المعجم الأصولي - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

حرف الراء

٣٦٤ ـ الرافع والمانع

ذكر المحقّق النائيني رحمه‌الله انّ الرافع يطلق على معنيين :

المعنى الأوّل : انّ الرافع هو ما يوجب انتفاء فاعليّة المقتضي في بقاء مقتضاه أو قل هو ما يحول دون تأثير المقتضي في بقاء أثره بعد ان أثّر في ايجاده واحداثه ، فبعد ، وجود المعلول واقتضاء علّته لبقائه واستمراره يكون دور الرافع هو الحيلولة دون تأثير المقتضي في استمرار البقاء لوجود المعلول. والمقصود من الرافع هنا هو الأعم من الرافع الوجودي والعدمي.

ومثال الرافع الوجودي هو الوضوء بالنسبة للحدث ، فإنّ الحدث عند ما يقع يكون مقتضيا للبقاء إلاّ انّ الوضوء يحول دون تأثيره في البقاء والاستمرار.

ومثال الرافع العدمي هو زوال التغيّر عن الماء ، إذ انّه يحول دون استمرار اتّصاف الماء بالنجاسة بعد أن كانت ملاقاته للنجاسة مقتضية لبقاء اتّصافه بالنجاسة.

وهذا المعنى للرافع هو مراد الشيخ الأنصاري رحمه‌الله من التفصيل في جريان الاستصحاب بين الشك في المقتضي والشك في الرافع ، فإنّ الشيخ الانصاري رحمه‌الله يبني على عدم جريان الاستصحاب إلاّ إذا كان الشك من قبيل الشك في الرافع.

المعنى الثاني : هو عبارة عن الأمر الوجودي الذي اخذ عدمه شرطا في بقاء تأثير المقتضي لبقاء

١٦١

واستمرار أثره ، وهذا المعنى لا يختلف عن المعنى الأول إلاّ من جهة انّ الرافع هنا لا يكون إلاّ أمرا وجوديا ، فالنسبة بين المعنى الاول والثاني هو العموم المطلق ، فالمعنى الأول أعم مطلقا من المعنى الثاني ، إذ انّه لا يختصّ بالرافع الوجودي.

وأمّا المراد من المانع فهو ما يكون وجوده مانعا عن تأثير المقتضي للإيجاد والإحداث ، فالفرق بين المانع والرافع بمعنييه هو انّ الرافع يحول دون استمرار الوجود للمعلول ، وأمّا المانع فهو يحول دون ايجاد المعلول واحداثه ، فعدمه جزء علة في حدوث المعلول.

* * *

٣٦٥ ـ الرخصة والعزيمة

وقع البحث عن انّ الرخصة والعزيمة هل هما من الأحكام الوضعية أو من الأحكام التكليفيّة أو هما من خصوصيّات الحكم التكليفي؟

فهنا معان ثلاثة محتملة لواقع الرخصة والعزيمة :

المعنى الأوّل : انّ المراد من العزيمة هو الفريضة والحكم التكليفي الإلزامي المجعول على موضوعه ابتداء ، أي بنحو الحكم الاولي ، ومثاله ايجاب الصلاة وحرمة الربا.

وأمّا المراد من الرخصة فهي الاباحة المجعولة بملاك التخفيف والتسهيل على العباد ، ولكن في ظروف خاصّة ، كحالات الاضطرار والعسر والحرج والضرر ، ومثاله الترخيص في أكل الميتة في ظرف الاضطرار ، والترخيص في كشف العورة لغرض العلاج الذي يترتّب على عدمه الضرر أو الحرج.

وواضح انّ الرخصة والعزيمة بهذا المعنى يقتضي انسلاكهما في الأحكام التكليفيّة. والظاهر من المحقّق النائيني رحمه‌الله تبنّي هذا المعنى وان كان لم يفصح بذلك في أجود التقريرات.

وكيف كان فهذا المعنى هو المناسب للمفهوم اللغوي من اللفظين ، فقد ذكر الفيّومي في المصباح انّ عزيمة الله جلّ وعلا فريضته التي افترضها ، وعزائم

١٦٢

السجود ما امر بالسجود فيها ، وذكر انّ الرخصة هي التسهيل في الأمر والتيسير ، يقال رخص الشرع لنا في كذا إذا يسّره وسهّله.

المعنى الثاني : وهو الذي تبنّاه السيد الخوئي رحمه‌الله قال : « العزيمة عبارة عن سقوط الأمر بجميع مراتبه » والرخصة « عبارة عن سقوط الأمر ببعض مراتبه ».

