البداية في توضيح الكفاية - ج ٢

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-4-2
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٥٦٨

طابق النعل بالنعل ، وبخلاف ما إذا كانت للمأمور به مندوحة ، فيلزم الاجتماع احتمالا لا يقينا ، إذ يحتمل ان يكون امر المولى غير متوجه إلى الموارد المكروهة ، كالحمام والمقابر وغيرها ، ففي صورة عدم المندوحة كصوم يوم عاشوراء ، إذ صوم غيره من الأيام مستحب في نفسه ، وليس بدلا عنه ، وكذا النوافل في غير الاوقات المكروهة.

فلا يبقى للخصم مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع في الموارد المذكورة على جواز الاجتماع اصلا وابدا ، كما لا يخفى. بل المصنّف قد الزم المستدل بها بالتأويل لأجل العنوان الواحد فيها ، فالمانع والمجوّز يكونان ملزمين بالتصرف والتأويل في هذه الموارد كما هو ظاهر.

الجواب التفصيلي

وأمّا الجواب تفصيلا فقد أجيب عنه بوجوه عديدة ، يوجب ذكرها في هذا الكتاب مع ذكر النقض والابرام طول الكلام الذي لا يليق بالمقام ، فالأولى حينئذ الاقتصار على الجواب التحقيقي بحيث تنقطع مادة اشكال الاجتماع. فيقال ، وعلى الله تعالى الاتكال والاعتماد والتوكل :

ان العبادات المكروهة على ثلاثة اقسام :

احدها : ما تعلق به النهي بذاته وبعنوانه ، والحال ان الذات التي تعلق بها الأمر والنهي واحدة ، والحال انه لا بدل للمنهي عنه كصوم يوم عاشوراء ، والنوافل المبتدئة في بعض الأوقات ، وهي النوافل التي لم يرد بها نص بالخصوص ، بل هى مستحبة بنفسها من باب انطباق الدليل الكلي عليها ، وهو عبارة عن ان الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر ، فهي مكروهة وقت طلوع الشمس وغروبها وقبل الظهر ، وليس لها بدل في الشريعة المقدسة ، إذ النوافل الأخرى مستحبة بنفسها وليست بدلا عنها ، فاذا أوتيت فقد امتثل أمرها.

١٦١

ثانيها : ما تعلق به النهي بعنوانه وبذاته ايضا ، ولكن كان له بدل ، كالنهي عن الصلاة في الحمام وعلى المقابر وإلى المقابر وفي المقابر ، ولكن الصلاة في المسجد أو المنزل تكون بدلا عن الصلاة في الحمام وغيرها ، لأن الواجب هو الصلاة التي تتحقق في ضمن هذا الفرد كالصلاة في المكان المكروه ، وفي ضمن ذاك الفرد كالصلاة في المسجد أو المنزل أو المدرسة.

ثالثها : ما تعلق به النهي لا بذاته ولا بعنوانه ، بل متعلّق النهي بما هو مجامع الواجب من حيث الوجود ، أو ملازم للواجب خارجا ، كالصلاة في مواضع التهمة ، فهي تكون منهيا عنها لأجل اتحاد الصلاة مع الكون في مواضع التهمة المنهي عنه ، فالنهي لم يتعلق بذات العبادة ولا بعنوانها الذي هو عنوان الصلاة ، كما في القسمين الأولين ، بل تعلق النهي بالكون الذي يتحد مع الصلاة وجودا ، إذا كانت الصلاة عبارة عن الأكوان والأفعال والأقوال ، والمراد من الأول هو كون المصلي حال القيام ، وكونه حال الركوع ، وكونه حال السجود ، و ... والمراد من الثاني هو القيام والقعود والانحناء والاستقبال ، والمراد من الثالث هو تكبيرة الاحرام والقراءة والذكر والتشهد والتسليم.

واما إذا كانت الصلاة عبارة عن الأفعال والأقوال ، وأما الأكوان فخارجة عن حقيقة الصلاة ، فالنهي تعلق بالكون الذي هو ملازم للصلاة خارجا ، أي لا تتحقق الصلاة في الخارج إلا بسبب الكون ، أي كون المصلي في مكان من الأمكنة ، فالكون ملازم للصلاة خارجا ، فالكون مقدمة للأفعال والأقوال لتوقفهما عليه. فيكون الكون موقوفا عليه ، وهما موقوفان فظهر كونه مقدمة.

أما في القسم الأول فليست الكراهة فيه كراهة مصطلحة تنشأ عن مفسدة في الفعل ومنقصة فيه ، ان الكراهة فيه لو كانت كراهة مصطلحة ناشئة عن مفسدة في الفعل غالبة على مصلحة الفعل لم يقع الفعل في الخارج صحيحا ، لعدم امكان التقرب إلى المولى بما هو مبغوض للمولى ومشتمل على مفسدة غالبة ، مع انه لا

١٦٢

شبهة في وقوع الفعل صحيحا ، وامكان التقرب به. غاية الأمر ان تركه ارجح من فعله. مثلا لا شبهة في صحة صوم يوم عاشوراء ، وهو قابل لأن يتقرب العبد به إلى المولى ، فهو محبوب عنده في نفسه ، بل النهي ناشئ عن رجحان تركه مع بقاء الفعل على مصلحته ومحبوبيته ، كما يظهر رجحان تركه على فعله من مداومة الائمة الأطهار عليهم‌السلام على الترك إما لأجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك ، فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة لغرض المولى من حيث ان الترك محبوب ومشتمل على المصلحة كالفعل ، فصوم يوم عاشوراء يكون كبقية افراد الصوم ، ولكن بما ان بني امية التزموا بصوم هذا اليوم شكرا للانتصار ظاهرا ، انطبق على تركه عنوان المخالفة لهم فكان ذا مصلحة غالبة على مصلحة الفعل ، فاذن يكون الفعل والترك ، أي فعل الصوم فيه وتركه فيه ، من قبيل المستحبين المتزاحمين ، وحيث ان المكلف لا يتمكن من الجمع بين الفعل والترك وفي مقام الامتثال ، فلا بد من الالتزام بالتخيير بينهما إذا لم يكن احدهما اهم من الآخر وإلّا فيقدم الأهم على غيره.

