الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي حياته وادبه

حيدر المحلاتي

الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي حياته وادبه

المؤلف:

حيدر المحلاتي


الموضوع : التراجم
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-185-0
الصفحات: ٣٤٤

٢ ـ الشعر الاجتماعي :

انصرف الشيخ الفرطوسي في جانب كبير من شعره إلى الشؤون الاجتماعية وذلك لارتباطه الوثيق واحتكاكه الدائم والمستمر بشرائح المجتمع المختلفة من قبيل أصحاب الحرف والمهنيين ، والعمال والفلاحين بالاضافة إلى المثقفين والمفكرين والأدباء والشعراء.

وقد دفع هذا الارتباط بالشاعر إلى الخوض في ميادين الاجتماع من أجل التعرف على مشاكل الناس ومعالجة أوضاع المجتمع الذي طالما استفحلت فيه المشاكل والمعضلات. وقد ساعدت الظروف الاجتماعية العصيبة التي عصفت بالشاعر طوال حياته على تفهمه لهذا اللون من الشعر واقباله عليه في مناسبات مختلفة.

ولا غرو فان الشاعر الذي ذاق في بداية نشأته أنواع البؤس والشقاء وواكب الحرمان في شتى أدوار حياته لجدير بأن يكثر من الشعر الاجتماعي ويسهب في الحديث عن المآسي والأتراح التي حفّت بأبناء وطنه وأعاقت شعبه عن الرقي والتقدم.

وقد حاول الشاعر من خلال تناوله الموضوعات الاجتماعية البحث عن حلول إصلاحية تكفل لمواطنيه حياة طيّبة لا يشوبها الفقر والحرمان ولا تجد الرذيلة والمفسدة اليها طريقاً ومسلكاً.

وتتلخص محاولات الشيخ الاصلاحية التي قام بها من خلال أشعاره الاجتماعية في الموارد التالية :

١٨١

أ ـ محاربة الفقر والفساد :

قبيل الحكم الجمهوري وفي عهد الاحتلال البريطاني عاش الناس فقراً مدقعاً وحياة شظف ونكد لم يكن الفرد يجد لقمة الخبز التي تقيم أوده وتحفظ رمقه. ولم يكن الفقر آنذاك قاصراً على طبقة دون اخرى بل كان شائعاً بين أوسع طبقات المجتمع بلا استثناء.

وقد تناول الشاعر في كثير من قصائده مأساة الفقر وما كان يعانيه الشعب من بؤس وحرمان نتيجة العوز وضيق اليد. ومن هذه القصائد قصيدة « اليتيم » التي صور فيها جانباً من حياة الفقر والشقاء التي كان يعيشها الناس في تلك الآونة :

طفل يتيم أقضّ الجـوعُ مضجعه

ملوّع القلب قد أودى به الخور (١)

قـد مات والـده فاظلمّ مكتئباً

أفـق الرجاء عليـه مذخبا القمر

إلى أن يقول :

والهفتـاه لـه من ضارعٍ سغب

قد طأطأ الرأس منه الفقر والصغر (٢)

أودى به البؤس من جوع ومن شعث

فاغبـرّ منه المحيـا الطلـق والشعر

يستعطـف الناس ممّا قـد ألمّ بـه

وليس فيهـم لصـوت الحـق منتصر

ويسـأل القـوم إسعـافاً وحـاجتُه

قرصٌ يكـافح فيـه الجـوع أو كسر

وليس فـي القوم مـن يصغي لندبته

وهـي الحزينـة لـولا أنهـم صـور

يمـدّ إحـدى يديـه سائـلاً ويـدٌ

يصـون فيهـا محيّاً شأنـه الخفر (٣)

معطـل الجيــد لـولا أن جبهتـه

تنـدى حيـاً فتحلـي جيـده الـدرر

__________________

١ ـ الخَوَر : الضعف. ( لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٢٤٢ ).

٢ ـ الضارع : الضعيف الذليل. ( لسان العرب ، ج ٨ ، ص ٥٣ ).

٣ ـ الخَفَر : شِدَّةُ الحياء. ( لسان العرب ، ج ٤ ، ص ١٥٢ ).

١٨٢

لا يسأل النـاس إلحافاً بحـاجته

ولس ينقم إن صدوا وإن بطروا (١)

مطأطئ الرأس في رجليه قد جمدت

دماه من طول ما يرجو وينتظر (٢)

والشاعر نفسه لم يكن بمنأى عن هذه المأساة ، فطالما مرّ بظروف قاسية يوم كان طالباً دينياً لا يصله من الحقوق الشرعية إلاّ النزر القليل حيث لم يكن يكفيه لسد حاجاته وادارة شؤونه.

