السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٩
خاذل ، ووليهما لي ولي ، وعدوهما لي عدو ، ألا فانه لن تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها وتظاهر على نبيها وتقتل من قام بالقسط.
ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب رضياللهعنه فرفعها وقال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، ومن كنت وليه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، قالها ثلاثا. هذا آخر الخطبة » (١).
ورواه محمد بن اسماعيل الصنعاني في ( الروضة الندية ) عن ( محاسن الازهار للمحلى ) والشيخاني القادري في ( الصراط السوي ـ مخطوط ).
ورواه الحافظ الزرندي (٢) وعنه السمهودي في ( جواهر العقدين ـ مخطوط ) وأحمد بن باكثير في ( وسيلة المآل ـ مخطوط ).
ب ـ الألفاظ المتوسطة
هذا ، ولو لم يتيسر ( للدهلوي ) إيراد أحد هذه الألفاظ الطويلة عن زيد بن أرقم ، فليته ذكر بعض ألفاظه المتوسطة وهذا بعضها : ـ
١ ـ اللفظ الذي أخرجه الطبراني عن زيد بن أرقم كما ذكر السيوطي بتفسير قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) والمتقي (٣) والبدخشاني (٤) وهذا لفظه عن ( الدر المنثور ) للجلال السيوطي :
« وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : انى لكم فرط وانكم واردون علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين. قيل : وما الثقلان يا رسول الله؟ قال : الأكبر كتاب الله عز وجل ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به لن تزلوا ولا تضلوا ، والأصغر : عترتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، وسألت لهما ذلك
__________________
(١) المناقب ١٦ ـ ١٨.
(٢) نظم درر السمطين ٢٣٣.
(٣) كنز العمال ١ / ١٦٦.
(٤) مفتاح النجا ـ مخطوط.
ربي ، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم » (١).
٢ ـ اللفظ الذي رواه الطبراني أيضا وهو قريب من الاول ، قال المتقي : « اني لا أجد لنبي الا نصف عمر الذي كان قبله ، واني أوشك أن أدعى فأجيب فما أنتم قائلون؟ قالوا : نصحت. قال : أليس تشهدون أن لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق وأن النار حق ، وأن البعث بعد الموت حق؟ قالوا : نشهد ، قال : وأنا أشهد معكم ، ألا هل تسمعون؟ فاني فرطكم على الحوض وأنتم واردون علي الحوض ، وان عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصرى ، فيه أقداح عدد النجوم من فضة ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين. قالوا : وما الثقلان يا رسول الله؟ قال :
كتاب الله ، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به ولا تضلوا والآخر عترتي ، وان اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فسألت ذلك لهما ربي ، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
طب. عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم » (٢).
٣ ـ اللفظ الذي رواه أبو نعيم الاصبهاني عن زيد بن أرقم قال : « خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجاجا ، حتى إذا كنا بالجحفة بغدير خم ، صلّى الظهر ثم قام خطيبا ، فقال : يا أيها الناس هل تسمعون؟ اني رسول الله إليكم ، اني أوشك أن أدعى ، اني مسئول وأنتم مسؤلون ، اني مسئول هل بلغتكم ، وأنتم مسؤلون هل بلغتم ، فماذا أنتم قائلون؟ قال : قلنا يا رسول الله بلغت وجهدت. قال : اللهم اشهد وأنا من الشاهدين ، ألا هل تسمعون؟ اني رسول الله إليكم ، واني مخلف فيكم الثقلين فانظروا كيف
__________________
(١) الدر المنثور ٢ / ٦٠.
(٢) كنز العمال ١ / ١٦٨.
تخلفوني فيهما. قال : قلنا يا رسول الله وما الثقلان؟ قال : الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به لن تهلكوا وتضلوا والآخر عترتي ، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض » (١).
ج ـ الألفاظ المختصرة
بل هناك ألفاظ مختصرة رواها كبار علماء طائفته عن زيد بن أرقم نفسه ، فالعجب من ( الدهلوي ) لم لم يورد أحدها ، وأورد هذا اللفظ الظاهر عليه آثار القطع والاسقاط؟ وإليك بعض تلك الألفاظ :
الاول : اللفظ الذي أخرجه الترمذي حيث قال : « حدثنا علي بن المنذر الكوفي ، حدثنا محمد بن فضيل ، قال حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد ، والأعمش عن حبيب بن ابى ثابت عن زيد بن أرقم رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. قال هذا حديث حسن غريب » (٢).
الثاني : اللفظ الذي رواه الطبراني عن زيد بن أرقم ، فقد قال المتقى ما نصه : « انّي تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وانهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. حم طب. ص عن زيد بن ثابت.
طب ـ عن زيد بن أرقم » (٣).
