آية الله الشيخ باقر الزنجاني
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات دار التفسير
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-535-198-2
الصفحات: ٤٤٠
وقوّينا تعيّنه ، من هدم القيام والعود إلى التشهّد ، ثمّ قضاء السجدة بعد الصلاة ، لا بدّ له من تكرار سجدتي السهو مرّة لاحتمال نقص السجدة ، كما هو قضيّة تنجيز العلم الإجمالي ، ومرّة أخرى لزيادة القيام الذي هدمه.
وإن شئت فقل : يلزم أن يقوم المصلّي بزيادة أحد الأمرين : من القيام والتشهّد قطعا.
* * *
المسألة العشرون
قال رحمهالله : (إذا علم أنّه ترك سجدة إمّا في الركعة السابقة أو من هذا الركعة ، فإن كان قبل الدخول في التشهّد ، أو قبل النهوض إلى القيام ، أو في أثناء النهوض قبل الدخول فيه ، وجب عليه العود إليها ، لبقاء المحلّ ، ولا شيء عليه ، لأنّه بالنسبة إلى الركعة السابقة شكّ بعد تجاوز المحلّ. وإن كان بعد الدخول في التشهّد أو من القيام ، مضى وأتمّ الصلاة وأتى بقضاء السجدة وسجدتي السهو ...).
أقول : حكم هذه المسألة حكم سابقتها حذوا بحذو ولا حاجة إلى إعادة الكلام.
نعم ، تزيد الأخيرة على سابقتها ، أنّ لحوق حالة النهوض بالجلوس ، في كون الشكّ في السجدة فيها شكّا ، قبل تجاوز المحل أظهر من لحوقها بها في السابقة ؛ وذلك لكون الاعتناء بالشكّ ولزوم تدارك المشكوك فيه ، فيما عرض الشكّ في حالة النهوض ، منصوص عليه بالخصوص في السجود دون التشهّد.
* * *
المسألة الحادية والعشرون
قال رحمهالله : (إذا علم أنّه إمّا ترك جزءا مستحبّا كالقنوت مثلا ، أو جزءا واجبا ، سواء كان ركنا أو غيره من الأجزاء التي لها قضاء ...).
أقول : لا يخفى أنّ من المستحبّات ما له حكم خاصّ على تقدير فواته نسيانا ؛ كما في الأذان والإقامة ، وقد رخّص فيها ـ على المشهور ـ ما لم يدخل في الركوع في استيناف الصلاة واستدراكهما ، وقد نصّ في صحيحة زرارة على كونها مجرى لقاعدة التجاوز.
ومن الواضح أنّ جريان القاعدة فيهما ، ليس إلّا بلحاظ هذا الأثر.
وكما في القنوت الذى يتدارك فيما بعد الركوع ، أو فيما بعد الصلاة ، على ما في بعض الأخبار ، ولا مانع من كونه مشمولا لإطلاقات أخبار قاعدة التجاوز.
وبالجملة : مثل هذه المستحبّات من آداب الصلاة مجاري للقواعد الثلاثة من التجاوز والفراغ والشكّ في المحلّ.
وعليه ، فلو كان طرف العلم الإجمالي شيء من هذه ، والآخر شيء من واجبات الصلاة :
(١) فإن كان الواجب ممّا شكّ فيه قبل الدخول في المترتّب عليه ، والمستحبّ ممّا شك فيه بعد الدخول في الغير ، فلا محيص عن كون الأوّل مجرى لقاعدة الشكّ في المحلّ المتحيّز للتكليف ، والثاني مجرى لقاعدة التجاوز ، الحاكمة بالبناء على تحقّق المشكوك ، وإلغاء الشكّ فيه ، وعدم الحاجة إلى تداركه ،
ولو كان في محلّ لو كان الفوات قطعيّا لكان التدارك مطلوبا فيه.
(٢) ولو انعكس الأمر ، فلا محيص عن كون الواجب مجرى لقاعدة التجاوز المرخّص ، والحاكم بالبناء على تحقّق المشكوك ، وعدم الحاجة إلى تداركه فعلا أو بعد الصلاة ، ولا إلى سجدة السهو ، وكون المستحبّ مجرى لقاعدة الشكّ في المحلّ ، الحاكم بالبناء على عدم تحقّق المشكوك فيه ، المقتضي لمطلوبيّة تداركه بنحو ثبت شرعا.