وقد حاول الشاعر مراراً معالجة هذه الظاهرة الخطيرة في قصائد عديدة من شعره ، منها قصيدة « قادة العلم » التي أرسلها صرخة مدوية يستنهض بها همم الولاة والقادة لدرء هذا الخطر المحدق بحياة الناس وخاصة حياة طلاب العلم :

يا قـادة العلم والاصلاح مجدكم

والـدين مجدٌ عظيمٌ ثُـلَّ وأنثلمـا

...هذي الأزاهير وهي الغرس بعدكم

وكنتُـم قبلُ غرساً نـاشئاً فنمـا

تسد بـالترب أفـواها قـد التقطت

مسامع الفضل منها الدر منتظمـا

وتستقي مـن سراب اليـأس ظامئة

لأنفس فجرت أحشاؤها حكمـا

وترتـدي الخشن البـالي وتلحـدها

مـن البيوت سجون طبقت ظلما

لا تبتغـي رغداً فـي ظل نـاعمة

مـن الحياة تـدر الخير والنعمـا

ولا روىً مـن أبـاريـق لطـائشةٍ

من اللذائـذ اضحت تعبـد النغما

ولا قصـوراً هي الفـردوس غارقةً

من النعيم تضم الحـور والخـدما

لكنهـا تبتغـي قـوتـاً الى رمـقٍ

على الجهاد به تقوى وقد عُدما (٣)

وكان الشاعر في كثير من الأحيان يتوجه في محاولاته الاصلاحية لظاهرة الفقر ، الى الأغنياء والموسرين ليستدر عطفهم ويجلب اهتمامهم تجاه الفقراء

__________________

١ ـ البَطَر : الطُّغيان في النعمة. ( لسان العرب ، ج ١ ، ص ٤٢٩ ).

٢ ـ ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٦٩ ـ ١٧١.

٣ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٧٧ ، ٢٧٨.

١٨٣

والمعوزين ، على أمل أن يحيا الناس حياة يسيرة لا يشوبها الفقر والعوز :

تعطّف يـا غنيّ على الفقير

بمـا أُوتيتَ مـن خيـر كثير

وجـد فيما تجود به عليـه

ولو فـي قرص قمح أو شعير

لقـد أفنـاه بؤس ليس يفنـى

فأصبح فـي عداد ذوي القبور

فخـذ بيديـه إسعـافاً لتُحيي

بقـايا ذلـك القلب الكسيـر

ولـو انصفتـه لفـديت نفساً

لـه تفديك بـالنفس الأخيـر

الا يـدعـوك نبلُ النفس يوماً

الـى إسعاف خيـر أخ غيور

الا تدعوك نفسُـك للمعـالي

كما تـدعوه للشـرف الخطير

الا يدعـوك للإنصاف صوت

ينـاجيـه بـاعماق الضميـر

فجـد للبـائس العافـي بشيٍَ

كثير من حطامك أو يسير (١)

وقد هالت الشاعر مظاهر الفساد والترف التي خلفتها الطبقية الظالمة نتيجة انعدام العدالة الاجتماعية ، والفوضى الأقتصادية السائدة آنذاك. ففي الوقت الذي لم يكن عامة الشعب يجد قوت يومه كانت الأقلية من المتمولين والأقطاعيين تنعم في قصورها ومسارح لهوها غير آبهة بمعاناة البؤساء وشقاء المعوزين والفقراء.

وقد عزّ على الشاعر أن يرى هذه الصور الأليمة والمناظر المريعة دون أن يقف موقفاً حاسماً يسدد من خلاله نقداته اللاذعة تجاه الوضع الاجتماعي المتأزم ، والتدهور الاقتصادي المتفاقم :

يـا موطناً عزّت عليه حماته

وهـم بنوه الـذادة الأطهـار

وقضت عليه سياسة مسمومة

هو جاء قد حفت بها الأخطار

_________________

١ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٧٢.

١٨٤

بالـرغم أن تهنى لديك مـوارد

يحلوبهـا الايـراد والاصـدار

وينعـم المستعمرون بظلّهــا

وبهـا لهـم تستعـذب الأوطار

هـاتـيك دجلةُ وهي امٌ بـرّة

ولهـا بنـون مثلهــا أبـرار

تتـدفق الخيرات من أخـلافها

حتـى تضيق بـدرهـا أقطار

هي جنة طاف السلام مرفـرفاً

فيهـا وقـرَّ مـن النعيـم قرار

لكن يسوؤك أن تـرى أبنـاءها

حـرموا قليل الخير وهـو كثار

ولقد أثرن لي الشجون بـواعث

للشاعـرين بهـا الشجـون تثار

دنياً مـن اللـذات ما في عيشها

نكد ولا فـي صفـوها أكدار

للمغـريات بـها دواع جمـة

وبها لـرواد الهنــا أوطــار

تتسـابق الأحلام فيها والمنـى

والحب واللـذات والأسمــار

والعـزف تهبط بالنفوس وترتقي

أنغـامُـه ان حُرّك المـزمـار

... أفهكـذا بـذخٌ الثراء بأهله

يطغى فتعشـو منهم الأبصـار

فـي حين أحرار البلاد قضوا بها

سغبـاً وهـم أبنـاؤها الأحرار

... بعداً لأنظمة مراض صححت

ظلـمَ الفقيـرٍ وليتهـا تنهـار

وتهدمت اسس العدالة ان قضت

أن لا تعيش بظلّهـا الأحرار (١)

__________________

١ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٣٧ ـ ٢٤١.

