المعجم الأصولي - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

عليه ثلاث صلوات ثنائية أو أربع ، فالثلاث هي الأقل والرابعة هي الأكثر.

ومنشأ التعبير عن الأقل والأكثر بالاستقلاليّين هو انّ هذه الوجوبات لا يتّصل بعضها ببعض ، فلكلّ واحد من هذه الوجوبات ـ على فرض وجوبه واقعا ـ طاعة ومعصية مستقلّة عن الطاعة والمعصية الثابتة للوجوب الآخر على فرض وجوبه.

ومن هنا لم يختلف أحد من الفقهاء في انّ الأصل الجاري في المقام هو البراءة عن الأكثر ، وذلك لأنّ الفرض المذكور يؤول روحا الى علم بوجوب الأقلّ وشك بدوي بوجوب الأكثر وهو مجرى لأصالة البراءة كما هو واضح.

مثلا : لو علم المكلّف باشتغال ذمّته لزيد بعشرة دراهم أو تسعة فإنّ واقع هذا الفرض هو انّ ثمّة تسعة وجوبات معلومة ـ متعلّق كلّ واحد منها بدرهم ـ وشك بدوي بوجوب عاشر متعلّق بدرهم ، فتجري البراءة عن الوجوب العاشر لانّه شك في التكليف الزائد.

* * *

٣٥٦ ـ دوران الأمر بين التخصيص والنسخ

والبحث فيه عمّا لو وقع الشك في الدليل المتأخّر من حيث انّه ناسخ للدليل المتقدّم أو مخصّص له ، أو انّ الدليل المتقدم مخصص للدليل المتأخر أو انّ الدليل المتأخّر ناسخ للدليل المتقدّم. فهنا حالتان :

الاولى : أن يكون الدليل المتقدّم عام والدليل المتأخّر أخصّ منه ، فالشك حينئذ يدور بين مخصصيّة الدليل المتأخّر للمتقدّم وبين ناسخيّة الدليل المتأخّر للمتقدم.

الثانية : أن يكون الدليل المتقدّم أخصّ من الدليل المتأخّر ، بمعنى انّ الدليل المتأخّر عام ، والشك حينئذ يدور بين تخصيص المتقدّم للمتأخّر باعتبار أخصيّته من الدليل المتأخّر وبين ناسخية الدليل المتأخّر ـ والذي هو العام ـ للدليل المتقدّم.

ويتمحّض البحث بحالات تأخّر أحد الدليلين عن الآخر زمانا وإلاّ فمع

١٤١

اتحادهما زمانا لا يتعقّل النسخ ، إذ انّ الدليل الخاص إذا كان متصلا بالعام فإنّه لا ينعقد للدليل ظهور في العموم من أوّل الأمر فلا يأتي البحث عن انّ الخاص هل هو رافع لحكم العام أو مخصّص له ، على انّه من غير المعقول انّ الحكم في حال جعله يرفع وينسخ.

وبهذا تكون صور البحث أربعا إذا لاحظنا حضور وقت العمل بالدليل المتقدّم أو عدم حضوره. ولمزيد من التوضيح راجع « قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ».

* * *

٣٥٧ ـ دوران الأمر بين التعيين والتخيير

والمراد من هذا العنوان اجمالا قبل بيان أقسامه هو انّ المكلّف قد يقع منه الجزم بوجوب شيء إلاّ انّه يشك في نحو هذا الوجوب ، وهل هو وجوب تعييني بحيث لا يقوم غيره مقامه ولا يوجب الإتيان بغيره سقوطه عن العهدة ، أو انّ وجوبه تخييري ، بمعنى انّه وان كان محرز الوجوب إلاّ انّ طرفه المقابل يقوم مقامه.

ولو حللنا هذه الحالة لوجدنا انّ الطرف الأول محرز الوجوب على أيّ تقدير ، أي سواء كان نحو الوجوب هو التعيين أو التخيير ، وأمّا الطرف الآخر فلا يعدو عن كونه محتمل الوجوب فيمكن أن لا يكون واجبا واقعا.

