تراثنا ـ العددان [ 115 و 116 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 115 و 116 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٧٨

ثمّ نسبها لأبي جعفر لأسباب ذكرنا بعضها آنفاً ، وبالرغم من أنّه كان يدافع عن موقف الشيعة في تفسير الآيات المرتبطة بأهل البيت عليهم‌السلام مستنداً في ذلك على مصادر أهل السنة ، إلاّ أنّه لم ينقل بصراحة قطّ أيّ موضوع من أيِّ مفسّر شيعيٍّ قبله ، ولذلك نعتقد أنّه قد استفاد من اسم أبي جعفر كوسيلة لنقل هذه الرواية والروايات العديدة الأخر من تفسير الكلبي خصوصاً إذا عرفنا بأنّ هذا الأمر لم يكن مستساغاً ومقبولاً في الأوساط العلمية في الحقبة التي عاشها الوزير المغربي خصوصاً في بلاد الشام ومصر والعراق حيث كانت سكناه ، ومن المحتمل أن يكون هذا الإسم إشارة إلى الإمام الباقر عليه‌السلام كما جاء في بعض المصادر ، وهو ما استند عليه الكلبي كذلك ؛ ويمكن أن يقال ـ باحتمال ضعيف ـ : أنه لا يستبعد ان يكون كناية عن أبي جعفر الطبري حيث ذكر في جامع البيان بعض آراء الكلبي والآراء المشابهة له والتي ينتهي طريقها بابن عبّاس.

٤١

٤٢

المصادر

١ ـ أدب الخواص ، الوزير المغربي ، أبوالقاسم الحسين بن علي ، تحقيق : حمد الجاسر ، الرياض ، النادي الأدبي ،١٤٠٠ ق.

٢ ـ أسباب نزول القرآن ، الواحدي النيسابوري ، علي بن أحمد ، تحقيق : كمال بسيوني زغلول ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ١٤١١ ق.

٣ ـ الأصفى في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ملامحسن ، تحقيق : محمّد حسين درايتي ومحمّد رضا نعمتي ، قم ، مركز انتشارات دفتر تبليغات اسلامي ، ١٤١٨ ق.

٤ ـ الإيناس في علم الأنساب ، الوزير المغربي ، أبوالقاسم الحسين بن علي ، تحقيق : إبراهيم الأبياري القاهرة ، دار الكتاب المصري ، ١٩٨٠ م / ١٤٠٠ ق.

٥ ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، المجلسي ، محمّد باقر ، طهران ، إسلامية ، ١٣٨٦ هـ ش.

٦ ـ بغية الطلب في تاريخ حلب ، ابن عديم ، تحقيق : سهيل زكار ، بيروت ، ١٤٠٨ ق / ١٩٨٨ م.

٧ ـ التبيان في تفسير القرآن ، الطوسي ، محمّد بن حسن ، تحقيق : أحمد قصير العاملي ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

٤٣

٨ ـ تسنيم : تفسير القرآن الكريم ، جوادي آملي ، عبدالله ، قم : مركز نشر إسراء ، ١٣٨١ هـ ش .

٩ ـ تفسير آسان ، النجفي الخميني ، محمّد جواد ، طهران ، إنتشارات إسلامية ، ١٣٩٨ ق.

١٠ ـ تفسير الحبري ، الحبري الكوفي ، أبو عبدالله حسين بن حكم ، بيروت ، مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، ١٤٠٨ ق.

١١ ـ تفسير السمرقندي المسمّى بحر العلوم ، السمرقندي ، أبو الليث نصر بن محمّد بن أحمد ، تحقيق : محمود مطرجي ، بيروت ، دار الفكر.

١٢ ـ تفسير الصافي ، الفيض الكاشاني ، ملامحسن ، تحقيق : حسين أعلمي ، طهران ، انتشارات الصدر ، ١٤١٥ ق.

١٣ ـ تفسير القرآن العظيم ، ابن أبي حاتم ، عبدالرحمن بن محمّد ، تحقيق : أسعد محمّد الطيب ، المملكة العربية السعودية ، مكتبة نزار مصطفى الباز ، ١٤١٩ ق.