(٣) وإن كان الشكّ في كلّ منهما بعد تجاوز المحلّ ؛ أي بعد الدخول في الغير المترتّب عليه ، فلا بدّ من جريان قاعدتي التجاوز فيها ، وحينئذ فإن قلنا :
بأنّ منشأ التعارض في الاصول والقواعد في أطراف العلم الإجمالي ، ليس إلّا لزوم مخالفة التكليف المتنجّز والترخيص في المعصية ، فلا مانع من جريان القاعدتين ، والحكم بعدم مطلوبيّة تدارك ذلك المستحبّ ، والبناء على تحقّقه واقعا ، والحكم بتحقّق ذلك الواجب أيضا ، وعدم وجوب إعادة الصلاة فيما كان ركنا ، وعدم وجوب تداركه ـ فعلا أو بعد الصلاة ـ فيما كان من الأجزاء التي تتدارك كذلك وعدم وجوب سجدتي السهو ، فيما كان منها أو من الأجزاء التي توجب فواتها سجدتي السهو فقط.
وإن قلنا إنّ العلم بكذب أحد الأصلين المحرزين ، بمعنى العلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع ، فهو أيضا مانع عن جريان الأصلين معا ، وموجب لتعارضهما ، فلا محيص في مفروض المسألة عن تساقط القاعدتين ، ووصول النوبة إلى الاصول المحكومة ، وهي الاستصحابات العدميّة في الطرفين.
وحيث إنّهما أيضا من الاصول المحرزة ، المقطوع بمخالفة بعضها للواقع ، فلا بدّ من تساقطهما على المبنى ، فتصل النوبة إلى الاصول المحكومة ، وليست هي إلّا أصالة البراءة عقليّة وشرعيّة ، ولا معنى لها إلّا المعذوريّة العقليّة ، أو الإعذار الشرعي عن استحقاق العقاب على مخالفة التكليف المحتمل ، ولا مجرى لها في غير التكاليف النفسيّة الأصليّة أو الضمنيّة.
فتكون النتيجة : أنّ الأصل المرخّص الجاري فعلا في الواجب من أطراف العلم الإجمالي المفروض ، هي البراءة سليمة عن المعارض.
* * *
المسألة الثانية والعشرون
قال رحمهالله : (لا إشكال في بطلان الفريضة ، إذا علم إجمالا أنّه إمّا زاد ركنا أو نقص ركنا ، وأمّا في النافلة ...).
أقول : بدوا يقتضي المقام البحث عمّا تقتضيه القواعد في الموارد التالية :
(١) الزيادة والنقيصة العمديّة أو السهوية.
(٢) في الفريضة أو النافلة.
(٣) في الأجزاء والقيود المعتبرة :
في جهة المأمور به.
أو المعتبرة في شخصه ، التي يعبّر عنها بأجزاء الفرد وقيوده.
أو المعتبرة في العمل بنحو المطلوب في مطلوب آخر.
والفرق بين هذه الثلاثة ، وأنّ المتوسّط هل هي معقولة أم لا ، وأنّه يتفاوت الأمر في مقتضى القاعدة من حيث البطلان وعدمه ، بالزيادة أو النقيصة ، عمدا أو سهوا ، باعتبار تفاوت الأدلّة من حيث اللبّيّة واللفظيّة وغير ذلك أم لا ، كما أنّ توضيح ما خرج عن القاعدة بالدليل الخاصّ في الفريضة والنافلة يتضمّن أبحاثا طويلة كلّها على عهدة محلّها.
وعلى كلّ حال ، بناء على التسالم على إبطال الزيادة والنقيصة في الأركان في الفريضة ، وعدم إبطال (١) الزيادة السهويّة في النافلة لا في الأركان ولا في
__________________
(١) ـ كما هو المستفاد من صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام :
غيرها ، وإبطال (١) نقص الرّكن عمدا أو سهوا في النافلة ، وعدم إبطال (٢) نقص غير الأركان سهوا في الفريضة ولا في النافلة ، وعدم اقتضاء نقص غير الأركان في النافلة لا القضاء ولا سجود السهو ، فالحكم هو ما أفاده في المتن.
