الإنفاق في سبيل الله

عز الدين بحر العلوم

الإنفاق في سبيل الله

المؤلف:

عز الدين بحر العلوم


الموضوع : الأخلاق
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٩٤

ومن بين هذه الصور تتألق صورة الانفاق في سبيل الله ، ومد يد العون إلى الضعفاء والمعوزين ليجد هؤلاء من يحنو عليهم ، ومن ينتشلهم من براثن الفقر ، ويبعد عنهم صوره المرعبة وبذلك تتوازن القوى ، ويتجه كلهم نحو بناء مجتمع مثالي في كل عصر ، ومع كل جيل.

وحديثنا في هذا البحث عن التكافل في الإنفاق لان المال وتوزيعه على شكل يؤمن للغني غناء ، وللفقير حقه هو من القواعد الأساس لعملية التكافل لذلك رتب الإسلام نظاماً للإنفاق لئلا يسرف الإنسان في ذلك ، أو يقتر.

( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) (١).

وقبل أن نبدأ في البحث عن كيفية هذا النظام ، والحديث عنه نقف لنجيب عما نطالب به من إيضاح حول ما يوجه من الاعتراض عن مشكلة الفقر وابتلاء البعض من الناس بالفقر والعوز مع أن الله سبحانه هو الخالق خلائق ورازقهم هو الذي قدر بينهم معايشهم :

( وما من دابة في الأرض إلاّ على الله رزقها ) (٢).

( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) (٣).

( ولقد مكّنّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيه معايش ) (٤).

__________________

(١) سورة الأسراء / آية : ٢٩.

(٢) سورة هود / آية : ٦.

(٣) سورة الزخرف / آية : ٣٢.

(٤) سورة الاعراف / آية : ١٠.

٢١

وإذا كان الرزق من الله ، وهو الذي يقدر معايش العباد فلماذا لم يمنح الفقير ما يغنيه ليجعل العباد كلهم على حد سواء ، أو لا أقل من أن يكفي الفقير ان لم نقل بالتساوي ؟ وحينئذٍ فيمنحه ما يرفع عنه الاتكال على ما تجود به قريحة الغني وتعود حياته رتيبة تسير على نحو من الكفاف ، وبذلك يستغنى عن قانون فرض الضرائب المالية على الأغنياء الزامياً ، أو تبرعياً ، ولا داعي لهذه الصورة من التكافل بل تبقى للتكافل صوره الأخرى مما يحتاجه لهذه الحياة.

والجواب عن ذلك : إن الله ليس بعاجز عن أن يجعل عباده في مستوى واحد من حيث الغناء والرفاه المالي فقد نوه القرآن الكريم في آيات كثيره من أن الله هو الرازق :

( قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله ) (١).

( هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ) (٢).

ولكنها المصالح التي تعود إلى البشر ، والتي تقضيها طبيعة الحياة العلمية في واقعها الخارجي هي التي تدعوا لأن يكون هذا التمايز.

ذلك لأن الحاجة أساس العمل والعمل يخلق الانتاج ، وإذا كان الكل في صف واحد فمن يعمل ، وكيف يحصل الانتاج ؟.

وعلى سبيل المثال : فلوا فرضنا أن بلداً كل أفراده أغنياء ،

__________________

(١) سورة سبأ / آية ٢٤.

(٢) سورة فاطر / آية ٣.

٢٢

ويتمتعون بثروات مالية فمن منهم يحضر لينزل إلى الحقل ليحرث ويزرع ، ومن منهم يبني ، ومن منهم يحرك الآلة ، ومن منهم يقوم بما تتطلبه هذه الحياة من أعمال ؟.

ان الحاجة هي التي تدعوا العامل أن ينشد إلى رب العمل ، ورب العمل إلى العامل ، وهكذا ، ومن جراء ذلك تؤمن متطلبات الحياة ، وما يحتاج إليه الفرد من طعام وكساء وسكن.

على أن هناك نقطة دقيقة كشف عنها القرآن الكريم ، وأوضح أن الله سبحانه ينزل الارزاق حسب موازين مظبوطة وإنه أعلم بعباده ، وكيف أن بعضا منهم لو أغناه ووسع عليه لكفر.

