س ٤٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٥٦) [آل عمران : ٥٦]؟!
الجواب / أقول : الكافرون والمعارضون للحقّ والعدالة سيلاقون في الآخرة من العذاب الأليم مثل ما يلاقون في الدنيا ، ولن يكون لأيّ منهم حام ولا نصير.
س ٤٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (٥٧) [آل عمران : ٥٧]؟!
الجواب / أقول : من إشارة الآية السابقة إلى عذاب الدنيا نفهم أنّ الكافرين ـ وهم هنا اليهود ـ لا ينجون من العذاب. وهذا ما يؤكّده تاريخ اليهود ، ومن ذلك تفوّق الآخرين عليهم كما جاء في الآيات السابقة.
س ٤٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) (٥٨) [آل عمران : ٥٨]؟!
الجواب / أقول : بعد ذكر تاريخ المسيح وبعض ما جرى له ، يتّجه الخطاب إلى رسول الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم فيقول : كلّ هذا الذي سردناه عليك دلائل صدق لدعوتك ورسالتك ، وكان تذكيرا حكيما جاء بصورة آيات قرآنية نزلت عليك ، تبيّن الحقائق في بيان محكم وخال من كلّ هزل وباطل وخرافة.
س ٤٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٥٩) [آل عمران : ٥٩]؟!
الجواب / قال أبو عبد الله عليهالسلام : «أنّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان سيّدهم الأهتم والعاقب والسيّد ، وحضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس ، وصلّوا ، فقال أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا رسول الله ، هذا في مسجدك؟ فقال : دعوهم.
فلمّا فرغوا دنوا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقالوا : إلى ما تدعونا؟ فقال : إلى شهادة أن لا إله إلّا الله ، وإنّي رسول الله ، وأنّ عيسى عبد مخلوق ، يأكل ويشرب ويحدث.
قالوا : فمن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : قل لهم ، ما تقولون في آدم ، أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ فسألهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقالوا : نعم ، فقال : فمن أبوه؟ فبهتوا وبقوا ساكتين ، فأنزل الله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) إلى قوله : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)(١)(٢).
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فباهلوني ، فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم ، وإن كنت كاذبا نزلت عليّ.
فقالوا : أنصفت. فتواعدوا للمباهلة ، فلمّا رجعوا إلى منازلهم ، قال رؤساؤهم السيّد والعاقب والأهتم : إن باهلنا بقومه باهلناه ، فإنّه ليس بنبيّ ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة فلا نباهله فإنّه لا يقدم على أهل بيته إلّا وهو
__________________
(١) آل عمران : ٦١.
(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٠٤.
صادق ، فلمّا أصبحوا جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم). فقال النصارى : من هؤلاء؟ فقيل لهم : هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه علي بن أبي طالب ، وهذه ابنته فاطمة ، وهذان ابناه الحسن والحسين. ففرقوا ، فقالوا لرسول الله : نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة. فصالحهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على الجزية وانصرفوا» (١).
س ٤٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(٦٠) [آل عمران : ٦٠]؟!
الجواب / أقول : هذه الآية تؤكد الموضوع وتقول : إنّ ما أنزلنا عليك بشأن المسيح أمر حقيقي من الله ولا يعتوره الشكّ ، فلا تتردّد في قبوله.
في تفسير (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) للمفسّرين رأيان :
١ ـ إنّ الجملة مبتدأ وخبر ، وبذلك يكون المعنى : الحق دائما من ربّك ، وذلك لأنّ الحقّ هو الحقيقة ، والحقيقة هو الوجود ، وكلّ وجود ناشىء من وجوده ، لذلك فكلّ باطل عدم ، والعدم غريب على ذاته.
٢ ـ إنّ الجملة خبر لمبتدأ محذوف تقديره «تلك الأخبار». أي تلك الأخبار التي أنزلناها عليك حقائق من الله. وكلّ من التفسيرين ينسجم مع الآية.
س ٥٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (٦١) [آل عمران : ٦١]؟!
الجواب / قال الإمام موسى الكاظم عليهالسلام : «اجتمعت الأمّة برّها
__________________
(١) الاختصاص : ٥٦.
وفاجرها أنّ حديث النّجرانيّ حين دعاه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلّا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، فقال الله تبارك وتعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) فكان تأويل أبناءنا الحسن والحسين ، ونسائنا فاطمة ، وأنفسنا علي بن أبي طالب عليهالسلام» (١).