ومع اتّضاح هذه المقدّمة التي أردنا بها جعل القارئ الكريم في الصورة فحسب نقول : انّ المحقّق النائيني رحمه‌الله قسم حالات دوران الأمر بين التعيين والتخيير الى ثلاثة أقسام :

القسم الأوّل : دوران الأمر بين التعيين والتخيير فيما هو المجعول له الحجيّة ، والمراد من هذا القسم هو انّه لو وقع الشك في انّ الشارع هل جعل الحجيّة لهذا الشيء بنحو التعيين بحيث لم يجعلها لطرفه المقابل أو انّه جعلها لهذا الشيء بنحو التخيير بينه وبين طرفه المقابل بحيث يمكنه الاعتماد والاستناد الى أيّ واحد منهما.

وبهذا يكون الطرف الاوّل ممّا يحرز

١٤٢

جعل الحجيّة له على أيّ تقدير ، أي سواء كان جعل الحجيّة له بنحو التعيين أو كان جعلها له بنحو التخيير ، وأمّا الطرف الثاني فلا احراز لجعل الشارع الحجيّة له ، لأنّه على تقدير جعل الحجيّة للطرف الاول بنحو التعيين لا تكون الحجيّة مجعولة للطرف الثاني.

ومثال ذلك ما لو أحرزنا انّ الشارع جعل الحجيّة لفتوى المجتهد الرجل إلاّ انّه وقع الشك من جهة انّ هذه الحجيّة المجعولة هل جعلت لفتوى المجتهد الرجل بنحو التعيين أو انّها بنحو التخيير بينها وبين فتوى المجتهد المرأة.

وبتعبير آخر : هل انّ المتعيّن على المكلّف هو العمل بفتوى المجتهد الرجل أو انّه مخير بين العمل بفتوى الرجل والمرأة. وفي هذا القسم لا ريب في لزوم الاحتياط ، وذلك لأنّ دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجيّة معناه الشك في جعل الحجيّة للطرف المقابل ، والشك في الحجيّة مساوق للقطع بعدم الحجيّة فيتعيّن الطرف الاول ، للعلم بجعل الحجيّة له على أيّ تقدير.

القسم الثاني : دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مرحلة الجعل للحكم الواقعي ، كما لو وقع الشك فيما هو المجعول لصلاة الجمعة وهل هو الوجوب التعييني أو هو الوجوب التخييري وان متعلّق الوجوب التخييري الآخر هو صلاة الظهر. وعلى الثاني يكون متعلّق الوجوب هو الجامع بين الطرفين ، وأمّا على الاول فمتعلّق الوجوب هو خصوص صلاة الجمعة ، ومن هنا يكون أصل الجعل للوجوب محرز إلاّ انّ الشك في كيفيّة الجعل للوجوب.

وفي هذا القسم ذهب جمع من الأعلام الى انّ مورده مجرى لأصالة الاشتغال المنتج لتعيّن الوجوب في صلاة الجمعة. وقرّب ذلك بمجموعة من التقريبات :

منها ما ذكره المحقّق النائيني رحمه‌الله من انّ مآل هذا القسم الى الشك في

١٤٣

حصول الامتثال ، وذلك لأنّ المكلّف لو جاء بصلاة الظهر فإنّه لا يحصل له الجزم بفراغ ذمّته من التكليف المقطوع تعلّقه بالعهدة ، وهذا بخلاف ما لو جاء بصلاة الجمعة فإنّه يحصل الجزم بفراغ الذمّة عن التكليف ، وذلك لأنّ صلاة الجمعة واجبة على أيّ تقدير أي سواء كان متعلّق التكليف هو الجمعة أو الجامع بينها وبين الظهر.

وذهب السيّد الخوئي رحمه‌الله الى جريان البراءة عن التعيين في هذا القسم ، وذلك بدعوى انّ مآل هذا القسم الى الشك في اطلاق التكليف وتقييده ، فبناء على انّ التكليف متعلّق بالجامع ، فهذا معناه اطلاق التكليف وانّه غير مقيّد بحصّة خاصّة هي صلاة الجمعة ، وبناء على انّ متعلّق التكليف هو خصوص صلاة الجمعة والذي هو عبارة ثانية عن التعيين فهذا يقتضي تقييد التكليف ، ولمّا كان التقييد محتاجا لمئونة زائدة فإنّ أصالة البراءة تنفي هذه المئونة الزائدة.

وبتعبير آخر : انّ الشك في تقييد التكليف معناه الشك في التكليف الزائد وهو منفي بأصالة البراءة ، والنتيجة حينئذ هي التخيير فيما لو دار الأمر بين جعل التكليف بنحو التعيين أو بنحو التخيير ، إذ انّ التعيين يقتضي افتراض جعل زائد على مقدار ما هو معلوم وهو منفي بأصالة البراءة.