نعم ، في موارد العلم الإجمالي بأحد الأمرين من الزيادة والنقيصة في الرّكن في الفريضة ، إنّما يحكم بالبطلان فيما فرض تجاوز محلّ تدارك الرّكن الناقص ، وإلّا فتكون المسألة :
إمّا من صغريات انحلال العلم الإجمالي ، بالأصل المرخّص الجاري في
__________________
ـ «قال : سألته عن الرجل سها في الركعتين من النافلة ، فلم يجلس بينهما حتّى قام فركع في الثالثة؟
فقال : يدع ركعة ويجلس ويتشهّد ويسلّم ثمّ يستأنف الصلاة بعد».
وممّا رواه دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام :
«أنّه سئل عن السهو في النافلة.
قال : لا شيء عليه ؛ لأنّه يتطوّع في النافلة بركعة أو بسجدة أو بما شاء».
وظاهر هذه الثانية أنّه لا مانع من زيادة الركن في النافلة حتّى العمديّة منها ، فضلا عن السهويّة ، ولازم الروايتين أنّ المحلّ الذكري للأجزاء المنسيّة في النافلة ـ ركنا كان أو غيره ـ يبقى ما دام هو في الصلاة ، ولا يخرج بمجرّد الدخول في الركن.
أقول : في الرسالة المعمولة لبعض الأجلّة قدسسره في خلل الصلاة في ذيل المسألة السادسة والعشرين : (أنّ في رواية الصيقل ، الحكم بوجوب العود إلى المنسي ، ولو استلزم زيادة الركن).
وظاهره أنّ الرواية وردت في النافلة ، لكنّني لم أظفر بهذه الرواية.
(١) ـ كما هو مقتضى القاعدة في مطلق الأجزاء الواجبة ، ولم يقام دليل على خلافه لا في الفريضة ولا في النافلة ، بل قام الدليل على وفقه في الأركان في كليهما ، كما هو مقتضى إطلاق عقد الاستثناء في مثل حديث لا تعاد.
(٢) ـ كما هو مقتضى إطلاق عقد المستثنى منه من حديث لا تعاد ، وغير ذلك من الأخبار.
بعض أطرافه ، والمتنجّز الجاري في بعضها الآخر.
أو من صغريات تنجيز العلم الإجمالي ، ولزوم الاحتياط ، حيث إنّ الزيادة العمليّة ليست مجرى لقاعدة التجاوز ، لعدم جريانها في الزيادة ، وإنّما هي مجرى لأصالة العدم ، المقتضية للصحّة :
فإن لم يكن داخلا في الغير المترتّب على ما يحتمل نقصه ، فهي مجرى لقاعدة الشكّ في المحلّ ، فينحلّ العلم الإجمالي.
وإن كان دخلا فيه ، فيتعارض أصالة العدم في طرف الزيادة مع قاعدة الفراغ في طرف النقيصة ، وتساقط ، وينتهي الأمر إلى تنجيز العلم ، فيجب الاحتياط بتدارك النقص ، مع إعادة الصلاة لاحتمال الزيادة.
أقول أوّلا : وممّا ذكرنا تظهر الحال في النافلة أيضا ، وأنّه مع العلم بالزيادة والنقيصة في الرّكن فيها ، فلا أثر لهذا العلم من جهة الزيادة ، فلا بدّ أن نلاحظ النقيصة المحتملة كالاحتمال البدوي :
فإن كان لم يدخل في الغير ، فهو محلّ لقاعدة الشكّ في المحلّ ، ولزوم الإتيان فعلا ، لما يحتمل نقصه لزوما وضعيّا ، بمعنى البناء على البطلان ظاهرا لو لم يأت به فعلا.
وإن كان داخلا فيه ، فهو محلّ لقاعدة الشكّ بعد التجاوز عن المحلّ فلا يعتنى به.
وثانيا : ومنه تظهر الحال فيما علم إجمالا بنقص أحد الركنين في الفريضة أو النافلة ، وأنّه غير داخل في الغير المترتّب على الرّكن الثاني ، فلا محالة يكون الثاني
مجرى لقاعدة الشكّ في المحلّ ، المقتضي للتدارك فعلا ، ويكون الأوّل مجرى لقاعدة التجاوز ، فينحلّ العلم الإجمالي بها.
