاه المؤمن » ، ومنها قوله عليه‌السلام : « كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فإنّ شهد عندك خمسون قسامة انّه قال ، وقال لم أقله فصدقه وكذبهم ».

واستظهر السيد الخوئي رحمه‌الله من هذه الرواية إرادة الإمام عليه‌السلام حمل قول المؤمن على الصدق لا انّه بمعنى ترتيب آثار الواقع على قوله ، إذ من غير المعقول ترتيب آثار الواقع على قول محتف بما يوجب الوثوق بعدم مطابقته للواقع ، كما انّ تكذيب القسامة لا يعني حملهم على الكذب والافتراء بل بمعنى

٢٤٣

حملهم على الاشتباه ، وذلك لافتراض ايمانهم واخوتهم.

إلاّ انّه قد يقال انّ الخمسين القسامة المفترضة هم من غير الاخوة المؤمنين ، فيكون تكذيبهم بمعنى عدم الاعتناء بقسمهم وعدم ترتيب الأثر عليه وإلاّ فلو أورث قسمهم الاطمئنان كما هو الغالب إذا كانوا مؤمنين فإنّه لا بدّ من ترتيب الأثر على قولهم واعتبار ذلك المؤمن فاسقا ، نعم يكون حمله على الصدق بمعنى عدم مواجهته بالتكذيب والتفسيق ، هذا إذا لم يكن المكلّف في موقع القضاء.

وكيف كان فقاعدة الصحة بهذا المعنى خارجة عن محلّ الكلام.

المعنى الثاني : هو الصحّة المقابلة للفساد ، وأصالة الصّحة بهذا المعنى تعني اعتبار العمل الصادر عن الغير صحيحا ، وهذا يقتضي ترتيب آثار الصحّة المرتبطة بنفس المكلّف المجري لقاعدة الصحّة ، فلو شك المكلّف في صحّة قراءة الامام أو عدم صحّتها فإنّ قاعدة الصحّة تقتضي حمل قراءته على الصحة ، وعليه يصحّ الائتمام به ، وهكذا لو شك في صحّه طلاق المسلم فإنّ قاعدة الصحّة بهذا المعنى تقتضي حمل طلاقه على الصحيح ، وهذا يقتضي صحّة الزواج من مطلقته.

وهذه القاعدة لا تختصّ بعمل المؤمن كما هو الحال في قاعدة الصحّة بالمعنى الاول ، فهي تشمل عمل مطلق المسلم بل تشمل عمل الكفّار في بعض المعاملات الصادرة عنهم.

وقد استدلّ لحجيّة هذه القاعدة بمجموعة من الأدلّة عمدتها هو الاستدلال بالسيرة العقلائيّة الممضاة من قبل الشارع ، ومعقد هذه السيرة هو ترتيب آثار الصحّة على الاعمال الصادرة عن الغير في ظرف الشك في صحتها مع احراز علم العامل بضوابط الصحّة والفساد واحراز انّ ما يبني عليه العامل من ضوابط الصّحة والفساد مطابقة لما يبني عليه الحامل على الصّحة اجتهادا أو تقليدا ، هذا هو القدر المتيقّن من معقد السيرة ، إلاّ انّه لا يبعد قيام السيرة على ترتيب

٢٤٤

آثار الصحّة في حالات احراز علم العامل بالصحّة والفساد واحتمال انّ ما يبني عليه من ضوابط الصحّة والفساد موافقا لما يبني عليه الحامل ، أي انّ اجراء قاعدة الصحّة غير منوط باحراز التوافق في المبنى اجتهادا أو تقليدا وانّ احتمال التوافق كاف في جريان القاعدة.

فالقاعدة تجري في حالات احراز التوافق واحتماله ، وهل تجري في حالات العلم بالاختلاف في المبنى؟

ذهب السيّد الخوئي رحمه‌الله الى عدم جريانها مطلقا أي سواء كان الاختلاف بنحو التباين ـ بحيث يبنى الحامل على فساد العمل ويبني العامل على انّه صحيح ومتعيّن ـ كما لو كان الحامل يرى مانعيّة التكفير لصحّة الصلاة ويرى العامل شرطيّة التكفير في صحّة الصلاة ، أو كان الاختلاف بنحو لا يصل حدّ التباين ، كما لو كان الحامل يرى شرطيّة الاستقبال بالذبيحة ويرى العامل جواز ذلك أو استحبابه ، فعلى كلا التقديرين لا تجري القاعدة ، وذلك للشك في شمول معقد السيرة لهذا الفرض ، إلاّ انّ المنسوب للشيخ الأنصاري رحمه‌الله هو التفصيل بين الصورتين والبناء على جريان القاعدة في الصورة الثانية.