القسم الثالث : دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الفعليّة والامتثال ، أي مع احراز أصل الجعل للتكليفين إلاّ انّه وبسبب التزاحم في مقام الامتثال يقع الشك فيما هو الاهم من التكليفين مع احتمال أهميّة أحدهما ، وهذا هو السبب في دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، إذ انّ محتمل الأهميّة محرز الفعليّة على أيّ تقدير فاحتمال التعيين من جهته وامّا الطرف الآخر فهو غير محرز الفعليّة لاحتمال انّ المتعيّن واقعا هو التعيين.

ومثال هذا القسم ما لو دار الأمر بين الإنفاق على الزوجة والإنفاق على الولد ، فإنّ أصل وجوب الإنفاق عليهما محرز إلاّ انّه وبسبب ضيق قدرة

١٤٤

المكلّف عن امتثال كلا التكليفين يقع التزاحم بينهما ، فلو كنا نحرز أهميّة أحد التكليفين فلا كلام في تعيّنه ، كما انّه لو كنا نحرز تساويهما فإنّه لا إشكال في التخيير بينهما انّما الإشكال لو لم نحرز تساويهما إلاّ انّنا نحتمل أهميّة وجوب الانفاق على الزوجة ، وحينئذ يدور الأمر بين التعيين وهو وجوب الإنفاق على الزوجة بالخصوص أو التخيير بينه وبين وجوب الإنفاق على الولد.

والظاهر انّه لا خلاف في هذا القسم من حيث انّه مجرى لاصالة الاشتغال وقاعدة انّ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، وذلك لأنّ امتثال محتمل الأهميّة يوجب القطع بفراغ الذمّة لأنّه على كلا التقديرين يكون امتثاله موجبا للخروج عن عهدة التكليف ، أمّا على تقدير أهميّته وبالتالي تعيّنه فواضح ، وأمّا على تقدير تساويه مع الطرف الآخر فلأنّ امتثاله يكون امتثالا للتكليف الواجب لافتراض انّ كلا التكليفين واجب بنحو التخيير.

وهذا بخلاف الإتيان بالطرف الآخر فإنّه لا يحرز معه الخروج عن العهدة ، وذلك لاحتمال أن يكون الطرف الاوّل هو المتعيّن ، وعندها لا يكون ثمّة مؤمّن عن العقاب ، وذلك لاستقلال العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المقطوع ، وهذا هو معنى قولهم « الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ».

* * *

٣٥٨ ـ دوران الأمر بين الشرطيّة والجزئيّة وبين المانعيّة

وتصوير هذه الفرضيّة هو انّه قد يتّفق العلم باعتبار شيء في مركب واجب إلاّ انّ متعلّق المعلوم اعتباره مردّد بين كونه شرطا أو جزء في الواجب وبين كونه مانعا عن صحّته ، أي يدور الأمر بين اعتبار تقيّد الواجب به أو تقيّد الواجب بعدمه.

ومثاله ما لو وقع الشك في انّ التحنّك شرط في صحّة الصلاة أو انّه

١٤٥

مانع عن صحّتها مع احراز انّ التحنّك بنحو ما معتبر في الصلاة ، فهنا علم إجمالي باعتبار التحنّك في الصلاة إلاّ انّ التردّد من جهة انّ المعتبر هل هو وجوده أو عدمه.

وكذلك لو وقع الشك في اعتبار وجود جلسة الاستراحة في الصلاة أو اعتبار عدمها فإنّ ذلك معناه وجود علم اجمالي بتقيّد الواجب إمّا بوجود الجلسة أو تقيّده بعدهما.

ومن هنا ذهب الشيخ الأنصاري رحمه‌الله الى انّ هذه الفرضيّة من موارد دوران الأمر بين المحذورين ، وعليه يكون الأصل الجاري هو التخيير إلاّ انّ السيد الخوئي رحمه‌الله أورد عليه بما حاصله :

انّ المقام ممّا يمكن معه الموافقة القطعيّة ولو بواسطة التكرار ، فيأتي تارة بالصلاة مع جلسة الاستراحة وتارة اخرى مع عدمها ، وبهذا تحصل الموافقة القطعيّة للمعلوم بالإجمال ، نعم لو لم تكن الموافقة القطعيّة ممكنة بسبب ضيق الوقت مثلا أو عجز المكلّف عن تكرار الصلاة فإنّ منجزيّة العلم الإجمالي من جهة الموافقة القطعيّة تسقط ، إلاّ انّ العلم الإجمالي يحتفظ بمنجزيّته من جهة حرمة المخالفة القطعيّة ، وبهذا تكون وظيفة المكلّف هي الموافقة الاحتماليّة والتي تقتضي الإتيان بالصلاة إمّا مع جلسة الاستراحة مثلا أو بدونها.