مثلا زيارة الامام الثالث عليه‌السلام مستحب في الأيام والليالي ، فالمكلف مخيّر في زيارته فيهما ، ولكن في الايام المخصوصة تكون زيارته اهم من زيارته في غيرها ، فهي مقدمة على غيرها من الأيام ، ولكن في المقام بما ان الترك ، أي ترك الصوم في يوم عاشوراء ، اهم في نظر الشارع المقدس من الصوم فيه ، فيقدم عليه وان كان الفعل يقع صحيحا ايضا لعدم قصور فيه من ناحية الوفاء بغرض المولى ومن جهة محبوبيته عنده ، كما هو الحال في جميع موارد التزاحم بين المستحبات ، إذ يصح الاتيان بالمهم عند ترك الأهم من اجل اشتمال المهم على الملاك والمصلحة ومن اجل محبوبيته في نفسه.

بل الأمر كذلك في الواجبات المتزاحمات فانه يصح الاتيان بالمهم عند ترك الأهم ، لا من ناحية الترتب لما سبق في بحث الضد من ان المحقّق صاحب الكفاية رحمه‌الله من القائلين باستحالة الترتب ، وعدم امكانه عقلا ، بل من جهة اشتمال

١٦٣

المهم على الملاك والمصلحة والمحبوبية ، فارجحية الترك من الفعل لا توجب حزازة ومنقصة في الفعل اصلا ، فصوم يوم عاشوراء ذو فصل كبقية الصوم وان كان تركه فيه ارجح ، ولذا لم ينقل منهم عليهم‌السلام ولو بطريق ضعيف انهم عليهم‌السلام صاموا في يوم عاشوراء ، كما ان سيرة المتشرعة قد استمرت على ترك الصوم فيه من عصرهم عليهم‌السلام إلى زماننا هذا.

نعم ، لو كان النهي عن الصوم نهيا حقيقيا ، كالنهي عن صوم العيدين ، ناشئا عن مفسدة ومبغوضية فيه ، أي في الصوم ، لكان يوجب حزازة ومنقصة في الفعل لا محالة ، وعليه لا يمكن الحكم بصحته ابدا واصلا لاستحالة التقرب بما هو مبغوض للمولى ، ولذا لا يقع الصوم صحيحا على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي مع تغليب جانب النهي ، فان الحزازة والمنقصة الكائنة في الفعل مانعة عن صلاحية التقرب إلى المولى بسبب هذا الفعل وهو واضح ، بخلاف المقام فان صوم يوم عاشوراء ثابت على ما هو عليه من الرجحان وموافقة الغرض ، مثل ما إذا لم يكن ترك الصوم ارجح من فعله ، فصوم يوم عاشوراء يكون على طبق بقية الصوم بلا حدوث حزازة ومنقصة في هذا الصوم اصلا وابدا ، أي صوم يوم عاشوراء.

وأمّا من ناحية ملازمة الترك ، أي ترك الصوم في يوم عاشوراء ، لعنوان ذي مصلحة خارجا من دون انطباق ذلك العنوان على الترك ، مثلا إذا فرضنا ان عنوان المخالفة لبني أمية لا ينطبق على نفس ترك الصوم في يوم عاشوراء بدعوى استحالة انطباق العنوان الوجودي الذي هو عبارة عن مخالفتهم على الأمر العدمي الذي هو عبارة من ترك الصوم فيه. فاذا فرض ان الترك ملازم لعنوان وجودي ذي مصلحة أقوى من مصلحة الفعل ، فلا محالة يكون الترك ارجح من الفعل ، فلا فرق حينئذ بين هذه الصورة والصورة الأولى التي كان العنوان الراجح فيها منطبقا على الترك ، أعني به مخالفة بني امية ، فيكون الترك مثل ما إذا انطبق عليه عنوان راجح من غير تفاوت ، غاية الأمر ان الطلب المتعلق بالترك في الصورة الثانية ليس طلبا

١٦٤

حقيقيا بل هو بالعرض والمجاز ، إذ ان الطلب في الحقيقة متعلق بذاك العنوان الراجح في نظر الشارع المقدس ، اعني به مخالفة بني امية عليهم اللعنة ، الملازم للترك ، فيكون اسناد الطلب إلى المخالفة حقيقيا نظير اسناد الانبات إلى الله تعالى ، واسناد الحركة إلى السفينة ، واسناد الجريان إلى الماء. واسناده إلى الترك يكون مجازيا وعرضيا مثل اسناد الانبات إلى الربيع ، واسناد الحركة إلى جالس السفينة ، واسناد الجري إلى النهر. فان قيل ان المجازي يستلزم القرينة الصارفة ويحتاج إلى العلاقة المصحّحة للتجوز فأي علاقة في المقام؟ وما القرينة هنا؟

قلنا ان العلاقة فيما نحن فيه هي علاقة الملازمة ، إذ لازم مخالفة بني أمية هو ترك الصوم في يوم عاشوراء ، والقرينة عقلية ، بدعوى ان العقل يحكم بان الطلب متعلق بالمخالفة حقيقة ، إذ هي أمر وجودي ، فاسناده إلى الترك مجاز عقلي ، لأن الطلب استعمل في معناه الحقيقي ، والترك في معناه الحقيقي. غاية الأمر ان اسناده اليه مجاز بحكم العقل ، كما ان اسناد الانبات إلى الربيع مجاز عقلي علاقته سببية أو مسببية ، لأن الربيع سبب الانبات والله تعالى هو المؤثر والجاعل للسببية ، وان اسناد الجري إلى النهر مجاز عقلي علاقته حالية أو محلية ، لأن النهر محل للماء. وان اسناد الحركة إلى الجالس مجاز عقلي ايضا علاقته الملازمة ، لأن حركة السفينة تستلزم حركة جالسها ، بخلاف صورة الانطباق لتعلق الطلب بالترك حقيقة مثل سائر المكروهات التي تعلق الطلب بتركها حقيقة نحو (لا تضحك كثيرا) ، أي اترك الضحك الكثير من غير فرق بين الصورة الاولى وبين بقية المكروهات في الشريعة المقدسة ، إلا ان منشأ النهي التنزيهي في بقية المكروهات حزازة ومنقصة في نفس فعلها ، ومنشأ النهي فيما نحن فيه رجحان الترك من دون حزازة في الفعل كما سبق ، غاية الأمر رجحان الترك على الفعل وكونه ارجح من الفعل.