١٤ ـ تفسير القرآن الكريم ، صدرالمتألّهين ، محمّد بن إبراهيم ، تحقيق : محمّد خواجوي ، قم ، انتشارات بيدار ، ١٣٦٦ هـ ش.

١٥ ـ تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب ، القمّي المشهدي ، محمّد بن محمّدرضا ، تحقيق : حسين درگاهي ، طهران ، سازمان چاپ وانتشارات وزارت ارشاد اسلامي ، ١٣٦٨ هـ ش.

١٦ ـ تفسير كوثر ، جعفري ، يعقوب ، قم : انتشارات هجرت ، ١٣٧٦ هـ ش.

١٧ ـ تفسير مُقاتِل بن سليمان ، مُقاتِل بن سليمان ، تحقيق : عبدالله محمود شحّاته ، بيروت ، دار إحياء التراث ، ١٤٢٣ ق.

٤٤

١٨ ـ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، عبد علي بن جمعة ، تحقيق : سيّد هاشم رسولي محلاّتي ، قم ، انتشارات اسماعيليان ، ١٤١٥ ق.

١٩ ـ جامع البيان في تفسير القرآن ، الطبري ، أبوجعفر محمّد بن جرير ، بيروت ، دار المعرفة ، ١٤١٢ ق.

٢٠ ـ حديث هاي خيالي در مجمع البيان ، صالحي نجف آبادي ، نعمت الله ، طهران ، كوير ، ١٣٨٤ هـ ش.

٢١ ـ الدرّ المنثور في تفسير المأثور ، السيوطي ، جلال الدين ، قم ، كتابخانه آية الله مرعشي نجفي ، ١٤٠٤ ق.

٢٢ ـ دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ، البيهقي ، أبو بكر أحمد ابن الحسين ، تحقيق : عبدالمعطي قلعجي ، القاهرة ، دار الريان للتراث ، ١٩٨٨ م.

٢٣ ـ روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن ، الرازي ، أبو الفتوح حسين بن علي ، تحقيق : محمّد جعفر ياحقّي ومحمّد مهدي ناصح ، مشهد ، بنياد پژوهشهاي اسلامي آستان قدس رضوي ، ١٤٠٨ ق.

٢٤ ـ العين ، الفراهيدي ، خليل بن أحمد ، تحقيق : مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي ، أُفست ، قم ، ١٤١٠ ق.

٢٥ ـ الكشف والبيان عن تفسير القرآن ، الثعلبي النيشابوري ، أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ١٤٢٢ ق.

٢٦ ـ المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، ابن عطية الأندلسي ، عبدالحق بن غالب ، تحقيق : عبدالسّلام عبدالشافي محمّد ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ١٤٢٢ ق.

٤٥

٢٧ ـ المصابيح في تفسير القرآن ، الوزير المغربي ، أبوالقاسم الحسين بن علي ، نسخة خطّية يقوم بتصحيحها مرتضى كريمي نيا (صاحب هذه المقالة).

٢٨ ـ المغازي ، الواقدي ، محمّد بن عمر ، تصحيح : مارسدن جونز ، أُفست ، بيروت ، الأعلمي ، ١٤٠٩ ق.

٢٩ ـ المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، علي ، جواد ، بيروت ، دار السّاقي ، ١٤٢٢ ق/ ٢٠٠١ م.

٣٠ ـ نهج البيان عن كشف معاني القرآن ، الشيباني ، محمّد بن الحسن ، تحقيق : حسين درگاهي ، طهران ، ١٤١٣ ق.

٣١ ـ الواضح في تفسير القرآن ، الدينوري ، أبو محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب ، تحقيق : أحمد فريد ، بيروت ، منشورات محمّد علي بيضون ، ١٤٢٤ ق/٢٠٠٣ م.