* * *

٣٥٩ ـ دوران الأمر بين المتباينين

وهذه الفرضيّة هي المعبّر عنها بالعلم الإجمالي ، ومنشأ التعبير عنه بدوران الأمر بين المتباينين هو انّ متعلّق العلم الإجمالي لا يخلو إمّا أن يكون الطرف الأوّل أو الطرف الثاني وهما أمران متباينان أي متغايران. وسوف نشرح المراد من العلم الإجمالي تحت عنوانه.

* * *

٣٦٠ ـ دوران الأمر بين محذورين

ويقع البحث فيه عن دوران الفعل

١٤٦

بين الوجوب والحرمة ، وذلك معناه انّ ثمّة علما اجماليا بجامع التكليف الإلزامي والشك انّما هو في ماهيّة ذلك التكليف الإلزامي وهل هو الوجوب أو الحرمة.

ومثاله : ما لو علم المكلّف بأنّ تكليفا إلزاميا متوجها اليه تجاه هذا الميت ، هذا التكليف هو إمّا وجوب تجهيزه أو حرمة تجهيزه ، فهنا ان قام بتجهيزه فإنّه يحتمل ارتكابه للحرمة لاحتمال انّ التكليف واقعا هو الحرمة ، وان ترك تجهيزه فإنّه يحتمل تركه للواجب لاحتمال انّ التكليف واقعا هو الوجوب ، فالمكلّف بين محذورين.

وبهذا يتّضح خروج دوران الأمر بين الوجوب والحرمة والكراهة مثلا أو الاستحباب عن محل البحث ، وذلك لأنّ هذا الفرض لا يرجع الى علم اجمالي بجامع التكليف الإلزامي ، إذ من المحتمل ان يكون الواقع هو الكراهة ، ولا ريب حينئذ في جريان البراءة عن الوجوب والحرمة. وبتعبير آخر انّ مآل هذا الفرض الى دوران الأمر بين التكليف الإلزامي والتكليف غير الإلزامي ، فلا يكون من العلم الإجمالي المنجّز.

وباتّضاح ذلك نقول انّهم ذكروا لدوران الأمر بين المحذورين ثلاثة أقسام :

القسم الاول : دوران الأمر بين المحذورين في التوصليات على أن يكون مورد الشك فعلا واحدا.

وهنا يستحيل على المكلّف الموافقة القطعيّة كما تستحيل المخالفة القطعيّة ، أمّا استحالة الموافقة القطعيّة فلأنّ المكلّف إمّا أن يمتثل الوجوب أو يمتثل الحرمة فلا يتمكّن من امتثالها معا لافتراض انّ مورد الشك فعل واحد وبامتثال أحدهما دون الآخر لا يحصل الجزم بموافقة الواقع ، وأمّا استحالة المخالفة القطعيّة فلأنّ المكلّف أما انّه سيقوم بالفعل أو سيتركه وعلى كلا التقديرين يحتمل مطابقة ما قام به للواقع ، وذلك لافتراض توصّلية التكليف ، فلو صدر منه الفعل فإنّ من المحتمل امتثاله للتكليف الواقعي حتى

١٤٧

مع عدم قصد الامتثال والقربة ، وهكذا لو ترك الفعل.

ومثال هذا القسم ما لو دار الأمر بين وجوب دفن هذا الميت أو حرمة دفنه ، فإنّ الدفن لو كان واجبا لكان توصليا غير منوط بقصد القربة ، فما هو الأصل الجاري في هذا الفرض؟

ذكر السيّد الخوئي رحمه‌الله انّ في الفرض المذكور خمسة أقوال :

الأوّل : لزوم تقديم جانب الحرمة ، وذلك لأنّ دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة.

الثاني : انّ الأصل الجاري في المقام هو التخيير الشرعي.

الثالث : انّ الأصل الجاري هو الإباحة الشرعيّة والتخيير العقلي ، وهو مختار صاحب الكفاية رحمه‌الله.