ثمّ انّه هل تجري القاعدة في حالات عدم احراز علم العامل بالصحّة والفساد ، بمعنى احتمال علمه بضوابط الصّحة والفساد واحتمال جهله بها.

الظاهر ـ كما أفاد السيّد الخوئي رحمه‌الله ـ جريان القاعدة في هذا الفرض ، وذلك لشمول معقد السيرة له بل هو الحالة الشائعة من موارد الحمل على الصّحة لصعوبة احراز علم العامل بضوابط الصحّة والفساد ، ولذلك يكفي احتمال مطابقة عمل الغير للواقع لو كان الاحتمال متعارفا ، ومن هنا قالوا بعدم جريان القاعدة في حالات العلم بجهل العامل ، وذلك لأنّ احتمال اتّفاق المطابقة مع الواقع مع افتراض جهل العامل بالصحّة والفساد ضئيل ان لم يكن موهوما.

* * *

٢٤٥

٤٠٩ ـ الصحّة التأهّليّة

الصحّة التأهّليّة وصف للشيء الواقع جزءا ضمن مركّب من المركّبات ، ولا تصدق على جزء إلاّ حينما يكون واجدا للخصوصيّة المقتضية لتأهّله وصلاحيّته لأن تنضمّ إليه بقيّة أجزاء المركّب.

وتوضيح ذلك : إنّ بعض المركّبات قد لا يتحقّق الأثر المنتظر منها إلاّ حينما يكون الجزء اللاحق واجدا لشرط هو صحّة الجزء الذي سبقه ، أمّا حينما لا يكون الجزء السابق واجدا لذلك فإنّ الجزء اللاحق وإن كان واجدا لخصوصيّته فإنّه لا ينتج الأثر المنتظر منه وبذلك لا يتحقّق الأثر المنتظر من مجموع المركّب.

إذن عند ما لا يكون الجزء السابق صحيحا فإنّه لا يكون مؤهّلا لأن تلحقه وتنضمّ إليه الأجزاء اللاحقة فهو في قوّة العدم ، وحينئذ لا يكون الجزء اللاحق لاحقا لأنّه لم يكن مسبوقا بالجزء الذي اقتضى أثر المركّب أن يكون موجودا قبله ، وهذا معناه أن يكون الجزء اللاحق قد وقع في غير موقعه ، وهو ما يمنع من أن يؤثّر المركّب أثره المنتظر منه.

ونذكر مثالا للتوضيح فقط : وهو الخبز فإنّ الأثر المنتظر منه هو صلاحيّته لأن يأكل ، وهذا يقتضي أن تؤلّف أجزاؤه بكيفيّة خاصّة وهو أن يؤتى بالطحين أوّلا ثمّ يعجن بمقدار معيّن من الماء ثمّ يحوّر وبعد ذلك يوضع في النار.

فلو جئنا بطحين فاسد وعجنّاه بالماء متحفّظين على مقداره بالدقّة ثمّ حوّرناه ثمّ وضعناه في النار فإنّ ذلك لن يجعل من الخبز صالحا للأكل رغم أنّ أجزاءه اللاحقة واجدة لخصوصيّاتها ، ذلك لأنّ الجزء السابق لم يكن واجدا للصحّة ، وهذا ما اقتضى المنع من تأهّله لأن تلحق به الأجزاء اللاحقة فتؤثّر أثرها.

وبذلك يتّضح أنّ المراد من الصحّة التأهّليّة هي واجديّة الجزء السابق في المركّب للخصوصيّة المقتضية لتأهّله

٢٤٦

وصلاحيّته لأن تنضمّ إليه الأجزاء اللاحقة فيؤثّر مجموعها الأثر المنتظر من المركّب.