الثالث : اللفظ الذي رواه الديلمي قائلا : زيد بن أرقم : انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيكم منه حبل ، من أتبعه كان على الهدى ومن
__________________
(١) منقبة المطهرين ـ مخطوط.
(٢) الجامع الصحيح ٢ / ٢١٩.
(٣) كنز العمال ١ / ١٦٦.
ترك كان على الضلالة ، وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض. يعني الأخذ بهما ثقيل » (١).
٣ ـ تفرد الدهلوي بنقل لفظ الحديث كما نقله
ان اللفظ الذي حكاه ( الدهلوي ) لهذا الحديث لفظ قد تفرد به ، ولم يأت عند أحد من أولئك الاعلام والحفاظ الكبار من رجالات طائفته ... أفلم يكن من المناسب أن يطبق ( الدهلوي ) اللفظ الذي نقله على بعض الألفاظ التي نقلها الاعلام من السنة؟!
وللتأكد من ذلك فعليك بمراجعة روايات : سعيد بن مسروق ( سنة ١٢٦ ) وابن حيان ( سنة ١٤٥ ) وسليمان الأعمش ( سنة ١٤٨ ) وابن إسحاق ( سنة ١٥١ ) وإسرائيل الكوفي ( سنة ١٦٠ ) وأبي عوانة ( سنة ١٧٦ ) وحسان الكرماني ( سنة ١٨٦ ) وجرير الضبي ( سنة ١٨٨ ) وابن علية ( سنة ١٩٣ ) ومحمد بن فضيل الضبي ( سنة ١٩٥ ).
وأسود بن عامر الشامي ( سنة ٢٠٨ ) ويحيى بن حماد الشيباني ( سنة ٢١٥ ) وخلف بن سالم ( سنة ٢٣١ ) وزهير بن حرب النسائي ( سنة ٢٣٤ ) وشجاع بن مخلد الفلاس ( سنة ٢٣٥ ) ومحمد بن بكار وابن راهويه ( سنة ٢٣٨ ) وابن بقية الواسطي ( سنة ٢٣٩ ) وأحمد بن حنبل ( سنة ٢٤١ ) ومحمد بن المثنى ( سنة ٢٥٢ ) والدارمي ( سنة ٢٥٥ ) وعلي بن المنذر الكوفي ( سنة ٢٥٦ ) ومسلم بن الحجاج ( سنة ٢٦١ ) وابن ماجة ( سنة ٢٧٣ ) وسليمان السجستاني ( سنة ٢٧٥ ) والرقاشي ( سنة ٢٧٦ ) والترمذي ( سنة ٢٧٩ ) وعبد الله بن أحمد ( سنة ٢٩٠ ) وأبي نصر أحمد ابن سهل القباني ( سنة ٢٩٢ ).
والنسائي ( سنة ٣٠٣ ) والطبري ( سنة ٣١٠ ) وابن خزيمة ( سنة ٣١١ ) وأبى بكر الباغندي ( سنة ٣١٢ ) وأبى عوانة ( سنة ٣١٦ ) وابن الأنباري ( سنة
__________________
(١) فردوس الاخبار ١ / ٩٨ عن أبي سعيد الخدري قريب منه.
٣٢٨ ) والطبراني ( سنة ٣٦٠ ) والقطيعي ( سنة ٣٦٨ ) ومحمد بن المظفر البغدادي ( سنة ٣٧٩ ).
والحاكم ( سنة ٤٠٥ ) وأبي نعيم ( سنة ٤٣٠ ) والبيهقي ( سنة ٤٥٨ ) وأبى الحسن الجلابي ( سنة ٤٨٣ ) والحميدي ( سنة ٤٨٨ ).
وأبى علي البيهقي ( سنة ٥٠٧ ) وشيرويه الديلمي ( سنة ٥٠٩ ) والبغوي ( سنة ٥١٦ ) ورزين ( سنة ٥٣٥ ) والعاصمي والخوارزمي ( سنة ٥٦٨ ) وابن عساكر ( سنة ٥٧١ ).
والفرغاني ومبارك بن الأثير (٦٠٦) وعلي بن محمد ابن الأثير ( سنة ٦٣٠ ) وابن النجار ( سنة ٦٤٣ ) والصغاني ( سنة ٦٥٠ ) وابن طلحة ( سنة ٦٥٢ ) وسبط ابن الجوزي ( سنة ٦٥٤ ) والكنجي ( سنة ٦٥٨ ) والنووي ( سنة ٦٧٦ ) وأحمد بن عبد الله الطبري ( سنة ٦٩٤ ).