وبيان ذلك : انّ الأمر اللزومي يتضمّن بحسب التحليل ثلاث مراتب والمرتبة الدنيا هي اباحة متعلّقه ، والمرتبة العليا منه هي محبوبيّة متعلّقه الشديدة المقتضية لإلزام المكلّف ، وأمّا المرتبة الوسطى فهي رجحانه.

فمتى ما أسقط المولى الأمر بتمام مراتبه الثلاث فهذا معناه انتفاء حتى الإباحة عن متعلّقه ، وهذا هو معنى العزيمة والتي تقتضي بهذا المعنى حرمة الإتيان بمتعلّق الأمر الساقط استنادا الى الأمر المولوي ، إذ لا أمر مولوي حينئذ ، فالإتيان بمتعلّق الأمر من التشريع المحرّم.

ومثال ذلك اسقاط الأمر بالركعتين الأخيرتين في السفر ، فإنّ سقوطهما عزيمة ، بمعنى انتفاء الأمر عن الركعتين من رأس ، ولذلك يكون الإتيان بهما تشريعا محرما.

وكذلك الكلام لو أسقط المولى الأمر الاستحبابي بجميع مراتبه ، فإنّ الذي يسقط بذلك ليس هو الرجحان فحسب بل هو الإباحة أيضا ، أي انّ الإتيان بمتعلّق الأمر ـ بعد ذلك ـ بقصد الأمر حرام لأنّه من التشريع ، ومن هنا يكون سقوط الأمر الاستحبابي عزيمة ، ومثاله إسقاط الأمر بالأذان والإقامة عن المأموم.

وأمّا لو أسقط المولى بعض مراتب الأمر ، كما لو أسقط عن الأمر مرتبة الإلزام أو أسقط عن الأمر الاستحبابي المؤكد مرتبة التأكّد فإنّ هذا النحو من الإسقاط هو معنى الرخصة. ويمكن التمثيل له بسقوط زكاة الفطرة عن الفقير ، فإن الساقط هو الأمر ببعض مراتبه وهو الإلزام ، فيبقى الرجحان على حاله ، وكذلك سقوط الأمر

١٦٣

الاستحبابي بالأذان عمّن سمعه فإنّ الساقط هنا ـ ظاهرا ـ مرتبة التأكيد ، ولذلك كان السقوط بمعنى الرخصة.

وبهذا تكون الرخصة والعزيمة من خصوصيّات الحكم التكليفي ، بمعنى انّها تحدّد الحالة التي يكون عليها الحكم التكليفي بعد سقوط الأمر بتمام مراتبه أو ببعضها.

المعنى الثالث : انّ المراد من العزيمة هو كلّ ما شرّعه الله تعالى وقنّنه لعباده بنحو لا يكون لأحد من عباده الخروج عن مقتضاه وترتيب غير آثاره.

ومن هنا تكون العزيمة شاملة للأحكام التكليفيّة والوضعيّة معا ، فكما انّ الوجوب والحرمة ممّا شرعه الله تعالى فكذلك الزوجيّة والملكيّة والطهارة والنجاسة ، فإنّه ليس للمكلّف الخروج عن مقتضى هذه الأحكام وترتيب غير آثارها ، وهكذا الكلام في حقّ الحضانة للام واستحقاق الذكر لمثل حظ الأنثيين والولاية على البكر ، كلّ ذلك يعبّر عنه بالعزيمة بقطع النظر عمّا هو سنخ ذلك الحكم وهل هو من سنخ الاحكام التكليفيّة أو الأحكام الوضعيّة.

وأمّا الرخصة فهي عبارة الاعتبارات والأحكام الشرعيّة التي يكون المكلّف معها في سعة من جهة عدم ترتيب آثارها ، من غير فرق بين أن تكون هذه الاعتبارات من سنخ الأحكام الوضعيّة أو من سنخ الاحكام التكليفيّة.

أمّا مثال الأحكام التكليفيّة فواضح ، وأمّا الأحكام الوضعيّة فيمكن التمثيل له بإجازة المالك في العقد الفضولي بناء على الكشف ، فإنّ العقد بناء عليه قد تمّ من حينه وترتب على ذلك النقل والانتقال إلاّ انّ للمالك عدم ترتيب آثار العقد ، كما يمكن التمثيل له بتزويج الولي للبكر ، فإنّ الزوجيّة تتحقّق بذلك إلاّ انّ البنت ليست ملزمة بترتيب آثار العقد والزوجيّة ، إذ انّ لها إلغاء العقد.

