السيد محمد علي الحلو
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٢
الضرائب المقننة في الشريعة الإسلامية، فهي تفوق الزكاة.
ومن المقرّر في الفقه أنّ ولاية الخمس وملكية التصرف فيه هي لله وللرسول ولذي القربى وذلك لمكان اللام ـ لا المِلْكية ـ في الآيات (فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ) وهذه بخلاف الموارد الثلاثة الأخري وهي:
__________________
= و ٩/ ١٣ * مسند أحمد ٥/ ٧٧، ٧٨، ٣٨٣ * الأموال لأبي عبيدة/ ١٢ * أُسد الغابة ٥/ ٤٠ و ٣٨٩ * جمهرة أنساب العرب ١/ ٦٨ * صبح الأعشى ٣/ ٣٢٣ * الأغاني ١٩/ ١٥٨ * نصب الراية للزيعلي/ ٥ * سنن النسائي ٢/ ١٧٩.
وكذلك أخذ من وقد بني البكاء من بني عامر من العدنانية من رئيسهم فجيع بن عبدالله كما في الطبقات لابن سعد قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوآله: من أسلم وأقام الصلاة وأتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغنم خمس الله .. الطبقات لابن سعد ١/ ٢٧٤ * أسد الغابة ٤/ ١٧٥ * والإصابة ٤/ ٦٩٦.
وأيضاً أخذ من أهل اليمن كما في فتوح البلدان قال: كتب النبي صلىاللهعليهوآله لعمرو بن حزم حين بعثه لليمن: أن يأخذ من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البعض. فتوح البلدان ١/ ٨٤ باب اليمن * سيرة ابن هشام ٤/ ٥٩٥ * تاريخ الطبري ١/ ١٧٢٧ * وتاريخ ابن كثير ٥/ ٧٦ * الخراج لأبي يوسف/ ٨٥ * الحاكم في المستدرك ١/ ٣٠٩ ـ ٣٩٦ * كنز العمال ٥: ٥١٧.
وفي تاريخ اليعقوبي: «أن رسول الله صلىاللهعليهوآله أرسل كتاباً مع معاذ بن جبل إلى اليمن وفيها: وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من الغنائم خمس الله وسهم النبيّ والصفيّ وما على المؤمنين من الصدقة.» تاريخ اليعقوبي ٢: ٦٤ * فتوح البلدان/ ٨٣ * الطبقات الكبرى ١/ ٢٦١ * السيد جعفر مرتضى العاملي في الصحيح من سيرة النبي صلىاللهعليهوآله ٣/ ٣٠٨ ـ ٣١٢ * وكذا البحار ٢١/ ٣٦٠ ـ ٣٦٣ وغيرهم كثير.
(وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) مما يدلل على أنّ الأخيرة مصرف ـ أي مورد للصرف ـ من دون أن يكون ملكاً لهم ولا ولايته راجعة إليهم، وغيرها من الأدلّة الدالّة على ذلك كالروايات المستفيضة.
وقد علّل تفويض ولاية الأموال العامّة لذوي القربى في سورة الحشر بأنّ الحكمة فيه هي إرساء العدالة الإقتصادية والمالية في المجتمع المسلم وإزالة الطبقية الفاحشة، فلا تكون الثروة عندئذ حكراً متداولاً بين الأغنياء (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ) وقد شدّدتْ سُورَتا الحشر والأنفال على خطورة هذا المقام وأنّ اغتصابه يقابل بشدة العقاب من الله تعالى وبزوال الايمان لقوله تعالى (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
وهذا ما قد حدث بعد غصب الخلافة، حيث أنّ باعتصاب هذا المقام بدأ التفاوت الطبقي في الأموال العامّة حتّى خصّصت بعضَ زوجات النبيّ صلىاللهعليهوآله في العهد الأول وبعضَ رموز السقيفة بمعطيات من بيت المال دون سائر المؤمنين واستشرى ذلك أكثر في عهد الثاني حيث فرّق في العطاء بين المهاجرين والأنصار (١)، وبين العرب والعجم، وبين الأسود والأبيض وبلغ ذروتَه في عهد الثالث حتّى ثار عليه المسلمون ـ كما هو معروف في مدوّنات التاريخ ـ.
__________________
(١) راجع: الطبقات ٣/ ٢١٩ * تاريخ اصفهان ٢/ ٢٩٠.