٤٦

الذكر المحفوظ

قراءة جديدة في تاريخ جمع القرآن

وما روي في تحريفه

 (٤)

السيّد عليّ الشهرستاني

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد أن انتهينا من بيان مرحلتين من المراحل الأربعة في تاريخ جمع القرآن : ١ ـ التنزيل ٢ ـ الترتيب ، وقفنا عند المرحلة الثالثة منه وهو : الجمع والتأليف ، ناقلين الأقوال الأربعة فيها ، ثمّ درسنا قولين :

١ ـ الجمع في عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله).

٢ ـ الجمع بعد وفاته مباشرة بواسطة الإمام عليّ عليه‌السلام.

وها نحن نتكلّم عن القول الثالث منه وهو الجمع على عهد الشيخين.

٣ ـ جَمْعُ القرآن في عهد الشيخين :

المشهور عند أهل السنّة والجماعة أنّ القرآن لم يجمع على عهد رسول

٤٧

الله(صلى الله عليه وآله) وأنّ أبا بكر وعمر هما أوّل من جمعه بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وإليك النصوص في ذلك :

أ ـ جَمْعُ أَبي بكر :

* أخرج البخاري والترمذي بسندهما «عن زيد بن ثابت أنّه قال : أرسلَ إليّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة وعنده عمر ، فقال أبو بكر : إنَّ عمر أتاني فقال : إنّ القتل قد استحرّ(١) يومَ اليمامةِ بالناس وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء في المواطن ، فيذهب كثير من القرآن إلاّ أن تجمعوه ، وإنّي لأرى أن تجمع القرآن.

قال أبوبكر : قلت لعمر : كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ؟ فقال عمر : هو والله خيرٌ ، فلم يزل عمر يُراجعني فيه ، حتّى شرحَ الله لذلك صدري ، ورأيتُ الذي رأى عمر.

قال زيد : وعمر عنده جالس لا يتكلّم ، فقال أبو بكر : إنَّكَ رجُل شابٌ عاقل ، ولا نَتّهمك ، كنتَ تكتبُ الوحي لرسولِ الله (صلى الله عليه وآله) ، فتتبّعِ القرآنَ فاجمعهُ ، [قال زيدٌ] : فوالله لو كلّفَني نقل جَبَل من الجبالِ ما كان أثقَلَ عليَّ ممَّا أمرني به من جمع القرآنِ.

قلتُ : كيفَ تفعلانِ شيئاً لم يفعلهُ رسولُ اللهِ ؟

__________________

(١) أي اشتد وكثر. انظر النهاية في غريب الأثر ١ / ٣٦٤.

٤٨

فقال أبو بكر : هو والله خيرٌ.

فلم أزل أراجعه حتّى شرح الله صدري للذي شرح الله صدر أبي بكر وعمر ، فقمت فتتبّعت القرآن أجمعُهُ من الرقاع والأكتاف والعُسُبِ وصدورِ الرجالِ ، حتّى وجدتُ من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) ، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتّى توفّاه الله ، ثمّ عند عمر حتّى توفّاه الله ، ثمّ عند حفصةَ بنت عمر»(١).

*وفي المصاحف لابن أبي داود عن «هشام بن عروةَ قال : لمّا استحرَّ القتلُ بالقرّاءِ يؤمئذ فَرِقَ(٢) أبو بكر على القرآنِ أن يضيع ، فقال لعمر ابن الخطّاب ولزيد بن ثابت : اقعُدا على باب المسجد ، فمن جاءَكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه»(٣).

*وفي الطبقات «عن هشام بن عروة عن أبيه قال : لمّا قُتِلَ أهلُ اليمامةِ

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ١٧٢ / ح ٤٤٠٢ ، سنن الترمذي ٥ / ٢٨٣ / ح ٣١٠٣ ، والنصّ عن الأوّل وفي البخاري سند آخر أيضاً ، ومثله في المصاحف ١ / ١٥٩ / ح ٢٤ وانظر : ٢٠١ / ح ٧١ ، كنز العمّال ٢ / ٢٤١ / ح ٤٧٥١ (جمع القرآن).

(٢) فِرَق أي خاف.