ويمكن أن نمثّل لذلك بأجزاء الصلاة فإنّه قد اعتبر في صحّة اللاحق منها صحّة الجزء السابق فصحّة الجزء السابق وإن كان لا ينتج وحده الأثر المنتظر من الصلاة إلاّ أنّ صحّته تؤهّله لأن ينضمّ إليه الجزء الذي يليه.

فتكبيرة الإحرام حينما لا تكون صحيحة فإنّ القراءة بعدها لن تكون صحيحة ، وإن كانت واجدة لشرائط صحّتها في نفسها ، ذلك لأنّه اعتبر في صحّتها بالإضافة إلى شرائطها الخاصّة أن تكون لاحقة لتكبيرة الإحرام الصحيحة.

وبذلك يصحّ أنّ نصف كلّ جزء سابق واجد لشرائطه المعتبرة فيه بالصحّة التأهّليّة.

ثمّ إنّ وصف الجزء السابق ـ الواجد لخصائصه المعتبرة فيه ـ بالصحّة التأهّليّة لا يزول عن الجزء حتّى لو اتّفق عدم الاتيان بالجزء اللاحق أو اتّفق عدم صحّة الجزء اللاحق ، وذلك لأنّ المناط في صحّة إطلاق عنوان الصحّة التأهّليّة على الجزء السابق هو واجديّته لخصائصه المعتبرة فيه بحيث يكون بذلك متأهّلا لأن تنضمّ إليه الأجزاء اللاحقة ، فسواء لحقت به أو لم تلحق به فهو مؤهّل لأن تلحق به وهذا وحده كاف لصحّة إطلاق عنوان الصحّة التأهّليّة عليه.

وهذا بخلاف الصحّة الموصوف بها الجزء السابق بلحاظ صحّة الجزء اللاحق ، فإنّها لا تثبت للجزء السابق إلاّ بعد إحراز صحّة الجزء اللاحق ، فهي ليست منوطة بواجديّة الجزء السابق لخصائصه المعتبرة فيه وحسب ، بل هي منوطة بأمر آخر وهو صحّة الجزء اللاحق.

* * *

٤١٠ ـ الصحّة والفساد

ونبيّن هنا معنى الصحّة والفساد من جهة انّهما حكمان وضعيّان أو ليسا حكمين وضعيين ، فنقول انّ المحقّق

٢٤٧

النائيني رحمه‌الله ذكر انّ اعتبار الصحّة والفساد من الأحكام الوضعيّة لا يستقيم إلاّ بناء على انّ المراد منهما أحد معنيين :

المعنى الاوّل : انّ الصحيح هو ما كان واجدا للخصوصيّة التي ينتظر منه التوفّر عليها بحسب طبعه ، فعند ما يقال انّ هذا الطعام صحيح فمعناه انّه واجد للخصوصيّة التي ينتظر منه الاشتمال عليها ، أمّا لو كان فاقدا لهذه الخصوصيّة فإنّه يكون طعاما فاسدا ، فالتمر مثلا والذي شأنه الحلاوة والليونة بحسب طبعه لو كان فاقدا لهما ـ كأن كان مرا أو حشفا ـ لكان فاسدا ، ولو كان متوفرا عليهما لكان صحيحا ، وهكذا الكلام في مثل الصلاة ، فالصلاة الواجدة للخصوصيّة المقتضية للأمر بها وهي المصلحة والملاك تكون صحيحة ، وأمّا الصلاة التي لا تتوفّر على هذه الخصوصيّة تكون فاسدة.

والصحّة بهذا المعنى انّما تكون من دواعي الأمر وعلل جعله ، إذ انّها انّما تنتزع عن مقام ذات الشيء بقطع النظر عن تعلّق الأمر بذلك الشيء ، غايته انّ توفّر الشيء على الخصوصيّة التي يقتضيها طبعه يكون هو الداعي والسبب لأن يتعلّق به الأمر والمتحصّل انّ الصحّة والفساد بهذا المعنى لا يكونان من الأحكام الوضعيّة.