أقول : وقد مر ذكر تفسير هذه الآية في الآية رقم (٥٩) من هذه السورة.
س ٥١ : وما هو معنى المباهلة في الآية السابقة؟!
الجواب / المفهوم المستفاد من الآية هو تبادل اللعن ، وذلك بأن يجتمع المتجادلون في أمر ديني في مكان مّا ويتضّرعون إلى الله أن يفضح الكاذب وينزل عقابه به.
س ٥٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٦٢) [آل عمران : ٦٢]؟!
الجواب / تقول هذه الآية ـ بعد شرح حياة المسيح عليهالسلام ـ إنّ ما قصصناه عليك من قصة عيسى حقيقة أنزلها الله عليك وعليه ، فإنّ المزاعم الباطلة القائلة بألوهية المسيح ، أو اعتباره ابن الله ، أو بعكس ذلك باعتباره لقيطا ، كلّها خرافات باطلة.
ثم تضيف للتوكيد : إنّ الذي يليق للعبادة هو الله (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وحده ، وأن اتّخاذ معبود آخر دونه عمل بعيد عن الحقّ والحقيقة.
__________________
(١) نهج البيان : ج ١ ، ص ٧٠ (مخطوط).
س ٥٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) (٦٣) [آل عمران : ٦٣]؟!
الجواب / تقول الآية : إذا لم يستسلم هؤلاء للحق بعد الاستدلالات المنطقية في القرآن بشأن المسيح عليهالسلام ، وكذلك إذا لم يخضعوا للمباهلة واستمرّوا في عنادهم وتعصّبهم ، فذلك دليل على أنّهم ليسوا طلاب حقّ ، بل هم مقيّدون بأغلال تعصّبهم المجحف ، وأهوائهم الجامحة ، وتقاليدهم المتحجّرة ، وبذلك يكونون من المفسدين في المجتمع ....
س ٥٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٦٤) [آل عمران : ٦٤]؟!
الجواب / قال الإمام الصادق عليهالسلام : «أنّ الكلمة ها هنا هي شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنّ عيسى عبد الله ، وأنه مخلوق كآدم» (١).
__________________
(١) أقول : كان المسيحيون يقولون إن نبيّ الله إبراهيم عليهالسلام منهم وإنّه مسيحي. وكان اليهود يقولون إنّه منهم وإنّه يدين باليهودية.
هذه الأية تردّ عليهم مزاعمهم ، وتقول : إنّ جدلكم بشأن إبراهيم النبيّ المجاهد في سبيل الله جدل عقيم ، لأنّه كان قبل موسى والمسيح بسنوان كثيرة ، والتوراة والإنجيل نزلا بعده بسنوات كثيرة (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) أيعقل أن يدين نبيّ سابق بدين لا حق؟ (أَفَلا تَعْقِلُونَ).
س ٥٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٥) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٦٦) [آل عمران : ٦٥ ـ ٦٦]؟!
الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) ثم قال : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) أي أنتم يا هؤلاء (حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) يعني بما في التوراة والإنجيل (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) يعني بما في صحف إبراهيم (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ...)(١).
س ٥٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٦٧) [آل عمران : ٦٧]؟!
الجواب / قال أبو عبد الله عليهالسلام : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) لا يهوديا يصلي إلى المغرب ولا نصرانيّا يصلّي إلى المشرق (وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) يقول : كان على دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم» (٢).
س ٥٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (٦٨) [آل عمران : ٦٨]؟!
الجواب / قال أبو عبد الله عليهالسلام : «علي والله على دين إبراهيم
__________________
(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٠٥.
(٢) تفسير العيّاشي : ١ : ١٧٧ / ٦٠.
ومنهاجه ، وأنتم أولى الناس به» (١).
وقال علي بن أبي طالب عليهالسلام : «إنّ أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به» ثمّ تلا : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) الآية ، ثمّ قال : «إن وليّ محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم من أطاع الله وإن بعدت لحمته ، وإنّ عدوّ محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم من عصى الله وإن قربت قرابته» (٢).
س ٥٨ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ)(٦٩) [آل عمران : ٦٩]؟!
الجواب / أقول : يقول بعض المفسّرين إنّ فريقا من اليهود سعوا أن يستميلوا إلى اليهودية بعض الشخصيات الإسلامية المجاهدة ، «معاذ» و «عمّار» وغيرهما مستعينين بالوساوس الشيطانية وغير ذلك. فنزلت هذه الآية تنذر المسلمين ممّا يبيت لهم اليهود (٣).