والحموئي ( سنة ٧٢٢ ) والخازن ( سنة ٧٤١ ) وفخر الدين الهانسوي والخطيب التبريزي والمزي ( سنة ٧٤٢ ) والطيبي ( سنة ٧٤٣ ) والخلخالي ( سنة ٧٤٥ ) والذهبي ( سنة ٧٤٨ ) والزرندي ( سنة ٧٥٠ ) والكازروني ( سنة ٧٥٧ ) وابن كثير ( سنة ٧٧٤ ).
وحميد المحلي ومحمد الحافظي ( سنة ٨٢٢ ) والدولت آبادي ( سنة ٨٤٩ ) ونور الدين علي المكي ( سنة ٨٥٥ ).
والسخاوي ( سنة ٩٠٢ ) والجلال السيوطي ( سنة ٩١١ ) والسمهودي ( سنة ٩١١ ) والقسطلاني ( سنة ٩٢٣ ) والعلقمي ( سنة ٩٤٩ ) وعبد الوهاب البخاري ( سنة ٩٣٢ ) والشربينى الخطيب وابن حجر الهيثمي المكي ( سنة ٩٧٣ ) وعلي المتقى ( سنة ٩٧٥ ) وميرزا مخدوم الجرجاني ( سنة ٩٨٨ ).
وكمال الدين الجهرمي وعلي القاري ( سنة ١٠١٤ ) وعبد الرءوف المناوي ( سنة ١٠٣١ ) وابن باكثير ( سنة ١٠٤٧ ) والشيخاني وعبد الحق الدهلوي ( سنة ١٠٥٢ ) والخفاجي ( سنة ١٠٦٩ ) والعزيزي ( سنة ١٠٧٠ ) والزرقاني ( سنة ١٠٢٢ ) وحسام الدين الهارنپورى والبدخشاني ومحمد صدر
عالم وولي الله الدهلوي ( سنة ١٠٦٢ ).
والصغاني ( سنة ١١٨٢ ).
والصبان والعجيلي ومحمد مبين اللكهنوي ( سنة ١٢٢٥ ) والمحدث اللكهنوي وولي الله اللكهنوي ( سنة ١٢٧٠ ).
ومحمد رشيد الدهلوي والعدوي والقندوزي وصديق حسن.
وبالتالي تجد عدم مطابقة هذا اللفظ المذكور لواحد من ألفاظ حديث الثقلين في روايات هؤلاء الحفاظ والأئمة ، وهذا من عجائب الأمور.
دلالة حديث الثقلين
( على امامة أهل البيت : )
قوله : « وهذا الحديث لا علاقة له بالمدعى أصلا ، لأنه لا يلزم ان يكون المتمسك به صاحب الزعامة الكبرى ».
أقول : ان هذا الحديث يدل على ما يدعيه أهل الحق ، وإليك بيان ذلك في وجوه :
١ ـ مفاد الحديث وجوب الاتباع
ان هذا الحديث مفاده وجوب اتباع أهل البيت عليهمالسلام في جميع الأقوال والأفعال والاحكام والاعتقادات ، وظاهر ان هذا الشأن بهذه الحيثية لا يتصور الا لمن حاز الزعامة الكبرى ونال الامامة العظمى بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام ـ وهو سيد أهل البيت ـ هو الامام والخليفة ، وهو الذي يجب اقتداء الامة به بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واتباعها إياه واهتداؤها بهداه وأخذ الاحكام منه وإطاعة
أوامره ... وهذا ما صرح به كبار العلماء :
فقد قال الطيبي في شرح الحديث : « ومعنى التمسك بالقرآن العمل بما فيه ، وهو الائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه. والتمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم » (١).
وقال التفتازاني بعد أن ذكر الحديث : « ألا ترى أنه عليهالسلام قرنهم بكتاب الله تعالى في كون التمسك بهما منقذا عن الضلالة ، ولا معنى للتمسك بالكتاب الا الأخذ بما فيه من العلم والهداية ، فكذا في العترة » (٢).
وقال ابن حجر بعد الحديث : « تنبيه : سمى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القرآن وعترته ـ وهي بالمثناة الفوقية : الأهل والنسل والرهط الأدنون ـ ثقلين : لان الثقل كل نفيس خطير مصون ، وهذان كذلك ، إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العلية والاحكام الشرعية ، ولذا حث صلّى الله عليه وسلّم على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم ... » (٣).
وبمثل ذلك صرح كل من : القاري في ( شرح الشفاء ٣ / ٤١٠ هامش نسيم الرياض ) والمناوي في ( فيض القدير ٣ / ١٤ ) والعزيزي في ( السراج المنير ٢ / ٥١ ) والشهاب الخفاجي في ( نسيم الرياض ٣ / ٤١٠ ) والزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ٧ / ٧ ) وغيرهم ، وقد تقدمت كلماتهم في ( قسم السند ).