١٨٥

ب ـ مكافحة الجهل والأمية :

حرص الشيخ الفرطوسي على معالجة ظاهرة الأمية التي كانت متفشية بين أصناف مختلفة من المجتمع من خلال دعوته الى بناء المدارس ونشر التعليم والنظر بعين الاعتبار الى تثقيف الناشئة وصيانتهم من عدوى الجهل والأمية :

ثقافـة الجيل فـرض أين عـامله

كيما يقوم ولو في بعض ما وجبا

ضلت عقول فلم تبصر هدى وطغا

ريب فما وجدت من يذهب الريبا

وأجدبت من حقول الفضل ناشئة

اذ لم تجـد منهلاً تـروى به عذبا

واُرهقـت عـاطفات بـرة قتلت

صبـراً ولا راحم يحنو بها حدبا

وحكم الجهل في الأوضاع وانقلبت

منـا الأمور فساء الوضع منقلبا

فمـن يسير بهـذا الركـب أخّره

انّ المسيّر ألقـى اللجـم والقتبا

وأين من يصلح الأوضـاع أفسدها

أنّ المربي لها لم يحسن الأدبا (١)

وكثيراً ما كان الشيخ يضيق ذرعاً بالجهل المستشري بين عامة الناس ، والخمول المطبق على أبناء مجتمعه ممن كان يأمل بهم رقي البلاد واعتلاء الوطن من خلال اكتسابهم العلوم والفنون ، وسعيهم وراء الثقافة والمعرفة :

الـى متى نبقـى على خمولنا

يغري بنا الجهلُ ويلهينا اللعب

ونحـن بيـن أمـم راقيــة

كيانُها العلـم ودينهـا الأدب

تعلم أنّ أمّهــا مـدرسـة

الاداب حقّاً ولها العرفان أب

قـد حشـدت أنديةً حـافلةً

بمـا لديها من قصيد وخطب

قد طبّق الكونَ صدى عرفانها

فكلّ سمـع وبـه منـه لجب

__________________

١ ـ المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٧٤.

١٨٦

ومعشري علـى الجمود عاكف

لم يتخـذ الـى رقيـه سبب

من شيبة المصاب قد سرت الى

شبابـه الخامل حكـةُ الجرب

وهل بـدون العلم تُهـدى أمة

الى صوابها وتدرك الأرب (١)

ولم يكن التعليم حينئذٍ بمستوى جيد ومناسب بحيث يعول عليه في تنشأة الجيل وتربية النشء. فالمناهج التعليمية كانت سقيمة وغير صالحة ، والمعلمون أنفسهم كانوا بحاجة الى تعليم وتثقيف.

وقد تناول الشاعر هذه المشكلة في مواضع مختلفة من شعره ، منها قصيدة « السعادة » حيث اشار الى هذا الموضوع قائلاً :

وقصـدت المدارس اللاء فيها

قـد غـرسنـا قلوبنـا للنّماء

فـاذا بـي مـن الحنان أراها

كضلـوع تعطفت بـانحنـاء

واذا النشء كـالأزاهير ينمو

وهـي تزهو كـروضة غنّاء

... فتيقّنت من صميم اعتقادي

أنّ فيهـا سعــادةَ الأبنــاء

واذا بـي ارى خيـالاً كـثيفاً

مطبقاً فـوق أرضهـا والسماء

فيقول الخيال :

أنـا ظلّ الجهل المخيم فيهـا

لم أزل عـاكفاً وهـذا خبائي

كيف يوحـي لها الكمال مرَبّ

نـاقص لـيس فيـه أيُّ غناء

كيف ينمو النشء الوديع وفيها

لقّنـوه الـدروسَ كـالببّغـاء

كيف تـوحي سعادة العلم فيها

لبنينـا مـن أنفس الجهلاء (٢)

ومن هنا تعيّن على الشاعر أن يتوجه بخطابه الى رجال التعليم ليذكرهم

__________________

١ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٣٢٤ ، ٣٢٥.

٢ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٣٤ ، ١٣٥.