يقول سبحانه :

( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير ) (١).

وختام الآية ( إنه بعباده خبير بصير ) يعطينا أن التقدير الذي يقدره الله لعباده نابع عن خبرة ، وبصيرة بشؤون العباد إنه يعلم لو وسع على العباد في الرزق على حسب ما يطلبونه ، ويرغبون فيه لبغوا في الأرض ، والبغي في اللغة ، هو « الظلم والجرم والجناية ، والباغي هو الظالم ، والعاصي على الله » (٢).

ولكن ( ينزل بقدر ما يشاء ) ، وعلى قدر صلاحهم ، وما تقتضيه مصالحهم ، وقد جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرائيل عن الله سبحانه :

__________________

(١) سورة الشورى / آية : ٢٧.

(٢) أقرب الموارد / مادة بغي.

٢٣

« إن من عبادي من لايصلحهُ إلى السقم ، ولو صححته لأفسده ، وإن من عبادي من لايصلحهُ إلا الصحة ، ولو سقمته لأفسده ، وأن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ، ولو أفقرته لأفسده ، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ، ولو أغنيته لأفسده ، وذلك إني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم » (١).

وبعد كل هذا فإن الأحاديث الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل البيت عليهم‌السلام تتناول هذه المشكلة. وتدفع الأشكال على نحو الجزاء والأجر للفقير على ما قسمه الله له من فقره.

فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال :

« يؤتى بالعبد يوم القيامة ، فيعتذر الله إليه كما يعتذر الرجل إلى الرجل في الدنيا ».

فيقول :

« وعزتي وجلالي ما زويت الدنيا عنك لهوانك عليّ ولكن لما أعددت لك من الكرامة والفضيله أخرج يا عبدي إلى هذه الصفوف فمن اطعمك فيّ أو كساك فيّ يريد بذلك وجهي فخذ بيده فهو لك ، والناس يومئذ قد الجمهم العرق فيتخلل الصفوف وينظر من فعل ذلك بيده فيأخذ بيده ويدخله الجنة » (٢).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« إنه قال : لرجل أما تدخل السوق أما ترى الفاكهة تباع ،

__________________

(١) مجمع البيان والدر المنثور للسيوطي في تفسيرهما للآية ٢٣ من سورة الشورى.

(٢) المحجة البيضاء ٧ / ٣٢٣.

٢٤

والشيء مما تشتهيه : فقال : بلى.

قال عليه‌السلام : أما إن لك بكل ما تراه فلا تقدر على شرائه حسنة » (١).

بهذا النوع من الأجر والتقدير يقابل الفقير ليجبر الله له ما يعانيه في هذه الدنيا من تبعات الفقر.

وهنيئاً له والله.

يعتذر إليه أو هو شبيه بالمعتذر كما في بعض النسخ ، ويتوالي التكريم من الله سبحانه لعبده الفقير فتعطينا الأحاديث مرة أخرى صوراً متلألئةً تضفي اشعاعاً خاصاً على الفقير يميرة عن بقية الناس.

فقد جاء في بعض الأحاديث ان الله سبحانه أوصى لنبيه اسماعيل قائلاً :

« اطلبني عند المنكسرة قلوبهم من اجلي.

فقال : اسماعيل من هم ؟

قال : الفقراء الصادقون » (٢).

والفقراء بعد كل هذا صفوة الله من خلقه.

« فعن النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول الله تعالى يوم القيامة :

أين صفوتي من خلقي ؟

__________________

(١) المحجة البيضاء ٧ / ٣٢١.

(٢) المحجة البيضاء ٧ / ٣٢٥.

٢٥

فتقول الملائكة ، ومن هم يا ربنا ؟

فيقول : فقراء المسلمين القانعون بعطائي الراضون بقدري أدخلوهم الجنة فيدخلوهم ويأكلون ويشربون ، والناس في الحساب يترددون » (١).