س ٥٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (٧٠) [آل عمران : ٧٠]؟!
الجواب / السؤال هنا موجّه إلى أهل الكتاب عمّا يدعوهم إلى العناد واللجاجة والإصرار عليهما بعد أن قرأوا علامات نبيّ الإسلام في التوراة والإنجيل ويعلمون ما فيهما ، فلماذا ينكرونها؟.
__________________
(١) تفسير العيّاشي : ١ : ١٧٨ / ٦٣.
(٢) ربيع الأبرار : ج ٣ ، ص ٥٦٠.
(٣) الأمثل : ج ٢ ، ص ٤١٣.
س ٦٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٧١) [آل عمران : ٧١]؟!
الجواب / قال علي بن إبراهيم : أي تعلمون ما في التوراة من صفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتكتمونه (١).
س ٦١ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٧٢) [آل عمران : ٧٢]؟!
الجواب / قال الإمام الباقر عليهالسلام ـ في هذه الآية ـ : «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا قدم المدينة وهو يصلّي نحو بيت المقدس ، أعجب ذلك اليهود ، فلمّا صرفه الله عن بيت المقدس إلى البيت الحرام وجدت ـ أي غضبت ـ اليهود من ذلك ، وكان صرف القبلة صلاة الظهر ، فقالوا : صلّى محمّد الغداة واستقبل قبلتنا ، فآمنوا بالذي أنزل على محمّد وجه النهار ، وأكفروا آخره ، يعنون القبلة حين استقبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المسجد الحرام (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إلى قبلتنا» (٢).
س ٦٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٧٣) [آل عمران : ٧٣]؟!
الجواب / ١ ـ أقول : قوله : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ).
__________________
(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٠٥.
(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٠٥.
كانت خطة اليهود تقضي أن يكون إيمانهم بالإسلام ظاهريا ، وأن يبقى ارتباطهم باتّباع دينهم. يستفاد من بعض الروايات أن يهود خيبر أوصوا يهود المدينة بذلك لئلّا يقع القريبون من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تحت تأثيره فيؤمنوا به حقّا ، لأنّهم كانوا يعتقدون أنّ النبوّة يجب أن تكون في العنصر اليهودي ، فإذا ظهر نبيّ فلا بدّ أن يكون يهوديا.
يرى بعض المفسّرين أنّ جملة «لا تؤمنوا» من الإيمان الذي يعني «الوثوق والاطمئنان» كما هو أصل الكلمة اللغوي. وبناءا على ذلك يكون المعنى : هذه المؤامرة يجب أن تبقى مكتومة وسريّة ، وأن لا يعلم بها أحد من غير اليهود ، حتى المشركين ، لئلا تنكشف وتحبط ، ففضح الله هذه المؤامرة في هذه الآيات وفضحهم ، ليكون ذلك درس عبرة للمؤمنين ، ودرس هداية للمعاندين.
٢ ـ (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ).
هذه جملة معترضة ، يقولها الله ، ضمن كلام على لسان اليهود في ما قبلها وما بعدها من الآيات. في هذه الآية التي تقع بين كلام اليهود ، يردّ الله عليهم ردّا قصيرا ولكنه عميق المعنى :
فأولا : الهداية مصدرها الله ، ولا تختص بعنصر أو قوم بذاته ، فلا ضرورة في أن يجيء النبيّ من اليهود فقط.
وثانيا : إنّ الذين شملهم الله بهدايته الواسعة لا تزعزعهم هذه المؤامرات ولا تؤثّر فيهم هذه الخطط.
٣ ـ (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ).
هذه الآية استمرار لأقوال اليهود ، بتقدير عبارة «ولا تصدّقوا» قبلها.
وعلى ذلك يصبح معنى الآية هكذا : «لا تصدّقوا أن ينال أحد ما نلتم
من الفخر وما نزل عليكم من الكتب السماوية ، وكذلك لا تصدّقوا أن يستطيع أحد أن يجادلكم يوم القيامة أمام الله ويدينكم ، لأنكم خير عنصر وقوم في العالم ، وأنتم أصحاب النبوّة والعقل والعلم والمنطق والاستدلال!».