المعنى الثاني : انّ الصحيح هو مطابقة المأتي به للمأمور به أو مطابقة المأتي به للطبيعة المعتبرة ، والفاسد هو ما لا يكون كذلك ، فالصلاة الصحيحة هي الفرد المحقّق أو المقدّر والذي يكون مطابقا للمأمور به ، أي للطبيعة المجعولة ، والعقد الصحيح هو الفرد الخارجي الموافق للعقد الذي اعتبرت معه الملكيّة مثلا ، فالملكيّة هي الحكم وموضوعها طبيعة العقد ، فمتى ما كان الفرد الخارجي مصداقا لطبيعة العقد فإنّه يكون صحيحا ، وأمّا لو لم يكن مصداقا لطبيعة العقد فإنّه يكون فاسدا ، هذا ما أفاده المحقّق النائيني والسيّد الخوئي رحمهما الله.

إلاّ انّ صاحب الكفاية رحمه‌الله ادعى انّ الصحّة في العبادات تكون بمعنى

٢٤٨

مطابقة المأتي به للمأمور به ، وأمّا في المعاملات فليس كذلك بل انّ الصحّة في المعاملات تعني ترتيب الأثر على المعاملة ، فمتى ما كان أثر المعاملة مترتبا فإنّها تكون صحيحة أمّا إذا لم يترتّب الأثر على المعاملة فإنّها تكون فاسدة.

وبناء على هذا الاختلاف في معنى الصحّة كانت النتيجة هي انّ الصحّة في العبادات ليست من الأحكام الوضعيّة ، إذ انّها لا ترتبط بالجعل الشرعي ، وذلك لأنّ مطابقة المأتي به للمأمور به وعدم المطابقة انّما هو من الامور التكوينيّة القهريّة والتي لا تفتقر للجعل ، إذ لا يمكن أن يقال عن مصداق الطبيعة انّه ليس مصداقا لها ، كما انّ اعتباره مصداقا لها تحصيل للحاصل. وهكذا الكلام في الفساد فإنّ عدم مطابقة المأتي به للمأمور به لا يحتاج الى جعل بل هو ثابت في نفس الأمر بقطع النظر عن الجعل والاعتبار.

وأمّا الصحّة في المعاملات فلأنّ معناها هو ترتب الأثر على المعاملات افتقرت للجعل ، فما لم يعتبر الشارع ترتب الأثر على المعاملة فإنّها لا تترتب ، وهكذا الكلام في الفساد فإنّه منوط باعتبار الشارع عدم ترتب الأثر على المعاملة.

إلاّ انّ السيّد الخوئي رحمه‌الله حيث لم يقبل بدعوى الفرق بين معنى الصّحة في العبادات ومعنى الصحّة في المعاملات وذهب الى انّ لهما معنى واحد في العبادات والمعاملات معا وهو المطابقة وعدم المطابقة لأجل ذلك بنى على انّ الصحّة والفساد وفي المعاملات ليسا من الأحكام الوضعيّة بل هما من الامور التكوينيّة الغير المفتقرة للجعل والاعتبار إلاّ انّه فصّل بين الصحّة والفساد الواقعيّتين والصحّة والفساد الظاهريتين.

وأفاد بأنّ الصحة والفساد الواقعيّتين ليستا من الأحكام الوضعيّة ، وأمّا الصحّة والفساد الظاهريتين فباعتبار انّ موضوعهما هو الفرد المشكوك فإنّ للشارع الحكم بترتب الأثر عليه وعدم ترتيب الأثر ،

٢٤٩

وبهذا تكون الصحّة والفساد الظاهريّتين من الأحكام الوضعيّة.

مثلا : الصلاة التي وقع الشك فيها بعد الفراغ منها نشك في مصداقيّتها للمأمور به ، فعند ما يحكم الشارع بصحّتها فإنّ هذه الصحّة تكون ظاهريّة ، وعليه يكون حكمه بالصحة معناه الحكم بترتّب الأثر على هذه الصلاة ، وهكذا لو حكم بالفساد فإنّه يكون فسادا ظاهريا باعتبار انّ موضوعه الفرد المشكوك في مصداقيته للمأمور به.

وعند ما نجري عقدا باللغة الفارسيّة فإنّنا نشك في مصداقيته للعقد ، فلو كان قد حكم الشارع بصحّته فإنّ الصحّة تكون حينئذ ظاهريّة وتعني الحكم بترتّب الأثر على العقد.