ولعلّ هذا المعنى هو الذي حدا

١٦٤

بالبعض لتبنّي انّ الرخصة والعزيمة من الأحكام الوضعيّة ، وان كنا لم نجد من تبنّى ذلك.

* * *

٣٦٦ ـ الرفع والدفع

أفاد المحقّق النائيني رحمه‌الله في مقام بيان الفرق بين الرفع والدفع ما حاصله :

أنّ الرفع بمعنى نفي الشيء وإعدامه بعد أن كان متقرّرا وموجودا في عالمه المناسب له ، فحينما يكون الشيء موجودا فعلا فإنّ إعدامه يكون رفعا لوجوده سواء كان هذا الشيء من قبيل الوجودات العينيّة المتأصّلة أو كان من قبيل الاعتبارات الشرعيّة.

فإعدام الشجرة بعد أن كانت موجودة يسمّى رفعا ، ونفي الوجوب عن الصلاة مثلا بعد أن كان ثابتا لها يسمّى رفعا أيضا ، غايته أنّ الرفع في كلّ منها يناسب وعاء وجوده.

وأمّا الدفع فهو بمعنى المنع عن تأثير المقتضي لأثره ، أي المنع عن وجود الشيء بعد أن كان واجدا لمقتضيه.

فحينما يكون الشيء مؤهّلا للوجود بعد تماميّة أجزاء علّته ـ سوى عدم المانع ـ فإنّ الحيلولة دون إيجاده يسمّى دفعا أي فإنّ الحيلولة دون تأثير علّته في إيجاده يسمّى دفعا.

فعند ما تهيّأ النار وتقرّب منها الخشبة فإنّ الاحتراق يصبح بذلك مؤهّلا للوجود إلاّ أنّه عند ما يوضع عازلا فوق الخشبة فإنّ ذلك يكون مانعا عن وجود الاحتراق ، هذا المانع يسمّى دفعا كما يسمّى مانعا.

وهكذا عند ما يكون الفعل واجدا للملاك المقتضي لجعل الوجوب عليه إلاّ أنّ ثمّة مانع منع من أن يؤثّر هذا المقتضي في إيجاد جعل الوجوب على الحكم كما لو افترضنا اشتمال صلاة الليل على الملاك المقتضي لجعل الوجوب عليها إلاّ أنّه منع من إيجابها ملاك التسهيل فإنّ هذا المانع يسمّى دفعا.

وبذلك اتّضح الفرق بين الرفع والدفع وأنّ الرفع ناف للوجود الثابت في زمان سابق أو رتبة سابقة ، وأنّ

١٦٥

الدفع مانع عن تحقّق الوجود في مورد يكون الشيء واجدا لمقتضي الوجود.

ثمّ إنّ المحقّق النائيني رحمه‌الله بعد أن أفاد ما بينّاه عالج ما ينتجه هذا الفرق من إشكاليّة استعمال الرفع في معنى الدفع في حديث الرفع ـ والذي هو أحد أدلّة البراءة ـ حيث لا يبعد أن يكون المراد من الرفع هو الدفع بالمعنى المذكور ، فرفع ما لا يعلمون معناه أنّ المقتضي لجعل الأحكام على المكلّفين في ظرف الجهل ، وعدم العلم وإن كان موجودا إلاّ أنّ مصلحة البراءة منعت من أن يؤثّر هذا المقتضي أثره في جعل الحكم على المكلّفين في ظرف الجهل وعدم العلم.

فإذا كان الرفع قد استعمل في معنى الدفع فلا بدّ وأن يكون هذا الاستعمال مجازيّا ، وهو ما يفتقر إلى قرينة.

لذلك أفاد المحقّق النائيني رحمه‌الله أنّ الرفع قد استعمل في معناه وهو نفي الوجود بعد أن كان متقرّرا ، وذلك يتّضح بالالتفات إلى أنّ وجود الشيء كما يفتقر في أصل وجوده إلى علّة كذلك هو يفتقر في استمرار وجوده إلى علّة ، فحينما يكون ثمّة مانع من تأثير المقتضي لأثره في استمرار وجود الشيء فإنّ هذا المانع يكون في الحقيقة نافيا للوجود لأنّه يكون نافيا لاستمراره ، فوجود الشيء في عمود الزمان ينحلّ إلى وجودات متعدّدة بعدد آنات الزمان ، وكلّ وجود منها يحتاج إلى مفيض وعلّة ، فحينما يمنع مانع عن الوجود الثاني فهذا في واقع الأمر نفي وإعدام للوجود الثاني.