وفي مورد آخر يقارن الله بين الفقراء والأغنياء فيجعل الكفة تميل لصالح الفقراء ، جاء ذلك عن الإمام الصادق عليه‌السلام :

« ان الله يقول يحزن عبدي المؤمن ان قترت عليه ، وذلك أقرب له مني ، ويفرح عبدي المؤمن ان وسعت عيله ، وذلك أبعد له مني » (٢).

ومرة أخرى نعود لصلب الموضوع في البحث لنتكلم عن الانفاق بقسميه الإلزامي والتبرعي.

__________________

(١) المحجه البيضاء ٧ / ٣٢٥.

(٢) المحجه البيضاء ٧ / ٣٢٦.

٢٦

١ ـ الأنفاق الإلزامي

ويشتمل على أمرين :

أ ـ الضرائب المترتبة على الأموال.

ب ـ الضرائب المترتبة على الأعمال.

أ ـ الضرائب المترتبة على الأموا ل ... وهي على قسمين :

١ ـ الزكاة.

٢ ـ الخمس.

أولاً .. الزكاة ..

الزكاة في اللغة هي : النماء ، والطهارة ، وزكا الشيء نماء وتكاثر ، وزكت النفس طهرت ، ومنه قوله تعالى :

( خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها ) (١).

تطهرهم من البخل والسحة وحب المال.

وتزكيهم بنماء أموالهم وحسناتهم ، وتهذيب نفوسهم ، وبذلك

__________________

(١) سورة التوبة / آية ١٠٣.

٢٧

يرتفعون إلى منازل المخلصين الطيبين (١).

أما الزكاة في المصطلح الشرعي فهي :

« أسم لحق يجب في المال يعتبر في وجوبه النصاب » (٢).

وعندما نعبر عن الزكاة بأنها ضريبة على المال الذي يحصل عليه الإنسان أو لحق يجب قي المال فلا ينافي هذا التعبير انها في الوقت نفسه عبادة مالية يتوخى الشارع من فرضها تنظيم الاقتصاد وترتيب الحياة بشكل متوازن بلا تخمة ولا حرمان بل حد وسط بين هذين الشبحين المرعبين.

يقول الإمام الصادق عليه‌السلام :

« إنما وضعت الزكاة اختباراً للأغنياء ومعونة للفقراء ، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقير محتاجاً ، ولاستغنى بما فرض الله له وأن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء » (٣).

وإذا ما أردنا أن نعرف ما للزكاة من أهمية في نظر المشرع رجعنا إلى القران الكريم والسنة لنرى اللآيات ، والأحاديث قد أمرت باخراجها مقترنة بالأمر باقامة الصلاة في أكثر من عشرين آية ، وفي أحاديث عديدة حيث دأبت الآيات تكرر قوله تعالى : ( أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ).

وفي الحديث الذي بيّن فيه أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) أقرب الموارد : مادة « زكى ».

(٢) جواهر الكلام ١٥ / ٣.

(٣) وسائل الشيعة ٦ / ٤.

٢٨

دعائم الإسلام قال :

« وهي دعائم أولها الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام » إلى آخر الحديث (١).

فجاء ترتيبها بعد الصلاة مقدمة على الصيام.

وفي حديث آخر عن الإمام الباقر عليه‌السلام انه قال :

« عشر من لقى الله بهن دخل الجنة : شهادة ان لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، والاقرار بما جاء من عند الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ـ الخ ـ » (٢).

ولسنا في صدد ما للصلاة من أهمية في نظر المشرع ، وإنها من أهم أركان الإسلام ولكن على نحو العرض السريع نقول :

لقد نوهت الأحاديث بعظمة الصلاة في كثير من الموارد ، وبينت إنها عمود الدين ، وأنها إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها ، وأنها لا تترك بحال ، وحتى في حال الغرق لابد من الاتيان بها ولو بالايماء بالعينين.

هذا الواجب العبادي ، وبهذا النحو من الأهمية نرى الشارع المقدس قد قرن معه الزكاة.

