إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٨

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٨

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٧

يعلمون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يعلمون» صلة الموصول لا محل لها.

(وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) : معطوف بالواو على (الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) ويعرب إعرابه. و «لا» نافية لا عمل لها بمعنى هل يتساوى الذين يعلمون الحق والذين لا يعلمونه .. أو هل يتساوى القانت والعاصي. كلا لا يستويان أي لا يتساويان.

(إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) : كافة ومكفوفة. يتذكر : فعل مضارع مرفوع بالضمة بمعنى ينتفع به أو يتعظ. أولو : فاعل مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وهو مضاف. الألباب : مضاف إليه مجرور بالكسرة بمعنى ذوو أي أصحاب العقول؟

** (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثامنة .. والتقدير : من قبل ذلك وبعد حذف المضاف إليه «ذلك» بني المضاف «قبل» على الضم لانقطاعه كما حذف مفعول «يضل» اختصارا وهو «الناس».

** (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة التاسعة المعنى : قل هل يتساوى العلماء والجهلاء؟ أي الذين يعلمون الحق والذين لا يعلمونه أو هل يتساوى القانت المطيع والعاصي الكافر؟ قال الفراء : يقال هذا الشيء لا يساوي كذا ولم يعرف هذا لا يسوى كذا. وهذا لا يساويه أي لا يعادله. وفي الحديث : «إذا تساووا هلكوا» وقال الأزهري قولهم : لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا أصله أن الخير في النادر من الناس فإذا استووا في الشر ولم يكن فيهم ذو خير كانوا من الهلكى. ولم يذكر أن القول المذكور آنفا هو حديث. وقال السموأل :

سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم

فليس سواء عالم وجهول

يقول الشاعر : إن كنت تجهلين قدرنا فاسألي الناس عنا وعن الذين تقارنينهم بنا. فإذا سألت عرفت .. وذلك لأن العالم والجاهل لا يستويان كما في الآية الكريمة المذكورة آنفا. و «سواء» في شعر السموأل هنا معناها : مستو .. وهو أي الشاعر قدم هنا خبر «ليس» على «اسم ليس» وهو «عالم» وهذا جائز بدليل قوله تعالى في سورة «البقرة» : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) بنصب «البر» على أنه خبر «ليس» تقدم اسمه واسمه هو المصدر المنسبك من «أن» المصدرية الناصبة وما دخلت عليه وتقديره : ليس توليكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب البر. وفي هذا التقدير والتأخير قال شاعر آخر :

لا طيب للعيش ما دامت منغصة

لذاته بادكار الموت والهرم

أي إن الإنسان لا يهنأ باله ولا تستريح خواطره ولا يطيب له العيش إذا كان كثير التذكر للموت وما يصيبه من الكبر والضعف .. وهنا أيضا قدم الشاعر خبر «ما دام» وهو «منغصة» على اسمه وهو «لذاته» أما «ادكار» فمعناه : تذكر. وأصله : اذتكار ثم قلبت التاء

٥٤١

دالا فصار «اذدكار» ثم قلبت الذال المعجمة مهملة فصار «اددكار» ثم أدغمت الدال في الدال. و «الهرم» هو الشيخوخة وكبر السن. وقال بعضهم : لا تمار جاهلا ولا عالما فإن العالم يحاجك فيغلبك والجاهل يلاحيك. فيغضبك .. و «تماري» بمعنى تجادل وتنازع .. ويحاجك : بمعنى يغلبك بالحجة والبرهان أما «يلاحيك» فمعناه : ينازعك. ومنه المثل : من لا حاك فقد عاداك. وحذفت الياء من «تماري» لأنه فعل مجزوم بلا الناهية.

** (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة العاشرة .. المعنى : اتقوا عذاب ربكم فحذف المفعول المضاف «عذاب» كما حذف الموصوف في قوله «حسنة» أي مثوبة حسنة في الآخرة وهي الجنة فحذف الموصوف «مثوبة».

** (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) : المعنى : عذاب يوم عظيم الهول وهو يوم القيامة وبعد حذف المضاف إليه «الهول» نون آخر المضاف «عظيم» لانقطاعه عن الإضافة.

