الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

التوطين (١) والتّجري وامّا ان يكون المقصود نفس صدور الامر بان كان المصلى فى نفس صدوره ـ كاوامر التقية ـ على احد الوجهين.

وبعبارة اخرى المامور به : ان كان حسنا ومحبوبا بمطلق اختياره بشرط تحققه مع وصف الاطاعة كان الامر حقيقيا.

وان لم يكن فيه هذا الحسن ، بل لم يكن فيه الّا العنوان الحاصل له بعد الامر من الاطاعة والمعصية فهو ابتلائى ، لان الحكمة فيه ليس الّا الابتلاء المحض.

وان لم يكن فيه ذلك ايضا بان لم يكن فى نفس اختياره حسن ولا فيه بشرط تحققه بعنوان الاطاعة ولا كان بعنوان الاطاعة ايضا حسنا كان الامر به صوريا (٢) لا اشكال ولا خلاف فى كون الامر به حقيقة وظاهرا فى الفرد الاول منه.

لان مادّته المأخوذة غير ماخوذ فيها عنوان الاطاعة ، بل غير قابلة لاخذها فيها ، والاصل : عدم كونه ماخوذا فى داعى المتكلم ، والظاهر كونه حقيقة فى الثانى لان الطلب لا يلازم الارادة بمعنى المحبوبية وان كان ملازما او متّحدا مع الارادة بمعنى آخر يرادف الطلب وهو المعبر عنه بالفارسية «خواستن» وامّا استعماله فى الطلب الصورى فالظاهر ايضا انّه حقيقة لعدم استعمال اللفظ

__________________

(١) ـ نقول : الامر التوطينى هو تهيّؤ العبد على الاطاعة ـ من اقسام الامر الصورى.

(٢) ـ هنا كتب صاحب النسخة بخطه فى الهامش : «بسم الله الرحمن الرحيم ـ الى هنا خط مالكه الجانى الفانى محمد بن صادق الحسينى الطباطبائى ارجو الدعاء ، والاستغفار لى ولوالدى ممن انتفع منها اللهم اغفر لمن استغفر لى ولوالدى بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (ع) حرر [٠] فى ٢٧ ذى القعدة الحرام ١٣٠٩»

٢٠١

فى معنى آخر غير الطلب ، ولذا لا يصحّ ان يقال : انه انشاء معنى آخر ليس بطلب ، نعم يصدق انه غير طالب للفعل.

لكن الطلب المسلوب يراد به المعنى القائم بنفس المتكلم الّا المعنى المنشأ بالكلام ، ولما كان انشاء الطلب بالكلام يكشف ويحكى عن قيام منشائه بالنفس ، فالطلب الصورى فى الانشاء نظير الكذب فى الاخبار وكذلك سائر اقسام الانشاء من التمنّى والترجى بل قد يطلق عليها الكذب عرفا.

وعلى كل حال فلا ينبغى الاشكال فى انه لا تجوّز فى المادة ـ كما قد يتوهم ـ بان يراد من المأمور به التوطين عليه او فعل مقدماته ، وفساده واضح بالرجوع الى ما نجده من انفسنا عند الامر الصورى.

ثم لو صح هذا التأويل فى الامر التوطينى لم يصح تأويل فى الامر الصادر تقية ، الّا ان يلتزم فيها الوجه الآخر بان يراد منه تقييده بفرض تكون الحكم الواقعى فيها بمقتضى ذلك الفرض بان يريد بقوله : اغتسل رجليك لاجل الخوف عمن هو حاضر عند تكلم الامام : اغسلهما اذا كنت فى حال تقيّة ، وبقوله : امسح على الخفّ حال الضرورة او التقية او نحو ذلك.

ثم انه لا اشكال فى حسن القسمين الاولين من اقسام الامر ، نعم ربما يتامل فى وقوع القسم الثانى فى الشرع من جهة عموم ما دل به الآيات والاخبار على «ان كل مامور به حسن وكل منهى عنه قبيح» كما ذكر فى محله.

واما الثالث ـ فحسن القسم الثانى منه وهو ما كان مصلحة داعية الى

٢٠٢

نفس الامر فلا ينبغى الاشكال فيه ، لان الحاجة قد تدعو اليه بديهة ولزوم الاغراء بالجهل انما يصح مقبحا له ، اذا لم يلزم من تركه ما هو اقبح كقتل الامام او نحو ذلك ، مع ان تدارك الاغراء ممكن غالبا واما الامر التوطينى فالظاهر ايضا جوازه اذا لم يلزم من الاغراء مفسدة ترجح على المصلحة الملحوظة فى الامر ، بل لا ينبغى الاشكال فيه حينئذ ، وحكى عن بعض اصحابنا المنع عن ذلك محتجّا بلزوم الاغراء بالجهل.

وفيه انه وان كان قبيحا فى نفسه الّا انه قد يكون اقل القبيحين ، وانه لو صحّ لاحتمل ذلك فى كل امر ، فينبغى آثار الامر الحقيقى من وجوب مقدمته وحرمته ضدّه وضعفه لا يخفى لظهور الامر فى الحقيقى فلا يضر احتمال الخلاف ، مع ان احتماله لا يوجب جواز التقاعد عن المقدمات.