الجهة الثانية: المراد من ذوي القربي
إنّ المراد بذوي القربى في آيات الفيء والخمس خصوص فئة معينة من ذوي القربى، أي الفئة التي تتصف بالعصمة عن الخطأ والجهل ولها مقام وشأن الحجّية الإلهية لا كلّ ذوي القربى، ويشهد لذلك أمور:
الأول: إنّه قد عُلّل جَعلُ ولاية الأموال العامّة في آية الفيء والأنفال بما تقدّم ذكره ـ في الجهة الأولى ـ ومن إرساء العدالة الإجتماعيّة في التوزيع المالي وغيره من الأنشطة المالية، وبالتالي يتمّ تحقيق العدالة الإقتصادية، وينعدم الفارق الطبقي الفاحش فلا تكون هناك طبقات مسحوقة.
ومن الواضح أنّ هذه الغاية تحتاج إلى كفاءة ذات صفة علمية وعملية خاصّة، أي: الكفاءة العلمية يجب أن تبلغ درجة كفيلة بالإحاطة بالأمور، سواء من جهة موضوعات الأبواب المالية أو من جهة مجموعة القوانين الشرعية كما هي في اللوح المحفوظ، فلا يُعيقُه عدم الإلمام بأطوار الأنشطة المالية ومدى سلامتها وصحّتها الشرعية ـ القانونية، كما لا يُعيقُه الجهل بالطرق والحلول المالية المواكبة لتطورات مناخ الحياة الإجتماعية المستجدّة، هذا من جانب.
ومن جانب آخر يجب أن تكون أمانته والصفة العملية فيه بدرجة يكون معصوماً عن اتّباع الهوى أو العصبية فلا يُؤْثِرَ فئةً على أخرى ولا يُخصّصَ
فُرَصَ المال بفئة دون أخرى، كما لا تحمله العصبية والغضب للإقدام على حرمان جماعة أو قوم دون آخرين، وهذا لا يتوفّر إلّا في مَن عُصِمَ من ناحية العلم والعمل.
الثاني: إنّ مقتضى آية التطهير هو عصمة خصوص أصحاب الكساء من ذوي القربى دون غيرهم، ومقتضى المناسبة مع مقام الولاية على الأموال العامّة تخصيصها بالمطهَّرين دون غيرهم من ذوي القربى.
الثالث: إنّ مقتضى عنوان القرابة الذي خُصِّص بهذا الشأن انطباقه على الأقرب فالأقرب بحسب القرب في الرحم، كما هو الحال في كلّ مورد تنتقل ولاية الشخص إلى ولاية الأقرب فالأقرب والذي يليه.
الرابع: ما سيأتي في الجهة اللاحقة من تطبيق النبيّ صلىاللهعليهوآله في روايات الفريقين عنوانَ القربى على فاطمة عليهاالسلام وكذا على أصحاب الكساء.
فتحصّل من الجهة الثانية: إرادة ذوي القربى المعصومين عليهمالسلام.
الجهة الثالثة: الزهراءعليهاالسلام أول من ينطبق عليها عنوان (ذوي القربى)
إنّ أوّل مَن ينطبق عليه عنوان «ذوي القربى» رتبةً هي الصدّيقة الزهراء صلوات الله عليها وذلك بمقتضى بنوّتها له صلىاللهعليهوآله، فهي أقرب رحماً،
ويشهد لذلك أيضاً ما نزل من قوله تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ...)(١) حيث دعا صلىاللهعليهوآله فاطمة عليهاالسلام فأعطاها فدكاً كما في روايات الفريقين (٢).
فيستنتج من ذلك أنّ أوّل من يصدق عليه «ذوي القربى» في آية الأنفال وآية الخمس هي الصدّيقة فاطمة الزهراء عليهاالسلام، وبالتالي فهي ممن جعل لهم مقام الولاية في الأموال العامّة وإن لم تكن إماماً.
الجهة الرابعة: إذنها في الخمس والأنفال بمقتضى ولايتها عليهاالسلام
ما وردتْ في روايات متعدّدة أنّ أهل البيت عليهمالسلام أباحوا الخمسَ والأنفال لشيعتهم وتحمل تلك الروايات على الموارد المخصوصة الثلاثة المتسالم عليها فتوى ونصّاً.