** (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الخامسة عشرة .. و «أهليهم» أصلها : أهلين وهي جمع «أهل» ويقال : أهل المكان ـ يأهل ـ أهولا من باب «قعد» بمعنى عمر بأهله فهو آهل ـ اسم فاعل ـ وقرية آهلة : أي عامرة .. وأهل الرجل مثله أي من باب «قعد» أيضا بمعنى تزوج ومثله تأهل. وتطلق لفظة «الأهل» على الزوجة والأهل أهل البيت وأصله القرابة وقد أطلقت على الأتباع ويقال : أهل البلد : أي من استوطنه .. وأهل العلم : هم المتصفون به وأهل الثناء والمجد .. وهو أهل للإكرام : بمعنى مستحق له وتجمع لفظة «الأهل» على أهال وأهلون ـ في حالة الرفع ـ وفي حالتي النصب والجر : أهلين .. كما في الآية الكريمة المذكورة. وربما قيل : الأهالي. وفي حالة الرفع قالها الشاعر :

وما المال والأهلون إلا ودائع

ولا بد يوما أن ترد الودائع

** (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السادسة عشرة .. المعنى : ذلك العذاب هو الذي يخوف الله به عباده فحذف النعت أو البدل «العذاب» المشار إليه لأن ما قبله يفسره.

** (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) : جاء هذا القول الكريم في الآية الكريمة السابعة عشرة .. و «الطاغوت» هو كل ما عبد من دون الله من الأوثان وهو مشتق من الطغيان وهو تجاوز الحد .. يقال : طغا ـ يطغو ـ طغوا .. من باب «قال» وطغي ـ يطغى ـ طغى .. من باب «تعب» ومن باب «نفع» لغة أيضا فيقال طغيت .. وفي التهذيب ما يوافقه قال الطاغوت .. تاؤها زائدة وهي مشتقة من «طغا». والطاغوت : يذكر ويؤنث والاسم هو الطغيان وهو مجاوزة الحد وكل شيء جاوز المقدار والحد في العصيان فهو طاغ ومنه : طغا السيل : بمعنى ارتفع حتى جاوز الحد في الكثرة .. والطاغوت هو الشيطان وجمعه : طواغيت.

** سبب نزول الآية : نزلت هذه الآية الكريمة في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون : لا إله إلا الله .. وهم زيد بن عمرو بن نفيل وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي .. فبشر أيها النبي عبادي بذلك.

** (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة عشرة .. المعنى : يبتغون أحسن ما يؤمرون به ويعملون بأكثره ثوابا.

٥٤٢

** سبب نزول الآية : قال جابر : لما نزلت الآية الكريمة الرابعة والأربعون من سورة «الحجر» : (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) أتى رجل من الأنصار النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : يا رسول الله إني لي سبعة مماليك وإني قد أعتقت لكل منها مملوكا .. فنزلت الآيتان الكريمتان السابعة عشرة والثامنة عشرة .. و (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ..).

** (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة عشرة وكلمة العذاب : هي قوله تعالى في الآية الكريمة الثامنة عشرة من سورة الأعراف» : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) وذكر الفعل «حق» لأن «كلمة» بمعنى العذاب.

(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (١٠)

(قُلْ يا عِبادِ) : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت وحذفت واوه ـ أصله قول ـ تخفيفا ولالتقاء الساكنين. يا : أداة نداء. عباد : منادى مضاف منصوب وعلامة نصه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة التي هي الحركة الدالة على الياء المحذوفة والياء المحذوفة خطا واختصارا ضمير الواحد المطاع في محل جر بالإضافة أي قل يا محمد قولي هذا. فيكون «قولي» مفعول «قل».

(الَّذِينَ آمَنُوا) : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب صفة ـ نعت ـ للعباد. آمنوا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(اتَّقُوا رَبَّكُمْ) : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. ربكم : مفعول به منصوب بالفتحة. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور.

(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) : اللام حرف جر. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. أحسنوا : تعرب إعراب «آمنوا».

٥٤٣

(فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) : حرف جر. هذه : اسم إشارة مبني على الكسر في محل جر بفي والجار والمجرور متعلق بأحسنوا. الدنيا : بدل من اسم الإشارة «هذه» مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. حسنة : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة. بمعنى الذين أحسنوا في هذه الدنيا فلهم حسنة في الآخرة وهي دخول الجنة. ويجوز أن يتعلق شبه الجملة .. الظرف .. أي في هذه الدنيا بحسنة بمعنى إن الحسنة هي الصحة والعافية وتعلق الجار والمجرور بحسنة هو بيان لمدح الله للمحسنين.

(وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) : الواو استئنافية. أرض : مبتدأ مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. واسعة : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المنونة.

(إِنَّما يُوَفَّى) : كافة ومكفوفة. يوفى : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر.

(الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ) : نائب فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. أجر : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.

(بِغَيْرِ حِسابٍ) : جار ومجرور متعلق بيوفى. أو متعلق بحال محذوفة من «الصابرين» بمعنى : غير مطالبين بشيء أو غير محاسبين على شيء. حساب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة.