وقال علي بن سليمان الشاذلي في شرح الحديث : « أي ان عملتم بما فيه ائتمارا بأوامره وانتهاء عن نواهيه ، وأحببتم عترتي واهتديتم بهداهم وسيرتهم ، فيه إشارة الى انهما كتوأمين خليفتين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم » (٤).
__________________
(١) الكاشف ـ مخطوط.
(٢) شرح المقاصد ٢ / ٢٢٢.
(٣) الصواعق المحرقة : ٩٠.
(٤) نفع قوت المغتذى ٢ / ٢٢٠.
٢ ـ اتباع اهل البيت كاتباع النبي
ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جعل اتباع أهل بيته والاقتداء بهم كاتباع القرآن والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه في الوجوب واللزوم.
ولقد أتم صلىاللهعليهوآلهوسلم الحجة في ذلك بأكمل وجه ، ومن الواضح ان من كان الاقتداء به بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كالاقتداء بالقرآن لا يكون الا خليفة واماما ، فظهر بذلك : ان أهل البيت هم خلفاؤه وليس غيرهم ، إذ لا يمكن جعل احكام وأفعال غيرهم كأحكام القرآن في وجوب الاطاعة والامتثال ، هذا بالاضافة الى أنه لم يقل به أحد من المسلمين مطلقا.
فتعين بهذا البيان ان خلفاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هم أهل بيته وليس سواهم من سائر الناس ، فإنهم أمروا باتباع أهل البيت عليهمالسلام.
قال محمد مبين اللكهنوي في ( وسيلة النجاة ) : « أي : اخشوا الله واحفظوا حقوقهم واتخذوا طاعتهم ومحبتهم شعارا لكم ، فكما أن امتثال احكام كتاب الله فرض فكذلك إطاعة أهل البيت والانقياد لأوامرهم بالجوارح والأركان ومحبتهم ورسوخ العقيدة بهم في القلب واجب وفرض ».
وقال السندي بعد كلام له : « فنظرنا فإذا هو مصرح بالتمسك بهم ، وبأن تباعهم كتباع القرآن على الحق الواضح ، وبأن ذلك أمر متحتم من الله تعالى لهم ، ولا يطرأ عليهم في ذلك ما يخالفه حتى الورود على الحوض وإذا فيه حث بالتمسك فيهما بعد الحث على وجه أبلغ ... » (١)
وقال رشيد الدين الدهلوي في ( إيضاح لطافة المقال ) في كلام له : « هل يجوز عاقل ان أهل السنة مع تشبثهم بالثقلين وايجابهم ـ بحكم حديث انى تارك فيكم الثقلين ـ التمسك بالعترة الطاهرة كوجوب التمسك بالقرآن ... ».
__________________
(١) دراسات اللبيب ٢٣٢.
٣ ـ اتباع اهل البيت فرض على الامة
ان مفاد قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي » هو وجوب اتباع أهل البيت عليهمالسلام ، فانه صلىاللهعليهوآلهوسلم فرض على الامة ذلك لئلا يضلوا بعده وينقلبوا على أعقابهم خاسرين ، ولا ريب ان فرض الاتباع بهم دليل متين وبرهان رضين على إمامتهم وخلافتهم ، ولذلك فإنهم ضلوا وتاهوا عند ما لم يسلموا اهل البيت عليهمالسلام الخلافة والامامة ، مخالفين للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، منقلبين على أعقابهم كما يقول الله عز وجل.
قال المناوى في شرحه : « وفي هذا مع قوله أو لا « انّى تارك فيكم » تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما وايثار حقهما على أنفسهم والاستمساك بهما في الدين ... » (١)
وبمثله قال الزرقانى ثم قال : « وأكد تلك الوصية وقواها بقوله : فانظروا بما تخلفوني فيهما بعد وفاتي ، هل تتبعونهما فتسرونى أولا فتسيئوني » (٢).
وقال القاري في شرحه : « قال ابن الملك : التمسك بالكتاب العمل بما فيه وهو الائتمار بأوامر الله والانتهاء بنواهيه ، ومعنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهداهم وسيرتهم ... » (٣).
وبمثله قال السهارنپوري في ( المرافض ).
وقد صرح بما ذكر من دلالة حديث الثقلين الشيخ ثناء الله پانى پتى في خاتمة كتابه ( سيف مسلول ) بعد اثبات امامة الأئمة الاثني عشرية بالكشف والإلهام فقال : « ويمكننا استنباط هذا المدعى من كتاب الله وسنة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ايضا ، قال الله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ). وجه الاستنباط هو : ان الأنبياء السابقين كانوا يقولون :
__________________
(١) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ٢ / ١٧٤.
(٢) شرح المواهب اللدنية ٧ / ٥.
(٣) المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٦٠٠.