والمتحصل انّ معنى الصحّة والفساد الواقعيتين يختلف عن معنى الصحة والفساد الظاهريتين ، وان الأول يقتضي أن تكون الصحّة والفساد من الامور التكوينيّة بخلاف الثاني فإنّه يقتضي أن تكون الصحة والفساد من الأحكام الوضعيّة.

هذا وقد عدل السيّد الخوئي رحمه‌الله عن هذا المبنى في المحاضرات وذهب الى انّ الصحّة تعني امضاء الشارع للمعاملة والفساد يعني عدم الإمضاء ، فكلّ معاملة شخصيّة مشمولة لأدلّة الامضاء الشرعي فهي معاملة صحيحة وإلاّ فهي معاملة فاسدة.

وبتعبير آخر : انّ الصحّة في المعاملة تعني اعتبار الشارع ترتّب الأثر المترقّب على المعاملة ، والفساد يعني عدم اعتبار الشارع لترتّب الأثر على المعاملة ، وبهذا تكون الصحّة والفساد من الأحكام الوضعيّة وليستا من الامور الواقعيّة التكوينيّة كما هو الحال في العبادات.

ووجه العدول عن المبنى الاول هو ما أفاده رحمه‌الله من انّ نسبة المعاملات للإمضاء الشرعي نسبة الموضوع للحكم لا نسبة المتعلّق للحكم كما هو الحال في العبادات.

* * *

٢٥٠

٤١١ ـ الصحيح والأعم

والبحث هنا عن انّ ألفاظ العبادات ـ كالصلاة والصوم والحجّ ـ وألفاظ المعاملات كالبيع والإجارة والنكاح هل هي مستعملة في لسان الشارع لخصوص الصحيح منها أو للأعم من الصحيح والفاسد؟

وتحرير محل النزاع يتمّ بأحد صياغات :

الصياغة الاولى : انّه بناء على ثبوت الحقيقة الشرعيّة وانّ الشارع وضع ألفاظ العبادات وألفاظ المعاملات لمعان خاصة تختلف سعة وضيقا وتبيانا عن المعاني اللغويّة بناء على ذلك يكون تصوير محلّ النزاع بهذه الصياغة : وهي انّ ألفاظ العبادات وألفاظ المعاملات هل هي حقيقة في خصوص الصحيح منها أو هي حقيقة في الأعم من الصحيح والفاسد.

وبتعبير آخر : هل هي موضوعة للصحيح أو هي موضوعة للأعم ، فلو كانت موضوعة للصحيح يكون استعمالها في الأعم مفتقرا الى قرينة وهكذا العكس ، فيكون الأصل عند عدم القرينة هو الاستعمال فيما وضع له شرعا.

الصياغة الثانية : انّه بناء على انكار الحقيقة الشرعيّة يكون تصوير محلّ النزاع بهذه الصياغة وهي انّ استعمالات الشارع لألفاظ العبادات والمعاملات هل هي في خصوص الصحيح منها باعتبار مناسبتها مع المعاني اللغويّة لهذه الألفاظ أو انّ استعمالاته لها انّما هو في الأعم باعتبارها هي المتناسبة مع المعاني اللغويّة لهذه الألفاظ ، فلو كان الأوّل كان الاستعمال في الثاني مفتقرا الى قرينة وكذلك العكس ، فيكون الأصل عند عدم القرينة هو الاستعمال المتعارف عن الشارع والمناسب لمداليل الألفاظ في اللغة.

الصياغة الثالثة : انّه بناء على انّ ألفاظ العبادات والمعاملات استعملها الشارع في معانيها اللغويّة إلاّ انّ

٢٥١

التعرف على إرادة المعنى الشرعي منها بواسطة نصب قرينة عامة بنحو تعدّد الدال والمدلول ، فالدال الاول هو واحد من ألفاظ العبادات أو المعاملات ومدلوله هو المعنى اللغوي ، والدال الثاني هو القرينة العامة ومدلوله هو المعنى الشرعي ، فبناء على هذا المبنى يكون تحرير محل النزاع بهذه الصياغة وهي انّ القرينة العامة التي جعلها الشارع دالا على المعنى الشرعي هل جعلها على المعاني الصحيحة أو جعلها على الأعم من الصحيحة والفاسدة ، فبناء على الأول تكون إرادة الأعم مفتقرة الى قرينة خاصة وهكذا العكس ، فالأصل عند عدم القرينة الخاصة هو الاستعمال في المعنى المناسب للقرينة العامة.