فان حصول التوطين يتوقّف على فعل جميع ما يجب فعله فى الامر الحقيقى وترك ما يجب تركه وهو واضح.

هذا هو الكلام فى جوازه بمعنى عدم قبحه ، واما وقوعه فلم نقف عليه فى الاوامر الشرعية ، نعم ربما يجعل من ذلك حكاية «ذبح اسماعيل» ـ على نبيّنا وآله وعليه‌السلام ـ وسيأتى الكلام فيه.

وربما يظهر من بعض ان الاوامر الشرعية العامّة للجميع ، المشروطة لشروط عقلية ونقلية كلها توطينية بالنسبة الى من تبين حين العمل فقدانه لبعضها ، حتى انه اورد فى بعض كلماته على نفسه ايراد حاصله : انه يلزم على استعمال الامر الواحد فى الحقيقى والتوطينى وهو غير جائز بناء على مجازية التوطين فاجاب عنه بما هو ببالى بالتزام استعمال اللفظ فى القدر المشترك

٢٠٣

بين المعنيين ، وانت خبير بان الاوامر المشروطة مختصة بالواجدين وان كان الفاقد الواقعى محكوما فى الظاهر لاجل اصابة عدم طرو المانع ولبناء العقلاء بالبناء على ثبوت التكليف فى الواقع لاجل البناء على وجود الشرط فان تبين انتفاء الشرط ، يتبين عدم شمول الخطاب لهم من اول الامر الّا على وجه التعليق واختصاصه بالواجدين.

نعم يتوجّه عليهم الامر الظاهرى لكنه بالنسبة اليهم ليس توطينا بل حقيقيا لان المقصود العمل الى مقتضاه الى ان تبين الخلاف.

ثم الشرط امّا شرط الوجود كالطهارة للصلاة والارادة لمطلق الفعل ، وامّا شرط الوجوب كالاستطاعة ، وامّا شرط لهما كالتمكن.

وشرط الوجوب امّا شرط لمتعلّق الخطاب كالشعور والتمييز والبلوغ فقبله لا امر ولو معلّقا.

وامّا شرط لنفس الوجوب فهو مخاطب بالوجوب التعليقى وثمرة تعلق الخطاب به قبل الشرط تظهر فى موارد كثيرة.

اذا عرفت ما ذكرنا ، فاعلم : ان محل النزاع انما فى شرط الوجوب ، واما فى شرط الوجود وشيء منهما لا تصلح جعله محلا للنزاع ، اما شرط الوجوب فلانه اما ان يراد من الامر الامر الحقيقى ، واما ان يراد الصورى.

وعلى الاوّل فامّا ان يراد من الامر المختلف فى جوازه مع انتفاء الشرط نفس ما افاد هذا الوجوب المشروط به ، فوجوده مناف لفرض اشتراطه بالشرط المفروض الانتفاء ، وان اريد منه امر آخر غير هذا المشروط فامكان ذلك مطلقا فلا ينبغى الا فى وحدة هذا التكليف المستفاد من هذا الامر

٢٠٤

المطلق مع المستفاد من التكليف المشروط.

وربما (١) توجه بان النزاع فى جواز تحقق التكليف بالفعل فى الوقت الذى ينتفى فى شرط التكليف فالنزاع فى تحقق التكليف قبل زمان انتفاء الشرط ، قال : وتوضيحه انه لا شك فى كون انتفاء شرط التكليف مانعا من تعلق التكليف حين انتفاء الشرط ، انما الكلام فى جواز تعلق التكليف به قبل الزمان الذى ينتفى الشرط فيه اذا كان الآمر عالما والمامور جاهلا ، سواء كان التكليف قبل مجيء زمان الفعل او قبل مجيء زمان الذى يقارن بعض اجزاء الفعل ما ينتفى الشرط فيه بالنسبة اليه فعلى القول بالمنع يكون انتفاء شرط التكليف على الوجه المذكور مانعا من تعلق التكليف به مطلقا وعلى القول بالجواز لا يمنع ذلك من تعلق التكليف به قبل ذلك فيسقط عند انتفاء الشرط وحصول التكليف قبله ، [...] ثم سقوطه بانتفاء الشرط وعلم المامور بالحال ولو قبله.

والحاصل انه لا منافاة بين انتفاء التكليف فى الزمان المقارن لانتفاء الشرط وحصول التكليف قبله ، ثم سقوطه بانتفاء الشرط والقدر اللازم من انتفاء شرط الوجوب هو الاول ولا كلام فيه ومحل البحث فى المقام هو الثانى.

وفيه : ان الوجوب فى زمانه انما هى صفة فى الفعل ناشئة من التكليف السابق تابعة له فى التنجّز والتعليق ، فلا يعقل تعلّق فى زمانه على شرط يقتضى

__________________

(١) ـ المصنف (قده) ينقل كلام المحقق صاحب هداية المسترشدين مع تصرف فى لفظه انظر المصدر نفسه.

