بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-058-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٩٩

أطراف ما ذكرناه ، فإنه دقيق وبذلك حقيق. فقد ظهر عدم حرمة الضد من جهة المقدمية (١).

وأما من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمين في الوجود ، في الحكم ، فغايته أن لا يكون أحدهما فعلا محكوما بغير ما حكم به الآخر ، لا أن يكون محكوما بحكمه (٢).

______________________________________________________

(١) لقد عرفت وجه الانقداح لبطلان هذا التفصيل ، وهو كون عدم الضد الموجود من أجزاء علة الضد الآخر ، وان وجوده متوقف على هذا العدم وهو رفع الضد الموجود ، واما الضد المعدوم فلا يتوقف وجود ضده على عدمه.

ولعل وجه هذا التفصيل : ان الشرط الذي يتوقف عليه وجود الضد هو قابلية المحل لوجوده ، وحيث يكون المحل مشغولا بالضد فلا قابلية للمحل لوجود الضد الآخر ، فيتوقف وجوده على قابلية المحل المتوقفة على رفع هذا الضد الموجود في المحل. واما إذا كان المحل غير مشغول بالضد فالقابلية متحققة وليست بمتوقفة على عدم الضد ، فالضد المعدم لا توقف لوجود ضده على عدمه ، بخلاف الضد الموجود فإن وجود ضده متوقف على عدمه لانه بعدمه تتحقق القابلية للمحل.

وفيه ، أولا : ان القابلية امر وجودي ولا يعقل ان يترشح الامر الوجودي من العدمي.

وثانيا : انه كما يجوز ان تكون القابلية متوقفة على عدم الضد الموجود كذلك يمكن ان يكون تحققها في حال عدم الضد المعدوم بسبب عدم الضد المعدوم.

وثالثا : ما عرفت من عدم امكان ان يكون عدم الضد الموجود من اجزاء علّة ضده الذي يوجد بدلا عنه.

(٢) حاصله : انه لا ينبغي ان يتوهم احد بان القول بوجوب عدم الضد فيما إذا كان وجود الضد الآخر مطلوبا ليس لأجل مقدمية عدم الضد لوجود ضده ، بل لأن

٣٠١

وعدم خلو الواقعة عن الحكم ، فهو إنما يكون بحسب الحكم الواقعي لا الفعلي ، فلا حرمة للضد من هذه الجهة أيضا ، بل على ما هو عليه ، لو لا الابتلاء بالمضادة للواجب الفعلي ، من الحكم الواقعي (١).

______________________________________________________

وجود الضد وعدم ضده متلازمان في التحقق والمتلازمان في التحقق متلازمان في الحكم ، ولا شبهة في ان عدم الضد ملازم في التحقق لوجود ضده.

والجواب : هو ان وجود الضد وعدم ضده وان كانا من المتلازمين في التحقق إلّا انه لا يستلزم التلازم في التحقق التلازم في الحكم ، لأن الحكم لا يعقل ان يكون من غير سبب وملاك ، والوجوب منحصر في النفسي والغيري وحيث انه ليس في هذا العدم ملاك الوجوب النفسي ، بل وجود ملاك الوجوب النفسي فيه يخرجه عن محل الكلام ، لأن الكلام في ان الامر بالشيء يقتضي وجوبه لا ان وجوبه باقتضاء من نفسه ، وأما الوجوب الغيري فملاكه المقدمية أو العلية ، وحيث لا علية لوجود احد المتلازمين بالنسبة إلى وجود الملازم الآخر فلا وجوب غيري.

نعم ، غاية ما تقتضيه الملازمة ان لا يختلفا في الحكم ، فاذا كان احد المتلازمين واجبا ـ كما في المقام ـ فلا يعقل ان يكون ملازمه حراما أو مباحا لأن حرمته يلازمها التكليف بما لا يطاق ، واباحته لازمها اللغوية إذ ما لا بد من وجوده لا معنى لحكمه بالترخيص ، فلازم التلازم بين الواجب وملازمه في التحقق هو ان لا يكون لملازمه حكم لا أن يكون حكمه الوجوب ، ولذا قال : «فغايته ان لا يكون احدهما فعلا محكوما بغير ما حكم به الآخر» لا حكما الزاميا ولا غير الزامي «لا» ان لازم التلازم «ان يكون محكوما بحكمه» فليس لازم التلازم بين وجود الضد وعدم ضده ان يكون عدم ضده الملازم له محكوما بمثل حكمه.

(١) هذه إشارة إلى سؤال في المقام : وهو انه يلزم على ما ذكرت من كون الملازم للواجب ان لا حكم له خلو هذا الملازم عن الحكم ، والحال انه من المسلم انه لا تخلو واقعة عن حكم.

٣٠٢

الامر الثالث : إنه قيل بدلالة الامر بالشيء بالتضمن على النهي عن الضد العام ، بمعنى الترك ، حيث أنه يدل على الوجوب المركب من طلب الفعل والمنع عن الترك. والتحقيق أنه لا يكون الوجوب إلا طلبا بسيطا ، ومرتبة وحيدة أكيدة من الطلب ، لا مركبا من طلبين ، نعم في مقام تحديد تلك المرتبة وتعيينها ، ربما يقال : الوجوب يكون عبارة من طلب الفعل مع المنع عن الترك ، ويتخيل منه أنه يذكر له حدا ، فالمنع عن

______________________________________________________

فاجاب : بان عدم خلو الواقعة عن الحكم انما هو بالنسبة إلى الحكم الواقعي ، لأن الشيء إمّا فيه ملاك الرجحان في جانب الوجود فهو اما واجب أو مستحب ، أو فيه ملاك الرجحان من جانب العدم فهو اما حرام أو مكروه ، أو لم يكن فيه الملاكان وهو تارة فيه ملاك الترخيص فهو المباح اباحة اقتضائية ، واخرى لا يكون فيه فهو المباح باباحة لا اقتضائية.

وعلى كل فالمراد بعدم خلو الواقعة عن الحكم هو عدم خلوها عن الحكم الواقعي ، واما خلوها عن الحكم الفعلي لمانع يمنع عن فعلية الحكم الواقعي فلا مانع منه كما في الضد الملازم لعدم الضد الواجب ، فإن عدم الضد الواجب حرام ولكن الضد الملازم لهذا العدم الحرام لا حكم له فعلي وليس بحرام وهو باق على ما فيه من الملاك للحكم الواقعي ، وكما انه لأجل المانع وهو ملازمته للحرام لم يكن حكمه الواقعي فعليا فلا حكم فعلى له كذلك ليس فيه مقتضى الحرمة فلا حرمة فيه أيضا ، ولذا قال : «فلا حرمة للضد من هذه الجهة أيضا».