وقد تضمّنت تلك الروايات إذنَ الصدّيقة عليهاالسلام في ذلك بجانب إذن الرسول صلىاللهعليهوآله وإذن الأمير وإذن الحسنين وباقي الأئمة عليهمالسلام.
وهذا يؤكّد على أنّ تدبير وولاية الأموال العامّة كانت ثابتةً للصدّيقة الزهراء عليهاالسلام في حين ثبوتها للأئمة وإن لم تكن هي إماماً.
كما أنّ ذلك يشهد لعدم تنافي الروايات المستفيضة الدالّة على تفسير ذوي
__________________
(١) الإسراء/ ٢٦.
(٢) وسيأتي في الجهة الخامسة من هذا المقام ذكر مصادرها.
القربى بالإمام مع صدق عنوان ذوي القربى عليها أيضاً في آيات الأنفال والخمس، مع أنّ في بعض روايات الخمس والأنفال تفسير ذوي القربى بالحجّة في زمانه، وهذا عنوان منطبق عليها.
فمن هذه الروايات:
١ ـ رواية أحمد بن محمد المعتمدة في العديد من أحكام باب الخمس، في حديث قال عليهالسلام: «والذي للرسول هو لذوي القربى والحجة في زمانه فالنصف له خاصّة»(١).
٢ ـ ومن تلك الروايات صحيحة الفضيل عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: «مَنْ وَجَدَ بَرْدَحُبِّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم.
قال: قلت: جعلت فداك ما أوّل النعم؟
قال: طيب الولادة.
ثمّ قال أبو عبدالله عليهالسلام: قال أمير المؤمنين عليهالسلام لفاطمة عليهاالسلام: أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا.
ثمّ قال أبو عبدالله عليهالسلام: إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا»(٢).
__________________
(١) وسائل الشيعة ٩/ ٥١٤، الرقم المسلسل للحديث ١٢٦٠٨ (كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب الأول: باب أنّه يقسّم ستة أقسام، الحديث ٩).
(٢) وسائل الشيعة ٩/ ٥٤٧، الرقم المسلسل للحديث ١٢٦٨٤ (كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب الرابع: باب إباحة حصّة الإمام من الخمس للشيعة ...، الحديث ١٠).
٣ ـ وفي قوية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: «قال أبو عبدالله عليهالسلام: على كلّ امريء غَنِمَ أو اكتسب، الخمسُ مما أصاب لفاطمة عليهاالسلام ولمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على الناس، فذاك لهم خاصّة، يضعونه حيث شاؤوا، إذ حرّم عليهم الصدقة»(١).
ومحلّ الإستشهاد في هذه الرواية موضعان:
الأول: تصريحه عليهالسلام بأنّ ذي القربى هي فاطمة عليهاالسلام.
الثاني: تخصيص ما لفاطمة عليهاالسلام من ولاية التصرف وملكية التدبير، بانتقاله إلى الحجج المعصومين من ذرّيتها دون باقي ذرّيتها، الدالّ على الوراثة في المناصب الإلهية أو الولاية في الأمور العامّة لا في الشؤون الفردية العادية التي يستوي فيها المعصوم مع غير المعصوم في الإرث، مما يعني أنّ لها هذا المقام والمنصب الإلهي والولاية في إدارة الأموال العامّة.
__________________
(١) تهذيب الأحكام ٤/ ١٢٢، الرقم المسلسل للحديث ٣٤٨ (كتاب الزكاة، الباب ٣٥: باب الخمس والغنائم، الحديث ٥). بل معتبرة بعبدالله بن القاسم الحضرمي وهو وإن رُمي بالوقف والغلو إلّا أنّ العلّامة نفى عنه الغلو. وروى عنه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب بسند صحيح، وروى عنه أحمد بن محمد بل الظاهر من الشيخ في الفهرست إنّ الذي يروي عنه كتابه هو محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب الذي هو من الكبار الأجلّاء الكوفيين، مما يظهر اعتماده على كتابه. وقد اعتمده الصدوق أيضاً في المشيخة، بل العتمد كتابه، وقد استهظر بعض الرجاليين اتحاده مع عبدالله بن القاسم صاحب معاوية بن عمّار، وروى عنه غير واحد من الثقاة. فلاحظ المعاجم الرجالية.