٢٠٥

انتفائه عند انتفائه الا بعد تعلّق ذلك التكليف السابق على ذلك الشرط ولا يتصور تنجّز التكليف وتعلق الوجوب الحاصل منه.

ومن المعلوم انه لا نزاع فى توجيه التكليف المعلّق الذى محصله مجرد الخطاب الى المامور الفاقد للشرط ، حتى مع علمه بذلك ، انّما النزاع فى توجيه التكليف المنجز عليه ومع ذلك لا يعقل تعلق الوجوب الحاصل منه وان اريد الامر الحقيقى الظاهرى.

ففيه انه ليس مشروطا بشرط منتف ، بل هو مطلق بالنسبة الى الشرط المفروض الانتفاء فان وجوب الصوم على المرأة ناظر الى ان يعلم بتحقق الحيض ، ليس مشروطا بانتفاء الحيض فى الواقع.

وان اريد الامر الصورى ، ففيه انه لا مانع منه عند الامامية عدا شاذّ منهم ولا يناسب استدلالهم على فساده بلزوم التكليف بما لا يطاق هذا كله ان اريد شرط الوجوب فقط.

وان اريد بالشرط شرط الوقوع (١) فقط ، ففيه : ان صحة الامر مع انتفاء شرط الوقوع مما اجمع العدلية وغيرهم عليها ، فلا وجه لجعل العدلية مانعين عن الجواز فى المسألة وتخصيص الجواز بالاشاعرة.

وان اريد شرط الوجوب والوجود وهو التمكن من الفعل بالقدرة على مقدماته ليصير حاصل العنوان جواز امر الآمر مع علمه بانتفاء الممكن منه فى وقته وهو الذى يظهر من ادلتهم وثمراتهم.

فان اريد الامر الصورى ففيه : ما مرّ من الاجماع على الجواز وان اريد

__________________

(١) ـ انظر : مناهج الاحكام : احمد النراقى الطبعة الحجرية

٢٠٦

الامر الحقيقى الظاهرى فكذلك وان اريد الحقيقى الواقعى ، فان اريد مع سقوط الوجوب بانكشاف انتفاء الشرط ، ففيه : ما مر ، وان اريد مع بقاء الوجوب ففيه : مع انه خلاف ما صرحوا به من السقوط وانه مناف لفرض اشتراط الوجوب انه من جزئيات التكليف ؛ ما لا يطاق.

ثم ان اريد من عدم التمكن من المامور به ، الاجماع الحاصل من اختياره ، فان اريد مع بقاء الاختيار فى حال الامتناع ، فهو عين ما عرفت ضعفه من ان المراد شرط الوقوع وان الاجماع على جوازه ، وان اريد لا مع بقائه فالنزاع فى صحته وعدمها غير منحصر لصورة جهل المامور ، مع انه مناف لثمراتهم وادلتهم.

ويمكن ان يقال ان النزاع فى القسم الثالث من الشرط الراجع الى التمكن العقلى او الشرعى ، ويكون النزاع فى توجه التكليف الحقيقى ، ولا ينافى اشتراط الوجوب بمعنى انتفائه عن الفاقد عدم جواز توجه التكليف اليه بناء على ان التكليف قبل الفعل لا يلازم وجوب الفعل فى زمانه ، فيجوز التكليف الحقيقى اعنى : طلب نفس الفعل قبل زمان الفعل مع انتفاء وجوبه فى زمانه بانتفاء شرطه. فالخطاب العالم لقوله تعالى : (أَتِمُّوا الصِّيامَ) (١) شامل على وجه الحقيقة لمن يعلم الله موته إلّا انه يسقط عنه الصوم بالموت فان المقبح لذلك امّا التكليف بما لا يطاق واما عدم الفائدة.

امّا الاول فهو انما يكون اذا اراد الفعل فى وقته ، بناء على ان الطلب هو عين الارادة او يستلزمها او كان المحال محالا ذاتيا لا يمكن تصوره موجودا

__________________

(١) ـ البقرة : ١٨٧.

٢٠٧

فى الخارج او كان التكليف به عاريا عن الفائدة المترتبة على سائر التكاليف ، وهو التعريض للثواب والابتلاء والموانع كلها منتفية لان الطلب لا يستلزم الارادة عندهم والمحال ليس ذاتيا والفائدة مع جهل المامور حاصله.

ثم الظاهران العدلية يجوزون ذلك ويسمونه ـ بناء على ان الطلب عين الارادة عندهم ـ تكليفا صوريا لا حقيقيا.