(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) (١١)

(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ) : أعرب في الآية السابقة. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ في محل نصب اسم «إن». أمرت : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن» وهي فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك التاء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل والجملة المؤولة من «إني أمرت» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

٥٤٤

(أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) : حرف مصدري ناصب. أعبد : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنا. الله لفظ الجلالة : مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة والجملة الفعلية «أعبد الله» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف بتقدير : أمرت بعبادة الله والجار والمجرور متعلق بفعل «أمرت».

(مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) : حال من ضمير المتكلم منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. له : جار ومجرور متعلق بالفعل العامل في اسم الفاعل «مخلصا» بمعنى أن أخلص له. الدين : مفعول به منصوب باسم الفاعل «مخلصا» على تأويل فعله .. أخلص له الدين وعلامة نصبه الفتحة. التقدير : أمرت بعبادة الله وبإخلاص الدين له.

(وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (١٢)

(وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ) : معطوفة بالواو على «أمرت» الأولى وتعرب إعرابها. اللام حرف جر للتعليل. أن : حرف مصدرية ونصب بمعنى لأجل أن أكون أو تكون اللام زائدة لا عمل لها. أكون : فعل مضارع ناقص منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة واسمها ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنا. وجملة «أكون أول ..» صلة حرف مصدري لا محل لها.

(أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) : خبر «أكون» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. «وأن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بفعل أمرت. التقدير : لكوني أول .. المسلمين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٣)

(قُلْ إِنِّي أَخافُ) : يعرب إعراب «قل إني أمرت» الواردة في الآية الكريمة الحادية عشرة وتعرب إعرابها والفعل «أخاف» فعل مضارع مبني للمعلوم والضمير فيه في محل رفع فاعل. أي قل لهم إني أخاف ..

٥٤٥

(إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) : أعرب في الآية الكريمة الخامسة عشرة من سورة «الأنعام».

(قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) (١٤)

هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة الحادية عشرة ورفع الفعل «أعبد» بالضمة لتجرده عن الناصب والجازم ولفظ الجلالة قدم على الفعل وهو منصوب للتعظيم بالفعل والياء في «ديني» ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ في محل جر بالإضافة وكسرت لام «قل» لالتقاء الساكنين.

(فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (١٥)

(فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ) : الفاء استئنافية. اعبدوا : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. الألف فارقة. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. شئتم : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.

(مِنْ دُونِهِ قُلْ) : جار ومجرور متعلق باعبدوا أو بصفة محذوفة من مفعول «شئتم» المحذوف أي ما شئتم عبادته من دون الله بمعنى : ما أردتم. أو بحال محذوفة من الاسم الموصول «ما» التقدير : حال كونهم من دون الله فتكون «من» حرف جر بيانيا والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. قل : سبق إعرابها. وفي القول الكريم تهديد له وتوبيخ.

(إِنَّ الْخاسِرِينَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الخاسرين : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(الَّذِينَ خَسِرُوا) : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر «إن» أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هم والجملة الاسمية «هم الذين» في محل رفع

٥٤٦

خبر «إن». خسروا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة الفعلية (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ..) صلة الموصول لا محل لها.

(أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر بالإضافة الواو عاطفة. أهلي : معطوف على «أنفسهم» منصوب مثله وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وحذفت النون ـ أصله : أهلين ـ للإضافة. و «هم» أعرب في «أنفسهم».

(يَوْمَ الْقِيامَةِ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق بخسروا وعلامة نصبه الفتحة. القيامة : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

(أَلا ذلِكَ) : حرف استفتاح أو تنبيه لا محل له. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب.

(هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) : الجملة الاسمية في محل رفع خبر «ذلك». هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ ثان. الخسران : خبر «هو» مرفوع بالضمة. المبين : صفة ـ نعت ـ للخسران مرفوع مثله بالضمة.

(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) (١٦)

(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) : اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. من فوق : جار ومجرور متعلق بحال مقدمة من «ظلل» لأنه في الأصل متعلق بصفة محذوفة من «ظلل» قدمت عليها. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة. والجملة الاسمية (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ) في محل نصب حال من الخاسرين.

(ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ) : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة بمعنى فوق رءوسهم أطباق من النار .. جمع «ظلة». من النار : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «ظلل» و «من» حرف جر بياني لبيان جنس الظل وتمييز لها ..

٥٤٧

أي التي هي النار لأن «ظلل» مبهمة تبينت بمعنى النار بمعنى : طبقات تظللهم من النيران.

(وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) : معطوف بالواو على (مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ) ويعرب إعرابه وحذف الجار والمجرور «من النار» اكتفاء بذكره أول مرة.