فان قيل انه إذا كان الترك ارجح من الفعل كما في المقام فيشكل امكان التقرب بالفعل إلى المولى.

١٦٥

قلنا : ان رجحان الترك الناشئ من الاهتمام بمصلحته زائدا على مصلحة الفعل ليس كالرجحان الناشئ عن وجود مفسدة في الفعل ، فان الأول لا يمنع من صحة التقرب بالفعل لاشتماله على المصلحة الموافقة للغرض ، بخلاف الثاني فان المفسدة في الفعل تكون مانعة عن امكان التقرب بذاك الفعل. فارجحية الترك تارة تنشأ من المصلحة الزائدة على مصلحة الفعل ، واخرى تنشأ من المفسدة في الفعل.

فالأول لا يمنع من صحة التقرب بالفعل ، كصوم يوم عاشوراء ، والثاني يمنع من امكان التقرب بالفعل ، كالضحك الكثير لأنه مبغوض المولى وكل مبغوض للمولى لا يمكن التقرب به ، فهذا لا يمكن التقرب به ، والمراد في هذا المقام هو الأول لا الثاني.

فتحصل مما ذكر ان المصلحة الموجودة في صوم يوم عاشوراء ليست بانقص من المصلحة الموجودة في صوم بقية الأيام بما هو صوم ، غاية الأمر ان المصلحة الكائنة في تركه حقيقة كما في الصورة الأولى ، أو عرضا كما في الصورة الثانية ، ارجح من المصلحة الموجودة في الفعل ولهذا يكون تركه ارجح من فعله.

وفي ضوء هذا يكون الفعل والترك من قبيل المستحبين المتزاحمين ، ولا يكونان من قبيل اجتماع الكراهة مع الاستحباب كالقسم الأول كما ادّعاه الخصم.

الجواب الثاني

قوله : نعم يمكن ان يحمل النهي في كلا القسمين على الارشاد

لما فرع المصنّف من الجواب الأول ، شرع في الجواب الثاني عن استدلال الخصم وقال : انه كما يمكن ان يكون النهي بمعنى طلب الترك يمكن ان يكون ارشادا إلى ارجحية الترك على الفعل ، إما لانطباق العنوان الراجح على الترك أو لملازمته له وجودا خارجا واكثر ثوابا. فالأول اشارة إلى القسم الأول ، والثاني اشارة إلى القسم الثاني. وعلى كون النهي ارشاديا يكون النهي في القسم الثاني حقيقيا وعلى نحو الحقيقة لا بالعرض والمجاز ، إذ النهي الارشادي تعلّق بنفس الترك سواء

١٦٦

كان نفس الترك من حيث هو ترك عنوانا راجحا أم كان ملازما لعنوان وجودي ذي مصلحة. وعلى أي حال فالنهي الارشادي لا ينافي الأمر المولوي ، فاجتماعهما في الشيء الواحد ليس بمحال ، لأن النهي الارشادي خال عن الطلب النفساني ، بل انشأه الآمر لمحض الارشاد إلى الخواص كي يجتمع طلب الترك المقرون بالطلب النفساني ، وطلب الفعل الذي ينشأ عن الطلب النفساني في شيء واحد ، إذ الطلب النفساني يكون من لوازم الأمر المولوي والنهي المولوي ولا يكون من لازم النهي الارشادي ، بل في المقام طلب الفعل موجود على طريق الاستحباب على تقدير كون النهي ارشاديا. فلا تغفل فان الغفلة توقع الانسان في الاشتباه.

توضيح القسم الثاني والجواب عنه

قوله : وأما القسم الثاني ...

فقد شرع المصنف قدس‌سره في جواب القسم الثاني وهو ان النهي فيه يمكن ان يكون لما ذكر في القسم الأول من ارجحية الترك من الفعل ، اما لانطباق العنوان الراجح عليه أو لملازمته له وجودا خارجا إلى الأخير طابق النعل بالنعل.

ويمكن ان يجاب عنه بشكل آخر وهو ان النهي في هذا القسم متعلق بحصة خاصة من الواجب كالنهي عن الصلاة في الحمام وفي مواضع التهمة وما شاكل ذلك ، هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى ان هذا النهي تنزيهي لا تحريمي.

وفي ضوء ذلك ظهر ان هذا النهي لا يوجب تقييد اطلاق الطبيعة المأمور بها بغير هذه الحصة المنهي عنها ، لأن النهي تنزيهي وهو لا يوجب التقييد المذكور ، بخلاف النهي التحريمي فانه يوجب التقييد المذكور نحو : لا تصل في المكان المغصوب ، فانه يوجب تقييد اطلاق الطبيعة المأمور بها بغير هذه الحصة المنهي عنها ، أي الصلاة في المكان المباح.

أما بيان ان النهي التنزيهي لا يوجب تقييد اطلاق الطبيعة المأمور بها بغير

١٦٧

الحصة المنهي عنها نهيا تنزيهيا فهو :

ان النهي المتعلّق بحصة خاصة من العبادة على ثلاثة انواع :

الأول : ان يكون ارشادا إلى اقتران هذه الحصة المنهي عنها بالمانع ، كالنهي عن الصلاة فيما لا يؤكل وفي النجس وفي الميتة مثلا ، فان هذه النواهي ارشاد إلى مانعية هذه الامور عن الصلاة ، وارشاد إلى تقييد طبيعة الصلاة بعدم هذه الامور بمقتضى الفهم العرفي. كما ان الأوامر الواردة في ابواب العبادات والمعاملات ظاهرة في الارشاد إلى الجزئية والشرطية. والحال انه قد ذكر في المطولات ان هذه الأوامر والنواهي في كلا البابين كثيرة ، مثلا إذا أمر المولى باتيان الصلاة مع الفاتحة والسورة ، فمقتضى الفهم العرفي هو ارشاد إلى جزئيتهما لها ، وإذا أمر باتيانها مع الطهارة فيستفاد منه عند أهل العرف ارشادا إلى شرطيتها لها ، وكذا إذا أمر باتيان بيع الصرف مع التقابض في المجلس فهو ارشاد إلى شرطيته له.