بهذا المنطق الواهي كان اليهود يسعون لنيل ميزة يتميّزون بها ، من حيث علاقتهم بالله ، ومن حيث العلم والمنطق والاستدلال ، على الأقوام الأخرى ، لذلك يردّهم الله في الآية التالية بقوله :
٤ ـ (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).
أي : قل لهم إنّ المواهب والنعم ، سواء أكانت النبوّة والاستدلالات العقلية المنطقية ، أم المفاخر الأخرى ، هي جميعا من الله ، يسبغها على من يشاء من المؤهّلين اللائقين الجديرين بها. إنّ أحدا لم يأخذ عليه عهدا ووعدا ، ولا لأحد قرابة معه ، إنّ وجوده وعفوه واسعان ، وهو عليم بمن يستحقّهما.
س ٦٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٧٤) [آل عمران : ٧٤]؟!
الجواب / قال السيد الطباطبائي : فلما كان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وكان واسعا عليما أمكن أن يختص بعض عباده ببعض نعمه فإن له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء وليس إذا لم يكن ممنوع التصرف في فضله وإتيانه عباده أن يجب عليه أن يؤتي كل فضله كل أحد فإن هذا أيضا نوع ممنوعية في التصرف بل له أن يختص بفضله من يشاء.
وقد ختم الكلام بقوله والله ذو الفضل العظيم وهو بمنزلة التعليل لجميع المعاني السابقة فإن لازم عظمة الفضل على الإطلاق أن يكون بيده يؤتيه من يشاء وأن يكون واسعا في فضله وأن يكون عليما بحال عباده وما هو اللائق
بحالهم من الفضل وأن يكون له أن يختص بفضله من يشاء.
وفي تبديل الفضل بالرحمة في قوله يختص برحمته من يشاء دلالة على أن الفضل وهو العطية غير الواجبة من شعب الرحمة ، قال تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(١) ، وقال (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً)(٢) ، وقال تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ)(٣)(٤)
س ٦٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥) [آل عمران : ٧٥]؟!
الجواب / أقول : نزلت هذه الآية بشأن يهوديّين أحدهما أمين وصادق ، والآخر خائن منحط. الأوّل هو «عبد الله بن سلام» الذي أودع عنده رجل ١٢٠٠ أوقية (٥) من الذهب أمانة. ثم عند ما استعادها ردّها إليه. والله يثني عليه في هذه الآية لأمانته. واليهوديّ الثاني هو «فنحاص بن عازورا» ، ائتمنه رجل من قريش بدينار ، فخانه فيه. والله يذمّه في هذه الآية لخيانته الأمانة.
وقيل : إنّ القسم الأول من الآية يقصد جمعا من النصارى ، وأمّا الذين
__________________
(١) الأعراف : ١٥٦.
(٢) النور : ٢١.
(٣) الإسراء : ١٠٠.
(٤) تفسير الميزان : ج ٣ ، ص ٢٦٠ السيط الطباطبائي.
(٥) الأوقية تساوي (١ / ١٢) من الرطل ويساوي (٧) مثاقيل ، جمعها : أواق.
خانوا الأمانة فهم جمع من اليهود. وقد تشير الآية إلى الحالتين ، إذ أنّنا نعلم أن الآيات ـ وإن كان لبعضها سبب نزول خاص ـ لها طابع عامّ وسبب النزول لا يخصّصها (١).
وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ـ إلى قوله تعالى ـ (فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) : فإنّ اليهود قالوا : يحلّ لنا أن نأخذ مال الأميّين. والأميّون : الذين ليس معهم كتاب ، فردّ الله عليهم فقال : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٢).
س ٦٥ : ما هو معنى «القنطار» في الآية السابقة؟!
الجواب / القنطار : هو الشيء المحكم ، ثم أطلق على المال الكثير ، جمعها «قناطير».
وهناك من حدّد وزن القنطار بأنّه يساوي سبعين ألف دينار ذهبا ، وقال بعض إنّه مائة ألف دينار ، وقال آخرون إنّه يساوي اثني عشر ألف درهم ، ويقول بعض إنّ القنطار كيس مملوء ذهبا أو فضة.
وفي رواية عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام أنّ القنطار مقدار من الذهب الذي يملأ جلد بقرة. إلّا أنّ كلّ هذ تشير إلى المال الوفير.
س ٦٦ : ما هو معنى قوله تعالى :
(بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (٧٦) [آل عمران : ٧٦]؟!