١٨٧

بواجباتهم تجاه تعليم الجيل وتثقيفه تثقيفاً صحيحاً وسليماً يستطيع من خلاله بلوغ الكمال ونيل الرقي :

يا رجال التعليم فـي المنشئات

أنتــم للعقـول خيـرُ بنـاة

هـذه المنشئات وهـي حقول

زاهرات والنشء كـالزهرات

أنتـم منبـع الفضيلـة فيهـا

وعقـول البنين شبـه النبـات

أحسنوا الغرس في ثراها لكيما

يجتنـى منه أحسـنُ الثمرات

وأجيـدوا رعـاية النشء فيها

يا رعاةَ العقول والعاطفات

وثمة موضوع هام وحساس في مجال التعليم تناوله الشاعر كثيراً في شعره وهو تعليم المرأة وتثقيفها. فبالرغم من ردود الفعل المتباينة التي صدرت من قبل علماء الدين في النجف بشأن تعليم المرأة فانّ موقف الشيخ كان موقفاً واضحاً وصريحاً في هذا الخصوص :

أَفيقوا يـا بني وطنـي عجالا

فما يجـدي الرقـادُ النـائمينا

وهبّـوا فيه للاصلاح كيمـا

نـراكم للتمـدن نـاهضينـا

أليس ثقـافة الجنسين فـرضاً

تقوم بـه الرجال المصلحونـا

وفـي نور المعارف خير هادٍ

طـريق يقتفيـه السـالكونـا

جمـال الشعب يوماً أن نـراه

يسيـر الـى الثقافـة مستبينا

وان ثقـافـة الأحـلام نـورٌ

به يُهدى الشبابُ الواثبونا (٢)

وقد تركزت دعوة الشيخ الى تعليم المرأة على أساس العقيدة الاسلامية الأكيدة والتعاليم الدينية الصريحة. ففي الوقت الذي حث الشيخ الناس على

__________________

١ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٧٣.

٢ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٢٩.

١٨٨

ارسال فتياتهم الى دور التعليم ، دعا الى الفصل بين الجنسين في المدارس احترازاً من الفساد والانحطاط الخلقي الذي قد ينتجه الاختلاط :

يـا قـادة التعليم أخلاقُ الفتـى

مرآة مـا فـي النفس مـن أسـرار

صونوا المنـاهج بالعقـائد تجتنـوا

مـن غـرس هـذا الحقل خير ثمار

هذا الشذوذ على العقيدة قد طغى

فمضـى بها فــي لُجـة التيـار

هذي الخلاعـةُ حفرةٌ وئدت بـها

روحُ الكـرامة فـي يـد الاقبـار

والبنـت ام والفتـى بعــد أبٌ

وهمــا الصعيـد لهـذه الانـوار

وثقـافـة الجنسين فرض يلتقـي

بثقـافـة الاسـلام فـي مضمـار

والجمع بينهما بصـف واحــدٍ

فــي المنشـأت مضنـة لشنـار

انـا لنـأمـل من مـربي نشئنـا

وهــم البنـاة لهــذه الأفكـار

أن يغرسـوا حب الفضيلـة والحيا

بيـد العقيدة فـي ثـرى الأزهار

ليـرف فـوق سماء جيل مسلـم

للـديـن والاخـلاق خيـرُ شعار

فتصـان عصمة ( يوسف ) في دينه

وتصـان عفـةُ ( مريم ) بأزار (١)

__________________

١ ـ المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٧٧ ، ٧٨.

١٨٩

ج ـ تعميم العلاج والخدمات الصحية :

لم تكن الخدمات الصحية في عهد الاحتلال بأحسن حالاً من التعليم. فقد كانت هي الاخرى تتخبط في جهالة عمياء وتنوء تحت التخلف والانعدام. وقد شهد العراق في تلك الفترة شيوع الأوبئة والأمراض الخطيرة بسبب انعدام الخدمات الصحية المناسبة وعدم توفر الأطباء المعالجين وقلة الأدوية المكافحة للأمراض.

وموضوع الصحة من المواضيع الرئيسية التي تناولها الشاعر في شعره الاجتماعي لارتباطها الوثيق بسلامة المجتمع وسلامة أفراده. فكان يتأثر تأثراً شديداً لتدهور الوضع الصحي العام ، ويتفجر أسىً وألماً حين يرى أبناء وطنه يفقدون حياتهم نتيجة الجهل وانعدام العلاج الصحيح :

فيـا عصر التقدم قـد رجعنا

فأصبحانا نسير الـى الوراء

أنخبط في ظلام الجهل خبطاً

ونحن بظل عصـر الكهرباء

فأيـن الاكتشافُ وقـد علمنا

بـه أسـرار ذرّاتِ الهباء (١)

أيقصـر عـن مكافحـة لداءٍ

يسيـر بنـا الـى دنيا الفناء

فقـد ذهبت ملايين الضحايا

قـرابينـاً لديه بـلا فـداء

وكم شقيت نفـوسٌ بائساتٌ

بـه نُكبت فباتت في شقـاء

فمـن طفل وديع كـان ينمو

بأحضـان الطفولة بـازدهاء

ذوى فتسـاقطت منه ذبـولاً

رؤىً نثرت كمنثور الغُثاء (٢)

وأم فيه قـد فجعت فأضحت

تـودّعُه حنـوّاً بـالبكـاء

__________________

١ ـ الهباء : دقائق الغبار. ( لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٢٣ ).