وبتعبير آخر: كما أنّ ولاية الله أو الرسول في الخمس باقية إلى يوم القيامة بمقتضى آية الخمس والأنفال والفيء كذلك الحال في ولاية الزهراء عليهاالسلام في الخمس والأنفال والفيء باقية دائماً في طول ولاية الله ورسوله، وأنّ غاية الأمر أنّ الأئمة من ذرّيتها ينوبون عنها فيما لها من ولاية.
على أنّ ولاية الرسول صلىاللهعليهوآله قائمة بالفعل إلى يوم القيامة والمبلّغ عنه أوامرَه ونواهيه بعد ارتحاله الشريف هو الإمام القائم الحيّ، وهذا أمر مرتكز عند كلّ متشرع بدين الإسلام، نظير ما احتجّ الإمام الحسين عليهالسلام علي ابن عباس في خروجه إلى العراق بأمر النبيّ صلىاللهعليهوآله إيّاه في الرؤيا.
٤ ـ طائفة من الروايات العديدة التي فسّرت ذوي القربى بأهل البيت، وفاطمةُ عليهاالسلام منهم بمقتضى آية التطهير والنصوص المستفيضة والمتواترة فيها (١).
ونموذج من تلك الطائفة صحيحة أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليهالسلام قال: «وجدنا في كتاب علي عليهالسلام (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(٢) أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض، ونحن
__________________
(١) يلاحظ أبواب الخمس والأنفال في وسائل الشيعة والكتب الأربعة.
(٢) الأعراف/ ١٢٨.
المتّقون، والأرض كلّها لنا»(١) الحديث.
٥ ـ ما يأتي من الروايات في الجهة اللاحقة في قوله تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) أنّ المراد بذوي القربى أوّلُهم فاطمة عليهاالسلام.
الجهة الخامسة: الآية تُثبت كونها عليهاالسلام أبرز أفراد ذوي القربى
قوله تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)(٢).
والبحث في هذه الآية موضوعاً ومحمولاً دالّ على كون ذوي القربى المراد بهم في أبرز أفراده هي فاطمة عليهاالسلام من ناحية الموضوع، ومن ناحية المحمول المراد بالحق هو ملكية تصرّفها في الأموال العامّة من الأنفال والفيء وملكيتها في الخمس.
على أنّ الآية نزلت في فاطمة عليهاالسلام كما هو عليه الفريقان، فممّن روى أنها نزلت في فاطمة عليهاالسلام ما في معارج النبوّة، قال لما نزل جبرئيل إلى رسول الله بقوله تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) قال رسول الله: «مَن ذو القربى وما حقّه؟ قال: هو فاطمة فاعطها فدك»(٣).
__________________
(١) الكافي ١/ ٤٠٧، الحديث ١ (كتاب الحجّة، الباب ١٠٥: باب أنّ الأرض كلّها للإمام عليهالسلام).
(٢) الإسراء/ ٢٦.
(٣) معارج النبوّة ١/ ٢٢٧ * وممن روى ذلك: مجمع الفوائد عن أبي سعيد * وكذلك القندوزي في ينابيع المودة/ ١١٩ * والثعلبي في تفسيره في شأن نزول الآية ٤/ ٤٥ * الآلوسي في تفسيره روح =
الجهة السادسة: ثبوت الخمس لها ومطالبتها به يقتضي ولايتها العامّة
إنّ ثبوت حقّها في الخمس بعنوان ذوي القربى ومطالبتَها به عند مخاصمتها لأبي بكر محتجةً على ذلك لكونها أول قرابة النبيّ صلىاللهعليهوآله ـ كما قد تبيّن ذلك في الجهة السابقة ـ مقتضٍ لثبوت ولايتها العامّة، وإنْ لم تكن إماماً؛ وذلك لأنّ الخمس أكبر ضريبة مالية في التشريع الإسلامي، وهي تزيد على حاجات بني هاشم زادهم الله شرفاً؛ إذ الخمس كما هو واضح هو ٢٠% من مجموع رساميل الأُمّة، وهذا المقدار الهائل من المال مقوّم لمقام الولاية العامّة على الناس.