فالرفع إذن وإن كان بمعنى نفي الوجود وإعدامه إلاّ أنّه يتصادق مع الدفع بمعنى المنع ، لأنّ الرفع ـ بمعنى الإعدام ـ من جهة الاستمرار يكون بالمنع من تأثير المقتضي لاستمرار الوجود من أن يؤثر أثره في استمراره.

وبالنتيجة يكون استعمال الرفع بمعنى الدفع ليس مجازيا بعد اتّحاده معه من جهة أنّ الرفع وإعدام الوجود يكون بواسطة المنع من تأثير المقتضي لأثره في استمرار الموجود.

١٦٦

حرف الزّاي

١٦٧

عناوين حرف الزاي

٣٦٧ ـ الزمان والزمانيات

٣٦٨ ـ الزيادة في المركبات الاعتباريّة

١٦٨

حرف الزاي

٣٦٧ ـ الزمان والزمانيات

عرّف الزمان بأنّه كم متصل غير قار عارض للحركة ، فلأنّه من مقولة الكم كان قابلا للانقسام ، ولأنّه متّصل تحققت معه القبلية والبعديّة فالمتصرّم منه تكون له القبلية كما انّ الجزء الذي يلي المتصرّم تكون له البعديّة ، ولو لا ذلك لما كان بينهما اتّصال بل كانت الأجزاء منفصلة عن بعضها ، ولو كان قارا لأمكن اجتماع الجزء القبلي مع الجزء البعدي في عرض واحد.

ثمّ انّه لا يتعقل وجود الزمان دون الحركة ، إذ لو رفعنا الحركة عن هذا المقدار المتّصل لانتفى الزمان ، وهذا ما يعبّر عن انّ الزمان عارض للحركة والحركة هي معروضه وموضوعه ، فالزمان موجود في موضوع هو الحركة ، وماهيته انّه مقدار له اتّصال وليس له قرار. هذا حاصل ما استفدناه من العلاّمة الطباطبائي رحمه‌الله في نهاية الحكمة.

وأمّا المراد من الزمانيات فهي الوجودات غير القارة ، فهي متقوّمة بكون الجزء المتأخر منها منوط وجوده بانصرام المتقدم ، فالزمانيات وان كانت غير الزمان إلاّ انّها مثل الزمان من جهة انّها وجود متصرّم ليس له قرار ، ولهذا يعبّر عنها بالوجود السيّال في مقابل الوجود الذي تكون تمام أجزائه مجتمعة في عرض واحد.

ويمثلون للزمانيات بالحركة وجريان الماء وانصباب الدم من

١٦٩

الرحم والقراءة ، فهذه الأمثلة تشترك في تقوّم كلّ واحد منها بعدم اجتماع أجزائه في عرض واحد.

ثم انّ الاصوليين يطلقون عنوان الزمانيّات على نوع آخر من الوجودات وهو الوجود القار المقيّد بزمان ، ومنشأ اطلاق عنوان الزماني على هذا النحو من الوجودات هو تقيّده بالزمان.

ومثاله ما لو أمر المولى عبده بالكون في المسجد من شروق الشمس الى الغروب ، فإنّ الكون في المسجد ليس من الزمانيات في حدّ نفسه إلاّ انّ تقيده بالزمان صحّح اطلاق عنوان الزماني عليه.

* * *

٣٦٨ ـ الزيادة في المركبات الاعتباريّة

وبيان المراد من المركبات الاعتباريّة في محلّه ، والبحث في المقام عن امكان حصول الزيادة في المركبات الاعتباريّة مثل الصلاة والتي هي مركب اعتباري من مجموعة أجزاء.

فقد يقال بعدم امكان حصول الزيادة في المركبات الاعتباريّة ، وذلك لأنّ كلّ جزء معتبر في المركب إمّا ان يكون نحو اعتباره هو اللابشرط أو البشرطلا ، فإن كان نحو اعتباره هو الاول ـ والذي يعني الإطلاق وعدم تقييد الجزء بالوحدة أو التعدد ـ فهذا يقتضي عدم تحقّق الزيادة حتى مع تكرار الجزء ، إذ المفترض انّ الجزء اخذ بنحو اللابشرط أي بنحو الاطلاق ، وهذا معناه انّ كل فرد يؤتى به من أفراد الجزء يكون مصداقا للمأمور به وهو طبيعي الجزء ، ومن هنا كان تكرار الجزء في المركب غير محقق للزيادة بناء على هذا الفرض.