٢ ـ الغُثاء : البالي من ورق الشجر. ( لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٢٠ ).

١٩٠

وكـم مـن نـابهٍ كـانت تُرينا

شمـائــله نبــوغَ الأذكيـاء

ومـوهوب علـى عينيـه يبدو

ذكـاء العبقـري لكـل رائـي

... فمن للبائسين وقـد تلاشت

نفـوس البـائسين مـن البـلاء

فسعياً يـا ذوي الاصلاح سعياً

لانقـاذ الحيـاة مــن الفنـاء

واشفـاقاً علـى الجنسين منّـا

فقـد عاثت بنـا كفّ العَفاء (١)

وأين مضت يـد الاسعاف عنّا

فقد غلب القنوط على الرجاء (٢)

ومن أجل سلامة الناس واستتباب الخدمات الصحيه في البلاد طالب الشاعر في مواضع كثيرة من شعره برفع مستوى الطب والعلاج في البلاد من خلال تأسيس معاهد طبية حديثة ، وبناء مستشفيات صالحة للعلاج تضمن حياة المريض وسلامته :

يا اسرة الطب الكريمة قدّسي

فـن الطبابة تُـرفعي اكـراما

ان الطبيب من القداسة راهب

متبتـل يستعظــم الآثـامـا

الى أن يقول :

إنّـا نـروم معـاهـداً طبيّـةً

يمسي لهـا العلم الحديث قـواما

تثـرى بـأجهزة تشق حقـائقاً

فتـزيل هذا الفقـر والأوهـاما

ونريـد تثقيف الأُساة معـارفاً

وتجـاربـاً لتنور الأفهامـا (٣)

لم تُبن هـذي المنشئات قواعداً

حربيـة حتى تُشـاد ضخامـا

لكنهـا بُـنيت لأهـداف متى

قد حُققت أضحت بها أعلاما (٤)

__________________

١ ـ العَفاء : الهلاك. ( لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٢٩٨ ).

٢ ـ ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٨٥ ، ١٨٦.

٣ ـ الأساة : جمع آسي ، الطبيب. ( لسان العرب ، ج ١ ، ص ١٤٧ ).

٤ ـ ديوان الفرطوسي ، ج ٢ ، ص ١٦٩ ، ١٧٠.

١٩١

د ـ اصلاح النظام الزراعي :

عانى العراق في ظل الحكم الملكي مشكلة الأقطاع الزراعي التى تأصلت في هذا البلد منذ غابر الأزمان. وقد تجرع الفلاح من غصص الأقطاع ما تجرع. فالأرض التى يدأب في حرثها وزرعها وريّها وحصادها يسلب نتاجها عنوة من قبل الجباة ، فلا يصله منها إلاّ النزر القليل.

وقد أشار الشيخ الفرطوسي الى نظام الاقطاع الجائر في قصائد عديدة ، منها قصيدة « ابن القرية » التي خاطب فيها الفلاح قائلاً :

وافى الحصاد إليـك فاعقد مأتماً

للحـزن واندب قلبك المفجوعا

قد كان عندك قبل يوم حصادها

أملٌ تـرجيه بهـا فـاضيعــا

وأتتك تـزدحم الجباة ولا أرى

لك ما يسد عتّـوها المـدفوعا

الـزرع والبقرات قوتك بعتهـا

إثـر الشياه ولم تف المجمـوعا

وأراك اجلـدَ من صفاة بينهـم

وأرى سواك على الرخاء جزوعا(١)

مـاذا بكوخك من حطام يرتجى

من أجلـه تتجّشـمُ التقـريعـا

فاخرج من الكوخ الحقير الى العرا

واخلـع لديهم ثـوبك المرقوعا

فعسى يفـي بقيا الضريبة منهما

ثمن يصـون جبينـك المصفوعا

أشبالك الغرثـى بطوناً روّعـوا

قلب العفـرنـى بالبكاء فريعـا

ضجوا وقد فزعوا إليك من الطوى

هل في عيابك ما يسد الجوعـا

أتـراهُمُ يتهـافتون على النوى

شبـه الفراش إذا أحس سطـوعا

واذا هوت كسر الرغيف تدافعوا

وتسـابقوا طرباً لهـا وولوعـا

سـودُ الجسـوم عراتها فكـأنما

نسجت لهم كف الهجير دروعا (٢)

__________________

١ ـ الصَّفاة : صخرة ملساء. ( لسان العرب ، ج ٧ ، ص ٣٧١ ).

٢ ـ ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٥٥ ، ١٥٦.