وقد أشار إلى انه باق على ما هو عليه من الملاك لحكمه الواقعي الذي منع عن فعليته ملازمته للعدم الحرام لانه ضد لما هو الواجب بقوله : «بل على ما هو عليه» إلى آخر كلامه. وقوله : «من الحكم الواقعي» من متعلقات بل على ما هو عليه ، وتقدير العبارة : بل هو على ما هو عليه من الحكم الواقعي لو لا الابتلاء بالمضادة للواجب الفعلي.

٣٠٣

الترك ليس من أجزاء الوجوب ومقوماته ، بل من خواصه ولوازمه ، بمعنى أنه لو التفت الآمر إلى الترك لما كان راضيا به لا محالة ، وكان يبغضه البتة (١).

______________________________________________________

(١) هذا الامر الثالث لبيان ان اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن تركه المعبر عنه في اصطلاحهم بالضد العام باي نحو من أنحاء الاقتضاء ، امّا اصل الاقتضاء فلا كلام فيه لما سيجيء من ان النهي عن تركه اما ملازم له أو متحد معه مصداقا.

ثم لا يخفى : انه قد مر ان الاقتضاء اما بنحو العينية المفهومية أو العينية المصداقية أو كونه جزء معناه فيقتضيه بالتضمن أو كونه امرا ملازما له فيقتضيه باللزوم. ولكن لم يتوهم احد ان مفهوم الامر بالشيء عين مفهوم المنع عن تركه ، لوضوح عدم معقولية كون المفهوم الايجابي عين المفهوم السلبي ، ولذا لم يتعرض المصنف لدفعه وقد تعرض لعدم دلالته عليه بالتضمن وانه ليس بمتحد معه مصداقا فيتعين ان يكون ملازما له ، وسيأتي الإشارة منه إلى ان اللزوم بينهما من اللزوم البين بالمعنى الاعم لا من البين بالمعنى الاخص ولا من غير البين.

والحاصل : انه ذهب بعض إلى دلالته عليه بالتضمن لانه جزء من معناه ، فإن حد الوجوب وتعريفه المشتمل على تمام ماهيته هو طلب الشيء مع المنع عن تركه ، فالمنع من الترك جزء معناه ودلالة اللفظ على جزء المعنى الموضوع له دلالة تضمنيّة.

والجواب عنه : يتضح ببيان حقيقة الوجوب ، فنقول : ان الطلب اما ان يكون هو الارادة الاكيدة أو البعث والتحريك الاعتباري ، فإن كان هو الارادة فيكون من مقولة الكيف النفساني ، ومن المعلوم في محله ان الاعراض بسائط خارجية ليست بمركبة من مادة وصورة ولا من جنس وفصل ، وان كان هو البعث والتحريك الاعتباري فالامور الاعتبارية اشد بساطة من الاعراض ، لأن الامور الاعتبارية من موجودات افق الاعتبار وليست من موجودات عالم الخارج حتى يتوهم تركبها ، بل هي امور قائمة باعتبار المعتبر لها فلا يعقل التركب في حقيقة الطلب.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم الطلب الوجوبي بناء على كونه هو الارادة فهو ارادة اكيدة ، ولا شبهة ان تأكد الارادة معناه شدة وجودها وشدة الوجود امر وجودي وليس بعدمي حتى يصح ان يكون هو المنع من الترك.

ولا يخفى أيضا ان الشيء كما يعرّف بشرح حقيقته كذلك يعرّف بذكر لوازمه ، وتعريفهم للوجوب بانه الطلب للشيء مع المنع عن تركه تعريف له بذكر لازم الوجوب ، وذلك حيث ان الطلب مشترك بين الطلب الندبي والوجوبي ، والطلب الندبي لازمه الرضا والاذن في الترك بخلاف الطلب الوجوبي فإن لازم كونه طلبا الزاميا ان يكون لا يرضى بتركه لا ان المنع من الترك جزء حقيقة الوجوب ، ولذلك كما انهم يعرفونه : بانه طلب الفعل مع المنع من الترك ، كذلك يعرفونه : بان الوجوب هو الطلب الالزامي.

ولا يخفى أيضا ان المنع من الترك لازم بيّن بالمعنى الاعم وليس لازما بيّنا بالمعنى الاخص ولا لازما غير بيّن ، امّا انه ليس لازما بينا بالمعنى الاخص لوضوح انه كثيرا ما يتصور الآمر الطلب الوجوبي ويأمر أمرا وجوبيا الزاميا ولا يتصور مفهوم المنع عن الترك ، واللازم البين بالمعنى الاخص هو الذي يكفي في تصوره تصور الملزوم ولذا تكون الدلالة عليه دلالة التزامية ، وليس من اللازم غير البين اذ لا يحتاج إلى اقامة دليل على لزومه كلزوم الحدوث للعالم وكوجوب المقدمة المترشح لها من وجوب ذيها كما مر ، فلا بد وان يكون من اللزوم البين بالمعنى الاعم وانه مع الالتفات إلى الترك يجزم الشخص الآمر بانه لا يرضى به ويمنع عنه وهو مبغوض له ، وقد أشار المصنف إلى كون الطلب بسيطا وغير مركب بقوله : «انه لا يكون الوجوب الا طلبا بسيطا ومرتبة وحيدة اكيدة من الطلب» هذا بناء على كون حقيقة الامر الوجوبي هو الارادة الشديدة ، فيكون الطلب الوجوبي هو ارادة الشيء ارادة شديدة منبعثة عن مصلحة ملزمة ، وحيث كانت المصلحة ملزمة فلا بد وان تكون ارادة الشيء الناشئة عنها ارادة اكيدة شديدة ولا تكون كالإرادة المنبعثة عن مصلحة غير الزامية ،

٣٠٥

ومن هنا انقدح أنه لا وجه لدعوى العينية ، ضرورة أن اللزوم يقتضي الاثنينية ، لا الاتحاد والعينية.