أمّا إذا كان داخلا في الغير المترتّب عليه ، فلا محالة تتعارض القاعدتان فيها وتتساقطان ، فينجز العلم ، ويلزم الاحتياط بتدارك الثاني في محلّه ، لاحتمال نقصه ، وإعادة الصلاة لاحتمال نقص الأوّل.
وثالثا : إن علم إجمالا بنقص ركن ، أو نقص جزء آخر ، له قضاء وسجود سهو ، أو سجود سهو فقط.
فإن كان في الفريضة : فالحكم ما تقدّم ، من أنّه :
(١) مع عدم الدخول في الفعل المترتّب على المحتمل نقصه أخيرا ، فما يحتمل نقصه أخيرا مجرى لقاعدة الشكّ في المحلّ ، المقتضية للتدارك فعلا ، سواء كان هو الرّكن أو غيره.
وما يحتمل نقصه أوّلا ، مجرى لقاعدة التجاوز المرخّصة ، سواء كان هو الرّكن أو غيره ، فينحلّ العلم الإجمالي.
(٢) ومع الدخول في الغير المترتّب على الثاني ، لا محالة تتعارض قاعدة الفراغ فيها وتتساقط ، وكذا الاستصحابات العدميّة ، بناء على القول بتعارض مثل هذه الاصول ، ولو كان على وفق العلم ، فيتنجّز العلم الإجمالي ، ويلزم تدارك ما يحتمل نقصه ثانيا فعلا ، مع مراعاة ما يقتضيه احتمال النقص الأوّل من الإعادة لأصل الصلاة ، أو قضاء ما فات مع سجدتي السهو ، أو سجدتي السهو فقط بعد الصلاة.
وإن كان ذلك العلم في النافلة :
(١) فإن كان لم يدخل في الغير المترتّب على ما يحتمل نقصه أخيرا ، فهو محلّ لقاعدة الشكّ في المحلّ ، ولزوم التدارك فعلا ، والنقص المحتمل السابق مجرى لقاعدة التجاوز ، فينحلّ العلم الإجمالي ، سواء فرض الرّكن ما يحتمل نقصه سابقا أو ما يحتمل نقصه أخيرا.
(٢) وإن كان داخلا في الغير المترتّب على ما يحتمل نقصه أخيرا ، فكلّ منهما مجرى لقاعدة التجاوز ، سواء في ذلك الرّكن وغيره.
ولا مانع من جريان القاعدة في كليهما معا ، لعدم العلم بالتكليف على كلّ تقدير ، فلا منجّز في البين ، لانتفاء مقتضى التنجيز وهو العلم بالتكليف ، ومجرّد الاحتمال غير منجّز ، بل موضوع للقاعدة المرخّصة.
أقول : ولكن لا يخفى عليك أنّ هذا إنّما يتمّ على القول بانحصار منشأ التعارض في الاصول ، في أطراف العلم الإجمالي ، في لزوم الترخيص في معصية التكليف ومخالفته القطعيّة.
وأمّا بناء على كون مجرّد العلم بعدم مطابقة أحد الأصلين للواقع ، منشأ للتعارض بينها ، وعدم إمكان العمل بهما جميعا ، ولا يترجّح أحدهما على الآخر ، فلا محالة تتعارض قواعد التجاوز في مفروض المسألة ، فإنّ مجرّد أنّ الجزء غير الركني في النافلة ، على تقدير فواته ، وتجاوز محلّ تداركه ، عند تذكّر نسيانه لا يوجب قضاء ، ولا سجدتي سهو فيما بعد الصلاة ، لا يوجب لغوية جريان قاعدة التجاوز ، أو سائر الاصول فيهما رأسا ؛ وذلك لوضوح أنّ لها أثر من حيث الإعذار عن التدارك في الأثناء ، حتّى لا يكون تركها تركا عمديّا للنافلة والفريضة كلتيهما.