١٩٢

وقد صور الشاعر في كثير من قصائده حال الفلاح وهو يرزح تحت وطأة الاقطاعيين دون رحمة ، في محاولة منه لاصلاح النظام الزراعي ، وتحسين وضع الفلاح الذي طالما عانى من الاقطاع ونظامه التعسفي. ومن هذه القصائد قصيدة « بنت الريف » التي نظمها عام ١٩٤٥ م حيث صور فيها جانباً من معاناة الفلاح في الريف وهي صور منبثقة من واقع الحياة آنذاك :

وهنـاك شمرَّ كـادح عـن ساعد

كحسـامه ماضي الغـرار رهيف

يضرى علـى التعب الممض كأنه

ليثٌ أُهيـج وحقلـه كغريف (١)

ويخف بـالعبء الثقيـل سنامـه

متجلـداً والعبءُ غيـرُ خفيـف

ويصـارع الآلامَ منــه بمهجـة

فتكت بهـا الآلام ذات قروف (٢)

يـروي الحقول بمقلة تُسقـى بها

عن مدمـع شبه العهاد وكوف (٣)

وبأختهـا يرعـى فراخـاً جوعا

جـرداً كأنهم غصـون خـريف

يتضـورون ويكتفـون قنـاعـةً

ان اطعمـوا في كسـرة ورغيف

ويعللـون نفوسهم فـي بـارق

من خلب شبه السـراب خطوف

أن سوف نشبع حين ينضج زرعنا

وسنكتسي بنسيج هذا الصوف (٤)

__________________

١ ـ الغريف : الأجمة. ( لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٥٤ ).

٢ ـ القروف : القشور. ( لسان العرب ، ج ١١ ، ص ١٢٧ ).

٣ ـ العِهاد : المطر. ( لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٤٥ ). وكوف : سائل. ( لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٣٨٥ ).

٤ ـ ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٣٠٦.

١٩٣

٣ ـ الشعر الولائي :

يشكل شعر الولاء لأهل البيت عليهم‌السلام محوراً هاماً في الابداع الأدبي للشيخ الفرطوسي. فقد عرف الشيخ بشاعر أهل البيت لكثرة ما نظم في مناقبهم وسجاياهم الكريمة. ومردّ هذا الحب والولاء انمّا يعود الى عمق تمسك الشاعر بالدين الاسلامي القويم ، وتفانيه في محبة أهل البيت عليهم‌السلام باعتبار ذلك معلماً من معالم التقرب الى الله تعالى ، ومنجاةً في يوم الحشر العظيم.

لقد كان الشيخ الفرطوسي « الإنسان الذي عاش الإسلام ، فاكتشف عظمة أهل البيت من خلال الإسلام ورأى من خلال خطهم الفكري والروحي والعملي .. غنى الفكر الاسلامي وروحيته ومشاريع الإسلام للإنسان والحياة .. فالتزم بهم خط ولاءٍ ومحبة لا يقترب من الغلو ، بل يتوازن في القاعدة الإسلامية المثلى ، لما هو الحب للأشخاص على أساس أفكارهم وأعمالهم ، لا على أساس أشخاصهم ، والتزم بنهجهم لأنه رأى فيه النهج الذي يستمد كل ملامح الفكر والشريعة والأسلوب من كتاب الله وسنة نبيّة من أقرب طريق » (١)

ولشدة ولائه وفرط تعلقه بآل البيت عليهم‌السلام دأب الشاعر في أن يفتتح ديوانه بقصائد في مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام. وقد اتخذ من قصيدة « الباب الذهبي » التي مدح فيها الأمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام مطلعاً لديوانه ، حيث قال في أبياتها الأولى :

نشيـدي وأنت لـه مطلعٌ

من الشمس يعنو له مطلعُ

وقـدرك أرفعُ إنّ الثنـاءَ

وإن جلَّ قـدراً به يرفع

__________________

١ ـ محمد حسين فضل الله ، من كلمة له في تقديم الجزء الثامن من ملحمة أهل البيت عليهم‌السلام ، ص ٤.

١٩٤

ومجدك جاوز أفقَ الخلود

سمـواً ونـفسك لا تقنـع

فقصّر عنه رفيفُ الطموح

وكـادت قوادمـه تنـزع

وأرجـع باليـأس روّاده

وفي مثل مجدك من يطمع

وأنّـى يطاول نجم عـلي

ختـامُ الخلود بـه يشرع

ومجـدُ الامامةِ وترٌ يضم

لمجـد النبوة إذ يشفع (١)

وأبيات الأهداء التي قدّم بها الشاعر ديوانه الى الامام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام تفصح هي الاخرى عن مدى اهتمام الشيخ الفرطوسي بشعر الولاء لأهل البيت عليهم‌السلام :