فحاصل النزاع يرجع الى ان التكليف بهذا القسم من الممتنع [هل هو] جائز ام لا ولهذا اجاب المجوّزون عن استدلال المانعين بعدم الامكان بانه : ان اريد من الامكان كون الفعل مما لا يتاتى عادة فهو موجود فى المقام وان اريد مجرد عدم استجماع العلل للشرائط فاشتراط التكليف به اوّل الدعوى ، فيجوز ولو مع علم المامور إلّا انه مع المامور لا يترتب فائدة الابتلاء. (١)

__________________

(١) ـ ويظهران هذه المسألة فى الاصل من المسائل الكلامية واشتغل بها علماء العامة قديما وصرح بها السيد المرتضى ـ ره ـ فى الذريعة (ج ١ ص ١٦٣) وكذا جاءت فى كتب الشيعة بعد العلامة ـ ره ـ تفصيلا مثل المعالم والقوانين والمناهج وغيرها وممن جاء بالتفصيل وشق غبار البحث هو المحقق الشيخ محمد تقى الايوانكى الاصفهانى صاحب «هداية المسترشدين» وقام بدراسة الموضوع الشيخ الاعظم ـ ره ـ وخاض وانتج قدس‌سره انه ليس فى تحته طائل وبعده لخص البحث فيه صاحب الكفاية واخيرا ان المحقق النائينى اعرض عنه بالكل وكما يقول مقرّر درسه : (قد طواها ولم يعتن بالبحث فيها) انظر : فوائد الاصول ج ١ ص ٢٦٠ واجود التقريرات ج ١ ص ٢٠٩ ونحن مثل مشايخنا قدس‌سرهم وان صرفنا شطرا من عمرنا فيما مر ليس فيه فائدة علمية وعملية نقول مرّة اخرى يجب تجديد الاصول وتحديد مسائلها من جديد كذا فى الفقه كما فعل سيد أئمة التحقيق فى «مبانى تكملة المنهاج».

٢٠٨

[فائدة ٨]

بسم الله الرّحمن الرّحيم

فى انّ النزاع فى اجتماع الامر والنهى اذا تعلّقا بعنوانين كالصلاة والغصب (١)

الظاهر اختصاص محل النزاع فى اجتماع الامر والنهى بما اذا تعلّق الامر والنهى بعنوانين كالصلاة والغصب ، سواء كان عنوان النهى اعم من وجه كقوله : صلّ ولا تغصب ، او اخصّ مطلقا كقوله : صلّ ولا تغصب فى الصلاة ويظهر من بعض اختصاصه بالاوّل ، ولا وجه له ظاهرا ، وامّا اذا كان عنوان النهى حصة وعنوان الامر كقولك : صلّ ولا تغصب (٢) فى مكان كذا ، فالظاهر خروجه عن هذا النزاع ، الّا ان يرجع النهى عن الصلاة الى النهى عن عنوان مصاحب لذلك الفرد من الصلاة كالكون فى مكان كذا ، وعليه ينبغى ان يحمل كلام من قال : يكون الكراهة فى العبادات كالصلاة فى الحمام باقية على معناها المصطلح ، بان يراد من كراهتها كراهتها لوصف مقارن لها متحدة معها فى الوجود ، والّا فكراهة نفس الحصّة لا يجتمع مع وجوب الطبيعة ، لكن الظاهر من كلام بعض : ان المنهى عنه نفس الحصة حيث قال : متعلق الامر

__________________

(١) ـ كذا فى الاصل ـ انظر مطارح الانظار : ص ١٢٦ وقارن.

(٢) ـ فى الهامش : لا تصل

٢٠٩

نفس الطبيعة التى يمكن وجودها فى غير الحمام والمنهى عنه الذى اختاره المكلف هو الايقاع فى الحمّام ، فمتعلق الكراهة فى الحقيقة هو الوصف اعنى : الهيئة العارضة للفعل باعتبار كون فاعله فى هذا المكان على انه لا مانع من اتّصاف ذات الفعل من حيث هى الوجوب واتصافها مع الوصف بالكراهة ، فقوله : لا تصل فى الحمام ، نهى عن المقيد او عن القيد ، ودعوى ان العبادة يجب ان يكون راجحة فى جميع الجهات وان لا يكون فيها جهة مرجوحة ولو كانت قائمة بوصف عارض ، دعوى لا شاهد عليها انتهى.

وقد سبقه الى ذلك الباغنوى ـ فيما حكى عنه ـ حيث حكم : «فيما اذا امر الآمر بمطلق الخياطة ونهاه عن الخياطة فى الحرم» بانه مطيع عاص.

قال : ولذا قالوا النهى لا يوجب الفساد وكيف كان فهنا امثلة :

احدها ـ قوله : صلّ ولا تغصب.

الثانى ـ قوله : صلّ ولا تغصب فى الصلاة.

الثالث ـ قوله : صلّ ولا تصلّ فى المكان المغصوب.

الرابع ـ قوله : صلّ فى المسجد ولا تصلّ فى موضع التهمة.

الخامس ـ قوله : صلّ وفى موضع التهمة والقدر المتقين من دخوله تحت النزاع هو ما كان من قبيل المثال الاول.

ولنذكر ادلتهم فيه ، ثم نتبعه بذكر حكم الامثلة الأخر وامّا المثال الاول فاختلفوا فيه على قولين. (١)

ثم بعض المجوزين منعه عرفا بمعنى ان العرف يفهمون المنافاة وتقييد

__________________

(١) ـ راجع : قوانين الاصول : ص ١٣٨.

٢١٠

احدهما.