وبأكثر من هذا فقد دأبت الأحاديث الكريمة تصرح بأن بين أداء الزكاة وإقامة الصلاة نحو إرتباط.

فقد جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٩.

٢٩

« أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم » (١).

وهل يستعظم الإنسان هذا النوع من الارتباط فكيف ان من صلى ولم يزك أمواله لم تقبل صلاته مع أنه تقبل بحسب الموازين الشرعية ، ويأتي الإيضاح عن الإمام الباقر عليه‌السلام في حديث له يقول فيه :

« إن الله تبارك وتعالى قرن الزكاة بالصلاة فقال أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فمن أقام الصلاة ، ولم يؤت الزكاة فكأنه لم يقم الصلاة » (٢).

وإذاً : فالارتباط بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أرتباط تنزيلي ، ويفهم من قوله « فكأنه لم يقم الصلاة » بمعنى أن تارك الزكاة صلاته ليست تلك الصلاة التي ينظر إليها الله بنحو من الأهمية ، والأعتبار.

وعلى الصعيد الأجتماعي لو تأملنا هذه المقارنة لرأينا من خلال كل هذه الآيات والأحاديث أن الشارع المقدس يتوخى من الأمر بهذين الواجبين على نحو الارتباط ولو تنزيلاً أن يجعل المكلف إنساناً مهذباً كاملاً.

فبصلاته : ينشد إلى خالقه يسبحه ويحمده ويعترف بالعبودية له ، وبذلك تصفو نفسه شفافة تنطبع فيها كل سمات الخير والرحمة.

وبزكاته : ينشد الفرد إلى المجتمع ليتحسس بأحاسيس أفراده من الضعفاء والمعوزين فيمد لهم يد المساعدة ويبعد عنهم شبح

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٦ / ١١.

٣٠

الفقر وآلام الجوع.

وبهذا الصدد يقول الإمام الرضا عليه‌السلام :

« إن علة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الأغنياء ، لأن الله عزوجل كلف أهل الصحة القيام بشؤون أهل الزمانة (١) والبلوى كما قال الله تعالى :

( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ).

في أموالكم : أخراج الزكاة ، وفي أنفسكم : توطين النفس على الصبر مع ما في ذلك من أداء الشكر لنعم الله عزوجل ، والطمع في الزيادة مع ما فيه من الزيادة والرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف على أهل المسكنة والحث لهم على المواساة ، وتقوية الفقراء والمعونة لهم على أمر الدين » (٢).

وقد نقلنا من الحديث هذا القدر لنعرض من خلاله ما يتوخاه الإمام ٧ من شد الأغنياء والتحامهم بالفقراء وبيان أن الله سبحانه في الوقت الذي يريد من عبده أن يتقرب إليه وتسمو نفسه فتسبح في الرحاب الأعلى بصلاته كذلك يريد منه أن لا يبعد فينقطع عن المجتمع بل لينزل إلى معترك الحياة ليعمل ويقدم من نتاج عمله إلى من أنهكهم الفقر ، وبذلك يكون قد جنب الفقير ويلات الحرمان وما يجره العوز عليه من إرهاصات قد تخرجه من وضعه الطبيعي فيجرم في حق الأخرين.

__________________

(١) الزمانه : العاهة : وأهل الزمانه أصحاب العاهات.

(٢) وسائل الشيعة ٦ / ٥.

٣١

ونبقى نحن وجزاء من أقام الصلاة وآتى الزكاة لنهرع إلى القرآن الكريم لنراه يقرر ما جاء في قوله تعالى :

( والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجراً عظيما ) (١) ..

( اولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً ) وإذا كان التعبير بالعظيم له أهمية لو جاء على لسان البشر فكيف به وقد جاء على لسان الله عزوجل وهو الرحيم بعباده.

من تجب عليه الزكاة (٢) :

تجب الزكاة على الأشخاص التالية صفاتهم :

١ ـ البالغ.

٢ ـ العاقل.

٣ ـ الحر.

٤ ـ المالك للمال.

__________________

(١) سورة النساء / آية : ١٦٢.