(٣) المصاحف لابن أبي داود ، وعنه في كنز العمّال ٢ / ٥٧٣ / ح ٤٧٥٤ ، وفي المصاحف لابن اشته عن الليث بن سعد قال : أوّل من جمع القرآن أبوبكر ، وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلاّ بشهادة عدلين.

٤٩

أمر أبو بكر الصدّيق عمر بن الخطّاب وزيد بن ثابت ، فقال : اجلسا على باب المسجد فلا يأتيكما أحدٌ بشيء من القرآن تُنكرانِه يشهدُ عليه رجلان إلا أثبتناه ، وذلك لأنّه قتل باليمامة ناسٌ من أصحابِ رسول الله قد جمعوا القرآن»(١).

*وفي المصاحف لابن الأنباري «عن سليمانَ بن أرقمَ عن الحسن وابن سيرين وابن شهاب ـ وكان الزهري أشبعهم حديثاً ـ قالوا : لمّا أسرعَ القتلُ في قرّاءِ القرآن يوم اليمامة قُتِلَ منهم يومئذ أربعمائة رجل ، لقي زيد ابن ثابت عمر بن الخطّاب فقال له : إنّ هذا القرآن هو الجامع لدينا ، فإن ذهب القرآن ذهب ديننا وقد عزمتُ أن أجمع القرآن في كتاب ، فقال : له انتظر حتّى أسأل أبا بكر فمضيا إلى أبي بكر فأخبراه بذلك فقال لا تعجلا حتّى أشاور المسلمين ، ثمّ قام خطيباً في الناس فأخبرهم بذلك فقالوا : أصبت ، فجمعوا القرآن وأمر أبو بكر منادياً ، فنادى في الناس من كان عنده شيء من القرآن فليجىء به فقالت حفصةُ : إذا انتهيتم إلى هذه الآية فاخبروني : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى) فلمّا بلغوها قالت : اكتبوا والصلاة الوسطى وهي صلاةُ العصر ، فقال لها عمرُ : ألك بهذه بيّنةٌ ؟ قالت : لا ، قال : فوالله لا يدخل في القرآن ما تشهدُ به امرأةُ بلا إقامة بينة ، وقال عبدالله بن مسعود : اكتبوا (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر) وإنّه فيه إلى آخر الدهر ،

__________________

(١) طبقات ابن سعد ، وعنه في كنز العمّال ٢ / ٥٧٤ / ح ٤٧٥٦.

٥٠

فقال عمرُ : نحّوا عنّا هذه الأعرابيةَ»(١).

وفي مسند أحمد والمصاحف للسجستاني «عن أبي العالية : أنّهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر ، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أُبيّ بن كعب ، فلمّا انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة (ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَيَفْقَهُونَ) فظنّوا أنّ هذا آخر ما أنزل من القرآن ، فقال لهم أُبيّ بن كعب : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أقرأني بعدها آيتين : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) إلى (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).

ثمّ قال : هذا آخر ما نزل من القرآن ، فختم الأمر بما فتح به : (بالله الذي لا إله إلاّ هو) وهو قول الله تبارك وتعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُول إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)»(٢).

المناقشة :

هذه هي النصوص المعروفة والمشهورة عن جمع أبي بكر للقرآن ـ في الصحاح والسنن ـ وهي تطلعنا على عدّة أمور :

١ ـ ملاحظة الاضطراب فيها ، ففي ما أخرجه البخاري والترمذي ترى

__________________

(١) المصاحف لابن الأنباري وعنه في كنز العمّال ٢ / ٥٧٦ / ح ٤٧٦٢.

(٢) مسند أحمد ٥ / ١٣٤ ، والمصاحف ١ / ٢٩١ ، باب جمع أبي بكر الصدّيق القرآن في المصاحف بعد رسول الله ؛ وفتح الباري ١٠ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠ ، باب جمع القرآن.

٥١

أبا بكر هو الذي طلب من زيد بن ثابت جمع القرآن ، لقوله :

«كنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبّعِ القرآنَ فاجمعهُ ما جمعه. [فقال : زيد] فوالله لو كلّفني نقل جبل...».