وهذا ما دفع أهلَ السقيفة والأنظمة المتعاقبة بعدهم إلى منع الخمس عن أهل البيت عليهمالسلام حيث قد فطنوا إلى ما يعنيه الخمس من الولاية العامّة كما أفصح عنه عمر في قوله لأبي بكر عندما أشار إليه بمنع الخمس عن أهل البيت عليهالسلام، فإنّه علّل ذلك بأنّ الخمس موجب لحكومة أهل البيت على الناس؛ حيث قال: إنّ الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها،
__________________
= المعاني ١٥/ ٥٨ * كما أخرج ذلك ابن جرير الطبري عن علي بن الحسين عليهالسلام * والحاكم النيسابوري في شواهد التنزيل في مورد نزول الآية ١/ ٥١٣ ـ ٥٢١ * والعلّامة الكاندهلوي الهندي في حياة الصحابة ٢/ ٥١٩ * وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية ٣/ ٣٦٧، وغيرها من المصادر.
فامنع عن عليّ الخمس والفيء وفدك، فإنّ شيعته إذا علموا بذلك تركوا علياً رغبة في الدنيا وايثاراً ومحاباة عليها (١).
وهو ما دعى عمر بن الخطاب كذلك أن يقول في مخاصمته للصديقة عليهاالسلام: وأنت تدّعين أمراً عظيماً يقع فيه الردّة بين المهاجرين والأنصار. (٢) ودعاه إلى أن يقول أيضاً: فَضَعي الحبال في رقابنا (٣).
قال المجلسي في شرحها: أي إنّكِ إذا أعطيتِ ذلك وَضَعْتَ الحبلَ على رقابنا وجعلتِنا عبيداً لكِ، وإذا حكمتِ على مالم يوجف عليه أبوكِ بأنها ملككِ فاحكمي على رقابنا أيضاً بالملكية.
وفي سنن البيهقي في باب سهم ذوي القربى عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: لقيتُ علياً عليهالسلام عند أحجار الزيت، فقلت له: بأبي وأمي ما فعل أبو بكر وعمر في حقّكم أهل البيت الخمس؟
قال عليهالسلام: «إنّ عمر قال: لكم حقّ ولا يبلغ علمي إذا كثر أن يكون لكم
__________________
(١) مستدرك الوسائل ٧/ ٢٩٠، الرقم المسلسل للحديث ٨٢٤٧ (كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب الأوّل: باب أنّه يقسّم ستّة أقسام، الحديث ١٠).
(٢) بحار الأنوار ٢٩/ ١٩٧.
(٣) الكافي ١/ ٥٤٣، الحديث ٥ (كتاب الحجّة، أبواب التاريخ، الباب ١٣٠: باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه، الحديث ٥). وعبارة المجلسي منقولة من المرآة، مذكورة في هامش الكافي، نفس الصفحة.
كلّه، فإنْ شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم فأبينا عليه إلّا كلَّه، فأبي أن يعطينا كلَّه»(١). ولأجل ذلك تشدّد أبو بكر وعمر في منع الخمس عنهم.
وفي تفسير الطبري عن قتادة: أنه سأل عن سهم ذي القربى، فقال: كان طُعمةً لرسول الله صلىاللهعليهوآله، فلمّا توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله صدقة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله (٢).
وفي سنن البيهقي أيضاً عن أبي الطفيل قال: جاءت فاطمة عليهاالسلام إلى أبي بكر قالت: ما بال الخمس؟ قال: إنّي سمعت رسول الله يقول: إذا أطعم الله نبياً طعمة ثم قبضه كانت للذي يلي بعده، فلمّا ولّيت رأيت أن أردّه على المسلمين (٣).
وفي مسند أحمد وسنن البيهقي: كان أبو بكر يقسّم الخمس نحو قسم رسول الله غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلىاللهعليهوآله ما كان النبيّ يعطيه منه (٤).
__________________
(١) سنن البيهقي ٦/ ٣٤٤ * ورواه الشافعي في مسنده في كتاب قسمة الفيء/ ١٨٧.
(٢) تفسير الطبري ١٠/ ٦.
(٣) سنن البيهقي ٦/ ٣٠٣ * ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٥/ ٣٤١ وقال: ورواه أحمد ورجاله صحيح * وفي صحيح أبي وادو ٣/ ١٤٥ باب أن أبا بكر لم يكن يعطي قربى رسول الله صلىاللهعليهوآله من الخمس ما فرض الله لهم.