وعليه ، فالبناء على عدم تحقّق شيء من النقيضين ، مع العلم بتحقّق أحدهما ، موجب للتعارض بين القاعدتين لا محالة ، وإن كانت القاعدة تقتضي بالنسبة إلى غير الرّكن ، أزيد من الترخيص في عدم الاعتناء بالشكّ ، وترك التدارك في المحلّ ، وإنّما تقتضي بالنظر إلى الرّكن ـ مضافا إلى ذلك الترخيص ـ في ترك إعادة الصلاة أيضا ، حيث إنّ نقصه موجب لذلك وضعيّا لا تكليفيّا.
وعليه ، فمع تعارضهما وتساقطهما ، تصل النوبة إلى الاستصحابات العدميّة ، بعين المناط المذكور ، فحيث إنّ المسألة لا معنى لكونها من مجاري البراءة عقليّا أو شرعيّا فلا محيص عن كونها مجرى لوظيفة عقليّة في النوافل مشابهة لقاعدة الاشتغال في الفرائض ، وهي أنّه مع العلم بأصل ثبوت وظيفة النافلة ، يشكّ في حصول تلك الوظيفة من خلال المأتي به ، فلو أراد القطع بحصولها ، لا محيص له عن إعادتها.
وهذا وإن كان في النتيجة بمعنى عدم وجوب الإعادة ، الذي كان يترتّب على تقدير كون الرّكن مجرى لقاعدة الفراغ فقط ، إلّا أنّه غيره في الحقيقة ، فإنّ الحكم بعدم وجوب الإعادة وتعارضهما ، عين الحكم بعد وجوب الإعادة ، مع الحكم بصحّة ما أتى به ، وحصول الوظيفة كما هو لازم كون الرّكن هو المجرى فقط لقاعدة التجاوز.
* * *
المسألة الثالثة والعشرون
قال رحمهالله (إذا تذكّر وهو في السجدة أو بعدها من الركعة الثانية مثلا ، أنّه ترك سجدة من الركعة الاولى ، وترك أيضا ركوع هذه الركعة ...).
أقول : وجملة المقال إنّه مع عدم تماميّة الركعة السابقة ، وبقاء سجدة أو سجدتين منه ، فهو بعد في الركعة السابقة ، وإنّما صدر منه قيام وقراءة مثلا في غير محلّه ، فعليه تدارك ما لم يأت به في الركعة الاولى ، ما لم يدخل في الرّكن في الركعة اللّاحقة ، وما صدر منه من السجدة أو السجدتين في الركعة اللّاحقة ، إنّما هي متمّمة للركعة السابقة في نفس الأمر ؛ بمعنى أنّ الأمر متعلّق بإتيانها لإتمام الركعة السابقة ، وهو قد أتى ما أتى به منها بداعي أمرها الواقع ، غاية الأمر أنّه كان قد أخطأ ، وزعم أنّها متمّمة للركعة اللّاحقة ، وإنّما أمر بإتيانها تتميما لها.
وبالجملة : ما أتى بها بعد الالتفات والتذكّر ، لا محالة يأتي بها بداعي الأمر الواقعي بها ، وهو الأمر بإتمام الركعة السابقة ، إذ المفروض علمه والتفاته بأنّه مأمور فعلا بذلك ، وما قد أتى به في حال غفلته وخطأه في التطبيق ، قد وقعت متمّمة للركعة السابقة قهرا ، ولا يحتاج إلى نيّة العدول بها في الثانية إلى السابقة ؛ لوضوح أنّ عنوان الأوّليّة والثانويّة والثالثيّة والرابعيّة من الركعات امور واقعيّة ، لا يدور مدار القصد ، وليست كعنوان الظهر والعصر ، وغير ذلك من العناوين القصديّة ، التي تدور في تحقّقها مدار قصد عنوانها ، وإلّا فكان اللّازم تحقّق ما قصد ، واستحالة انقلابه عمّا وقع عليه ، وصيرورة العنوان القصدي عنوانا بالقصد العدولي ، وكان
يحتاج العدول والقبول التعبّدي بالقصد اللّاحق إلى دليل تعبّدي ، ولم يقم دليل تعبّدي على الرخصة في العدول من الركعات اللّاحقة إلى سوابقها.
أقول : وكيف كان ، فهنا عدّة صور ينبغي التعرّض لها :
(١) إن كان المنسي من الركعة السابقة ، السجدة الواحدة ، وكان التذكّر بعد الإتيان بسجدة الركعة اللّاحقة ، قام واشتغل بالقراءة من اللّاحقة.