وفي ضوء هذا البيان : قد تبين ان هذه النواهي مقيّدة لاطلاق العبادة والمعاملة بغير الحصة المنهي عنها ، فلا تنطبق الطبيعة المأمور بها على هذه الحصة المنهي عنها ، فهذه الحصة خارجة عن حيز الأمر فلا يمكن الحكم بصحتها ابدا ، لأن الصحة تنتزع من انطباق المأمور به على الفرد المأتي به. وكذا الأمر في المعاملات ، فلا يمكن الحكم بصحتها عند تخصّصها بهذه الخصوصية المنهي عنها نحو بيع الصرف بلا تقابض في المجلس.

فبالنتيجة : لا يجتمع في هذه الموارد المذكورة أمر ونهي معا ، بل يكون النهي موجودا فيها.

الثاني : ان يكون لبيان حكم تحريمي فقط ، كالنهي عن الوضوء من الماء المغصوب وكالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة ونحوهما ، فهذه النواهي تدل على حرمة متعلقها في الخارج ومبغوضيته.

ومن الواضح ان هذه النواهي توجب تقييد المأمور به بغير الفرد المنهي عنه ،

١٦٨

ووجهه واضح ، وهو عدم انطباق المأمور به على المأتي به من غير فرق فيه بين أن يكون الواجب تعبديا أو توصليا.

الثالث : ان يكون النهي تنزيها ملازما للترخيص في متعلقه ، فهذا لا يوجب تقييد الطبيعة المأمور بها بغير الفرد المنهي عنه وبغير الحصة المنهي عنها ، كالنهي عن الصلاة في الحمام وفي المقابر والمرابض ونحوها ، فمعنى النهي التنزيهي جواز امتثال الأمر الواجب بالاتيان بالصلاة في الحمام. فمقتضى الجمع بين امتثال الأمر وبين النهي التنزيهي ان يكون تطبيق الطبيعي الواجب على هذه الحصة في نظر الشارع المقدس مرجوحا بالاضافة إلى تطبيقه على سائر الحصص ، مثلا ان الصلاة في الحمام مرجوحة في نظره عن الصلاة في المسجد أو الحرم أو المنزل ، فاذا علم ما ذكر فالصلاة في الحمام تكون مثل صوم يوم عاشوراء ويمكن ان يكون النهي في القسم الثاني من المكروهات بلحاظ ان الطبيعة المأمور بها مع قطع النظر عن مشخصات الافراد مشتملة على مصلحة ككونها معراجا وقربانا ، والحال انه لا شك في ان مشخصات افرادها مختلفة ، إذ بعضها ملائم للطبيعة المأمور بها كالصلاة في المنزل مثلا ، وبعضها مؤكّد قويّ مضافا إلى كونه ملائما ، كالصلاة في المسجد اول وقتها ، وبعضها مؤكد اقوى كالصلاة في المسجد جماعة أول الظهر مثلا ، وبعضها غير ملائم لها كالصلاة في الحمام ، فخصوصية المكان والزمان دخيلة في المصلحة.

وعليه فيكون النهي في القسم الثاني ارشادا إلى ان هذه الحصة تكون ذات منقصة ومشتملة على الخصوصية لغير الملاءمة ، فلا دخل له بمسألة اجتماع الأمر والنهي المولويين ، لأنه يجتمع في المقام النهي الارشادي والأمر المولوي ، وهو لا ينافيه كما سبق وجهه في القسم الأول من المكروهات. فلأجل اختلاف شخص الافراد من حيث تخصصها بالملاءمة المناسبة وبالملاءمة غير المناسبة يختلف ثواب العبادة ، لأنه ينقص تارة ويزيد اخرى. فالطبيعة المأمور بها في حد نفسها إذا كانت مع تشخص لا تكون مع هذا التشخص شدة الملاءمة ولا عدم الملاءمة ، بل

١٦٩

أمر بين أمرين ، يعني لا تكون معها الملاءمة الشديدة ، ولا يكون معها عدم الملاءمة.

فالأول : كالصلاة في المسجد جماعة أو فرادى ، لا سيما المسجد الحرام الجامع ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرم أمير المؤمنين عليه‌السلام.

والثاني : كالصلاة في الحمام.

واما مثال الصلاة التي لا تكون معها شدة الملاءمة فهي الصلاة في المنزل أو الصحراء مثلا ، فللصلاة في الدار مقدار من المصلحة والمزية ، ولكن تزداد تلك المزية في الموضع الذي كان تشخيص المصلحة بحاله ، أي بالفرد الذي له شدة الملاءمة مع الصلاة ومع الطبيعة المأمور بها. وتنقص المزية والمصلحة في الموضع الذي يكون تشخص الطبيعة المأمور بها بالفرد الذي ليست له شدة الملاءمة والمناسبة لهذا الفرد مع الصلاة التي تكون معراج المؤمن والمؤمنة ، ولأجل هذا ينقص ثوابها تارة ويزيد اخرى.

فبالنتيجة : يكون النهي في هذا الفرد لحدوث نقصان في مزية المصلحة ارشادا إلى الفرد الذي لا نقصان فيه ، او إلى الافراد التي لا نقصان فيها ، كالصلاة في المسجد أو في حرم المعصومين عليهم‌السلام.

ويكون اكثر ثوابا وأجرا ، أي يكون الفرد غير المنهي عنه نهيا تنزيهيا اكثر ثوابا ، فيكون الفرد المنهي عنه اقلّ ثوابا ، كالصلاة في الحمام وفي المقابر مثلا.

فان قيل انه يلزم اشكالان ، إذا كانت الكراهة في العبادات بمعنى اقلية الثواب :

الأول : انّ صلاة الفرادى مثلا اقلّ ثوابا بالقياس إلى صلاة الجماعة ، فلتكن مكروهة ، والحال انها ليست بمكروهة بالاجماع ، لعدم الدليل على كراهتها كتابا وسنة.