نعم لا بأس بها ، بأن يكون المراد بها أنه يكون هناك طلب واحد ، وهو كما يكون حقيقة منسوبا إلى الوجود وبعثا إليه ، كذلك يصح أن ينسب إلى الترك بالعرض والمجاز ويكون زجرا وردعا عنه (١)

______________________________________________________

فإنها لا بد وان تكون الارادة الناشئة عنها ذات مرتبة أضعف من الارادة المنبعثة عن المصلحة الملزمة ، وان كان كل من الارادتين كافيا في جعل الداعي والتحريك إلى اتيان الشيء ، اذ ما لم يكن الشوق بالغا لجعل الداعي لا يكون طلبا ولا باعثا ومحركا.

فظهر : ان حقيقة الوجوب هو الارادة الشديدة فقط وليست حقيقته مركبة من طلبين : طلب الفعل ، والنهي عن الترك ، وليست حقيقة الوجوب هو ارادة الشيء وكراهية تركه وبغضه ، والى هذا أشار بقوله : «لا مركبا من طلبين» وأشار إلى ان توهم تركب حقيقة الوجوب من طلب الفعل والمنع عن تركه قد نشا من تعريفهم له بذلك وانه تعريف باللازم ، وليس هو الحد المشتمل على أجزاء ذات الطلب بقوله : «نعم في مقام تحديد تلك المرتبة وتعيينها» إلى آخره ، وأشار إلى انه لازم بين بالمعنى الاعم بقوله : «بل من خواصه ولوازمه بمعنى انه لو التفت الامر إلى الترك لما كان راضيا به لا محالة وكان يبغضه البتة».

(١) لا يخفى انه إذا ثبت ان المنع من الترك من لوازم الطلب الوجوبي فهو كما ينتفي به دعوى دلالته عليه بالتضمن كذلك ينتفي به دعوى العينية والاتحاد في المصداق ، لوضوح ان الامر اللازم لشيء ليس هو عين ذلك الشيء ومتحدا معه مصداقا ، لأن العينية والاتحاد في المصداق لازمها ان يكون المفهومان منتزعين عن شيء واحد وليس لكل واحد منشأ انتزاع غير منشأ انتزاع الآخر ، بخلاف كون شيء لازما لشيء فإن لازمه ان يكونا اثنين ولكل واحد منشأ انتزاع غير منشإ انتزاع الآخر.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيح الحال : ان المراد بالمنع من الترك ان كان هو الزجر والبغض والكراهية للترك فلا بد وان يكون من لوازم طلب الفعل وارادته وحبه ، ولا يعقل ان يكون مصداق الزجر والبغض هو مصداق الارادة والمحبوبية ، وكيف يكون مصداقهما واحدا ومتعلق الزجر والبغض هو الترك ومتعلق الارادة والحب هو الفعل؟

فيتعين ان يكون المنع من ترك الفعل من لوازم ارادة الفعل وطلبه ، واذا كان المراد من المنع من الترك هو تبعيد المبعوث إلى الفعل عن نقيضه وعدمه فيمكن ان يكون شيء واحد ـ وهو الطلب ـ منسوبا إلى الوجود أولا وبالذات ، والى عدمه وتركه ثانيا وبالعرض والمجاز ، فان البعث إلى وجود الشيء كما انه تقريب إلى طرف الوجود اولا وبالذات فانه تبعيد عن خلافه وعدمه وتركه ثانيا وبالعرض.

ومن الواضح : ان ما بالذات غير ما بالعرض والمجاز ، وليس ما بالذات عين ما بالعرض. نعم حيث كان جعل الداعي والتحريك إلى ايجاد الشيء فهو تقريب إلى الوجود اولا وبالذات وتبعيد عن عدمه ثانيا وبالعرض ، لبداهة ان القرب إلى شيء قرب اليه اولا وبالذات وبعد عن مقابله ثانيا وبالعرض ، وقد أشار إلى ان المنع من الترك ان كان هو البغض للعدم وللترك فهو لازم طلب وجود الشيء بقوله : «ومن هنا انقدح انه لا وجه لدعوى العينية» إلى آخره ، وقوله : من هنا إشارة إلى ما ذكره قبل الانقداح بلا فصل وهو قوله : «لما كان راضيا به لا محالة وكان يبغضه البتة».

وأشار إلى توجيه العينية والاتحاد بما ذكرنا بقوله : «نعم لا بأس بها بان يكون المراد بها انه يكون هناك طلب واحد وهو كما يكون حقيقة منسوبا إلى الوجود وبعثا اليه» وهو كما انه تحريك ينسب إلى الوجود اولا وبالذات «كذلك يصح ان ينسب» هذا الطلب والبعث نحو الوجود إلى العدم و «إلى الترك بالعرض والمجاز لأن التقريب إلى شيء تبعيد عن خلافه ومقابله «ويكون زجرا وردعا».

٣٠٧

فافهم (١).

الامر الرابع : تظهر الثمرة في أن نتيجة المسألة ، وهي النهي عن الضد بناء على الاقتضاء ، بضميمة أن النهي في العبادات يقتضي الفساد ، ينتج فساده إذا كان عبادة (٢). وعن البهائي رحمه‌الله أنه أنكر الثمرة ،

______________________________________________________

(١) لعله إشارة إلى ان المراد من الزجر والردع ليس هو البغض والكراهية بل هو التبعيد عن الترك.

(٢) لا يخفى ان المترتب على اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده الخاص هو النهي ، وحرمة الضد الخاص اعم من ان يكون عبادة أو غير عبادة ، ولكن حيث كان المهم هو الخلاف بين المشهور والبهائي من انكار هذه الثمرة في العبادة لذلك خصّ الثمرة بالعبادة.

وحاصله : انه بناء على اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده الخاص ، فاذا عصى المكلف وترك الأهم وهي الازالة وفعل الصلاة فبناء على اقتضاء الأمر للنهي عن ضده الخاص تكون الصلاة منهيا عنها ، وسيأتي في مسألة النهي في العبادة ثبوت دلالة النهي المتعلق بالعبادة على فسادها فتكون الصلاة فاسدة.

واما بناء على عدم اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده الخاص فلا تكون الصلاة منهيا عنها فلا تكون فاسدة.