(ذلِكَ يُخَوِّفُ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب أي ذلك العذاب. يخوف : الجملة الفعلية من الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع خبر «ذلك» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة.

(اللهُ بِهِ عِبادَهُ) : لفظ الجلالة فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. به : جار ومجرور متعلق بيخوف. عباده : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. وفيه تهديد ووعيد أي يتوعد الله عباده بالعذاب ويخوفهم ليجتنبوا ما يوقعهم في العذاب.

(يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) : أداة نداء. عباد : منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة التي هي الحركة الدالة على الياء المحذوفة خطا واختصارا والياء المحذوفة ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع في محل جر بالإضافة وبقيت الكسرة دالة عليها. الفاء سببية أو عاطفة على محذوف بمعنى : ولا تؤتوا ما يغضبني بل اتعظوا وخافوني. اتقون : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. النون نون الوقاية لا محل لها والكسرة دالة على الياء المحذوفة مراعاة لفواصل الآيات ـ راس آية ـ.

(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ) (١٧)

(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا) : الواو استئنافية. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. اجتنبوا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

٥٤٨

(الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. أن : حرف مصدري ناصب. يعبدوا : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية «يعبدوها» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب بدل اشتمال من «الطاغوت» المعنى اجتنبوا عبادة الشيطان.

(وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) : معطوفة بالواو على «اجتنبوا» وتعرب إعرابها. إلى الله : جار ومجرور للتعظيم متعلق بأنابوا بمعنى وتابوا ..

(لَهُمُ الْبُشْرى) : الجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ «الذين» اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم وحركت الميم بالضم للوصل ـ التقاء الساكنين. البشرى : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى : لهم البشرى بالثواب.

(فَبَشِّرْ عِبادِ) : الفاء استئنافية. بشر : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. عباد : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة التي هي الحركة الدالة على الياء المحذوفة والساقطة خطا واختصارا ومراعاة لفواصل الآيات ـ رأس آية ـ ضمير متصل ضمير الواحد المطاع في محل جر بالإضافة.

(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١٨)

(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب صفة ـ نعت ـ للعباد أو يكون في محل رفع مبتدأ وخبره الجملة الاسمية (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) في محل رفع. يستمعون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. القول : مفعول به منصوب بالفتحة وجملة (يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) صلة الموصول لا محل لها.

٥٤٩

(فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) : معطوفة على (يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) وتعرب إعرابها والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.

(أُولئِكَ الَّذِينَ) : اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف حرف خطاب. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره : هم. والجملة الاسمية «هم الذين» في محل رفع خبر المبتدأ «أولئك» ويجوز أن يكون «أولئك» خبر مبتدأ محذوف تقديره : هم ويكون «الذين» في محل رفع بدلا من اسم الإشارة «أولئك» والجملة الاسمية «هم أولئك» في محل رفع خبر المبتدأ «الذى يستمعون».

(هَداهُمُ اللهُ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به مقدم. وحرك الميم بالضم للوصل ـ التقاء الساكنين ـ الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة وحذفت الصلة اختصارا أي هداهم الله إلى طريقه القويم.

(وَأُولئِكَ هُمْ) : معطوف بالواو على «أولئك» الأول ويعرب إعرابه. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ ثان والجملة الاسمية (هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) في محل رفع خبر «أولئك».

(أُولُوا الْأَلْبابِ) : خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وهو مضاف. الألباب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى : ذوو الألباب أي أصحاب العقول ويجوز أن يكون «هو» ضمير فصل أو عمادا لا محل لها فتكون كلمة (أُولُوا الْأَلْبابِ) خبر المبتدأ أولئك.

(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (١٩)

(أَفَمَنْ حَقَ) : الهمزة همزة إنكار تفيد النفي بمعنى هل أنت تملك التصرف في الناس؟ وفي القول الكريم تسرية الهموم عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الذي كان حريصا على إيمان قومه. الفاء عاطفة على محذوف يدل عليه الخطاب التقدير : أأنت يا محمد مالك أمرهم فمن حق عليه العذاب فأنت تنقذه لأن

٥٥٠

أصل الكلام : أمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه والهمزة الثانية في «أفأنت» هي نفسها الهمزة الأولى في «أفمن» كررت لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد فالآية الكريمة على هذا جملة واحدة. من : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من». حق : فعل ماض مبني على الفتح. فعل الشرط في محل جزم بمن.

(عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) : جار ومجرور متعلق بحق. كلمة : فاعل مرفوع بالضمة. العذاب : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

(أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ) : الهمزة مكررة للتوكيد. الفاء واقعة في جواب الشرط. أنت : ضمير منفصل ـ ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. تنقذ : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «أنت» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. والجملة الاسمية (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ ..) جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.