(٢) وإن كان التذكّر في أثنائها ، أتمّها ، ثمّ قام واشتغل باللّاحقة.
(٣) وإن كان التذكّر قبل الإتيان بالسجدة ، أتى بسجدة واحدة ، ثمّ قام واشتغل باللّاحقة.
(٤) وإن كان التذكّر في أثناء السجدة الثانية ، أو بعد رفع الرأس منها ، فقد زادت له سجدة واحدة في الركعة السابقة التي بيده تتميما ، فتجب عليه سجدتا سهو لزيادتها بعد الصلاة.
(٥) وإن كان المنسي السجدتين كلتاهما ، وكان التذكّر بعد السجدتين فيما بيده ، أو في أثناء الثانية منها ، قام واشتغل باللّاحقة.
(٦) وإن كان التذكّر بعد سجدة واحدة ، أتى بسجدة أخرى ، ثمّ قام واشتغل باللّاحقة.
(٧) وإن كان التذكّر في أثناء السجدة الاولى ، أتمّها وسجد أخرى ، ثمّ قام واشتغل باللّاحقة.
(٨) وإن كان قبل الإتيان بشيء منها ، أتى بهما ثمّ قام واشتغل باللّاحقة.
وعلى التقادير ، فلا بدّ من سجدتي السهو للقيام الزائد وجوبا ، وللقراءة
احتياطا بهما في كلّ زيادة ونقيصة.
أقول : وما ذكره الماتن قدسسره من الاحتياط بإعادة الصلاة في جميع هذه الصور ، مبنيّ على احتمال أن تكون ما بيده قد تعيّنت للثانويّة بحسب قصده ، ولو كان مبنيّا على الغفلة والنسيان ، ولم يقم دليل على صيرورتها الركعة الاولى بنيّة العدول ، ولازم ذلك هو فوت سجدة أو سجدتين في السابقة ، وفوت الركوع من اللّاحقة ؛ كلّ ذلك بعد الدخول في الرّكن في الركعة اللّاحقة ؛ أعني السجدة.
ولكن قد عرفت ضعف المبنى جدّا.
* * *
المسألة الرابعة والعشرون
قال رحمهالله : (إذا صلّى الظهر والعصر ، وعلم بعد السلام نقصان إحدى الصلاتين ركعة ، فإن كان بعد الإتيان ...).
أقول : قد تقدّم منّا حكم المسألة بشقوقها الكثيرة مستوفى في المسألة الثامنة ، ولا حاجة إلى إعادتها.
وجملة القول : إنّه فيما كان المفروض حصول العلم بعد السلام في كلتا الصلاتين ، مع حصول شيء ممّا يبطل الصلاة عمدا وسهوا بعد كلّ منهما ، أو بعد الثانية فقط ، فلا بدّ من العلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلاتين ، من جهة نقص الركعة المفروض عدم إمكان تداركها إلّا بالإعادة ، فلا بدّ من الاحتياط بإعادة كلتيهما ، حيث يتعارض قاعدة الفراغ الجارية في كلّ منهما مع الجارية في الاخرى ، ويتساقطان ، من دون فرق بين ما كان المفروض بقاء وقت كلتيهما أو خروجهما ، أو خروج وقت إحداهما وبقاء وقت الآخر ، على ما مرّ توضيحه.
(١) فلو كانتا متجانسين ، كفى في الحكم بالصحّة ، الاحتياط بالإتيان بأربعة أو اثنتين ، بقصد ما في الذمّة من رباعيّة أو ثنائيّة ؛ سواء كانتا مترتّبتين كاللّذين من يوم ، أو غير مترتّبتين كقضاء ظهر وعصر من يومين.
(٢) ولو كانتا متخالفتين ، كما في مفروض المسألة الآتية ، فلا بدّ من إعادة كلتا الصلاتين.