وأما لو كان نحو اعتباره هو البشرطلا ـ أي بشرط عدم تكرار الجزء ـ فهو أيضا يقتضي استحالة تحقق الزيادة في المركب الاعتباري ، وذلك لأنّ المكلّف لو جاء بالجزء مرة ثانية فهذا معناه عدم امتثال الجزء

١٧٠

الاول ، إذ المفترض انّ الجزء المأمور به هو الجزء المقيّد بعدم تكراره ، فعند تكراره يكون القيد منتفيا ، وانتفاء القيد معناه انتفاء المقيّد ، فالتكرار ـ بناء على هذا الفرض ـ يقتضي نقصان المركب لا زيادته.

وبهذا التقريب تصوّر استحالة الزيادة في المركب الاعتباري ، إلاّ انّ ذلك غير تام وانّ الصحيح هو امكان تصوير الزيادة في المركبات الاعتبارية ـ كما أفاد السيّد الخوئي رحمه‌الله ، وذلك بأن يقال انّ أخذ الجزء بنحو اللابشرط « الاطلاق » له صورتان :

الصورة الاولى : ان تكون طبيعة الجزء مأخوذة في المركب بقطع النظر عن التكرار والتعدد ، بمعنى انّ المطلوب هو ايجاد طبيعة الجزء في المركب ، وحينئذ لا يكون التكرار مقتضيا للزيادة ، فتمام الأفراد المكررة مصاديق للطبيعة المطلوبة ، فالتكرار لا يقتضي تحقق ما هو زائد على المقدار المطلوب.

الصورة الثانية : أن يكون الجزء المأخوذ بنحو الإطلاق واللابشرط مأخوذا بنحو صرف الوجود ، واذا كان كذلك فأوّل وجودات الطبيعة هو المأمور به ، وعليه يكون الإتيان بأفراد اخرى موجبا للزيادة في المركب الاعتباري ، إذ انها لا تكون مصداقا للمأمور به بعد ان كان الجزء المأمور به مأخوذا بنحو صرف الوجود وقد تحقّق بأول فرد للجزء الذي جاء به المكلّف ، نعم لا يكون الإتيان بأفراد اخرى ضائرا بالمطلوب ـ وذلك لافتراض انّ الجزء مأخوذ بنحو اللابشرط ـ إلاّ انّ ذلك لا يؤثر على ما هو المراد إثباته وهو امكان تحقق الزيادة في المركبات الاعتبارية ، هذا أولا.

وثانيا : انّ ما هو مذكور لإثبات استحالة تحقّق الزيادة في المركبات الاعتباريّة يناسب المداقة العقليّة والحال انّ الاحكام الشرعيّة لا تخضع لمثل هذه المداقات ، فلا بدّ من مراجعة ما هو المتفاهم العرفي وانّ الزيادة ـ بنظر العرف ـ هل يمكن تحقّقها في

١٧١

المركبات الاعتباريّة أولا؟

وحين مراجعة العرف نرى امكانية ذلك دون أدنى غضاضة سواء كان اعتبار الجزء بنحو اللابشرط أو بنحو البشرطلا.

ثمّ انّه إذا كان البناء هو ما عليه العرف فإنّ ذلك يقتضي البناء على امكان تحقّق الزيادة حتى بالإجزاء غير المسانخة للأجزاء المأمور بها ، كأن يضاف الى المركب هيئة خاصة غير مسانخة لأحد أجزاء المركّب المأمور به.

١٧٢

حرف السّين

١٧٣

عناوين حرف السين

٣٦٩ ـ مسلك السببيّة

٣٧٠ ـ سدّ الذرائع

٣٧١ ـ السنّة الشريفة

٣٧٢ ـ السنّة في استعمالات الفقهاء

٣٧٣ ـ السيرة العقلائيّة

٣٧٤ ـ السيرة المتشرعيّة

١٧٤

حرف السين

٣٦٩ ـ مسلك السببيّة

وهي من النظريات التي تصدّت لتفسير ما هو المجعول في الأمارات ، ومجمل المراد من هذه النظريّة هو انّ الأمارة جعلت سببا لتدارك ما يفوت من مصلحة الواقع.