قال الشيخ الطبرسي : ثم الله تعالى رد عليهم قولهم فقال : (بَلى) وفيه نفي لما قبله ، وإثبات لما بعده ، كأنه قال : ما أمر الله بذلك ، ولا أحبه ، ولا أراده ، بل أوجب الوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ) يحتمل أن
__________________
(١) الأمثل : ج ٢ ، ص ٤٢٠.
(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٠٦.
تكون الهاء في بعده ، عائدة على اسم الله في قوله (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) فيكون معناه بعهد الله ، وعهد الله إلى عباده : أمره ونهيه. ويحتمل أن يكون عائدة إلى (مَنْ) ومعناه : من أوفى بعهد نفسه ، لأن العهد تارة إلى العاهد ، وتارة إلى المعهود له (وَاتَّقى) الخيانة ، ونقض العهد (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) معناه : فإن الله يحبه ، إلا أنه عدل إلى ذكر المتقين ليبين الصفة التي يجب بها محبة الله ، وهذه صفة المؤمن ، فكأنه قال : والله يحب المؤمنين ، ولا يحب اليهود. وروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : لما قرأهذه الآية قال : «كذب أعداء الله! ما من شئ كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي ، إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر». وعنه قال : «ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وإن صلى وصام وزعم أنه مؤمن : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان». وعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من ائتمن على أمانة فأداها ، ولو شاء لم يؤدها ، زوجه الله من الحور العين ما شاء (١).
س ٦٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٧) [آل عمران : ٧٧]؟!
الجواب / ١ ـ قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من حلف على يمين يقتطع بها مال أخيه لقي الله عزوجل وهو عليه غضبان» فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) ، فبرز الأشعث بن قيس ، فقال : فيّ نزلت ، خاصمت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقضى عليّ باليمين (٢).
٢ ـ قال أبو جعفر عليهالسلام : «أنزل في العهد (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ) ـ إلى
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٢ ، ص ٣٢٦.
(٢) الأمالي : ج ١ ، ص ٣٦٨.
قوله تعالى (عَذابٌ أَلِيمٌ) والخلاق : النصيب ، فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأيّ شيء يدخل الجنّة؟!» (١).
٣ ـ قال الباقر عليهالسلام : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، ولا يزكّيهم ، ولهم عذاب أليم : المرخي ذيله من العظمة ، والمزكّي سلعته بالكذب ، ورجل استقبلك بودّ صدره فيواري وقلبه ممتلىء غشّا» (٢).
٤ ـ قال عليّ بن أبي طالب عليهالسلام في قوله : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) : «يعني لا ينظر إليهم بخير ، أي لا يرحمهم ، وقد يقول العرب للرجل السيّد أو الملك : لا ينظر إلينا ، يعني أنّك لا تصيبنا بخير ، وذلك النظر من الله إلى خلقه» (٣).
س ٦٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٨) [آل عمران : ٧٨]؟!
الجواب / أقول : «يلوي» من اللي وهو الإمالة ، ولوى لسانه كناية عن الكذب.
هذه الآية تؤكد ما بحثته الآيات السابقة بشأن خيانة اليهود «وهي شبيهة بها في سبب نزولها» تقول : إن فريقا من هؤلاء يلوون ألسنتهم عند تلاوتهم الكتاب. وهذا كناية عن تحريفهم كلام الله. وتضيف : إنّهم في تحريفهم هذا من المهارة بحيث إنّكم تحسبون ما يقرأونه آيات أنزلها الله ، وهو ليس كذلك
__________________
(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٧ ، ح ١.
(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٧٩ ، ح ٦٩.
(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٨٠ ، ح ٧٢.
(لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ).
ولكنّهم لا يقنعون بذلك ، بل يشهدون علانية بأنّه من كتاب الله ، وهو ليس كذلك (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ).
مرّة أخرى يقول القرآن : إنّهم في عملهم هذا ليسوا ضحية خطأ ، بل هم يكذبون على الله بوعي وبتقصّد ، وينسبون إليه هذه التهم الكبيرة وهم عالمون بما يفعلون (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
وقال علي بن إبراهيم : كان اليهود يقولون شيئا ليس في التوراة ، ويقولون هو في التوراة فكذّبهم الله (١).
س ٦٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (٧٩) [آل عمران : ٧٩] ، وما هو سبب نزولها؟!
الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : إنّ عيسى لم يقل للناس : إنّي خلقتكم فكونوا عبادا لي من دون الله ، ولكن قال لهم : كونوا ربّانيين ، أي علماء (٢).
أما في سبب نزول هذه الآية روايتان :
١ ـ أنّ رجلا قال : يا رسول الله نحن نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض ، ألا نسجد لك؟
قال : لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيّكم واعرفوا الحقّ لأهله ، فأنزل الله الآية.
__________________
(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٠٦.
(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٠٦.
٢ ـ أنّ أبا رافع من اليهود ومعه رئيس وفد نجران قالا للنبيّ : أتريد أن نعبدك ونتّخذك إلها؟
فقال : معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غير الله ، ما بذلك بعثني ، ولا بذلك أمرني ، فأنزل الله الآية (١).
س ٧٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٨٠) [آل عمران : ٨٠]؟!
الجواب / قال علي بن إبراهيم : كان قوم يعبدون الملائكة ، وقوم من النصارى زعموا أنّ عيسى عليهالسلام ربّ ، واليهود قالوا : عزير ابن الله. فقال الله : (وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً)(٢).
س ٧١ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٨١) [آل عمران : ٨١]؟!
الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليهالسلام : «ما بعث الله نبيّا من لدن آدم عليهالسلام فهلمّ جرّا إلّا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين عليهالسلام ، وهو قوله : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) يعني رسول الله (وَلَتَنْصُرُنَّهُ) يعني أمير المؤمنين عليهالسلام ، ثمّ قال لهم في الذرّ : (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) أي عهدي : (قالُوا أَقْرَرْنا قالَ) الله للملائكة : (فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ). وهذه مع الآية التي في سورة الأحزاب في قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ
__________________
(١) الأمثل : ج ٢ ، ص ٤٢٧.
(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٠٦.
وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ)(١) الآية ، والآية التي في سورة الأعراف في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)(٢) قد كتبت هذه الثلاث آيات في ثلاث سور (٣).
٢ ـ قال فيض بن أبي شيبة ، سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول ، وتلا هذه الآية : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) الآية : «لتؤمنن برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولتنصرن عليّا أمير المؤمنين عليهالسلام ـ قال ـ : نعم والله من لدن آدم وهلمّ جرّا ، فلم يبعث الله نبيّا ولا رسولا إلّا ردّ جميعهم إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب عليهالسلام» (٤).
٣ ـ قال حبيب السجستاني (٥) ، سألت أبا جعفر عليهالسلام ، عن قول الله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) فكيف يؤمن موسى بعيسى عليهماالسلام وينصره ولم يدركه؟ وكيف يؤمن عيسى بمحمّد عليهماالسلام وينصره ولم يدركه؟
فقال : «يا حبيب ، إنّ القرآن قد طرح منه آي كثيرة ، ولم يزد فيه إلّا حروف أخطأت بها الكتبة ، وتوهّمتها الرجال ، وهذا وهم ، فاقرأها : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ) ـ أمم ـ (النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) هكذا أنزلها ـ يا حبيب ـ فو الله ما وفت أمة من الأمم التي كانت قبل موسى عليهالسلام بما أخذ الله عليها من الميثاق لكلّ نبيّ بعثه الله بعد نبيّها ، ولقد كذّبت الأمّة التي جاءها
__________________
(١) الأحزاب : ٧.
(٢) الأعراف : ١٧٢.
(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٠٦.
(٤) مختصر بصائر الدرجات ، ص ٢٥.
(٥) لم يصرّح أحد من أصحاب الرجال بوثاقة حبيب السجستاني ، والحديث مرسل ، معارض لما عليه إجماع الأمّة وعلماء الطائفة من أنّ القرآن الكريم هو ما بين الدفّتين ، لم يزد فيه ولم ينقص عنه ، وهو باق إلى قيام الساعة.
موسى عليهالسلام ، لمّا جاءها موسى عليهالسلام ، ولم يؤمنوا به ولا نصروه إلّا القليل منهم ، ولقد كذّبت أمّة عيسى عليهالسلام بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم من الميثاق لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، يوم أقامه للناس ونصبه لهم ، ودعاهم إلى ولايته وطاعته في حياته ، وأشهدهم بذلك على أنفسهم ، فأيّ ميثاق أوكد من قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في عليّ بن أبي طالب عليهالسلام؟! فو الله ما وفوا ، بل جحدوا وكذّبوا» (١).