وأمّا ما هو المراد من الصحيح والفاسد فسوف نشرحه تحت عنوان الصحيح والفاسد ، وأمّا تصوير الجامع الوحداني بناء على الصحيح وبناء على الأعمّ فهو خروج عن الغرض.

* * *

٤١٢ ـ الصحيح والفاسد

ذكرت للصحيح والفاسد مجموعة من المعاني :

المعنى الاوّل : انّ الصحيح هو ما يقتضي الإتيان به سقوط الاعادة والقضاء ، والفاسد هو الذي ليس له هذا الاقتضاء ، وهذا المعنى هو المنسوب للفقهاء.

المعنى الثاني : انّ الصحيح هو الموافق للشريعة ، بمعنى انّ الصحيح هو ما يكون منطبقا للأمر الشرعي ، والفاسد هو ما لا يكون كذلك ، وهذا المعنى منسوب للمتكلّمين.

المعنى الثالث : انّ الصحيح هو ما يحصّل الغرض ويحقّقه ، والفاسد ما لا يكون كذلك.

وقد أورد على هذه المعاني الثلاثة بأنّها تعريفات للصحيح بلوازمه وللفاسد كذلك وإلاّ فليست هذه التعريفات معان للصحيح والفاسد بل انّ للصحيح معنى يلزم من هذا المعنى اللوازم المذكورة فالفعل اذا كان

٢٥٢

صحيحا لزم عن الإتيان به سقوط الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه ولزم من صحّته موافقة الشريعة وصيرورته منطبقا للأمر الشرعي وترتّب على صحّته حصول الغرض ، وهكذا الكلام في الفساد حيث يترتب عليه عدم سقوط الإعادة والقضاء وعدم موافقة الشريعة وعدم حصول الغرض.

المعنى الرابع : انّ الصحيح هو الواجد لتمام الأجزاء والشرائط والفاسد ما لا يكون كذلك ، وقد تبنّى هذا المعنى جمع من الأعلام ، ورتّب السيد الخوئي رحمه‌الله على ذلك انّ الصحة والفساد وصفان مختصان بالمركبات دون البسائط وانّ الذي يتّصف به المعنى البسيط هو الوجود والعدم.

الاّ انّ السيّد الصدر رحمه‌الله لم يقبل بهذا التعريف وذهب ـ تبعا للمحقّق العراقي رحمه‌الله الى انّ الصحيح هو الواجد للحيثيّة المرغوبة منه ، ولهذا لا تكون التعريفات الثلاثة للصحيح لوازم له بل هي مقومة له ، وذلك لأنّ واجديّة الشيء للحيثيّة المطلوبة تتفاوت بتفاوت الجهات الملحوظة ، وبهذا المعنى لا يكون وصف الصحّة والفساد مختصا بالمركبات كما أفاد السيّد الخوئي رحمه‌الله بل يكون وصف المعنى البسيط بالصحّة والفساد بلحاظ واجديّته للحيثيّة المرغوبة منه وعدم واجديّته لذلك.

* * *

٤١٣ ـ الصدق في القضايا الحمليّة

اختلف العلماء فيما هو مناط الصدق في الخبر ، فهنا أربعة مبان :

المبنى الأوّل : وهو مبنى المشهور ، وحاصله انّ مناط الصدق في الخبر هو مطابقة الخبر للواقع ، والكذب هو عدم مطابقته للواقع.

وبتعبير آخر : انّ الصدق هو مطابقة النسبة الخبريّة للنسبة الخارجيّة بقطع النظر عن كون النسبة ثبوتيّة أو سلبيّة ، والمراد من النسبة الخارجيّة هي النسبة الثابتة في نفس الأمر والواقع. وليس المقصود من

٢٥٣

المطابقة للنسبة الخارجيّة هو المطابقة لما هو ثابت في الوجود الخارجي بل المقصود منه المطابقة لما هو الثابت في نفس الأمر ، ومن هنا تكون ضابطة الصدق شاملة للقضايا التي لا يكون ثبوت النسبة فيها خارجيا كما في قضيّة « شريك الباري ممتنع الوجود » و « النقيضان لا يجتمعان » ، فإنّ مناط الصدق في هذه القضايا هو مطابقة النسبة في القضيّة مع النسبة الثابتة في نفس الأمر والواقع.