لا أسألكم عليه أجرا ان اجري الا على الله ، فلم يسألوهم أجرا أبدا ، وما الحكمة في سؤال نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك بخلاف أولئك الأنبياء؟ الحكمة هي ان شرائع أولئك الأنبياء منسوخة بعد وفاتهم ، ولكن هذه الشريعة مؤبدة ، فيلزم على الامة الرجوع ـ بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ الى نائبه ، فلهذا دلهم النبي شفقة منه عليهم الى محبة آله ، وأشار الى التمسك بأذيالهم لان الوارثون النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبواب العلوم ، ولهذا قال عليهالسلام : تركت فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي الحديث ، وقال عليهالسلام : انا مدينة العلم وعلي بابها ... ».
٤ ـ لفظ « الثقلين » دليل على وجوب الاتباع
لقد عبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذا الحديث عن كتاب الله وعترته عليهالسلام بـ « الثقلين » وهذا ـ بمجرده ـ دليل واضح وبرهان لائح على وجوب اتباع أهل البيت والعترة الطاهرة ، وذلك لقول الكثيرين من أئمة أبناء السنة الحفاظ في وجه هذه التسمية وهذا التعبير : ان العمل والأخذ بهما والانقياد لهما والمحافظة على حقوقهما ورعايتها وما يجب لهما ثقيل.
وممن نص على ذلك : الأزهري في ( تهذيب اللغة ) والنووي في ( المنهاج ) والمجد ابن الأثير في ( جامع الأصول ) و ( النهاية ) والديلمي في ( فردوس الاخبار ) والطيبي في ( الكاشف ) والشريف الجرجاني في ( الحاشية على المشكاة ) وابن خلفة في ( الإكمال ) والسنوسى في ( مكمل الإكمال ) والسيوطي في ( النثير ) والشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) ومحمد طاهر الفتنى في ( مجمع البحار ) وابن حجر في ( الصواعق ) والميرزا مخدوم في ( النواقض ) والشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات ) و ( أشعة اللمعات ) والزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ) والزبيدي في ( تاج العروس ) وابن منظور في ( لسان العرب ) وآخرون ... وقد تقدمت نصوص عباراتهم في ( قسم السند ).
وظاهر : ان الأخذ والعمل بأحكام القرآن فرض ، فكذلك العترة ، وهذا هو المطلوب.
٥ ـ الأمر بالاعتصام دليل على وجوب الاتباع
لقد جاء هذا الحديث بلفظ « اني تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي ان اعتصمتم به كتاب الله وعترتي ». أخرجه ابن أبي شيبة في ( المصنف ) والخطيب في ( المفترق والمتفق ) كما قال الميرزا محمد البدخشانى : « وأخرجه ابن أبى شيبة والخطيب في المتفق والمفترق عنه ـ اي عن جابر ـ بلفظ : انّى تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي ان اعتصمتم به : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » (١).
وهذا أيضا يدل على وجوب اتباع أهل البيت عليهمالسلام ، لان الاعتصام مرادف للتمسك ، فقد قال المفسرون ـ كالطبرى والثعلبي والواحدي والبغوي والرازي والبيضاوي والخازن والنيسابوري والسيوطي ـ في تفسير قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) « اي تمسكوا » وبتفسير قوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) أي « ومن يستمسك ».
وهكذا قال اللغويون أيضا ـ كالراغب في ( المفردات ) وابن الأثير في ( النهاية ) وابن منظور في ( لسان العرب ) والسيوطي في ( النثير ) والزبيدي في ( تاج العروس ) في معنى ( الاعتصام ) فقالوا : « أي الاستمساك » أو « الامتساك بالشيء ».
هذا ، وكما ثبت وجوب الاعتصام بأهل البيت عليهمالسلام بالحديث الشريف كذلك ثبت بالقرآن الكريم حيث قال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) إذ جاء في التفسير عن النبي وأهل بيته الطاهرين عليهم الصلاة
__________________
(١) مفتاح النجا ـ مخطوط.
والسّلام : ان المراد بالحبل « أهل البيت ». فقد قال الثعلبي في تفسير الآية ما نصه : ـ
« أخبرنى عبد الله بن محمد بن عبد الله ، نا محمد بن عثمان ، نا محمد ابن الحسين بن صالح ، أنا علي بن العباس المقانعي ، نا جعفر بن محمد قال : نحن حبل الله الذي قال : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١).
وقال ابو نعيم الاصبهانى : « حدثنا محمد بن عمر بن سالم ، قال حدثنا أحمد بن زياد بن عجلان قال حدثنا جعفر ابن علي بن نجيح قال حدثنا حسن ابن حسين العرني قال حدثنا أبو حفص الصائغ قال : سمعت جعفر بن محمد يقول في قوله عز وجل : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) قال : نحن حبل الله » (٢).