والثاني : انه يلزم ان تكون الصلاة في المنزل مثلا مستحبة قياسا إلى الصلاة في الحمام إذ هي افضل منها لخلوّها عن الملاءمة غير المناسبة ، في حين ان ملاك

١٧٠

استحباب الشيء كونه افضل من غيره فيلزم اجتماع الاستحباب والوجوب فيها ، لأنا نلاحظ في كراهة الشيء تارة اقلية ثوابه فيلزم الاشكال الأول ، واخرى مرجوحية الشيء المكروه فيلزم الاشكال الثاني.

قلنا انه ليس المراد باقلية الثواب واكثرية الثواب مطلقتين بلا اضافتهما إلى الشيء ، بل بالاضافة إلى الطبيعة التي تتشخص بتشخص ، وتتخصص بخصوصية ، لا تحدث فيها مزية ولا منقصة تارة كالصلاة في المنزل مثلا ، واخرى تحدث فيها مزية وفضيلة كالصلاة في المسجد ، وثالثة تحدث فيها منقصة كالصلاة في الحمام.

فالأقلية والأكثرية من حيث الثواب انما لوحظتا بلحاظ نفس الطبيعة المأمور بها ، إذ لها مصلحة في حد نفسها مع قطع النظر عن تحققها في ضمن الافراد ، وهي قد تزيد إذا تحققت في ضمن الفرد الكامل ، وقد تنقص ان تحقّقت في ضمن الفرد الناقص ، وقد لا تزيد ولا تنقص بل تبقى على حالها وعلى ما هي عليه إذا تحققت في ضمن الفرد الذي لا يتصف بالكمال ولا بالنقصان ، كالصلاة في المنزل. فاذا قلنا ان الصلاة في المسجد جماعة تكون اكثر ثوابا ، أي تزيد مصلحة الطبيعة المأمور بها ، وليس المراد كونها اكثر ثوابا بالاضافة إلى الافراد الاخرى من تلك الطبيعة ، أي لا نقول ان الصلاة في المسجد الجامع اكثر ثوابا من الصلاة في مسجد السوق حتى تكون مكروهة.

وكذا إذا قلنا ان الصلاة في الحمام اقل ثوابا ، فهو انما يكون بالاضافة إلى نفس الطبيعة التي لا مزية لها ولا منقصة فيها ، كالصلاة في المنزل ، فالمعيار في اقلية الثواب واكثريته هو انما يكون الطبيعة المتشخّصة بتشخّص بحيث لا تحدث مزية ولا منقصة لها مع هذا التشخص كالصلاة في الدار مثلا ، فالصلاة في الحمام التي تتشخّص بالمصلحة الناقصة تكون اقل ثوابا بالاضافة إلى الصلاة التي لا تتشخّص بالمصلحة الناقصة المتنافرة. كما ان الصلاة في المسجد مثلا التي تتشخّص بالمصلحة الكاملة الشديدة الملاءمة اكثر ثوابا بالنسبة إلى الصلاة التي لا تتشخّص

١٧١

بالمصلحة الشديدة الملاءمة.

فالملحوظ في اقلية الثواب ، وفي اكثريته هو نفس الطبيعة من حيث هي هي ، مع قطع النظر عن مشخّصاتها الوجودية سواء كانت ملائمة لها أم كانت غير ملائمة ، فكل فرد من افراد الطبيعة المأمور بها إذا كانت مصلحته زائدة على مصلحة اصل الطبيعة فهو مستحب وافضل الافراد ، كالصلاة في المسجد مثلا ، وكل فرد من افرادها إذا كانت مصلحته ناقصة عن مصلحة اصل الطبيعة المأمور بها فهو مكروه كالصلاة في الحمام أو في المقبرة. فالمراد من اصل الطبيعة الذي يكون ملحوظا اليه هو الصلاة التي لا تتشخص بمشخص ملائم ولا بعدم الملائم فهي مقياس ومعيار ولا تلحظ افرادها بعضها بالاضافة إلى بعضها الآخر حتى يلزم الاشكالان المذكوران آنفا. فليكن هذا المطلب مراد من قال ان الكراهة في العبادات تكون بمعنى اقلية ثوابها كي لا يلزم الاشكالان كما لا يخفى.

بيان الفرق بين القسمين

قوله : لا يخفى ان النهي في هذا القسم لا يصلح إلا للارشاد ...

فالتوجيه المختص بالقسم الثاني ان النهي فيه انما يكون ارشاديا لا نهيا مولويا ، ولو تنزيهيا كراهيا ، إذ كونه مولويا يتوقف على ثبوت مفسده في متعلقه وفي المنهي عنه ، والحال انك قد عرفت ان الصلاة في الحمام ذات مصلحة ولو ناقصة ، ولأجل هذا يصح قصد التقرب بها ويحصل امتثال أمر المأمور به بها ، ولكن لما كانت مصلحتها ناقصة عن مصلحة سائر الافراد التي تكون بدلا عنها ذات المصلحة الكاملة ، فنهي الشارع المقدس عن هذا الفرد ارشاد إلى بدله كي تحصل للمكلف المصلحة الكاملة ، وليس هذا إلا تفضل من المولى. بخلاف القسم الأول فان النهي فيه مولوي ، إذ في صوم عاشوراء مفسدة ، وهي موافقة بني امية ومخالفة الائمة الأطهار عليهم‌السلام ، والحال انه ليس للصوم المذكور بدل حتى يكون النهي ارشادا

١٧٢

اليه ، إذ صوم سائر الايام مستحب في نفسه ، وليس بدلا عنه كما سبق هذا.

ولكن بعد التي واللتيا يمكن حمل النهي في القسم الأول على الارشاد ايضا ، ولكن ارشاد إلى ارجحية ترك الصوم في يوم عاشوراء من فعله ، ولا يكون ارشادا إلى بدله ، إذ ليس له بدل بخلاف القسم الثاني إذ له بدل ، بل بدل كامل العيار وهو الصلاة في المسجد ، أو اكمل العيار كالصلاة في حرم مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام لمجاوره.

الجواب عن القسم الثالث

قوله : وأما القسم الثالث ، فيمكن ان يكون النهي فيه عن العبادة المتحدة ...