وما ربما يتوهّم : من امتناع جريان القاعدة في الثانية في المترتّبتين ، وتعيّن
جريان الاولى سليمة عن المعارض ، بناء على أنّ جريانها مشروط بإحراز صحّتها من غير ناحية نقص الركعة فيها : إمّا وجدانا ، أو بقواعد تعبّديّة غير نفس تلك القاعدة من حيث جريانها فيها. ومن المعلوم أنّ إحراز صحّة اللّاحقة المترتّبة ، موقوف على إحراز الفراغ عن السابقة ، والمفروض أنّ إحراز ذلك موقوف على جريان قاعدة الفراغ في السابقة ، من حيث احتمال نقص الركعة فيها ، وحينئذ فلو جرت القاعدة في الثانية وعارضت مع جريانها في الاولى ، فقد أسقطت نفسها ؛ لأنّ إسقاطها شرط جريانها ، ممّا يلزم من وجودها عدمها ، وهو أمر مستحيل ، فيقطع في مثله بعدم حجيّة الثانية ، ويشكّ في حجيّة الاولى ، ويبني على حجيّتها عملا بإطلاق دليل اعتبارها.
وعليه ، فلا بدّ في المسألة من البناء على صحّة الاولى والاحتياط بإعادة الثانية :
إمّا عملا باستصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة فيها ، والمفروض سلامته عن معارضة الاستصحاب الجاري في الاولى ، لحكومة قاعدة الفراغ عليه فيها ، ولازمه الحكم بالبطلان ووجوب الإعادة.
وإمّا عملا بنفس قاعدة الاشتغال ، بعدم فرض عدم إمكان تصحيح الثانية والشكّ في صحّتها بالوجدان.
باطل جدّا : من جهة أنّ ما هو المستحيل ، إنّما هو لزوم عدم اعتبار الأصل ، وعدم حجّيته في فرض اعتباره وحجّيته ، لكونه من الخلف والتناقض ، ويستحيل بالبداهة ، وأمّا لزوم التعارض والتساقط ، بمعنى عدم إمكان العمل بالحجّة
المفروضة ، بعد فرض حجّيتها واعتبارها ، فلا محذور فيه أبدأ ، بل هو اللّازم الداعي في تمام موارد التعارض من الحجج ـ طرقا كانت أو اصولا ـ إذ من الواضح أنّه لو لا حجّيتها ، لما كان في البين تعارض إذ لا يعقل معنى تعارض اللّاحجّتين وتزاحمها من حيث العمل ، فلا بدّ في التعارض من فرض الفراغ عن حجّيّة المتعارضين واعتبارهما ، ولا معنى لتعارضهما وتساقطهما إلّا العجز عن العمل بكليهما ، أو ترجيح أحدهما بالخصوص ، فما يلزم من فرض حجّيّتهما واعتبارهما ، إنّما هو سقوطهما ؛ بمعنى عدم إمكان العمل بها ، وإلّا فلو كان اللّازم في فرض حجّيتهما واعتبارهما التعارض بالمعنى الآئل إلى التساقط بمعنى اللّاحجّية وعدم الاعتبار ، فهو من الخلف والتناقض المستحيل بالبداهة.
وعليه ، فلا مانع من كون جريان القاعدة في الصلاة الاولى ، بمعنى اعتبارها وحجّيتها فيها من شرائط جريانها ؛ بمعنى حجّيتها واعتبارها في الثانية ، فلا محيص عن كون إطلاق دليل اعتبار القاعدة لكلتا الصلاتين.
غاية الأمر ، أنّ هاتين القاعدتين المعتبرتين لا يمكن العمل بكلتيهما في مفروض المسألة ، للزوم المخالفة القطعيّة للتكليف المعلوم بالإجمال ، وللعلم بعدم مطابقة إحداهما للواقع ، فأين يلزم عدم اعتبارها في الثانية في فرض اعتبارها فيها؟!.
ومع فرض تحقّق شيء من المنافيات بين الصلاتين دون ما بعدهما ، فبناء على تجاوز محلّ العدول في المترتّبتين المتجانستين والمختلفتين بالتسليم ، والفراغ عن الصلاة ، وعدم احتساب الثانية الاولى قهرا كما هو المشهور ، فلا بدّ من
تعارض قاعدة الفراغ فيهما وتساقطهما ، وتنجيز العلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين :
من إعادة الاولى ، أو إضافة ركعة متّصلة إلى الثانية ، مع إعادة ما يترتّب عليها من التشهّد والتسليم ، وإتيان سجدتي سهو للزيادة.