في حين الموجود في المصاحف : «أنّ أبابكر الصدّيق كان جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك ، فأبى حتّى استعان عليه بعمر ففعل»(١). فبين الأمرين فرق واضح.

كما ترى أيضاً في البخاري والترمذي أنّ زيداً لم يرتض جمع القرآن حتّى راجعه أبوبكر ، وفي آخر راجعه عمر فشرح الله صدره لذلك.

في حين ترى في خبر ابن الأنباري في المصاحف : أنّ زيداً هو الذي لقي عمر بن الخطّاب بعدما قتل أربعمائة رجل يوم اليمامة واقترح عليه جمع القرآن ، فقال له :

«انتظر حتّى أسأل أبا بكر فمضيا إلى أبي بكر فأخبراه بذلك فقال : لا تعجلا حتّى أُشاوِرَ المسلمين» ، وهذا يخالف ما قبله.

فالسؤال الأوّل : من الذي جمع المصحف ، هل الخليفة أم زيد بن ثابت؟(٢).

__________________

(١) المصاحف : ١٦٩/ح ٣٠ ، توجّه القاضي أبوبكر بن الطيّب إلى اضطراب روايات جمع القرآن ، وابن العربي سعى لردّ كلام ابن الطيّب في شرحه على سنن الترمذي ، راجع ١١ / ٢٦٣ ـ ٢٦٥ المسألة الرابعة قوله تعالى : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ).

(٢) قال ابن حجر في فتح الباري : «في موطّأ ابن وَهْب عن مالك عن ابن شِهاب عن

٥٢

والسؤال الثاني : من الذي راجع زيد بن ثابت ، هل هو الخليفة أم عمر ابن الخطّاب ؟ وهل عدم قبوله طلب أبي بكر وقبوله طلب عمر يعني بأنّه كان على صلة بعمر أكثر من صلته بأبي بكر؟ أم لا يعني شيئاً؟

فما جاء في مسند أحمد «عن أُبيّ بن كعب. ـ وفي المصاحف عن أبي العالية ـ : «أنّ رجالا من الصحابة كانوا يكتبون المصاحف في خلافة أبي بكر وأُبيّ يملي عليهم» يخالف ما ادّعاه زيد من مراجعة أبي بكر أو عمر له.

كما أنّ في الخبر الأوّل أيضاً أنّ المباشر الوحيد في عملية الجمع هو زيد بن ثابت لقول زيد : «فوالله لو كلّفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ ممّا أمرني به من جمع القرآن» وهذا يتعارض مع خبر المصاحف وما روي عن أُبيّ بن كعب بأنّ رجالا من الصحابة كانوا يكتبون المصاحف في خلافة أبي بكر وأُبي بن كعب يملي عليهم.

كما أنّه يخالف أيضاً ما ذهب إليه بعض الأعلام من مشاركة آخرين لزيد ، منهم عمر.

والأمر الثالث في الخبر الأوّل ، وهو الأهمّ : ادّعاء زيد عدم وجود آية (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) مع أحد غير حذيفة ، في حين تراه موجوداً عند أُبيّ بن كعب كما مرّ في خبر أبي العالية في المصاحف قبل قليل.

__________________

سالم بن عبدالله بن عمر قال : جمع أبوبكر القرآن في قراطيس ، وكان سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبى حتّى استعان عليه بعمر ففعل.» فالسؤال هل الجمع لأبي بكر أم لزيد؟!

٥٣

قال الشيخ محمود أبو ريّة :

«... ونحن لو أخذنا بالأخبار المشهورة التي رواها البخاري ، وهي التي فزع فيها عمر إلى أبي بكر ، لكي يجمع القرآن...

لو نحن أخذنا بهذا النّبأ فإنّه يتبيّن منه أنّ الصحابة وحدهم هم الذين كانوا في هذا العهد يحملون القرآن ، فإذا ماتوا أو قتلوا ضاع القرآن ونُسي ، وأنّه ليس هناك مصدر آخر يحفظ القرآن على مدّ الزّمان ، إذ كانوا مادّته وكانوا كُتّابَهُ !