(مَنْ فِي النَّارِ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. في النار : جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقديره استقر أو أدخل والجملة الفعلية «استقر في النار» صلة الموصول لا محل لها. وثمة وجه آخر لإعراب الآية الكريمة وهو أن تكون الآية جملتين : أفمن حق عليه العذاب فأنت تخلصه؟ أفأنت تنقذ من في النار؟ وجاز حذف «فأنت تخلصه» لأن جملة «أفأنت تنقذ» دلت عليه.

(لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) (٢٠)

(لكِنِ الَّذِينَ) : حرف استدراك لا عمل له لأنه مخفف وكسر آخره لالتقاء الساكنين. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ والجملة الفعلية بعده «اتقوا ربهم» صلة الموصول لا محل لها.

(اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في

٥٥١

محل رفع فاعل والألف فارقة. وبقيت الفتحة دالة على الألف المحذوفة. رب : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر بالإضافة.

(لَهُمْ غُرَفٌ) : الجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ «الذين» اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. غرف : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة أي لهم في الآخرة غرف.

(مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) : الجملة الاسمية في محل رفع صفة ـ نعت ـ لغرف. من فوق : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. غرف : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة.

(مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي) : صفة ـ نعت ـ لغرف مرفوعة مثلها بالضمة المنونة بمعنى : من فوقها حجرات مبنية ـ وهي جمع «غرفة» أي حجرة. تجري : فعل مضارع مرفوع بالضم المقدرة على الياء للثقل.

(مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) : جار ومجرور متعلق بتجري أو بحال محذوفة من «الأنهار» أي تجري الأنهار كائنة تحتها. و «ها» ضمير متصل في محل جر بالإضافة. الأنهار : فاعل مرفوع بالضمة والجملة الفعلية «تجري الأنهار» في محل رفع صفة ثانية لغرف.

(وَعْدَ اللهِ) : مصدر مؤكد ـ مفعول مطلق ـ لأن قوله تعالى (لَهُمْ غُرَفٌ) في معنى وعد الله ذلك .. والمصدر منصوب بفعل محذوف تقديره : وعد وعدا وحذف تنوين آخره بعد إضافته. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

(لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) : الجملة الفعلية استئنافية تفيد التعليل لا محل لها. لا : نافية لا عمل لها. يخلف : فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. الميعاد : مفعول به منصوب بالفتحة.

٥٥٢

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٢١)

(أَلَمْ تَرَ) : الهمزة همزة تقرير بلفظ استفهام. لم : حرف نفي وجزم وقلب. تر : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره ـ حرف العلة .. الألف المقصورة ـ وبقيت الفتحة دالة على الألف والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. ويجوز أن يكون المخاطب من لم ير ولم يسمع لأن هذا الكلام جرى مجرى المثل في التعجيب وفي هذه الحالة يكون الفاعل ضميرا مستترا فيه جوازا تقديره هو والوجه الأول أصح لأن بعده : فتراه ..

(أَنَّ اللهَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة : اسم «أن» منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة.

(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «أن» وما بعدها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر سد مسد مفعولي «ترى». أنزل : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. من السماء : جار ومجرور متعلق بأنزل. ماء : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ) : معطوفة بالواو على «أنزل» وتعرب إعرابها والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. ينابيع : حال من الضمير «الهاء» منصوب وعلامة نصبه الفتحة ولم ينون آخره لأنه ممنوع من الصرف على وزن «مفاعيل» وهو بصيغة منتهى الجموع ثالث أحرفه ألف بعدها أكثر من حرفين بمعنى فأدخله على حالة ينابيع.

(فِي الْأَرْضِ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «ينابيع».

(ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً) : حرف عطف للتراخي. يخرج : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. به : جار ومجرور متعلق بيخرج. زرعا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

٥٥٣

(مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) : صفة ـ نعت ـ للموصوف «زرعا» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. ألوانه : فاعل لاسم الفاعل «مختلفا» مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة على تأويل تختلف ألوانه.

(ثُمَّ يَهِيجُ) : حرف عطف يفيد التراخي. يهيج : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أي الزرع بمعنى ثم يجف والجملة الفعلية «يهيج» في محل نصب لأنها معطوفة على جملة في محل نصب «يختلف».

(فَتَراهُ مُصْفَرًّا) : الفاء استئنافية. تراه : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. مصفرا : حال من مفعول «تراه» أي من الهاء منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : فيصفر بعد جفافه.

(ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) : تعرب إعراب «ثم يخرج» والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. حطاما : مفعول به ثان منصوب بيجعل وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : ثم يصيره فتاتا مهشما.