٤ ـ قال أبو جعفر عليهالسلام : «إنّ الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذرّ يوم أخذ الميثاق على الذرّ بالإقرار له بالربوبية ، ولمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بالنبوّة ، وعرض الله على محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أئمّته الطيّبين وهم أظلّة ـ قال ـ : خلقهم من الطينة التي خلق منها آدم ـ قال ـ : وخلق أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام ، وعرض عليهم وعرّفهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّا عليهالسلام ، ونحن نعرفهم في لحن القول» (٢).
س ٧٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٨٢) [آل عمران : ٨٢]؟!
الجواب / أقول : يقول القرآن في هذه الآية : لو أنّ أحدا ـ بعد كلّ هذا الإصرار والتأكيد وأخذ المواثيق والعهود المؤكّدة ـ أعرض عن الإيمان بنبيّ كنبيّ الإسلام الذي بشّرت به الكتب القديمة وذكرت علاماته ، فإنّه فاسق وخارج على أمر الله.
س ٧٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٨٣) [آل عمران : ٨٣]؟!
الجواب / قال ابن بكير : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن قوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ
__________________
(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٨٠ ، ح ٧٣.
(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٨٠ ، ح ٧٤.
مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً). قال عليهالسلام : «أنزلت في القائم عليهالسلام إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والكفّار في شرق الأرض وغربها ، فعرض عليهم الإسلام ، فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله تعالى عليه ، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلّا وحّد الله».
قال بكير للإمام عليهالسلام : جعلت فداك ، إنّ الخلق أكثر من ذلك؟
قال عليهالسلام : «إنّ الله إذا أراد أمرا قلّل الكثير وكثّر القليل» (١).
س ٧٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٨٤) [آل عمران : ٨٤]؟!
الجواب / قال الشيخ الطوسي : قوله تعالى : (قُلْ آمَنَّا بِاللهِ) يحتمل أن يكون جوابا ـ على ما روي عن ابن عباس : أن نفرا من اليهود أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ، فقال أؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ... إلى آخرها ، فلما ذكر عيسى جحدوا بنبوته ، وقالوا : لا نؤمن بعيسى ولا نؤمن بمن آمن به ، فأنزل الله فيهم : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ).
والثاني : قال الحسن وقتادة : أمر الله المؤمنين أن يقولوا : (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) الآية ، وجعل ذلك محنة فيما بينهم وبين اليهود والنصارى (٢).
__________________
(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٨٣ ، ح ٨٢.
(٢) التبيان : ج ١ ، الشيخ الطوسي ، ص ٤٨٠.
وقال حنان بن سدير قلت لأبي جعفر عليهالسلام : كان ولد يعقوب أنبياء؟
قال عليهالسلام : لا ولكنهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء ولم يكونوا يفارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا (١).
وقال عليهالسلام في قوله : (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) : إنما عنى بذلك عليا والحسن والحسين وفاطمة ، وجرت بعدهم في الأئمة ، قال عليهالسلام ، ثم يرجع القول من الله في الناس فقال : (فَإِنْ آمَنُوا) يعني الناس (بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من بعدهم (فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ)(٢).
س ٧٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٨٥) [آل عمران : ٨٥]؟!
الجواب / قال الشيخ الطوسي : الابتغاء : الطلب ، تقول : بغى فلان كذا أي طلبه ، ومنه بغى فلان على فلان : إذا طلب الاستعلاء عليه ظلما ومنه البغي : الفاجرة ، لطلبها الزنى. ومنه ينبغي كذا ، لأنه حقيق بالطلب. والإسلام : هو الاستسلام لأمر الله بطاعته فيما دعا إليه ، فكل ذلك إسلام ، وإن اختلفت فيه الشرائع ، وتفرقت المذاهب ، لأن مبتغيه دينا ناج ، ومبتغي غيره دينا هالك ، والإيمان ، والإسلام واحد.
لأن «من يبتغي غير الإسلام دينا» فهو مبطل كما أن من يبتغي غير الإيمان دينا ، فهو مبطل ، وذلك كمن يبتغي غير عبادة الإله دينا ، فهو كافر ،
__________________
(١) البحار : ج ٥ ، ص ١٨٩.
(٢) الصافي : ج ١ ، ص ١٤٣ ، إثبات الهداة : ج ٣ ، ص ٤٤.