ولا يخفى ان المشهور القائلين بفساد العبادة ـ بناء على الاقتضاء ـ لا بد ان لا يقولوا ـ بما تقدم تحقيقه من المصنف ـ في ان الامر الغيري لا يوجب ثوابا ولا عقابا ولا قربا ولا بعدا ، فانه بناء عليه لا يكون النهي المتعلق بالعبادة منافيا لعباديتها إذا امكن ان تقع عبادة بغير قصد امتثال امرها ، فإن النهي المتعلق بها المستفاد من وجوب عدمها لانه مقدمة للضد الأهم لا يعقل ان يزيد على وجوب عدمها الغيري الذي لا يوجب قربا ولا ثوابا ، ولا يوجب ترك هذا العدم الذي هو فعل الصلاة بعدا ولا عقابا ، وحيث لا يوجب النهي عقابا ولا بعدا فلا يمنع عن صلاحيتها لوقوعها

٣٠٨

بدعوى أنه لا يحتاج في استنتاج الفساد إلى النهي عن الضد ، بل يكفي عدم الامر به ، لاحتياج العبادة إلى الامر (١).

وفيه : إنه يكفي مجرد الرجحان والمحبوبية للمولى ، كي يصح منه أن يتقرب به منه ، كما لا يخفى ، والضد بناء على عدم حرمته يكون كذلك ، فإن المزاحمة على هذا لا توجب إلا ارتفاع الامر المتعلق به فعلا ، مع بقائه على ما هو عليه من ملاكه من المصلحة ، كما هو مذهب

______________________________________________________

عبادة ، حيث يمكن ان تقع عبادة من غير قصد امتثال امرها بقصد رجحانها الذاتي أو محبوبيتها ، فإن النهي ـ بناء على الاقتضاء ـ لا يستلزم الّا سقوط الامر بها لعدم امكان اجتماع الامر والنهي فيها ، فالنهي المتعلق بها يلازمه سقوط امرها ، ولكن حيث لم يكن هذا النهي مبعدا ولا موجبا للعقاب فلا يمنع من وقوعها عبادة بقصد رجحانها أو محبوبيتها النفسيّة.

(١) قد عرفت ان المشهور قالوا بفساد العبادة بناء على اقتضاء الامر للنهي عن ضده الخاص.

وقد انكر البهائي رحمه‌الله هذه الثمرة ، وقال : بان العبادة تقع فاسدة سواء قلنا بان الامر بالشيء يقتضي النهي اولا يقتضي النهي ، لانه بناء على عدم اقتضاء الامر للنهي عن ضده الخاص فالعبادة لا تكون متعلقة للنهي الّا انها ملازمة للمحرم ، فإن وجود الضد المهم يلازم عدم الضد الأهم ، وعدم الواجب الاهم محرم والملازم للمحرم لا يعقل ان يكون واجبا لعدم امكان اختلاف المتلازمين في الحكم ، فلا مناص عن سقوط الامر بالصلاة الملازم لعدم الازالة المحرّم ، وحيث لا أمر بالصلاة فلا بد وان تقع فاسدة ، لأن وقوعها صحيحة يتوقف على قصد امرها ولا أمر بها للملازمة ، وهذا مراده من قوله : «بل يكفي عدم الأمر به» : أي يكفي عدم الامر بالضد في وقوع الضد فاسدا حيث يكون الضد عبادة «لاحتياج العبادة إلى الأمر».

٣٠٩

العدلية ، أو غيرها أي شيء كان ، كما هو مذهب الاشاعرة ، وعدم حدوث ما يوجب مبغوضيته وخروجه عن قابلية التقرب به كما حدث ، بناء على الاقتضاء (١).

______________________________________________________

(١) وحاصل ما ذكره ردا على البهائي في انكاره للثمرة : هو ان المشهور القائلين بفساد العبادة بهذا النهي لانه يوجب مبغوضيتها ، ومع كون الشيء يقع مبغوضا لا يعقل ان يكون صالحا لأن يكون مقربا ، ولا يعقل ان يقع راجحا ومحبوبا ، فإن رجحانه قد زاحمته مرجوحيته بهذا النهي ومحبوبيته قد زاحمته مبغوضيته له أيضا ، بخلاف سقوط الأمر لأجل الملازمة ، فإن الملازمة لا توجب الّا سقوط الامر ولا يستلزم ارتفاع الرجحان والمحبوبية المتحققين في الملازم ، فالصلاة الملازمة لعدم الاهم المحرم لم يرتفع رجحانها ومحبوبيتها لهذه الملازمة ، وانما ارتفع الامر بها فقط ، فيمكن ان يؤتى بها بقصد رجحانها ومحبوبيتها الذاتية المقتضية للأمر بها لو لا ابتلاؤها بالمانع عن امرها ، فالضد العبادي يقع صحيحا بناء على عدم حرمته لبقائه على ما هو عليه من رجحانه الذاتي ومحبوبيته الذاتية ، بخلاف ما إذا كان الضد العبادي محرما فانه لا يقع راجحا ولا محبوبا فلا يصح ان يقع عبادة ومتقربا به ، والعبارة واضحة عدا قوله : «كما هو مذهب العدلية أو غيرها».

وتوضيحها انه لا ينبغي ان يقال : ان الضد العبادي عند المشهور انما يصح ان يقع عبادة بناء على عدم الاقتضاء وان ارتفع الامر للملازمة ، بان يأتي به بقصد رجحانه الذاتي ، ومحبوبيته لتحمله للمصلحة المحبوبة انما هو لأن مشهور العدلية يقولون بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد في المأمور به ، فحيث يرتفع الحكم فقط للملازمة يبقى الرجحان والمحبوبية.

اما بناء على مذهب الاشاعرة المنكرين لتبعيتها للمصالح والمفاسد فعند ارتفاع الأمر للملازمة لا يتاتى قصد القربة لعدم احراز المصلحة والرجحان والمحبوبية في الفعل.

٣١٠

ثم إنه تصدى جماعة من الافاضل ، لتصحيح الامر بالضد بنحو الترتب على العصيان ، وعدم إطاعة الامر بالشيء بنحو الشرط المتأخر ، أو البناء على المعصية (١) ، بنحو الشرط المتقدم ، أو المقارن ، بدعوى أنه

______________________________________________________

فانه يقال : ان الاشاعرة وان لم يقولوا بالمصالح والمفاسد الّا انهم لا يقولون بالجزاف البحت وان الحكم لا ملاك له اصلا ، وحيث لا نهي في الضد بناء على الملازمة فملاك الامر العبادي موجود في متعلقه وان سقط الامر به ، فيقصد ذلك الملاك الموجب لتعلق الامر العبادي وهو كاف في وقوعه عبادة سواء كان ذلك الملاك هو المصلحة كما هو مذهب العدلية أو غير المصلحة كما هو مذهب الاشاعرة ، لانه انما سقط بالملازمة الامر بالضد فقط ، وأما ملاكه فهو باق على ما هو عليه سواء كان هو المصلحة أو غيرها ، فيقصد الملاك الموجود في الضد العبادي ويقع عبادة بهذا القصد.