(٢) لما كانت فكرة البحث من هذا الكتاب هي بيان موارد الانفاق ، وانها من ابرز صور التكافل الاجتماعي واعطاء صورة مشوقة فيما يخص هذه الجهة لذا لا يسعنا الخوض على نحو من التفصيل فيما يتعلق ببحث الضرائب المالية من الزكاة والخمس وبقية الموارد من الكفارات ، وغيرها ، بل نحيل القارئ الكريم على مصادر الفقه خوفاً من الأطالة والخروج عن الخط البحث لذلك نقتصر على هذا القدر مما يتعلق بهذه العناوين من الناحية الفقهية.

٣٢

٥ ـ التمكن من التصرف.

من غير فرق بين الذكر والأنثى ..

ما تجب فيه الزكاة :

تجب الزكاة في :

١ ـ الأنعام الثلاثة : وهي الابل والبقر والغنم.

٢ ـ الذهب والفضة المسكوكين.

٣ ـ في الغلات الأربع : هي الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

وتستحب فيما عدا ذلك مما تنبت الأرض مما يكال أو يوزن عدا الخضر.

أما أموال التجارات فقد اختلفوا فيها على قولين :

أحدهما : الوجوب.

ثانيهما : الاستحباب (١).

من تصرف إليه الزكاة :

وقد ذكرتهم الآية الشريفة في قوله تعالى :

( إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليم حكيم ) (٢).

__________________

(١) راجع لذلك كتاب الزكاة من جواهر الكلام بحث ما تجب فيه الزكاة.

(٢) سورة التوبة / آية : ٦٠.

٣٣

ثانياً .. الخمس (١)

الخمس حق مالي فرضه الله عز وجل على عباده في موارد مخصوصة فكلفهم بأخراج سهم واحد من كل خمسة أسهم مما يحصلون عليه من تلك الموارد أي ما يساوي ٢٠% من الأصل.

الموارد التي يجب فيه الخمس :

يجب الخمس في الموارد التاليه :

١ ـ غنائم دار الحرب.

٢ ـ المعادن.

٣ ـ الغوص.

٤ ـ الكنز.

٥ ـ أرباح التجارات.

٦ ـ المال الحرام المختلط بالحلال.

٧ ـ أرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم.

__________________

(١) لقد تعرضنا لبحث الخمس بشكل مفصل في كتابنا « اليتيم في القرآن والسنة » والبحث هنا مأخوذ منه على نحو الاختصار.

٣٤

من يستحق الخمس :

يقسم الخمس بنص الآية الكريمة ، والأحاديث الوارده عن أهل البيت عليهم‌السلام إلى ستة أقسام :

يقول سبحانه :

( واعلموا أنّما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) (١).

وقد أوضحت الآية الكريمة ان هذه الأقسام الستة تنقسم إلى قسمين :

الأول : ويتمثل بما أفادته الآية من قوله تعالى :

( فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ).

الثاني : وهو ما بقي من الأقسام :

( اليتامى والمساكين وإبن السبيل ).

ويقول فقهاء الإمامية بأن الأقسام الثلاثة الأولى هي بيد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو الإمام عليه‌السلام من بعده حسبما أستفيد من الأخبار الواردة في هذا الباب.

وأما الأقسام الثلاثة الثانية فهي لليتامى والمساكين وابن السبيل من بني هاشم اعتماداً على ما ورد في هذا التخصيص من الأخبار التي أفادت بأن الله حرم على بني هاشم الصدقة فأبدلهم بالخمس ، وقد تعرضت مصادر الحديث للإمامية فذكرت بهذا الخصوص اخباراً كثيرة جاء فيها ما ألمحنا إليه من السبب في تخصيص بني هاشم ،

__________________

(١) سورة الأنفال / آية : ٤١.

٣٥

ومن هم بنو هاشم ، وغير ذلك مما يتعلق بهذا الموضوع على نحو من التفصيل راجع كتاب وسائل الشيعة وغيره من كتب الحديث أبواب الخمس.