على أنّهم ذكروا قبل ذلك في أخبار وثيقة يرضى بها العقل ويؤيّدها العلم : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يكتب كلّ ما ينزل عليه من القرآن وقت نزوله على العُسُب واللِّخاف وقطع الأديم وغيرها ، وأنّه اتّخذ لذلك كُتّاباً أحصى التاريخ أسماءهم ، فأين ذهبت هذه النسخة التي لا يشكّ فيها أحد ، ولا يمتري فيها إنسان ؟ لأنّها هي التي حفظ الله بهاالقرآن الكريم في قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ، وفي قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ).

إنّ هذه النّسخة الفريدة التي تحمل الصورة الصحيحة للقرآن التي ستبقى على وجْهِ الزمن خالدة ، لو كانت موجودة لأغنتهم عمّا وجدوه في سبيل عملهم من عناء ،ولأصبحت هي المرجع الأوّل للقرآن في كلّ عَصْر وَمِصْر ، والتي كان يجب على عثمان أن يراجع عليها مصاحفه التي كتبها قبل

٥٤

أن يوزّعها على الأمصار»(١). انتهى كلام أبي رَيّة.

قلت : إنّها حقّاً كانت موجودة خلف فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقد تعهّد أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام بجمعها ، نزولاً عند رغبة الرسول (صلى الله عليه وآله) ووصيّته وأمره ، وقد جمعها عليه‌السلام في ثلاثة أيّام. ولا داعي لإعادة جمعها تارة أخرى من قبل أبي بكر ، إذ شهد الزرقاني في مناهل العرفان وغيره بأنّ للنبيّ كتبة يكتبون القرآن من العسب واللخاف والرقاع ، ثمّ يوضع المكتوب في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) (٢) ، فلو كان القرآن مكتوباً وموجوداً في بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) فما الداعي لإعادة تأليفه وجمعه من جديد؟

ولابن حجر تعليق على بعض روايات جمع القرآن في عهد أبي بكر ، مبيّناً الفرق بين الصحف والمصحف إذ قال : «والفرق بين الصُّحُف والمُصْحَف أنّ الصُّحُف : الأوراق المجرّدة الّتي جمع فيها القرآن في عهد أبي بكر ، وكانت سُوَراً مُفرّقةً ، كلّ سورة مرتّبةً بآياتها على حدة ، لكن لم يرتّب بعضها إثر بعض ، فلمّا نسخت ورتّب بعضها إثر بعض صارت مُصْحَفاً»(٣).

ومعنى كلامه بأنّ ترتيب وتأليف الأوراق والسور كانت تحت إشراف أبي بكر وزيد ، وكلّهم يعرفون جيّداً بأنّ زيداً ورفاقه لا يمكنهم أن يرتّبوا الآيات وفق رأيهم بل أن ترتيب القرآن يجب أن يكون تحت نظر رسول الله

__________________

(١) أضواء على السنة المحمدية : ٢٥٢.

(٢) مناهل العرفان : ١٧٨.

(٣) فتح الباري ٩ / ١٦.

٥٥

وبالتنسيق مع جبرئيل الأمين ، وهذا ما نشاهده في فوائد عرض القرآن على جبرئيل كلّ عام.

وكذا أنّ ما ادّعوه من أنّ أبا بكر رتّب سورها باستشارة الصحابة فهو الآخر يخالف المنقول عن ترتيب رسول الله(صلى الله عليه وآله) للسور والآيات.

وكذا يخالف ما نقل عن الصحابة من اختلاف ترتيب مصاحفهم ، واختلافها مع ترتيب المصحف المنسوب إلى أبي بكر وزيد بن ثابت ، فما معنى كلّ هذه الأقوال ، وتضاربها في بعض الأحيان؟

فلا أدري كيف يقولون بإشراف أبي بكر وزيد بن ثابت على جمع القرآن ، ولا يقبلون بجمع رسول الله للقرآن والله تعالى أمّن النبيّ من النسيان بقوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ وَمَا يَخْفَى).