(١) قد عرفت ان المتلازمين في الوجود لا يعقل اختلافهما في الحكم ، فالصلاة الملازمة لترك الأهم ـ وهي الازالة ـ لا يعقل الاتيان بها عبادة بقصد امرها ، اذ لا يعقل بقاء الامر فيها ، وانما يصح اتيانها بقصد المحبوبية والرجحان الذاتي.

وقد تصدى بعض المحققين لإمكان الاتيان بها بقصد امرها ، لأن بقاء الامر بالصلاة التي هي المهم على اطلاقه مع كون ان الأمر بالاهم التي هي الازالة مفروض الاطلاق لازمه اجتماع الضدين في آن واحد ، واما إذا خرج الأمر بالصلاة من مرحلة الاطلاق إلى التعليق والاشتراط على عصيان الامر بالأهم فلا مضادة بينهما : بان يقول الآمر أزل فإن لم تزل فصلّ ، وحيث لا مضادة من الامر بالصلاة على وجه التعليق والترتب فلا مانع من الاتيان بقصد امرها ، فانه لا يأتي بها الّا في حال عصيان الامر بالإزالة ، وفي هذا الحال لا مضادة فلا مانع من الامر بالصلاة حينئذ ، وسيأتي الإشارة إلى بيان وجه عدم المضادة فيما إذا كان الأمر على وجه التعليق في عبارته (قدس‌سره).

٣١١

لا مانع عقلا عن تعلق الامر بالضدين كذلك ، أي بأن يكون الامر بالاهم مطلقا ، والامر بغيره معلقا على عصيان ذاك الامر ، أو البناء والعزم عليه ، بل هو واقع كثيرا عرفا (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان التقسيم البدوي للعصيان ثلاثة ، كما ان للبناء على المعصية ايضا ثلاثة : العصيان بنحو الشرط المتقدم ، أو المقارن ، أو المتأخر ، ولكن حيث ان اخذ العصيان بنحو الشرط المتقدم لازمه خروج المقام عن محل الكلام ، لأن النزاع في امكان الترتب وعدمه انما هو لاستلزامه الجمع بين الامر بالضدين اولا ، ومع فرض تحقق العصيان بنحو الشرط المتقدم لا ريب في عدم استلزامه الجمع بين الامر بالضدين ، لانه بعد تحقق العصيان يسقط الامر ، ومع تقدمه زمانا على زمان الامر بالضد لا مانع من الامر بالضد الآخر ، اذ لا تزاحم بين الموجود والمعدوم ، فإن الامر بالصلاة بعد سقوط الامر بالإزالة وتقدم سقوطه لعصيانه لا مانع من الامر بالصلاة المعلق على عصيان الامر بالازالة المتقدم بالزمان على الامر بالصلاة اذ لا تزاحم بينهما بالضرورة ، وكيف يقع التزاحم بين الامر الموجود والامر الساقط المتقدم سقوطه على هذا الامر الموجود.

واما اخذ العصيان للازالة مقارنا للامر بالصلاة فلأنه على ما تقدم منه في الواجب المعلق من لزوم تأخر الانبعاث عن البعث زمانا يلزم الخروج عن محل النزاع أيضا ، لأن التضاد بين الأمرين بالضدين انما هو لعدم امكان الانبعاث عنهما في زمان واحد ، امّا اجتماع نفس البعثين والأمرين في زمان واحد فلا مانع منه لعدم التضاد بين نفس البعثين من دون اجتماع الانبعاثين عنهما ، فاذا اخذ العصيان للاهم ـ وهو الامر بالازالة ـ مقارنا للامر بالصلاة فلا محالة يتأخر الانبعاث عن الامر بها عن زمان بعثها ، فلا يجتمع في زمان واحد امران يتزاحمان في الانبعاث عنهما ، لأن الانبعاث عن الامر بالصلاة متأخر عن زمان الامر بالصلاة ، والامر بالصلاة وان كان في زمان الامر بالازالة لأن العصيان للامر بالازالة لا بد وان يكون مجتمعا مع زمان الامر

٣١٢

قلت : ما هو ملاك استحالة طلب الضدين في عرض واحد ، آت في طلبهما كذلك ، فإنه وإن لم يكن في مرتبة طلب الاهم اجتماع طلبهما ،

______________________________________________________

بالازالة والامر بالصلاة موجود في ذلك الزمان أيضا ، الّا انه حيث كان الانبعاث عن الامر بالصلاة غير مجتمع زمانا مع الامر بالصلاة ومتأخر بالزمان عنه وفي زمان الانبعاث عن الامر بالصلاة لا وجود للامر بالازالة لسقوطه بالعصيان ـ فلا يجتمع الامران في ضدين متزاحمين في الانبعاث عنهما.

وأمّا أخذ العصيان بنحو الشرط المتأخر فهو محل الكلام لاجتماع الامرين بعثا وانبعاثا في زمان واحد ، فبناء على صحة الترتب يصح هذا الاجتماع وبناء على محاليته لا يصح ، وأما إذا كان المعلق عليه الامر بالمهم هو البناء على معصية الأمر بالأهم فسواء اخذ بنحو الشرط المتأخر أو المقارن أو المتقدم يكون من مورد النزاع ، اذ البناء على المعصية ليس موجبا لسقوط الامر مثل العصيان له ، فيجتمع الامران على نحو الترتب وهو محل النزاع.

إلّا انه في اخذ البناء بنحو الشرط المتقدم مناقشة ، وجهها : ان الشرط المتقدم غير المستمر إلى زمان الامر هو المراد بالشرط المتقدم ، واما الشرط المستمر تحققه إلى زمان الامر فهو الشرط المقارن ، وعليه فالبناء على المعصية للأهم إذا لم يستمر إلى زمان الأمر بالصلاة فلا بد وان يكون متبدلا بالبناء على اطاعة الأهم ، ومع البناء على اطاعة الاهم لا مجال لحصول الصلاة ، واذا لم يعقل حصول الصلاة لا وجه لتصحيحها ، إذ الترتب انما يكون وجها للصحة حيث يعقل حصولها.