الرابع : انّ الأصل الجاري هو التخيير العقلي دون أن يكون لهذا الفرض أصل شرعي ، وهو مختار المحقّق النائيني رحمه‌الله.

الخامس : انّ الأصل الجاري هو البراءة الشرعيّة والعقليّة ، بمعنى جريان أصالة البراءة عن الوجوب والحرمة معا ، وهو مختار السيّد الخوئي رحمه‌الله.

القسم الثاني : دوران الأمر بين المحذورين في التعبديات على أن يكون مورد الشك فعلا واحدا ، كما لو دار الأمر بين وجوب الصلاة على المرأة أو حرمتها لاحتمال تحيّضها وطهرها ولم يكن من الممكن اجراء استصحاب أحدهما مع افتراض حرمة الصلاة من الحائض حتى مع عدم قصد القربة.

وهنا ذكر السيّد الخوئي رحمه‌الله امكان المخالفة القطعيّة واستحالة الموافقة القطعيّة ، أمّا امكان المخالفة القطعيّة فلأنّه يمكن للحائض ان تصلي بغير قصد القربة ، وحينئذ تكون قد خالفت التكليف المعلوم بالإجمال قطعا ، وذلك لأنّه لو كان الواقع هو وجوب الصلاة لكانت هذا المرأة قد خالفت الواقع لأنّ ما صدر عنها من صلاة لم يكن بقصد القربة ولو كان الواقع هو حرمة الصلاة لكانت قد خالفت الواقع لقيامها بصورة الصلاة ، وقد

١٤٨

افترضنا انّ الحرمة ثابتة لأصل القيام بالصلاة ولو من غير قصد القربة.

وأمّا استحالة الموافقة القطعيّة فواضح لأنّه من غير الممكن ان تقطع المرأة بأداء التكليف سواء أدّت الصلاة بقصد القربة أو تركتها أو صلتها بغير قصد القربة ، ففي تمام هذه الحالات يبقى احتمال منافاة فعلها للواقع.

وفي هذا الفرض ذهب السيّد الخوئي رحمه‌الله الى تنجّز العلم الإجمالي إلاّ انّه لما كانت الموافقة القطعيّة مستحيلة فيتعيّن على المكلّف حرمة المخالفة القطعيّة لا مكانها كما ذكرنا ، وذلك لأنّ منجزيّة العلم الإجمالي تعني وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة ، وتعذّر احداهما لا يبرّر سقوط الاخرى.

القسم الثالث : دوران الأمر بين المحذورين مع افتراض انّ متعلّق الوجوب غير متعلّق الحرمة ، وهذا القسم لا يختلف الحال فيه بين التعبديات والتوصليات ، وله صورتان :

الصورة الاولى : هي افتراض انّ زمان التكليفين واحد ، ومثاله ما لو حلف المكلّف بأن يطأ احدى زوجتيه المعيّنة يوم الجمعة وان يترك وطأ الأخرى المعينة يوم الجمعة أيضا إلاّ انّه شك بعد ذلك في أيّهما التي حلف ان يطأها الصغيرة أو الكبيرة ، وحينئذ يدور الأمر كذلك بين وجوب وطأ الكبيرة وحرمة وطئها ، وعندئذ قد يقال بالتخيير بين وطأ الصغيرة وعدم وطئها ، وكذلك التخيير بين وطأ الكبيرة وعدم وطئها ، وهذا القول ـ كما أفاد السيّد الخوئي رحمه‌الله ـ غير تام ، وذلك لاستلزامه الترخيص في المخالفة القطعيّة رغم امكان عدم المخالفة القطعيّة.

أمّا استلزامه للترخيص في المخالفة القطعيّة فلأنّه يمكن للمكلّف ـ بناء على التخيير ـ ان يترك وطأ كل من الصغيرة والكبيرة أو ان يطأهما معا ، وحينئذ يكون قد خالف الواقع جزما كما هو واضح.

وامّا امكان عدم المخالفة القطعيّة

١٤٩

فلأنّ هذا الفرض ينحل روحا الى علمين اجماليين ، الاول هو العلم بوجوب وطأ احدى الزوجتين ، والثاني هو العلم الإجمالي بحرمة وطأ احدى الزوجتين ، ومقتضى الاول هو وجوب وطأ الزوجتين ، كما انّ مقتضى الثاني هو حرمة وطأ الزوجتين ، ولمّا كان الجمع بين وطئهما معا وترك وطئهما معا مستحيل فحينئذ تكون الموافقة القطعيّة غير واجبة إلاّ انّ المخالفة القطعيّة لمّا كانت ممكنة بواسطة ترك كلا الوطأين أو فعلهما معا حينئذ يتنجّز العلم الإجمالي بمقدار عدم المخالفة القطعيّة فيلزم المكلّف عدم المخالفة القطعيّة ، وذلك عن طريق وطأ احداهما وترك الاخرى.