(٤) مسند أحمد ٤/ ٨٣ * وسنن البيهقي ٦/ ٣٤٢.
وهذا كما تري إقرار من أبي بكر بكون جعل الخمس لذوي القربى هو من شؤون ولاية أهل البيت العامّة وبالتالي من شؤون ولاية الزهراء عليهاالسلام في الإمور العامّة وإنْ لم تكن إماماً.
تأملات جديدة في محاججات فدك
ذكرتْ مصادر أهل السنّة أنّ أبو بكر نسب إلى الرسول صلىاللهعليهوآله من القول «ما تركناه صدقة ...» وقد خفي عليهم أنّ ذلك حجّة على أبي بكر تخصمه من جهتين:
الأولي: سلّمنا إنّ الخمس والفيء والأنفال الخاص برسول الله صلىاللهعليهوآله ـ كما يقرّ بذلك أبو بكر ـ هي صدقة قد تصدّق بها رسول الله صلىاللهعليهوآله في سبيل الله، إلّا أنّ الكلام في من تكون له النظارة والإشراف على تلك الصدقة المسبلة، فإنّ الذي يخلف المتصدِّق في الصدقات المسبلة والصدقات الجارية هو وارث المتصدِّق لا الأجنبي، فأحقُّ مَن يقوم مقام رسول الله صلىاللهعليهوآله الذي يكون هو ناظراً في صدقاته الجارية هو وارثه، وهي الصدّيقة الطاهرة عليهاالسلام، ومن ثم هي التي يكون لها الولاية العامّة على هذه الأموال فيعود ما رواه خاصماً له داحضاً لدعواه.
الثانية: إنّ أبا بكر ـ بوضع يده على الخمس مبرّراً ذلك بأنّه لولي الأمر
ولاية عامّة ـ أقرّ بأنّ جعل الخمس لذوي القربى منه تعالى مقرونين بالرسول هو جعل للولاية العامّة لهم ولولاية الأمر.
هذا وقد أشار إلى ذلك ـ أي إنّ مقتضى اختصاص الخمس بذوي القربى هو ولاية عامّة ـ بعض الأعاظم رحمه الله تعالى بقوله:
الخمس أحد الموارد الضخمة التي تصبّ في بيت المال ويشكّل أحد مصادر الميزانية وبحسب مذهبنا يؤخذ الخمس بشكل عادل من جميع المصالح، سواء الزراعة أو التجارة أو المصادر المخزونة في جوف الأرض أو الموجودة فوقها وبشكل عام من جميع المنافع والعوائد بنحو يشمل الجميع؛ من بائع الخضار على باب المسجد إلى العامل في السفن أو مَنْ يستخرج المعادن.
فهؤلاء عليهم دفع الخمس من أرباحهم بعدصرف المصارف المتعارفة إلى الحاكم الإسلامي لكي يضعه في بيت المال، ومن البديهي أنّ مورداً بهذه العظمة إنّما هو لأجل إدارة بلد إسلامي وسدّ جميع حاجاته المالية. فعندما نحسب أرباح جميع البلدان الإسلامية أو جميع أنحاء الدنيا فيما لو صارت تحت الحكم الإسلامي، يتّضح لنا أنّ الهدف في وضع ضريبة كهذه ليس مجرد سدّ حاجة السادة الهاشميين وعلماء الدين، بل إنّ القضية أهم من ذلك. فالهدف هو سدّ الحاجة المالية لجهاز حكومي كبير.
ففي ما لو قامت الحكومة الإسلامية يجب أن تدار بواسطة هذه الضرائب من الخمس والزكاة ـ ومقدار الزكاة بالطبع ليس كبيراً ـ والجزية والخراج (الضرائب على الأراضي الوطنية الزراعية)، فالسادة الهاشميون ليسوا بحاجة إلى ميزانية كهذه، إذ خمس أرباح سوق بغداد يكفي للسادة ولجميع الحوزات العلمية وجميع فقراء المسلمين فضلاً عن أسواق طهران وإسطنبول والقاهرة وسائر الأسواق، فتعيين الميزانية بهذه الضخامة يدل على أنّ الهدف هو تشكيل حكومة وإدارة بلد. (١)
وأخرج المجلسي في البحار عن مصباح الأنوار عن ابن بابويه مرفوعاً إلى أبي سعيد الخدري، قال: «لما نزلتْ (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) قال رسول الله صلىاللهعليهوآله [لفاطمة عليهاالسلام]: لكِ فدك».