وأمّا بناء على كون الثانية محسوبة الاولى قهرا عند وقوعها في فرض بطلان الاولى في المتجانستين المترتّبتين ، فلا بدّ من إتيان ركعة متّصلة برجاء أنّها متمّمة للثانية الثانية ، وقد تمّت به الاولى ، مع إعادة ما يترتّب عليها من التشهّد والتسليم ، ثمّ إعادة أربع ركعات اخرى بقصد الثانية ، تحصيلا للقطع بفراغ الذمّة عن الثانية.
وأمّا الاولى فقد حصل القطع بالفراغ عنها إمّا بالأولى أو الثانية.
وحيث إنّ تماميّة الاولى في نفسها ، وتماميّة الثانية بإضافة الركعة ، مجرّد احتمال لا ينفع في تفريغ الذمّة ، فلا بدّ له من إعادة الثانية برجاء بقاء التكليف بها.
أقول : ومنه يظهر حال ما لو يكن هناك جزم بالاحتساب القهري وعدمه ، وأنّه لا بدّ أيضا من إضافة الركعة برجاء إتمام الثانية ، ثمّ الإتيان بأربع بقصد ما في الذمّة ، ولا وجه لإضافة الركعة بقصد ما في الذمّة ـ أي بدون تعيين أنّها متمّمة للأولى أو الثانية ـ لوضوح أنّه لا يحتمل كونها متمّمة للاولى ، أو الاولى لو كانت ناقصة بركعة متمّمة للثانية ، وإن كانت ناقصة فالثانية تامّة في نفسها ، ومحسوبة مكان الاولى ، والركعة وقعت بركعة زائدة في خارج الصلاة ، وحيث إنّه يقطع بصحّة إحدى الصلاتين ـ أعني الثانية ـ ولكن مع التردّد في أنّها الثانية ، أو احتسبت مكان الاولى ، ويحتمل صحّة كلتا الصلاتين ، بتماميّة الاولى في نفسها ، وإتمام
الثانية بإضافة الركعة ، فلا بدّ له من الإتيان بأربع بقصد ما في الذمّة.
وأمّا في المتخالفتين : فلا بدّ من إضافة الركعة إلى الثانية وإعادة الاولى.
وأمّا مع عدم تحقّق شيء من المنافيات لا بين الصلاتين ولا بعدهما ، فبناء على بطلان الصلاة التي اقحمت فيها صلاة اخرى ، ولو سهوا وغفلة ، لاعتقاد أنّها قد صحّت وتمّت ، فلا محيص عن تعارض قاعدة الفراغ في الصلاتين وتساقطها ، وتنجيز العلم الإجمالي بأحد الأمرين : من إعادة السابقة ، أو إضافة ركعة إلى اللّاحقة ، مع إعادة ما يترتّب عليها من التشهّد والتسليم ، وسجدتي سهو لما زاد منهما.
وكذلك لو كان بطلان الصلاة المقتحمة فيها اخرى ، مشكوكا فيه لا مقطوعا به ولا بعدمه.
هذا إن قلنا بصحّة المقتحمة ، وبطلان ما اقتحم فيها.
وإلّا فلو قلنا ببطلان المقتحمة أيضا ، بعد تساقط القاعدتين ، فلا محالة يبقى احتمال صحّة كلتا الصلاتين وبطلانهما معا ، فمقتضى قاعدة الاشتغال إعادتهما معا ، ولا يفيد إعادة واحدة بقصد ما في الذمّة ، من دون فرق في ذلك بين المتجانستين والمتخالفتين.
وأمّا بناء على صحّة صلاة اقتحمت فيها اخرى ، وعدم بطلانها بالاقتحام ما لم يتحقّق شيء من القواطع ، فعليه أن يضيف ركعة بنيّة ما في الذمّة ، ثمّ يتشهّد ويسلّم كذلك ، ويسجد سجدتي السهو للزائد منهما.
* * *
المسألة الخامسة والعشرون
قال رحمهالله : (إذا صلّى المغرب والعشاء ، ثمّ علم بعد السلام من العشاء أنّه نقص من إحدى الصلاتين ركعة ، فإن كان بعد الإتيان ...).
قد اتّضح حكمها في طيّ المسألة السابقة ولا حاجة إلى الإعادة.
* * *