المبنى الثاني : وهو الذي ذهب اليه السيد الخوئي رحمه‌الله ، وحاصله انّ مناط الصدق هو مطابقة مراده للواقع ، فالمطابق ـ بصيغة الفاعل ـ هو المراد ، والمطابق ـ بصيغة المفعول ـ هو الواقع ونفس الأمر ، وليس المناط في الصدق هو مطابقة ظهور كلام المتكلّم للواقع حتى وان كان هذا الظهور منافيا للمراد الجدّي ، نعم قد يتّفق ـ كما هو الغالب ـ اتّحاد الظهور مع المراد إلاّ انّ ذلك لا يسوّغ أن يكون المناط هو مطابقة ظهور الكلام للواقع كما هو مبنى المشهور ، ومن هنا يكون المتّصف بالصدق والكذب هو مؤدى الخبر لا نفس الخبر كما هو مبنى المشهور ، وقد بينّا ذلك تحت عنوان « الجملة الخبريّة ».

المبنى الثالث : وهو الذي ذهب اليه النّظام ، وحاصله انّ مناط الصدق في الخبر هو مطابقته لاعتقاد المخبر حتى وان كان الاعتقاد منافيا للواقع ، ومناط الكذب هو عدم مطابقة الخبر لاعتقاد المخبر حتى وان كان مطابقا للواقع ، فلو قال المخبر « محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ولم يكن معتقدا بهذه النسبة فإنّ هذا الخبر يكون كاذبا رغم مطابقته للواقع ، ولو أخبر بوجود شريك الباري وكان معتقدا لذلك فإنّ خبره يكون صادقا رغم منافاته للواقع.

المبنى الرابع : وهو الذي ذهب اليه الجاحظ ، وحاصله انّ مناط الصدق في الخبر هو مطابقته للواقع والاعتقاد معا ، والكذب هو عدم مطابقة الخبر لهما معا ، وأمّا لو كان

٢٥٤

الخبر متوفرا على أحد الأمرين دون الآخر فإنّه لا يتّصف بالصدق ولا بالكذب ، فلو كان الخبر مطابقا للواقع ومنافيا للاعتقاد أو منافيا للواقع ومطابقا للاعتقاد فإنّه لا يكون كاذبا ولا صادقا.

* * *

٤١٤ ـ الصدق في القضايا الشرطيّة

انّ مناط الصدق في القضايا الشرطيّة هو صحّة الملازمة وواقعيّتها ، ومناط الكذب فيها هو فساد الملازمة وعدم واقعيّتها ، وذلك لأنّ مؤلف القضيّة الشرطيّة يدعي ثبوت الملازمة بين المقدّم والتالي في القضيّة الشرطيّة فلو لم تكن هذه الملازمة ثابتة في نفس الأمر فإنّ القضيّة أو مؤداها يكون كاذبا وان كان ثابتا في نفس الأمر فالقضيّة أو مؤداها يكون صادقا.

مثلا : قضيّة « إذا اطّلعت الشمس فالنهار موجود » صادقة وذلك لصحّة الملازمة وثبوتها في الواقع ، أمّا لو قيل « إذا طلعت الشمس فالليل موجود » فإنّ القضيّة تكون كاذبة لعدم صحّة الملازمة ومنافاتها للواقع ونفس الأمر.

٢٥٥

هوامش حرف الصاد

(١) سورة الحجرات : ١٢.