ولقد فسر العز عبد الرزاق بن رزق الله المحدث هذه الآية على هذا النهج ، فقد جاء في كتاب ( كشف الغمة ) : « قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) قال العجز المحدث : حبل الله علي واهل بيته عليهمالسلام » (٣).
وأما رواية الثعلبي المتقدمة فقد أوردها عنه جماعة ـ منهم : ابن حجر في ( الصواعق ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ـ مخطوط ) والميرزا محمد البدخشانى في ( مفتاح النجا ـ مخطوط ) والصبان في ( اسعاف الراغبين ١٠٩ ) ومحمد مبين اللكهنوي في ( مرآة المؤمنين ـ مخطوط ) عن ( الصواعق ).
وقال الشيخاني القادري بعد أن ذكر طرق حديث الثقلين : « وكان جعفر بن محمد يقول في تفسير قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) نحن حبل الله ، فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا » (٤).
__________________
(١) تفسير الثعلبي ـ مخطوط.
(٢) ما نزل من القرآن في على ـ مخطوط.
(٣) كشف الغمة في معرفة الأئمة ١ / ٣١١.
(٤) الصراط السوى ـ مخطوط.
وقال الشيخ سليمان القندوزي : « تفسير( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) : أخرج الثعلبي بسنده عن أبان بن تغلب عن جعفر الصادق رضياللهعنه قال : نحن حبل الله الذي قال الله عز وجل : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ).
وأيضا : أخرج صاحب كتاب المناقب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنا عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء أعرابي فقال : يا رسول الله سمعتك تقول واعتصموا بحبل الله ، فما حبل الله الذي نعتصم به؟ فضرب النبي صلّى الله عليه وسلّم يده في يد علي وقال تمسكوا بهذا هو حبل الله المتين » (١).
والجدير بالذكر هنا : انه قد فسر الشافعي « حبل الله » بولاء أهل البيت عليهالسلام معلنا ذلك في أبيات نظمها ، فقد قال العجيلى عند الكلام على شهادة الأئمة الأربعة بفضل أهل البيت عليهمالسلام : « وأما شهادة الأئمة الأربعة ، فمن كلام الامام الشافعي :
ولما رأيت الناس
قد ذهبت بهم |
|
مذاهبهم في أبحر
الغي والجهل |
ركبت على اسم
الله في سفن النجا |
|
وهم آل بيت
المصطفى خاتم الرسل |
وأمسكت حبل الله
وهو ولاؤهم |
|
كما قد أمرنا
بالتمسك بالحبل » |
الى آخر الأبيات (٢).
والجدير بالذكر أيضا : ان بعضهم فسرّ ( الحبل ) في قوله عز وجل : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) بالعترة الطاهرة ، استنادا الى حديث الثقلين ، وأورد الحديث بلفظ يدل بصراحة على كونهم الحبل الذي أمر الله تعالى بالاعتصام به.
فقد قال السيد محمد الطالقاني ـ خليفة السيد علي الهمداني ـ في رسالة ( قيافه نامه ) على ما نقل عنه مجد الدين البدخشاني في كتابه ( جامع
__________________
(١) ينابيع المودة ١١٩.
(٢) ذخيرة المآل ـ مخطوط.
السلاسل ) بترجمة السيد علي الهمداني ، في مقام تفسير الآية المذكورة : « وقال البعض : ان حبل الله عترة رسول الله ، كما قال عليهالسلام : انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، ألا فتمسكوا بهما فإنهما حبلان لا ينقطعان الى يوم القيامة ».
وسيأتي أن بدر الدين محمود الرومي جعل في شرح قول البوصيرى :
« دعا الى الله فالمستمسكون به |
|
مستمسكون بحبل
غير منفصم » |
كتاب الله وعترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السبب الموصل الى رضوان الله ، ثم ذكر حديث الثقلين.
أضف الى ذلك : أن بعض علماء أبناء السنة قد أوردوا حديث الثقلين مع الآية : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ... ) وذلك في صدد اثبات وجوب التمسك بأهل البيت عليهمالسلام ، كنور الدين السمهودي وقد مرّ ، وأحمد العجيلي حيث قال : « والزم بحبل الله ثم اعتصم ، قال الله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) ، وقال صلّى الله عليه وسلّم : انّي تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ... » (١).
٦ ـ لفظ « الأخذ » في الحديث دليل على وجوب الاتباع
ان من ألفاظ حديث الثقلين قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « انّي تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي » وهو أيضا يفيد وجوب اتباع أهل البيت عليهمالسلام.
وقد روى هذا اللفظ جماعة من كبار أئمة أبناء السنة منهم : الترمذي في ( الصحيح ) وأحمد في ( المسند ) وابن راهويه في ( المسند ) وابن سعد في ( الطبقات ) والنسائي في ( الصحيح ) وابو يعلى في ( المسند ) والطبراني في
__________________
(١) ذخيرة المآل ـ مخطوط.