لمّا فرغ المصنّف من توجيه القسمين الأولين شرع في توجيه القسم الثالث ، فقال انه يحتمل ان يكون النهي فيه عن العبادة المتحدة مع ذاك العنوان المنهي عنه ، وهو الكون في مواضع التهمة إذا كانت الصلاة هي الكون والافعال والأقوال كما سبق في بيان القسم الثالث ، كما يحتمل ان يكون النهي عن العبادة الملازمة لهذا العنوان المذكور إذا كانت الصلاة هي الأقوال والأفعال ، ولكن الكون خارج عن حقيقتها وماهيتها إذ هو مقدمة وجودية لها ، كالوضوء الذي هو خارج عن حقيقتها إذ هو مقدمة وجودية للصلاة الصحيحة المأمور بها ، ولكن تعلق النهي بها بالعرض والمجاز ، أي اسناد النهي اليها ، كأن يقال أن الصلاة منهي عنها نهيا مجازيا عقليا ، وهذا الاسناد تبعي ، لأن المنهي عنه هو الكون في مواضع التهمة أولا وحقيقة ، فاسناده اليه حقيقي ، ففي الحقيقة نهي المولى عن الكون فيها ، إما بلحاظ اتحاد الصلاة معه وجودا أو بملاحظة ملازمتها له خارجا ، تعلق النهي بها مجازا وبالعرض ، ففي الحقيقة لا تكون الصلاة فيها منهيا عنها ، فلا يجتمع فيها الكراهة والوجوب ، ولا الأمر والنهي ، فلا دخل لها بمسألة الاجتماع وهو ظاهره ، كما إذا نهى المولى عن العنوان الذي ليس ملازما للصلاة خارجا ، ذلك مثل النظر إلى الأجنبية وهو منهي

١٧٣

عنه ، فلو نظر المصلي حال الصلاة اليها فليس المورد من صغريات الاجتماع ، أي اجتماع الأمر والنهي في الصلاة من حيث الصلاتية ، بل الأمر تعلق بالصلاة ، والنهي بالنظر ، وهو خارج عن حقيقتها. ويدل على خروجه عنها انفكاك النظر عنها إذ النسبة بينهما عموم من وجه.

فكذا إذا نهى المولى عن العنوان الذي يكون ملازما لها ، كالكون في مواضع التهمة الذي هو ملازم للصلاة ، فهذا ليس من باب الاجتماع ومن صغرياته ايضا ، لأن الأمر تعلق بها ، والنهي به ، والحال انه خارج عن حقيقتها والدليل عليه انفكاك احدهما عن الآخر ، لأن النسبة بينهما عموم من وجه ايضا ، وكذا إذا كانت الصلاة متحدة مع الكون المنهي عنه وهو كون فيها طابق النعل بالنعل.

وأجاب المصنّف رحمه‌الله عنه ثانيا وقال : انه يمكن ان يكون النهي عن الصلاة حقيقة ارشادا إلى غير الصلاة في مواضع التهمة من سائر افرادها الذي لا يتحد مع الكون في مواضع التهمة ولا يكون ملازما له ، أي الكون فيها ، إذ المفروض هو تمكن المكلف من استيفاء مزية العبادة والصلاة التي لا تبتلى بحزازة ذاك العنوان الذي هو عبارة عن الكون في مواضع التهمة ، ولا يخفى ان النهي الارشادي لا يتنافى مع الأمر المولوي ، والمنافاة انما تكون بين النهي والأمر المولويين ، واجتماعهما في الشيء الواحد ولو ذا عنوانين وذا وجهين لا يجوز. فالقسم الثالث لا يدل على الجواز كالأوّلين ، أي جواز اجتماع الكراهة المولوية مع الوجود المولوي ، بل مفاده أما أن يكون عدم اجتماعهما في الشيء. الواحد إذ النهي قد تعلق بالكون في مواضع التهمة حقيقة والأمر بالصلاة حقيقة.

وإما مفاده تعلق النهي الارشادي والأمر المولوي بها ، مع أنّ مورد البحث في هذه المسألة هو اجتماع النهي المولوي والأمر المولوي في شيء واحد ذي عنوانين.

قوله : هذا على القول بجواز الاجتماع ...

فالقول بان العبادة بنفسها مأمور بها وان العنوان المتحد معها أو ان العنوان

١٧٤

الملازم لها ، كالكون في مواضع التهمة ، هو المنهي عنه حقيقة ، يتمّ على القول بجواز الاجتماع ، إذ مبنى الاجتماع هو عدم التنافي بين الامر والنهي بعنوانين ، فالمأمور به هو عنوان الصلاة ، والمنهي عنه هو عنوان الكون في مواضع التهمة ، فالتنافي بين الأمر والنهي مندفع بسبب تعدد العنوان ، والحال انه قد يجمع المكلف بينهما بسوء اختياره فلا اشكال حينئذ اصلا.

ويتمّ القول المذكور ايضا على القول بالامتناع إذا كان العنوان ملازما للعبادة لا متحدا معها ، لأن القول بالامتناع يختص بصورة اتحاد العنوانين ، ولا يجري في صورة تلازم العنوانين ، غاية الأمر ان امتناع اختلاف المتلازمين في الحكم يؤدي إلى امتناع فعلية المتلازمين من حيث الحكم ، لكن يصح الاتيان بالعبادة حينئذ من حيث ملاك الأمر فيها كما تقدم في الضد الواجد الأهم بلا ورود الأمر بها.

وأما في صورة الاتحاد فيتمّ ايضا على القول بالامتناع مع ترجيح جانب الأمر ، فتصح العبادة للامر بها فعلا ، هذا اولا. وثانيا للاجماع على صحة العبادة المكروهة ، فاذا كان المفروض صحة العبادة فهذا المفروض ملازم لتقديم جانب الأمر ، إذ مع تقديم جانب النهي لا مجال لصحتها اصلا ، كما تقدّم.

وحيث كان المفروض جانب النهي الملازم لتعلق الأمر الفعلي بالعبادة على القول بالامتناع فالنهي المتعلق بها يمتنع ان يكون مولويا لمنافاة النهي المولوي لصحة العبادة فيحمل على الارشاد إلى نقص في مصلحتها من اجل اقترانها بالخصوصية الخاصة التي هي عبارة عن ايجادها في مواضع التهمة كي يأتي المكلف بالفرد الآخر الذي هو مجرد عن المنقصة كالصلاة في غير مواضع التهمة ، فحال النهي في القسم الثالث كحاله في القسم الثاني ، فيحمل النهي فيه ، أي في القسم الثالث ، على الارشاد الذي حمل في القسم الثاني عليه طابق النعل بالنعل.