للمجوزين وجوه :

الاوّل ـ ان المانع باعتراف الخصم ليس إلّا اجتماع المتضادين اعنى الوجوب والتحريم فى محل واحد شخصى وهو الصلاة فى المكان المغصوب فى المثال المفروض ، وهو غير لازم ، لان الفرد المذكور وان كان ممنوعا منه بالمنع الشرعى إلّا انه ليس مأذونا بالاذن الشرعى لانّ الاذن انّما تستفاد من الامر المتعلق بالكلى ، وهو لا يستلزم الامر بهذه الخصوصية ، والاذن الشرعى ليس مستفادا الّا من الامر الشرعى والمفروض انتفائه فى هذا الفرد الخاص والّا لكان وجوبا عينيّا ، اذ لم يحصل من الشارع الّا انشاء واحد ولهذا يقال : ان التخيير بين افراد المامور به عقلى لا شرعى.

ثم ان هذا مبنى على : كون الكلى الطبيعى موجودا فى الخارج ، اما لو قلنا : بعدم وجوده فالمأمور به ليس الّا كل «فرد على البدل» فكل واحد ماذون بالاذن الشرعى ، فلا يمكن اتصافه بالمنع الشرعى.

ومما ذكرنا تبيّن انه لا حاجة الى بناء الجواز على كون الامر لطلب الطبيعة ، بل لو قلنا انه لطلب الفرد او صرح الامر بطلب الفرد ثبت المطلوب لا لانّ الفرد الغير المعين ايضا كلى ، بل لان المفروض لما كان هو «وجود الطبيعة فى الخارج» كان هو المطلوب فى الحقيقة ، لان المفروض عدم مدخلية خصوصيّة معيّنة فى الخارج المطلوب والخصوصيّة الغير المعيّنة لا يعقل مدخليتها فى المطلوب بحيث لا يكون الطبيعة لا بشرط مطلوبة وموردا

٢١١

للمصلحة ، الا بعد ملاحظة تشخصها فى ضمن فرد ما وهو ظاهر. (١)

فالخصوصية مطلقا غير داخلة فى المطلوب ، فتصريح الامر به محمول امّا على مجرد التسامح فى التعبير كما لا يفرقون بين قوله : اشتر اللحم ، وقوله : اشتر لحما ، واما على بيان مقدّمة الواجب الذى يتحقّق فى ضمنها وعلى اى تقدير المتعلق بفرد ما وان اختص بالافراد الغير المحرّمة نظرا الى خلال الامر الى الاذن فى جميع مصاديقه ، الّا ان الفرد المحرم لا يخرج عن كونه محصّلا لامتثال الطبيعة التى هى المطلوبة بالاصالة وبه يجاب عما يقال على تقدير تعلق الامر بالطبيعة : ان الفرد اذا كان مقدمة يتصف بالوجوب فلا يجوز اتصافه بالحرمة.

الثانى ـ انه لو لم يجز الاجتماع لم يقع نظيره ، فوقوع نظيره دليل على جواز نفسه والّا لم يكن نظيرا. امّا وقوع نظيره ففى الموارد التى نهى الشارع عن بعض افراد العبادة نهيا تنزيهيا كالصلاة فى الحمام والصلاة فى مظانّ الغصب ومواضع التهمة ، فان النهى التنزيهى كالتحريمى فى مضادته مع الوجوب فاجتماع الاول معه يدل على جواز اجتماع الثانى.

فان قلت : ان الكراهة فى العبادات بمعنى قلة الثواب ، قلنا :

اولا ـ ليس الكلام فى لفظ الكراهة بل الكلام فى مدلول النهى التنزيهى الذى هو طلب الترك.

وثانيا ـ انا ننقل الكلام فيما يقطع فيه بالكراهة الاصطلاحية كالمثال الثانى والثالث ، فان التصرف فيما يظن غصبيته مكروه بالمعنى الاصطلاحى ،

__________________

(١) ـ انظر : مطارح الانظار : ص ١٤٦ ـ حاشية الكفاية : للعلامة الطباطبائى ره.

٢١٢

اذ لا ريب فى استحباب تركه اذ كما ان العقل والنقل تطابقا على طلب ترك الغصب ، فكذلك تطابقا على طلب ترك المظنون الغصبية وان كان الطلب فى الاول الزاميا ، وفى الثانى تنزيهيا وكذا الكون فى مواضع التهمة.

وثالثا ـ ان قلّة الثواب بنفسها ليس مدلولا للنهى قطعا ، فلا بد من حمل النهى على الارشاد ، فيكون قلّة الثواب علة للنهى ، وهذا يوجب ان يكون كل قليل الثواب منهيا عنه بالنهى الارشادى ليتركه الانسان الى غيره ، سواء كان من جنسه أم من غير جنسه ، لان هذا المعنى موجود فيه فان العقل حاكم فى قليل الثواب على وجه الارشاد بالعدول الى ما هو افضل منه ، وكذلك الشرع ، ولذا لو استرشدناه لارشدنا بمثل هذا الخطاب الوارد فيما نهى عنه ابتداء.

