وقد استدل صاحب الفصول على ما ذهب إليه (١) بوجوه ، حيث قال بعد بيان أن التوصل بها إلى الواجب من قبيل شرط الوجود لها لا من قبيل شرط الوجوب (٢) ، ما هذا لفظه : «والذي (٣) يدلك على هذا ـ يعني الاشتراط بالتوصل ـ أن وجوب المقدمة لمّا كان من باب الملازمة العقلية ، فالعقل لا يدل عليه زائدا على القدر المذكور ، وأيضا لا يأبى العقل أن يقول الآمر الحكيم : أريد الحج ، وأريد المسير الذي يتوصل به إلى فعل الواجب ، دون ما لم يتوصل به إليه ، ...
______________________________________________________
(١) أي : ما ذهب إليه صاحب الفصول من وجوب خصوص المقدمة الموصلة.
(٢) أي : لأن اشتراط وجوب المقدمة بوجود ذيها يقتضي اشتراطه بوجود نفسها أيضا ، إذ المفروض : كونها من علل وجود ذيها ، ولا معنى لوجوب شيء بشرط وجوده لامتناع طلب الحاصل.
وبعبارة أخرى : أنه يعتبر في وجود المقدمة بعنوان المقدمية التوصل بها إلى الواجب ، بحيث لو أتى بذات المقدمة بغير ذيها لم تكن تلك الذات مقدمة ، وليس وجوب المقدمة مشروطا بالتوصل ؛ بحيث لو لم يتوصل كانت مقدمة ولم تكن واجبة ، إذ لو كان وجوب المقدمة مشروطا بوجود ذيها ووجود ذيها مشروطا بوجودها ، لزم كون وجوب المقدمة مشروطا بوجودها ، وهو ممتنع لامتناع تحصيل الحاصل.
(٣) أي : وحاصل ما أفاده صاحب الفصول ـ في كلامه المحكي في المتن ـ مؤلف من براهين ثلاثة :
الأول : أن المتيقن من حكم العقل بوجوب المقدمة هو خصوص الموصلة ، وقد أشار إليه بقوله : «إن وجوب المقدمة لما كان من باب الملازمة العقلية ، فالعقل لا يدل عليه زائدا على القدر المذكور» أي : الاشتراط بالتوصل.
الثاني : أن العقل يجوّز تصريح الآمر الحكيم بعدم مطلوبية المقدمة غير الموصلة ، فيجوز أن يقول : إني لا أريد المسير غير الموصل إلى مناسك الحج ، بل أريد خصوص المسير الموصل إليها» ، ولو كان الواجب مطلق المقدمة لم يكن وجه لهذا الجواز. وقد أشار إليه بقوله : «وأيضا لا يأبى العقل أن يقول الآمر الحكيم ...» إلخ.
الثالث : أن الأمر تابع للغرض الداعي إليه سعة وضيقا كما مر سابقا ، والعقل يدرك أن الغرض من إيجاب المقدمة ليس إلّا التوصل بها إلى ذي المقدمة ، فلا يحكم إلّا بوجوب خصوص المقدمة الموصلة. وقد أشار إليه بقوله : «وأيضا حيث إن المطلوب بالمقدمة مجرد التوصل ...» إلخ.