وحيث ان النهي في القسم الثالث يرجع إلى النهي في القسم الثاني بالدقة العقلية ، وذلك لأن اتحاد العنوان المنهي عنه مع العبادة يوجب تشخصها بمشخص

١٧٥

غير ملائم للطبيعة المأمور بها فينقص لأجله مقدار من مصلحتها ، فالنهي يكون ارشادا إلى تلك المنقصة كي يأتي العبد بالطبيعة في ضمن الفرد الآخر الفاقد للحزازة والمنقصة فيكون حال الصلاة في مواضع التهمة كحالها في الحمام ، فاجتمع الأمر المولوي والنهي الارشادي في الموضعين ، ولا منافاة بينهما فلا دخل له بمسألة الاجتماع ، لأنها انما تكون في مورد اجتماع الأمر المولوي والنهي المولوي في شيء واحد ذي عنوانين.

فان قيل : لم يكون حال الصلاة في مواضع التهمة كحال الصلاة في الحمام؟

قلنا : انه على الامتناع ليس اتحاد الصلاة مع الكون في مواضع التهمة وجودا إلا من مخصصات المأمور به ومشخصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزية زيادة ونقيصة على حسب اختلافها في الملاءمة مع المأمور به ، كما سبق هذا مفصلا في القسم الثاني.

فتحصّل مما ذكر : ان اتحاد الصلاة مع الكون في الحمام يكون من مخصصاتها ومشخصاتها اللتين توجبان اختلاف الطبيعة المأمور بها بحسب اتحادها معها وعدم اتحادها معها ، فكذا اتحادها مع الكون في مواضع التهمة وجودا يكون من مخصّصاتها ومشخّصاتها بحيث تختلف الطبيعة.

وعلى الجملة : فالأمر والنهي ، وان كانا ظاهرين في المولوية فلا يمكن حملها على الارشاد بلا قرينة ، إلا ان هذا الظهور ينقلب في هذه الأوامر والنواهي الواردة في ابواب العبادات والمعاملات ، فهما ظاهران فيها في الارشاد دون المولوية بمقتضى المتفاهم العرفي وهو واضح.

وفي ضوء هذا البيان : قد تبيّن ان هذه النواهي مقيدة لاطلاق العبادة والمعاملة بغير الحصة المنهي عنها فلا تنطبقان عليها.

فان قيل : انه إذا كان النهي في هذه الموارد مقيدا لاطلاق العبادة والمعاملة بغير الحصة المنهي عنها ، فلا تكون هذه الحصة بمأمور بها في العبادات ، فلا تكون

١٧٦

الصلاة في الحمام أو في موضع التهمة صحيحة لاحتياج العبادة إلى الأمر ، مع أنها صحيحة فيهما بالاجماع.

قلنا : ان العبادات من حيث الصحة لا تحتاج إلى الأمر الشرعي ، بل تكفي في صحتها مصلحة ، وهي موجودة فيها ، إذ لا فرق بين الصلاة في الحمام أو في موضع التهمة ، وبينها في المسجد أو في الدار صورة ومصلحة ، إلا ان مصلحتها في الأماكن المكروهة ناقصة عن المصلحة في الأماكن المقدسة الراجحة والأماكن المباحة ، فالصلاة من حيث هي ذات مصلحة وملاك موجبة للقرب ولا تكون من حيث كونها مأمورا بها فقط موجبة له ، أي للقرب إلى ساحة المولى الحكيم.

توضيح : وهو ان النهي عن الصلاة في مواضع التهمة ان كان بلحاظ كون يتحد معها بناء على ان الأكوان داخلة في ماهيتها فلا محالة يكون النهي عن الكون في مواضع التهمة ارشاديا ، لأن الحزازة موجودة فيها ، فالشرع المقدس أرشد عباده من باب اللطف ، إلى ايجاد الطبيعة المأمور بها في ضمن الفرد الذي يكون مجردا عن هذه الحزازة والمنقصة ، فلا دخل له بمسألة الاجتماع. وان كان النهي بلحاظ عنوان ملازم الصلاة حقيقة ، والحال ان تعلّقه بالصلاة المأمور بها يكون بالعرض والمجاز ، فلا يكون اجتماع الأمر والنهي في الشيء الواحد ، لأن الأمر تعلق بالصلاة ، والنهي بالكون في مواضع التهمة ، كما هو الحال كذلك.

فالدليل الأول مردود.

تفسير الكراهة في العبادات

قوله : وقد انقدح بما ذكرناه ...

وقد ظهر من انقسام العبادات المكروهة إلى ثلاثة اقسام انه لا وجه لتفسير الكراهة في العبادات باقلية الثواب في القسم الاول منها مطلقا لأنه ليس للقسم الأول كصوم يوم عاشوراء بدل حتى يصح ان يقال ان النهي عنه لمنقصة فيه ويكون

١٧٧

ارشادا إلى سائر الافراد مما لا منقصة فيه ، أو لا منقصة فيهما بحيث كنا نتخير بين الصوم في يوم عاشوراء وبين بدله عقلا ، فان قيل ان صوم يوم آخر غير العيدين بدل عنه ، وهو افضل واكثر ثوابا منه فيتحقق معنى اقلية الثواب فيه ، فتحمل الكراهة في القسم الأول على اقلية الثواب.

قلنا : لأن المفروض ان صوم كل يوم ، غير العيدين ، مستحب تعييني لا تخييري حتى يتحقق البدل لصوم يوم عاشوراء ، ثم ان المقصود من قول المصنّف قدس‌سره (مطلقا) ، أي سواء قلنا بالجواز أم قلنا بالامتناع ، كما سيأتي وجه ذلك.

قوله : وفي هذا القسم على القول بالجواز ...