أمير اللّغى منك بَدءُ البيان

وفي غير نهجك لـم يختم

ومهد العدالة حيث الحقوق

بغير قضـائكَ لـم تحتـم

إلَه العـواطف انّ الشعور

تفجّر بركانه مـن فمـي

وبقيا فـؤادي وبقيا الفؤاد

جروح تُشقّ مـن البلسـم

شفعت بها أدمعي والزفير

وما رفّ منها على مبسمي

فكانت نشيد الهنا والأسى

يوقّع فـي العُرس والمأتم

وها أنـا أرفع ألـواحها

إليك ملّونة مـن دمي (٢)

ولم يترك الشيخ الفرطوسي مناسبة لتكريم أهل البيت عليهم‌السلام إلاّ وشارك فيها مشاركة فعالة رغبة منه في إحياء ذكرهم عليهم‌السلام والاشادة بفضلهم وعلمهم ، والإبانة عن مواقفهم الرسالية الخالدة.

__________________

١ ـ ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٣٣ ، ٣٤.

٢ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٤.

١٩٥

وما يزال النجفيون يحفظون روائع الشيخ الولائية ، ويرددونها في مختلف المناسبات الدينية. ومن أشهر تلك الروائع قصيدة « مولد الأنوار » التي نظمها الفرطوسي عام ١٩٦٣ م ، في ذكرى مولد الامام الحسين عليه‌السلام حيث قال في مطلعها :

قـرآن فضلك فيـه يفتتح الفـمُ

حمداً وبـالاخلاص ذكـرك يـختم

وبأفق مهدك مـن جهادك أشرقت

للفتح آيـاتٌ بـوجهك تُـرسـم

أنت الحسينُ ودون مجدك في العلا

مجـد المسيـح ودونَ امك مـريم

فلقـد ولـدت مطهـراً في بردةٍ

من طهر فـاطمة تحـاك وتُلحـم

ولقـد قُتلت بمصـرع يسمو به

مجـد الممات علـى الحياة ويعظم

والحـق مـن عينيك ينبع نـوره

والصدق فـي شفتيك جمرٌ مضرم

وضحى جبينك وهو فرقان الهدى

بـدم الشهـادةِ والسعـادة يُوسَـم


الى أن يقول :

يا مـولد الأنوار مهـدك للهدى

أفـقٌ تمـوج بصفحتيه الأنجـم

مثلت شخصـك صـورة قدسية

فـي القلب يطبعها الولاء فترسم

وجلوت طلعتها وأنت خـواطـر

فـي مهدها بـرؤى الامامة تحلم

فتحـرقت شفتاي وقـداً من دم

حـر علـى شفتيك قبلـه الفـم

ولمحت فـي شفق الجبين غمامة

منهـا علـى عينيـك ظل معتم

ولمست من روح البطولة والابى

شممـا يثــور وعـزة تتقحـم

وقـرأت للفتح المبـارك سـورة

بالسهم فـي صفحات قلبك تـرقم

فخضبت نـاصيتي بمـذبح جثة

فـي نحرها الدامي يحـزُّ المخذم

١٩٦

وعلمت انـك هديُ آل محمـد

وعريش مهدك يوم خلقك مأتم (١)

ومن رائع شعر الفرطوسي في أهل البيت عليهم‌السلام قصيدة « مولد الزكي » التي نظمها في مولد الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام وهي من أجمل قصائده الولائية وأروعها ديباجةً وبياناً. يقول في مطلعها :

سموت بفكري فالتقطت الدراريا

ونسقتها في سلك شعري قوافيـا

وقطعـت أوتـار الفؤاد نوابضاً

ولطفتها حتى استحالت أغـانيـا

وأسرجت من روحي ذبال عواطف

أطلّت علـى الدنيا شموعـاً زواهيا

هنـالك بعثـرت الدراري فتـارةً

أرصـع ثغر الدهر فيهـا أمانيـا

وطـوراً أزف العاطفات عـرائساً

وأجعلها باسم الـولاء نثـاريـا

ورحت لهاتيك الأغاريد مـن فمي

وقـد عطّرته مـن شذاها غـواليا

أوقعها لحناً مـن القلب خـالصاً

واسكبهـا خمراً مـن الحب صافيا

وأنثرهـا في مـولد السبط بهجـةً

لآلـي أفـراحٍ تنيـر الليـاليـا

أزف بهـا للمرتضى خالص الولا

وأحمـل للزهـراء فيها التهـانيا

ثم يحلّق الشاعر في عالم خياله وسماء فكره ليواصل تسجيل عواطفه الجياشية ، وتخليد أحاسيسه الفياضة في هذه المناسبة العطرة :

تفتحت الأكمام عـن كل مبسـم

يعطّـر بالأنفـاس حتـى الأقاحيا

وأشرقت الأضواء مـن كل بسمة

تلاطف بالبشرى الضحى المتهاديـا

ورفرفـت الآمالُ فـوق خمـائل

من النفس أضحت للأماني مراعيـا

وأسفرت الأستار عـن كل جلوة

لبكر من الأشعار تسبي الغـوانيـا

وساد الهنا حتى اكتسى افق السما

ووجه الثرى برداً من اللطف ضافيا


__________________

١ ـ المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٥ ـ ١٧.