وقد عالج الشيخ الأنصاري رحمه‌الله بهذه النظريّة اشكال ابن قبة على التعبّد بالظن وانّه يستلزم تفويت مصلحة الواقع على المكلّف كما يوجب ايقاعه في مفسدة الواقع لو اتّفق منافاة مؤدى الأدلّة الظنيّة للواقع ، وقد تصدى الاعلام للإجابة عن هذه الشبهة ، ومن هذه الإجابات ما ذكره الشيخ الأنصاري رحمه‌الله من انّ المجعول في الأمارات هو السببيّة ، وذكر انّ لمسلك السببيّة اتجاهات ثلاثة :

الاتجاه الاول : هو السببيّة الأشعريّة ، وحاصل المراد منها هو انّه ليس لله جلّ وعلا أحكام وراء قيام الأمارات ، بمعنى انّه ليس ثمّة أحكام واقعيّة تابعة لملاكات في متعلقاتها ، والموجود انما هي أحكام مستفادة من مؤديات الأمارات وانّ قيامها يكون سببا في حدوث مصلحة في جعل الأحكام واعتبارها على طبق مؤديات تلك الامارات ، وقد شرحنا هذه النظريّة تحت عنوان « التصويب الأشعري » « التخطئة والتصويب ».

الإتجاه الثاني : هو السببية المعتزليّة ، وحاصل المراد منها هو التسليم بوجود أحكام واقعيّة تابعة لملاكات واقعيّة إلاّ انّه عند قيام

١٧٥

الأمارة تنشأ مصلحة في مؤداها أقوى من مصلحة الواقع فيقتضي ذلك تبدّل الحكم الواقعي الى حكم مطابق لمؤدى الأمارة ، فيكون ذلك من قبيل طرو العناوين الثانويّة المقتضية لتبدّل الحكم الاولي الى حكم يتناسب مع العنوان الثانوي الطارئ.

ومع انكشاف منافاة الأمارة للواقع تزول المصلحة عن مؤداها ويلزم التعبّد بما هو مقتضى الواقع إلاّ انّ تبدّل الحكم حينئذ يكون بسبب تبدّل الموضوع ، بمعنى انّه قبل انكشاف الواقع لا مصلحة في متعلّق الحكم الواقعي وانّ المصلحة متمحّضة في مؤدى الأمارة ، وأمّا بعد انكشاف منافاة الأمارة للواقع تنتفي المصلحة المتعلّقة بمؤدى الأمارة وتصبح المصلحة في متعلّق الواقع ، وهذا هو الذي يوجب تبدّل الحكم. وقد شرحنا هذه النظريّة بشيء من التفصيل تحت عنوان « التصويب المعتزلي ».

الاتّجاه الثالث : السببيّة بمعنى المصلحة السلوكيّة ـ بحسب تعبير المحقّق النائيني رحمه‌الله ـ وهي التي تبناها الشيخ الأنصاري رحمه‌الله ، وحاصل المراد منها انّ لله جلّ وعلا أحكاما واقعيّة تابعة لملاكات واقعيّة في متعلقاتها وانّ هذه الملاكات لا تنتفي بقيام الأمارات على خلاف الواقع ، غايته انّ قيام الأمارة يقتضي نشوء مصلحة في سلوك الأمارة والجري على وفقها ، هذه المصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقعة.

ولأنّ المصلحة في سلوك الأمارة ثبتت بواسطة مقدمتين الاولى هي أدلّة الحجيّة للأمارة ، والثانية هي قبح تفويت مصلحة الواقع ، إذ استفدنا من مجموعهما انّ الأمارة سبب في نشوء مصلحة في سلوكها والجري على وفق مؤداها فتكون هذه المصلحة جابرة للمصلحة الواقعيّة الفائتة ، فلأنّ المصلحة السلوكيّة نشأت عن ذلك تكون النتيجة هي اختصاص اشتمال السلوك على المصلحة بالمقدار الذي يفوته سلوك الأمارة من مصلحة الواقع.

١٧٦

فلو صلّى المكلّف صلاة الجمعة استنادا الى الأمارة ثمّ انكشف له انّ الواقع هو وجوب صلاة الظهر ، فتارة يكون الانكشاف بعد أوّل الوقت وحينئذ يكون ما تداركته المصلحة السلوكيّة بمقدار ما فات من مصلحة الواقع والذي هو في الفرض مصلحة الوقت الفضيلي لصلاة الظهر ، فلا تقتضي المصلحة السلوكيّة تدارك مصلحة أداء صلاة الظهر في الوقت ، ومن هنا يلزم المكلّف أداء صلاة الظهر في الوقت ، إذ لا يقتضي أداء صلاة الجمعة أكثر من تدارك ما فات من مصلحة أول الوقت.