والنكتة في عدم جريان اقلية الثواب للكراهة في القسم الثالث من العبادات المكروهة على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد ذي عنوانين ، أنّ متعلق الأمر والنهي على هذا القول متعدد مطلقا ، أي سواء تعلق النهي بالصلاة لأجل عنوان يتحد معها وجودا أم تعلق بها لأجل عنوان ملازم لها خارجا ، فاذا كان المتعلق ، أي متعلقهما ، متعددا ، لأن الأمر تعلق بالصلاة والنهي بالكون ، فلا منقصة في العبادات لعدم تعلق النهى بها حتى يقال ان النهي لحزازة فيها وانه للارشاد إلى سائر الافراد.

وأما على الامتناع ، ففي المقام تفصيل ، وهو انه إذا كان تعلق النهي بها لأجل عنوان يتحد معها وجودا ، فلا تكون الصلاة في مواضع التهمة مأمورا بها ، بل منهيا عنها فقط ، ويكون للارشاد إلى سائر الافراد لمنقصة فيها ، فتكون الكراهة بمعنى اقلية الثواب ، أي يكون المنهي عنه ، وهو الصلاة في مواضع التهمة ، اقل ثوابا من سائر أفراد الطبيعة المأمور بها.

وإذا كان تعلق النهي بها لأجل عنوان ملازم لها ، فيكون متعلقهما متعددا حينئذ ، فلا تكون المنقصة فيها كي تكون اقل ثوابا من غيرها.

فتلخّص مما ذكر : ان القسم الأول من العبادات المكروهة لا تكون الكراهة

١٧٨

فيه بمعنى اقلية الثواب مطلقا ، أي سواء قلنا بالجواز أم قلنا بالامتناع ، وان القسم الثاني منها تكون فيه بمعنى اقلية الثواب مطلقا ، وان القسم الثالث تكون بمعنى اقلية الثواب على الامتناع ، إذا كان النهي عنها لأجل عنوان يتحد مع العبادة وجودا.

وأما إذا كان لأجل عنوان ملازم لها في هذا القسم فلا تكون بمعنى اقلية الثواب لانتفاء النهي رأسا عن العبادة لتعدد المتعلق كما انه لا تكون الكراهة بمعنى اقلية الثواب فيه على القول بالجواز ، فالمنقصة فيها تلازمها خارجا ، كالكون في موضع التهمة ، ولا تكون في العبادة اصلا.

وفي ضوء هذا البيان : ظهرك لك ان في كل قسم ، تكون فيه الكراهة بمعنى اقلية الثواب ، يكون النهي فيه ارشاديا كما في القسم الثاني والقسم الثالث في صورة اتحاد العنوان المنهي عنه مع العبادة وجودا. نعم ، يكون النهي في القسم الأول ارشاديا إلى ارجحية ترك صوم يوم عاشوراء لانطباق عنوان مخالفة بني امية عليه ، ولا يكون ارشادا إلى المنقصة في الصوم المذكور حتى يكون ارشادا إلى الافراد التي لا حزازة فيها ، كما علم هذا سابقا.

كما يكون النهي ارشاديا إلى ارجحية ترك العبادة في مواضع التهمة في صورة الملازمة ، كالنهي عن المعاشرة مع الاجنبية ارشادا إلى ارجحية تركها في صورة الملازمة بينها وبين النظر المحرّم اليها.

قوله : كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها ...

وقد ظهر من اجوبة العبادات المكروهة حال اجتماع الوجوب والاستحباب في العبادة كالصلاة في المسجد أو حرم امير المؤمنين عليه‌السلام. فاذا فعل المكلف صلاة الصبح مثلا في مسجد الكوفة فهذه تكون واجبة ومستحبة من جهة اتيان الصلاة المكتوبة في المسجد المذكور أو في حرم مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام.

ولا يخفى ان العبادة المستحبة ، تارة تكون اكثر مصلحة لشخصها بماله دخل في ذلك ، كاتيانها في الأماكن المقدسة كالمسجد الحرام مثلا.

١٧٩

واخرى ينطبق عليها عنوان ذو مصلحة ويتحد معها وجودا ، كاتيانها مع الاذان والاقامة أو مع السورة التي وردت الرواية باستحبابها في الفريضة على خلاف بين الأعلام في السورة.

وثالثة يلازمها عنوان كذلك خارجا ، كاتيانها في حال الخضوع والخشوع ، ولا اشكال في امكان كون الأمر في الجميع ارشاديا حقيقيا كما في الاولى ، وعرضيا كما في الاخيرين إذ انه تعلق في الاولى بذات العبادة كقول المولى (صلّ في المسجد الحرام) ولأنه تعلق في الاخيرتين بأمر خارج عن حقيقتها ، فتعلق اولا وبالذات به ، وتعلق ثانيا وبالعرض بها ، كقوله : اقرأ الأذان والإقامة في صلاتك ، واخضع في صلاتك ، أي صلّ بالاذان والاقامة وبالخضوع والخشوع.

وأما كونه مولويا فهو واحد ، وهو غير جائز بالاجماع ، فلا يصح ان يقال ان الصلاة واجبة من حيث انها صلاة في المسجد الحرام ، وانها مستحبة من حيث إنها صلاة فيه ، وكذا في الثانية يمتنع كونه مولويا على القول بالامتناع.

أما على الجواز فلا ضير فيه ، لأنه بعنوانين ، ويكون تعلق الأمر بالعبادة عرضيا.

توضيح ذلك : على القول بالامتناع يتحد العنوان ، وعلى القول بالجواز يتعدد العنوان ، وفي الثالثة يجوز كونه مولويا لو جاز اختلاف المتلازمين في الحكم ، ويكون تعلقه بالعبادة عرضيا ايضا كالثانية ، ويمتنع كونه مولويا لو امتنع اختلاف المتلازمين في الحكم ، فعلى القول بالامتناع تعلق الامر الاستحبابي بعين ما تعلق به الامر الوجوبي ، فلا يمكن ان يكون الشيء واجبا ومستحبا بعنوان واحد.

وعلى القول بالجواز لا يكون الامر الاستحبابي متعلقا بما تعلق به الامر الوجوبي.

فخلاصة التصرف : في مورد اجتماع الوجوب والاستحباب ، كالصلاة في المسجد مثلا ، يمكن ان يحمل الامر الاستحبابي على الارشاد إلى افضل الافراد

١٨٠