ألم يكن احتمال النسيان بعد وفاة رسول الله أكثر وقوعاً من زمانه ، فكيف يرجّحون الثاني ولا يقبلون بالأوّل؟

٢ ـ إنّ جمع أبي بكر ـ المدّعى ـ للقرآن لم يكن بأمر الرسول أو بوصية منه(صلى الله عليه وآله) ، بل كانت لواقعة وقعت في عهده ، وهي واقعة يوم اليمامة ـ المعركة التي وقعت في مدينة حجر اليمامة شرقي الحجاز ، بين أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع مسيلمة الكذّاب وأَتباعهِ ، ممّا دعا أبا بكر أن يجهّز جيشاً بقيادة خالد بن الوليد لمحاربته ، فحاربوه وقتلوه وقتلوا من معه ـ وقيل بأنّه قُتل في

٥٦

تلك المعركة سبعون صحابيّاً قارئاً ، وقيل : سبعمائة أو أكثر ، فخاف أبو بكر أن يستحرّ القتل بالقرّاء في كلّ المواطن فيذهب من القرآن كثير ، فعمد إلى جمعه.

٣ ـ إنّ قول أبي بكر لعمر : «كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله» غير واقعيٍّ ؛ لأنّه يُفهم مِنْ كَلامِهِ أَنَّهُ يريد أن يفعل شيئاً لم يفعله رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، حين نعلم علماً يقينيّاً بوجود كتبة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ، كانوا يكتبون الوحي له في حياته (صلى الله عليه وآله) ، ومعناه وجود تدوين لبعض آيات القرآن والسور على عهده الشريف ، وكان زيد بن ثابت من أُولئك المدوّنين والكتبة لرسول الله(صلى الله عليه وآله)حسبما يقولون !

وأنّ رسول الله كان يأمر أولئك الكتبة بوضع الآية الفلانية في السورة الفلانية ، أو قوله (صلى الله عليه وآله) لزيد : «إقرأه» ، [فقال زيد] : «فأقرأُه» ، فإن كان فيه سقط أقامه» كلّ هذه النصوص تدلّ على إشراف رسول الله(صلى الله عليه وآله) على تأليف القرآن وترتيبه في عهده.

فلو صحّ هذا ، فمعناه : إنّ ما فعله أبو بكر ليس بواقعي لا يحتاج إلى هكذا تخوّف. بل لا يحتاج إلى أن يشاور المسلمين ، أو أن يقوم خطيباً فيهم ، حسبما جاء في خبر المصاحف لابن الأنباري.

كما أنّه لا يحتاج إلى أن يقول زيد : «فلم يزل أبو بكر يراجعني» ، وفي أخرى : «فلم يزل عمر يراجعني حتّى شرح الله صدري للذي شرح له صدر

٥٧

أبي بكر وعمر».

أليس زيد بن ثابت هو القائل سابقاً ـ في عهد النبيّ ـ : بأنّا كنّا نؤلّف القرآن من الرقاع ؟! أو في الرقاع ، فما يعني كلامه هذا ، إن صحّ كلامه السابق ؟

قال الإمام أبو عبدالله الحارث بن أسد المحاسبيّ في كتاب فهم السُّنن : «كتابة القرآن ليست مُحْدَثَةً ، فإنّه (صلى الله عليه وآله) كان يأمر بكتابته ولكنّه كان مفرّقاً في الرقاع والأكتاف والعُسُبِ ، فإنّما أمر الصدّيق بنسخها من مكان مجتمعاً إلى مكان ، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فيها القرآن منتشراً ، فجمعها جامع وربطها بخيط حتّى لا يضيع منها شيء»(١).

فالسؤال : من الذي جمعها : هل هو أبو بكر أم غيره ؟ وأين أمر رسول الله (للصدّيق) بنسخها من مكان إلى مكان(٢) ، وهل قال بهذا الكلام أحد قبل المحاسبيّ أم أنّها من منفرداته ؟

فلا ندري أنصدّق هذا ، أم نصدِّق ما علّله الخطّابي وغيره ـ في جمع الخلفاء للقرآن ـ بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يجمع القرآن في مصحف «لما كان يترقّبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته ، فلمّا انقضى نزوله بوفاته(صلى الله عليه وآله) ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك»(٣).