وعلى كل فقد ظهر الوجه في تخصيص المصنف اخذ العصيان بنحو الشرط المتأخر ، والبناء على المعصية في اخذه بالانحاء الثلاثة ، وانما ذكر في العبارة في اخذ البناء على المعصية بنحو الشرط المتقدم والمقارن ولم يذكر اخذه بنحو الشرط المتأخر لانه هو المسلم اخذه في العصيان دون الشرط المتقدم والمقارن ، فذكر ما لا يمكن اخذه شرطا في العصيان وترك ذكر المتأخر لانه من المسلم.

٣١٣

إلا أنه كان في مرتبة الامر بغيره اجتماعهما ، بداهة فعلية الامر بالاهم في هذه المرتبة ، وعدم سقوطه بعد بمجرد المعصية فيما بعد ما لم يعص ، أو العزم عليها مع فعلية الامر بغيره أيضا ، لتحقق ما هو شرط فعليته فرضا (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى انه قد استند القائلون بصحة اجتماع الامرين بضدين على نحو الترتب إلى وجوه قد أشار إلى بعضها المصنف ، منها ما أشار اليه في طي عبارته هذه بقوله : «فانه وان لم يكن في مرتبة طلب الاهم».

وتوضيحه : ان الملاك في استحالة طلب الضدين هو ان يكون لكل واحد منهما اطلاق يشمل جميع مراتب اطلاق طلب الضد الآخر ، بحيث يلزم ان يجتمع الطلبان في مرتبة واحدة ، واما إذا كان طلب الأهم متأخرا بمرتبة واحدة فضلا عما لو كان متأخرا بمرتبتين ـ كما في المقام ـ فلا مانع من اجتماعهما.

والحاصل ان المحال اجتماع الطلبين في عرض واحد ، أما إذا كان احدهما متأخرا بالمرتبة عن الآخر فلا يكون في عرضه ، فلا يكون اجتماعهما من اجتماع طلب الضدين المحال ، وطلب المهم بنحو الترتب والتعليق على عصيان الاهم متأخر عن عصيان الامر بالأهم ، لوضوح تأخر كل مشروط عن شرطه بمرتبة ، وعصيان الامر بالاهم متأخر بالرتبة أيضا عن الامر بالأهم ، اذ لا يعقل ان يتحقق عصيان لأمر من دون الامر ويعقل ان يتحقق امر ولا عصيان ، فالأمر بالمهم متأخر بمرتبة عن العصيان والمتأخر بمرتبة عن الأمر بالأهم ، فالأمر بالمهم متأخر عن الأمر بالأهم بمرتبتين ، واذا كان الأمر بالمهم متأخرا بالمرتبة عن الامر بالاهم فلا يكون من اجتماع الأمرين في عرض ، لأن العرضية لازمها ان يكون اطلاق كل منهما مزاحما لإطلاق الآخر ومنافيا له ، وبعد تأخر المهم بمرتبتين لا يجتمع اطلاق احدهما مع اطلاق الآخر ، لوضوح انه في مقام اطاعة الأمر بالأهم وامتثاله لا اطلاق للامر بالمهم ، بل لا وجود له اصلا لانه منوط بعصيان الأهم ، فحيث لا عصيان لا موضوع للامر بالمهم ، وفي

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فرض عصيان الامر بالأهم ولو في ظرفه ليس للامر بالأهم اطلاق يشمل ظرف عصيانه ، لأن ظرف عصيانه ظرف عدمه ، ولا يعقل ان يكون للامر اطلاق يشمل ظرف عدم الامر ، فلا يكون اجتماع طلب الاهم وطلب المهم المعلق على فرض عصيان الاهم من الاجتماع في عرض واحد ، بحيث يكون لكل واحد منهما اطلاق يزاحم الآخر.

والجواب عنه : ان عدم اجتماع طلب الضدين في عرض واحد انما هو لاجتماعهما في زمان واحد بحيث يكون كل واحد منهما فعليا في حين فعلية الآخر ، وكل واحد منهما يقتضي انبعاثا في حال ان الآخر يقتضي ـ أيضا ـ انبعاثا في ذلك الوقت ، وهذا بعينه موجود في الأمر بالضدين على نحو الترتب ، لأن غاية ما اقتضاه الأمر بالضد الآخر على نحو الترتب هو تأخر الأمر بالمهم بالمرتبة عن الأمر بالاهم ، والتأخر بالمرتبة لا ينافي الاجتماع بالزمان ، فإن الامر بالمهم في مقام اطاعة الامر بالاهم وان كان لا تحقق له لانه مشروط بعصيان الاهم إلّا ان هذا الفرض لا كلام فيه ، وانما الكلام في تصحيح الأمر بالمهم في ظرف عصيان الأمر بالأهم ، واخذ العصيان للاهم بنحو الشرط المتأخر للامر بالمهم لا يلازم سقوط الامر بالاهم ، إذا المفروض ان العصيان للأهم في ظرفه لا بالفعل هو الشرط للامر بالمهم ، وفي مثل هذا الفرض الأمر بالأهم موجود وغير ساقط فيجتمع الأمر بالأهم والأمر بالمهم بالفعل ، ويكون كل منهما فعليا ويقتضي انبعاثا بالفعل ، فإن الامر بالاهم متحقق لاطلاقه وعدم تقييده بالمهم ، والأمر بالمهم متحقق بالفعل أيضا لفرض ان شرطه عصيان الامر بالأهم في ظرفه المتأخر عن هذا الزمان ، فيجتمع الأمر بالضدين بالفعل وكل واحد منهما فعلى.