(إِنَّ فِي ذلِكَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. في : حرف جر. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بفي. اللام للبعد والكاف حرف خطاب. والجار والمجرور في محل رفع متعلق بخبر «إن» المقدم بمعنى : في ذلك التقلب ..

(لَذِكْرى) : اللام لام التوكيد ـ المزحلقة. ذكرى : اسم «إن» المؤخر منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر ولم ينون آخر الكلمة لأنها ممنوعة من الصرف اسم مقصور رباعي مؤنث مصدر.

(لِأُولِي الْأَلْبابِ) : جار ومجرور متعلق بذكرى أو بصفة محذوفة من «ذكرى» وعلامة جر الاسم الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والكلمة تكتب بواو ولا تلفظ وهي جمع بمعنى «ذوو» لا واحد له وقيل هي اسم

٥٥٤

جمع واحده ذو .. بمعنى صاحب. الألباب : مضاف إليه مجرور بالكسرة بمعنى إنه في ذلك التقلب لموعظة لأصحاب العقول أو تذكيرا لهم.

(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٢)

(أَفَمَنْ) : الهمزة همزة استفهام لفظا ومعناه الإنكار والنفي. الفاء عاطفة على محذوف بمعنى : هل من عرف الله أنه من أهل اللطف فلطف به حتى شرح صدره. من : اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل رفع مبتدأ بمعنى : هل الذي .. وخبر «من» محذوف يفسر ما بعده معناه : كمن لا لطف له فهو حرج الصدر قاسي القلب وهو نظير قوله في الآية الكريمة التاسعة «أمن هو قانت» في حذف الخبر.

(شَرَحَ اللهُ) : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والجملة الفعلية (شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ) صلة الموصول لا محل لها.

(صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. للإسلام : جار ومجرور متعلق بشرح بمعنى وسع صدره للإسلام بمعنى لقبول الإسلام فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه «الإسلام» مقامه.

(فَهُوَ عَلى نُورٍ) : الفاء استئنافية للتعليل أو واقعة في جواب «من» لأنها متضمنة معنى الشرط. هو : ضمير منفصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. على نور : جار ومجرور متعلق بخبر «هو».

(مِنْ رَبِّهِ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «نور» والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر بالإضافة.

(فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) : الفاء استئنافية. ويل : مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة وهو في الأصل مصدر لا فعل له معناه : تحسر وهلك وقيل : هو واد في جهنم وقيل هو اسم معنى كالهلاك. للقاسية : جار ومجرور متعلق بخبر «ويل» المحذوف. قلوب : فاعل لاسم الفاعل «القاسية» مرفوع بالضمة

٥٥٥

و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر بالإضافة بمعنى : المتصلبة قلوبهم.

(مِنْ ذِكْرِ اللهِ) : جار ومجرور متعلق بفعل مضمر تقديره : قست بتأويل «القاسية قلوبهم» أي للذين قست قلوبهم عن ذكر الله. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة بمعنى من أجل ذكر الله.

(أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) : اسم إشارة للقاسية قلوبهم مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف حرف خطاب. في ضلال : جار ومجرور متعلق بخبر «أولئك». مبين : صفة ـ نعت ـ للموصوف «ضلال» مجرور مثله وعلامة جرهما الكسرة المنونة.

(اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٢٣)

(اللهُ نَزَّلَ) : لفظ الجلالة : مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. نزل : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو والجملة الفعلية (نَزَّلَ أَحْسَنَ ..) في محل رفع المبتدأ.

(أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الحديث : مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو القرآن الكريم.

(كِتاباً مُتَشابِهاً) : بدل من (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة المنونة ويجوز أن يكون حالا من (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) متشابها : صفة ـ نعت ـ للموصوف «كتابا» منصوب مثله بالفتحة المنونة بمعنى مطلقا في مشابهة بعضه بعضا أو تتشابه به آياته في الإعجاز وتناسب ألفاظه.

(مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ) : صفة ثانية للموصوف «كتابا» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة ويجوز أن يكون تمييزا من «متشابها» بمعنى : متشابهة مثانية أو يكون لفظ «مثاني» صفة لموصوف وأصله : كتابا متشابها فصولا مثاني فترك

٥٥٦

الموصوف إلى الصفة والكلمة لم تنون لأنها ممنوعة من الصرف لأنها معدولة من عدد مكرر بمعنى كتاب معانيه مثنى مثنى أو هي جمع «مثنى» بمعنى مردد ومكرر لما ثني من قصصه وأحكامه ووعده ووعيده .. وقد جاء بمعنى جمع «مثنى» أي وصف المفرد «كتابا» بجمع على أن الكتاب جملة ذات تفاصيل .. وتفاصيل الشيء : جملته. تقشعر : فعل مضارع مرفوع بالضمة بمعنى ترتعد لسماعه جلودهم وتتغير ألوانها. والجملة الفعلية «تقشعر منه جلود ..» في محل نصب صفة أخرى للموصوف «كتابا».

(مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ) : جار ومجرور متعلق بتقشعر. جلود : فاعل مرفوع بالضمة. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.

(يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. رب : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.

(ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ) : حرف عطف. تلين جلود : تعرب إعراب «تقشعر جلود» و «هم» أعرب.

(وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) : معطوف بالواو على «جلودهم» ويعرب مثله. إلى ذكر : جار ومجرور متعلق بتلين. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

(ذلِكَ هُدَى اللهِ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب. والإشارة إلى الكتاب أي وهو. هدى : خبر «ذلك» مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.

(يَهْدِي بِهِ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. به : جار ومجرور متعلق بيهدي والجملة الفعلية «يهدي به من ..» في محل نصب حال من الكتاب.

٥٥٧

(مَنْ يَشاءُ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يشاء : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة الفعلية «يشاء» صلة الموصول لا محل لها بمعنى يوفق به من يشاء هدايته من عباده.

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) : الواو استئنافية. من : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. يضلل : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره الذي حرك بالكسر لالتقاء الساكنين. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة بمعنى ومن يخذله من الفساق على أن «من» بمعنى الاسم الموصول وهي نفسها اسم الشرط.

(فَما لَهُ مِنْ هادٍ) : الجملة جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء واقعة في جواب الشرط. ما : نافية لا عمل لها. له : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. من : حرف جر زائد لتأكيد معنى النفي. هاد : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر والحركة مقدرة على الياء المحذوفة قبل تنوينها وحذفت الياء لأن الكلمة اسم منقوص نكرة. بمعنى : فلا هادي له من بعد الله سبحانه بمعنى : لا يستطيع غير الله هدايته.

** (مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) : ورد هذا القول الكريم في آخر الآية الكريمة الثانية والعشرين .. المعنى فهلاك للمتصلبة قلوبهم من أجل ذكر الله أولئك القساة القلوب في ضلال واضح بين .. حذف المضاف «أجل» وبقي المضاف إليه «ذكر» كما حذف النعت أو البدل «القساة القلوب» المشار إليه لأن ما قبله دال عليه وحذف المضاف «معرفة» وحل المضاف إليه «ربه».

** (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثالثة والعشرين أي نزل الله تعالى القرآن الكريم تتشابه آياته في الإعجاز ومعانيه مثنى مثنى كالأوامر والنواهي والترغيب والترهيب .. إلخ .. وسماه حديثا لأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يحدث به قومه ويخبرهم بما أنزل الله عليه.

** سبب نزول الآية : قال سعد بن أبي وقاص : نزل على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ القرآن فتلاه عليهم زمانا فقالوا : يا رسول الله لو حدثتنا؟ فنزل قوله تعالى : «الله نزل أحسن الحديث».

** (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) : هذا القول الكريم هو آخر الآية الكريمة الرابعة والعشرين .. المعنى وقيل للظالمين أنفسهم ذوقوا وبال أو جزاء ما اقترفتم في دنياكم من الكفر والعصيان والمخاطبون هم المشركون وكفار مكة وغيرها وفيه حذف «أنفسهم» وهو مفعول اسم الفاعلين «الظالمين» كما حذف مفعول «ذوقوا» وهو «وبال .. جزاء» وأقيمت «ما» الاسم الموصول أي حذف المضاف وحل المضاف إليه محله.

٥٥٨

** (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة التاسعة والعشرين. المعنى : بين الله مثلا رجلا عبدا مملوكا يملكه عدد من الشركاء المختلفين المتنازعين لأن «التشاكس» و «التشاخص» هما الاختلاف والتنازع ورجلا عبدا مملوكا ملكية خاصة لرجل لا شريك فيه هل يتساوى هذان العبدان؟ لا. لا يتساويان .. وضرب المثل المراد به : هو تشبيه حال غريبة بحال غريبة أخرى مثلها.