الصورة الثانية : هي افتراض الطوليّة بين التكليفين ، ومثاله ما لو حلف بأن يطأ زوجته في وقت وحلف بأن يترك وطأها في وقت آخر إلاّ انّه اختلط عليه الأمر من جهة أيّ الزمانين هو متعلّق الحلف بالوطء وأيّهما متعلّق الحلف بترك الوطء.

والاصل الجاري في هذا الفرض يبتني ـ كما أفاد السيّد الخوئي رحمه‌الله ـ على ما هو المبنى في العلم الإجمالي بالتدريجيات ، فبناء على منجزيّة العلم الإجمالي في التدريجيات تكون النتيجة متّحدة مع نتيجة الصورة الاولى بنفس التقريب ، بأن يقال انّ هذا الفرض ينحلّ الى علمين اجماليين ، الاول هو العلم بوجوب الوطء إمّا في الزمان الاول أو الثاني وهذا يقتضي وجوب الوطء في الزمانين ، والثاني هو العلم الإجمالي بحرمة الوطء إمّا في الزمان الاول أو الثاني وهو يقتضي الحرمة في الزمانين ، ولمّا كانت الموافقة القطعيّة مستحيلة كما هو واضح ، إذ لا يمكن الجمع بين الوطء وتركه في الزمانين معا تسقط المنجّزية عن العلم الإجمالي من جهة الموافقة القطعيّة ، ولمّا كانت المخالفة القطعيّة ممكنة بترك الوطء في الزمانين أو فعله في الزمانين من أجل ذلك يكون العلم الإجمالي منجزا من جهة المخالفة القطعيّة ، بمعنى انّ المكلّف ملزم بعدم المخالفة القطعيّة ، فإمّا أن

١٥٠

يترك الوطء في الزمان الاول ويفعله في الثاني أو العكس ، وعندها تنتفي المخالفة القطعيّة وتحصل الموافقة الاحتماليّة.

وأمّا بناء على عدم منجزيّة العلم الإجمالي في التدريجيّات فالنتيجة تكون هي ملاحظة كلّ زمن على حدة ، وعندئذ يدور أمر الوطء في الزمان الاول بين الوجوب والحرمة وكذلك في الزمن الثاني ، ويكون الأصل الجاري في الزمن الاول هو التخيير وكذلك الثاني.

١٥١

هوامش حرف الدال

(١) سورة يوسف : ٨٢.

(٢) سورة الطلاق : ١.

١٥٢

حرف الذّال

١٥٣

عناوين حرف الذال

٣٦١ ـ الذاتي في باب البرهان

٣٦٢ ـ الذاتي في باب الكليّات

٣٦٣ ـ الذاتي لا يعلّل

١٥٤

حرف الذال

٣٦١ ـ الذاتي في باب البرهان

ويراد منه عادة المحمول الخارج عن ذات الموضوع اللازم له ، ويكون هذا اللزوم ناشئا عن مقام الذات للموضوع ، وليس ثمّة أمر خارج عن الذات هو الذي اقتضى ثبوت المحمول للموضوع.

ومثال ذلك الزوجيّة بالنسبة للأربعة فإنّها من الذاتي في باب البرهان ، وذلك لأنّها تحمل على الأربعة رغم انّها خارجة عن ذات الأربعة ، إذ ليست الزوجيّة جنسا للأربعة ولا هي فصل لها إلاّ انّها لازمة لذات الأربعة وهذا اللزوم تقتضيه ذات الأربعة نفسها.

وقد يطلق الذاتي في باب البرهان على مطلق العرض الذاتي ، وهذا ما أوضحناه مفصلا تحت عنوانه.

* * *

٣٦٢ ـ الذاتي في باب الكليّات

والمقصود منه الجزء المقوم للماهيّة ، كالناطقيّة المقوّمة للإنسان باعتبارها فصلة ، والحيوانية المقوّمة للإنسان باعتبارها جنسه.