١٩٧

وأزهـرت الدنيـا بنور مبـارك

أطـلّ عليهـا بالبشـائر زاهيـا

تلألأ فـي بيت النبـوة مشرقـاً

من الحسن الزاكـي ينير الدياجيا

إمام الهدى من ذروة العرش نوره

تنزّل كـالقرآن بـالحق هاديا (١)

ولم يكتف الشيخ الفرطوسي بالمدح وذكر المناقب فقط ، بل كان يتحدى الجاحدين لفضل أهل البيت عليهم‌السلام وينبري للرد عليهم بجلائل الأدلة والبراهين. من ذلك قصيدته « علي والأمامة » التي نظمها عام ١٩٣٧ م ، وفيها رد على المعاندين الذين أنكروا إمامة الامام علي عليه‌السلام :

قـل للمعاند قـد ضللت جهـالة

سفهاً لعقلك مـن عنـود جاهـل

أعماك غيك أنتـرى نـور الهدى

فتسير فـي نهج البصيـر العـاقل

أمن العـدالة أن يـؤخر سابطـقٌ

ويقـدمَ المفضـولُ دون الفـاضل

هـذي فضـائلُـه وذي آثـاره

سطعـت بآفـاق الهـدى كمشاعل

فتصفـح التـأريخ فهـي بـوجه

غـرر صبـاح نُظّمـت كسلاسل

ينبئك مـن واسـى النبـي محمّداً

بمـواقـف مشهـودة وغـوائـل

وفـداه عنـد مبيتـه بفـراشـه

فـي نفسه فوقـاه شـرّ البـاطل

ومـن الذي أردى الـوليد وشيبة

فـي يوم بـدر بالحمـام العـاجل

وبيـوم احد من طغت عـزماته

فرست جبالاً فـي الزحـام الهائل

مـن فرق الأحزاب حين تجمعت

فرقاً ومـا في القـوم غير النـاكل

ورمى على وجـه الثرى أصنامها

لما رقى مـن فوق أشرف كـاهل

وبكفه حصـن اليهود قـد اغتدى

متلاطمـاً كالمـوج فوق السـاحل

ومن الذي ردت له شمس الضحى

لما اشار لها ارجعي فـي ( بابل )

__________________

١ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٤٩ ، ٥٠.

١٩٨

وفضائل ليست تعـد و( هل أتى )

و( النجم ) و( النبأ العظيم ) دلائلي

عميت عيون لاترى شمس الضحى

عنـد استقامة كـل ظل مائل (١)

وقد اشتهر الشيخ الفرطوسي ـ بالاضافة الى مديحه الولائي ـ برثاء أهل البيت عليهم‌السلام وخاصة رثاء الامام الحسين عليه‌السلام ومن استشهد معه في وقعة الطف بكربلاء. ولشعر الفرطوسي في هذا الحدث الأليم وقع مميز وجاذبية خاصة أقبل عليه خطباء المنابر الحسينية يرددونه في مجالسهم لما فيه من تأثير شديد ووقع عظيم في قلوب الناس والمستمعين :

أفـدي حسيناً حيـن خفّ مودعاً

قبـراً بـه ثقـلُ النبـوة أودعـا

وافـى الـى تـوديعـه وفـؤادُه

بمـدى الفـراق يكـاد أن يتقطعا

وغـدا يبث لـه زفير شجـونه

بشكاته والطـرف يذري الأدمعـا

يـا جدّ حسبي مـا أكابد من عناً

فـي هـذه الدنيـا يُقضّ المضجعا

فأجابـه صبراً بنيَّ علـى الأذى

حتى تنالَ بـذا المقـام الأرفعـا

ولقـد حبـاك الله أمـراً لم يكن

بسـوى الشهادة ظهـره لك طيعا

وكـأنني بـك يـا بنيَّ بكـربلا

تمسي ذبيحاً بـالسيوف مبضعـا

ولقـد رآه بمشهـد من زينـب

هـو والوصي وأمهُ الزهـرا معا

ملقىً برمضاء الهجير على الثرى

تطـأ السنابـك صدره والأضلعا

فـي مصرع سفكت عليـه دماؤه

أفدي بنفسي منه ذاك المصرعا (٢)

وهكذا يسير الشاعر في اشعاره الولائية بروح مفعمة بحب أهل البيت عليهم‌السلام مشيراً بفضائلهم الكريمة ، وتضحياتهم الجسيمة من أجل اعلاء الاسلام والدفاع عنه والذود عن قيمه العالية وتعاليمه العظيمة.

__________________

١ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١١٨ ، ١١٩.

٢ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٩٣.

١٩٩
٢٠٠