ومما ذكرنا يعرف الجواب عمّا يقال فى توجيه ارادة قلة الثواب ودفع ما اورد على هذا الجواب من لزوم كون كل مفضول من الافراد مكروها بالنسبة الى الفاضل ، انه ليس المراد اقلية ثوابها بالنظر الى غيرها ، بل المراد كونها اقل ثوابا بالنظر الى ما اعد من الثواب لتلك العبادة فى حد ذاتها ، فقد يجيء هنا ما يوجب مزيد ثوابها على ذلك ، كما فى الصلاة فى المسجد والجماعة ، وقد يجيء هنا ما ينقض عنه كالصلاة فى الحمام ، فالغرض اخلاء الفعل عن تلك المنقصة بان : يترك الفعل المشتمل عليها ويأتى بالخالى عنها وتوضيح دفع هذا وغيره ـ مما ذكرنا ـ من ان المرجوحية من جهة لا ينافى رجحانه فى حد ذاته فحيث لا يوازى مرجوحية المكروه رجحان الواجب فغاية الامران يحصل هنا نقص فى الثواب الواجب.

٢١٣

ان المراد من الراجحية والمرجوحية ، امّا كون الفعل مطلوب الفعل او مطلوب الترك ، وامّا كونه متعلق الارادة النفسانية فعلا او تركا ، وامّا كونه حسنا ذا مصلحة مرجحة لفعله فى نظر العقلاء ، فان اريد الاوّل والثانى فمع انه لا معنى للقول : بان مرجوحية المكروه لا توازى رجحان الطبيعة فان طلب الترك وارادته فى اىّ مرتبة كان من الضعف ، تضاد طلب الفعل وارادته فى اىّ مرتبة كان من القوّة ، يرد عليه : ان الرجحان والمرجوحية بهذا المعنى لا يجوزان يتعلّقا بشيء واحد شخصى من جهة على مذهب المجيب.

وان اريد المعنى الثالث فمع انّه لا معنى لاجتماع نفس الحسن والقبح فى شيء واحد الّا على القول بذاتيهما ، بل المجتمع هى جهتا الحسن والقبح لانفسهما على ما استدل به المجيب فى منع اجتماع الواجب والحرام.

يرد عليه : ان مقتضى الحكمة النهى عن هذا الفرد لا حسنه متدارك بفرد آخر بخلاف القبح الموجود فيه فتأمل.

مع ان القبح المغلوب فى جنب الحسن لا يصير منشأ لنقص الثواب اذ لو اريد بالثواب ما اعد لامتثال نفس الواجب مع قطع النظر عن خصوصية اخرى ، فلا شك فى حصوله باتيان الفرد المكروه ، اذ المفروض صحته باعتراف المجيب.

وان اريد به الثواب المعدّ لفعل الصلاة مع قطع النظر عن خصوصية كونها فى الحمّام او البيت وان زاد على ثواب امتثال الواجب.

ففيه ان الحسن الموجب لهذا المقدار الزائد على ثواب الواجب ، لا بد وان يصير منشأ لامر استحبابى كما ان الحسن الزائد الموجود فى الصلاة فى

٢١٤

المسجد صار موجبا لامر استحبابى ، فلا بد ان يكون الصلاة البيت مستحبة لا ان يكون الصلاة فى الحمام مكروهة.

وربما يتفصى عن العبادات : بانها مكروهة للغير بمعنى ان المطلوب تركها للتوصّل الى الفرد الارجح.

وحيث ان المتّصف بالوجوب من المقدمة ليس الّا المقدمة الموصلة ، فالفرد الموجود المرجوح فى الخارج لا يقع على وجه مطلوبية الترك لعدم حصول الاتصال معه لان المفروض استحالة وجود الفرد الآخر معه ، فالفرد المكروه لا يقع فى الخارج الا غير متصف بمطلوبية الترك.

وفيه ـ مع انه يرد عليه الاجوبة الثلاثة المتقدّمة ـ ان عدم وقوع الفرد المكروه على صفة النقص والمرجوحية خلاف اتفاق العلماء.

ثم انه ربما يجاب عن كراهة العبادات : بان المراد منها كونها مرجوحة بالاضافة الى الفرد الآخر وهذا لا ينافى رجحانها فى نفسها كما ذكره فى «تمهيد القواعد.»

ويرد عليه بعض ما تقدم سابقا او جميعه فلاحظ وتامّل.

وقد اعترف بعض المعاصرين برجوع هذا الجواب الى الجواب السابق وهو قلة الثواب. ثم انه ربما يجاب عن توجيه الكراهة فى العبادات بما تقدم : بان التوجيه غير جار فيما لا بدل له من العبادات المكروهة كالصوم فى السفر والتطوع فى وقت الاوقات المكروهة.

وفيه : ان تلك العبادات كما لا يستقيم توجيه المانعين فيها كذلك لا يستقيم الحكم بكراهتها الاصطلاحية على مذهب المجوزين فان اجتماع

٢١٥

الامر العينى والنهى محال اتفاقا.