وبعبارة اخرى : ان المانع عن ان يكون لكل واحد منهما اطلاق بالفعل في عرض الآخر هو اجتماعهما بالفعل بنحو ان يكون كل واحد منهما فعليا ويقتضي انبعاثا بالفعل ، وهذا المانع موجود في الامر بالضدين وان كان احدهما مترتب على عصيان

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الآخر بنحو الشرط المتأخر ، فإن الأمر بالمهم وان كان لا اطلاق له يشمل مقام الامتثال والإطاعة للامر بالأهم لانه قد اخذ فيه عصيان الامر بالاهم ، إلّا ان هذا العصيان ماخوذ بنحو الشرط المتأخر الذي لازمه كون الامر المشروط به فعليا قبل زمان تحقق الشرط ، فقبل تحقق العصيان الذي هو زمان فعلية الأمر بالأهم الامر بالمهم أيضا فعلي ، فيجتمع الامر بالضدين وكل واحد منهما فعلي ، فإن المفروض ان للأمر بالاهم اطلاقا يشمل جميع الازمنة الذي منها الزمان الذي يكون الامر بالمهم فيه فعليا لتحقق شرطه في ظرفه ، فالاجتماع في الوجود متحقق ويكفي فيه ان يكون لأحدهما اطلاق يشمل حال وجود الآخر ، فالأمر بالمهم وان لم يكن في مرتبة الأمر بالأهم إلّا ان الأمر بالأهم متحقق في مرتبة الأمر بالمهم ، لفرض اطلاق الامر بالأهم بحيث يشمل مرتبة الأمر بالمهم ، فيلزم اجتماع الأمر بالضدين بالفعل. هذا كله فيما إذا كان الشرط لفعلية الأمر بالمهم هو عصيان الأمر بالاهم بنحو الشرط المتأخر الذي قد عرفت ان عصيانه في ظرف متأخر لا يقتضي سقوطه بالفعل.

وأما بناء على كون الشرط لفعلية الأمر بالمهم هو البناء على عصيان الأهم ، فاجتماعهما واضح باي نحو اخذ البناء شرطا متقدما أو مقارنا أو متأخرا ، فإن البناء على معصية الأمر لا يسقط الأمر ، والى ما ذكرنا أشار بقوله : «فانه وان لم يكن في مرتبة طلب الاهم اجتماع طلبهما» لأن المفروض ان الأمر بالمهم لا اطلاق له يشمل حال تحقق الأمر بالاهم ، اذ لم يكن له اطلاق يقتضي تحققه في جميع الاحوال حتى حال تحقق الامر بالأهم «إلّا انه كان في مرتبة الامر بغيره» وهو مرتبة الامر بالمهم «اجتماعهما» : أي اجتماع الامر بالاهم والامر بالمهم في مرتبة الامر بالمهم ، وقوله : اجتماعهما هو اسم كان لبداهة فعلية الأمر بالاهم لفرض اطلاقه في جميع المراتب التي منها مترتبة الامر بالمهم ، ولذا قال : «بداهة فعلية الامر بالأهم في هذه المرتبة» وهي مرتبة الامر بالمهم ، لأن الامر بالمهم قد صار فعليا لفرض تحقق شرطه وهو العصيان في الزمان المتأخر ، وعصيان الامر بالأهم في الزمان المتأخر لا يوجب

٣١٦

لا يقال : نعم لكنه بسوء اختيار المكلف حيث يعصي فيما بعد بالاختيار ، فلولاه لما كان متوجها إليه إلا الطلب بالاهم ، ولا برهان على امتناع الاجتماع ، إذا كان بسوء الاختيار (١).

______________________________________________________

سقوط الامر بالأهم حالا ، فإن الامر يسقط بعصيانه الحالي لا بعصيانه المتأخر عنه زمانا ، ولذا قال : «وعدم سقوطه بعد بمجرد المعصية فيما بعد» غير المتحققة بالفعل و «ما لم يعص» الامر بالأهم لا يسقط الأمر بالأهم ، وقد أشار إلى اجتماعهما فيما كان الشرط للمهم هو العزم على عصيان الاهم والبناء على معصيته بقوله : «أو العزم عليها» : أي على المعصية ، ففي فرض العزم والبناء على المعصية للاهم يكون الامر بالمهم فعليا لتحقق شرطه ، والامر بالأهم فعلى لانه لا يسقط بمجرد العزم على عصيانه ، فيجتمع الأمران بضدين فعليين وهذا مراده من قوله : «فعلية الامر بغيره أيضا لتحقق ما هو شرط فعليته فرضا».

(١) هذا الوجه الثاني ، وحاصله : ان غاية ما ذكر ان الأمر بالضدين على نحو الترتب لازمه الاجتماع حيث يعصي المكلف الأمر بالأهم ، أما إذا لم يعص ويطع الأمر بالأهم فلا يتحقق الاجتماع لعدم تحقق شرط الامر بالمهم ، والعصيان انما يكون بسوء اختيار المكلف ، لأن المخالفة لا بالاختيار ليست عصيانا ، والامر بالضدين الذي يكون السبب في اجتماعهما سوء اختيار المكلف لا مانع منه عقلا ، لأن المحال هو ان يكون السبب الموقع للمكلف في التكليف بما لا يطاق لم يات من ناحية المكلف.

وبعبارة اخرى : ان المحال هو ان يأمر المولى ابتداء بايجاد الضدين فيكون كل منهما في عرض الآخر من دون ان يكون المكلف موجبا لاجتماعهما ، لانه إذا كان المكلف في تمام الطوع والانقياد لا يستطيع ان يمتثل فيكون القاؤه فيما لا يطاق امتثاله من ناحية المولى لا من ناحية المكلف وهو القبيح ، واما إذا كان القاؤه فيما لا يطاق بسوء اختياره فليس بقبيح.

قوله : «حيث يعصي فيما بعد» لأن العصيان ماخوذ بنحو الشرط المتأخر.

٣١٧

فإنه يقال : استحالة طلب الضدين ، ليس إلا لاجل استحالة طلب المحال ، واستحالة طلبه من الحكيم الملتفت إلى محاليته ، لا تختص بحال دون حال ، وإلا لصح فيما علق على أمر اختياري في عرض واحد ، بلا حاجة في تصحيحه إلى الترتب ، مع أنه محال بلا ريب ولا إشكال (١).

______________________________________________________

قوله : «فلولاه لما كان متوجها اليه الا الطلب بالاهم» لانه لو لم يعص الأمر بالاهم لما كان الامر بالمهم متوجها ، ولو اطاع لما توجه اليه الا طلب واحد وهو الطلب بالأهم.