٢٥٦

حرف الضّاد

٢٥٧

عناوين حرف الضاد

٤١٥ ـ مسألة الضدّ

٤١٦ ـ الضدّ العام والضدّ الخاص

٤١٧ ـ الضرر والضرار

٤١٨ ـ الضرورة بشرط المحمول

٢٥٨

حرف الضاد

٤١٥ ـ مسألة الضدّ

ويقع البحث في مسألة الضدّ عن الملازمة بين وجوب الشيء وحرمة ضده ، وانّ العقل هل يدرك ثبوت هذه الملازمة أولا ، وبذلك يتّضح انّ مسألة الضدّ من المسائل العقليّة من قسم الاستلزامات ، إذ انّ القاضي بثبوت الملازمة وعدم ثبوتها هو العقل ، وانّ التعبير عن عنوان المسألة بقولهم « الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضدّه » لا يراد منه اختصاص البحث بالوجوب المفاد بواسطة الأدلّة اللفظيّة بل لأنّ الوجوب غالبا ما يستفاد بواسطة اللفظ ، فهذا ما برّر التعبير عن عنوان المسألة بذلك وإلاّ فالبحث يشمل مطلق الوجوب وانّه يقتضي حرمة ضدّه أولا.

هذا ولكن البعض حرّر المسألة على أساس انّها من المباحث اللفظيّة وانّ الأمر هل يدلّ بالإضافة الى البعث نحو متعلّقه هل يدل بإحدى الدلالات الثلاث ـ المطابقيّة والتضمنيّة والالتزاميّة ـ على النهي عن ضده أو انّه ليس للأمر أيّ دلالة على النهي عمّا يضاد متعلّقه.

وكيف كان فالبحث عن الاقتضاء في عنوان المسألة لا يختصّ بالبحث عن الملازمة بل يشمل الاقتضاء بنحو العينيّة والاقتضاء بنحو التضمن ، كما انّ المقصود من الملازمة يشمل اللزوم البيّن بالمعنى الأخص واللزوم البيّن بالمعنى الأعمّ وقد بيّنّا المراد من

٢٥٩

الاقتضاء في عنوان المسألة تحت عنوان « الاقتضاء في مسألة الضد » ، وأمّا ما هو المراد من الضدّ فهذا ما سيأتي بيانه.

ويبقى الكلام في الثمرة المترتّبة على مسألة الضدّ ، فإنّه بناء على القول باقتضاء الوجوب لحرمة الضدّ الخاصّ تكون النتيجة هي حرمة الواجب المضاد للواجب الأهمّ ملاكا ، فلو اتّفق وجود واجبين تضييق قدرة المكلّف عن امتثالها معا وكان أحدهما أهمّ ملاكا من الآخر فإنّ مقتضى القول بأنّ وجوب الشيء يقتضي النهي عن ضدّه هو حرمة الواجب المضاد لما هو أهمّ ملاكا ، ولهذا لو كان هذا الضدّ عباديا لما صحّ التقرّب به.

وأمّا لو كان البناء هو القول بعدم الاقتضاء لكانت النتيجة هي انّ وجوب الضدّ لا يكون مانعا عن ثبوت الوجوب للضدّ الآخر ، نعم لمّا كان الفرض هو ضيق قدرة المكلّف عن امتثال كلا الوجوبين فهذا يقتضي أن يكون الضدّ الآخر الأقلّ أهميّة مقيدا بعدم امتثال الضدّ الأهمّ فتكون فعليّة الوجوب للأقلّ أهميّة منوطة بعصيان أو بترك الضدّ الأهمّ ، وبهذا يكون الضدّ الأقل أهميّة واجبا ولكن بنحو الترتّب ، بمعنى انّه لو عصى المكلّف الضدّ الأهمّ فإنّه ملزم بالاتيان بالضدّ المهمّ ويكون عندئذ ممتثلا للضدّ المهمّ وعاصيا للضد الأهمّ. ولمزيد من التوضيح راجع عنوان « الترتّب ».

* * *

٤١٦ ـ الضدّ العام والضدّ الخاص

المراد من الضدّ في عنوان مسألة الضدّ هو الأعمّ من الضدّ المنطقي ، وذلك لشموله للنقيض المنطقي ، ويعبّر عن الضدّ الذي بمعنى النقيض بالضدّ العام وعن الضدّ المنطقي بالضدّ الخاصّ ، وبهذا يكون المراد من الضدّ في عنوان المسألة هو مطلق المعاند والذي تارة يكون من قبيل الأمر الوجودي المنافي وجوده لوجود الضدّ الواجب ، وتارة يكون من قبيل الأمر العدمي والذي هو نقيض وجود الواجب.

٢٦٠