فكرة الخمس من التكافل :

هذا الحقل المالي عندما يخصص النصف منه إلى الإمام ، والنصف الثاني إلى اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم إنما هو صورة من صور التكافل الإجتماعي ، والذي يريده الإسلام ، ويحرص على تطبيقه حيث يجعل من الغني والفقير مجموعة واحدة يتحسس البغض منها بما يحيط بالآخر من العوز والحاجة.

فالفقير يشعر بهذا العطف من الغني ، ولا بد له يوماً ما من أن يقدر له هذا العواطف ليقف إلى جانبه فيما يبتلى به من القضايا التي يحتاج فيها إلى ما يساعده فيها.

وبذلك يكون المجتمع يداً واحدة بغض النظر عن الأفراد ، والقوميات ، وما يميز به الأفراد من فوارق عريقة ، ومذهبية.

ب ـ الضرائب المترتبة على الأعمال :

وهذه الضرائب يجمعها عنوان « الكفارات » ، وهي عقوبات دنيوية يقصد من ورائها تخفيف ما على الإنسان من العقوبات الأخروية نتيخة مخالفة يقوم المكلف بها بترك عمل مطلوب منه ، أو بالأقدام على عمل ممنوع عنه ، وهي على أنواع :

١ ـ كفارة القتل : فإذا قتل الإنسان مؤمناً عمداً ظلماً ففي هذه الصورة فرض الشارع المقدس عليه كفارة وهي :

٣٦

عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستين مسكيناً.

وأما لو كان القتل خطأ فكفارته عتق رقبة ، فإن عجز صام شهرين متتابعين ، فإن عجز إطعم ستين مسكيناً.

٢ ـ كفارة الأفطار في شهر رمضان : فمن أفطر يوماً من شهر رمضان فكفارته عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكيناً.

٣ ـ من أفطر يوماً : من قضاء شهر رمضان بعد زوال الشمس فكفارته اطعام عشرة مساكين فإن عجز صام ثلاثة أيام.

٤ ـ فدية الأفطار عن مرض : وهذه الفدية تتحقق على من أفطر في شهر رمضان عاجزاً عن الصوم لمرض نزل به ، واستمر به المرض إلى رمضان قابل حيث يعجز عن القضاء أيضاً فيفدي عن كل يوم باطعام مسكين واحد.

٥ ـ كفارة الظهار : وعملية الظهار هو أن الرجل يترك وطء زوجته معتبراً أياها كأمه فيقول له « أنتي علي كظهر أمي » وهي عبارة يراد منها أن المرأه حرام عليه كحرمة أمه عليه ، فلو أراد الرجوع إليها كفر عن هذه العملية بعتق رقبة فأن عجز صام شهرين متتابعين فإن عجز اطعم ستين مسكيناً.

٦ ـ كفارة الايلاء : والإيلاء هو الحلف على ترك وطء الزوجة وحينئذ فيكفر من يريد الرجوع بعتق رقبة أو اطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم فإن عجز صام ثلاثة أيام متواليات.

٧ ـ كفارة اليمين : وذلك حيث يحلف الإنسان ان يفعل شيئاً ، أو يتركه ، ثم يعدل عن ذلك ، وفي هذه السورة تكون كفارته

٣٧

عتق رقبة ، أو اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن عجز صام ثلاثة أيام متواليات.

٨ ـ كفارة النذر : وهو أن ينذر لله تعالى نذراً ويكون عليه الإيفاء إذا تحقق فإذا أخل بذلك فكفارته عتق رقبة أو اطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم فإن عجز صام ثلاثة أيام متواليات.

٩ ـ كفارة العهد : والعهد هو أن يقول « عاهدت الله على كذا أو عليَّ عهد الله أنه متى حصل الشيء الفلاني فعليّ الشيء الفلاني » ، فإن أخل فعليه الكفارة وهي عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو اطعام ستين مسكيناً.

١٠ ـ كفارة المخالفة في الاحرام : فإذا أخل الحاج بشرط من شروط الحج في الإحرام يكفر عن ذلك بذبيحة على تفصيل مذكور في بحوث الحج من الفقه.