وقال ابن حجر متهجّماً على الشيعة بأنّهم هم الذين اعترضوا على أبي

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن للزرگشي ١ / ٢٣٨ ، مناهل العرفان : ١٨٠.

(٢) لأنّ المحاسبي كان قد قال (وإنّما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان).

(٣) فتح الباري ٩ / ١٢.

٥٨

بكر ـ لا أنّه قَدْ تَخَوَّفَ من إقدامه على فعل لم يفعله رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ فقال :

«... وقد تسوّل لبعض الرّوافض أنّه يتوجّه الاعتراض على أبي بكر بما فعله من جمع القرآن في المصحف ، فقال :

كيف جاز أن يفعل شيئاً لم يفعله الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ؟

والجواب : أنّه لم يفعل ذلك إلاّ بطريق الاجتهاد السّائغ النّاشىء عن النّصح منه لله ولرسوله ولكتابه ولأئمّة المسلمين وعامّتهم ، وقد كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) أذن في كتابة القرآن ، ونهى أن يكتب معه غيره ، فلم يأمر أبو بكر إلاّ بكتابة ما كان مكتوباً ، ولذلك توقّف عن كتابة الآية من آخر سورة براءة حتّى وجدها مكتوبة ، مع أنّه كان يستحضرها هوومن ذكر معه.

وإذا تأمّل المنصف ما فعله أبو بكر من ذلك جزم بأنّه يعدّ في فضائله ، وينوّه بعظيم منقبته ، لثبوت قوله (صلى الله عليه وآله) : (مَنْ سنَّ سنّةً حَسَنَةً فلهُ أجْرُها وأجْرُ مَنْ عَمِل بها) ، فما جمع القرآن أحد بعده إلاّ وكان له مثل أجره إلى يوم القيامة.

وقد كان لأبي بكر من الاعتناء بقراءة القرآن ما اختار معه أن يردّ على ابن الدّغنة جواره ، ويرضى بجوار الله ورسوله ، وقد تقدّمت القصّة مبسوطة في فضائله.

وقد أعلم الله تعالى في القرآن بأنّه مجموع في الصحف في قوله (يَتْلُوا صُحُفاً مُّطَهَّرَةً) الآية.

وكان القرآن مكتوباً في الصحف لكن كانت مفرّقة ، فجمعها أبو بكر

٥٩

في مكان واحد ، ثمّ كانت بعده محفوظة إلى أن أمر عُثمان بالنّسخ منها ، فنسخ منها عدّة مصاحف وأرسل بها إلى الأمصار كما سيأتي بيان ذلك»(١).

وقال الزركشي : «وإنّما طلب القرآن متفرّقاً ليعارض بالمجتمع عند من بقي ممّن جمع القرآن ، ليشترك الجميع في علم ما جمع ، فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء ، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف ، ولا يشكّوا في أنّه جُمِع عن ملأ منهم...» إلى أن يقول :

«إنّ تلك المصاحف الّتي كتب منها القرآن كانت عند الصّدّيق لتكون إماماً ، ولم تفارق الصّدّيق في حياته ولا عمر أيّامه ، ثمّ كانت عند حفصة لا تُمَكّن منها ، ولمّا احتيج إلى جمع الناس على قراءة واحدة وقع الاختيار عليها في أيّام عثمان ، فأخذ ذلك الإمام ونسخ في المصاحف الّتي بعث بها إلى الكوفة ، وكان الناس متروكين على قراءة ما يحفظون من قراءتهم المختلفة حتّى خيف الفساد ، فجمعوا على القراءة الّتي نحن عليها ، قال : والمشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان ، وليس كذلك إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار ، لمّا خشِىَ الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات والقرآن»(٢).

وقال أبوزهرة في المعجزة الكبرى : «ولا نترك الكلام... من غير أن

__________________

(١) فتح الباري لابن حجر ٩ / ١٣.

(٢) نصوص في علوم القرآن ٣/٢٧٢ عن البرهان في علوم القرآن.

٦٠