أمّا لو انكشف الواقع بعد انتهاء وقت صلاة الظهر فإنّ المصلحة السلوكيّة تقتضي حينئذ تدارك ما فات من مصلحة الوقت ، ولا تقتضي تدارك مصلحة أصل الصلاة ، ولهذا يلزم المكلّف قضاء صلاة الظهر بعد الوقت ، نعم لو لم ينكشف الواقع فإنّ مصلحة سلوك الأمارة تقتضي تدارك ما فات من مصلحة أصل الصلاة.

ثم انّه لمّا لم تكن المصلحة في قيام الأمارة وانما هي في سلوكها بعد قيامها لمّا كان كذلك فإنّ المكلّف لو لم يعمل بمقتضى الأمارة ـ فلم يكن فوات الواقع مستندا لسلوك الامارة ـ فإنّ مصلحة الواقع لا تكون متداركة.

هذا هو حاصل المراد من السببيّة بنحو المصلحة السلوكيّة والتي تبناها الشيخ الأنصاري والمحقق النائيني رحمهما الله.

* * *

٣٧٠ ـ سدّ الذرائع

المراد من الذريعة هو الوسيلة التي يتوسّل بها للوصول للغرض ، ويعبّر عنها بالمقدّمة.

والمقصود من سدّ الذرائع هو تحريم الوسائل والمقدّمات المؤدية للوقوع في الحرام أو المفضية للوقوع في المفاسد.

وهذا الاصطلاح غير مستعمل في اصول الإماميّة ـ والمستعمل عندهم هو عنوان « مقدّمة الحرام » ـ فهو من مصطلحات أصول العامة ، والبحث

١٧٧

فيه يقع عمّا هو حكم مقدمة الحرام ، وهل انّ ثبوت الحرمة لذي المقدّمة يترشّح عنه حرمة للمقدّمة أو لا؟ وهذا ما سيأتي بيانه في محلّه.

وكيف كان فقد توسّع بعض أبناء العامة في سدّ الذرائع ورتّبوا عليها حرمة كثير من الأشياء بزعم انّها تفضي للوقوع في الحرام أو المفسدة والحال انّها مجرّد معدّات ومقدمات بعيدة ، وذلك استنادا الى الاستحسان.

* * *

٣٧١ ـ السنّة الشريفة

وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد الكتاب المجيد ، كما انّها من أهم مصادر التشريع ، وذلك لأنّ أكثر تفاصيل الأحكام الشرعيّة الفرعيّة تمّ التعرّف عليها بواسطة السنة الشريفة.

والمراد من السنة الشريفة هو « مطلق قول المعصوم وفعله وتقريره ». والتعبير بالإطلاق منشؤه ما يبني عليه الإماميّة من حجيّة كلّ ما يصدر عن المعصوم من قول وفعل وتقرير وانّ ذلك لا يختصّ بما اذا كان المعصوم عليه‌السلام في مقام التبليغ كما ذهب لذلك بعض العامّة ، إذ انّه ما من قول أو فعل أو تقرير يصدر عن المعصوم إلاّ وله دلالة على معنى وهذا المعنى لا بدّ وان يكون مناسبا للشريعة ، إذ هو مقتضى افتراض العصمة المطلقة.

ثمّ انّ الغرض من اطلاق السنة على ما يصدر من مطلق المعصوم هو الإشارة الى ما هو مبنى الاماميّة من حجيّة مطلق ما يصدر عن الإمام عليه‌السلام والذي ثبتت له العصمة بالدليل القطعي.

فالحجيّة لا تختص بما يصدر عن النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل هي شاملة لمن ثبتت له العصمة من أهل البيت عليهم‌السلام ، ولا نعني من ذلك انّ مرتبة أهل البيت عليهم‌السلام هي عين مرتبة النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل لأنّ مناط حجيّة كلّ ما يصدر عن النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّما هو العصمة وهي ثابتة لأهل بيته عليهم‌السلام وان كان ما يصدر عن أهل البيت عليهم‌السلام انّما

١٧٨

هو متلقى عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهم معصومون في التلقي كما انّهم معصومون في الامتثال والبيان.