ثم انّه كما يقع النقض بالعبادات المكروهة كذلك يقع بالفرد المستحب من الواجب كالصلاة فى المسجد وغيرها ، مما تعلّق الامر الاستحبابى لفرد من الطبيعة الواجبة كالمثال المذكور ، او بطبيعة اخرى يتّحد معها فى الوجود الخارجى كالصلاة فى لباس اجابة لالتماس مؤمن فى استعماله ، والسجود على تربة كذلك ، وحكم الشارع باجزاء فى واحد من المستحب والواجب كالغسل الواحد المجزى عن الجنابة والجمعة.

الثالث ـ ان العقلاء يعدون من أتى بالمامور به فى ضمن الفرد المحرم مطيعا ، كما اذا امر بالخياطة او المشى ونهاه عن الدخول فى مكان فخاط الثوب او مشى فى ذلك المكان. فحكم العقلاء بالاطاعة واستحقاق المدح على الفرد المامور به واستحقاق العقاب على مخالفة النهى شاهد على حكم العقل بعدم الامتناع.

لكن الانصاف ان هذا الدليل يرجع الى مجرد الدعوى ، اذ للمانع ان يمنع حكم العقلاء بالاطاعة وكيف يحكمون بها ، مع انه عند ارادة ايجاد المامور به نهاه عن ذلك الايجاد فكيف يتحقق الاطاعة بنفس المعصية ، وكان من يحكم من العرف بالاطاعة يشتبه عليه الا ويختلط عليه سقوط الامر بالاطاعة فظنه مطيعا.

وامّا النقض بالافراد المستحبة من الواجب فهو ايضا فى غير محله. امّا اجمالا فلانتقاض ذلك باجتماع التخيير الشرعى مع الاستحباب مع ان التخيير الشرعى لا يجتمع مع الحرمة اجماعا ، فعلم ان مقايسة الاستحباب بالحرمة و

٢١٦

الاستدلال على جواز اجتماعها بجواز اجتماعه فاسد.

وامّا تفصيلا فنقول : اما حكم الشارع باجزاء الفرد الواحد عن الواجب والمستحب فهو ليس من باب اجتماع الحكمين المتضادين ، وانما حكم الشارع بسقوط الامر الاستحبابى بفعل الواجب كما قيل باجزاء قضاء الفريضة عن تحية المسجد وكفاية قضاء الصوم فى صوم الايام المسنونة وغسل الجنابة عن الجمعة وغيرها ، فليس هناك موجود خارجى متصف بالوجوب والاستحباب ودعواه ليس الّا عين المتنازع ، مع ان الموصوف بالوجوب والموصوف بالاستحباب اما ان يكونا متحدى المفهوم فيرجع الامر الى استحباب ايجاده ما يحدث سببا لوجوبه فاذا حدث السبب اتصف الفعل بالوجوب نظير الوضوء فلا يجوز تكرار الفعل لامتثال الواجب والمستحب ويكون اتصافه بالوجوب والاستحباب فى زمانين.

وامّا الى وجوب ايجاد هذه الطبيعة مرّة واستحباب ايجادها مرّة اخرى ، فلا يعقل حينئذ تداخل الواجب والمستحب لان المفروض لما كان اتحاد مفهومهما فلا تغاير بينهما الّا بالوجود الخارجى فلا يمكن اتحادهما فيه ايضا ، فاذا اكتفى الشارع بالمرة الاولى لم يتصف بالاستحباب بل كان سقوط الامر الاستحبابى كما ذكرنا وان كانا متعددين بحسب المفهوم.

فامّا ان يفرضا طبيعتين متباينتين تباينا كليا ، امّا لاختلافهما فى الآثار وامّا لأخذ نية الغاية فى كل منهما على سبيل الاستقلال بان غسل الجنابة ما كان لمحض رفع ذلك الحدث لا غير وغسل الجمعة ايضا ما كان لمجرد النظافة فى الجمعة ، وحينئذ فلا يعقل التداخل ايضا الا على ما ذكرنا من سقوط الامر

٢١٧

الاستحبابى باتيان الواجب.

وامّا ان يكونان متباينين تباينا جزئيا بمعنى جواز اجتماعهما فى موجود واحد ، فنقول : ان هذا التغاير ليس الّا باعتبار النية : بان يكون الغسل لقصد تنظف الجمعة مستحبا سواء نوى معه شيء آخر ام لا ، فيكون الغسل لقصد رفع الجنابة واجبا سواء قصد معه شيء آخر ام لا فيكون صورة قصد الامرين مجمعا للعنوانين.