** (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثلاثين .. المعنى الكل سواء ميتون والقول الكريم رد على الذين استبطئوا موت الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقال : مات الإنسان ـ يموت ـ موتا ومات ـ يمات .. من باب «خاف» لغة أيضا .. ومت «بكسر الميم أموت .. لغة ثالثة وهي من باب تداخل اللغتين ـ كما يقول الفيومي ـ فهو ميت ـ بتشديد الياء ـ ويأتي «ميت» بسكون الياء تخفيفا وقد جمعهما الشاعر فقال :

ليس من مات فاستراح بميت

إنما الميت ميت الأحياء

وأما «الحي» فميت بتشديد الياء ـ لا غير وعليه قوله تعالى في الآية المذكورة أي سيموتون ويعدى بالهمزة فيقال : أماته الله .. و «الموتة» أخص من «الموت» ويقال في الفرق : مات الإنسان ونفقت الدابة وتنبل البعير. ومات : يصلح في كل ذي روح وتنبل عند ابن الأعرابي كذلك. وماتت الأرض موتانا ومواتا : بمعنى : خلت من العمارة والسكان فهي موات ـ تسمية بالمصدر ـ وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : يتبع : الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد .. يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله. ومن معاني الفعل «مات» هو الفعل «توفي» ببنائه للمجهول أي بضم التاء وكسر الفاء يقال : توفي الرجل : بمعنى قبضت روحه ومات فالقابض ـ أي «المتوفي» هو الله تعالى أي اسم فاعل بكسر الفاء والرجل هو المتوفى ـ بفتح الفاء ـ اسم مفعول فأصل الكلام : توفى الله الرجل : أي أماته. يحكى أن أبا الأسود الدؤلي كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل : من المتوفي ـ بكسر الفاء ـ فقال : الله تعالى. وكان هذا الجهل أحد الأسباب الباعثة لعلي ـ رضي الله عنه ـ على أن أمره بأن يضع كتابا في النحو يناقض هذه القراءة. وكانت العرب تسمي النوم موتا وتسمي الانتباه حياة.

** (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والثلاثين .. المعنى ثم إنك يا محمد وإياهم .. فغلب ضمير المخاطب الغائبين في قوله «تختصمون» أي تتجادلون. وجاء الفعل بمعنى «يتنازعون» ويتخاصمون في سور أخرى كما في سورة «الحج» : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) أي هذان فريقان مختصمان وهم المؤمنون والكفرة اختلفوا في ذات الله وصفاته.

** (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية والثلاثين .. المعنى لا أحد أكثر ظلما ممن كذب على الله فزعم أن له شريكا أو ولدا أو صاحبة. و «الصدق» هو ضد «الكذب» يقال : صدق الرجل في الحديث ـ يصدق ـ صدقا. وهو خلاف كذب والمتصدق ـ بكسر الدال وتشديدها ـ هو الذي يعطي الصدقة .. يقال مررت برجل يسأل ولا تقل : يتصدق والعامة تقوله وإنما المتصدق هو الذي يعطي .. و «المصدق» هو اسم فاعل للفعل «صدق» وقيل : الصديق : هو من صدقك لا من صدقك. قال الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «عليكم

٥٥٩

بإخوان الصدق فإنهم زينة في الرخاء وعصمة في البلاء» وسمي «الصديق» صديقا لصدقه. وقال الامام علي ـ رضي الله عنه ـ لابنه الحسن : يا بني الغريب من ليس له حبيب. ومن أسماء «الصديق» الخل وهو الود والصديق. وقال «ثعلب» اللغوي : إنما سمي الخليل خليلا لأن محبته تتخلل القلب .. فلا تدع فيه خللا إلا ملأته. وقال لقمان : لا قرين أزين من العقل. وقال عدي بن زيد في أبيات شعر له عن الأصحاب :

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن يقتدي

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم

ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

** (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة والثلاثين أي والذي جاء بالقرآن وهو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وصدق به وهم المؤمنون وقد جاء الفعل «جاء» مفردا على لفظ «الذي» وجاءت الإشارة والضمير والاسم (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) على معنى «الذي» لأن «الذي» مثل «من» الاسم الموصول وهو مفرد لفظا مجموع معنى أو يكون الجمع على معنى : وصدق به الصديق ـ رضي الله عنه ـ والصحابة الكرام.

(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (٢٤)

(أَفَمَنْ يَتَّقِي) : الهمزة همزة استفهام. الفاء عاطفة على محذوف. من : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وخبره محذوف اختصارا لأنه معلوم من السياق بمعنى هل من يجعل وجهه وقاية له من العذاب كمن أمن العذاب أي كمن هو آمن من كل مكروه سالم من كل سوء لدخوله الجنة. يتقي : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.

(بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) : جار ومجرور متعلق بيتقي والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر بالإضافة. سوء : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. العذاب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(يَوْمَ الْقِيامَةِ) : مفعول فيه ـ ظرف زمان ـ منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيتقي وهو مضاف و «القيامة» مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

٥٦٠