التحسين والتقبيح العقليّان من البديهيات في مجال العقل العملي :
قد وقفت على أنّ محلّ النزاع هو كون الفعل بنفسه موضوعاً للتحسين والتقبيح فعندئذ يطرح السؤال بأنّه كيف يصحّ للعقل القضاء البات على أحد الوصفين بملاحظة نفس الفعل ، وما هو السبب لقضائه؟ ولإيضاح هذا الجانب نقول : إنّ هنا وجهين لتقريب ذلك وإليك تقريرهما :
١ ـ لزوم انتهاء المجهولات إلى المعلوم بالذات في العقل النظري والعملي :
إنّ الحكماء قسّموا العقل إلى عقل نظريّ وعقل عمليّ ، فقال المعلّم الثاني : «إنّ النظرية هي التي بها يحوز الإنسان علم ما ليس من شأنه أن يعمله إنسان ، والعملية هي التي يعرف بها ما من شأنه أن يعمله الإنسان بإرادته».
وقال الحكيم السبزواري في توضيحه : «إنّ العقل النظري والعقل العملي من شأنهما التعقّل ، لكن النظري شأنه العلوم الصرفة غير المتعلّقة بالعمل مثل : الله موجود واحد ، وانّ صفاته عين ذاته ، ونحو ذلك.
والعملي شأنه العلوم المتعلّقة بالعمل مثل : «التوكّل حسن» و «الرضا والتسليم والصبر محمود» وهذا العقل هو المستقل في علم الأخلاق ، فليس العقلان كقوتين متباينتين أو كضميمتين ، بل هما كجهتين لشيء واحد وهو الناطقة». (١)
إذا عرفت ذلك نقول : كما أنّ في الحكمة النظرية قضايا نظرية تنتهي إلى قضايا بديهية ، ولو لا ذلك لعقمت القياسات وصارت غير منتجة ، فهكذا في الحكمة العملية ، قضايا غير معلومة لا تُعرف إلّا بالانتهاء إلى قضايا ضرورية ،
__________________
(١) تعليقات الحكيم السبزواري على شرح المنظومة : ٣١٠.