وقد يطلق الذاتي على مطلق المقوم للذات بقطع النظر عن كونه تمام المقوم أو جزء المقوم ، وبهذا يكون كلّ محمول يمثّل جزء المقوّم أو تمام المقوّم فإنّ هذا المحمول يعبّر عنه بالذاتي في باب الكليّات.

وبتعبير آخر : الذاتي في باب الكليّات هو ما يكون وجود الموضوع

١٥٥

بوجوده وانعدامه يعني انعدام الموضوع.

* * *

٣٦٣ ـ الذاتي لا يعلّل

المراد من الذاتي في هذه القاعدة هو الذاتي في باب البرهان إلاّ انّه لا يختصّ بالمحمول الخارج عن الذات اللازم لها بل يشمل مطلق ما لا يمكن تخلّفه عن الذات ، أي سواء كان جزء الذات المقوّم لها وهو الذاتي في باب الكليّات ، أو كان المحمول خارج عن الذات لازم لها بنحو يكون هذا اللزوم ناشئا عن مقام الذات ، فإنّ الذاتي في باب البرهان قد يطلق على الأعمّ.

وأمّا المقصود من قولهم « لا يعلّل » فمعناه انّ وجوده لا يفتقر الى علّة ، وذلك لأنّ منشأ الافتقار الى العلّة هو الإمكان ، ومن هنا لا يكون الواجب محتاجا الى علّة في وجوده ، ولا يكون ممتنع الوجود محتاجا الى علة في امتناعه ، وذلك لأنّ الوجوب والامتناع معناه الضرورة وهي مستغنية عن العلة ، فثبوت الوجود للواجب لا يعلّل كما انّ العدم لممتنع الوجود لا يعلل.

وهكذا الكلام في ثبوت الناطقيّة للإنسان فإنّه لا يعلّل ، وذلك لاستغناء ثبوت الناطقيّة للإنسان عن الجعل ، فثبوتها للإنسان واجب ، وهو مناط الاستغناء عن العلّة ، فلا يقال لم كان الانسان ناطقا.

وليس المقصود من استغناء الناطقيّة عن العلّة هو انّ وجودها لا يفتقر الى علّة بل المقصود انّ علّة وجودها هو عينه علّة وجود الإنسان فلا يفتقر وجودها الى علّة مستقلّة عن علّة ايجاد الإنسان ، ولهذا قالوا بأن جعل الناطقيّة للإنسان من الجعل البسيط والذي هو جعل الشيء وافاضته لا جعل شيء لشيء ، فجعل الإنسان يساوق جعل الناطقيّة ، وهذا هو معنى انّ ثبوت الناطقيّة للإنسان لا يعلل ، أي انّه لا يفتقر في وجوده الى علّة غير علة ايجاد نفس الإنسان.

وهكذا الكلام في الزوجيّة بالنسبة

١٥٦

للأربعة فهي وان كانت خارجة عن ذات الأربعة إلاّ انّ ايجاد الأربعة إيجاد للزوجيّة ، فثبوت الزوجيّة للأربعة لا يعلّل ، فلا يقال لم ثبتت الزوجيّة للأربعة ، وذلك لأنّ ثبوت الزوجيّة لا يفتقر الى جعل مستقلّ عن جعل الأربعة.

وبتعبير آخر : انّ الزوجيّة ذاتي للأربعة والذاتي لا يعلّل أي انّ وجودها واجب بالنسبة للأربعة وهو مناط الاستغناء عن العلّة.

هذا حاصل ما أفاده السيّد الإمام رحمه‌الله في بيان المراد من القاعدة ، وذكر انّ الشيخ صاحب الكفاية رحمه‌الله استعمل هذه القاعدة في عدّة موارد في غير محلّها.

والظاهر انّ مقصوده هو عدم انطباق كبرى القاعدة على الموارد التي حاول صاحب الكفاية رحمه‌الله تطبيق القاعدة عليها وإلاّ فبحسب متابعتنا لتلك الموارد وجدنا انّ مقصود صاحب الكفاية رحمه‌الله من القاعدة هو عين ما ذكرناه هنا ، غايته انّ هذه الموارد ليست من صغريات هذه القاعدة.

١٥٧
١٥٨

حرف الرّاء

١٥٩

عناوين حرف الراء

٣٦٤ ـ الرافع والمانع

٣٦٥ ـ الرخصة والعزيمة

٣٦٦ ـ الرفع والدفع

١٦٠