وفي رواية أخرى عنه أيضاً مثله، وعن عطية قال: «لما نزلتْ (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله فاطمة فأعطاها فدك».
وعن علي بن الحسين عليهما السلام قال: «أقطع رسولُ الله صلىاللهعليهوآله فاطمةَ فدكَ».
وعن أبان بن تغلب عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: «قلت: أكان رسول الله صلىاللهعليهوآله أعطى فاطمةَ فدك؟
__________________
(١) الحكومة الإسلامية، القسم الثاني حقيقة قوانين الإسلام وكيفيتها تحت عنوان الأحكام المالية.
قال: كان رسول الله صلىاللهعليهوآله وقفها فأنزل الله (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) فأعطاها رسول الله صلىاللهعليهوآله حقّها.
قلت: رسول الله صلىاللهعليهوآله أعطاها؟ قال: بل الله تبارك وتعالى أعطاها»(١).
إلي غيرها من الروايات الآتية.
فكون فاطمة عليهاالسلام مورداً لنزول الآية أمر محقَّق بين الفريقين، مضافاً إلى اقتضاء عنوان ذي القربى ذلك كما مرّ.
فيقع البحث في مفاد الحكم في هذه الآية وعن معنى الحق الذي أمر تعالى نبيّه بإعطائه فاطمة عليهاالسلام، هل هو قضية في واقعة، أم أنه بنحو القضية الحقيقية الدائمة؟ ومن أجل ذلك استحقّت نزول قرآن فيها، وإلّا لكان أمراً الهياً ينزل به الوحي من دون أن يكون قرآناً يُتلى على أسماع المسلمين إلى يوم القيامة.
وبالتالي ينتهي إلى أنّ هذا الحقّ هل هو مغاير للحقّ الذي جعل لذي القربى في آية الخمس وآيات الأنفال والفيء وهو ملكية التصرف في
__________________
(١) بحار الأنوار ٩٦/ ٢١٢، الحديث ١٨ * كما روى السيد ابن طاووس في كتاب سعد السعود من تفسير محمد بن عباس بن علي بن مروان قال: روى حديث فدك في تفسير قوله تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) من عشرين طريقاً، سعد السعود/ ١٠١ ـ ١٠٢ * وقد ذكر المجلسي مصادر عديدة من طرقتا فلاحظ، مجلد ٢٩ من كتاب الفتن والمحن، الباب ١١، نزول الآيات في أمر فدك.
الأموال العامّة وولايتهم فيها أم أنه حقّ آخر؟
الظاهر أنه الوحدة والإتحاد، وذلك لأنّ ظاهر الآية ليس ابتداءَ تشريعٍ الحقّ لذي القربى وإنّما هو تنفيذ ما قد شُرِّعَ وتَنجيزُ ما قد جُعِلَ، فهو أمر بالمعاجلة في الأداء والإنجاز لما قد قُرّر سابقاً.
نظير قوله تعالى في آيات الغدير (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(١) حيث أنّ الأمر في الآية ليس إلّا بتبليغ وإنفاذ ما قد أمر به سابقاً، فالأمر متعلّق بتعجيل الإنجاز وعدم التراخي والتأخير خوفاً من عدم ايمان الناس بذلك وعدم استجابتهم.
فكذا الحال في آية (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) حيث أنّ هذا الحقّ قد قُرّر وجُعل سابقاً في آيات الفيء والأنفال والخمس إلّا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يُنجزه خشيةً من إرجاف المنافقين والطعن على النبيّ صلىاللهعليهوآله وبالتالي تزلزل ايمان واستجابة الناس لأمر الله تعالى.
ولعلّ في إبطائه صلىاللهعليهوآله ارادة منه لتأكيده تعالى ببيان آخر قاطعاً شك المرتابين، كما تشعر به كلّ من آيات الخمس والفيء والأنفال، حيث ذُيّلت آية الأنفال بقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ
__________________
(١) المائد/ ٦٧.
وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
وذيّلت آية الفيء أيضاً بقوله تعالى: (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(١).
وذيّلت آية الخمس بقوله تعالى: (إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّـهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢) مما ينبيء عن عدم انصياع الناس وتزلزل خطبهم في حقّ ذي القربى وهو ولايتهم على الأموال العامّة.