إذا استعرضنا هذه الكفارات رأيناها تحتوي على :

١ ـ عتق الرقبة.

٢ ـ الصيام.

٣ ـ الاطعام للمساكين.

هذه الأمور الثلاثة هي موضوع الكفارة المفروضة على المكلفين عند اخلالهم بشيء مما ذكرناه ، أو قيامهم بأمور لايريد الإسلام تحققها كالقتل والظهار والايلاء.

ومن خلالها تظهر لنا فكرة التكافل والتعاون جلية واضحة ولنستعرض كلاً منها :

٣٨

١ ـ عتق رقبة : والمراد به تحرير العبد من الاسترقاق ، وهذه عملية انسانية تكافلية يشم فيها انسان نسمات الحرية بعد أن حكمت عليه الظروف أن يكون مملوكاً لآخرين.

ان العبد ليشعر بالجميل عليه وهو يرى نفسه وقد القى الطوق الذي كان يقيده ، ولا بد له ان يكافئ ذلك الشخص الذي كان السبب في خلاصه من هذه العبودية ، وبذلك تلتحم القوى بين المعتِق والمعتَق ، ويتحسس كل منهما بما تحل بالآخر من أزمات.

٢ ـ الصوم : ويصوم الشخص نتيجة ابتلائه بهذه الكفارة ليكون رادعاً له عن الرجوع لمثل هذه المخالفة ، وفي الوقت نفسه ليتحسس بالآم الفقراء والضعغاء ، وليشعر بلوعة الحرمان ، وما يسببه الجوع من ارهاصات قد تخرجه عن الوضع الطبيعي الذي اعتاد عليه ، وليعلم ان الفقير أيضاً بشر ومن حقه أن يتمتع بهذه الحياة ، ومن ثم ليملأ معدته بالطعام ، وهذا التحسس كاف لأن يخلق منه إنساناً تكافلياً قد أحسنت تأديبه الكفارة.

٣ ـ الاطعام : قد لا يوطن الإنسان نفسه على أن ينفق على الفقير تبرعاً وبدون سبب ، ولكن الشارع بهذا الأجراء يجبره على أن يتفقد الفقير ويقدم له طعاماً ليرفع عنه غائلة الجوع ويشبعه جزاء ما صنعه من مخالفة ، وبذلك يكون الإسلام قد هيّأ للضعيف مورداً من موارد العيش يقدمه الغني له من غير من ، ولا جميل.

وعلى أي حال ان الإسلام بتشريعه لهذا النوع من العقوبات لا يريد أن يتشفى من المكلف بإيذائه ، بل يريد أن يخفف من عقابه في الآخرة ويصوغ منه إنساناً مهذباً في دنياه يحمل قلباً ملؤه الرحمة ونفساً عالية شفافة تكمن بين جوانبها كل سمات الخير والصلاح.

٣٩

٢ ـ الانفاق التبرعي

لقد حث القرآن الكريم في آيات عديدة ، وموارد كثيرة على البذل والانفاق إلى الطبقات الظعيفة لانعاشهم وإبعاد شبح الفقر عنهم.

كما وقد تعددت الإساليب التي عرض بها هذه الفكرة ، والطرق التي سلكها لتحبيبها إلى النفوس.

قبل أن نبدأ :

ولنا وقفة مع القارئ قبل أن نبدأ بعرض تلك الطرق لنوفق بين هذا النوع من الحث على الإنفاق ، وبين ما عرف عن الإسلام من أنه دين عمل وجد ونشاط.

فيقال : إن هذا الحث من الشارع المقدس على البذل والإنفاق قد يكون سبباً لانتشار البطالة وتشجيعاً على عدم العمل ، وما على الفرد إلا أن يجلس في بيته ويتكل على عطايا المحسنين ، أو يتكفف ويتسول ويقطع الشوارع يمد يداً لهذا وأخرى لذلك يتمتم بكلمات يستدر بها عطف المحسنين كما نشاهده في كثير من الطرقات.

وهذا النوع من الحث على الانفاق الموجب لهذا النوع من

٤٠