( المعجم الكبير ) والبغوي في ( المصابيح ) وابن الأثير في ( جامع الأصول ) والقاضي عياض في ( الشفاء ) ... كما لا يخفى على من راجع ( قسم السند ).
ومن المعلوم ان الأخذ معناه الاقتداء والعمل ، كالتمسك والاعتصام : ـ قال القاري : « والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم » (١).
وقال الشهاب الخفاجي : « وقال صلّى الله عليه وسلّم : « ما ان أخذتم به » أي تمسكتم وعملتم واتبعتموه ... » (٢).
هذا وبمثل ما ذكرنا من معنى لفظ « الأخذ » ودلالته صرح الصديق حسن في ( السراج الوهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ) بشرح حديث زيد بن أرقم ، قال : « ومسألة تحريم الزكاة على أهل البيت لها موضع غير هذا الموضع ، والمقصود هنا بيان فضيلتهم وأنهم قسيم كتاب الله في التعظيم والإكرام وفي التسمية بالثقل ، وأنه لا بد من الأخذ بهما فإنهما لا يفترقان حتى يردا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحوض ».
وهكذا صرح السندي بشرح حديث زيد أيضا ، قال : « فحملنا قوله « أذكركم الله » على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم والردع عن عدم الاعتداد بأقوالهم وأعمالهم وأحوالهم وفتياهم وعدم الأخذ بمذهبهم » (٣).
٧ ـ لفظ « الاتباع » في بعض نصوص الحديث
لقد بين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله « لن تضلوا ان اتبعتموهما » وجوب اتباع أهل البيت عليهمالسلام ، وأنه مانع عن الضلال الى يوم القيامة وهذا المعنى يلازم الامامة الحقة والخلافة الشرعية.
__________________
(١) المرقاة ٥ / ٦٠٠.
(٢) نسيم الرياض ٣ / ٤١٠.
(٣) دراسات اللبيب ٢٣٢.
ولقد جاء حديث الثقلين بهذا اللفظ لدى جماعة من كبار محدثي أبناء السنة منهم : الحاكم في ( المستدرك ٣ / ١٠٩ ) وابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) بتفسير قوله تعالى : « وقفوهم انهم مسئولون » ووالد الدهلوي في ( إزالة الخفا ) والشيخ سليمان القندوزي في ( ينابيع المودة ٣٥ ، ٣٧ ، ٢٩٦ ).
٨ ـ التكرار في الحديث دليل على وجوب اتباع أهل البيت
ان قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أذكركم الله في أهل بيتي » أمر للامة باطاعة أهل بيته عليه وعليهمالسلام ومتابعتهم والتمسك بهم ...
ولقد اعترف ـ والحمد لله تعالى ـ بهذا علماء أهل السنة ، فقد قال الشيخ حسين الكاشفي : « وفي تكرار هذا الكلام ثلاثا دليل واضح على وجوب تعظيم أهل البيت ومحبتهم ومتابعتهم » (١).
وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في بيان معنى هذا الكلام : « ولقد كرر هذه الكلمة للمبالغة والتوكيد ، وقد تقدم معنى « أهل البيت » ، وحمل هذا على جميع معانيه صحيح ، ولا سيما المعنى الأخير فان محبتهم وتعظيمهم ورعاية حقوقهم وآدابهم أقدم وأهم وأتم ، وهو الظاهر ، وهذه إشارة الى أخذ السنة ، كما أن الاول إشارة الى العمل بالكتاب ، وعلى هذا المعنى فان جميع المؤمنين مطيعون لأهل بيت النبي وآله » (٢).
وقال الزرقاني في شرحها : « قال الحكيم الترمذي : حض على التمسك بهم لان الأمر لهم معاينة ، فهم أبعد عن المحنة » (٣).
وبمثله صرح آخرون منهم : السندي في ( دراسات اللبيب ) ومحمد مبين اللكهنوي في ( وسيلة النجاة ) ....
__________________
(١) الرسالة العلية : ٣٠.
(٢) أشعة اللمعات في شرح المشكاة ٤ / ٦٧٧.
(٣) شرح المواهب اللدنية ٧ / ٥.
٩ ـ عدم افتراق القرآن والعترة دليل على وجوب الاتباع
لقد أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : « وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » الامة بالتمسك بأهل البيت عليهم الصلاة والسّلام.
وبهذا صرح جماعة من علمائهم ، فقد قال المناوي في ( فيض القدير ) بشرح العبارة : « وفي هذا مع قوله أولا : « انّي تارك فيكم » تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما وايثار حقهما على أنفسهم والاستمساك بهما في الدين ، أما الكتاب فلانه معدن للعلوم الدينية والحكم الشرعية وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق ، وأما العترة فلان العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين فطيب العنصر يؤدي الى حسن الأخلاق ، ومحاسنها تؤدي الى صفاء القلب ونزاهته وطهارته ».