رؤية جديدة في فدك
ومما يدعم أنّ إعطاء فدك لم تكن قضية في واقعة بل هو حقّ مستمر إلى يوم القيامة: أنّ خصام الصدّيقة عليهاالسلام مع أبي بكر في أمر فدك كان احتجاجاً بحقّ ذوي القربى وملكية تصرّفهم في الفيء والأنفال وخمس الغنائم، فلم يكن خصامها منصبّاً على خصوص فدك، كما لم يكن خصامُها في فدك مقدمةً أو كنايةً للإحتجاج في ولاية علي عليهالسلام وإمامته فحسب، بل إنّ الخصام في فدك هو بعينه إحتجاج لولاية أهل البيت وإمامتهم عليهم
__________________
(١) الحشر/ ٧.
(٢) الأنفال/ ٤١.
السلام، لأنّ فدك التي أعطاها النبيّ صلىاللهعليهوآله لفاطمة بنزول الآية هو إنجاز لحقّهم في ملكية التصرّف في الفيء والأنفال وخمس الغنائم.
فالخصام في فدك بعينه خصام في ولاية أهل البيت عليهمالسلام؛ لأنّ الولاية على الفيء والأنفال ـ كما تقدّم ـ يستلزم الولاية والإمامة العامّة وإن كان ملكيتها عليهاالسلام لفدك هي بوجوه متعدّدة؛ من كونها نحلةً وكونها أداءً لدَيْنِ مَهْر خديجة وكونها إرثاً وكونها تحتَ يدها وكونها مطهَّرةً معصومة لا تقول إلّا الصدق، وغيرها من الوجوه التي تتبيّن بالتدبر عند محاجّتها في فدك.
وقد كان احتجاجها والمطالبة بفدك بكلّ تلك الوجوه إلّا أنّ عمدة وجوه الإحتجاج هو بحقّ ذوي القربى وولايتهم في الأنفال والفيء ويلوح من ثقة الإسلام الكليني ذلك حيث يقول: وأمّا الأنفال فليس هذه سبيلها، فهي كانت للرسول صلىاللهعليهوآله خاصّة وكانت فدك لرسول الله صلىاللهعليهوآله خاصّة، لأنّه صلىاللهعليهوآله فتحها وأميرالمؤمنين عليهالسلام، لم يكن معهما أحد. (١)
ويصرّح بذلك من الروايات:
__________________
(١) الكافي ١/ ٥٣٨. (كتاب الحجّة ، أبواب التاريخ، الباب ١٣٠: باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه).
الأولى: ما رواه الكليني في الكافي والشيخ في التهذيب بإسنادهما عن عليّ بن أسباط قال:
«لما ورد أبو الحسن موسى عليهالسلام على المهدي رآه يردّ المظالم، فقال يا أمير المؤمنين، ما بال مظلمتنا لا تُردّ؟ فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن؟
قال: إنّ الله لما فتح على نبيّه صلىاللهعليهوآله فدك وما والاها، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فأنزل الله على نبيّه صلىاللهعليهوآله (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) فلم يَدْرِ رسولُ الله صلىاللهعليهوآله مَنْ هُم؟ فراجع في ذلك جبرئيلَ وراجع جبرئيلُ عليهالسلام ربَّه.
فأوحى الله إليه: أن ادفع فدك إلى فاطمة عليهاالسلام. فدعاها رسولُ الله صلىاللهعليهوآله فقال لها: يا فاطمة، إنّ الله أمرني أن أدفع إليكِ فدك، فقالت: قد قبلتُ يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها فيها حياةَ رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فلمّا ولي أبو بكر أخرج عنها وكلائها، فأتتْه فسألتْه أن يردَّها عليها، فقال لها: إئتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين عليهالسلام وأمّ أيمن فشهدا لها، فكتب لها بترك التعرض.
فخرجتْ والكتاب معها، فلقيها عمر، فقال: ما هذا معكِ يا بنتَ محمد؟ قالت: كتابٌ كتبه لي ابن أبي قحافة. قال أرينيه. فأبت فانتزعه من يدها ونظر فيه ثم تفل فيه ومحاه وخرقه. فقال لها: هذا لم يوجف أبوكِ فضعي الحبال في رقابنا.