(١) وحاصله : ان قبح الطلب بما لا يطاق وبتحصيل المحال لا يدور مدار سوء اختيار المكلف وحسن اختياره ، فإن طلب المحال من الحكيم لا يصدر وان كان بسوء اختيار المكلف ، ولذا لا يعقل ان يأمر المولى بالمحال معلقا امره به على امر اختياري للمكلف ، فلا يصح ان يأمر المولى ابتداء ويقول لعبده ان دخلت الدار فاجمع بين الضدين أو النقيضين ، مضافا إلى ان الأمر بداعي جعل الداعي ، ومع علم المولى بالمحال تحققه لا يعقل ان يأمر بداعي جعل الداعي اليه.

والحاصل : انه لو صح من المولى الحكيم ان يقول لعبده ان عصيت الأمر بالأهم بسوء اختيارك فأزل وصل لصح منه ان يأمر ـ ابتداء ـ ويقول ان دخلت الدار ـ مثلا ـ فأزل وصل جاعلا كل واحد منهما في عرض الآخر من دون حاجة إلى التعليق على العصيان بنحو الترتب ، ومن الواضح محاليته ولذا قال : «وإلّا لصح فيما علق امر اختياري في عرض واحد» : اي ولو صح الامر بالضدين بنحو الترتب لكونه بسوء الاختيار فيصح الطلب للمحال معلقا على سوء اختيار المكلف ويكون طلب المحال لا بسوء اختيار المكلف محالا ، وطلبه بسوء اختياره لا محالية فيه ـ لجاز وصح من المولى ابتداء ان يأمر بالضدين في عرض واحد ويعلق امره بهما على شيء اختياري وهذا لا يصح قطعا فلا يصح الجمع على نحو الترتب.

٣١٨

إن قلت : فرق بين الاجتماع في عرض واحد والاجتماع كذلك ، فإن الطلب في كل منهما في الاول يطارد الآخر ، بخلافه في الثاني ، فإن الطلب بغير الاهم لا يطارد طلب الاهم ، فإنه يكون على تقدير عدم الاتيان بالاهم ، فلا يكاد يريد غيره على تقدير إتيانه ، وعدم عصيان أمره (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو الوجه الثالث الذي أشار اليه بقوله ان قلت لتصحيح الأمر بالضدين على نحو الترتب ، ومبنى هذا الوجه ليس التاخر بالمرتبة كما مر في الوجه الاول ، وانما حاصله : ان المانع من الأمر بالضدين في عرض واحد هو كون كل منهما يطرد الآخر ويقتضي ان يشغل المحل هو دون الضد الآخر ، والأمر بالضدين على نحو الترتب لا مطاردة بينهما كذلك ، لأن الأهم لا يطرد المهم ، لانه في مورد امتثاله لا تحقق للمهم حتى يطرده الأهم لانه منوط بعصيانه ، امّا في حال اطاعته وامتثاله والاتيان به لا تحقق للامر بالمهم ، وطلب المهم أيضا لا يطرد الأهم لأن مورده حال عدم الإتيان بالأهم وعصيانه ، والأهم في حال عصيانه وعدم الإتيان به لا اطلاق له ، اذ لا يعقل ان يشمل اطلاق الامر بالأهم مورد عصيانه وعدم الاتيان به ، وإذا كان لا مطاردة بينهما فلا مانع من اجتماعهما ، والى ما ذكرنا أشار بقوله : «فرق بين الاجتماع في عرض واحد والاجتماع كذلك» : أي على نحو الترتب «فإن الطلب في كل منهما في الاول» : أي اجتماعهما في عرض واحد «يطارد الآخر» فإن لازم اجتماعهما في عرض واحد ان يكون كل واحد منهما يقتضي ويطلب ان يطرد الآخر ويشغل المحل دونه «بخلافه في الثاني» وهو الاجتماع على نحو الترتب «فإن الطلب بغير الأهم» : أي بالمهم «لا يطارد طلب الأهم».

ذكر عدم مطاردة المهم للاهم وسيشير إلى انه في مورد الاتيان بالأهم لا تحقق للامر بالمهم حتى يطرده الأهم.

٣١٩

قلت : ليت شعري كيف لا يطارده الامر بغير الاهم وهل يكون طرده له إلا من جهة فعليته ، ومضادة متعلقه له. وعدم إرادة غير الاهم على تقدير الاتيان به لا يوجب عدم طرده لطلبه مع تحققه ، على تقدير عدم الاتيان به وعصيان أمره ، فيلزم اجتماعهما على هذا التقدير ، مع ما هما عليه من المطاردة ، من جهة المضادة بين المتعلقين ، مع أنه يكفي الطرد من طرف الامر بالاهم ، فإنه على هذا الحال يكون طاردا لطلب الضد ، كما كان في غير هذا الحال ، فلا يكون له معه أصلا بمجال (١).

______________________________________________________

وحاصل ما ذكره : هو ان طلب غير الأهم لا يطارد طلب الأهم لانه لا يكون طلب غير الأهم إلّا في مورد لا اقتضاء لطلب الأهم فيه وهو مورد عصيانه وعدم الاتيان به ، ولذا علل عدم مطاردة طلب غير الأهم لطلب الأهم بقوله : «فانه يكون على تقدير عدم الاتيان بالأهم» وعصيانه ، وفي مثل هذا لا اقتضاء لطلب الأهم حتى يطرده طلب غير الأهم : أي طلب المهم.

ثم أشار إلى انه في مورد اطاعة الامر بالأهم لا تحقق لطلب غير الأهم حتى يطرده طلب الأهم بقوله : «فلا يكاد يريد غيره» : أي لا يكاد يريد غير الأهم «على تقدير اتيانه» : أي على تقدير اتيان الأهم «وعدم عصيان امره».

(١) محصل قوله يرجع إلى جوابين :

الأول : ان المطاردة من الطرفين موجودة ، وتوضيحه : ان هنا فرضين : فرض اطاعة الامر بالأهم وفي هذا الفرض لا مطاردة بينهما لعدم تحقق شرط الامر بالمهم ، وفرض عصيان الامر بالأهم ، وقد عرفت انه في هذا الفرض لا يسقط الامر بالأهم ، لأن العصيان له الذي هو شرط تحقق الامر بالمهم وفعليته ماخوذ بنحو الشرط المتأخر ، وما لم يتحقق العصيان خارجا لا يسقط الامر بالأهم ، واذا كان الامر بالأهم موجودا وفعليا تقع المطاردة بينهما لتحقق فعليتهما معا.

٣٢٠