وحينئذ فيمكن ان يقال ان مادة الاجتماع ليست متصفة بالاستحباب الّا انّها لما اشتملت على الجهة الموجبة للاستحباب لو لا جهة الوجوب تاكد بذلك مصلحة الوجوب فيكون هذا الفرد ازيد ثوابا لاشتماله على جهة توجب الاستحباب لو لا الوجوب فان جهة الاستحباب لا تعارض جهة الوجوب لان جهة الوجوب توجب للمنع من الترك وجهة الاستحباب لا توجبه لا انّها توجب الاذن فى الترك ـ فتامّل ـ لجواز ان يقال انّه يوجب الاذن فى الترك ولذا يزول الاستحباب الذاتى كالاباحة الذاتية بالوجوب العرضى ، ومن هنا يظهر الجواب عن التفصى بمثل الصلاة فى مكان خاص اجابة لمؤمن فانّا نمنع اتّصافه بالاستحباب وانّما هو واجد لمصلحة المستحب فيتأكد بذلك مصلحة الوجوب ويصير اختيار هذا الفرد موجبا لثواب زائد.

وامّا الصلاة فى المسجد فان ورد استحبابها على غير وجه الامر فلا مانع من حمله على كونه افضل الفردين وليس هنا استحباب مصطلح حتى تنافى الوجوب وان ورد على وجه الامر ، فامّا ان يحمل الامر على الارشاد لبيان

٢١٨

زيادة الفضيلة فلا استحباب وانما هى هداية الى الفرد الاكمل من افراد الواجب والفرق بينهما وبين الصلاة فى البيت مع انها ايضا اكمل من الصلاة فى الحمام ، ولا يقال لها المستحب اذ الصلاة فى المسجد مشتملة على عنوان مستحب لو لا ايجاد مع الواجب فى الوجود نظير ما سمعته فى مجمع عنوانين يكون بينهما عموم من وجه كما انّ الصلاة فى الحمام مشتملة على عنوان مكروه لو لا رجحان الفعل المتحد معه فى الوجود ، فالمراد بالافراد المستحبة ما انضمّ اليها عنوانات موجبة للاستحباب لو لم تتّحد مع الواجب فى الوجود الخارجى ومعنى استحبابها وجود عنوان المستحب فيها المقتضى لاستحبابها لو لا اتحادها مع العنوان المقتضى لعدم جواز الترك لا الى بدل.

ومما ذكر يعلم الحال فى توجيه العبادة المكروهة وامّا العبادة الغير الجامعة لعنوان متصف بالاستحباب او الكراهة ـ لو خلّى وطبعه ـ كالصلاة فى البيت فهو لا يتصف بإحداهما وحيث انّها معنونة بعنوانات خالية عن الراجحية والمرجوحية صح اتصافها بالاباحة بمعنى انّ العنوانات المتصادقة معها مباحة نظير اتصافها بالاستحباب والكراهة.

هذا فيما له بدل واما ما لا بدل له من العبادات المكروهة فان لم يقم دليل على صحتها حكم بكون النهى ارشاديا لادراك مصلحة عنوان مجامع مع تركها ارجح من نفس العبادة ، ولا ينافى ذلك برجحان العبادة لعدم المانع من اتصاف امرين متضادين بالاستحباب بل جل المستحبات من المتضادات ، فالمكلف فى كل زمان مخير فى اتيان ايّهما شاء.

نعم لو كان بعضها افضل استحب ترجيحه لكن لو عدل عنه الى المفضول

٢١٩

وقع مستحبا ولا ينافى ذلك ما تقدم منا من ان مزاحمة الواجب الأهمّ لغير الأهمّ يوجب عدم وقوع غير الاهمّ لو اوجده لانّ الاهمّية هناك يعنى فى الواجبين ملتزمة ، وهنا مرجحة بمعنى : انّها حاكمة حكما وضعيا افضلية الأهمّ ومزيّته على غيره ، ولا يحدث منها طلب تعيينى ندبيّ للاهمّ حتى يمنع بقاء طلب غيره الّا على مذهب من جوز طلب احد الضدّين على تقدير المعصية بالآخر ، واما ان يحمل الامر فيها على الاستحباب وانشاء الطلب الغير البالغ حد الالزام من حيث ملاحظة الشارع تخيير المكلف وترخيصه فى الامتثال بين هذا الفرد وتركه المجامع لفعل البدل لا بملاحظة تخييره بين فعل هذا الشيء وتركه رأسا ، لان هذا التخيير قد ارتفع بثبوت الوجوب التخييرى.

وتوضيح ذلك ان الآمر قد يلاحظ المكلف من حيث انه مختار فى فعل شيء وتركه المطلق فيكلفه الزاما او ندبا بترجيح الفعل على تركه المطلق فيصير واجبا عينيّا او مستحبا كذلك.

وقد يلاحظ من حيث انه مختار فى فعل امور متعددة وتركها رأسا فيامره وجوبا او استحبابا ترجيح فعلها على تركها على سبيل التخيير فيها فيكون مرجوحا بالنسبة الى ترك الجميع وباقيا على اختياره والعمل بمقتضى هواه ودواعيه النفسانية بالنسبة الى ترجيح بعضها على بعض ، ثم قد يعرضه بملاحظة هذا الاختيار طلب ترجيح بعضها على بعض على غير وجه الالزام اذا طلبه على وجه الالزام يخرج الفرد الآخر عن الجواز ، فالاستحباب العينى على هذا الوجه عارض لبعض تلك الامور من حيث جواز فعلها وتركها الناشى عن الوجوب التخييرى.

٢٢٠