ويبقى الكلام عما هو المراد من فعل المعصوم وتقريره وهذا ما سنوضّحه تحت عنوان « دلالة فعل المعصوم وتقريره » ان شاء الله تعالى.

* * *

٣٧٢ ـ السنّة في استعمالات الفقهاء

يطلق لفظ السنّة على مجموعة من المعاني :

منها : انّها تطلق على كلّ حكم شرعي تمّ التعرّف عليه بواسطة النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك في مقابل الحكم الشرعي الذي تصدى القرآن الكريم لبيانه ، ويعبّر عنه بالفرض.

وبهذا فهم يطلقون ـ وتبعا لبعض الروايات ـ على الوقوف بالمشعر الحرام عنوان الفرض ، وذلك لأنّ القرآن الكريم قد تصدّى لبيانه ، بينما يطلقون على الوقوف بعرفات عنوان « السنّة ».

ومنها : انّها تطلق على كلّ حكم شرعي مجعول من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتخويل من الله تعالى ، وذلك في مقابل ما هو مجعول ابتداء من الله جلّ وعلا فإنّهم يطلقون عليه عنوان « الفرض ».

ومثال ذلك الركعتين الأخيرتين في الصلوات الرباعيّة والركعة الثالثة في صلاة المغرب ، فإنّها من السنة لأنّها مجعولة من قبل النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتفويض من الله جلّ وعلا ، وفي مقابل ذلك الركعتين الاوليين في تمام الصلوات اليوميّة فإنّها فريضة باعتبارها مجعولة من الله تعالى ابتداء ، كما دلّت على ذلك مجموعة من الروايات ، وترتب على ذلك وعلى المعنى الاول مجموعة من الثمرات الفقهيّة.

ومنها : انّها تطلق على كلّ فعل ثبت استحبابه في الشريعة ، وذلك في مقابل ما ثبت وجوبه في الشريعة ، فيقال النافلة سنّة وصلاة الظهر فريضة.

١٧٩

ومنها : انّها تطلق على كلّ حكم ثبت عن الشريعة ، وذلك في مقابل البدعة وهو اسناد ما ليس من الشريعة اليها ، وقد شرحنا ذلك تحت عنوان « التشريع ».

* * *

٣٧٣ ـ السيرة العقلائيّة

والمقصود من السيرة العقلائيّة اجمالا هو تعارف العقلاء على سلوك معيّن في شأن من الشئون بحيث لا يشذّ عن هذا السلوك منهم أحد إلاّ وكان معرضا للنقد والتوبيخ ، وهذا لا يتّفق إلاّ في عند ما يكون السلوك مستندا الى نكتة عقلائيّة ولو لم تكن متبلورة بل كانت مركوزة في جبلتهم.

وهناك نوع آخر للسيرة العقلائيّة ذكره السيّد الصدر رحمه‌الله وهو تعارف العقلاء على سلوك معيّن إلاّ انّ الخروج عن مقتضاه لا يستوجب توبيخ العقلاء ، وذلك يعبّر عن عدم نشوء هذا السلوك عن نكتة عقلائيّة ولو لم تكن متبلورة ، بمعنى انّه ناشئ اتفاقا ولأغراض شخصيّة إلاّ انّها خلقت حالة عامة تستوجب استظهار أو حدس صدور ذلك السلوك عن كلّ أحد.

ويمكن التمثيل لهذا النوع من السيرة بتعارف العقلاء والذين هم في موقع المولويّة على اعتبار قول اللغوي حجة على عبيدهم بمعنى اعتبار قول اللغوي هو المعبّر عن مراداتهم فيما يصدر عنهم من أوامر ، وهذا النحو من السلوك انّما نشأ عن أغراض شخصيّة تتّصل بكلّ واحد من أفراد العقلاء اللذين هم في موقع المولويّة ، إذ انّهم ولغرض التحفظ على أغراضهم يصيغون أوامرهم بألفاظ متناسبة مع قول اللغوي ، وهذا هو الذي دعاهم للأمر باعتماد قول اللغوي في مقام التعرّف على مقاصدهم.

ومن الواضح انّه لو شذّ أحد عن هذه الطريقة واتخذ وسيلة اخرى للتحفظ على أغراضه مع عبيده لم يكن ذلك موجبا لتوبيخ العقلاء له ولومه على الخروج عن الطريقة المألوفة.

١٨٠