وبمثله قال الزرقاني.
وقال الشهاب الدولت آبادي : « أي فيشهدان لمن كان محبا لهما وعلى من كان معاديا ، ومن أطاع أمري فيهما وتمسك بهما ومن ترك وخالف ».
وهكذا قال محمد مبين في ( وسيلة النجاة ) ...
١٠ ـ أمر النبي برعاية أهل البيت
قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما » دليل آخر على وجوب أتباع أهل البيت عليهمالسلام ، وقد صرح بذلك جماعة من علماء أبناء السنة :
فقد قال الشهاب الخفاجي في شرحه : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما » أي بعد وفاتي انظروا عملكم بكتاب الله واتباعكم لأهل بيتي ورعايتهم وبرهم بعدي ، فان ما يسرهم يسرني وما يسوؤهم يسؤني » (١).
وبمثله قال الزرقاني في ( شرح المواهب ).
__________________
(١) نسيم الرياض ٣ / ٤١٠.
وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي بشرحه : « أي كيف تتمسكون بهما من بعدي » (١).
وقال في ( اللمعات في شرح المشكاة ) بشرحه : « أي تأملوا وتفكروا كيف تكونون خلفائي بعدي عاملين متمسكين بهما ».
وقال الحسام السهارنپوري في ( المرافض ) : ... أي كيف عملكم وتمسككم بهما من بعدي.
وهكذا قال آخرون منهم كالشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) والسندي في ( دراسات اللبيب ).
١١ ـ القرآن وأهل البيت توأمان
ولو لم يقل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سوى « انّي تارك فيكم أمرين أحدهما كتاب الله والآخر أهل بيتي » لكفى دليلا على إمامتهم عليهم الصلاة والسّلام.
وذلك لان المتبادر منه : حكموا هذين الأمرين من بعدي واجعلوا أنفسكم محكومين لهما ، تابعين لهما ، منقادين إليهما ، لا أن تحكّموا الكتاب وتحكموا أهل البيت وتجعلوهم تابعين لكم .... فان هذا التفكيك الركيك لا يخطر ببال أحد أبدا ...
١٢ ـ حديث الثقلين في نقل أبى ذر
لقد روى الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضياللهعنه حديث الثقلين في لفظ يدل بوضوح على امامة أهل البيت عليهمالسلام ، فقد جاء في ( ينابيع المودة ) ما نصه : « أيضا : عن سليم بن قيس الهلالي ، قال بينا أنا وجيش [ حنش ظ ] بن المعتمر بمكة إذا قام أبو ذر وأخذ بحلقة باب الكعبة فقال : من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة أبو ذر فقال : أيها
__________________
(١) أشعة اللمعات ٤ / ٦٨١.
الناس اني سمعت نبيكم صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها هلك ، ويقول : مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له ، ويقول : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » (١).
فذكره رضياللهعنه حديث الثقلين بعد حديث السفينة وحديث باب حطة آخذا بحلقة باب الكعبة يدل على كمال أهمية هذه الأحاديث ، وعلى إفادة هذا الحديث « حديث الثقلين » .. كحديث السفينة وحديث باب حطة وجوب الانقياد التام لأهل البيت عليهمالسلام ، أمرا متحتما جازما من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا هو المطلوب.
والجدير بالذكر هنا : ان هذا الحديث ـ الذي يدل على وجوب اتباع أهل البيت عليهمالسلام ـ يدل على أحقية أمير المؤمنين عليهالسلام وتقدمه وامتيازه واختصاصه بذلك.
وقد اعترف بهذا علماء أبناء السنة وذكروا الشواهد العديدة له : فقد قال السمهودي في تنبيهاته بعد حديث الثقلين : « رابعها : هذا الحث شامل للتمسك بمن سلف من أئمة أهل البيت والعترة الطاهرة والأخذ بهداهم ، وأحق من تمسك به منهم : امامهم وعالمهم علي بن أبي طالب رضياللهعنه في فضله وعلمه ودقائق مستنبطاته وفهمه وحسن شيمه ورسوخ قدمه ، ويشير الى هذا ما أخرجه الدارقطني في الفضائل عن معقل بن يسار قال : سمعت أبا بكر رضياللهعنه يقول : علي بن أبي طالب رضياللهعنه عترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أي الذين حث على التمسك بهم ، فخصه أبو بكر رضياللهعنه بذلك لما أشرنا اليه ، ولهذا خصه صلّى الله عليه وسلّم من بينهم يوم غدير خم بما سبق من قوله : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه
__________________
(١) ينابيع المودة ٢٨.